شبكة ذي قار
كتاب الشهر / ميشيل عفلق الذي لم أعرفه كما يجب! / الدكتور محمد عمارة
كتاب الشهر / ميشيل عفلق الذي لم أعرفه كما يجب! / الدكتور محمد عمارة
ناصر الحريري

.
بسم الله الرحمن الرحيم  
للكتاب والقراءة أهمية عظمى في حياة الأمم والشعوب، وفي عالمنا المعاصر حيث تحتدم التحديات والمتغيرات في مختلف الأصعدة والمجالات، أصبحت المعرفة أحد أهم الأسلحة التي تتسلح بها الشعوب في كفاحها حتى أضحت حاجة جوهرية لا غنى عنها من أجل البقاء وتحقيق التطور والازدهار. وفي ظل عمليات التجهيل المنَظَم والمتَعَمَّد للأجيال الصاعدة من الشباب في وطننا العربي يحتل هذا الأمر أهمية استثنائية. وتساهم العديد من الإصدارات العربية الحديثة في إلقاء الضوء على القضايا الملحة في وطننا العربي، وتنوير الرأي العام ونخبه الفكرية والثقافية، وتعميق الوعي لديها، فتشكل منارات هادية تضئ الطريق أمام أبناء الأمة ولا سيما أجيالها الصاعدة، لتتزود منها بالمعرفة اللازمة لمواصلة الطريق في دفاعها عن خيارات الأمة وحقها في الحياة ومواصلة رسالتها الخالدة بين الأمم. يسلط برنامج ” كتاب الشهر ” الضوء على هذه الكتب ويتناول بعدها القومي وتأثيراتها ودورها في تعميق الوعي فيقدم خلاصات للنصوص الجديدة في مجالات الثقافة القومية والفكر العربي المعاصر والتحديات الراهنة في مختلف المجالات، تشترط الرصانة الموضوعية، وتضمن الفائدة العامة لجميع القراء والمتصفحين.
ولإثراء النص وتعميق مضامينه، يشرع كتاب الشهر نوافذ للحوار العلمي، وتبادل وجهات النظر.  كتاب هذا الشهر يحمل عنوان:
ميشيل عفلق الذي لم أعرفه كما يجب!
للدكتور محمد عمارة.
ونعرض فيما يلي قراءة أولية له من إعداد ناصر الحريري.
  ميشيل عفلق الذي لم أعرفه كما يجب!
* تأليف الدكتور محمد عمارة
عرض ناصر الحريري  
يشير الكتاب في البداية إلى أن مؤلفه قد جمعته علاقات صداقة مع عدد كبير من مفكري حزب البعث العربي الاشتراكي ومناضليه، ولم يكن قد قرأ على نحو منّظَّم أعمال مؤسس الحزب ومفكره الأول وفيلسُوفَه الأكبر الأستاذ أحمد ميشيل عَفلَق. ويشير بصراحة الى انه كان لديه انطباع سلبي، ثم يتساءل ” فكَيف ولماذا تغيَّر الحال واحتلَّت دراسة مشروعه الفكري الأهمية التي جعلته يعطيه عاماً كاملاً للقراءة والتأمُّل ويشرع في كتابة هذا الكتاب؟   ويبدو أن ما رافق وفاة القائد المؤسس رحمه الله في 24-6-1989 من بيانات ونشريات ووقائع قد كان بداية لنقطة تحوُّل عند المؤلف، حيث كان يومَئذٍ مُشاركاً في ندوة علميّة عن ” السُنة النبَويّة ” فاطلع من مصدر على بيان القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي وما تضمَّنه من تفاصيل منها اعتناق الأستاذ أحمد ميشيل عفلق للإسلام، وكيف أنه لم يرغب هو ولا رفاقه في القيادة إعلان ذلك حرصاً منهم على ألا يُعطى لهذا الخَيار أي تأويل سياسي، وأنه قد تم دفنه وفق الشريعة الإسلامية. في هذا اللقاء بدأ خيط الاهتمام بفكر القائد المؤسس وما هي ملامح المشروع الفكري للبعث يتخذ مكاناً في عقل واهتمامات المؤلف الفكرية؟ ويشير د. محمد عمارة إلى أهمية هذا الموضوع لأن القائد المؤسس: ” هو رجل من أبرز مفكري وقادة التيار القومي العربي في العصر الحديث، وأستاذ تتلمذ عليه أجيال من المناضلين والمفكرين والمثقفين، وأهم من هذا، ان المشروع القومي الذي صاغه هذا المفكر قد تبناه تيار فكري سياسي مؤثر في واقعنا الفكري والسياسي…”. يتناول المؤلِف في كتابِه ” ميشيل عفلق الذي لم أعرفه كما يجب! ” زيارتَه إلى بغداد في أبريل سنة 1981م بدعوة مِن جامعتِها لإلقاء بعض المحاضرات على أساتذة قسم السياسة – بكلية القانون والسياسية – وطلبة الدراسات العليا فيه، فيذكر تأثُره بخطاب القائد المؤسِس في ذكرى تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في – 7 نيسان – وما تضمّنَه عن علاقة العروبة بالإسلام، والذي كان مدعاة الى تعمُّقِه بمُراجعة الخِطاب ودراسته التفصيليّة لاحقاً. ثم جاءت دعوة الجمعية العربية للدراسات السياسية ومركز الدراسات السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة له للمُشاركة بالكتابةِ عن الأستاذ ميشيل عفلق ومحاور مشروعه الفكري، حيث طلبَ منه القائمون على الندوة أن يكتب عن محور “الإسلام في فكرِ ميشيل عفلق”، فشَكَّلَت تلك المشاركة فرصة له حيث انتقلت جهوده من الرغبة إلى الممارسة والتطبيق. فبدأ بجمع كل كتابات القائد المؤسس. ولأنه وجد أن الأمر أكبر من أن يُختَزَل في صفحات تُقدَّم إلى ندوة، قرَّر استكمال البحث ليخرج في هذا الكتاب. يشير المؤلِّف الى انه كتب عن الاستاذ أحمد ميشيل عفلق العديد من الكتاب والدارسين، وقد يرى البعض أنه لا مجال لجديد بعد الذي كتَبَه المفكِّرون والمثقفون والساسة البارزون عنه، ولكن ما توصل إليه أن الذين كتبوا عنه سواء من أي طرف كانوا، موالين او خصوم، بعثيين أو غير بعثيين، قد صَمَتوا صَمتاً كاملاً عن دلالة العلاقة بين العروبة والاسلام، في مشروعه الفكري وحياته النضالية. ويشير الكتاب إلى أن موقع المؤلِّف الفكري من كتابات القائد المؤسس ومشروعه الفكري ومسيرته النضالية قد مثَّل عاملاً مساعداً ليكتشف ما لا يستطيع أن يكتشفه فيه تلامذته ومريدوه الأقربون أو حتى خصومه المناوئون.  فيقول عنه ان القائد المؤسس قد استطاع ان يكتشف في الاسلام ما لم يكتشفه الذين ورثوا الدين دون بحث وكدّ ومعاناة. يتناول الكتاب تحليل الواقع الذاتي والموضوعي في فكر البعث من خلال تحليله لمقولة القائد المؤسس التالية:  “قراءة جديدة للإسلام كشفَت لنا عن حقائق أساسية في روح شعبنا ونفسيته وأضاءت لنا طريق العمل الثوري. وثمة واقع ذاتي جاءَ في الوقت نفسه تعبيرًا عن واقع موضوعي… الواقع الذاتي هو أنني شخصياً، في بداية تكوين الحزب، اكتشفتُ الإسلام. أقول اكتشفت ولا أعني أنني لم أكن أعرف الإسلام – فقد كانت هناك أُلفة منذ الصغر- اكتشفت الإسلام كثورة… كتجربة ثورية هائلة، وقرأته قراءة جديدة من هذا المنظار… في أنه عقيدة، ونضال في سبيلها… وقضية هي قضية أمة، وقضية إنسانية. بل إنه قضية أمة بتصور إنساني أوسع… ونضال على أروع ما يكون بأعلى مراحله وبما فيه من تنظيم دقيق وتثقيف، إلا أنه أيضًا دين، فهو تجربة ثورية، السماء فيها متداخلة بالأرض.”… وهنا يقف المؤلف وقفة تأمل وتفسير واستخلاص لحقائق تاريخ القائد المؤسس وكيف انه في النص اعلاه تتجسد حقيقة أن الذي جعله ورفاقه الأوائل يختارون صيغة” البعث” و” التجديد” لتراث الأمة وهويتها ليس صيغة الليبرالية الغربية أو الماركسية، وإنما اكتشافه المبكِّر للإسلام، فكان الاختيار لطريق البعث هو الذي ميز مشروع البعث الفكري عن تلك المشروعات التي اختارها عرب آخرون. ويستعرض الكتاب الاكتشاف والربط المبَكِّر (أي منذ بدايات تأسيس البعث) بين العروبة والإسلام، ويتناول شرح القائد المؤسِّس كيف ان الدين كان يُجسِّد الثورة والحضارة للعروبة، وهو التراث والهوية بالنسبة للأمة، ورسالة إنسانية خالدة لها.  