شبكة ذي قار
نحو صياغة حدود واضحة بين الفكرين القومي والإسلام السياسي (ج1)

نحو صياغة حدود واضحة

بين الفكرين القومي والإسلام السياسي

(ج1)

حسن خليل غريب

تمهيــد

أعطى حزب البعث العربي الاشتراكي أولوية للرابطة القومية وميَّزها عن كل ما عداها من المقومات التي أسهمت في تكوينها، والإسلام هو أحد تلك المقومات. هذا ما هو واضح في فكر الحزب -من خلال دستوره- حيث جاء فيه ما يلي: إن «الرابطة القومية، هي الرابطة الوحيدة القائمة في الدولة العربية، التي تكفل الانسجام بين المواطنين، وانصهارهم في بوتقة واحدة…»( 1). وكانت القومية تتمتَّع دائماً بالحد الأدنى من «المقومات الضرورية التي كوَّنتها اللغة والدين والتراث، وهي الآن ترتفع فوق هذه المقومات جميعاً لتزداد حياة وإنسانية” (2 ).

من الواضح، هنا، أن الحزب أعطى أرجحية مطلقة للقومية، وهذه مسألة لا لبس فيها. فالقومية، إذاً، ثابت والمقومات التي أسهمت في تكوينها هي، حكماً، من المتغيرات. فهل أثبت التاريخ صحة هذه النتيجة؟

 -على صعيد المقـوِّم الديـني: وُجد العرب قبل الإسلام. وجاء الإسلام ليسهم بشكل أساسي في تكوين المسألة القومية العربية. أي بمعنى أنه وحَّد بين القبائل العربية سياسياً في ظل دولة واحدة. ووحَّدهم ثقافياً حول وحدانية الله. وأسهم في نشر اللغة العربية. وساعد على بناء دولة لعبت دوراً في تأسيس حضارة جديدة أخذت تنافس الحضارات التي كانت سائدة في تلك المراحل. وقد استفاد منها وأفادها.

-على صعيد مقـوِّم اللغـة: لم تكن معظم الشعوب التي ضمَّتها الدولة الإسلامية، من خلال الفتوحات الإسلامية، تعرف اللغة العربية، بل كانت لها لغاتها الخاصة السابقة على انضمامها للدولة العربية الإسلامية. سعت تلك الشعوب -في سبيل فهم الدين الجديد- لاكتساب اللغة العربية، فأصبحت لغة الدولة، وانكفأت لغات الشعوب الجديدة التي انضمَّت إلى الدولة الإسلامية، وظلَّت جزءًا من تراثها، لكن بدون دور مميَّز لها على الصعد الثقافية أو الاقتصادية أو السياسية.

-على صعيد مقـوِّم التراث: وسم التراث الثقافي الإسلامي الثقافة العربية بعمق واضح. فكان التراث عربياً، قبل التبشير بالدعوة الإسلامية؛ ولما استطاع الإسلام أن يضيف إليه إضافات ذات تأثير كبير، أصبح التراث عربياً إسلامياً.

 ومن هنا نرى أنه لا يمكن لأي مقوم بمفرده أن يشكل إطاراً قومياً قائماً بذاته. لذا كانت القومية العربية هي الثابت الوحيد الذي استفاد من جملة تلك المقومات لكي يكسبها خصائصها العربية. فتوحَّدت تلك المقومات بما أصبح يُعرَف بالخصائص العربية. وهنا يتبادر السؤال التالي إلى الذهن: هل ألغى الإسلام كل التراث العربي، أي التراث الذي له علاقة بالثقافة العربية -السابقة عليه- من لغة وعادات وتقاليد اجتماعية، بدءًا من تقاليد الكرم والنخوة وتعاون ذوي القربى…؟ وهل طالت المتغيرات الإسلامية عمق الثقافة الدينية، بمعنى الحج إلى الأماكن المقدسة، والأشهر الحُرُم، وتقاليد الحج وأوقاتها، وغيرها…؟

 وهنا يمكننا القول بأن الإسلام أسهم في تشكيل القاعدة الثقافية للعرب، وليس هو الذي شكَّلها لوحده. وأبقى على الكثير من أسس الثقافة العربية التي سبقته ، وقام بتشريعها بالكامل. لقد نقل الإسلام ، الكثير من مبادئ الثقافة الدينية، ولم يتجاهل حتى بعض تفاصيلها السابقة وأدخلها في نصوص الكتاب وأعراف السُنَّة النبوية الشريفة. وهناك عدد من الأمثلة: لقد أبقى الإسلام على نظام الحج ومناسكه ووظائفه، والأشهر الحُرُم، ومبادئ الشورى وغيرها (3).

 يدفعنا هذا السبب إلى التوقف قليلاً عند نسخ ما التصق في أذهاننا ، من أن الإسلام يلغي ما قبله. ولهذا وُصِمَت مرحلة ما قبل الإسلام بالجاهلية. وأصبحت الجاهلية تهمة، وسكن الخوف نفوس البعض من العودة إلى التنقيب عن بعض جوانب تراثها الحضاري، والاطلاع الكافي عليها. وقد يخشى المتزمتون ، إذا قمنا بدراستها، من أن نجد بأن الإسلام في الحقيقة قد نقل عنها الكثير من المبادئ الاجتماعية والدينية بدون أي تغيير أو تبديل؛ وهذا ما يُضعف حسب اعتقادهم قدسية الإسلام، وهذا غير صحيح.

لم ينسخ الإسلام كل ما كانت تتميز به الثقافة العربية قبل التبشير بالدعوة الإسلامية. لقد نسخ بعضها وأبقى على الكثير من معالمها. فعلى صعيد العبادة، كان العرب يعبدون الأصنام، وفي المقابل كانت قلة من العرب يُسمَّون بالأحناف تدعو إلى عبادة إله واحد. وكانت نخبة من عرب قريش تنتظر ظهور نبي عربي منهم. وبعد انتصار الدعوة الإسلامية تغيِّرت المعادلة الثقافية على الشكل التالي: كان العرب يعبدون الأصنام قبل الإسلام، وأصبحوا بعده عرباً يعبدون الإله الواحد وهو الله سبحانه وتعالى، ولم تتغيَّر هوية العرب؛ وبقيت الهوية العربية ثابتاً بينما الذي أصابه التغيير هو المقومات والاسس والهوية الثقافية الدينية. ولذلك لا ينتقص الأمر من هوية من لا يدين بالإسلام من العرب. فالمسيحيون، الذين اعتنقوا المسيحية قبل أن تنزل الدعوة الإسلامية، ظلوا عرباً. ولم يغيِّر انتسابهم، إلى دين غير الإسلام، من هويتهم القومية.

 لم يكن الإسلام، بمفرده، هو الذي شكَّل الهوية الثقافية للعرب. فكان للعرب قبل الإسلام ثقافة مرحلة ما قبل الإسلام، أي ما عُرفت بالمرحلة الجاهلية. ومهدَّت ثقافة تلك المرحلة لنشأة الإسلام. ما سبق من القول لهو تدليل على أن العروبة هي الوعاء الأوسع الذي يوحِّد بين الذين يسكنون الأرض العربية.

جاءت الدعوة الإسلامية لكي تُكسب الأمة العربية ثقافة جديدة خطت بها أشواطاً كبيرة في تغيير كثير من بُنى الثقافة القديمة. وجاءت الثقافات الوافدة الأخرى، بعد الفتوحات العربية الإسلامية الكبرى، من يونانية واسيوية وهندية وفارسية، وربما غيرها… لتتلاقح مع الثقافة العربية الإسلامية لتزرع بذور نهضة ثقافية جديدة على مرِّ العصور والقرون التي رافقت مراحل حكم الدولة العربية الإسلامية، ولتصل بها إلى مراحل الدولة الإسلامية الأممية في العصرين المملوكي والعثماني، قبل أن تستقر عليه الأحوال التي نعيشها اليوم بعد الحرب العالمية الاولى في أوائل القرن العشرين الميلادي.

ابتدأت المرحلة المعاصرة، منذ بداية انتصار الحلفاء على الامبراطورية العثمانية. وفيها انفصلت شتى ولاياتها وعادت إلى قومياتها الأم. وبقيت الولايات التي كانت عربية، أو التي تعرَّبت بفضل الفتوحات العربية الإسلامية، تفتش عن تحديد لمصيرها. حددت الأمة العربية أهدافها -كما نرى اليوم- في أن تصل إلى نهاية وحدوية في إطار قومي عربي أولاً، وفي إطار وحدوي سياسي ثانياً. فمعيار مصلحة العرب هو العمل من أجل تعميق ثقافة قومية وتوحيدها على طريق بناء دولة عربية واحدة.

شكَّل الإسلام  القاعدة الثقافية للعرب لمرحلة زمنية طويلة. ولم تكن الثقافة الإسلامية القاعدة الثقافية الوحيدة للعرب، بل كانت من أهم تلك القواعد التي استندت إليها الدولة العربية – الإسلامية لقرون عديدة؛ لكننا لا نرى أن الثقافة جسم جامد لا يلحقه التغيير من أمامه أو من خلفه، وهي لا تمثِّل -في أية مرحلة من مراحلها- نسخاً وإلغاءً لكل ما سبقها من ثقافات، بحيث تبتر القديم بشكل كلّي، بل هي تتواصل مع القديم، وتمهِّد لتطوير جديد. فالثقافة مقوِّم متحرك ومتطور، وهو عرضة للإغناء والتطوير. وتصبح تلك النتيجة غير ذات فائدة إذا أصبح منطق التطور من المستحيلات. لكن استحالة التغيير لم تثبت حتى الآن، بل العكس هو الصحيح، لأن الحياة تتبدَّل باستمرار بوسائلها وطرق استمرارها.

ان تاريخ الثقافة الإسلامية والعربية قد أثبت ذلك فعلاً. ويكفينا دليلٌ هو ما اكتسبته تلك الثقافة من تطوير وإدخال وتعديل طوال مراحل الحركة الفكرية العربية الإسلامية. فهل الفلسفة والمنطق والقياس والبرهان المنطقي ومظاهر الفلسفة الصوفية، ومظاهر العلوم العقلية والكيمياء والجبر والهندسة والفيزياء والطب، إلاَّ من مظاهر تفاعل الحضارات، السابقة على الإسلام، مع الحضارة العربية؟

وهل نتناسى، في المراحل التاريخية المعاصرة، ما للحضارات الأوروبية من تأثير على البُنية الثقافية العربية الإسلامية؟

إننا لا يمكن أن ننكر أن التغيير يطال شتى نواحي حياتنا، ومنها ثقافتنا، أو قل منها الذي أصبح يتعارض أو لا يتلاءم مع معطيات الحياة المعاصرة. ولا يمكن أن نعود إلى ما يقوله السلفيون ” لا يصلح الخلف إلاَّ بما صلح به السلف”.

إن الأمة العربية قد أشعَّت بالكثير الكثير من الفضل الحضاري على أوروبا. وكان النتاج الحضاري، من فلسفة وعلوم، بريادة أفذاذ من المفكرين العرب، وغيرهم من المسلمين الذين تعرَّبوا. وهم من الذين انفتحوا على ثقافة الآخرين لإغناء الثقافة العربية الإسلامية، فأبدعوا ما أبدعوه، وكان نتاج إبداعهم هو ما استورده العقل الغربي ليستعين به على الرد على العقل السلفي المسيحي الذي كان سائداً في أوروبا في العصور الوسطى. استخدم الأوروبيون، إذاً، نتاج العقل العربي، لمقاومة نتاج العقل السلفي الأوروبي المسيحي. لقد نقل العقل الغربي نتاج العقل العربي لكي يرد به على سلطات الكنيسة المطلقة، التي كانت تمارسها على شؤون الأوروبيين الدينية والزمنية، حيث كانت تحسب أن سلطتها مستمدَّة من الله.

وحيث إننا كبعثيين نعتقد بأولوية الرابطة القومية، لأن الرابطة القومية ثابت بينما الثقافة ، من المتغيرات. لا نجد مناصاً من أن نعتقد أن لكل من طرفي المعادلة، العروبة والإسلام، خصوصيات، ولأن لهذه الخصوصيات حدوداً، فلا بُدَّ من أن نرى أنفسنا ملزمين، دون غيرنا من أصحاب الاتجاهات الفكرية والعقائدية الأخرى، بأن نسعى إلى توضيح تلك الحدود بأكثر ما يمكن من الدقة.

ولأنه من واجب الحريصين على الدفاع عن منهجهم القومي أن يسهموا في ورشة عمل في سبيل تلك الغاية، نتساءل: كيف يُسهم، كل بدوره، في توضيح تلك الحدود؟

أولاً- دور العقل النقدي في إنتاج المعرفـة الصحيحـة

لا يمكن أن يقوم المثقف بدوره من دون امتلاك العقل النقدي. يقول ميشيل عفلق، في حديث له تحت عنوان (قضية الدين في البعث العربي) في العام 1956م، عن الثقافة ما يلي: “يهمنا أن يكوِّن هذا الجيل لنفسه ثقافة حقيقية متميزة تميزاً واضحاً عن العامية المسيطرة على مجتمعنا. وباختصار يتساءل عفلق:[ كيف نفهم الثقافة؟ فيجيب: هي أولاً مشاركة في الجهد، وليست انفعالاً وتكيفاً، أي أن الذين عليهم أن يتثقفوا يتوجب عليهم أن يتعبوا، وان يتقاسموا الجهد مع مثقِّفيهم، وأن يمشوا بأنفسهم خطوات جديدة في طريق المعرفة والتثقف، إذ لا يجدي قضيتنا شيئاً أن نجمع شباباً لا يعملون أكثر من حفظ بعض الشعارات والكليشيهات والأجوبة العامة الموجزة التي يمكن أن تُفهَم على أي شكل، أي أن لا تُفهَم مطلقاً. على الشعب العربي أن يفهم أن الثقافة هي نوع من أنواع النضال، النضال مع النفس، النضال مع الفكر، لكي يتعب في تحصيل المعرفة، ولكي يجرؤ على تبديل الأسس السطحية في التفكير الشائع التي هي في داخله لكونه ابن وسطه، لكي يعيد النظر في كل الأمور الأساسية حتى يصل إلى النظرة الجديدة، النظرة الانقلابية التي أوجدها الحزب في المجتمع العربي الجديد… فكل شيء يمكن أن يُستعار، وأن يُقلَّد إلاَّ الفكر«.

وإسهاماً في المساعدة على الخروج من الأجوبة العامة الموجزة، ولتبديل الأسس السطحية في الفكر، وصولاً إلى صياغة نظرة واضحة الرؤية في العلاقة بين العروبة والإسلام، ولكي لا يغيب عندنا الوضوح في العلاقة بين العروبة والإسلام. علينا ان نبحث اين هو موقع الفكر البعثي من الإسلام؟ وفيما اذا كان هذا الفهم سياسي، أم ديني؟ . نحن لو عدنا إلى أدبيات الحزب، خاصة تلك التي تندرج تحت دائرة الأدبيات المحكمة (أي المحدَّدة تحديداً واضحاً)، لسلكنا الطريق السليم باتجاه الوضوح. وما يبقى من المسائل التي تثير النقاش  حول تأويلها وتفسيرها، نعمل كل الجهد في أكثر من جلسة حوارية لكي لا نبقيها في دائرة الأدبيات المتشابهة التي تحتمل أكثر من تأويل وتفسير. وبمثل هذه الطريقة، نكون قد اقتربنا أكثر باتجاه العلمية والتفكير العلمي، كي يبقى فكر حزب البعث العربي الاشتراكي واضحاً قريباً من الفهم والاستيعاب وليس أن يبقى عرضة لتأويل من هنا أو تفسير من هناك. وعلى فكرة القومية العربية أن لا تبقى، عند البعثيين، بالشكل العام المجرد ” الذي يحوي من العاطفة أكثر مما يحوي من الفكر” ، بل يتطلَّب الأمر منهم أن ينظموا عملهم، ويفتحوا وعي شعبهم على مفهوم لقوميتهم العربية “عميق إيجابي مكتمل الجوانب«(4 ).

 

ثانيـاً -تعريفات أساسية في فكر البعث حول القومية والدين

  1. أولويـة الرابطـة القوميـة

أ-جاء في دستور الحزب إن »الرابطة القوميةهي الرابطة الوحيدة القائمة في الدولة العربية، التي تكفل الانسجام بين المواطنين، وانصهارهم في بوتقة واحدة« (5)

ب-»تكافح سائر العصبيات المذهبية والطائفية والقبلية والعرقية والإقليمية«(6 ).

ج-»العروبة التي نعمل لها تمنع الضغط الديني وسيطرة طائفة دينية على أخرى«(7)

د-وكما ذكرنا اعلاه “على القومية العربية أن لا تبقى، عند البعثيين، بالشكل العام المجرد ” (8)

  1. العلاقـة بين الدين والإنسان علاقـة روحيـة ضروريـة:

الدين، بشكل عام، هو الركن الأساسي «في نظرة الإنسان إلى الكون» ( 9). فأعطته حركة البعث «دوره المشروع في حياة البشر وتاريخهم، وأعطت الإسلام، الدين العربي، الدين الإنساني… المكانة الأساسية في تكوين قوميتنا». فالإسلام هو التراث الروحي، وهو الحافز للأمة، هو ملهمها ومرجعها الروحي؛ لكن النظريات، أو الإيديولوجيات الدينية «لا تؤدي الغرض القومي، ولا توصل إلى نتيجة إيجابية «(10 ).

 3.العلاقـة بـين الديـن والقوميـة روحيـة وليست سياسيـة:

أ-تتمتع القومية دائماً ب «المقومات الضرورية التي كوَّنتها اللغة والدين والتراث، وهي الآن ترتفع فوق هذه المقومات جميعاً لتزداد حياة وإنسانية«(11 ).

ب-لا تعني العلاقة الروحية، كحاجة ضرورية للإنسان، أنها شرط لازم وضروري في بناء دولة. وإذا كان الدين، بشكل عام، والإسلام بشكل خاص، مقوماً من مقومات القومية العربية فهذا لا يعني إيمانها في إنشاء الدولة الدينية، لأن العرب لا يريدون أن تكون قوميتهم دينية، فللدين مجال آخر (12 ). وإذا كان البعث قد أدخل الدين إلى الحياة القومية، إلاَّ أنه لم يجعل من مهمته مهمة دينية(13 ).

