شبكة ذي قار

أرشيفات فبراير 2025

دراسات ومقالات هيئة الإفتاء الشرعي في القيادة العليا للجهاد والتحرير

دراسات ومقالات هيئة الإفتاء الشرعي في القيادة العليا للجهاد والتحرير

﴿ الدراسة العاشرة ﴾

الحمد لله الذي به تتم الصالحات والصلاة والسلام على سيدنا محمد الممتثل للمأمورات والمجتنب للمنهيات سيد البشر وخير العرب من عدنان ومضر، وبعد:

فأيها الأحبة من مجاهدينا الأبطال يا من بكم أقر الله تعالى عيون المؤمنين وبكم غاض الكافرين، يقول تعالى في محكم التنزيل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ ﴿النساء:٥٩﴾

ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: (( … من أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ يُطِعْ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي … )) صحيح البخاري ج3/ص1080، صحيح مسلم ج3/ص1466

جعل النبي عليه الصلاة والسلام طاعته مقرونة بطاعة الأمير ومعصيته مقرونة بمعصية الأمير ، الأمير هو ذلك الرجل الذي ترتبط به ارتباطا مباشرا ولا يكون الأمير أميرا من تلقاء نفسه بل ينصب من قبل من هو أعلى منه وطاعته واجبة شرعا ما دام لم يأمر بمعصية ولذلك يقول المصطفى صلى اله عليه وسلم في حديث آخر((عليك السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ في عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ …)) صحيح مسلم ج3/ص1467،

طاعة الأمير واجبة في ما أحببت وكرهت وفيما عسر عليك فعله وفيما يسر فرب عسير ييسره الله تعالى لك ببركة طاعتك للأمير التي ما هي إلا طاعة لنبيك عليه الصلاة والسلام وما هي إلا طاعة لله تعالى ، وهذه الطاعة هي التي نسميها الطاعة التامة أي تكون في كل الظروف وعند كل الصعاب الطاعة التي يريدها منا الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام هي الطاعة التامة أما الطاعة الناقصة والتي تكون بامتثال ما أعجبك وبامتثال ما سهل عليك وبامتثال ما طاب لك فليست هي الطاعة المنشودة، وطاعة الأمير وتطبيق كلامه كاملا بحذافيره من أسباب النصر ومن أسباب التوفيق للعبد فالرماة في أحد سمعوا كلام النبي عليه الصلاة والسلام لكنهم لم يطبقوه إلى الساعات الأخيرة من المعركة فكان من الأمر ما كان.

ويعلمنا نبينا ورسولنا وقائدنا وقدوتنا عليه أفضل الصلاة السلام درسا من دروس التعامل مع الأمير حيث يروي الحديث سيدنا أبو ذر فيقول: (( إِنَّ خَلِيلِي أَوْصَانِي إن أَسْمَعَ وَأُطِيعَ وَإِنْ كان عَبْدًا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ )) صحيح مسلم ج3/ص1467، وهذا درس عظيم من دروس الإمارة في الإسلام يتلخص في أني لا أنظر إلى أميري من هو أو كيف هو أو ما أصله وأبدأ أقارن بين نفسي وبينه ، لا وإنما أرى أمامي أميرا جعل الله تعالى طاعتي له طاعة للنبي عليه الصلاة والسلام وطاعة لله تعالى، حتى لو كان أقل منني خبرة فواجبي أن أبين له ما أراه بكل أدب وتواضع ثم أسحب نفسي ويكون هو وحده صاحب القرار كما فعل سيدنا الحباب بن المنذر رضي الله عنه عندما أراد أن يقدم مقترحا بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام كيف قدم مقترحه بكل أدب لنعش سوية تلك اللحظات العظيمة في غزوة بدر الكبرى كما يرويها العلامة الحلبي:

((… ثم خرج رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يبادرهم أي يسابق قريشا إلى الماء فسبقهم عليه حتى جاء أدنى ماء من بدر أي اقرب ماء إلى بدر من بقية مياهها فنزل به  صلى الله عليه وسلم  فقال له الحباب بن المنذر يا رسول الله أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزله الله تعالى ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة قال بل هو الرأي والحرب والمكيدة، قال يا رسول الله: إن هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم (أي إذا نزل القوم يعني قريشا كان ذلك الماء اقرب المياه أي محله اقرب المياه إليهم) قال الحباب فاني اعرف غزارة مائه وكثرته بحيث لا ينزح فننزله ثم نغور ما عداه من القلب (أي وهي الآبار غير المبنية) ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماءا فنشرب ولا يشربون (لان القلب كلها حينئذ تصير خلف ذلك القليب) فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم:  لقد أشرت بالرأي … )) السيرة الحلبية ج2/ص393

ولا يظن أحد أن المقاتل حينما يطيع أميره يقل ذلك من شأنه بل العكس ، إن ذلك يزيده رفعة عند الناس ورفعة عند الله تعالى لأن هذه الطاعة إنما هي لمرضاة الله تعالى فهي طاعة لله تعالى أولا وطاعة لنبيه عليه الصلاة والسلام .

ولا تنظر أيها المجاهد البطل إلى أميرك نظرة استصغار بل الأمير الذي يقودك في المعركة انظر إليه أنه الذي أمره شيخك أو قائدك والطعن في الأمير إنما هو طعن في شيخك وقدوتك وقائدك وفي ذلك يحضرني هذا الموقف العظيم عندما أمر النبي عليه الصلاة والسلام سيدنا أسامة بن زيد في سرية كان فيها كبار الصحابة وهاكم القصة كاملة كما يرويها أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله تعالى: (( … فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواءا بيده ثم قال اغز بسم الله في سبيل الله فقاتل من كفر بالله ، فخرج وعسكر بالجرف فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة، فيهم أبو بكر الصديق وعمر وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وأبو عبيدة وقتادة بن النعمان، فتكلم قوم وقالوا يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين، فغضب رسول الله  صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا، فخرج وقد عصب رأسه عصابة وعليه قطيفة فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة فلئن طعنتم في إمارة أسامة لقد طعنتم في تأميري … )) المنتظم ج4/ص16،

فالطعن في الأمير إنما هو طعن فيمن أمره ، نسأل الله تعالى أن يجعل جسورا من المحبة والإخاء بين أحبابنا وإخواننا جند الله تعالى الغيارى وان يقر بهم عين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيون المسلمين في كل مكان.

دراسات ومقالات هيئة الإفتاء الشرعي في القيادة العليا للجهاد والتحرير

دراسات ومقالات هيئة الإفتاء الشرعي في القيادة العليا للجهاد والتحرير

﴿ الدراسة التاسعة ﴾

 

الحمد لك يا ربنا على ما أوليت لنا من نعم ظاهرة وباطنة كان أعظمها أن أكرمتنا في الانخراط بسلك الجهاد الذي به عزة الأمة وكرامتها، أيها المقاتلون الأبطال يا رجال الصولات يا من جعلتم أمريكا بقوتها وجبروتها ناكسة رأسها ذليلة خائبة اليوم وبعد أن غيرنا إستراتيجيتنا القتالية من حرب العصابات وحرب المجاميع المغلقة إلى التنظيم العسكري المنظم تجدر بنا الإشارة إلى أننا لمسنا بعض الهفوات وبعض المواقف التي نرجو من إخواننا أن يتجاوزوها إلى ما هو أسمى وأرفع حرصا منا على انتظام المسيرة الجهادية وعدم التلكؤ في العمل العسكري الذي يحتاج إلى دقة عالية في التنفيذ والأداء، ويمكن أن نلخص أسباب الإخفاق التي لمستها قيادتكم في نقطتين هامتين نسترعي الانتباه لهما ومعالجة السلبيات المتعلقة بهما معالجة ميدانية دقيقة وجدية وفعالة:

أولا :

وصلت إلى القيادة تقارير عن تفكك بعض السرايا وعدم مبالات البعض الآخر بالأوامر العسكرية ، وبعد دراسة المواقف وتمحيصها خرجنا بنتيجة تقول السبب الجوهري في أمثال هذه الأمور هو إهمال القائد الميداني لمن هم في معيته، ليعلم كل قائد ميداني من آمر حضيرة إلى آمر (قاطع) أن القيادة سلمته أمانة عظيمة يسأل عنها يوم القيامة يحاسبه الله تعالى إذا قصر فيها أو أهملها ، وكما تعلمون همة المقاتل من همة آمره فإذا أهمل الآمر من هم في معيته وتركهم وراء ظهره فعندئذ ستخفت الهمم عند المقاتلين ويظنون أن الأمر ليس أمرا جديا ويكون القائد الميداني هو السبب في ذلك وعندئذ ينطبق عليه قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((… وَمَنْ سَنَّ في الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كان عليه وِزْرُهَا وَوِزْرُ من عَمِلَ بها من بَعْدِهِ من غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ من أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ)) صحيح مسلم ج2/ص705،

فهل ترضى أخي الحبيب لنفسك أن تكون سنة سيئة ، وكل عمل أيها الأحبة بحاجة إلى متابعة لا سيما العمل العسكري لا يجوز لك شرعا أن تمضي عليك ( مدة ولو قصيرة ) ولم تر من في معيتك من غير أن تسأل عنهم وتتفقد أخبارهم ، من خلق النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يتفقد أصحابه وينظر إلى الصفوف خلفه وإذا غاب أحدهم سأل عنه وإن كان مريضا ذهب وعاده وإذا كان ذا حاجة أعانه في حاجته (صلى الله عليه وسلم) فنحن نحثكم أيها المقاتلون على الجدية الصادقة والمتابعة الحثيثة لمعيتكم فهي القانون الذي يحمي مسار ونهج القيادة العليا للجهاد والتحرير في هذه الظروف التي تغيب فيها وتتعذر فيها مثوبة القانون العسكري وعقوبته التقليدية حيث أن متابعة القائد أو المسؤول لمعيته تبعث الهمة وتولد المتابعة الذاتية عند المقاتل وكذلك تبعث الانضباط في نفوس الرجال المجاهدين وان ايمانهم بالله تعالى وحبهم لدينهم ووطنهم هو الباعث لجهادهم واستمراره.