ثم يعرض نصاً من نصوص كتاباته ذات الدلالة العامة في هذا الموضوع الهام ومنها قول القائد المؤسس : ” لقد كانت اللحظة التاريخية في حياة الثورة العربية المعاصرة هي سلامة الاختيار… وقد كان الموقف من التراث القومي أي من الإسلام وعلاقته الوثيقة بمرحلة الانبعاث القومي المعاصرة، معبراً عن إحدى الاختيارات الكبرى لفكر البعث… ولأن هذه النقطة الأساسية لم تعط حتى الآن الاهتمام الذي تستحقه، بل بقيت مجهولة من الكثيرين، كان لا بدّ، حرصاً على المستقبل وسلامة الاتجاه، من الإشارة الصريحة الى ذلك، والتتمـّة على الأجيال البعثية الصّاعدة.” ويتناول الكتاب حديث القائد المؤسس في ذكرى الرسول العربي حيث يتحدث عن قصته مع الإيمان وعن اكتسابه له بالألم والمشقة وكيف أنه لم يرثه بالتقليد! فيشير الكتاب الى ان النص التالي ذي دلالة كبرى: “لا يفهمنا إلا المؤمنون، المؤمنون بالله. قد لا نُرى نصلي مع المصلين، أو نصوم مع الصائمين، ولكننا نؤمن بالله لأننا في حاجة مُلحَّة وفقر إليه عصيب، فعبئنا ثقيل وطريقنا وَعِر، وغايتنا بعيدة. ونحن وصلنا إلى هذا الإيمان ولم نبدأ به، وكسبناه بالمشقة والألم، ولم نرثه ارثاً ولا استلمناه تقليداً، فهو لذلك ثمين عندنا لأنه ملكنا وثمرة أتعابنا..”. ويعبِّر المؤلف عن اعجابه بهذه المقولة فيقول: ” إن الكلمات الأخيرة يجب أن توضع أسفلها عشرات الخطوط”. ثم يضيف إلى أن القضية المهمة: هي مكانة الإسلام في المشروع الفكري والحضاري للبعث ومؤسسه، الذي هو المشروع الفكري والحضاري لواحد من أبرز وأهم فصائل التيار القومي العربي المعاصر، وليس مشروعاً خاصاً لمفكر من المفكرين أو كاتب من الكتاب. يتناول الكتاب شرح لما ميّز فكر الأستاذ أحمد ميشيل عفلق وهو اكتشافه للإسلام فجعله “بعثاً ” وإحياءً وتجديداً لهوية الأمة وتراثها ورسالتها، ولم يجعل القومية مجردة من الدين والتراث، ولا جعل صبغتها ليبرالية غربية أو ماركسية. ثم يحلل حجم مرجعية هذه القيم في هذا المشروع الحضاري البعثي بالنسبة إلى حجم المؤثرات الأخرى، ودرجة الوضوح لهذه الأسس والموازنات في أدبيات هذا المشروع الفكري وخاصة في مجال الربط بين الإسلام وبين العروبة والقومية والعلاقة بينهما، وأيهما الأصل؟ وأيهما الفرع؟ ويتناول معنى الرسالة الخالدة لهذه الأمة الواحدة ودرجة وضوح هذا المعنى في أدبيات هذا المشروع، وعلاقة الدين بالدولة، والموقف من العلمانية، وكذلك دور الدين في تميز الأمة ومشروعها الحضاري عن الأمم الأخرى، ومشروعاتها الحضارية وخاصة في المواجهة مع الحضارة الغربية. ثم يتناول العوامل التي أدت إلى تطور المشروع الفكري للبعث وموقف القائد المؤسس ويلخص بعضها فيما يلي: * أن الإيمان قد حدد توجهه الفكري والسياسي والحضاري منذ فجر حياته النضالية.  *إن هذه الإضاءات الفكرية لم تسلط عليها الأضواء ولم تُعط حقها من الإبراز والإيضاح والتفصيل. ويستعرض الكتاب موقف القائد المؤسس من اللبرالية الغربية فيقول لقد كان منذ بداياته الفكرية رافضاً لليبرالية الغرب لكنه وقف موقف الدارس المستفيد المنتقي من شمولية الغرب، الأمر الذي دفع إلى زيادة حجم الاستقلال الفكري عنده لزيادة الاهتمام بالربط بين العروبة والاسلام باعتباره السياج الحقيقي والمنبع الحقيقي لهذا الاستقلال الفكري. ويشير الكتاب إلى أنه في الوقت الذي أكد فيه مؤسس البعث على جمود وتراجع منابع الاشتراكية الغربية فانه دعا لمزيد من استلهام الأصالة وروح الأمة كي لا يصل المشروع الحضاري إلى طريق مسدود. كما اهتم المؤلف بخطاب 7 نيسان 1977 حيث أشار القائد المؤسس فيه إلى أن مكانة الإسلام ودوره في تميز هذا المشروع الفكري: ” لم تعط حتى الآن الاهتمام الذي تستحقه، بل بقيت مجهولة من الكثيرين، كان لا بدّ، حرصا على المستقبل وسلامة الاتجاه، من الإشارة الصريحة الى ذلك، والتتمـّة على الأجيال البعثية الصّاعدة.” وهو بذلك يعلن عن تصديه لاستكمال النقص وإيضاح المجهول” حرصاً على المستقبل وسلامة الاتجاه” ويعلق الآمال على الأجيال البعثية الصاعدة في هذا المشروع.
ويوثق الكتاب اشادة القائد المؤسس بدور المناخ العراقي في اغناء فكر البعث حيث يقول: “والآن نشعر بأن في تجربة حزبنا في العراق، للمرة الأولى، تأخذ أفكار الحزب مداها”. وقد جمع د. محمد عمارة كتابات القائد المؤسس في العراق عن التراث والإسلام لتشكِّل جزءاً كاملاً من الكتاب هو الجزء الثالث، مشيراً الى ان أغلبها هي محاضرات القاها في مدرسة الإعداد الحزبي، ملقياً الضوء على ان التركيز على الإسلام والتراث لم يكن كلاماً للمناسبات العامة، وإنما كان مادة فكرية لإعداد القيادات الحزبية، مع كل ما يمثله ذلك من دلالات وأهمية بالغة.  كما يشير الكتاب الى حقيقة جوهرية وفي غاية الأهمية وهي ان مواد الجزء الثالث المشار اليها اعلاه كانت سابقة في تاريخها على أحداث إيران عام 1979، لذا لم تكن مزايدة إسلامية على الشعارات المرفوعة في تلك الفترة، مما يؤكد أن الموقف الفكري للبعث وقائده المؤسس إذن من الدين والتراث هو موقف فكري أصيل، فيه تصاعد وتفصيل وتوضيح وتعميق وتطوير مستمر. في هذه السياق يطرح الكتاب سؤالاً هاماً عن: مكانة الدين في المشروع القومي ومرجعيته في المشروع الحضاري؟ فيقول إن كتابات المؤسس تتحدث عن الإسلام ليكون غذاء للمشروع النهضوي وطاقة للبعث والنهضة، فهو يصف الإسلام: الثورة، والإسلام: التجربة المفصحة عن عبقرية الأمة، والإسلام: التراث الروحي المكوِن لقومية الأمة، والإسلام: الحضاري المميز للأمة وقوميتها ونهضتها عن غيرها من الأمم والقوميات والنهضات.
ويؤكد الكتاب على أن القائد المؤسس هو نموذج للمفكر القومي الذي يتبنى الإسلام الحضاري، فمع اعترافه وإيمانه بالإسلام كدين سماوي إلا أنه لا يتبنى في مشروعه الفكري والحضاري جانب الإيمان الغيبي،
لأنه يراه كشأن إيمان فردي يحمي الإنسان من ضياع الإلحاد، الذي يرفضه. لكن ما يستدعيه للمشروع الحضاري ويتبناه مرجعاً في النهضة القومية والبعث العربي. ويشير المؤلف الى انه بذلك قد تقدم على وظل متميزاً عن المفكرين الإسلاميين وظل مشروع البعث متميزاً عن مشروعات النهضة الإسلامية.
ويضيف إلى أن آفاق فكر القائد المؤسس تنتظر من مفكري التيار القومي العربي أن يواصلوا السير على طريقه، لأنها تفتح وتفسح أمامهم سبل التطور والوضوح التي لا تعرف الحدود، طالما استمرت في التجدد والنمو حيوية العقل الإنساني الذي يسعى إلى الاقتراب من الكمال.   
*معاد للأهمية  
  مكتب الثقافة والاعلام القومي
29/11/2021
خالدون في سبيل البعث- البعث والنضال العمّالي في اليمن