ج-الدعوة إلى الدولة الإسلامية، على أساس فكرة دينية،  ستصطدم بتحديد المذهب الذي سيحكم المسلمين…؟ وعند ذلك سنجعلهم ينقسمون عند خط البداية

  1. 4. العلاقـة بين العروبـة والإسلام هي علاقـة العروبـة مع حركتها الثوريـة

تقوم في داخل كل مجتمع، في زمان ومكان معيَّنين، حركة تعمل على تجديد بُناه الثقافية، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وإذا كانت الحركة تتميَّز بالتجديد يعني أنها تقوم بثورة على القديم. وإذا استطاعت أن تحقق النصر للجديد تكتسب صفتها الثورية. فتمثل تلك الحركة، تاريخياً، ثورة تميَّز المجتمع الذي حصلت في داخله.

 لكن، شعارات الثورة لا تكتسب صفة الديمومة والثبات، فهي تتغير وتتبدل وتتجدد مع تغير الظروف وتبدلها. ولأن المراحل لا تكتسب صفة الديمومة والثبات فإن ما كان ثورياً في زمان ومكان ما يصبح متخلفاً في زمان ومكان آخرين. ساعتئذٍ على الثورة أن تجدد في شعاراتها وأهدافها لتتناسب مع روح العصر الجديد في حياة المجتمع.

 فالإسلام، كان في زمانه ومكانه، ثورة العرب الكبرى، التي أحدثت ما يشبه الانقلاب في حياتهم، على شتى الصعد. أما بالنسبة لنا، نحن العرب، لما فتحنا صفحة التراث لنستفيد منه في مرحلة التحرر التي تمر بها الأمة العربية المعاصرة، وجدنا أن في ثورة الإسلام الكبرى، في مكانها وزمانها، ما يلهمنا إلى مقدرتنا على خلق ثورة أخرى، لأن لنا تاريخاً مُلهماً في النضال. وإذا أردنا أن نبني حركة ثورية جديدة تقودنا نحو التحرر على شتى الصعد، فلن ننطلق من نقطة الصفر لأننا نمتلك تجارب ثورية سابقة، كان الإسلام من أهمها.

 

 

يتبع لطفاً..

بيان القيادة القطرية لحزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي حول تفجيرات أجهزة الاتصالات

“طليعة لبنان “:

                           العدو الصهيوني يرتكب جريمة حرب جديدة ضد لبنان

                       والمواجهة يجب ان تأخد بعديها الوطني والقومي الشاملين 

 

اعتبرت القيادة القطرية لحزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي ان  ما اقدم عليه العدو الصهيوني من تفجير  لاجهزة اتصالات متعددة الاستعمالات ومنها طوارئ الخدمات المدنية والطبية يشكل جريمة حرب موصوفة تضاف الى مايرتكبه من جرائم ضد الانسانية ،وان مواجهته يجب ان تأخذ بعديها  الوطني والقومي الشاملين  .

 

جاء ذلك في بيان للقيادة القطرية في مايلي نصه.

 

في الوقت الذي يواصل فيه العدو الصهيوني حرب الابادة والتدمير في غزة والضفة الغربية وانتهاكه لقوانين الحرب واحكام القانون الدولي الانساني ،اقدم يوم الثلاثاء السابع عشر من ايلول على ارتكاب جريمة حرب جديدة ، باقدامه على تفجير اجهزة اتصالات متعددة الاستعمالات ، ومنها طوارئ الخدمات المدنية والطبية ، مما ادى الى وفاة العديد  من مشغليها فضلاً الى اصابة الالاف بجروح بعضها خطير جداً.

ان هذا الذي ارتكبه العدو ليس جديداً على ماسبق وارتكبه بحق شعب فلسطين ولبنان وحيث وصلت امداءات عدوانه على الامة العربية.  فمن ينفذ حرب ابادة جماعية في غزة لاتوفر بشراً ولا حجراً ولا شجراً ، لايتوانى عن ارتكاب جرائم جديدة انسجاماً مع طبيعته العنصرية والذي يشكل احتلاله لفلسطين بدعم استعماري متواصل اعلى درجات العدوان على الشعوب وحقها في تقرير مصيرها.

ان ما اقدم عليه العدو يوم امس ، هو مؤشر خطير على مسار الحرب التي يشنها دون اي احترام لقوانيها التي نصت عليها المواثيق والاتفاقيات الدولية ، وهو ما يجعل منه ليس كياناً يحفل تاريخه  بالجرائم وانما ايضا كيان مارق عن كل  شرعية دولية وانسانية واخلاقية. ولهذا فإن مواجهته يجب ان تندرج في اطار معطى الصراع الشامل الذي يتناول وجوده ككيان احتلالي استيطاني الغائي للاخر وكقاعدة متقدمة للنظام الاستعماري بقديمه وحديثه ضد الامة العربية.

إن هذه  المواجهة تقتضي وضع  الصراع  معه في اطار بعديه الوطني الفلسطيني والقومي العربي انطلاقاً من خلفية الاستهداف لفلسطين ارضاً وشعباً وانتماءً قومياً. وعليه فإن كل شعب فلسطين معني بالمواجهة ، وهذا مايملي تموضع كافة قوى المقاومة والثورة الفلسطينية في اطار مرجعية سياسية ونضالية واحدة ، تكون قادرة على ادارة الصراع بكل ابعاده وعناوينه السياسية والعسكرية والتعبوية.

ان القيادة القطرية لحزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي، التي تعيد التأكيد بان العدو الصهيوني ، الذي هو عدو لكل فلسطين شعباً وارضاً ، هو كذلك عدو لكل لبنان شعباً وارضاً ولكل الامة العربية ، ولهذا فان التصدي لمشروعه هو مسؤولية وطنية وقومية في آن ، حيث ان الكل الوطني في لبنان كما الكل القومي  يجب ان يكون شريكاً في اتخاذ القرار بالمواجهة وفي تلقي النتائج. وان وضع المواجهة في اطار بعديها الوطني والقومي الشاملين يحول دون استفراد العدو لجبهات المواجهة معه ،  و يضع حداً لمحاولات الاستثمار السياسي بالقضية الفلسطينية من قبل الذين يوظفون دماء الشهداء الذين يسقطون من ابناء امتنا وخاصة في فلسطين ولبنان في سياق تنفيذ اجندة اهدافهم الخاصة وتحسين مواقعهم في ترتيبات الحلول السياسية التي تتحكم بسقوفها الامبريالية الاميركية.

ان هذا الذي تعرض له لبنان يوم امس من عدوان موصوف يقّدم تحت عنوان الاختراق الامني ،يجب ان يكون عاملاً ضاغطاً كي يعيد الجميع في لبنان  النظر في استراتيجية التعامل مع هذا التطور الخطير والنوعي في سياقات الحرب المفتوحة  ، بعيداً عن  التفرد وتبعات وانعكاسات تلقي النتائج بمعطياتها الايجابية والسلبية على المصير الوطني ، كما الوقوف موقف المتفرج على سياقات حرب يعمل العدو على توسيع نطاقها ومداها وما حصل مؤخراً نموذجاً.

ان العدو الصهيوني الذي بدأ ُيخرج مضمر موقفه الى العلن ،باعتبار ان الحرب التي يديرها هي حرب وجود  ، يجب ان يشكل حافزاً اضافياً لكل المنخرطين والمعنيين به من موقع الالتزام بقضية فلسطين كقضية قومية وليس من خلفية الاستثمار بها ، بأن شمولية الانخراط في هذا الصراع على مستوى القرار والبعد العملاني في الياته هو الذي يحول دون العدو من تحقيق اهدافه المرحلية والاستراتيجية  ودون تمرير صفقات الحلول الاستسلامية والتصفوية والاستثمارية بالقضية الفلسطينية.وحتى لاتذهب تضحيات جماهير فلسطين ولبنان وقوى الفعل المقاوم للاحتلال والعدوان سدى.

تحية لشهداء فلسطين ولبنان والامة العربية والشفاء للجرحى والحرية للاسرى والمعتقلين.

 

القيادة القطرية لحزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي

بيروت في ٢٠٢٤/٩/١٨    

النظام الإيراني خطر داهم على العرب

النظام الإيراني خطر داهم على العرب

 

افتتاحية العدد 410 – مجلة صدى نبض العروبة

لقد قالها العراقيون غير ذي مرة، إن النظام الإيراني الكهنوتي هو الخطر الداهم الذي يهدد الوجود العربي برمته، وإن هذا التهديد لا يقل في مخاطره على الأمة العربية عن الخطر الصهيوني، بل إنه في العديد من جوانبه أخطر وأشرس وأكثر لؤماً وحقداً وخبثاً.

إن العقيدة الطائفية لإيران والتي تم تبني دعمها واسنادها وتسليحها من قبل الامبريالية الأمريكية والصهيونية هي معول تهديم الوجود العربي، وهي الخنجر المسموم الذي سمم بعض الجسد العربي وبعثر طاقاته وقواه، ويُستخدم وفق برامج مدروسة لتمزيق مقومات الوجود العربي، الطائفية الإيرانية أخطر بكثير من الاحتلال، لأن أي احتلال محكوم عليه بالزوال إن عاجلاً أو آجلاً، لكن الطائفية فتنة دائمة الشر والخراب وعدوان على وحدة المجتمع وعلى الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

الكيان الصهيوني يستهدف في عدوانه جزء من أرض العرب، غير إن العدوان الفارسي يضع احتلال كل الأرض العربية لصناعة امبراطورية فارسية ذات فضاء جغرافي ضخم لتكون دولة عظمى نصب عينيه وينفذ المشروع منذ احتلال العراق سنة ٢٠٠٣.

المشروع الفارسي باختصار مصمم لابتلاع الجغرافية العربية وأسلحته المدمرة تتلخص في تقويض مقومات وحدة الأمة.

الكيان الصهيوني لم يستهدف البنى العربية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والتعليمية في مختلف أقطار الوطن العربي إلا بالقدر المخابراتي الذي يؤمن وجوده وسلامة كيانه المغتصب لفلسطين، غير إن نظام ملالي طهران قد غرس مخالبه في كل هذه البنى في كل الأقطار العربية التي طالتها أدواته.

لم يؤسس الكيان الصهيوني أحزاباً وميليشيات تعبث بأمن العرب وبمقدراتهم كما فعل النظام الإيراني، ولا نستبعد أبداً أن تكون منهجية العدوان الإيراني وأدواتها هي مزيج ناتج من الحقد الفارسي والعداء الصهيوني الامبريالي.

لم يستهدف الكيان الصهيوني الثروات العربية كما يفعل النظام الإيراني الذي جعل من ثروات العراق مثلاً مصدر تمويل لصناعته وزراعته وتجارته، فضلاً عن مليارات الدولارات التي يستلمها النظام من ميليشياته وأحزابه التي سلطتها ومكنتها أميركا في العراق.

إن على العرب في كل مكان أن يعوا حقيقة وجوهر الغطاء الديني والمذهبي الذي تلتحف به إيران لتغطي أهداف احتلال الوطن العربي.

القضية الفلسطينية ستبقى القضية المركزية

 

القضية الفلسطينية ستبقى القضية المركزية

خالد مصطفى رستم

القضية الفلسطينية كانت ولا زالت تعتبر القضية المركزية الأولى للأمة وعليه فيتوجب على كل الخيرين من أبناء هذه الأمة الوقوف إلى جانب نضالات أهلنا وشعبنا في فلسطين وتقديم العون المادي والمعنوي لهم كي يتمكنوا من الاستمرار في التصدي للعدو الصهيوني المحتل.

الأنظمة العربية لا أمل منها ولا يمكنها ضمن المعطيات الحالية ومن خلال واقعها أن تقدم أي دعم لأهلنا في فلسطين، يبقى الشعب العربي وبكل مكوناته مطالب أن يستمر في دعم حركة المقاومة الفلسطينية.

منذ أن دخلت بعض فصائلها في متاهة الانتماءات الأجنبية والإقليمية واتجه قادتها نحو التفاوض مع العدو الصهيوني المحتل (أوسلو وغيره) فقدت الكثير من مصداقيتها وفقدت قرارها المقاوم وأصبح قرارها بيد الدول الداعمة لها، بل وبعضها أصبح مزدوج الانتماء ولدولتين متضادتين بالنهج السياسي ومع ازدياد الانتماء للأجنبي ازداد شرخ الثقة بين القيادات الفلسطينية والمقاتلين المجاهدين الذين همهم فقط القضية الفلسطينية

المواطن العربي الحامل هم فلسطين والقضية الفلسطينية كان أيضا في موقف صعب فمن جهة يتألم لكون بعض القيادات الفلسطينية تحتفل بقادة حكام إيران الذين أجرموا بحق شعبنا العربي في العراق وسوريا ولبنان واليمن وأصبح قرار هذه المجموعات الفلسطينية المحسوبة على حركة الفداء والمقاومة بيد إيران وتنفذ سياساتها وقواعد الاشتباك لم تعد في حسابات العمل الفدائي وإنما مزاجية إيران التي تهيمن على قرار بعض فصائل المقاومة.

إيمان المواطن العربي بالحق الفلسطيني وأن القضية الفلسطينية هي قضية العرب المركزية ولا يمكن إلا أن يكون هذا المواطن في خندق المقاومة رغم مترادفات كل ذلك وهذا هو الموقف الصعب.

أما من تبقى من المقاومة حاملا هم فلسطين (المقاومة الحقيقية) فهم خارج مراكز التأثير حاليا.

نتمنى أن تعود المقاومة إلى أخذ استقلاليتها بعيدا عن حماس وعباس وأن تعتمد على العمق الجماهيري العربي وأن تبقي علاقاتها مع الحكام العرب ضمن حدود ما أمكن من الاستفادة غير المشروطة منهم على ان لا يسمحون للحكام العرب أو غير العرب بالتدخل مطلقا بشأن المقاومة ولا بقراراتها وخياراتها.

– من جهة أخرى فعلينا أن نكثف العمل باتجاه حركة البناء القومي الهادف لتحقيق الوحدة العربية وهي وحدها الكفيلة بالتحرير (تحرير كل الأراضي العربية المحتلة) وتحقق العيش الأفضل لكل مواطنيها وتحفظ أمنهم وكرامتهم…

والى حين تحقيق تمنياتنا فعلينا أن ندعم المقاومة والعمل المقاوم في كل أحوالها ضد الإجرام الصهيوني والإبادة الجماعية لشعبنا في فلسطين..

16 / 9 / 2024

بيان قيادة قطر العراق بمناسبة زيارة الرئيس الايراني “الحالمة”  الى العراق

بيان قيادة قطر العراق

بمناسبة زيارة الرئيس الايراني الحالمة”  الى العراق

 

 

منذ وصول النظام العنصري التوسعي إلى السلطة في إيران، في شباط 1979، بدعم غربي وشرقي متعدد المحاور والأبواب، وهو يواصل لعبة المرونة والتطرف بين بعض أدواته داخل المؤسسة الحاكمة، وتتناوب على السلطة التنفيذية شخصيات لا تمتلك من سلطة القرار السياسي شيئا، لأنها حكر لما يسمى بالمرشد الأعلى، الثابت في موقعه وغير خاضع لمفهوم التداول السلمي للسلطة، فتارة يوصف هؤلاء بالتطرف والتشدد، ثم لتأتي من بعدها وجوه من داخل مؤسسة الحكم نفسها، لتوصف بالانفتاح داخليا وخارجيا، ويتم تسويقها إعلاميا على أن هناك بارقة أمل بإدخال تعديلات جدية على برامج الحكومة وتوجهات إيران وخاصة على الصعيد الدولي، وانطلت هذه اللعبة على دول غربية وشرقية كثيرة، أو أنها كانت تتعاطى معها على هذا الأساس، أملا بأن تتحول الأمنيات إلى حقائق على الأرض، لكنها في واقع الحال لا تعكس أي قدر من الحقيقة، التي يعرفها القاصي والداني، بأن رأس النظام باقٍ في موقعه وهو الممسك بكل ملفات السياسة الإيرانية واستراتيجيتها، بما في ذلك ملف السياسة الخارجية والملفات الأمنية والاقتصادية، هو الذي يحمل صفة المرشد الأعلى أو ما أصطلح على تسميته بالولي الفقيه أو نائب الإمام الغائب، كل هذا كي يأخذ القائد الصفتين الدينية والدنيوية وبالتالي تعد طاعته تكليفا شرعيا وواجبا دينيا، يًخرج من الملة كل من يعترض على أوامره ونواهيه.

ولأن العراقيين هم وحدهم الذين يعرفون الإيرانيين على حقيقتهم من دون رتوش، فلم تكن كل هذه المسرحيات البائسة لتنطلي حتى على المواطن العراقي البسيط، والعراقيون يعون جيدا أن لإيران وظيفةً محددة ومكلفة بها تعاقديا مع القوى الدولية الكبرى والصهيونية العالمية، أو ضمنياً من خلال التقاء المصالح التي رسمت مساراتها أحداث تاريخية قديمة، وتحديدا منذ قيام قورش باحتلال بابل وإحراقها قبل أكثر من 2500 سنة، و”تحرير” ما يسمى بالسبي البابلي الذي حصل خلال عهد نبوخذ نصر، ومنذ ذلك الوقت والتخادم بين الجانبين قائم على قدم وساق، ولم تعكره السياسات المعلنة لأي من الطرفين، وما يرافقها من شعارات، وقد أشار الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني في أحد تصريحاته السابقة عندما كان يسعى لإزالة سوء الفهم الذي تتركه الشعارات التي ترفع عاليا في إيران ضد الكيان الصهيوني، فذكّر بما فعله الفرس لصالح اليهود في واقعة قورش، واعتبرها عربون صداقة حقيقية بين الطرفين، وحاول تخفيف هواجس الولايات المتحدة خصوصا ومعها الغرب كله، مما يُرفع في بلاده من شعارات حماسية، هدفها الأول والأخير الكسب السياسي في منطقة تنظر إلى فلسطين والأقصى، نظرة عاطفية غلابة، فأرادت بلاده أن تركب الموجة وصولا إلى أهداف أخرى ربما تقع صلتها بفلسطين في آخر جدول الأولويات الحقيقية لإيران.

 

 

وفي خضم هذه اللعبة المفضوحة، جرت انتخابات الرئاسة الأخيرة في إيران، والتي تظاهر فيها خامنئي بدعم المرشحين المتشددين بوجه المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، وكي تأخذ لعبة الولي الفقيه مداها، فقد حث المرشحين المتشددين أن يتنازل بعضهم لبعض، كي يفوتوا على المرشح الإصلاحي فرصة الفوز، ثم أشار إلى اسم محدد كمرشح أقرب إليه من سواه، ولكن صناديق الاقتراع جاءت بغير ما اشتهاه خامنئي أو رغباته المعلنة، فإما أنه كان يتظاهر بعدم دعم مسعود بزشكيان كي يعطي انطباعا عن حرية حقيقية للمواطن الإيراني في الاختيار، وهذه رسالة محددة للغرب حصرا، وإما أن سلطة الولي الفقيه بدأت بالتآكل ولم يعد قادرا على فرض كلمته واحتواء الشارع الإيراني.

