نحو صياغة حدود واضحة بين الفكرين القومي والإسلام السياسي (ج1)

نحو صياغة حدود واضحة

بين الفكرين القومي والإسلام السياسي

(ج1)

حسن خليل غريب

تمهيــد

أعطى حزب البعث العربي الاشتراكي أولوية للرابطة القومية وميَّزها عن كل ما عداها من المقومات التي أسهمت في تكوينها، والإسلام هو أحد تلك المقومات. هذا ما هو واضح في فكر الحزب -من خلال دستوره- حيث جاء فيه ما يلي: إن «الرابطة القومية، هي الرابطة الوحيدة القائمة في الدولة العربية، التي تكفل الانسجام بين المواطنين، وانصهارهم في بوتقة واحدة…»( 1). وكانت القومية تتمتَّع دائماً بالحد الأدنى من «المقومات الضرورية التي كوَّنتها اللغة والدين والتراث، وهي الآن ترتفع فوق هذه المقومات جميعاً لتزداد حياة وإنسانية” (2 ).

من الواضح، هنا، أن الحزب أعطى أرجحية مطلقة للقومية، وهذه مسألة لا لبس فيها. فالقومية، إذاً، ثابت والمقومات التي أسهمت في تكوينها هي، حكماً، من المتغيرات. فهل أثبت التاريخ صحة هذه النتيجة؟

 -على صعيد المقـوِّم الديـني: وُجد العرب قبل الإسلام. وجاء الإسلام ليسهم بشكل أساسي في تكوين المسألة القومية العربية. أي بمعنى أنه وحَّد بين القبائل العربية سياسياً في ظل دولة واحدة. ووحَّدهم ثقافياً حول وحدانية الله. وأسهم في نشر اللغة العربية. وساعد على بناء دولة لعبت دوراً في تأسيس حضارة جديدة أخذت تنافس الحضارات التي كانت سائدة في تلك المراحل. وقد استفاد منها وأفادها.

-على صعيد مقـوِّم اللغـة: لم تكن معظم الشعوب التي ضمَّتها الدولة الإسلامية، من خلال الفتوحات الإسلامية، تعرف اللغة العربية، بل كانت لها لغاتها الخاصة السابقة على انضمامها للدولة العربية الإسلامية. سعت تلك الشعوب -في سبيل فهم الدين الجديد- لاكتساب اللغة العربية، فأصبحت لغة الدولة، وانكفأت لغات الشعوب الجديدة التي انضمَّت إلى الدولة الإسلامية، وظلَّت جزءًا من تراثها، لكن بدون دور مميَّز لها على الصعد الثقافية أو الاقتصادية أو السياسية.

-على صعيد مقـوِّم التراث: وسم التراث الثقافي الإسلامي الثقافة العربية بعمق واضح. فكان التراث عربياً، قبل التبشير بالدعوة الإسلامية؛ ولما استطاع الإسلام أن يضيف إليه إضافات ذات تأثير كبير، أصبح التراث عربياً إسلامياً.

 ومن هنا نرى أنه لا يمكن لأي مقوم بمفرده أن يشكل إطاراً قومياً قائماً بذاته. لذا كانت القومية العربية هي الثابت الوحيد الذي استفاد من جملة تلك المقومات لكي يكسبها خصائصها العربية. فتوحَّدت تلك المقومات بما أصبح يُعرَف بالخصائص العربية. وهنا يتبادر السؤال التالي إلى الذهن: هل ألغى الإسلام كل التراث العربي، أي التراث الذي له علاقة بالثقافة العربية -السابقة عليه- من لغة وعادات وتقاليد اجتماعية، بدءًا من تقاليد الكرم والنخوة وتعاون ذوي القربى…؟ وهل طالت المتغيرات الإسلامية عمق الثقافة الدينية، بمعنى الحج إلى الأماكن المقدسة، والأشهر الحُرُم، وتقاليد الحج وأوقاتها، وغيرها…؟

 وهنا يمكننا القول بأن الإسلام أسهم في تشكيل القاعدة الثقافية للعرب، وليس هو الذي شكَّلها لوحده. وأبقى على الكثير من أسس الثقافة العربية التي سبقته ، وقام بتشريعها بالكامل. لقد نقل الإسلام ، الكثير من مبادئ الثقافة الدينية، ولم يتجاهل حتى بعض تفاصيلها السابقة وأدخلها في نصوص الكتاب وأعراف السُنَّة النبوية الشريفة. وهناك عدد من الأمثلة: لقد أبقى الإسلام على نظام الحج ومناسكه ووظائفه، والأشهر الحُرُم، ومبادئ الشورى وغيرها (3).

 يدفعنا هذا السبب إلى التوقف قليلاً عند نسخ ما التصق في أذهاننا ، من أن الإسلام يلغي ما قبله. ولهذا وُصِمَت مرحلة ما قبل الإسلام بالجاهلية. وأصبحت الجاهلية تهمة، وسكن الخوف نفوس البعض من العودة إلى التنقيب عن بعض جوانب تراثها الحضاري، والاطلاع الكافي عليها. وقد يخشى المتزمتون ، إذا قمنا بدراستها، من أن نجد بأن الإسلام في الحقيقة قد نقل عنها الكثير من المبادئ الاجتماعية والدينية بدون أي تغيير أو تبديل؛ وهذا ما يُضعف حسب اعتقادهم قدسية الإسلام، وهذا غير صحيح.