خالدون في سبيل البعث

من سجل النضال القومي المجيد

 

حزب البعثُ العربي الاشتراكي هو حزبٌ قوميٌّ وُلِدَ من رحم معاناة الامة  من أجل تحقيق وحدتها وحريتها ونهضتها، لتمارس دورها الحضاري بين الأمم بما يَليق بمكانَتِها الكبيرة وإمكاناتها الهائِلة وتأريخها المجيد. وهو فِكرٌ رَصينٌ وراسخٌ، ونَهجٌ ناضجٌ ومُتقدمٌ ينير درب مناضليه وجماهيرَه في كفاحهم لتحقيق أهدافه الاستراتيجية الكبرى في الوحدة والحرية والاشتراكية. وحزبٌ هكذا هي أهدافه، قومية تقدمية انسانية، لا ينهض برسالَتِه الحضارية العِملاقة في بعث أمة بكاملها، الاّ نوعية خاصة من أبناء الأمة المناضلين في صفوفِه، من الذين آمنوا بحقِّ أمتهم في النهضة والتقدُّم لتحتَّل مكانتها الكبرى بين الامم ، فوهبوا حياتهم لتحقيق رسالته، خائضين في سبيل ذلك نضالاً ضروساً وتضحيات جسام لتأصيل الأهداف النبيلة للبعث، وقيمه ومبادئه السامية. انَّهم صُنَّاع الحياة ومستقبل الامة، ورجال العطاء والفداء من أجل تحقيق وحدة أمتهم العربية المجيدة. هكذا هُم مناضلو البعث على امتداد وطنهم العربي الكبير من المحيط الى الخليج.

يسعى هذا الباب الى القاء الضوء على محطات من السجلّ الخالد لمناضلي البعث في الوطن العربي ، الذين شكَّلوا رايات عالية ستبقى تنير درب أجيال وأجيال من ابناء الامة في نزوعها نحو الوحدة والحرية والتقدم. ومن تلك المحطات النضال الوحدوي الجبهوي والعمالي في اليمن

 

البعث والنضال العمّالي في اليمن

يحيى محمد سيف المفلحي

تعددت مجالات نضال حزب البعث العربي الاشتراكي في قطر اليمن لتشمل كافة القضايا الوطنية والقومية. فبالإضافة الى نضاله في المجال الوحدوي والجبهوي، كان لكوادر وقيادات وقواعد البعث دور بارز في قيادة النضال العمالي وبشكل متميز لا على صعيد اليمن وحسب وانما الوطن العربي برمته.

 

🔸 المؤتمر العمالي

في خطوة نضالية رائدة قام بها البعث ومناضليه في قطر اليمن من أجل  التحالف الجبهوي وحشد كافة الطاقات الوطنية ضد الاحتلال البريطاني ومجابهة القوى المعادية، فقد أسهم  بشكل فاعل في تأسيس وقيادة  المؤتمر العمالي، الذي يعد حزب الاحزابا لذي تأسس  في 3 آذار / مارس عام 1956م المكون من 20 نقابة في عدن بعد تكامل هيئاته وهياكل نقاباته العشرين  ليضطلع بمهام توحيد النقابات العمالية وتأمين نضالها وزيادة فعاليتها ( حيث بلغ عدد الإضرابات التي  نفذتها النقابات العمالية  خلال عامي ١٩٥٨-١٩٥٩ م  (١٠٩) اضراباً، منها ارتبطت بالمطالب  العمالية وأخرى بالقضية الوطنية.