 

ثم فاز بزشكيان بالرئاسة وأعلن برنامجه السياسي، لا سيما ما يتعلق بعلاقات بلاده الخارجية، فحدد مسارها بدول الجوار كأولوية أولى له، ثم وعد بأنه سيسعى لتعزيز علاقات بلاده معها ومع أصدقاء إيران التقليدين مثل روسيا والصين، وبعد ذلك أعلن أنه يتطلع إلى أوربا كمنطقة مصالح مشتركة بين الطرفين، وحرص على تجاهل الولايات المتحدة بشأن مساعيه الخارجية، مع أن القاصي والداني يعرف عمق غاطس الود والاتصالات بين الطرفين، والتي لم تنقطع حتى أثناء احتجاز موظفي السفارة الأمريكية في طهران، وكأنه يريد أن يقول بأن العالم كله في كفة والولايات المتحدة وحدها في الكفة الأخرى، لأنه يعي جيدا ما لأمريكا في بلاده من رصيد كبير، يدحض كل الشعارات التي ترفعها الأفواه المتعطشة لعودة العلاقات مع واشنطن إلى ما كانت عليه أيام الشاه، بل أعمق من ذلك.

 

وفي أول خروج له من وراء الستار الحديدي في بلاده، زار بزشكيان العراق، وتعامل معه كأقاليم مختلفة وليس كدولة واحدة ذات سيادة، فكشف في هذه الزيارة عن قناعاته الحقيقية تجاه العراق، وما يضمره له من كراهية متأصلة كموروث وطني مضاد للعراق، ولكن أسوأ ما في هذه الزيارة التصريحات الوقحة عن إزالة الحدود بين البلدين، وكأن هذه الحدود رسمتها معاهد الجغرافية في العالم، ولم ترسمها دماء الآلاف المؤلفة من الشهداء العراقيين عبر التاريخ، الذين دافعوا عن بلادهم، ابتداءً من معركة ذي قار ثم قادسية المثنى بن حارثة الشيباني وسعد بن أبي وقاص، وأخيرا ما شهده القرن العشرين من مواجهات حدودية انتهت أخيرا بقادسية صدام المجيدة والتي كانت تحصل نتيجة تنفس الأحقاد الفارسية ضد العراق، القادسية التي حقق فيها العراقيون أعظم انتصار في أطول حرب شهدها القرن العشرين، عندما جرّع أبطال القادسية الثانية، الخميني ومؤسسته العسكرية والسياسية كأس السم، فأذعن الإيرانيون وركعوا أمام إصرار العراقيين على انتزاع النصر من عيون أعدائهم.

 

 وظن بعض العراقيين أن الأمر قد استقر على حال جديدة على طرفي الحدود، طويت معها كل صفحات التوتر، وربما كان هذا التصور مبنيا على حسن نية أكثر مما تسمح ظروف العلاقات السياسية بين دول يختزن سجلها التاريخي عداء ثابتا، لن تغيره العقود والاتفاقيات الثنائية والجماعية، فقد اختزن الإيرانيون عامل حقد جديد على العراق ليضاف إلى رصيد الأحقاد القديمة، لا سيما وأن الخميني أمرهم في بيانه الطويل بالموافقة على قرار مجلس الأمن الدولي 598 عندما قال لهم “احبسوا حقدكم في صدوركم”، وهذا ما تحقق فعلا أثناء معارك 1991، عندما تواطأت إيران مع دول العدوان الثلاثيني في أبشع صور التواطؤ، فمارست أسوأ ما يمكن أن تفعله الدول مع الدول المجاورة لها، فقد أضمرت نزعة الحقد والثأر الأسود من العراق، تواطئا مع الشيطان الأكبر لطعن العراق بخناجر الغدر التي عُرفت إيران بها عبر التاريخ، ولم يتوقف خزين الحقد عن التعبير عن نفسه مرة أخرى في الغزو الأمريكي الأطلسي الغاشم الذي انتهى باحتلال العراق عام 2003 إذ كشفت التقارير التي خرجت من دول الاحتلال أو صدرت عن مسؤولين إيرانيين.

أن إيران قدمت من التسهيلات والخدمات ما سهّل كثيرا نجاح الغزو، ومن باب رد الجميل لإيران قدمت الولايات المتحدة لها الجائزة الكبرى لتكون شريكا في الاحتلال، بتفاصيل معقدة، فالولايات المتحدة تملك القرار الاستراتيجي الذي يجعلها المتحكمة بالقرار السياسي الأعلى في العراق، وبالمقابل أعطت لإيران كل ما كانت تريده من الامتيازات المالية والاقتصادية والتحكم الشكلي في تشكيلة الحكومة على أساس المكونات، والتحكم بسلطة القرار السياسي المحلي بما لا يتصادم مع المصالح الأمريكية العليا والاستراتيجية في العراق والمنطقة، فصارت “التحالفات الحاكمة شكلاً” في العملية السياسية ألعوبة بيد الحرس الثوري والاطلاعات، يتحكمان فيها كيفما شاءوا، مما لا يتيح فرصة إطلاق كلمة إيجابية واحدة عن كيان الدولة العراقية أو مصالح العراق وسيادته وأمن حدوده، لأن ذلك من المحرمات، ونتيجة تفسير تلك الممارسات تفسيرا دينيا، فقد أصبح من المقدسات التي لا يجوز التقرب من أسوارها لأي عراقي أو مليشيا ولائية يتحكم بها قرار الولي الفقيه.

 

إن حديث بزشكيان عن إزالة الحدود، لا يقبل تفسير الوضع القائم حاليا على جانبي الحدود، بل يتعداه إلى ما هو أبعد من ذلك، فهو يريد لهذه الخطوة أن تأخذ بعداً دستورياً وتعاهديا رسميا، وإلا فإنه لو كان يقصد إزالة الحدود بمعنى الغاء الحواجز الكمركية أو السماح بتنقل الأفراد بحرية على طرفي الحدود، أو تصدير البضائع من دون قيود تحد منها، لأخذ حديثه تفسيرا اقتصاديا حتى وإن خلا من التكافؤ بين طرفي المعادلة، ولو كان هذا هو مقصد بزشكيان لكان حديثه باهتا بلا معنى، فهذا كله جارٍ العمل به ومعمول به دون قيود.

 

ومن باب تأكيد العلاقة غير المتكافئة بين الطرفين، نؤكد أن ما تم توقيعه من مذكرات تفاهم استنادا إلى اتفاقيات سابقة، جاء لصالح إيران ولا مصلحة ولو صغيرة للعراق فيها، فالإيرانيون يتدفقون على العراق بالملايين من دون تأشيرة دخول أو أية رسوم قانونية، فضلا عن أنهم يحظون بالضيافة الكاملة، مما يجعل العراق يخسر مرتين، مرة عندما يعفي الإيرانيين من رسوم الحصول على تأشيرة الدخول إلى اراضيه، ومرة عندما يستضيف الداخلين بأعدادهم المليونية ضيافة كاملة من أموال الدولة العراقية، على حساب فرص العراق من الانتفاع من السياحة، التي تعتبرها دول أخرى أهم مصادر دخلها القومي، في حين أن العراقي عندما يسافر إلى إيران فإن عليه أن يتحمل تكاليف باهظة فضلا عن كل غرائز الانتقام التي تعتمل في صدور مزقها الحقد على البلد الذي انتصر على فارس ثلاث مرات انتصارات ما زالت ماثلة في كتب التاريخ.

 

إن دعوة الرئيس الإيراني الذي يوصف بالاعتدال، لإزالة الحدود بين البلدين، يعني العودة إلى شريعة الغاب عندما تتغير معادلات القوة بين الدول المتجاورة، فيسوق وهم القوة بعضها إلى ابتلاع الدول الأصغر منها أو الأضعف منها، وهذا تلخيص شديد لسياسة الضم القسري التي عانى منها العالم طويلا وكانت سببا في إثارة حروب طاحنة، وكان بعض المراقبين يبسّطون المشهد، فيظنون أنها دعوة نابعة من حماسة عابرة سيطرت على بزشكيان عندما لاحظ لهاث بعض الأنفار من مسؤولين أو مواطنين، وجريهم وراءه كمتسول يريد صدقة، ذلك أنهم يتصورون أن مفاتيح السلطة والمستقبل السياسي في العراق، بيد الراعي الإيراني يمنحها لمن يشاء ويصرفها عمن يشاء وينزعها ممن يشاء، ولهذا كله لم يجد هذا التصريح الخطير الذي عفى على مغزاه الزمن منذ قرون طويلة، وذهب بعضهم إلى القول، لو أن في الأمر خطورة سياسية تهدد سلامة دول المنطقة وسيادتها وحدودها الوطنية، لكانت سلطة المنطقة الخضراء أول طرف يحتج عليها ويندد بها، ولكن هؤلاء نسوا أن المتسلطين على رقاب العراقيين ومقادير بلدهم، وصلوا إلى مواقعهم بأوامر إيرانية أو بصفقات فرضتها إيران كجزء من المحاصصة الطائفية القائمة منذ 2003.

 

ومن جانب آخر، نوجه رسالة إلى الأشقاء في دول الخليج العربي ونحذرهم بأن الخطر اقترب منهم إلى أبوابهم الداخلية مما يهدد الكيانات السياسية لدول الخليج العربي كلها، ألم تنتفع تلك الدول من الدروس المستنبطة من الكارثة الكبرى التي حلت على العراق وسوريا ولبنان واليمن نتيجة تسلط إيران عليها وتغولها على المواطن في تلك الأقطار؟ ألم تكتشف أن ذلك تم بتواطؤ من الدول الكبرى، التي تظن دول الخليج العربي أنها ضامنة لأمنها واستقلالها ولحدودها الدولية، وهي التي مكنت إيران ومهدت لها الأرضية كي تتوسع، فهل يركن أي من أقطار الخليج العربي إلى الاطمئنان تجاه نوايا الشر والعدوان الإيرانية بالقضم التدريجي ثم الضم اعتمادا على أطراف محلية وقوى دولية فاعلة، ثم أليس من واجب جامعة الدول العربية أن تتبنى موقفا واضحا إزاء التهديد الإيراني الوقح والذي جاء على شكل دعوة لإزالة الحدود بكل ما يعنيه من نوايا لإلحاق دولة مؤسسة للجامعة، سواء كان الرئيس فيها إصلاحيا أو متشددا على وفق المصطلحات الإيرانية السائدة؟

 

ثم ما هو موقف الأمم المتحدة والدول الكبرى وخاصة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بمواجهة خطط إيران لضم العراق إلى ممتلكات الإمبراطورية الفارسية بعد إلباسها لبوسا دينية مشحونة بأعلى شعارات تحاكي العواطف العربية والإسلامية عن تحرير الأقصى؟ وحذفه من قاموس دول المنطقة بعد أن كان خط الصد الأول بوجه كل التيارات المتطرفة والمصنِعة للإرهاب؟ ألم يحن الوقت لترسل رسالة واضحة لإيران بأن عليها أن تتحرر من وهم القوة الذي قد يخيم فوق منطقة هي الأكثر جذبا لعوامل التوتر وأكثرها مصلحة بالاستقرار والأمن.

 

إن نوايا الشر التي تختزنها إيران تجاه العراق لعوامل ذاتية وموضوعية، يجب أن يقرع أجراس الخطر في كل عواصم الخليج العربي، ويدعوها للتحرك في إطار علاقاتها الدولية المتشعبة مع القوى الدولية، ومصالح تلك الدول مع دول الخليج العربي بما يفوق كثيرا مصالحها مع إيران، لبلورة موقف دولي ضد توجهات الضم الإيراني بالقوتين الناعمة أو الصلبة لدول المنطقة تباعا عن طريق تخدير أطراف عربية كثيرة كي تستفرد بدولة عربية واحدة، ثم تبدأ الصفحات تتعاقب الواحدة تلو الأخرى.

فهل يستفيق النظام العربي الرسمي من غفوته التي طال أمدها كثيرا؟

 نحن وإن كنا نعلق الأمل الأكبر على قدرات شعبنا العراقي في إفشال مخططات إيران التوسعية، لا يسمح لنا تجاهل قيمة وقوف الشعب العربي على طول الساحة العربية وعرضها، مع الشعب العراقي في وقفته التاريخية للحفاظ على هويته وسيادته الوطنية وأمنه القومي الذي كان الرقم الأصعب في معادلة الأمن القومي العربي.

 

 

قيادة قطر العراق

لحزب البعث العربي الاشتراكي

بغداد 15 ايلول 2024

 جرائم حزب الدعوة العميل للأجيال القادمة

فصل من منهاج تدريس

 جرائم حزب الدعوة العميل للأجيال القادمة

 

في مقال وثائقي كتبه شاهد عيان قبل سنوات قال فيه: في ظهر يوم 15-12-1981 كنت أقف في شرفة منزل صديق بالطابق السابع في مبنى قريب من جامعة بيروت العربية ومطلّ على حيّ بئر حسن الراقي، أتأمل من بعيد شاطئ بيروت البحري المشهور بجماله، وفي غمرة السكون دوّى انفجار مكتوم تصاعدت على إثره سحابة ترابية حمراء غطت سماء المنطقة بأسرها، ولكني شاهدت من خلال الغبار المنتشر مبنى من عدة طبقات يتكوّم على بعضه ثم يهبط كتلة واحدة ليساوي الأرض.

بعد دقائق رنّ جرس الهاتف في منزل ذلك الصديق لنتفاجأ بمن يبلغه أن السفارة العراقية قد تفجرت بسيارة  مفخخة قادها انتحاري واقتحم بها مدخل السفارة المؤدي إلى السرداب مما أدى إلى انهيارها بكاملها وصارت أثراً بعد عين.

ويواصل في استبيان من يقف وراء هذا العمل الاجرامي قائلاً: أزعجت تلك العملية قيادة الثورة الفلسطينية فقد اعتبرتها اختراقاً لأمن بيروت الغربية الواقعة تحت سيطرة القوى الوطنية اللبنانية المتحالفة معها، وقد عبّر وقتها السيد ياسر عرفات عن استنكاره للعملية بطريقته الخاصة إذ أقام جنازة عسكرية لشهداء طاقم السفارة وودعهم حتى باب الطائرة العراقية التي جاءت لنقلهم إلى بغداد. وبعد أقلّ من شهر سرّبت أجهزة الأمن الفلسطينية تفاصيل تلك العملية ومؤداها أن قيادة حزب الدعوة اللاجئة وقتئذ في دمشق هي التي وفّرت المجرم الانتحاري – أبو مريم – وتولّت المخابرات الايرانية تمويل العملية في حين تولت المخابرات السورية تأمين متطلباتها اللوجستية، وقد أشرف على العملية برمتها  علي الأديب اللاجئ وقتها في سوريا، وعضو مجلس النواب ووزير عن حزب الدعوة في العراق بعد الاحتلال لاحقا. ونوري المالكي الذي كان مسؤول تنظيمات حزب الدعوة في سورية والمنسق مع المخابرات السورية .

ثم يستطرد الكاتب في سرد سجل الدعارة والبغاء لهذا الحزب فيقول:  شاءت الصدف أن ألتقي بإرهاب حزب الدعوة مرة أخرى بعد سنوات قليلة ولكن في مدينة الكويت هذه المرة، ففي يوم 25-5-1985 كنت في منطقة الصفاة وسط العاصمة الكويتية عندما اهتزت وقت الظهيرة بصدى انفجار هائل انهارت على إثره ألواح زجاج المحلات والمباني، وترك كل فرد مشاغله وهرع لاستطلاع الأمر، وقد تبين بعد ساعات قلائل أن انتحارياً قد اعترض بسيارته المفخخة موكب أمير الكويت جابر الأحمد، وأن رجال حمايته –عراقيي الأصل– قد وقفوا بسيارتهم حاجزاً بين سيارته وسيارة الانتحاري، وكذلك دفعوا حياتهم ثمناً لالتزامهم بقيم الشرف والشجاعة.

وبعد أيام كشفت التحقيقات أن القاتل عضو في حزب الدعوة، وأن هدف العملية كان معاقبة الكويت على التسهيلات المالية واللوجستية التي كانت تقدمها للعراق في حربه مع إيران، وقد تولت المخابرات الايرانية تمويل وترتيب تفاصيل العملية في حين تولى القيادي في حزب الدعوة جمال جعفر – اسمه الحركي أبو مهدي المهندس -توفير الانتحاري والاشراف على تنفيذ الجريمة، وكان جمال جعفر مقيماً وقتها في إيران ويتردد على الكويت بجواز سفر إيراني مزور، وقد اختفت آثاره بعدها ليظهر إلى العلن في مجلس النواب العراقي كنائب عن حزب الدعوة!

وبين التاريخين كان للحزب العميل جرائم إبادة بحق البشرية وهي جرائم لا تسقط بفعل التقادم وبالتالي فهي مشمولة حتماً ضمن المحكمة الجنائية التي يطالب في تأسيسها من ورث تاريخ حزب الدعارة نوري المالكي فيذكر الكاتب:

وفي سنة 1983 دخل حزب الدعوة في شراكة إجرامية مع خلايا الجهاد الإسلامي، أنتجت تفجير سفارتي الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا في العاصمة الكويتية، وقد تمت العملية بسيارتين مفخختين يقودهما انتحاريين، وبالطبع كان جمال جعفر هو المسؤول عن تلك العملية التي استهدفت معاقبة فرنسا على تسليحها للجيش العراقي، والولايات المتحدة لحمايتها لممرات الخليج العربي ذات الأهمية الحيوية للغرب، من البلطجة الإيرانية.

وفي يوم 1-5-1985 أقدم حزب الدعوة على اغتيال معاون الملحق الثقافي العراقي في السفارة العراقية بالكويت، السيد هادي عواد سعيد وابنه البكر في منزلهما بالكويت، وقد اعتقل القاتل الذي استخدم مسدسا كاتما للصوت، وتبين أنه عضو في حزب الدعوة ، وقد علملوا  على تجنيده  لخدمة المخابرات الإيرانية .

وفي يوم 22-1-1987 انفجرت سيارة مفخخة كانت مركونة خلف فندق الميريديان في بغداد حيث كان يسكنه عدد من الصحفيين العرب والأجانب الذين كانوا يغطون وقتها وقائع مؤتمر القمة الإسلامي، وكان هدف العملية تعكير أجواء المؤتمر الذي رفض اتخاذ موقف منحاز لإيران في حربها على العراق.