ثانيا :

ضرب صحابة النبي عليه الصلاة والسلام أروع الأمثال في الصدق والإخلاص لله تعالى ، كانوا متجردين تماما لله تعالى لا يبالي أحدهم إن قاتل وهو قائد أو قاتل وهو جندي بل ربما يفرح بالجندية أكثر ما يفرح بالقيادة وهنا أنزل الله تعالى عليه بركته وأيدهم بنصره نعم أيها الأحبة الله تعالى ينظر إلى سرائرنا وينصرنا بصدقنا ، ومهما ادعينا من الصدق والإخلاص لله تعالى في المعركة فهذا الادعاء لا يقدم ولا يؤخر شيئا ما لم يكن موثقا بالموقف إذا كنت آمر قاطع وجاءك أمر من قيادتك أن تترك القاطع وتكون آمر حضيرة (هنا تستطيع أن تحكم على صدقك بنفسك) إذا تلقيت الأمر بكل رحابة صدر وبكل سرور وقلت الحمد لله يكفيني أن الله تعالى شرفني بالقتال والجهاد في سبيله كما كان حال الصحابي الجليل البطل خالد بن الوليد كما يرويه لنا الإمام المبجل أحمد بن حنبل: ((عن عبد الملك بن عمير قال استعمل عمر أبا عبيدة بن الجراح على الشام وعزل خالد بن الوليد قال فقال خالد بن الوليد بعث عليكم أمين هذه الأمة )) فضائل الصحابة لابن حنبل ج2/ص739، يبين سيدنا خالد فضائل سيدنا أبي عبيدة الذي جاء مكانه ويحبب المقاتلين إلى قائدهم الجديد (ما أصدقهم رضي الله عنهم وأرضاهم) وها هو سيدنا أبو عبيدة يعلمنا درسا عظيما في الولاية ويقول مخاطبا سيدنا خال بن الوليد (رضي الله عنهما) حيث لم يسمع سيدنا خالد بعزله وتولية سيدنا أبي عبيدة (( … أتى (خالد بن الوليد) أبا عبيدة فقال له رحمك الله أنت الأمير والوالي علي ولا تعلمني وأنت تصلي خلفي والسلطان سلطانك فقال له أبو عبيدة ما كنت لأعلمك به أبدا حتى تعلمه من عند غيري وما سلطان الدنيا وإمارتها، فإن كل ما ترى يصير إلى زوال وإنما نحن إخوان … بل لعل الوالي أن يكون أقربهما إلى الفتنة وأوقعهما بالخطيئة إلا من عصم الله وقليل ما هم )) الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله ج3/ص176، ومن هنا فإننا نحث المجاهدين على التجرد من حب الزعامة والرئاسة وأن يكون عملهم خالصا لوجه اله تعالى وأن يتصفوا بالإيثار وتقديم إخوانه عليهم ليقذف الله تعالى البركة في عملهم ،وهنا تتجلى أمامنا مقولة قائدنا وأستاذنا (القائد المجاهد جندي والجندي المجاهد قائد) القائد جندي بتواضعه وانكساره وعدم تعاليه عن أي عمل يكلف به أو يرى أن الأجدر به أن يقوم بهذا العمل بنفسه ، والجندي قائد من حيث المسؤولية التي يحملها القائد فإذا رأى الجندي أي ثغرة يجب عليه أن يصلحها أو يبلغ عنها القائد الأعلى لأن الجيش كله هو جيشه فهو جندي فعلا لكنه قائد حكما ، ونستذكر أيها الأحبة حديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبين لنا دور القائد في المعركة : (( … وَإِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ من وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ …)) صحيح البخاري ج3/ص1080، يقول العلامة الشنقيطي: (( وإنما الإمام أي الخليفة أو أميره (جنة) بضم الجيم أي كالترس فهو تشبيه بليغ (يقاتل) بصيغة المجهول (من ورائه) بكسر الميم (ويتقي به) بيان لكونه جنة أي يكون الأمير في الحرب قدام القوم ليستظهروا به ويقاتلوا بقوّته كالترس للمتترس )) مرقاة المفاتيح ج7/ص223 ..

يبين النبي عليه الصلاة والسلام حال الأمير في الحرب (لأن المراد بالإمام هنا كما ذكر أهل العلم الأمير) فهو الذي يتقدم الجنود والأعين كلها تنظر إليه وتستمد الهمة منه يكون ترسا لمعيته يحتمون به يا لها من مسؤولية إن الإمارة بحق منصب تكليف وليست منصب تشريف.

دراسات ومقالات هيئة الإفتاء الشرعي في القيادة العليا للجهاد والتحرير

دراسات ومقالات هيئة الإفتاء الشرعي في القيادة العليا للجهاد والتحرير

﴿ الدراسة الثامنة ﴾

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين  وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:

فإن المقلب لصفحات تاريخنا الإسلامي العربي المشرق لاسيما المعارك التي خاضها الرعيل الأول من صحابة النبي عليه الصلاة والسلام يجد أن أغلب تلك المعارك كانت غير متكافئة من حيث العدد والعدة فدائما المؤمنون أقل من الكفار عددا وعدة لكن النصر يكون حليفهم فالله تعالى لم ينصر عباده بالأسباب المادية بل نصرهم بصدقهم وتكاتفهم فكانت الملائكة تقاتل معهم تارة أو يقذف الله تعالى الرعب في قلوب الكافرين أخرى أو يجتمع الرعب وقتال الملائكة تارة أخرى ولذلك  قال رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم : ﴿ أُعْطِيتُ خَمْسًا لم يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ من الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَأَيُّمَا رَجُلٍ من أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لي الْغَنَائِمُ وكان النبي يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إلى الناس كَافَّةً وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ﴾ صحيح البخاري ج1/ص168، فكان جيش الكفار يقذف فيه الرعب قبل وصول جيش المسلمين بشهر.

ومما تجدر الإشارة له هو أن المقاتل يستشعر دوما أن النصر قادم لا محالة فكل يوم يمر علينا نرى أن عدونا يزداد ضعفا ونحن نزداد قوة ، أمريكا فقدت وخسرت حلفائها الواحد تلو الآخر ، أين إسبانيا وأين إيطاليا , وأين الحليف العنيد أستراليا الكل انسحب أو أعلن انسحابه ، ثم نقارن بين القاعدة الشعبية والجماهيرية التي يتمتع بها المجاهدون الأبطال وما آلت إليه حكومة العمالة من الرفض الكامل والتام من كل أبناء الشعب العراقي بكافة أطيافه كل يوم يمر نزداد فيه قوة ويزداد العدو خسرانا.