 

🔸البعثيون يقودون الحركة العمالية اليمنية

  كانت القيادات التي تتالت على قيادة ورئاسة المؤتمر العمالي 1965 هي  قيادات وطنية وديمقراطية من رموز حزب البعث العربي الاشتراكي، وكانت قيادت الحركة العمالية والنقابية جنوب الوطن اليمني  ذات الافق القومي هي المرشد والمنظم لهذا النضال، وفي قلب الحركة النقابية والعمالية تنظيماً رائداً في ذلك الكفاح السياسي والنضال الوطني.  وتمثلت الكوادر البعثية التي تولت   رئاسة وعضوية   المجلس التنفيذي لاتحاد نقابات العمال في عدن بالرفاق التالية اسماؤهم  وفقاً للمصادر الموكدة :

1-    المناضل البعثي عبد العزيز الفروي.  كان اول رئيس للمجلس التنفيذي للمؤتمر العمالي

2-    المناضل والقيادي البعثي والتربوي والصحفي الاستاذ محمد سعيد مسواط. تولى منصب نائب رئيس المجلس التنفيذي  للمؤتمر العمالي -ثم انتخب ثاني رئيس للمؤتمر حتى اغتياله بالسم من قبل سلطات الاحتلال البريطاني

3-    الزعيم العمالي القيادي البعثي الشهيد على حسين قاضي. كان رئيس نقابة عمال الحكومة  وهو ثالث بعثي تولى  رئاسة المجلس التنفيذي للمؤتمر العمالي حتى استشهاده في فبراير عام 1966م

4-    المناضل البعثي والصحفي والزعيم العمالي عبده خليل سليمان. كان رئيس نقابة عمال البحر و رابع بعثي يتولى رئاسة المجلس التنفيذي للمؤتمر العمالي. كما تولى ايضاً رئاسة تحرير صحيفة ( العامل ) لسان حال المؤتمر وحولها الى منبر سياسي وثقافي بعثي هو ورفاقه الذين كانوا يسيطرون على هيئة تحريرها كما سنرى في سياق حديثنا عن صحافة البعث.

5-    المناضل  والقيادي البعثي الزعيم النقابي عبد الرحمن الاسودي.  كان خامس بعثي  يتولى رئاسة المجلس التنفيذي للمؤتمر العمالي

6-    المناضل الوطني والقومي والقائد والمفكر البعثي الكبير الاستاذ محسن العيني. تولى هو ايضا رئاسة المجلس التنفيذي للمؤتمر العمالي الى جانب رئاسته لنقابة المعلمين في عدن وهو من عمل على اعادة صياغة النظام الاساسي والادبيات  للمؤتمر العمالي برؤية بعثية جديدة

7-    الاديب والصحفي  والشاعر الكبير والمناضل البعثي ادريس حنبلة. تولى منصب نائب رئيس المجلس التنفيذي للمؤتمر العمالي 

8-    المناضل الوطني والقومي والقيادي البعثي احمد محمد حيدر ، كان عضوا في المجلس التنفيذي للمؤتمر العمالي، ورئيس المكتب الثقافي للمؤتمر

9-    المناضل والاديب والكاتب الكبير عبد الله فاضل فارع. كان اول رئيس لنقابة المعلمين وعضوا في المجلس التنفيذي للمؤتمر العمالي

10-  المناضل الوطني والقومي الكبير الصحفي والزعيم العمالي والقيادي البعثي محمد سالم علي. كان عضوا في المجلس التنفيذي للمؤتمر  ورئيس نقابة السائقين

11-  المناضل الوطني والقومي والتربوي والقائد البعثي امين عون. كان عضوا في المجلس التنفيذي للمؤتمر العمالي ، ونائب رئيس المكتب الثقافي ورئيس نقابة المعلمين الذي توالى على رئاستها مناضلون بعثيون

 