وبعد شهور قليلة وتحديداً في يوم 24-10 من ذات السنة، استهدف حزب الدعوة أحد مكاتب الخطوط الجوية   بقنبلة.

وفي العام التالي في يوم 27-4-1988 قطعت المملكة العربية السعودية علاقاتها الديبلوماسية مع إيران، فردّ أبو مهدي المهندس بعد أقل من انقضاء 24 ساعة على ذلك بقنبلة استهدفت مكتب الخطوط الجوية.

بتاريخ 3/2/2017 اعتقل المواطن أسعد إبراهيم اسكندر الجنابي من قبل استخبارات مطار المثنى، في العاصمة العراقية الذي تسيطر عليه عصابات حزب الدعوة الذي ينتمي إليه رئيس وزراء نظام المنطقة الخضراء حيدر العبادي، ويتزعمه نوري المالكي الذي يرأس كتلة نيابية تسمى “دولة القانون” في مفارقة صارخة.

 تم الاعتقال في منطقة الهريمات التابعة لمنطقة عامرية الفلوجة، حيث كان الرجل يقيم هو وعائلته، باعتبارهم من نازحي منطقة جرف الصخر التي يرفض (الحشد الشعبي) ، ومن ورائهم الحرس الثوري، عودة سكانها إليها، وقتل بتاريخ 8/2/2017 بعد خمسة أيام من اعتقاله.

وحسب شهادة أحد الاطباء في مستشفى مدينة الطب ببغداد فإنهم تسلموا الموقوف يوم 8/2/2017 وهو بأنفاسه الأخيرة وتوفي بعد قليل من وصوله إلى المستشفى.

ونتيجة كثرة البحث من قبل عائلته استطاعوا الوصول إلى (محكمة الساعة)، بوسط العاصمة، بعد ثلاثة أشهر، حيث أبلغهم القاضي (عمار حسين الساعدي) وهو معروف بانتمائه إلى حزب متنفذ (الدعوة الشيطانية) وهو المسؤول عن هكذا أمور، أنه توفي وموجود في مشرحة الطب العدلي لمدينة الطب.

وهنا بدأت مرحلة أخرى من العذاب، فالمستشفى ترفض تسليمه إلا بعلم دائرة الاستخبارات والأخيرة تحتاج موافقة القاضي (ع. ح)، والقاضي والاستخبارات متفقون على ألَّا تسلم الجثة إلا بعد تنازل أو توقيع ذويه بأنه عنصر ارهابي ولا يحق لهم رفع شكوى!

وفعلاً تم أخذ توقيع وبصمة ذويه على ورقه بيضاء مُلئت بعدها من قبل الاستخبارات. حيث أكد القاضي لذويه إنكم بصمتم على الورقة وانتهى الموضوع، كل ذلك حصل بمساعدة محامي وُكِّل من قبل أهل المغدور!

وبعد مضي أكثر من شهر ونصف على هذه المماطلة تم تسليم المغدور إلى أهله، بتاريخ 21/5/2017 ولكن كيف تم تسليمه؟!

فوجئ أهالي المغدور بأن ابنهم جثة متفسخة مشوهة الجسد والوجه والمعالم، معروفة بالرقم 741 عن طريق قرص معدني مثبت في يد الضحية.

يقول شهود عيان إن مشرحة الطب العدلي ببغداد مليئة بالمئات من الجثث المتفسخة التي تحولت إلى جيفٍ بأكياس متهرئة.

الضحية الذي نتحدث عنه شاب لا يتجاوز الثلاثين من العمر، لديه ثلاثة أطفال وزوجته حاملٌ بطفل رابع، هذا الرجل ليس إرهابياً، فهو رجلٌ مسالمٌ بريء ذهب ضحية المخبر السري الذي ما يزال ينهش بأجساد الأبرياء في العراق.

 

دراسة أهداف الغزو الأمريكي على العراق وتداعياته

دراسة

أهداف الغزو الأمريكي على العراق وتداعياته

 

الملخص

 

بعد أن دقت طبول الحرب، وارتفع أزيز الطائرات تقصف المدن والأحياء العراقية، ونشطت الآلة العسكرية الأمريكية تساندها قوات التحالف على رأسها بريطانيا، كان من الجلي أن هناك أهداف ومصالح تسعى وراءها الولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من أنّها قد أعلنت عدد من الأهداف لهذه الحرب لكن ما خفي من أهداف كان أشد هولًا وأبعد عمقاً في التأثير ليس على مستقبل العراق بل مستقبل المنطقة كلها، ولا يخفى على المحلل للأحداث أن المحرك الأساسي للآلة العسكرية الأمريكيّة هي المصالح الاقتصادية ويتربع على قمة هذه المصالح آبار النفط العراقيّة الغنيّة بمخزونها والأقل كلفة في استخراجها مقارنة مع باقي آبار النفط الأخرى، وعلى الأهمية الموقع الجيو-استراتيجي للعراق لتوسطه وقربه من روسيا والصين اللتين تتوجس من قوتهما وتسعى لمراقبتهما عن كثب، فضلًا أن موطئ القدم الأمريكي القريب من “إسرائيل” يؤمن لها الغطاء الذي تحتاجه على الدّوام.

مقدمة

من أشد ما عانت منه منطقة الخليج العربيّ هو الغزو الأمريكي على العراق في تاريخها الحديث، وتُعدُّ الحرب على العراق 2003 واحدة من أكثر المنعطفات التّاريخيّة المصيريّة خطورة، وقد رسمت أحداث الشّرق الأوسط خلال الرّبع الأول من القرن الحالي، إذ إنّها لم تكتفِ بإسقاط نظام صدام حسين وفتح العراق على ساحة الصّراع التي حولت البلاد إلى مسرح تجربة قاسيّة مستمرة إلى يومنا الحالي، بل أسهمت في التّمهيد إلى مرحلة جديدة من الحرب على الإرهاب وصعود التّيارات المتشددة والحرب الطائفيّة، وحركات ما عرف باسم “الربيع العربيّ”. ولا يمكن فهم حدث كبير ومركزي واستنباط العبر منه من دون الوقوف على مجمل الظروف والأهداف التي رافقته، سواء البعيدة منه أو القريبة، والنتائج والتحليلات التي انبثقت عنه. لقد حملت الولايات المتحدة وبريطانيا لواء الحرب والترويج لها من أجل إقامة الدّيمقراطية في العراق. ما هي مجموعة الأهداف التي حركت هذه القوى لغزو العراق؟ وما هي الاستراتيجيّة التي اعتمدتها الولايات المتحدة ومهدت لها عوامل النجاح في مسعاها؟ ما هي التّحولات السياسيّة التي شهدها العراق في ظل الاحتلال الأمريكيّ؟ وهل نجحت الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها سواء المعلنة أم غير المعلنة لحربها على العراق؟

الأهداف الأميركية لغزو العراق

إنّ الإدارات الأمريكيّة المتعاقبة خلال القرن العشرين، وما مضى من القرن الحالي تعتم بشكل رئيس في سياستها على استخدام القوة العسكريّة، إذا ما استثنينا إدارة الرئيس باراك أوباما، وعليه فإنّ هذا النّهج الأمريكي ما هو إلا نتاج للقوة العسكريّة الأمريكيّة التي عُدَّت الأكثر تفوقًا خلال المدّة المنقضية، ومن ناحية أخرى فإن هذا النهج ما هو إلا ترجمة للإدارة السياسية للإدارات المتعاقبة. فهنا نجد أنفسنا خلال دراسة الأهداف الأمريكيّة لأيّة عملة عسكريّة نجدها تأتي في سياق السياسة والمصالح الوطنيّة. وفي حالة الرئيس الأمريكي بوش الابن، هناك عامل لا يقل أهمّية عن فائض القوة العسكريّة علينا أن نوجه عنايتنا له، وهو الدّوافع الأيديولوجيّة لتوجهات الرّئيس بوش الابن، وتعمقت هذه الدّوافع من خلال تأثير المساعدين والمستشارين الذين أحاطوا بالرئيس من الذين ينتمون إلى التّيار المسمى بالمحافظين الجدد، أيّ أتباع الفكر المحافظ، وقد كان هؤلاء هم الأكثر تعبيرًا عن طموحاتهم، وعدم التّردد في استخدام القوة وعن حاجتهم لإعادة صياغة السياسة الخارجيّة الأمريكية، بما يتلاءم مع طموحهم بإمبراطوريّة أمريكيّة تهيمن على العالم، وتمنع قيام أيّة قوة منافسة لها من خلال استخدام القوة والدبلوماسيّة القسريّة، واستراتيجيّة الحرب. وسيطرة كاملة على موارد نفط الشّرق الأوسط. من أبرز أهداف الولايات المتحدة:

أولاً: إعادة هيكليّة دول المنطقة لما يخدم مصالحها: فمنذ سبعينيات القرن العشرين كان مهندسو السياسة الأميركية قد وضعوا خططًا بعيدة المدى، منها إعادة هيكليّة دول المنطقة العربيّة إلى كيانات صغيرة ضعيفة متناثرة القوى ومتناحرة، قائمة على أسس طائفيّة وعرقيّة ومذهبيّة وعنصريّة، وبذلك تكون قد حققت السّيطرة للكيان الصهيوني بتفوقه على هذه الكيانات وإزالة كل تهديد ضده، وبالتالي تكون قد أمّنت الولايات المتحدة في الوقت نفسه سيطرتها على هذه الكيانات الضعيفة، واستغلال ثرواتها وتسخير قدراتها الاقتصاديّة والنّفطيّة على غرار ما كانت قد رتبته في دويلات منطقة الخليج العربي.

ثانياً: حصار العراق وخنقه اقتصاديّاً وعسكريّاً: بعد احتلال العراق للكويت، غداة حصول العراق على إشارات إيجابيّة من قبل الولايات المتحدة ممثلة بسفيرتها في بغداد، أنّه لا مانع لديها إذا ضم العراق الكويت إليه، هنا أسرعت الولايات المتحدة مستغلة هذا الحدث، لتطبيق تنفيذ مخططها للمرحلة الأولى للقضاء على قدرات العراق العسكريّة والاقتصاديّة باستحصالها على قرارين من الأمم المتحدة الأول: إخراج القوات العراقيّة من الكويت بالقوّة، والثاني: فرض الحصار الاقتصاديّ عليه والذي استمر عشرة سنوات، وبقي حتى حرب الخليج الثانية العام 2003، واتضح أنّ مفاعيل حرب الخليج الثانية ونتائجها السياسيّة والعسكريّة بقيت غير مكتملة بسبب بقاء النّظام والكيان السياسي العراقي مستمرًا.

وهكذا بقي العراق خاضعًا لعقوبات الأمم المتحدة وعمليات التّفتيش على الأسلحة للبحث عن أسلحة الدّمار الشّامل التي تشمل الأسلحة البيولوجيّة والكيماويّة والنوويّة. هذه القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدّولي كانت حسب الفصل السّابع الذي يسمح باستخدام القوة لتطبيقها، وجعلت العراق خاضعًا إلى نظام كامل من الوصاية طويلة الأمد، وعبر تدخل عسكري أميركي بريطاني في شمال العراق وجنوبه. وخلال السّنوات الأولى لتطبيق هذه العقوبات التي عزلت العراق كليًّا عن العالم، بدأت ملامح الكارثة تظهر في التّدمير المنهجي لقطاعات العراق الاقتصاديّة، وبنيته التحتيّة وأجياله الطالعة في صورة تزايد وفيات الأطفال، وغياب الأدوية والحليب ونقص النّمو فضلًا عن التّشوهات والأمراض الناتجة عن الحرب والتلوث. ولأجل ذلك وافق العراق على صيغة النّفط مقابل الغذاء من أجل تلبية المطالب الإنسانيّة. وإذا كانت قرارات مجلس الأمن 661 و665 و666 و678 قد فرضت عقوبات اقتصاديّة وتجاريّة على العراق لإرغامه على الانسحاب من الكويت، فإنّ القرار 687 في نيسان 1991 يُعدُّ القرار الأساسيّ لعقوبات ما بعد الانسحاب من الكويت والذي ينص على تدمير أسلحة الدّمار الشّامل من أجل رفع العقوبات الاقتصاديّة والتجاريّة عنه.

ثالثًا: الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة: كان الدّافع الأمريكي لغزو العراق هو تحقيق هيمنة أمريكية سياسيّة وعسكريّة على المنطقة بشكل مباشر، وسيطرة كاملة على انتاج النفط وتسويقه وأسعاره، ولن تتحقق هذه الأمور من دون إقامة قواعد عسكريّة ووجود مباشر في المنطقة، إضافة إلى تغيير النّظام العراقي السّائد وإحلال نظام حليف. وتحدثت تقارير عديدة عن التّحريض لغزو العراق من جانب مسؤولي شركات نفط أمريكيّة كبيرة، من بينها مجموعة هاليبيرتون النّفطية التي كان ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي آنذاك يتولى إدارتها، ويستدل على ذلك أنّ وزارة الدّفاع الأمريكية (البنتاغون) منحت هاليبيرتون وحتى من دون إجراء مناقصة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2003 عقدين الأول بقيمة سبعة مليارات دولار لإعادة تأهيل البنى التحتية النفطيّة العراقيّة والتزوّد بالمنتجات النفطيّة المكررة في العراق، والعقد الثاني تقدم مجموعة هاليبيرتون دعم لوجستي للقوات الأمريكية في الشّرق الأوسط وآسيا الوسطى بقيمة 8.6 مليار دولار.

ولا بدّ من الإشارة إلى حدث قد وقع قبل ستة أشهر من هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 وقّع ديك تشيني عقدًا مع شركة نفط أذربيجان في سبيل تطوير قاعدة بحريّة لدعم عمليات التنقيب عن النفط في مياه بحر قزوين، وقد كانت التوقعات التي وضعتها وكالة الإعلام والطاقة في واشنطن بحدود 200 مليار برميل، لكن تبين في ما بعد أنها كانت توقعات عبثيّة فانسحبت الشّركات الأمريكيّة الكبيرة بهدوء، هذا الأمر جعل الرئيس بوش الابن ينظر للعراق فجأة للتّعويض عن نفط أذربيجان، فهو يملك ثاني احتياطي نفطي في العالم بعد المملكة العربيّة السّعودية، أضف إلى ذلك أنّ الحقول النّفطيّة العراقيّة أغزر الحقول في العالم وأكثر قربًا من سطح الأرض، ومعدل إنتاجها يوميًّا يتراوح بين 10 إلى 11 ألف برميل يوميًّا مقارنة مع متوسط إنتاج آبار النفط في غيرها من الدّول لا يزيد عن 4 إلى 8 آلاف برميل يوميًّا، ناهيك أن تكاليف إنتاج نفط العراق منخفضة حوالي 50 سنتًا فقط مقارنة بنحو 5.3 دولار في كل من السّعودية، والكويت، وإيران.

رابعاً: إقامة الديمقراطيّة في العراق والعمل من أجل حقوق الإنسان وتخليصه من النّظام الديكتاتوري: لقد كان من الأهداف المعلنة إزاحة النّظام العراقي القائم وإقامة نظام ديمقراطي على الطريقة الغربيّة، يكون نموذجًا يحتذى به لدى العديد من دول الشّرق الأوسط، إذ بنظرهم سيصبح العراق واحة للديمقراطيّة في المنطقة. وكان أن أعطى النّظام العراقي الحجة للآخرين لينالوا منه بعد أن اتهمه الغرب باستخدام أسلحة محظورة ضد أفراد شعبه من المعارضين في مارس/ آذار 1988، إلى جانب استعماله القنابل الانشطارية وغازات سامة من بينها غاز الخردل، وغاز مثير للأعصاب إضافة لاستخدامه ملح الحمض الأزرق المعروف بالسّيانيد.

وقد ورد في مقال لبرهام فولر نائب رئيس الاستخبارات القومي في وكالة المخابرات المركزية: “لقد اضهد صدام شعبه بأسوأ طريقة أكثر من أيّ نظام عربي في التاريخ الحديث، من حيث عدد المسجونين، والذين أعدموا وقتلوا… ولذلك فإنّ الشّعب العراقي في أحسن حال بوجوده خارج نظام حكم رئيسه وحزبه الشّمولي”.

خامساً: استغلال فرق التّفتيش الدّوليّة: ولتحقيق هذا الهدف قامت عدة لجان مختصة من الأمم المتحدة بإرسال خبراء التفتيش عن أسلحة الدّمار الشّامل بعملها حتى نهاية العام 1998، وبعدما تبين للعراق أنّ تعاونه مع اللجان لا أفق له، إضافة إلى كشف محاولات تجسس وتعاون مع استخبارات أميركيّة وبريطانيّة وإسرائيليّة من قبل بعض أعضاء لجنة “أونسكوم”، قرر عدم التعاون معها، ولم يلبث أن انسحب أعضاء اللجنة في كانون الأول 1998 وهنا استغل الرئيس الأمريكي فرصة رفض الرّئيس العراقي، السّماح لمفتشي الأمم المتحدة المنسحبين بالعودة إلى البلد ليبرز تصعيدًا آخر، وهو القيام غارات جوية قام بها الجيش الأميركي والبريطاني على مواقع عراقية إمعانًا في إضعاف القدرات العسكريّة العراقيّة. وعلى الرّغم من تسليم اللجنة وثائق مهمة من قبل بعض العراقيين المنشقين الذين كانوا يشغلون مراكز مهمة. فإنّ الولايات المتحدة استمرت في تصعيد الموقف ضد النّظام العراقي.

سادساً: الإيحاء بأن العراق تهديد لجيرانه وضرورة إسقاط نظامه بالقوّة العسكرية: إذ في العام 1998 أعد وزير الدفاع الأمريكي آنذاك دونالد رامسفيلد ونائبه بول ولفويتز تقريراً وجهاه إلى قيادة الحزب الجمهوريّ، يحذران فيه من إمكانيّة استخدام صدام حسين لأسلحة الدّمار الشّامل تمهيدًا ليصبح القوّة الفاعلة في الشّرق الأوسط، وفي العام 2000 تبين أنّ هناك تقريرًا آخر كتبه رامسفيلد مع نائبه وديك تشيني نائب الرئيس الأميركي مفاده أنّ هناك حاجة لنشر قوات أمريكية واسعة في الخليج العربي. وعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 بات رامسفيلد يريد حربًا ضد أفغانستان والعراق.