واعلموا أيها الأبطال أن ساعات الحسم قادمة وقريبة وأن هذا العام هو عام النصر إن شاء الله تعالى

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ ﴿البقرة:٢١٤﴾

ألا إن نصر الله قريب

ألا إن نصر الله قريب

ألا إن نصر الله قريب

واعلموا أيها الأحبة أنه لم تكن جيوش الحق يوما تستلهم قواها من العدد ولا العدة بل كانوا يؤمنون بالمبدأ القرآني في النصر وهو قوله تعالى: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ ﴿آل عمران: من الآية١٢٦﴾ وهذا الأسلوب يسمى في العربية أسلوب الحصر أي ليس النصر بالعدة ولا بالعدد (وإن كنا مأمورين شرعا أن نأخذ بالأسباب) بل النصر من عند الله تعالى حصرا ويبين القرآن الكريم وقائع حصلت غلبت فيها القلة الكثرة يقول تعالى: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ ﴿البقرة: من الآية٢٤٩﴾ فالنصر حليفنا عند التوكل على الله تعالى وطلب المدد والعون منه وعدم التوكل على الأسباب بل التوكل على رب الأسباب والنظر بهذا المنظار القرآني ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ انظروا أيها الإخوة عندما خرج المسلمون من هذه النظرة القرآنية العظيمة ونظروا إلى القوة المادية التي يتمتعون بها معجبين بها يظنون أن هذه القوة المادية هي التي ستنصرهم  وأعني بذلك يوم حنين يقول تعالى في ذلك: ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾ ﴿التوبة: من الآية٢٥﴾ هذه الكثرة وهذه القوة لم تغن شيئا أبدا عندما شاءت إرادة الله تعالى أن لا يكون النصر حليف المسلمين ، فنحن لا ننظر إلى إمكانياتنا المادية ولا إلى تسلحنا العسكري بل إلى القلوب المتحابة المتآلفة المترابطة المتوكلة على الله تعالى حق التوكل ، وهنا لا يفوتني أن أبين سنة عظيمة من سنن النبي عليه الصلاة والسلام في الحرب ألا وهي ما يسمى في المصطلحات العسكرية بـ (السبق العسكري) أو قل إن شئت (عنصر المباغتة في التكتيك الميداني) وسأعطي على ذلك ثلاثة أمثلة:

أولا: في غزوة بدر ابتكر الرسول صلى الله عليه وسلم أسلوبا جديدا في القتال لم يكن معروفا من قبل وهو نظام (الصفوف) حيث جعل ﴿صلى الله عليه وسلم﴾ المقاتلين على هيئة صفوف الصلاة ، الصف الأول أصحاب الرماح الصف الثاني أصحاب النبال مع وجود قوة احتياطية بيد القائد العام يعالج بها المواقف السريعة .

ثانيا: في غزوة أحد سبق النبي عليه الصلاة والسلام المشركين إلى أحد وجعل ظهر الجيش إلى جبل أحد ووجهه إلى المدينة ووضع الرماة على إحدى التلال القريبة من جبل أحد ويسمى (جبل عينين) فأخذ المرتفع من الأرض وأجبر عدوه على أن ينزل في الأماكن المنخفضة ، ولا شك أن هذا المكان الاستراتيجي في الحروب التقليدية يعطي قوة للجيش فجاذبية الأرض هنا تقاتل مع الجيش في الأماكن المرتفعة على حساب الأماكن المنخفضة .

ثالثا: السبق العسكري الفريد في غزوة الخندق عندما  حفر المسلمون خندقا في السهول الواقعة شمال المدينة لأنها وحدها كانت الجهة المكشوفة للعدو ويمكن أن يتسلل منها وهو الذي أشار به سيدنا سلمان ﴿رضي الله عنه﴾ وكانت العرب لا تعرف مثل هذا النوع من التحصن في الحروب.

هذه سنة عظيمة من سنن النبي عليه الصلاة والسلام في الحرب (السبق العسكري) ندعو أحبابنا وإخواننا أن يقتدوا هذا الأثر العظيم ويباغتوا العدو دوما بما لا يتوقعه منهم ويفكروا دائما بعمليات نوعية تهزم العدو وتزعزع معنوياته ، العدو اليوم ألف طرقنا التقليدية في قتاله (العبوات والصواريخ والقنص) لكننا إذا باغتناه بطرق جديدة في القتال فإن هذا سيربكه ويذعره ، كما فعل بعض الأحبة حينما نصبو للعدو (عبوة وهمية) وعندما تحشد العدو عندها وأراد إبطالها انهالت عليه قذائف الهاون حيث كانت المجموعة قد حددت هذه النقطة بالجي بي أس وأوقعت خسائر بالعدو لم يكن يتوقعها ، وروح (السبق العسكري) التي يدعونا لها النبي عليه الصلاة والسلام في سيرته العطرة تتفاوت بتفاوت الزمان والمكان.

دراسات ومقالات هيئة الإفتاء الشرعي في القيادة العليا للجهاد والتحرير

دراسات ومقالات هيئة الإفتاء الشرعي في القيادة العليا للجهاد والتحرير

 

﴿ الدراسة السابعة ﴾

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:

فقد تباينت مواقف الشرفاء من أبناء العراق العظيم عندما دخل علينا الاحتلال البغيض في التعامل مع الحكومات العميلة التي توالت على كرسي الحكم، وكذلك اختلفت فتاوى العلماء فيما يتعلق بالتعامل مع الدوائر الرسمية غير العسكرية (أما العسكرية فهي حرام قطعا).

فممن يحسب على أهل العلم أفتى بجواز التعامل مع أي دائرة كانت في ظل الاحتلال بدون أي ضوابط تذكر، ولم تكن هذه الفتوى موفقة وصحيحة ،ومنهم من أفتى بحرمة التعامل مع كل الدوائر الحكومية على الإطلاق، بما في ذلك المؤسسات التعليمية حتى أن هناك من أخرج أو أمر بإخراج أبنائه من المدارس إلى أن يخرج الاحتلال ، وفي هذا العمل من الورع والاحتياط للدين ما لا نستطيع أن نكلف الناس به ، كما لا يمكن أن نفتي بهذا على عمومه، ولأن الأمر شائك ونخشى من تحمل الفتوى لوحدنا أمام الله تعلى فقد اتفقت  كلمة العلماء والأساتذة من أصحاب الإجازات والكفاءات العلمية (أصحاب الشهادات العليا) في الهيئة الشرعية لجيش رجال الطريقة النقشبندية  وكذلك بعد الاستئناس بفتاوى كبار العلماء في العالم الإسلامي (حيث تم مراسلة كبار فقهاء الهند وباكستان وماليزيا وبعض علماء سوريا ومصر عبر الانترنت) بعد هذا كله وبعد استخارة الله تعالى تم التوصل إلى الفتوى التالية التي نطالب كل المسلمين المؤمنين أن يأخذوا بها ولا يعدلوا عنها قيد أنملة وليس بعد الحق إلا الباطل والضلال.

فتوى شرعية متعلقة بحكم التعامل مع المؤسسات الحكومية

مما لا شك فيه أن الله سبحانه وتعالى حرم علينا موالاة الكافرين بجميع أنواعهم (الحربي، الذمي، المستأمن، المعاهد) يقول تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ ﴿المائدة: من الآية51﴾ ، ولا شك أن ما يسمى بقوات التحالف وعلى رأسهم أمريكا هم كفار ومن الصنف الأول (الكافر الحربي) ، فيجب علينا معهم أن يكون تعاملنا كالآتي:

  1. نقاتلهم ونعين من يقاتلهم من الشرفاء النجباء بالنفس والمال والسلاح ونعينهم لديمومة العمل الجهادي إلى أن نطهر بلدنا منهم ومن براثنهم.
  2. نتعامل معهم بغلظة وشدة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا ، لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ ﴿التوبة:123﴾ ، فتحرم الكلمة الطيبة معهم بل وتحرم الابتسامة في وجوههم، لكن بشرط ألا يؤدي ذلك إلى ضرر محقق أو مضنون في حق المسلم.
  3. عندما نذكر اسم قوات التحالف نسميهم باسمهم الحقيقي الذي يظهرهم على حقيقتهم وينفر الناس عنهم فنقول (قوات الاحتلال) هذه أفضل تسمية نستعين بها ،ولا نحبذ كلمة الاستعمار لأن هذه الكلمة لها مدلول فيه مدح لهم؛ إذ هو مأخوذ من العمارة والتعمير وهم في الحقيقة تخريب في تخريب.

أما التعامل مع الحكومة الحالية التي جاء بها الاحتلال والتي تعمل بما يأمر وبما يريد وليس لها أي اختيار معه، فهذه الحكومة لنا طرق في التعامل معها متفاوتة هذه الطرق تعتمد على طبيعة العمل وحسب التفصيل الآتي:

  1. يجب أن يعلن عصيان مدني عام يشمل جميع مرافق الحياة ولا ينتهي إلا بعد سحب قواتها كاملة من العراق، لكن شأننا اليوم مع أبناء شعبنا شأن والد له من البنين من هو بار ومن هو عاق، وهذه الصرخة (العصيان المدني) إذا أعلنت اليوم ستجد أذنا صاغية لكنها ستفاجئ بمن لا يبالي ولا يهمه سوى الطعام والشراب، لذلك سنحتفظ في حقنا هذا ليوم ولساعة مناسبة ندعو فيها كل الشعب العراقي للعصيان المدني إلى زوال الاحتلال.
  2. ينبغي أن يشاع هذا المفهوم الواقعي الذي لا يدركه كثير من الناس وهو: عندما دخل الاحتلال (وكما هو شأنه وتاريخه) أشاع بين أبناء الشعب وعوده الكاذبة (مثل زيادة الحصة التموينية) أو (إعطاء كل عراقي مبلغا من المال يكون مقابل حصته من النفط) وأغراهم بزيادة الرواتب التي في الحقيقة هي زيادة وهمية مقابل الظرف الحالي الذي يعيشه البلد لأن الحصار الاقتصادي رفع عن العراق فكان راتب الموظف ينبغي له أن يعود كما كان في الثمانينات (قبل الحصار الاقتصادي) عندما كان راتب الأستاذ الجامعي على سبيل المثال أكثر من أربعمائة دينار وكان الدينار أكثر من ثلاث دولارات تقريبا أي ما يساوي أكثر من (ألف ومائتي دولار) مع رخص المواد الغذائية ورخص المحروقات بشكل كبير ، علما أن العراق كان يخوض حربا ضروسا آنذاك ، نعم ان الاحتلال رفع الحصار من غير أن يستفيد المواطن من ذلك شيئا، ثم هذه الزيادة في الرواتب صحبتها زيادة وشحة في المحروقات وغلاء في الأسعار مما أكد للجميع أن الاحتلال لا يخدم سوى مصالحه فحسب .
  3. كل من يتعامل مع قوات الاحتلال تعاملا مباشرا فهو آثم ويتقاضى مالا محرما عليه إلا إذا كان تعامله هذا مصحوبا بعلم القيادة العليا للجهاد والتحرير وبعد موافقتها وذلك لأن القيادة ربما يكون لها حاجة في مثل ذلك وهي عندئذ توجه هذا الشخص بما تراه مناسبا.
  4. من يتعامل مع قوات الاحتلال تعاملا غير مباشر مثل المتقاعدين والمهن غير الرسمية والموظفين في الوظائف التدريسية والتعليمية والدينية (ولا يقاتل ضمن أي مجموعة من المجاميع الجهادية المباركة) يجب عليه أن يدفع ضربة جهادية بنسبة معقولة من راتبه لسببين:

أ- وجوب الجهاد بالمال والنفس على كل مسلم ومن غير استثناء وإلا يكون من القاعدين الذبن ذمهم القرآن الكريم بقوله: ﴿ لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْر أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً﴾ ﴿النساء:95﴾

ب- مشروع الجهاد هذا يجب أن يصرف له من بيت مال المسلمين وبما أن المال وبيته بيد الكافر المحتل ، فهنا يجب علينا لزاما أن نأخذ ممن يأخذ من المال العام مبلغا معقولا يتناسب مع دخله .

ج- هذا الحكم يشمل التاجر سواء كان تاجرا يشتري السلع من الأسواق المحلية أو التاجر الذي يستورد السلع التجارية من خارج القطر لأنه مطالب بضرائب يدفعها للدولة مثل (ضريبة الدخل، ضريبة المحل، الرسوم الكمركية للسلع المستوردة …)

ولا يتعذر أحد بأنه لا يعرف المجاهدين ولا يهتدي إليهم لأن من فتش عليهم وجدهم ومن صدق النية مع الله تعالى يسر الله تعالى له العمل ووفقه.

وختاما أقول لكم نبهنا أحد العلماء من إحدى البلدان العربية إلى المسلم الذي يدفع هذه المبالغ يحفظ دينه وعقيدته لأنه سيكون بعيدا عن حب الكافر (الذي محبته كفر أيضا) وكذلك يكتب عند الله تعالى ممن جاهد بماله وإذا مات على فراشه مات مجاهدا في سبيل الله.

دراسات ومقالات هيئة الإفتاء الشرعي في القيادة العليا للجهاد والتحرير

دراسات ومقالات هيئة الإفتاء الشرعي في القيادة العليا للجهاد والتحرير

 

﴿ الدراسة السادسة ﴾

 

الحمد لله الذي يكافئ الصالحين بأحسن الأجر وأتم الثواب ويجزي المجرمين بأسوأ ما ارتكبوا واغترفوا من السيئات والصلات والسلام على سيدنا محمد سيد السادات وبعد

فإن الأيام القليلة القادمة ستكون أيام نصر وحسم بمشيئة الله تعالى ونبين اليوم موقفنا من فئة من الناس أظلوا الطريق واتبعوا السبل وزاغوا عن الحق الذي ليس بعده إلا الظلال ، إننا نتبرأ:

  1. من كل الذين ساهموا في الاحتلال ودعموه وثبتوا أركانه في بلادنا ممن تجسس على المجاهدين وكان عينا خائنة للعدو يرقب إخوانه وأبناء بلده من الشرفاء النجباء ويبلغ عنهم الكافر المحتل لقاء دولارات زهيدة ونقول لهم ليس هناك ذنب أعظم من ذنب الخيانة ولا خصلة أذم منها أبدا ، إنكم مسؤلون أمام الله تعالى عن كل مجاهد أوذي بسببكم وعن كل دم سال بوشايتكم .
  2. ومن كل الذين انظموا إلى ما يسمى بالحرس الوطني ذلك التنظيم العسكري الذي لا يمت إلى الوطنية بصلة بل كان ومازال القوة الضاربة بيد قوات الاحتلال ، اما الوطنية الحقيقية هي التي تعمل على استقلال البلد والكفاح والنضال من أجل استرجاع العراق سيادته بين دول العالم ، أما من يتلقى أوامره العسكرية من الجنرال الأمريكي المحتل ويأتمر بأمره فلا وطنية له . والله تعالى تبرأ من المشركين فقال: ﴿ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾﴿التوبة: من الآية3﴾ فبدل من أن نتبرأ ممن تبرأ الله تعالى منه نأتي لنكون عونا له ويده الضاربة (شلها الله تعالى من يد) ، وهذا الكلام نفسه يوجه للذين انتموا للشرطة و ياليتهم طاردوا اللصوص ومنهم لصوص بلدهم وهم الخونة والعملاء والإجراء للأجنبي المحتل كما تفعل الشرطة في بلدان العالم ياليتهم حافظوا على شرف المهنة ، لقد كتبت الشرطة في زمن الاحتلال أسوأ سجل في تاريخ العراق تركوا اللصوص والمجرمين الحقيقيين وهم المحتلين ومن عاونهم وطاردوا المجاهدين ونكلوا بهم والله إننا منهم ومن أعمالهم بريئون.
  3. وكذلك نعلن براءتنا من كل الذين تعاونوا مع المحتل بشكل غير مباشر وأضفوا عليه الشرعية وكانوا يتنافسون على المناصب في زمن الاحتلال الذي ترك الشرفاء فيه مناصبهم فلا فخر في منصب تتقلده من بوش أو بريمر أو أي محتل آخر ، ألكل يعلم أيها الإخوة أن من يتقلد المناصب ويبدع فيها زمن الاحتلال إنما يرسخ جذور المحتل ويعطي له شرعية ويحبب الناس إليه ، وكما تعلمون (محبة الكافر كفر) فأنت لم تحب الكافر فحسب بل ساعدت على محبته أيضا.
  4. وكذلك نبرأ من كل الذين شكلوا ما يسمى بمجالس الصحوة و انتموا إليها وأسندوها ، لم يكن لفظ الصحوة في اللغة العربية يوما يعني إعانة المحتل الغازي لأرض العرب والمسلمين إعانة من انتهكوا الأعراض ودنسوها ، اما العربي الأصيل لا يرضى بالذل والهوان لا يرضى لعرضه أن يدنس ، أين أنتم من النساء العربيات اللاتي ينتمين إلى قبائلكم وعشائركم وانتهكت أعراضهن في سجن أبي غريب وغيره وعلى مرأى ومسمع من العالم كله ، بدل من أن تثأروا لعرضكم أيها العرب الغيارى تضعون يدكم بيد ذلك المغتصب لعرضكم والله إنها ليست من شيم الرجولة ولا من أخلاق أسلافنا حاشا ، ثم تسمون أنفسكم بالصحوة كأنكم كنتم نائمين وعن المحتل غافلين فلما استيقظتم هرولتم (لا لقتاله والثأر منه) بل لتكونوا خدما له وقانعين تحت سطوته ، هيهات أن تكونوا عربا خالصين .
  5. وكذلك نعلن براءتنا من كل من انتمى إلى الأحزاب السياسية التي شاركت في العملية السياسية غير الموفقة التي زادت عناء العراقيين وزادت نزيف دمائهم بل تسببت في ذلك ، كل من عمل في السياسة وشارك في الحكومات العميلة إنما أعان المحتل وعمل معه في خندق واحد سواء علم أو لم يعلم ، نحن لا ننكر ضرورة وجود قوى سياسية تدير شؤون البلد ونؤمن بالتعددية في الرأي والفكر بل ديننا يدعونا لذلك ، يدعونا للاستنارة برأي الآخرين يقول تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ ﴿الشورى:38﴾ لكن هذا كله عندما نكون في منعة عن العدو مستقلين عنه ، وعندما نكون أصحاب قرار لا يستطيع العدو أن يتدخل بما نقرره ونمليه ، أما اليوم فليست الحكومة صاحبة قرار في أي صغيرة وكبيرة ، ويا لهوانها من حكومة حينما يعلن أحد مسؤوليها على الفضائيات ويقول إن الحرس الأمريكي يفتشونه عن طريق الكلاب قبل أن يدخل إلى البرلمان وآخر يعلن أنهم داسوا على رأسه ويظنون أنهم بإعلانهم هذا سيمسحون عارهم وتخاذلهم وخيانتهم من ذاكرة التاريخ والمسلمين ولكن هيهات هيهات.