     🔸من المواقف النضالية للبعثيين

  اعتقل الشهيد القاضي رئيس المؤتمر العمالي  مع زملائه ورفاقه  النقابيين في اكتوبر عام 1958 م اثناء قيام الاضرابات العامة التي تضمنت اضرابات عمالية واسعة ومظاهرات شعبية سقط فيها عشرات الشهداء من بين العمال واعتقل 560 عاملا يمنيا من ابناء الشمال والجنوب.  برزت فيها قيادات عمالية وسياسية شابة حيث سجن حينذاك عدد من النقابيين الكبار من بينهم محمد سالم علي عبده ، وعبده خليل سليمان ، والاديب والشاعر ادريس احمد حنبلة.  وبالرغم من تلك الضغوط البريطانية استمر العمال في مواقفهم النضالية غير هيابين اومترددين ، فاضطرت حكومة الاستعمار الى اصدار قانون التحكيم اﻹجباري الذي يحرم الإضرابات ويصر على حصول العمال على تصريح من المحكمة الصناعية. ثم واصلت الحكومة البريطانية عملية معاقبة  60 عاملا من عمال الحكومة وقدمت الرفيق  علي حسين قاضي رئيس نقابة  عمال الحكومة وكل من المناضلين صالح عرجي سكرتير نقابة الميناء واحمد سالم حميدان عضو ادارة نفس النقابة للمحاكمة. وانتشر الجنود البريطانيون في الشوارع والجولات وسطوح منازل الهندوس، ومباني الحكومة ، ومستودعات النافي، ومجمع المجلس التشريعي (الحكومة ) تحت حراسة مشددة،  ومع هذا كله اعلن المؤتمر العمالي ، برئاسة الشهيد على حسين القاضي  ان المعركة لا زالت قائمة وهي لم تعد مجرد قانون يحرم اﻹضراب فحسب بل اصبحت معركة الشعب اجمع ، لينسف كل قوانين الاستعمار ويحقق النصر في الاستقلال السياسي والاقتصادي، وتحقيق المجتمع الاشتراكي السليم (4) .  واثر ذلك تم اعتقاله في سجن جبل حديد في سجنا انفراديا . وفي ديسمبر عام 1963م اعتقل مرة اخرى مع عدد كبير من قيادات الحركة العمالية والسياسية ( اغلبهم بعثيون ) عند انفجار قنبلة المطار الشهيرة التي قتل خلالها نائب المندوب السامي البريطاني (هندرسن )  ثم حكم عليه بالسجن مدة اربعة اشهر مع عدد كبير من النقابيين في اكتوبر عام 1964م قضاها في سجن عدن.

 

 🔸صحيفة ( العامل ) منبر بعثي

صحيفة (العامل) هي لسان حال المؤتمر العمالي و  تأسست عام ١٩٥٧م وكانت الجريدة السياسية الاجتماعية الوحيدة في عدن بعد إغلاق الإنجليز صحيفة (الجنوب العربي ) لسان حال رابطة أبناء الجنوب العربي.       

فقد  تمكن  القيادي البعثي عبده خليل سليمان رئيس الموتمر العمالي ورئيس تحرير الصحيفة كمااسلفنا هو ورفاقه البعثيين في المؤتمر العمالي و هيئة تحرير الصحيفة التي كانت مكونة الى جانبه من قادة بعثيين  كمحمد سالم علي ، والشاعر الوحدوي الكبير/ ادريس حنبلة ،  حيث تم تحويلها إلى منبر سياسي وثقافي بعثي و بدأت الصحيفة تنشر برنامج حزب البعث العربي الاشتراكي ودستور واهداف الحزب وقدمت هيئة تحرير الجريدة برنامج (ودستور) للقراء  موضحين بأنهم يؤمنون ان هذا البرنامج يعتبر مدرسة عظيمة للأمة العربية ، وانه يجب أن يقود الملايين في الأقطار العربية ، وقدنشر هذا البرنامج تحت اهداف الحزب الثلاثة (وحدة -حرية -اشتراكية) وشعار البعث الشهير (امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة).  وهذا تاكيد اضافي على الدور المركزي لقيادة حزب البعث في تنظيم وقيادة وإدارة الحركة العمالية والنقابية في جنوب الوطن اليمني ، وفي قيادة المؤتمر العمالي على وجه التحديد التي استمرت لسنوات طويلة وبقوة حتى سنة ١٩٦٣م . (5)

 

🔸البعث والتعديلا ت الدستورية

نظرا للمواقف  الوطنية الشجاعة  للرفيق عبده خليل سليمان ورفيقه محمد سالم علي الذي عبرا عنه في انسحابهما من المجلس البلدي استجابة لنداء لمؤتمر العمالي الذي صدر في 17سبتمبر عام 1958م ونشره في صحيفة (العامل) الذي يؤكد رفضه القاطع للتعديلات الدستورية ودعوته الى مقاطعة الانتخابات والانسحاب من المجلس البلدي ، اضافة الى نشر الصحيفة  مقال في نفس العدد عن الر شوة في الادارة الحكومية (6) ، لذا ففي 31اكتوبر ١٩٥٨م تم تقديم رئيس تحرير (العامل) عبده خليل سليمان ومحمد سالم علي  للمحاكمة بتهمة إهانة القضاء، واوقفت الصحيفة لمدة أسبوعين وخلال هذه الفترة حتى عام١٩٥٩م دخلت جريدة (العامل) في مواجهات سياسية مع الصحف المرتبطة بالاستعمار (7).