 

الاستراتيجيّة التي اعتمدتها الولايات المتحدة لغزو العراق:

منذ أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 أصبح جليًّا أنّ هناك تغيّرًا في السّياسة الأميركيّة تجاه العراق. والانتقال من سياسة الاحتواء والرّدع التي كانت تمارسها الولايات المتحدة منذ تأسيس وزارة الدفاع الأمريكية في 1947، وامتداد هذه السياسة حتى العام 2001، لتصبح بعدها مرحلة الاحتواء العسكري أي سياسة هجوميّة لأيّ نظام معاد لها يهدد مصالحها القومية، بل وتدعيم تفوقها في الهيمنة الشّاملة على العالم من خلال دعم الأمن الأمريكي، وأخذت الدّعاية الأمريكية تحقيقًا لمصالحها تدعو لإسقاط نظام حكم صدام حسين، وإحلال نظام حليف لها بوصفه نظام معاد لها. علمًا أنّها انتهجت هذه السياسة في أفغانستان قبلًا ومع حركتيّ طالبان والقاعدة. ولأجل المضي بشكل قانوني في سياستها هذه استحدثت وزارة الأمن القومي، وما ساعدها على ذلك صعود تيار اليمين المتشدد الجمهوري وإمساكه بالسياسة الداخلية. وفي اليوم التالي لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، حصل الرئيس بوش الابن على موافقة الكونجرس، كقرار مشترك يجيز له استخدام القوة العسكريّة ضد من ساهم أو نفذ الهجمات، واستغلها الرئيس الأمريكي في قوله بوجود ارتباط بين هذه الهجمات وبين النّظام العراقي، كما حصل الرئيس الأمريكي على موافقة مجلس الشيوخ بتفويض باستخدام القوّة ضد العراق. لقد شكلت أحداث 11 أيلول قرارًا حاسمًا لإعلان الحرب على الإرهاب، تحت غطاء الدّفاع الشّرعيّ للرد على اعتداء 11 أيلول وذلك من خلال قراري مجلس الأمن 1368 بتاريخ 12/9/2001 والقرار 1373 بتاريخ 28/9/2001 ومن دون تفويض من مجلس الأمن، وهكذا استطاعت الولايات المتحدة على موافقة مجلس الأمن لشنّ حرب استباقيّة ضد من يشكل تهديدًا لمصالحها في أيّ منطقة بالعالم تحت غطاء الحرب على الإرهاب.

الرّبط بين الحرب على الإرهاب والحرب على العراق:

ومن أجل تحقيق هذا الهدف بدأت حملات دعاية ضد النّظام العراقي قبل عام من الغزو، عملت الولايات المتحدة على تضخيم الخطر العراقي، فأسرعت بعد ثلاثة أيام من وقوع أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، وقبل الوصول إلى أيّة إثباتات في التّحقيق، باستهداف العراق عبر نائب وزير الدّفاع بول ولفويتز بقوله: “إنّ مواجهة الإرهاب لا تعني اعتقال النّاس فقط بل كذلك إنهاء الدّول التي ترعى الإرهاب”. وبعدها بأيام قام بتسرب تقرير (تبين فيما بعد أنّه غير صحيح) ونفته الحكومة التّشيكيّة أيضًا، عن اتصال محمد عطا، أحد خاطفي الطائرات، مع ضابط مخابرات عراقي في براغ، وعن احتمال أن يكون نظام صدام حسين قد قام بتمويل هذه العمليات. وهنا لم تثبت تهمة الإرهاب ضد العراق، فلجأت الإدارة الأمريكية لإلصاق تهمة أخرى ألا وهي أسلحة الدّمار الشّامل. وفي أحد خطابات الرئيس الأميركي بوش الابن أدرج العراق مع إيران وكوريا الشّمالية وسوريا فيما أسماه “محور الشرّ” الذي يسعى لامتلاك أسلحة الدّمار الشّامل.

كل هذا يؤكد أنّ العراق لم يكن مستبعدًا منذ اللحظة الأولى لوقوع أحداث أيلول، بل وقبلها، وأنّه جرى التّحضير للغزو عبر الحصار الاقتصاديّ وإضعافه لمدة تزيد على عشر سنوات. وما أكد على ذلك أنه خُطِط للغزو الأمريكي قبل التّاسع من أيلول/ سبتمبر العام 2001 بمدّة طويلة، وهو ما أشار إليه رئيس السياسة الخارجيّة للاتحاد الأوروبيّ السّابق والأمين العام السّابق لحلف الناتو خافيير سولانا، أنّ بوش على الرّغم من التّرويج للحرب كجزء من “الحرب على الإرهاب” فإنّ بوش جعل من العراق واحدة من أولوياته في السياسة الأمنيّة بعد أولوية انتخابه رئيسًا في العام 2000.

قبل ستة أسابيع على بدء غزو العراق قال وزير الخارجيّة الأمريكيّة كولن بأول في خطابه أمام مجلس الأمن الدّولي بتاريخ 5 شباط 2003، بتأكيده امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل وكيميائي، وكذلك دعم نظامه الإرهاب الدّولي وسعيه إلى صنع أسلحة نووية. رافق خطاب باول هذا عرض بيان مدعوم برسوم توضيحيّة، وتابع بالقول: “ومن أجل هروب نظام صدام من ضوابط المراقبة الصّارمة من قبل مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة، تم تحويل أسطول الشّاحنات في العراق إلى مختبرات كيميائيّة ومخابئ للأسلحة البيولوجيّة”. فيما بعد وصف باول هذا الخطاب العام 2005 بأنّه وصمة عار في حياته المهنيّة.

في المحصلة لقد ساعدت أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 الرئيس الأمريكي بوش الابن في عدة أمور منها أولاً في تغيير المزاج الشّعبيّ الأمريكيّ الذي أحس بتهديد في أمنه القوميّ، وأصبح أكثر تقبلًا وداعمًا لسياسة التّدخل العسكري وإلى التّحرك أو الحرب الاستباقيّة تحت حجة القضاء على الإرهاب، وبالطبع استغل اليمين الجمهوريّ المتشدد في الإدارة الأميركيّة هذا التغيير لصالحه، وانتقل إلى سياسة ضرب المناطق المتهمة بإيواء الإرهاب بدءًا بأفغانستان ثم ضرب حركة طالبان بزعامة أسامة بن لادن التي اتهمت بأنّها هي من ارتكب أحداث 11 أيلول مباشرة بعد وقوع الهجوم على برج التّجارة العالميّة في نيويورك، وضرب حركة القاعدة، ثم ربط الأحداث والانتقال بها إلى الحديث عن “محور الشّر” الذي تمثله الدّول التي تسعى لامتلاك أسلحة الدّمار الشّامل، وهي إيران والعراق وكوريا الشّماليّة. والتقت هنا مصلحة الكيان الصهيونيّ المسمى “إسرائيل” بقيادة شارون مع المصلحة الأمريكيّة في ضرب العراق وإضعافه كونه يعدُّ في نظر محلليها العسكريين العمق الاستراتيجي لسوريا ولبنان وفلسطين وفي ربط نضال الفلسطينيين لاسترجاع أرضهم وتحريرها بالإرهاب، وبالتالي فإنّ إضعاف العراق وإخضاعه سيسهل إخضاع الأطراف الأخرى، ولا ننسى أنّ مسألة توطين اللاجئين الفلسطينيين في العراق، وهي مسألة حيوية بالنسبة إلى صنّاع القرار الأمريكيين والإسرائيليين فستصبح أكثر سهولة إذا ما أُخضِع العراق وأُحِلّ نظام حليف لهم. والدّافع الثاني الأكثر حيوية لصانع القرار الأمريكي هو تحقيق هيمنة سياسيّة وعسكريّة على منابع النّفط وسيطرة فعليّة على إنتاجه وتسويقه وأسعاره، ولن يحصل ذلك من دون إقامة قواعد عسكريّة قرب منابعه.

وكما رأينا فقد تمت المرحلة الأولى للوجود العسكري الأمريكي المباشر العام 1991 في الخليج والجزيرة العربيّة. في الوقت نفسه عملت إدارة الرئيس بوش على تجميع المعارضة العراقيّة في محاولة للاستفادة منها، وفي مطلع سنة 2003 يناير/ كانون الثاني، أعلن جورج بوش الابن في خطاب ألقاه بقاعدة “فورت هود” بولاية تكساس وهي أهم القواعد العسكرية الأمريكية، أن “بلاده جاهزة ومستعدة للتحرك عسكرياً إذا رفض العراق نزع أسلحة الدّمار الشّامل التي يملكها”. وأضاف “أن بلاده لا تريد غزو العراق وإنّما تحرير الشّعب العراقي” وأعرب عن ثقته في “تحقيق نصر حاسم لأنّ أمريكا تمتلك أفضل جيش في العالم”. كما اتّهم الرئيس جورج بوش صدام حسين بأنّه يمثل تهديدًا حقيقيًّا لأمريكا وحلفائها لأنّه استخدم أسلحة الدّمار الشّامل سابقًا كما استخدمها ضد شعبه، واتهمه بــ “تحدي مطالب الأمم المتحدة بعدم تقديم إقرار جدير بالثقة عن برامجه للأسلحة النوويّة والبيولوجيّة والكيميائيّة لمفتشي المنظمة الدّوليّة، الذين استأنفوا عملهم في العراق في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2002، وذكره بالاسم كجزء من “محور الشرّ”. وساعدت بريطانيا ممثلة برئيس وزرائها بحملات الدّعاية هذه ضد العراق لاسيما تقارير منظمات حقوق الإنسان، واستخدمتها بشكل سياسي لخدمة المشروع الأمريكي بتبرير استهداف العراق. كما استخدمت إحكام قبضة صدام حسين على العراق كحجة تبرير الغزو. وفي خريف العام 2002 نشرت الحكومة البريطانيّة برئاسة توني بلير تقريرًا يحذّر من “المخاطر التي يشكلها امتلاك العراق أسلحة دمار شامل” وذلك في محاولة لكسب تأييد الشّعب البريطاني والرأي العام العالمي لصالح القيام بغزو العراق.

 

المعارضة الدّوليّة للحرب على العراق:

أخذ الجو الدولي لاحقًا يتغير لمصلحة العراق، وضرورة إنهاء العقوبات عليه وبدأت علاقاته تتحسن تدريجيًّا مع جيرانه، كما أصبحت دول الخليج بما فيها الكويت لا تؤيد حربًا على العراق، ومثلها قطعت فرنسا وروسيا والصين وأخذت جميعها تعقد اتفاقات تجاريّة واقتصاديّة معه. لكن بعد فشل الولايات المتحدة وبريطانيا في الحصول على قرار دولي يسمح بالحرب على العراق، اجتمع الرئيس بوش الابن ورئيسا وزراء كل من بريطانيا واسبانيا في “جزر الأزور” في 17 آذار 2003، ووجهوا إنذارًا للأمم المتحدة باستصدار قرار للحرب على العراق، وإلا سوف يضطروا إلى الذّهاب للحرب عليه من دون تفويض. بينما الدول الثلاث الأخرى فرنسا وألمانيا وروسيا كانت من الأساس رافضة لفكرة الحرب وقد أكدت من خلال إعلان مشترك في اليوم السّابق، أن استخدام القوة يجب أن يكون الخيار الأخير.

وأعرب الرئيس الفرنسي عن معارضة شديدة للتدخل العسكري، ما عكر صفو العلاقات بين باريس وواشنطن، وقال الرئيس الفرنسي آنذاك واصفًا الحرب على العراق: “بالنسبة لنا تعد الحرب دائمًا دليلًا على الفشل وأسوأ الحلول، لذا يجب بذل الجهود لتجنبها“(كانون الثاني/ يناير 2003).

أمّا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فقال: “إذا سمحنا بأنّ يحل قانون القوة محل القانون الدولي، حينئذٍ سيكون مبدأ حرمة سيادة الدول محل شك” (مارس/ آذار 2003).

كما عبر ساسة أمريكيون عن قلقهم، من بينهم باراك أوباما، الذي كان ما يزال يشغل في ذلك الوقت منصب سيناتور ولاية ألينوي: “لا أعارض جميع الحروب، بل أعارض الحرب الغبيّة، حرب لا تتأسس على سبب، بل على الرّغبة، لا مبدأ لها، بل تتأسس على السياسة”. في لندن تجمع حشد تجاوز المليون شخص في مسيرة كبيرة احتجاجًا على الحرب.

كما أعرب واحد من الشّخصيات الرئيسة في حكومة رئيس الوزراء توني بلير زعيم الأغلبيّة العماليّة في مجلس العموم ووزير الخارجيّة السّابق روبين كوك، وقد قال: “المجتمع الدّولي والرأي العام البريطاني غير مقتنعين بسبب ملحٍ لهذا العمل العسكري في العراق”.

أمّا ملك الأردن عبد الله الثاني فقال: “نعارض بشدة قتل النّساء والأطفال، نحن مع شعبنا الرافض للغزو” (أبريل/ نيسان 2003).

من جهة أخرى نجد أنّ نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني يقول: “أؤمن بأنهم سيستقبلوننا كمحررين” (مارس/ آذار 2003))

وقد ساد اعتقاد كبير بأنّ مدة الحرب ستكون قصيرة، وأشار لذلك وزير الدّفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد العام 2002 بقوله: “خمسة أيام أو خمسة أشهر، لكن بكل تأكيد لن تطول أكثر من ذلك”.

وعلى الرّغم من احتجاج مئات الآلاف من الأشخاص في شتى أرجاء العالم. كان الهدف في ذلك الوقت تدخلًا سريعًا في إطار حملة تهدف إلى الإطاحة بنظام صدام حسين، الذي قاد البلاد منذ العام 1979، وإحلال نظام حليف لهم. وكان العراق يملك حسب زعم الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير ما وصف بأسلحة الدّمار الشّامل، ويطور الجمرة الخبيثة وغاز الأعصاب وأسلحة نووية، فضلًا عن دعمه للإرهاب وإبراز عدائه لأمريكا.

 

بَدء الحرب:

بدأت عملية الغزو في 20 آذار 2003 واستمرت 19 يوماً في عملية أطلق عليها “تحرير العراق”، وسقط النظام العراقي في 9 نيسان 2003، ونشر التّحالف الذي ضم بريطانيا وعشرين دولة أخرى، إضافة لقوى المعارضة العراقية، والتنظيمات المقيمة في المهجر مثل حركة الأحزاب الشيعيّة اللاجئة بإيران، وحزب الدّعوة، والمجلس الأعلى للثورة الإسلاميّة في العراق، وحركات أخرى، بقيادة الولايات المتحدة قوات قوامها 200 ألف جندي، على الرّغم من عدم وجود تفويض من الأمم المتحدة.

وبات على المحتلين إثبات وجود أسلحة الدّمار الشّامل ففي الأول من أيار أعلن الرئيس الأميركي بوش أن “الجزء الأكبر من العمليات العسكرية قد انتهى”، ما لبث أن صرح في 29 مايو/ أيار 2003 “عثرنا على أسلحة الدّمار الشّامل”. أمّا وزير الخارجية الأمريكي كولن بأول فقال: “كلّ تصريح لي اليوم يستند إلى مصادر قوية، هذه ليست تأكيدات، نحن نقدم لكم حقائق واستنتاجات تستند إلى استخبارات قوية”.

 

لكن هذه التبريرات التي انطلقت منها الحرب الأمريكية على العراق، والتي كان من بينها القضاء على أسلحة الدّمار الشّامل تبين زيفها وعدم واقعيّة بعضها الآخر وهي بناء الديمقراطية في العراق، والتّدخل من أجل حقوق الإنسان، وتحول العراق لمركز للإرهاب، عوضًا من أن يكون موقعًا لمحاربته، وتحول هدف الإدارة الأمريكية المعلن الحفاظ على استقرار الأوضاع في العراق إلى هدف أدنى منه.

 

مستقبل العراق بعد الغزو

لقد شكل دخول القوات الأميركية للعراق حال من فوضى عارمة، لا سيما بعد قرار الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر بحل الجيش العراقي وأيضًا حل حزب البعث العراقي في 16 أيار 2003 على الرّغم من أن أعضاء هذا الحزب وأنصاره يقدر عددهم بالملايين وتجريد نحو 23 ألف بعثي من الوظيفة العامة، وبات أغلب المواطنين العراقيين عاطلين عن العمل وحُرِم مئات الألوف من أعمالهم، رافق ذلك تصرفات أمريكيّة وحشيّة واستخدام الجواسيس والمخبرين والاعتقالات الجماعيّة، والاستجوابات الخشنة وغيرها من تصرفات لا تتماشى مع ما نادى به دعاة احتلال العراق.

نقلت السّلطة في العراق إلى حكومة مؤقتة في شهر يونيو/ حزيران، وحُلت سلطة التّحالف المؤقتة التي أنشأها الأميركيون. كما أعلن دستور البلاد الذي أرسى الفيدراليّة عن طريق إجراء استفتاء في أكتوبر/ تشرين الأول 2005. إلا أنّ النّخب السياسيّة في توليها للسّلطة في العراق انطلقت من تصورها للمسار الانتقالي من عقد تاريخيّة، ما يعني أنّها حولت المسار الانتقالي إلى فضاء صراعي وما ذلك إلا من أجل تثبيت سلطتها، وهو ما أدى إلى انزلاق البلاد في عنف طائفي بلغ ذروته خلال 2006-2007 وما ذلك إلا بسبب ظاهرة انتشار الأحزاب، التي تمخضت عن حالة جديدة من الاصطفاف الطائفي الذي لم يشهد مثله تاريخ العراق السياسي منذ تأسيس الدولة العراقيّة العام 1921، إضافة إلى تدهور الوضع الأمني بسبب الممارسات اليومية لقوات الاحتلال. إنّ ظاهرة انتشار الأحزاب السياسيّة أوجد حالة عسكريّة دائمة في البلاد، فضلًا عن قيام بعضها بتشكيل تنظيمات مسلحة لها لمواجهة الأحزاب المنافسة لها والنّشطة على السّاحة السياسيّة. ومن تداعيات استمرار الاحتلال الأمريكي ظاهرة الحدود الدّوليّة المفتوحة بين العراق ودول الجوار المحيطة به وقد استمر لمدّة طويلة الأمر الذي فتح الباب أمام المتسللين الأجانب للدخول إلى العراق، وكان من ضمنهم عناصر تشتغل بالإرهاب والتخريب.