نعم أيها الإخوة إننا نتبرأ من كل هؤلاء الخونة والعملاء ونحن خصوم لهم أمام الله تعالى وأمام خلقه في الدنيا وفي الآخرة أمام الأشهاد ، لكن الله تعالى فتح لعباده باب التوبة فلا نغلق ما فتحه الله تعالى ونقول :

نعم نقبل توبة هؤلاء وندمهم على أفعالهم المشينة بشرطين اثنين:

  أولهما

من تعاون بجد وبصدق وبإخلاص منهم مع المجاهدين وأعطى الولاء المطلق من غير أن ينظر إلى أي مصلحة شخصية في عمله ويعمل وفق الأوامر التي يستلمها من القيادة ويسخر كل منصب ومركز ومادة للجهاد تسخيرا تاما.

  ثانيهما

من تاب منهم قبل فوات الأوان ورحيل الأمريكان وعمل عملا يغسل به عمله المشين والمدان فهذا يصدق عليه قوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ﴾ ﴿الفرقان:70﴾ ، لكن لا حجة لأحد علينا بعد رحيل الاحتلال وبعد أن تعود الأمور لنصابها فعندئذ الحجة عليهم ويدانون بما يستحقون وسيعلم اللذين ظلموا اي منقلب ينقلبون.

أي بُعدٍ سياسي للردِّ الإيراني؟

أي بُعدٍ سياسي للردِّ الإيراني؟

حسن بيان  

كثُرت القراءات السياسية للعملية العسكرية التي نفذها النظام الإيراني ليل الرابع عشر من نيسان، والتي أدرجها تحت عنوان الرد على العملية الإسرائيلية التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق وأودت بحياة عدد من المسؤولين العسكريين والأمنيين الذين يديرون ويشرفون على المليشيات التي ترتبط بمركز التحكم والتوجيه الإيراني وتقوم بالمهام التي تخدم أجندة الأهداف الإيرانية بالدرجة الأولى.  

وكما كثُرت القراءات السياسية لأبعاد هذه العملية، فقد كثُرت التباينات حول تقييم نتائجها. ففيما العدو الصهيوني اعتبر ان دفاعاته وخاصة ما يسمّى بالقبة الحديدية استطاعت أن تبطل مفاعيل المسيّرات والصواريخ التي كانت وجهتها فلسطين المحتلة، فإن النظام الإيراني اعتبر ان العملية حققت كامل أهدافها. ولهذا صوّر الإعلام الصهيوني كما الإعلام الإيراني والمواقف السياسية لكلا الطرفين بأنهما خرجا رابحين من هذه العملية.

  وبعيداً عن البروباغندا الإعلامية التي تعاملت مع هذه العملية من موقعي «التضخيم» و«التقزيم» للنتائج التي ترتبت على ذلك، فإن هذه العملية بمقدماتها وسياقاتها ونتائجها إنما بينّت انها لم تحدث تدميراً ملحوظاً وكبيراً في البنى والمرافق العسكرية الصهيونية، ولم تؤدِّ الى إيقاع خسائر بشرية. وهذا يعود الى أن المسيّرات والصواريخ تم اعتراضها وتدميرها قبل أن تصل الى أهدافها.  

لكن يبقى الأهم من كل ذلك هو البُعد السياسي لهذه العملية. في ضوء النتائج المادية التي تمخضت، يمكن القول ان العملية إنما تندرج تحت عنوان المناورة العسكرية بالذخيرة الحيّة، حيث اختبر العدو الصهيوني من خلالها فعالية دفاعاته وخاصة ما يسمّى بالقبة الحديدية، كما اختبر النظام الإيراني مدى قدرة مسيّراته وصواريخه في الوصول الى فلسطين المحتلة. لكن وبغض النظر عما أحدثته من تلك العملية من نتائج على الأرض، فإن ما يجب التوقف عنده هو حقائق أساسية أميط اللثام عنها من جراء هذه العملية.   الحقيقة الأساسية الأولى،

إن هذه العملية التي كان طرفاها المباشرين الكيان الصهيوني والنظام الإيراني، أدّى دخول أطراف أخرى على سياقاتها العملية وخاصة دول أساسية في حلف شمال الأطلسي، الى إعادة استحضار ثابتة من ثوابت الاستراتيجية الأميركية التي تبلورت بعد الحرب العالمية الثانية والقائمة على ثلاثة ثوابت: أمن النفط وأمن أوروبا وأمن «إسرائيل». وان الحماية الدولية «لإسرائيل» وخاصة الأميركية منها، لا تقتصر على جانبها السياسي وحسب وإنما هي مشمولة بحماية عسكرية. وهذا ما بدا واضحاً من مسارعة أميركا لإرسال سفنها الحربية من مدمرات وحاملات طائرات مع بداية الحرب على غزة ومن ثم المشاركة في اعتراض المسيّرات والصواريخ الإيرانية.

وعلى ضوء هذه الحقيقة، فإن هذه العملية أفضت الى إعادة التعريف بالدور الوظيفي للكيان الصهيوني الذي كان وما زال وسيبقى تحت مظلة الحماية الدولية لمراكز التقرير في النظام الاستعماري الذي تسلس قيادته حالياً للموقع الأميركي. الحقيقة الأساسية الثانية، ان هذه العملية كانت محكومة بضوابط قواعد الاحتواء الأميركي وبضبط إيقاعٍ يحفظ لقوى الإقليم غير العربية، أدواراً محددة السقوف في ترتيبات إعادة تشكيل نظام إقليمي تكون «إسرائيل» وإيران وتركيا وأثيوبيا من بوابة الأمن المائي من قواعده الارتكازية تحت مظلة الراعي الأميركي. وما يؤكد بان هذه العملية نفذت ضمن قواعد التفاهم الأميركي – الإيراني المسبق، انه تم إبلاغ ضابط الإيقاع الأميركي قبل حصولها وتحديد زمانها ومداها. وعلى قاعدة التفاهمات المشتركة الأميركية – الإيرانية كانت النتائج في حدود الاحتواء لعمليات الاشتباك السياسي والعسكري. الحقيقة الأساسية الثالثة، ان الاشتباك الذي حصل ليل 13/14 نيسان، إنما حصل في الفضاء العربي، من حدود العراق شرقاً الى حدود فلسطين غربا، وهذا ما كان ليحصل لولا الانكشاف الحاصل في الواقع العربي بعد الزلزال الذي ضرب البنيان القومي انطلاقاً من فالق العراق بعد العدوان المتعدد الجنسيات عليه وإسقاط نظامه الوطني.  

لكن ثمة تساؤل لا بد من التوقف عنده.. إذا كانت الخسائر المادية التي نتجت عن هذه العملية محدودة، ألم يكن بإمكان الأذرع الإيرانية أن تنفذ مثل هذه العملية، وهي موجودة على الأرض وفي حالة اشتباك مع العدو منذ اليوم التالي لعملية «طوفان الأقصى»، إن على جبهة لبنان – فلسطين، أو على «جبهة البحر الأحمر» وقد أصيب الكيان الصهيوني بخسائر بشرية ومادية تفوق كثيراً وبشكل لا يقاس بما أحدثته العملية الإيرانية المباشرة.

لقد أعطى النظام الإيراني تبريراً لذلك، انطلاقاً من كون القصف الصهيوني لمقر القنصلية في دمشق، إنما استهدف مكاناً يعتبر بحسب اتفاقية فيينا والمواثيق الدولية، مكاناً يتمتع بحصانة دبلوماسية وسيادية باعتباره يمثل امتداداً لسيادة الدولة الإيرانية. ولذلك فان استهداف القنصلية كان بنظره استهدافاً لموقع سيادي إيراني كاستهداف الأرض الوطنية، وبالتالي كان الرد يجب أن يكون من الأرض الوطنية الإيرانية، وأضاف النظام الإيراني سبباً آخراً، هو انه لم ينصب صواريخه ويطلقها كما المسيّرات من أرض دول عربية محيطة بفلسطين أو قريبة منه، حتى لا يشكّل إحراجاً لهذه الدول، وما يمكن أن يترتب من نتائج إذا ما حصل رد فعل صهيوني.