 

   مشروع اتحاد الجنوب العربي

 في   13 -8 -1962م  وعندما قدم الحاكم البريطاني وحكومة الاحتلال الى المجلس التشريعي مشروع ضم عدن الى مايسمى ( اتحاد الحنوب العربي) ،  قام  الرفيق المناضل ادريس حنبلة عضو هيئة صحيفة العامل عضو الهيئة التنفيذية لاتحاد العمال بتوزيع  منشور في عدن بأسم مؤتمر عدن للنقابات يدعو فيه العمال الى اﻹضراب والمظاهرات  ضد المجلس التشريعي. وبعد مظاهرات عنيفة، ومواجهات وحشية راح ضحيتها العديد من الشهداء والجرحى، اقرالمجلس التشريعي مشروع ضم عدن الى اﻷتحاد الفيدرالي ، واصدر مؤتمر عدن للنقابات  كتيباً حول هذه الاحداث بأسم مستعار -اﻷمر الذي استثار السلطات في عدن ، فاستصدرت أمرا بالقاء القبض على ثلاثة من زعماء المؤتمر العمالي هم عبده خليل سليمان ومحمد سالم علي ، من  قيادات البعث.  كان احدهم ادريس حنبلة (8) وحكم عليه بالسجن اربع سنوات ، ولقي في سجنه رحمة الله عليه اشد واسواء انواع المعاملة.

 

🔸اهداف الاتحاد المزيف 

ان المؤامرة الاستعمارية التي يسعى الاستعمار الإنكليزي لتنفيذها في جنوب  اليمن  عن طريق إقامة اتحاد فيما بين امارات وسلطنات جنوب اليمن  تهدف وفقا  لتحليل القيادة القومية  لحزب البعث العربي الاشتراكي  الى:

1-    تجديد الوضع الاستعماري في جنوب اليمن ، اذ ان وجود مثل هذا النمط من الاستعمار لم يعد ممكنا في العصرالحديث، لذا يحاول الاستعمار الإنكليزي أن يماشي  في المظاهر فقط التطور الدولي ، ويسعى  لتكوين اتحاد بين هذه المحميات ومستعمرة عدن له برلمان لاضفاء الصفة الشرعية على الاستعمار الانكليزي، ويذرالرماد في الوقت ذاته على العيون التي لم تعد تستطيع رؤيه هذا الاستعمار البغيض.

2-    تكريس انفصال جنوب اليمن عن شمالها . هذا الانفصال الذي كان نتيجة الاستعمار لهذا الجزء من اليمن ، وبالتالي ضرب النضال الشعبي المتنامي في اليمن الذي اتخذ تحقيق وحدة اليمن هدفاً مباشراً له، وبما يتطلبه هذا الهدف من القضاء على الاستعمار ومخلفاته من مشايخ وسلاطين في الجنوب والقضاء على الحكم العشائري الاقطاعي  في الشمال وإقامة حكم قومي ديمقراطي .

ولكن الوعي الشعبي ادرك لعبة الانجليز ومناوراتهم وبادر الى النضال من اجل احباط هذه  المؤمرة  التي تحاول قطع الطريق على الكفاح التحرري الذي تخوضه الجماهير العربية في اليمن ، والمرتبط بالكفاح العربي من أجل تحقيق الوحدة العربية. ان إنجاز الثورة في اليمن والتي  تهدف للقضاء على الأوضاع الاستعمارية والاقطاعية التي  تحول دون وحدة اليمن ، يشكل المهمة الاساسية للجماهير العربية هناك . وان الكفاح الثوري ضد المؤمرات الاستعمارية  شكل حلقة من حلقات النضال الذي بدأته الجماهير العربية  لانجاز مهمتها وتحقيق ثورتها ممثلة بطلائعها الثورية وفي مقدمتها مناضلي حزبناحزب البعث العربي الاشتراكي.