كما أن تأخير إعادة بناء الجيش العراقي والمؤسسة العسكريّة، والأمنية بتشكيلاتها المختلفة من جيش وقوى الأمن الدّاخلي وغيرها بعد تسريح كلّ أجهزة المؤسسة العسكريّة أثبت خطأ التّصورات الأمريكيّة لهذا الإجراء؛ وأدى لانفلات الوضع الأمني ما دعا لإعادة التفكير ببناء الجيش العراقي، ليكون المساعد الرديف لقوات وزارة الدّاخلية في التصدي للوضع الأمني المتدهور في العاصمة بغداد وبقيّة المحافظات. وظهر أيضًا خطر تقسيم العراق بعد انهيار الدّولة، والسلطة ما أتاح لبعض السياسيين الطموحين الفرصة لبناء فيدرالية كأساس للنظام الجديد. إلا أنّ المبادئ الأساسية من الدّستور العراقي قطعت الطريق على مثل هؤلاء الطموحين بعد أن أصبح دستور العراق الجديد نافذ المفعول إثر الاستفتاء الشّعبي الذي أجري في 15 تشرين الثاني 2005 والذي ينص على أنّ “جمهورية العراق دولة مستقلة ذات سيادة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي ديمقراطي اتحادي“.

 

إخفاق التّدخل العسكري الأمريكي في العراق

تعرضت القوات الأمريكية يوميّاً إلى عشرات العمليات القتاليّة ضدهم، إضافة للضغط النّفسي والصحي السيء الذي أخذت تعانيه القوات الأمريكيّة. وقد فقد الجيش الأمريكي تأثيره الشّعبي بعد أن مارس أنواع القمع كافة ضد المجتمع العراقي، وانتهكت حقوق الإنسان وجعلت من الشّعب العراقي رهينة، فضلاً عن السّجون بين سرية وعامة وخاصة، يمارس فيها شتى أنواع التّعذيب حتى الموت والإذلال.

وتحت وطأة التّعثر السياسي وفشل الإدارة الأمريكية في احتواء الوضع السياسي العراقي، ظهرت بوادر تراجع أمريكيّة عن التمسك بفكرة الهيمنة على العالم بسبب كلفتها الهائلة، التي لم يعد دافع الضرائب الأمريكي قادراً على تحملها، فالفشل السياسي والعسكري الأمريكي في أفغانستان والعراق دفع عدد من الخبراء الأمريكيين إلى التأكيد على أنّ استراتيجيّة أمريكا الأمنية بعد العام 2001 قد فشلت تماماً إلى الحدّ الذي صار يضغط بانتهاء الهيمنة الأمريكيّة على منطقة الشّرق الأوسط، فكان ذلك دليلاً على فشل دعاة الاحتلال بمقولتهم لنقل العراق لحال أفضل.

استمر احتلال العراق من قبل القوات الأميركية حتى 18 ديسمبر/ كانون الأول 2011. لكن الوجود العسكري الأمريكي في العراق اتسم بالافتقار لاستراتيجيّة واضحة منذ بداية الغزو باستثناء السياسة المعلنة عن تأسيس دولة ديمقراطية في العراق، وبينما لم يكن هناك تغيير فعلي في الأهداف بعد العام 2011 وحتى العام 2014 عدَّه كثير من القادة العسكريين خطأ استراتيجيًّا كبيرًا؛ لأنّه فتح المجال أمّام انتشار تنظيم “داعش” في العراق وسوريا، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى إعادة القوات الأمريكية بعد العام 2014 حتى بلغت ما يقرب من 5000 جندي بحلول العام 2020 وعليه فإنّ الأمر متعلق دائمًا بمستوى الحضور العسكري الأمريكي المطلوب، والدّرجة التي تكون معها مخاطر الوجود العسكريّ متوازنة مع الفوائد، والمكاسب التي تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقها.

وقد خلص باحثون أمريكيون إلى أن دعم عراق مستقر يصب في مصلحة الولايات المتحدة المستمرة على المدى الطويل، وأن هذا لا يتطلب استمرار مَهَمَّة القوات القتالية على المدى الطويل، لكنه يتطلب الحفاظ على قوة صغيرة من المستشارين العسكريين للمساعدة في تدريب وتطوير القدرات العسكريّة العراقيّة حتى يتمكن العراق من الدّفاع عن نفسه.

 

الخاتمة

كان الهدف الذي وضعته الولايات المتحدة في استراتيجيتها في المنطقة، والذي كانت قد خططت له وأعدته منذ سنة 1970، هو إعادة هيكلية دول المنطقة العربية إلى كيانات صغيرة هزيلة متناثرة القوى، أكثر مما هي عليه الآن قائمة على أسس طائفيّة، وعرقيّة ومذهبيّة، ودينيّة، وعنصريّة، وعشائريّة.

ومن هذا المنطلق نلاحظ كيف تجلت حروب الجيل الثالث في أسمى معانيها من خلال الغزو الأمريكي للعراق، وبرزت دوافع هذا الغزو، وما اعتمد أهل القرار في واشنطن من استراتيجية بالتمهيد لضرب القوة الاقتصاديّة والعسكريّة العراقيّة، منذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانيّة، وما أعقبها من حرب الخليج الثانية لتحقيق أهداف متعددة.

 

بدأت إدارة الرئيس بوش الابن تخطط من خلال ما سمي بالاستراتيجيّة الجديدة واستغلال أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 لنشر الدّعاية السيئة ضد النّظام العراقيّ، بغية السّيطرة بصورة كاملة على النفط العراقي وأنظمته، بسبب اندفاعها وراء مصالحها الاقتصادية بالدرجة الأولى، متخفية وراء قضايا أيديولوجية عقائدية متلونة، وبالتالي لم تكن الغاية منها سوى تحقيق مشروع اقتصادي ضخم يهدف إلى فتح أسواق جديدة، أمام الشّركات الأمريكيّة الاحتكاريّة استكمالًا للهيمنة الأحاديّة على العالم والسيطرة على مقدراته.

لقد خلف احتلال العراق مشاهد مرعبة من البؤس والفوضى، لم تحقق الولايات المتحدة الهدف الاستراتيجي من عملية الغزو هذه، وهو السيطرة عليه سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا، والمقولة بإقامة نموذج سياسي جديد يكون قدوة للدول المحيطة لم تنجح بها، بل نجد أن العراق ما يزال حتى يومنا لم ينعم بالأمن ولا بالديمقراطية التي وُعِد بها العراقيون.

 

المصادر والمراجع

الكتب

1- الألوسي، سؤدد فؤاد: الغزو الأمريكي للعراق حقائق وأرقام، الطبعة الأولى، دار المعتز، 2012.

2- أناتولي أوتكيف: الاستراتيجية الأمريكية للقرن الحادي والعشرين، ترجمة أنور محمد إبراهيم ومحمد نصر الدين الجبالى، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2003.

3-الحمداني، رعد مجيد: قبل أن يغادرنا التاريخ، الدار العربية للعلوم ناشرون، بالطبعة الأولى، يروت،2007.

4- جامعة الشّرق الأوسط: الاحتلال الأمريكي للعراق وإشكالية بناء الدولة 2003-2004، إعداد الطالب علي صباح صابر بإشراف د. محمد جميل الشيخي، رسالة أعدت لنيل درجة الماجستير.

5- سلزر، إيرون: المحافظون الجدد، نقله إلى العربية فاضل جتكر، الطبعة الأولى، مكتبة العبيكان، الرياض، 2005.

6- شربل، غسان: العراق من حرب إلى حرب صدام مر من هنا، نسخة مجمعة من جريدة الحياة، 2010.

7- الشكرجي، طه نوري ياسين: الحرب الأميركية على العراق، الدار العربية للعلوم ومكتبة الرائد العلمية، الطبعة الأولى، بيروت والأردن، 2004.

8- العلوجي، عبد الكريم: الصراع على العراق من الاحتلال البريطاني إلى الاحتلال الأمريكي، ط1، الدار الثقافية للنشر، القاهرة،2007.

9- علي، محمود محمد: المخطط الأمريكي لاحتلال العراق، الطبعة الأولى، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، 2018.

10- فرانكس، تومي: جندي أمريكي، نقله إلى العربية محمد محمود، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى، الرياض، 1427 هـ.

11- هيكل، محمد حسنين: الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق، الطبعة الثالثة، دار الشروق، القاهرة، 2004.

 

المجلات

12-زياد ماجد: لبنان والعراق في بعض مفاصل تاريخهما الحديث، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 129، شتاء 2022.

13- بشير عبد الفتاح: تجديد الهيمنة الأمريكية، سلسلة أوراق الجزيرة 18، مركز الجزيرة للدراسات، الدار العربية لعلوم ناشرون، الطبعة الأولى، الدوحة قطر وبيروت، 2010، الموقع على شبكة الانترنت http;//www.asp.com.lb

14- دراسات الشرق الأوسط، واثق السعدون: الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في عهد الرئيس جورج والكر (دبليو) بوش 2001-2009.

المقالات

15- المركز الديمقراطي العربي، 3 ديسمبر 2021، استراتيجية الحرب الاستباقية وتأثيرها في العلاقات الدولية- دراسة حالة الولايات المتحدة الامريكية (2001-2020).

16- الحياة، 3/11/2002.

17- الجزيرة 23/12/2016 الغزو الأميركي للعراق.. مبررات واهية ونتائج كارثية.

18- واثق السعدون: الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في عهد الرئيس جورج والكر (دبليو) بوش 2001-2009، Watheq. [email protected]

19- رئيس الاستخبارات السعودي الأسبق يتحدث عن دور النظام السوري في إطاحة صدام حسين.

20 – BBC News عربي 22 مارس/ آذار 2018. بعد 15 عاماً على الحرب: ماذا قال قادة العالم عن غزو العراق؟

21- Independent عربية 10 ديسمبر 2021 إليكم تسلسل العلاقات العراقية الأميركية منذ 2003.

22- طارق الشامي: ما تداعيات انسحاب القوات الأميركية من العراق؟ INDEPENDENT عربية الجمعة 9 أبريل 2021.

 

دراسة عن واقع الموارد المائية والوسائل الكفيلة بمقاومة الجفاف والتصحر في العراق 

دراسة عن واقع الموارد المائية والوسائل الكفيلة بمقاومة الجفاف والتصحر في العراق 

 

لقد أنعم الله على العراق بكميات هائلة من الموارد المائية غير متوفرة في بلدان عربية أخرى. إذ أن معظم دول الخليج تفتقر الى وجود أي أنهار أو بحيرات أو مسطحات مائية للمياه العذبة فيها، بينما تتميز أرض العراق بوجود أنهار كبيرة مثل دجلة والفرات وشط العرب بالإضافة الى وجود أنهار صغيرة مثل ديالى والزاب الكبير والزاب الصغير والعظيم والوند وسيروان والخازر. كما يتوفر فيها مسطحات مائية أخرى مثل بحيرات الثرثار والحبانية والرزازة وساوة وحمرين وبحيرات صغيرة أخرى بالإضافة الى أهوار الناصرية والعمارة. وكذلك يتصدر العراق باقي الدول العربية في كمية المياه الجوفية التي تجمعت في باطن الأرض عبر ألاف السنين. وبالرغم من وجود هذه الكميات الهائلة من الموارد المائية للمياه العذبة، إلا أن العراق يعاني في الوقت الحاضر من أزمة مائية كبيرة تتعلق بشحة كمية المياه الجارية في أنهاره الرئيسية مثل دجلة والفرات والوند وديالى وسيروان وجفاف بحيرات حمرين وساوة مما أدى الى تراجع ملحوظ في أراضي العراق الخصبة وباتت نسبة كبيرة منها مهددة بالتصحر

وأحد أسباب الأزمة المائية في الوقت الحاضر هو عدم حصول العراق على استحقاقاته المائية الكاملة لنهري دجلة والفرات من دول المنبع التي عمدت على اقامة مجموعة من السدود الضخمة على هذه الأنهر وروافدها. إلا أن مصادر في وزارة الموارد المائية العراقية تؤكد بان الجانب التركي على استعداد للتجاوب مع مطالبات العراق في الوصول الى تسوية عادلة تضمن حقوقه المائية. أما إيران التي حولت مجرى عشرات الروافد التي تصب في الأنهار العراقية مثل الوند والكارون وسيروان مما أثر على مستوى المياه في كل من دجلة وديالى وبحيرة سد دربنديخان. بل الاكثر من ذلك باتت تدفع بمياه البزل المالحة في نهر شط العرب. وقد تسببت هذه الخطوات الاحادية من الجانب الايراني الى ضرر كبير على سقي البساتين العراقية المطلة على شط العرب والمناطق العراقية الجنوبية التي يمر بها نهر دجلة. كذلك أدت مياه المبازل في الكارون الى زيادة نسبة الملوحة وتأثيرها على المياه الصالحة للشرب في محافظة البصرة. فضلاً عن تأثر الأراضي الصالحة للزراعة في ديالى بانقطاع بعض الروافد الايرانية. وهذا الموقف الايراني اللا مسؤول والمضر بحقوق العراق المائية، استغل تواطئ الذيول التابعة له والمتنفذة في سدة الحكم للمضي قدما في تجاهل موضوع التفاهم مع العراق حول إيجاد تسوية مناسبة تضمن حقوقه المائية.

أما السبب الثاني في الأزمة المائية الحالية فانه يعود الى عدم اكتراث الحكومات المتعاقبة بعد عام 2003 لوضع خطط بناءة  تؤدي الى ايجاد بدائل وحلول  طارئة في حالة حصول شحة في الموارد المائية  ، رغم علمها التام ومنذ زمن بعيد بمشاريع السدود العملاقة التي تقيمها كل من تركيا وايران على منابع دجلة والفرات .لأن الأولويات  لتلك الحكومات كانت منصبة بالدرجة الأولى في مواضيع لا تخص مصلحة الوطن بقدر ما تخدم بقاؤها في السلطة لأطول فترة ممكنة وكسب أكبر كمية من المغانم يتيحها لها موقعها الحكومي واشغال البلاد بصراعاتها الجانبية العقيمة .في نفس الوقت عملت تلك الحكومات على ابعاد العناصر الكفوءة وذات الخبرة الطويلة تحت ذرائع الاجتثاث أو عدم الولاء للنهج السياسي الذي تسير عليه.

المطلوب سياسة جديدة لإعادة تنظيم الموارد المائية في العراق

أصبح الواقع المائي الحالي في العراق في حالة من التردي تتطلب خطط جديدة تعمل على تخفيف الضغط عن الأنهار الرئيسية في الاستخدامات الزراعية والبشرية وذلك بتنويع مصادر المياه وتطوير مشاريع جديدة للري. بالإضافة الى ايجاد حسم نهائي الى قضية حقوق العراق المائية في نهري دجلة والفرات من دول الجوار والتي يكفلها القانون الدولي.

وتتلخص هذه الخطة في النقاط التالية:

1.استغلال المياه الجوفية لاستصلاح أراضي البادية الغربية

المياه الجوفية تتكون على شكل أحواض في الطبقات الصخرية الخازنة للمياه بباطن الأرض، وتقسم إلى نوعين متجددة يمكن تعويضها من منابعها ولو بعد فترة وغير متجددة لا تعوض عند استهلاكها. ووفق احصائية البنك الدولي فان العراق يحتل المرتبة الأولى في الوطن العربي بكميات المياه الجوفية المتجددة التي يمتلكها. وفي دراسة حديثة تم اجراؤها عام 2018 باستخدام طريقة التحسس عن بعد وقام بها المهندس الفرنسي ألن غاشيت بتكليف من الاتحاد الأوروبي، فان معظم المياه الجوفية بالعراق تتمركز في منطقة الصحراء غرب نهر الفرات ضمن الأراضي الواقعة بين الأنبار وحتى السماوة. وهذه المياه الجوفية تتجمع في خزان كبير وعميق يتغذى باستمرار من أراضي الأردن والجزيرة العربية بسبب انحداره المائل من تلك الأراضي باتجاه الأراضي العراقية. ويفصل هذا الخزان الجوفي عن المياه السطحية لدلتا نهري دجلة والفرات وجود حاجز على شكل سد يدعى أبو جير والذي يمتد من شمال العراق الى جنوبه. وكمية المياه المتجمعة في هذا الخزان الجوفي تقدر بحوالي 1700 مرة بقدر كمية المياه التي يستوعبها سد الموصل. وهذه المياه ممتدة على شكل طبقتين الأولى 10 الاف مليار متر مكعب والثانية 16 ألف مليار متر مكعب. وكان من المفترض أن يتبع هذه الدراسة المباشرة بحفر بعض الابار التجريبية عن طريق آلات حفر متطورة لمعرفة عمق هذه المياه الجوفية وخصائصها ان كانت نقية أو ملوثة. لكن وزارة الموارد المائية العراقية لم تدعم هذه الخطوة وقررت تجميد مشروع استخراجها متذرعة بأن تلك المياه هي خزين احتياطي للأجيال القادمة. وهذا التبرير غير منطقي لأنها مياه متجددة يمكن استخدام جزء منها لإحداث تغيير جذري في الطبيعة الصحراوية لأرض الجزيرة في العراق. على العكس من ذلك فان وزارة الموارد المائية سمحت بحفر أبار ارتوازية في مناطق عدة من العراق والتي تأخذ مياهها من المياه السطحية لحوضي دجلة والفرات وبعض البحيرات مما زاد في مشكلة الجفاف مثلما حصل من كارثة جفاف لبحيرة ساوه في منطقة السماوة.

علما أن تجارب الدول في استغلال المياه الجوفية قد ساعد سكان منطقة دارفور في السودان من التغلب على العطش وحول بعض الأراضي الصحراوية في السعودية الى مزارع خضراء ومراعي بالرغم من أنها لا تملك سوى 7 % من خزين المياه الجوفية الموجودة في العراق. وتوجد تجربة رائدة في الصين تم فيها استغلال المياه الجوفية لتحويل الصحراء الى غابات وأراضي زراعية.

وعلى ضوء تلك التجارب الرائدة لبعض الشعوب في استغلال المياه الجوفية، يمكن للعراق أن يستخرج فقط 1% من مياهه الجوفية لإنشاء حوالي 17 بحيرة اصطناعية في الصحراء الغربية. تمتلك كل واحدة منها كميات من الماء بقدر سد الموصل، وهو أكبر خزان مائي في العراق. وفي حالة وجود هذا العدد الكبير من البحيرات على امتداد الجزيرة سوف تتغير الطبيعة الطبوغرافية لها ويلطف الجو فيها ويؤدي ذلك الى احداث التأثيرات الايجابية التالية:

      أ- التغلب على مشكلة هبوب العواصف الترابية:

معظم العواصف الترابية التي تهب على العراق والتي ازدادت في المدة الأخيرة سببها الرئيسي هو قلة الأمطار التي أدت الى تفكك التربة وهشاشتها في منطقة الصحراء الغربية. لذا فان انشاء هذا العدد الكبير من البحيرات في الجزيرة ووجود الحرارة المرتفعة فيها سوف يزيد من عملية تبخر الماء التي تتجمع على شكل غيوم وتشجع على تساقط الأمطار. وفي حالة ارتفاع معدل كمية الأمطار المتساقطة على أراضي الجزيرة سوف تتحسن حالة التربة فيها وتزداد تماسكا وبالتالي يقلل من احتمالية تحولها الى عواصف ترابية.