  إن هذه الحجة الإيرانية، مردودة عليه لسببين: السبب الأول، ان النظام الإيراني ومنذ اندفع الى العمق العربي، لم يقم اعتباراً لمبدأ السيادة الوطنية في كل الدول العربية التي تغوّل بها. بل ان استباحته كانت على مستوى من الشمولية طالت الصعد السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية. فما الذي حدا به لأن يتذكر مبدأ السيادة الوطنية ويبدي حرصاً عليها في لحظة اشتباك إعلامي وسياسي وعسكري مع الكيان الصهيوني بعد نيّفٍ وستة أشهر من الحرب على غزة يا ترى؟ ثانياً، ان الأذرع التي ترتبط بمركز التوجيه والتحكم الإيراني مهمتها الأساسية تنفذ أجندة الأهداف الإيرانية على مستوى الساحات الوطنية وفق ما تقتضيه مصالح إيران ولو تعارضت وتناقضت مع المصالح الوطنية. فلماذا لم يطلب منها الرد على قصف القنصلية في دمشق؟ وهو الذي لم يكتم سراً بأنه يسيطر على أربع عواصم عربية!! في الجواب على هذا التساؤل ورغم كل ادّعاء معاكس فان النظام الإيراني، لم يطلب الى التشكيلات الأمنية والعسكرية المرتبطة به القيام بالرد على عملية القنصلية، وبادر الى تنفيذ ذلك مباشرة، لانه يدرك جيداً ان حضوره من خلال أذرعه، وان كان يحفظ له موقعاً على طاولة ترتيبات الحلول للأزمات البنيوية التي تعصف بأكثر من ساحة عربية، وخاصة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، إلّا ان هذا لا يمكنه من الجلوس على طاولة الترتيبات على مستوى الكل الإقليمي مع بداية التداول بحلول للقضية الفلسطينية ومنها الترويج لحل على أساس «حل الدولتين» بحيث باتت موضوعاً على نار حامية. وبطبيعة الحال فإن من يريد أن يحفظ له موقعاً على طاولة إنتاج هذا النظام الإقليمي لا بد أن يكون على تماس مباشر مع نقاط ارتكازه الأساسية ومنها «إسرائيل» كما على علاقة تفاهم مع مهندسه الأساسي وهو أميركا. ولما كان الحضور على مستوى إنتاج النظام الإقليمي الأشمل، يفرض على أطرافه الأساسية الحضور المباشر للأصيل، وهو ما لا يمكن تحقيقه بواسطة الوكيل الذي يبقى دوره محصوراً في إطار «الخاص الذي يتموضع في نطاقه»،

عمد النظام الإيراني الى توجيه رسالة للمعنيين وخاصة الراعي الأميركي، للاثبات بأنه موجود على خطوط التماس المباشرة مع القضية التي تشكّل جوهر الصراع في المنطقة ولن يقبل بأن يكون دوره مهمّشاً وهو الذي عمل على الاستثمار بهذه القضية خدمة لأجندة مشروعه في تهديد الأمن القومي العربي من الداخل والمداخل. من هنا فإن عملية الرد الإيراني وكذلك الرد الصهيوني على الرد، إنما تم ويتم ضمن قواعد التفاهم والسقوف المرسومة، وإن ما يحصل على جبهة الاشتباك العسكري والسياسي والإعلامي بين النظام الإيراني والكيان الصهيوني، لا يعدو كونه اشتباك محدود في استهدافاته وهو نفّذ ضمن قواعد الاحتواء الأميركي لأدوار قوى النظام الإقليمي الجديد لإثبات أن أطرافه الميدانيين ومنهم النظام الإيراني يستوفون شروط عضويته المطلوبة أميركياً.

يَبقى البَعْثُ حرَكةً مُتجَدِّدةً وأملاً مَفتوحاً على المُستَقبَل

يَبقى البَعْثُ حرَكةً مُتجَدِّدةً وأملاً مَفتوحاً على المُستَقبَل

  د. أحمد شوتري  

الحركات التاريخية في حياة الأمم والشعوب، حركات متجددة على الدوام، وامل ممتد عبر السنين، حتى تتحقق جميع أهدافها المشروعة، التي صيغت في برامج طويلة الأمد.   وتختلف الحركات التاريخية عن الثورات مهما كانت عظمتها، لأن الثورات محكومة بزمن وأهداف محددة، وتأخذ في بعض الأحيان صورة رد الفعل، لذلك وصف مؤسس البعث المرحوم أحمد ميشيل عفلق البعث بالحركة، لأنها تعمل لمئات السنين، وتتفاعل مع الزمن وارهاصاته، وتنتقل عبر الأجيال.  

فالوحدة كهدف أسمى للبعث، رغم أنها ليست ابتداع أو اجتهاد، إنما هي استرجاع لحق الأمة الذي ضاع بفعل الزمن والصراع ما بين الأمم، وفواعل ميزان القوى والتقدم، فالأمة العربية كغيرها من الأمم مرت بعصر الولادة، والنمو والتقدم والقوة. واخذت من الزمن أمداً طويلاً، امتد لقرون، وضعفت وتراجعت لصالح أمم أخرى، واليوم هي تصارع الزمن والأمم المهيمنة بهدف استعادة حقها في الوحدة والحرية والتقدم، كحق تاريخي لها، وترفض أن تكون أمة ثانوية، لأنها أمة الرسالات والعدل والمساواة ما بين الأمم والشعوب، أمة اختارها الله سبحانه كأمة قائدة للتوحيد والقيم الإنسانية وشاهدة على الناس إلى يوم يبعثون.  

لقد جاءت حركة البعث لاستنهاض الأمة وضبط مقدراتها، والارتقاء بها إلى مصافي الأمم الأخرى لاستئناف رسالتها التاريخية، وصاغ البعث مشروع الأمة في النهضة بشعاراته المعروفة: الوحدة والحرية والاشتراكية، والرسالة الخالدة. وتتقدم الوحدة شعاراته الأخرى، لأنه بدونها لا يمكن لأمة أن تنهض وتستأنف دورها، والحرية كشعار لإطلاق العنان لعبقريتها للإبداع، والتعبير عن رسالتها الإنسانية. والاشتراكية كعامل نهضة مادي لتحرير الإنسان العربي من التبعية، والشعارات الثلاثة بمجموعها تشكل عمل متكامل لصياغة مشروع النهضة. في ذكراه السابعة والسبعين لا تجد الأمة العربية مخرجاً لحالتها الراهنة للتحرر والتقدم إلا في مشروع البعث، أمام التحديات الكبرى التي يعيشها العالم اليوم.  والتي يشكل العامل الاقتصادي والتقدم العالمي الهائل عنوانها الرئيسي، فالأمة العربية لا تستطيع أن تجاري العالم وسط هذه الصراعات إلا بعد وحدتها.   فكانت تجربة البعث في العراق المحتل نواة صلبة عبرت عن أهداف البعث بكل أمانة حيث أعطت للأمة العربية نموذجها المتكامل والمطلوب في النهضة، لذلك تكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، داخلياً قبل الخارج، ورغم تعطيلها فإنها ماتزال تقاوم داخل العراق وتقدم التضحيات.  

فالبعث سيظل دوماً حركة متجددة وأمل مفتوح على المستقبل ولا يمكن وقفه بإرهاصات عارضة مهما كانت شدتها وتداعياتها السلبية. فالبعثيون اليوم كقوة نضالية عربية موحدة موجودون على طول الوطن العربي وخارجه يناضلون ومسلحون بتجاربهم، وكلهم أمل في اعلاء صرح حزبهم، والتطلع إلى المستقبل بثقة، فالبعث في الجزائر مثلاً لم يكن في السنوات السابقة يستطيع أن يقيم حفلاً علنيّاً كبيراً، أو يفكر في المشاركة في الانتخابات، واليوم نحتفل بمثل هذا الزخم ونفكر في المشاركة وكلنا امل في تحقيق مكاسب جديدة لحركتنا النضالية. البعث حركة ثورية لا تقبل السكون ولا بأنصاف الحلول في قضايا الأمة المصيرية، وعليه يرى في معركة طوفان الأقصى في فلسطين المحتلة خير معبر عن تطلعات الأمة في التحرير الكامل لفلسطين المحتلة من النهر إلى البحر، في وقت بدأ الكيان الصهيوني الغاصب يعد العدة لوأد ثورة شعبنا في فلسطين و طي قضيته الوطنية، فالطوفان أعاد احياء القضية الفلسطينية كقضية جوهرية في حياة الأمة كوصف البعث لها، وتعظيم التضحيات الكبيرة التي قدمها شعبنا في فلسطين بفصائله المختلفة عبر أكثر من سبعة عقود، وعليه يحتفل البعث اليوم في ذكراه السابعة و السبعين على وقع ثورة فلسطين، التي وضعت حداً للتآمر الدولي و الرسمي العربي و يفتح الباب أمام ثورة الأمة بأجمعها من أجل تحرير فلسطين ووحدتها.  

تحية اكبار وإجلال لشعبنا الثائر في فلسطين انطلاقاً من غزة الصامدة تحية لكل مناضلي البعث وأحرار الأمة.

تحية للجزائر بروح شعبها الثائر في مساندة شعبنا في فلسطين.

الرحمة على روح القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق.

الرحمة على روح قائد البعث الشهيد صدام حسين ورفاقه.