ب. استعمالها في تنمية الثروة الزراعية والحيوانية:

 يمكن ربط هذه البحيرات مع بعضها البعض بقنوات مائية وطرق معبدة محاذية لها لاستغلال الأراضي الفاصلة بين البحيرات للأغراض الزراعية والمراعي وحقول الدواجن وأحواض تربية الأسماك.

ج. انشاء مناطق سياحيه

من الممكن انشاء واحات صغيرة قرب هذه البحيرات نزرع بالنخيل وتزود بالكهرباء وأنابيب اسالة الماء وتقام عليها مرافق سياحية اسوة ببحيرة الحبانيه.

د. استعمالها لإقامة حزام أخضر حول المدن

يمكن استعمال مياه البحيرات لإقامة حزام أخضر من الأشجار المقاومة للجفاف مثل النخيل يحيط بالمدن القريبة من الصحراء.

2. اقامة سدود جديدة  

بسبب اللفط الذي قامت به الكتل الحاكمة، فقد العراق لحد الآن ما لا يقل عن 1900 مليار دولار من موارده المالية دون القيام بإنجاز مشروع تنموي واحد يمكن أن يتذكره العراقيون بعد زوال هذا النظام الفاسد. حتى السدود التي هي قيد الإنشاء في الوقت الحاضر مثل سد مكحول وسد بادوش كلها بدأ التخطيط لها في عهد النظام الوطني وتوقفت تماما بعد الغزو سنة 2003. وكانت نسبة الانجاز فيها قبل التوقف تتراوح ما بين 30-40 %. وبعد مرور حوالي 18 عاما من التوقف بدأت السلطة الحالية تدرك الأن أهمية تكملة مشروع سد مكحول على نهر دجلة لما يحمله من فوائد جمة في إحياء اراضي زراعية كبيرة بين مناطق كركوك وصلاح الدين بالإضافة الى توليد الطاقة الكهربائية. حيث تم رصد موازنة مالية له عام 2021 وبوشر العمل بتنفيذ باقي مراحل السد لكن عملية التنفيذ تسير بوتيرة بطيئة بسبب وجود صعوبات كبيرة منها ايجاد أراضي بديلة للقرى التي سوف يغمرها السد وكذلك التعامل مع الأثار المهمة التي سوف تكون معرضة للاندثار. أما سد بادوش المزمع اقامته على نهر دجلة جنوب سد الموصل فهو يمتلك طاقة تخزين استيعابية من الماء مقاربة لسد الموصل ويمكن أن يكون بديلا له في حالة حصول خلل ما فيه. فضلا عن حجم الأراضي الزراعية الكبيرة التي سوف يوفرها السد ومساهمته في توفير الطاقة الكهربائية بالإضافة الى أن جسر السد يعمل على ربط الضفة الشرقية والغربية لمدينة الموصل. للأسف لم يتم لحد الأن العمل على تكملة مشروع هذا السد وذلك بانتظار اقرار التخصيصات المالية اللازمة له من موازنة السنة المالية الجديدة التي بدورها تعتمد على عملية التوصل الى اتفاق لتكوين الحكومة القادمة. لو كان العراق قد سارع في انجاز سدي بادوش ومكحول قبل عام 2019 التي تعتبر سنة فيضان لنهر دجلة، لاستطاع حينها ان يخزن ما يقارب ال 15-20 مليار متر مكعب من الماء في تلك السدود والتي بإمكانها أن تخفف من وطأة سنين الجفاف التي يمر بها البلد الآن.

في بلد مثل الأردن يعاني فقرا في الموارد المائية، تعتبر السدود المقامة فوق واد أو منخفض ترابي بهدف حجز المياه، هي الطريقة المعتمدة لتخزين المياه من وديان تتغذى من ماء المطر. وبهذه الطريقة نجح الأردن في حصاد حوالي 80 % من مياه الأمطار داخل 10 سدود تخزينية. ونظراً لقلة تكلفة تلك السدود لكونها ترابية أو حجرية فان مجوع ما صرفه الأردن على بنائها جميعا لم يتجاوز ال 700 مليون دولار. لكنها أوجدت حلا مناسبا لمشكلة المياه في الأردن فأصبح الاعتماد كليا على هذه الخزانات المائية لتوفير المياه للاستخدام البشري في عموم المدن الأردنية، وكذلك تستخدم لري المناطق الزراعية وتوليد الطاقة الكهربائية وللأغراض السياحية.

 في العراق لا يختلف معدل تساقط الأمطار كثيرا عن معدل تساقطها في الأردن، لكن عدد الوديان فيه تقريبا ثلاثة أضعاف ما هو موجود في الأردن. وبشكل خاص يوجد في العراق وادي حوران الكبير الذي يمتد لمسافة 369 كلم. في البادية الغربية وتتجمع فيه مياه الأمطار بكميات مناسبة في فصل الشتاء. وتحيط بهذا الوادي جروف طبيعية عالية ذات حافات حادة يبلغ ارتفاعها ما بين 150 إلى 200 م، ويمتاز بوجود بعض الوديان الصغيرة المتفرعة منه والواحات التي تقع في القسم الشرقي منه. وبالأصل كان وادي حوران نهراً جارياً ورافداً يصب في نهر الفرات إلّا أنه جفَّ خلال العصور القديمة. وإذا ما تم الاستفادة من التجارب الأردنية الناجحة في حصد مياه الأمطار، يمكن للعراق استغلال الوديان المنتشرة في أراضيه، خاصة تلك الموجودة في الجزيرة للقيام بإنشاء سدود تحصد مياه الأمطار. وهذه الخزانات المائية الكبيرة والغير مكلفة كثيرا سوف توفر مصدرا جديدا للمياه لا يستهان به وإذا ما استغلت بشكل مناسب تستطيع أن تخفف الضغط على كمية المياه المستهلكة من نهري دجلة والفرات.

3.استخدام وسائل متطورة للري في الزراعة

ان عملية تحلية المياه باتت من الوسائل المعتمدة حديثا في كثير من البلدان لتوفير المياه النقية وفي مدينة البصرة بالذات، نجحت كوادر عراقية مؤخرا في استخدام هذه التقنية الحديثة على نطاق محدود لتحلية مياه شط العرب. والمطلوب الأن هو تعميم هذه التجربة الناجحة على مناطق أخرى من العراق مثل تحلية مياه بحيرة الرزازة القريبة من كربلاء والتي تمتاز مياهها بنسبة أملاح عالية تجعلها غير صالحة للزراعة أو الاستخدام البشري. علما أن هذه البحيرة هي من أكبر البحيرات في العراق وتتسع لمخزون مائي مقداره نحو 26 مليار متر مكعب..

كما أن طريقة استخدام الطائرات لإحداث المطر الاصطناعي باتت هي الأخرى من الوسائل المستخدمة حديثا لري الأراضي الزراعية، وللصين خبرة كبيرة في هذا المجال يمكن الاستعانة بها.  ان لجوء العراق الى هذه الوسيلة الحديثة سوف يساعد كثيرا على تحسين التربة الجافة في أراضيه وخاصة تلك الموجودة في منطقة الجزيرة الغربية.

  1. 4. تغيير مجرى نهر الفرات عند مصب شط العرب

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، ماهي الفوائد التي يجنيها العراق من وجود شط العرب بوضعه الحالي؟ فمياهه أصبحت ملوثة وازدادت نسبة الأملاح فيها وصارت غير صالحة للزراعة والاستهلاك البشري بسبب قيام إيران برمي مبازلها الوسخة فيه. وفي نفس الوقت قامت إيران بقطع روافد المياه العذبة التي تصب في شط العرب ونهر دجلة الذي ينتهي فيه. من ناحية ثانية فان ميناء المعقل في البصرة المطل على شط العرب لم يعد يتمتع بأهمية ملاحية أو تجارية كبيرة بعد أن تم المباشرة بإنشاء ميناء الفاو الكبير. ناهيك عن أن الجانب العراقي لشط العرب أصبح قليل الأهمية ملاحيا بسبب مخلفات الحروب التي تجمعت فيه. وعلى العكس من ذلك فان الجانب الايراني لشط العرب قد خضع لعملية تعميق في السنوات الأخيرة بحثا عن النفط وأصبح أكثر ملائمة للملاحة البحرية. لذا عمدت إيران على استخدامه لإقامة عدة موانئ تجارية وقواعد عسكرية.

تاريخيا شط العرب هو نهر عراقي الا أن تواطئ الانكليز هو الذي منح الايرانيين موطئ قدم فيه وباتوا تدريجيا يستحوذون على فوائده أكثر من العراقيين. لذا فقد أن الأوان للعراق أن يعيد التحكم في مجرى شط العرب من جديد.

والخطة المقترحة لتحقيق هذه الغاية هو اقامة سد على نهر الفرات عند منطقة التقائه مع نهر دجلة في القرنة لتكوين شط العرب. ومن موقع هذا السد يتم انشاء قناة صناعية باسم “قناة البصرة” تكون اروائية وملاحية بديلة لشط العرب، تصب فيها مياه نهر الفرات بالكامل ويكون عرضها بقدر عرض نهر الفرات وعمقها مشابه لعمق شط العرب. وهذه القناة تمتد من منطقة السد الى الشرق من مدينة البصرة لتصب في ميناء الفاو الكبير. ويكون هور الحمار والاهوار التابعة له بمثابة البحيرة المائية التابعة لهذا السد بحيث يتم ربط السد مع الهور بجدول خاص ذهابا وايابا. ان أهمية هذا المشروع تكمن في تحقيق الفوائد التالية.

  1. انه نهر عراقي مئة بالمئة ولا تشاطره فيه دولة أخرى مثل شط العرب
  2. يصبح للعراق القرار الأول في التحكم بكمية المياه التي تجري في شط العرب. إذا ما أقفل السد تذهب مياه الفرات كاملة في قناة البصرة ويصبح دجلة لوحده هو مصدر المياه لشط العرب. وهذه الحالة من المحتمل أن تقلل من مستوى الماء في شط العرب فتكون الموانئ والملاحة في الجانب الايراني أكثر تأثرا من الجزء العراقي. فالعراق يمكن أن يعوض هذه الخسارة بالملاحة البديلة في قناة البصرة، أما الجانب الايراني فعليه أن يرضخ للشروط العراقية ويعيد حصة العراق المائية كاملة في نهري شط العرب ودجلة كي يستعيد نهر شط العرب مستواه العالي من الماء.

3.يمكن أن تتفرع جداول من القناة الجديدة باتجاه مدينة البصرة لتزويدها بالماء العذب لغرض الاستخدام الزراعي والاستعمال البشري وتعويضها عما تفقده من مياه شط العرب.

  1. السد سوف يوفر الطاقة الكهربائية لمدينة البصرة وضواحيها.

5 يمكن للسد أن ينعش المخزون المائي لهور الحمار وعندها يمكن استخدام هذه المياه لاستصلاح أراضي زراعية في مناطق الجزيرة الصحراوية المجاورة للهور. كما يمكن استخدامها في مشاريع تربية الأسماك والمراعي الحيوانية.

  1. من الممكن اقامة خط مرور سريع موازي لقناة البصرة يحمل البضائع مباشرة من الفاو الى القرنة دون المرور بمدينة البصرة. كما يمكن زراعة حزام أخضر من الأشجار بمحاذاة هذا الطريق لتعمل كمصد للغبار عن مدينة البصرة.
  2. انجاز هذا المشروع سوف يلطف الجو في مدينة البصرة لأنها سوف تصبح شبه جزيرة محاطة بالمياه من عدة جوانب وسوف يوفر المشروع ألاف الأيادي العاملة.

طول شط العرب حوالي 190 كم وقناة البصرة سوف تكون مقاربة لهذا الطول، علما أن قناة السويس في مصر طولها حوالي 180 كم وقبل سنتين تقريبا تم بناء قناة موازية لها بأيادي مصرية خالصة في مشروع استغرق عاماً تقريباً.  

فعندما تتوفر الارادة الوطنية الصادقة لا يوجد شيء مستحيل.

 

أ. د. مؤيد المحمودي

31/5/2022

القيادة القومية : ملحمة جنين علامة مضيئة في مسار النضال الوطني الفلسطيني

القيادة القومية : ملحمة جنين علامة مضيئة في مسار النضال الوطني الفلسطيني

 

اكدت القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي ، ان ملحمة جنين هي  علامة مضيئة في مسار النضال الوطني الفلسطيني ، وعلى الامة العربية ان ترتقي في دعمها واسنادها لثورة فلسطين الى مستوى التضحيات التي تقدمها جماهير فلسطين في تصديها للاحتلال الصهيوني. جاء ذلك في تصريح للناطق الرسمي باسم القيادة القومية للحزب في مايلي نصه.

 

لم تكد تمضي ايام قليلة على وقف التصعيد العدواني الصهيوني ضد غزة ، حتى بادرت قوات الاحتلال الى اقتحام مدينة جنين ومحاصرة مخيماتها ، وهو ما ادى الى مواجهة بطولية بين القوات الصهيونية المؤللة والمقاومين الذين تصدوا لقوات العدو بالامكانات المتاحة اسفرت عن تدمير سبعة اليات للعدو وايقاع العديد من الجرحى في صفوفه ، مما اضطره لنقلهم من ساحة المواجهة بالطوافات العسكرية .

ان هذه المواجهة التي ادت الى استشهاد خمسة مقاومين وجرح العشرات من سكان المدينة والمخيمات ، تشكل علامة مضيئة في مسار النضال الوطني الفلسطيني وتوجه رسالة للقاصي والداني ، بان شعبنا في فلسطين المحتلة ، مصمم على التمسك بارضه والدفاع عنها حتى الاستشهاد ، ولن يمكن العدو من تنفيذ مخططه الرامي الى تهجير جماهير فلسطين وفرض الصهينة على كل معالم الحياة فيها. 

واذا كان العدو قد اختبر صلابة المقاومة وقدرتها على المواجهة في كل المعارك التي خيضت على ارض فلسطين منذ اطلقت الثورة الفلسطينية رصاصتها  الاولى ، فان الارادة الوطنية الفلسطينية ، تشتد اليوم صلابة وهي تقاوم العدو والته الحربية باللحم الحي ، وهي تترجم هذه الصلابة في تجديد ثورتها عبر كافة اشكال الكفاح الشعبي وخاصة المسلح منه. 

ان القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي ، اذ توجه التحية لجنين ومخيماتها  ولجماهير شعبنا على مساحة كل فلسطين ، وتكبر فيها روح المقاومة وهي تقدم  قوافل الشهداء دفاعاً عن حقها في التمسك بارضها وحماية مقدساتها في القدس والخليل واعيانها الثقافية وارثها التاريخي ، تدين مواقف النظام الرسمي العربي الذي يقف متفرجاً على ما تتعرض له جماهير فلسطين من قتل وتدمير ودفع نحو “ترانسفير” جديد ، لا بل اكثر من ذلك ، فان بعض هذا النظام يواصل عمليات التطبيع مع العدو ،ويفرض حصاراً مالياً وسياسياً على ثورة فلسطين في نفس الوقت الذي يوسع فيه من مساحة علاقاته السياسية والاقتصادية وحتى الامنية مع الكيان الصهيوني. فالعدو الصهيوني ، ما كان ليصعد من عدوانه واجراءاته القمعية في الارض المحتلة ويقتحم الاقصى ويهدد يومياً بتغيير معالمه ، لو لم يكن مطمئناً الى الموقف الرسمي العربي المتخاذل ان لم يكن المتواطئ معه. 

ان القيادة القومية للحزب  ، وهي تعيد التأكيد على الموقف الذي يستحضر مقولة القائد المؤسس الاستاذ ميشيل عفلق ، بأن فلسطين لن تحررها الحكومات وانما الكفاح الشعبي المسلح ، تستحضر في الوقت ذاته مقولة القائد الشهيد صدام حسين ، بان فلسطين بحاجة الى الحضن القومي الدافئ ، لان جماهير فلسطين تخوض معركة الامة العربية على ارض فلسطين ، ومن واجب الامة احتضانها وحمايتها وتوفير كل وسائل الاسناد لتعزيز صمودها اهلها ورفع وتيرة المواجهة وتكبيد العدو ما لا يتوقعه من خسائر بشرية ومادية مع اطلاق اوسع حملة سياسية ضده باعتباره  كياناً يغتصب ارضاً لشعب طرد منها بالقوة ، وان المواثيق الدولية كفلت للشعوب حقها في المقاومة وتحرير ارضها من الاحتلال .  وان على المجتمع الدولي ان يلاقي الموقف الموقف الوطني الفلسطين من اجل تمكين شعب فلسطين من تقرير مصيره وهو الذي  بات رأس حربة في مواجهة احتلال استيطاني كما مواجهة  اخر نظام للفصل العنصري في التاريخ المعاصر. 

تحية  لجنين ومقاوميها وتحية لكل فلسطين  وثورتها ، وتحية لشهدائها ، والشفاء لجرحاها ، والحرية لاسراها ومعتقليها ،والخزي والعار للمطبعين والمتخاذلين الذين  يبيعون قضية شعب وامة بثلاثين من الفضة .

 

الناطق الرسمي باسم القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي

د. احمد شوتري

في ٢٠٢٣/٦/٢٠

النص الكامل للخطاب التاريخي للرفيق المجاهد قائد الجهاد والتحرير عزة إبراهيم الدوري حفظه الله والموجه إلى مؤتمر القمة العربية المنعقد في مدينة سرت الليبية

 

النص الكامل للخطاب التاريخي للرفيق المجاهد قائد الجهاد والتحرير عزة إبراهيم الدوري حفظه الله والموجه إلى مؤتمر القمة العربية المنعقد في مدينة سرت الليبية

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(يا أيها الذين امنوا هل أدلكم على تجارةٍ تنجيكم من عذابٍ أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خيرٌٌٌ لكم إن كنتم تعلمون)

 

صدق الله العظيم

 

 

 

الأخ القائد معمر القذافي رئيس مؤتمر القمة العربية (الثاني والعشرين) ..

الأخوة الملوك والرؤساء والأمراء أعضاء القمة العربية ..

أُحييكم بتحية العروبة ورسالتها الخالدة الإسلام الحنيف فأقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

 

لقد كان عراقكم العظيم بشعبه الأبي وبتاريخه المجيد وامتداده الحضاري الضارب في عمق الزمن وبما يملك هذا البلد من طاقات وإمكانات وإبداعات هائلة يقف على الدوام إلى جانب الأمة يشد أزرها ويصوب خُطاها نحو كل ما يحقق عزتها وكرامتها وحريتها واستقلالها ، لقد وقف معكم في كل المنعطفات التاريخية الكبيرة الخطيرة على امتداد العقود الأربعة الماضية ، قدم على مذبح حرية الأمة وتحررها واستقلالها ووحدتها أوسع التضحيات وأغلاها حتى قدم الذي ترونه اليوم وتعرفونه ، قدم قيادته الثورية الوطنية المؤمنة ، قدم أكثر من مائة وسبعة وعشرون ألف من رجال وفرسان طليعته الثورية الوطنية القومية المؤمنة ، قدم أكثر من مليون ونصف المليون من أبنائه البررة خلال السنوات السبع في صراعه مع الغزاة المحتلين في معركة الحرية والتحرير والاستقلال ، قدم ملايين المشردين والمهجرين ، دُمِرَ بِنائهُ الحضاري تدميرا شاملاً وعميقا فلم يبقى أثرا للحياة في وطنه ولا زال يقدم وبسخاء قل نضيره في تاريخ الأمة وسيبقى يقدم المزيد على مذبح حريته واستقلاله حتى التحرير الشامل والعميق فيعود إلى أحضان أمته كما كان على امتداد تاريخها الطويل طليعة لمسيرتها الكفاحية نحو حريتها ووحدتها وغَدِهَا الأفضل ..

 

أيها الأخوة أعضاء المؤتمر:

 إن ما قدمه العراق من تضحيات باهظة كان ثمناً لمواقفه من حرية الأمة واستقلالها وتوحيد جهدها وجهادها ، إن ما قدمه العراق من تضحيات باهظة كان ثمنا لموقفه البطولي ضد الهجمة الفارسية الصفوية على الأمة فحطمها وحفظ للأمة عزتها وكرامتها ، إن ما قدمه العراق كان ثمنا لموقفه الشجاع من قضية فلسطين الحبيبة ، إن ما قدمه العراق من تضحيات باهظة كان ثمنا لهويته العربية الإسلامية الإنسانية ومشروعه الحضاري النهضوي ، إن ما قدمه العراق من تضحيات باهظة كان ثمنا للتصدي البطولي للأطماع الامبريالية المتصهينة ومشروع الصفوية الفارسية في الأمة ، واني أقول لكم اليوم ومن خلالكم لامتنا وشعبنا العربي على امتداد وطن العروبة وأقول للدنيا كلها وبشكل خاص للغزاة المحتلين وحلفائهم وعملائهم ، إنا نحن أبناء العراق وشعبه المجيد ، أحفاد علي والحسين عليهما السلام، أحفاد سعد وخالد والمثنى ، أحفاد القعقاع وصلاح الدين وقتيبة ، نحن أبناء العراق شعب الحضارات العميقة المجيدة الضاربة في أعماق التاريخ نحن أبناء الحضارة التي اخترعت الحرف وعلمت الإنسانية الكتابة والقراءة ، نحن أبناء الحضارة التي اخترعت العجلة وأسست قاعدة العلوم الحياتية التي على أركانها قامت الحضارة الإنسانية المعاصرة ، فنحن راضون بما قدمنا للأمة بل نحن فرحون ونختال اليوم زهوا وعزا وفخرا بما قدمنا وما حققنا للأمة وللإنسانية وبما صممنا على تقديمه وتحقيقه لامتنا على امتداد مسيرتها الكفاحية الجهادية حتى تحقيق أهدافها في الحرية والتحرير ، وفي الوحدة والتوحد ، وفي تحقيق المستقبل الذي يليق بها وفي دورها في الحياة على الأرض ، ولكننا وفي نفس الوقت لم نرضى ولن نرضى على موقفكم من شعب العراق العريق الشهم المجيد وخاصة في مؤتمراتكم القومية التي أفرغتموها من محتواها وجردتموها من أهدافها النبيلة التي أُسِسَتْ هذه القمة من اجلها ، لقد أُسِسَتْ هذه القمم لكي تعبر في مواقف شجاعة وقرارات جريئة عن إرادة الأمة وشعبها ولكي توظف إمكانات الأمة وطاقاتها الرسمية الهائلة للدفاع عن قضاياها الأساسية والمصيرية ..

 

أيها الأخوة أيها الأشقاء أعضاء المؤتمر:

 لقد مضى على احتلال العراق سبع سنوات طوال قد خاض وطيسها شعب العراق العظيم المجيد وحده ليس لديه ولا معه إلا الله القوي العزيز ثم مقاومته الوطنية والقومية والإسلامية الباسلة ، لقد خاض لهيبها وهو محاصر وللأسف وللعجب العجاب انه محاصر ممن كان محسوباً ومقرراً عمقه المبدئي والإستراتيجي في كل المعايير الوطنية والقومية والإنسانية والدينية والأخلاقية ، كان محاصراً ولا يزال من النظام العربي الرسمي إلا الاستثناء القليل جدا ، إن من الحكام العرب من لم يزل إلى اليوم لم يكتفي بالحصار والمحاصرة بل يضع كل ثقل بلده وإمكاناته في خدمة المحتل وعملائه وانتم أيها الإخوة والأشقاء تعلمون علم اليقين أن شعب العراق العظيم قد واجه أقوى واعتى غزو بربري شوفيني صليبي دموي في تاريخ البشرية على الإطلاق ما يسمى بالقطب الأوحد في الكون الامبريالية الأمريكية وما يملك هذا القطب من وسائل الدمار والقتل والتخريب وحليفته الصهيونية العالمية وأداتها إسرائيل اللقيطة وكل الاستعمار القديم وللأسف عاونته وسهلت له غزو العراق واحتلاله إيران جار السوء والحقد والبغضاء للأمة وتاريخها ورسالتها وعاونته بقوة على تدمير نهضته وحضارته ، لقد دخل العراق ثمان وعشرون جيشا على رأسها جيش القطب الأوحد وجيش بريطانيا العظمى ، لقد اشتركت رسميا في احتلال العراق أكثر من خمسون دولة ولقد رأيتم أيها الإخوة وسمعتم كيف انتصر شعب العراق المجيد وسحق الغزاة وهربت جيوشهم تلعن حُكَامَها وقادتها حتى سيق حاكم بريطانيا العظمى المجرم بلير إلى التحقيق والمحاكم لتوريط بلده في الاشتراك في هذه الجريمة الإنسانية البشعة ، وسيحاكم بوش بعده إن طاولت دولته أكثر في البقاء تحت ضربات المقاومة الوطنية الباسلة وقدمت المزيد من الخسائر والاستنزاف للشعوب الأمريكية .. فانظروا أيها الإخوة لم يبقى اليوم في العراق إلا بعض فلول الامبريالية الأمريكية المرعوبة المنهارة سحبتها من الميدان إلى قواعد تحسبها أمينة فهي لا تستطيع الخروج من جحورها إلا وفق خطة معدة سلفا وفي حماية قوات كبيرة من تشكيلات العملاء العسكرية ، لقد رَكْعَ هذا الشعب العظيم هذه الجيوش وعلى رأسها جيش القطب الأوحد على أعتابه الشريفة ، وستتولى المقاومة بإذن الله وتواصل الطرق على رؤوس جنودها في هذه القواعد ليل نهار وسَنُصَعِدْ الطرق ونقعد لها كل مرصد للنيل منها ولقهرها وتحطيم إرادتها حتى تهرب خاسئة ذليلة بأذن الله وقوته القوية ..

 

أيها الأشقاء أعضاء المؤتمر:

 لقد سقطت الامبريالية الغازية وحلفائها وعملائها وإدارتها المتصهينة في وحل العراق ، وستسقط الإدارة الجديدة بإذن الله إن لم تتعظ بسابقتها حتما تحت ضربات الشعب العراقي العظيم ومقاومته الباسلة طال الزمن أم قصر ، لقد انتصر شعب العراق ومقاومته الباسلة عسكريا واقتصاديا واجتماعيا وإعلاميا وأخلاقيا ولم يبقى لدى المحتل اليوم في بلدنا إلا عمليته السياسية المخابراتية وعملائه وأذنابه وعلى رأسهم إيران الصفوية وعملائها الأذلاء ، وإنكم ترونها اليوم فهي لم تعد القوة العظمى والقطب الأوحد كما دخلت العراق غازية ومحتلة ومستعمرة ، إنها صارت تستجدي ما تطمح إلى تحقيقه اليوم سياسياً ومخابراتياً في العراق من إيران وعملائها ، وإيران في كل يوم في العراق تصفعها على خدها الأيمن فتدير لها خدها الأيسر ، واعلموا ن الخيار العسكري قد سقط وانتهى وسوف لن تعود الامبريالية الأميركية لمثله لا في العراق ولا خارج العراق إلا لزمن بعيد جدا ، واعلموا إن أمريكا اليوم لا تملك تحريك حجر في العراق يتعارض مع مصالح إيران ومشروعها في العراق وفي الأمة ، واعلموا إن أمريكا قد قدمت العراق إلى إيران على طبق من ذهب حسب إستراتيجية تقاسم المغانم والمصالح في العراق والمنطقة وهي قد سلمت إلى الأمر الواقع واستسلمت لشريكها في الجريمة مكتفية بما ستحققه لها عمليتها السياسية وعملائها بالاتفاق مع إيران وعملائها .

 

 

 

أيها الأخوة أعضاء المؤتمر:

 إن هدفنا الأول اليوم المشروع المقدس وأنتم وشعبنا العربي والخيرين في العالم معنا هو تدمير الغزاة الذين جاءوا بإيران وغيرها وطردهم من بلدنا وأؤكد لكم جازماً سوف لن تخرج إيران من بلدنا بل ستبتلعه وتتوجه إليكم إن لم تطرد أمريكا من العراق فهي رأس الأفعى وهي التي أطلقت يد إيران في العراق ولا زالت ، واعلموا أن المشروع الإيراني اليوم وتحت المظلة الأمريكية قد أصبح يدق أبوابكم الداخلية جميعا بدون استثناء إن لم تتجاوزوا عقدة أمريكا القوة العظمى التي سقطت في وحل غزوها وعدوانها وجرائمها ولم تعد إلا صنماً يضر ولا ينفع..

 

أيها الأخوة الأشقاء أعضاء المؤتمر:

 هذا ما نحن عليه اليوم الم يحن الوقت بعد كل هذا الذي حصل للعراق وشعبه وبعد أن حطم هذا الشعب العظيم قوى الغزو والعدوان وقزمها ، أن تعود قمتكم وتسجل موقفا من على ارض عمر المختار قائد الجهاد المبكر لتحرير الأمة وتحررها وما سجل من عز ومجد لها ولليبيا وشعبها العربي الثوري المجيد ، أن تسجلوا موقفا تاريخيا يرضي الله ويكون حجة لكم عنده يوم الوقوف بين يديه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، ويكون موقفا عندنا نحاجج لكم به شعبنا شعب الأعاجيب شعب العراق شعب البطولة والتضحيات ، إنها فرصة تاريخية ثمينة عليكم استثمارها ، أنضروا إلى الأمم من حولنا كيف تستثمر الفرص لصيانة حريتها واستقلالها وتحقيق مصالح شعوبها وهي اقل من امتنا عددا وعدة ( فنزويلا ـ نيكراكوا ـ كوبا ـ فيتنام ـ كوريا ـ إيران ـ تركيا وروسيا ) فإنها فرصة امتنا التاريخية اليوم قد وفرها وصنعها لكم شعب العراق ومقاومته الباسلة المجيدة ، وانتم الذين وضعكم الله القوي العزيز العليم الخبير أمناء ووكلاء على صيانة حرماتها ومقدساتها ومصالحها العليا ، أمناء على حريتها واستقلالها ووحدة مسيرتها الحضارية ..

 

إن شعب العراق أيها الأخوة الأشقاء بمقاومته الوطنية والإسلامية يطالب قمتكم اليوم بموقف تاريخي حازم وشجاع وأصيل، تعلنون فيه للدنيا موقف الأمة وشعبها العظيم في اتخاذ القرارات التالية:ـ

 

القرار الأول . الاعتراف بالمقاومة العراقية الوطنية المسلحة والغير مسلحة التي كفلتها كل القوانين والمواثيق الدولية وكل الشرائع السماوية ، إنها الحق المشروع المقدس للأمم والشعوب المحتلة أراضيها والمستعمر شعوبها من قبل قوى البغي والعدوان .

القرار الثاني . طرد ممثلي سلطة الاحتلال الغير شرعية وفق كل القوانين والمواثيق الدولية ، واستدعاء ممثلي المقاومة لتمثيل العراق وشعبه في المؤتمر وفي الجامعة العربية وفي كل مؤسسات العمل العربي المشترك .

القرار الثالث . قطع العلاقات الدبلوماسية مع المحتل الغازي ومع سلطته في العراق وإلغاء كل الالتزامات التي نشأت عن تلك العلاقات.

القرار الرابع . تفعيل ميثاق وقوانين الجامعة العربية وخاصة اتفاقية الدفاع المشترك لتصعيد الموقف الداعم لشعب العراق وقواته المسلحة ومقاومته الباسلة للوقوف بوجه الامبريالية الأمريكية وحلفائها إيران ومشروعها ألصفوي الاستعماري الخطير اتجاه شعبنا وامتنا .

القرار الخامس . تقديم الدعم الفوري لشعب العراق المهدد بكارثة الفناء ، الدعم اللازم لأرامله وأيتامه ومشرديه ومهجريه ، انه حق قومي وشرعي وإنساني مقدس لشعب العراق عليكم وعلى الأمة .

القرار السادس . الضغط على أمريكا الغازية بكل الوسائل المستطاعة للتخلي عن إيران ومشروعها ألتدميري وللانسحاب الفوري وتسليم العراق لأهله دون التمادي في إراقة المزيد من الدماء البريئة سواء كانت عراقية أم أمريكية ، واعلموا أيها الأخوة ولتعلم الدنيا وخاصة شعوب أمريكا المضللة رغم انحسار تواجد قوات الغزو في شوارع العراق وطرقاته ومدنه ولجوئها إلى القواعد المحصنة فهم يقدمون في كل يوم قتلى وجرحى على أيدي أبطال المقاومة وصناديدها وهي موثقة لدينا بكل وسائل التوثيق ولم تعلن منذ مجيء الإدارة الجديدة يجري عليها التعتيم والتستر ثم الحصار والمحاصرة من قبل دولكم ومؤسساتها المعنية الأعلام المأجور والمنحرف ..

 

أيها الأخوة الملوك والرؤساء والأمراء:

 هذه هي حقوق شعب العراق على أمته ممثلة في مؤتمركم هذا في وقفتكم الجمعية هذه نضعها أمامكم في مؤتمركم هذا فإنها مسؤولية تاريخية وشرعية، وإنها أمانة الله في أعناقكم سَتُسالون عنها تاريخيا ويوم يقوم الأشهاد ..

أحيي بعض الملوك والرؤساء الذين اشتاموا لشعب العراق وهزتهم النخوة العربية والغيرة الإيمانية بعد ما راو ما فعل الغزاة وعملائهم في شعب العراق فوقفوا إلى جانب العراق وشعبه المقاوم المجاهد ولم يطبعوا مع سلطة الاحتلال واني لأسجل لهم موقفهم وموقف دولهم هذا بأحرف من نور في سفر تاريخنا الجديد المجيد ..

أحيي شعبنا العربي في كل أقطاره وفي كل مهاجره وادعوه إلى التحرك للمزيد من الضغط المشروع على أنظمة الأمة وقادتها للوقوف بقوة إلى جانب شعب العراق المقاوم المجاهد ومحنته ..

 

أملي بكم أيها الأخوة الملوك والرؤساء والأمراء قوي وأنا أعرفكم جميعا وكنا قبل اليوم أي قبل تحقيق اندحار الغزاة وانتصار الشعب ومقاومته الباسلة نقدر ونتفهم تردد بعضكم وتخوفه أو حتى انحياز البعض إلى الغزاة وعملائهم رهبتاً ونكوصاً ، أما الآن فلا يُقَبَل من أحد التخلف أو المخادعة والمراوغة عن أداء الواجب القومي الشرعي اتجاه العراق وإن الشاهد الحق والحكم العدل اليوم هو شعب امتنا العظيم المجيد وتاريخنا الذي يسطره اليوم شعب العراق بدماء أبنائه البررة ، وإن الشاهد الحق والحكم العدل غداً هو الله القوي العزيز الذي لا تخفى عليه خافية يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وهو سريع الحساب وشديد العقاب ..

 

واعلموا أيها الأخوة واطمئنوا وليعلم الغزاة إننا قد اعددنا مقاومة تمتلك كل عوامل البقاء والمطاولة وتمتلك كل عوامل النمو والازدهار والتصاعد في العدة والعدد يحتضنها شعب العراق المجيد من شماله إلى جنوبه وبكل أطيافه وألوانه ، وان المقاومة بدئت تتوسع وتتصاعد ويتصاعد أدائها في جنوبنا العزيز مما أرعب الغزاة وعملائهم وعملاء إيران الصفوية الفارسية وخاصة في منطقة الفرات الأوسط في كربلاء الحسين كربلاء التضحية والفداء وسراياها الباسلة سرايا شهداء ألطف الحسينية ونجف العزة الإباء والشموخ ثم البصرة وسراياها سرايا الجهاد وسرايا الزبير ابن العوام وجيشها الجيش العربي لتحرير الجنوب ، فان المرحلة القادمة ستشهد قتال العدو على كل شبر من ارض العراق يتواجد عليه ، وان بقي الغازي مصرً على غزوه واستعماره لبلدنا واحتضانه للمشروع الإيراني الصفوي سنقاتله ونلاحقه حتى لو بقي بسفارته فقط سندمر سفارته على رأسه حتى يتخلى عن عملائه وعن أطماعه ونواياه الشريرة ويخرج بدون قيد أو شرط وسوف لن نخدع بسحب قواته أو جزء منها لتقليل خسائره التي قصمت ظهره ، وإنما الجهاد دائم ومتصاعد حتى التحرير الكامل والشامل من أي شكل من أشكال الهيمنة والسيطرة والاستغلال مهما طال الزمن وغلت التضحيات

 

وفقكم الله إلى ما يحبه ويرضاه… والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

أخوكم عزة إبراهيم

القائد الأعلى لجبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني

القائد العام للقوات المسلحة

٢٧ / أذار / ٢٠١٠ م