الرحمة على شهداء الجزائر والأمة العربية.

المساءلة والعدالة: مقصلة سياسية أم جدار لمنع “عودة البعث”

المساءلة والعدالة: مقصلة سياسية أم جدار لمنع “عودة البعث”

  أحمد أبو داود  

منذ صدوره في سنة 2003 بقرار من الحاكم المدني للاحتلال الأمريكي للعراق بول بريمير، وقانون اجتثاث البعث والذي تحول فيما بعد إلى ما يسمى بقانون “المساءلة والعدالة” وهو يُستخدم لاستهداف وإقصاء العناصر الوطنية وخاصة العربية عن المشهد السياسي في العراق.

وبسبب ذلك تطالب القوى الوطنية واغلب شرائح المجتمع العراقي ومنذ سنوات بوقف العمل بهذا القانون المشبوه، وحل ما يسمى بهيئة المساءلة والعدالة، خاصة وانهما يحرمان العراق وشعبه من خيرة خبرات ابنائه والتي هو في أمس الحاجة إليها، وبالتالي يتم تكريس التخلف والفساد والإبقاء على المشاكل المستعصية التي تغرق بها البلاد تحت هذه الذريعة. ولقد تطور استغلال هيئة المساءلة والعدالة بعد عقدين من تشكيلها من استهداف الوطنيين المعارضين،

إلى أداة تستخدمها القوى المتنفذة للإطاحة بخصومها المشاركين معها في الميدان السياسي، ولاسيما خلال مرحلة الانتخابات. لكن القانون ما يزال ساري المفعول بعد مرور 21 سنة على صدوره، إذ تحول إلى وسيلة للانتقام من جهة، ووسيلة للاستهداف السياسي من جهة أخرى.   أداة للثأر والانتقام واستهداف الوطنيين إن ما يسمى بالمساءلة والعدالة قد تحولت إلى أداة للثأر والانتقام والاستهداف الوطني والسياسي. علماً بأن هناك في العالم تجارب تحت اسم “المساءلة والعدالة” في دول أخرى أبرزها جنوب أفريقيا حيث  كان الهدف منها هو تحقيق الإنصاف لذوي الضحايا في الفترات السابقة ، واطلاق حرية التعبير و اشاعة العلاقات الديمقراطية، حيث إن الغرض من التجربة هو تحقيق العدالة الاجتماعية ومحاسبة المتورطين عن طريق القضاء حصرياً والتمهيد للمصالحة المجتمعية، وليس الانتقام المجتمعي لشرائح ومكونات اساسية للشعب او الانتقام السياسي من الخصوم. إن الإنصاف الذي بني على أساسه مفهوم المساءلة والعدالة في العالم يقتضي محاسبة الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم فقط ،

حيث تتجه بعد ذلك الدول والمجتمعات إلى المصالحة المجتمعية الحقيقية، كما حصل في جنوب أفريقيا عبر المصالحة بين السكان الأصليين الأفارقة السود والمستوطنين البيض. ولكن ما حصل في العراق بعد 2003 بصدور قانون الاجتثاث سيء الصيت الذي أصدره الحاكم المدني للاحتلال الأمريكي بول بريمر، وتطبيقه بطريقة تعسفية شملت الآلاف من تدريسيي الجامعات ومنتسبي القوات المسلحة وخيرة كوادر العراق والموظفين والخبراء في كل المجالات ممن صرف عليهم العراق لتأهيلهم المال والجهد والزمن لخدمة الوطن وشعبه، حيث تم حرمانهم من الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية وغيرها وتشريدهم وتشتيت عوائلهم. إن التطبيق الثأري للقانون شمل ملايين البشر وهدد أوضاعهم الاقتصادية والمعاشية، مما يشكل خطراً كبيراً على المجتمع العراقي وعلى مستقبل العراق وبالتالي يكرس التخلف فيه ويمنع عنه اية فرصة للاستقرار والازدهار.

التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للحرب ومعالجتها –    الجزء الاول –
التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للحرب ومعالجتها –   
الجزء الاول –
قيادة قطر السودان –
اللجنة الاقتصادية  
مقدمة:
بمرور سنة على حرب التدمير العبثية التي اندلعت في 15 أبريل/ نيسان من العام الماضي، بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، تتناول مساهمة اللجنة الاقتصادية لحزب البعث العربي الاشتراكي، بالرصد والبيانات والمعلومات، ما أمكن، والتحليل وبمنظور اقتصادي اجتماعي والتركيز عليه، تداعيات الحرب وآثارها البنيوية على مجمل الأوضاع في البلاد ومعالجتها، وسوف يتم تناول محورين فيما يلي هما:
1- الجذور والأبعاد التاريخية الكامنة للحرب
2- التأثير والأدوار الإقليمية والدولية في مجرياتها والمعالجة.  
الجذور والأسباب التاريخية الكامنة للحرب موجز تاريخي للتطورات بعد معركة كرري بين جيوش الثورة المهدية في عام “1898م” والقوات البريطانية الغازية والتي حسمها التفوق العسكري الناري الغربي على بسالة وشجاعة وفراسة السودانيين، وقع السودان في براثن الاحتلال مجدداً، وحرص المستعمر البريطاني، انطلاقاً من أهدافه الاستعمارية ومصالح بريطانيا، على إعاقة وإجهاض أي بوادر جنينية لثورة مهدوية أخرى، فقتل واعتقل الكثير من القادة والثوار المهدويين وأبقى على من ضَمِنَ ولائه أو استكانته، وخلق منظومة معقدة لإدارة البلاد من ذوي المصالح المشتركة معه، مركزاً على استمالة قادة الطوائف الدينية وزعماء العشائر والإدارات الأهلية ليخلق منهم طبقة توظف نفوذها الديني والاجتماعي للعمل بالإنابة عن المستعمر البريطاني، وتنفيذ سياساته بالقاعدة التي عمد على إرسائها (فرق تسد) وقوانين المناطق المقفولة.  
ويجب الإشارة إلى أنه ورغم هذه العوائق المصطنعة والهادفة إلى محو كل أثر ثوري ومقاوم لسياسات المستعمر، إلا أن جذور الثورة المتقدة في نفوس السودانيين وجيناتها الباقية في الوعي والإرادة الوطنية قد عبرت عن نفسها بصيغ مستقبلية متعددة في العديد من أنحاء البلاد – في شرق السودان وجنوبه، وفي كردفان ودارفور، وفي الجزيرة ووسط السودان – والتي تنهض شاهداً على عمق وتأثير الوعي الثوري والوطني الذي بذرته الثورة المهدية.  
البرم من الديمقراطية وعدم ربطها بمصالح غالبية الشعب والسلام    بعد جلاء المستعمر عن السودان في مطلع عام “1956م”، واجهت الأحزاب والهيئات السودانية بتنوعها الفكري تحديات كبيرة في التوصل إلى توافق حول نظام الحكم والدستور الذي سيُنظم البلاد في مرحلة ما بعد الاستقلال. أما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي فقد عمدت السياسات الاستعمارية البريطانية على إعاقة مسار التطور الاقتصادي المستقل القائم على الاعتماد على الذات والاكتفاء الذاتي وتكامل قطاعاته وتلبية احتياجات الأسواق المحلية والوطنية، بفرض نمط اقتصاديات وسياسات تلبي احتياجات بريطانيا وطلب السوق الرأسمالي، وهو ما أرسى قواعد التطور غير المتوازن – اقتصاديا واجتماعيا وتنمويا – والاقتصاد المرتبط باحتياجات السوق الرأسمالي (للمزيد راجع كتاب البعث وقضايا النضال الوطني في السودان، والمبحث الاقتصادي في تقريري مؤتمري القطر الخامس والسادس) .  
وبسبب تأزم الأوضاع في البلاد، والفشل في حل مشكلة الجنوب؛ حدث انقلاب الفريق ابراهيم عبود في “17” نوفمبر “1958م” – الذي أطلق عليه البعث مسمى مؤامرة “17” نوفمبر – لأنها – أي المؤامرة –  ارتبطت مباشرة بمخططات وصعود الاستعمار الأمريكي الحديث لضرب وتصفية حركة النهوض الوطني والقومي التحرري في الوطن العربي وأفريقيا، وفق مبدأ دوايت ايزانهاور لملء الفراغ.  
 لقد حدث هذا الانقلاب – الذي تم كعملية “تسليم وتسلم” من ناحية أخرى – كدليل على مدى عمق أزمة الحكم في السودان منذ البداية ومبدئية التمسك بالديمقراطية والتعددية، فكان أول ضربة لنظام التعددية الحزبية في البلاد والذي شرعن لاحقا لتدخل الجيش في الحكم والسياسة والاقتصاد.     
أسقطت انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول “1964م” الحكم العسكري الأول، وعادت التعددية الحزبية للمرة الثانية إلى السودان، والتي تميزت بوجود تمثيل للقوى “المناطقية” داخل البرلمان، مثل مؤتمر البجا واتحاد جبال النوبة وجبهة نهضة دارفور، بالإضافة للقوى الجنوبية، ويعد هذا التمثيل مؤشر لتمرد سلمي ديمقراطي على هيمنة الزعامات والقوى التقليدية في مناطق حواضنها الأساسية، وربما كانت امتداداً لخروج إسماعيل الأزهري من عباءة الطائفية والفوز بانتخابات “1955م” تحت اسم الحزب الوطني الاتحادي، وما من شك لاختلف الوضع السياسي في البلاد إذا ما قدر لهذه التعددية الحزبية الاستمرار من خلال ربطها بتحقيق مهام ما بعد الاستقلال السياسي، لولا انقلاب النميري في “25” مايو “1969م” الذي بدأ بشعارات يسارية وانتهى بممارسات يمينية، مستقوياً بقوى الظاهرة السياسية الدينية من الإخوان المسلمين وجماعة أنصار السنة والطرق الصوفية المختلفة. وقد شهدت أواخر فترة نميري حدثان مهمان، هما إصدار “13” قانونا أبرزها قانون العقوبات الذي اشتمل على العقوبات الحدية أو ما عرف بقوانين سبتمبر، والآخر تجدد الحرب في الجنوب سنة “1983م” وإعلان ميلاد الجيش الشعبي والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق.  
 مما عجل باندلاع انتفاضة مارس/ أبريل “1985م” التي أسقطت الدكتاتورية العسكرية الثانية بعد “16” عاماً. سقطت دكتاتورية النميري والبلاد بلا دستور دائم أو نظام للحكم متوافق عليه، مع وضع اقتصادي متردي (كانت سلطة مايو قد رضخت في العام “1978م”، ولأول مرة في تاريخ السودان، لشروط صندوق النقد الدولي بالموافقة على وصفته التقليدية ومنها ربط قيمة الجنيه السوداني بالدولار الأمريكي، وأجرت أول تخفيض لقيمة الجنيه الذي كان يعادل في وقتها “3.4” دولار أمريكي وقامت بإقرار سياسات تعدد سعر الصرف، مقابل الاستمرار في السلطة بالتسوية السياسية مع المعارضة والتي عرفت بالمصالحة الوطنية التي رعتها أمريكا، وحرب مشتعلة في الجنوب. وفي هذه الظروف تشكلت حكومة انتقالية بمجلس عسكري انتقالي يجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية برئاسة الفريق أول عبد الرحمن سوار الذهب وحكومة مدنية برئاسة الجزولي دفع الله لمدة عام واحد، تهدف لتحقيق ثلاث أولويات تتمثَّل في “حل سلمي لمشكلة الجنوب” و”كفالة الحريات العامة” و”كَنْس آثار مايو”، إلا أن هناك جملة من العوامل أسهمت في عجز الحكومة الانتقالية عن إنفاذ هذه الأهداف الرئيسية أشار لها أحمد إبراهيم أبو شوك، وصلاح الدين الزين محمد، في التقرير الموسوم الانتقال الديمقراطي في السودان “2019م-2022م” التحديات والآفاق، بثلاثة عوامل (أولها: قصر الفترة الانتقالية؛ لأن الأحزاب السياسية لم تكن مطمئنة لاستمرار العسكر في السلطة بعد أن أعلنوا سيطرتهم على مجلس رأس الدولة، وثانيها: إعلان المجلس العسكري أنه مكون ثانٍ في الحكومة الانتقالية؛ الأمر الذي دفع جون قرنق، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان آنذاك، إلى وصف  الحكومة الانتقالية بأنها “حكومة مايو الثانية” ولذلك رفض التعاون معها، وثالثها: الجبهة الإسلامية القومية التي وقفت عائقًا أمام إلغاء القوانين القمعية التي أصدرها الرئيس المخلوع جعفر نميري، بعد أن بايعته “إماماً للمسلمين”. وفي نهاية عام الفترة الانتقالية أُجْريت الانتخابات التي تحصل فيها حزب الأمة الجديد بزعامة الصادق المهدي على أعلى عدد من مقاعد البرلمان.     اتسمت فترة الديمقراطية الثالثة بالعجز وعدم الاستقرار ومهادنة بقايا مايو، إذ تم تشكيل خمس حكومات ائتلافية في ظرف ثلاث سنوات، كما شهدت هزائم متلاحقة للجيش في الجنوب أدت إلى تذمر القيادة العامة للجيش التي قدمت مذكرة لرئيس الحكومة الصادق المهدي، مطالبة إياه بالعمل على تزويد الجيش بالعتاد العسكري الضروري، أو وضع حد للحرب الدائرة في الجنوب، وأحدثت المذكرة بلبلة سياسية في البلاد، واعتُبِرَت مؤشراً جديداً لتدخل الجيش في السياسة. تدهورت العلاقة بين الجيش وحكومة الصادق المهدي بعد توجيه الفريق فتحي أحمد علي القائد العام إنذاراً إلى الحكومة، طالبها فيه بالاعتدال في مواقفها السياسية ورفع المعاناة عن كاهل المواطنين، وبالرغم من رفض الصادق المهدي هذا الإنذار إلّا أنه رضخ للضغوط وأعلن قبول اتفاقية السلام التي وقعها الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة الميرغني مع الحركة الشعبية لتحرير السودان عام “1989م” بزعامة جون قرنق.   من التسليم والتسلم إلى تصعيد فلاسفة اليمين واحتياطي الرجعية       وفي ظل هذا الوضع المأزوم، تآمرت “الجبهة القومية الإسلامية” على النظام الديمقراطي البرلماني، ونفَّذت انقلابًا عسكريًّا في “30” يونيو “1989م”، ظل في سدة الحكم “30” عامًا معتمداً في بقائه على طبيعته الفاشية والمتاجرة بالدين، وعلى دور الأجهزة الأمنية والعسكرية والواجهات الاقتصادية والمالية والإعلامية الخاصة بالتنظيم والموازية لأجهزة الدولة.       إنّ تجربة حكم الجبهة القومية الإسلامية المستبدة – التي تميزت بإحكامها السيطرة على كل مفاصل الحياة في البلاد – ترتبط بشكل مباشر بالحرب الحالية، “فدون إغفال لارتباط قادة طرفي الحرب الحالية بنظام الإنقاذ منذ وقت طويل، واستخدام الإنقاذ للقوات المسلحة في صراعاتها في سبيل السلطة والثروة ثم إضعافها، وتأسيسها لقوات الدعم السريع لحماية مشروعها السلطوي، وتبني العنف لمواجهة التطلعات الشعبية والمطالب المشروعة” وهو النهج الذي أسهم في توسع المليشيات والفصائل المسلحة.    غير ذلك كله فإن النظام الاقتصادي الاستبدادي – الكليبتوقراطي والزبائني – المتسم بسوء إدارة الموارد، والفساد الممنهج، والقائم على الاستدانة الذي انتهجته الإنقاذ، وهو النهج المتماهي حد التبعية (بسياسات التحرير الاقتصادي المطلق ورعاية مصالح الرأسمالية الطفيلية) مع النموذج الغربي الإمبريالي، المستند على فلسفة التمكين الاقتصادي والاجتماعي للموالين لها والردفاء، وتعميق الفوارق الطبقية، وتذكية النعرات ما دون الوطنية وتهديد السلم الأهلي وتمزيق الأواصر الاجتماعية، وتدمير قواعد الإنتاج مع تنمية مصالح الرأسمالية الطفيلية، بزيادة حدة الفقر، وتدهور القوة الشرائية للعملة الوطنية، وتراكم الديون وخدماتها، وتدمير ما هو موجود من مؤسسات مدنية ومن بنى تحتية، وضعف في النمو الاقتصادي، وارتفاع نسب التضخم، وهجرة العقول والسواعد وإساءة استخدام الموارد، كل ذلك بالإضافة لإشعالها الحروب في دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة، وإنشاءها للميليشيات المسلحة، ومعاداة الحقوق والحريات العامة والتعددية الحزبية، وفصل الجنوب عن الشمال، وتسميم علاقات السودان مع محيطه العربي الأفريقي والمجتمع الدولي.  كل ذلك أدى لمحصلة نهائية عنوانها إنهاك المجتمع، وإضعاف الجيش، وإضعاف مؤسسات الدولة، وتضعضع السلطة المركزية في البلاد، وتدويل شؤونها، وتكبيلها بسلسلة من القرارات والعقوبات الأممية والأمريكية والغربية والديون. وبالتالي فإن نظام الإنقاذ بكل ممارساته القمعية والفاسدة مَثَّل الأرضية الخصبة التي انطلقت منها حرب” 15″ أبريل/ نيسان”.    
يُتبَع لطفاً..
لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي

لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي

  د. عامر الدليمي

في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة،

كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك،

والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. 

كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية.

إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا.

إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي.  ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.