لم ينسخ الإسلام كل ما كانت تتميز به الثقافة العربية قبل التبشير بالدعوة الإسلامية. لقد نسخ بعضها وأبقى على الكثير من معالمها. فعلى صعيد العبادة، كان العرب يعبدون الأصنام، وفي المقابل كانت قلة من العرب يُسمَّون بالأحناف تدعو إلى عبادة إله واحد. وكانت نخبة من عرب قريش تنتظر ظهور نبي عربي منهم. وبعد انتصار الدعوة الإسلامية تغيِّرت المعادلة الثقافية على الشكل التالي: كان العرب يعبدون الأصنام قبل الإسلام، وأصبحوا بعده عرباً يعبدون الإله الواحد وهو الله سبحانه وتعالى، ولم تتغيَّر هوية العرب؛ وبقيت الهوية العربية ثابتاً بينما الذي أصابه التغيير هو المقومات والاسس والهوية الثقافية الدينية. ولذلك لا ينتقص الأمر من هوية من لا يدين بالإسلام من العرب. فالمسيحيون، الذين اعتنقوا المسيحية قبل أن تنزل الدعوة الإسلامية، ظلوا عرباً. ولم يغيِّر انتسابهم، إلى دين غير الإسلام، من هويتهم القومية.

 لم يكن الإسلام، بمفرده، هو الذي شكَّل الهوية الثقافية للعرب. فكان للعرب قبل الإسلام ثقافة مرحلة ما قبل الإسلام، أي ما عُرفت بالمرحلة الجاهلية. ومهدَّت ثقافة تلك المرحلة لنشأة الإسلام. ما سبق من القول لهو تدليل على أن العروبة هي الوعاء الأوسع الذي يوحِّد بين الذين يسكنون الأرض العربية.

جاءت الدعوة الإسلامية لكي تُكسب الأمة العربية ثقافة جديدة خطت بها أشواطاً كبيرة في تغيير كثير من بُنى الثقافة القديمة. وجاءت الثقافات الوافدة الأخرى، بعد الفتوحات العربية الإسلامية الكبرى، من يونانية واسيوية وهندية وفارسية، وربما غيرها… لتتلاقح مع الثقافة العربية الإسلامية لتزرع بذور نهضة ثقافية جديدة على مرِّ العصور والقرون التي رافقت مراحل حكم الدولة العربية الإسلامية، ولتصل بها إلى مراحل الدولة الإسلامية الأممية في العصرين المملوكي والعثماني، قبل أن تستقر عليه الأحوال التي نعيشها اليوم بعد الحرب العالمية الاولى في أوائل القرن العشرين الميلادي.

ابتدأت المرحلة المعاصرة، منذ بداية انتصار الحلفاء على الامبراطورية العثمانية. وفيها انفصلت شتى ولاياتها وعادت إلى قومياتها الأم. وبقيت الولايات التي كانت عربية، أو التي تعرَّبت بفضل الفتوحات العربية الإسلامية، تفتش عن تحديد لمصيرها. حددت الأمة العربية أهدافها -كما نرى اليوم- في أن تصل إلى نهاية وحدوية في إطار قومي عربي أولاً، وفي إطار وحدوي سياسي ثانياً. فمعيار مصلحة العرب هو العمل من أجل تعميق ثقافة قومية وتوحيدها على طريق بناء دولة عربية واحدة.

شكَّل الإسلام  القاعدة الثقافية للعرب لمرحلة زمنية طويلة. ولم تكن الثقافة الإسلامية القاعدة الثقافية الوحيدة للعرب، بل كانت من أهم تلك القواعد التي استندت إليها الدولة العربية – الإسلامية لقرون عديدة؛ لكننا لا نرى أن الثقافة جسم جامد لا يلحقه التغيير من أمامه أو من خلفه، وهي لا تمثِّل -في أية مرحلة من مراحلها- نسخاً وإلغاءً لكل ما سبقها من ثقافات، بحيث تبتر القديم بشكل كلّي، بل هي تتواصل مع القديم، وتمهِّد لتطوير جديد. فالثقافة مقوِّم متحرك ومتطور، وهو عرضة للإغناء والتطوير. وتصبح تلك النتيجة غير ذات فائدة إذا أصبح منطق التطور من المستحيلات. لكن استحالة التغيير لم تثبت حتى الآن، بل العكس هو الصحيح، لأن الحياة تتبدَّل باستمرار بوسائلها وطرق استمرارها.

ان تاريخ الثقافة الإسلامية والعربية قد أثبت ذلك فعلاً. ويكفينا دليلٌ هو ما اكتسبته تلك الثقافة من تطوير وإدخال وتعديل طوال مراحل الحركة الفكرية العربية الإسلامية. فهل الفلسفة والمنطق والقياس والبرهان المنطقي ومظاهر الفلسفة الصوفية، ومظاهر العلوم العقلية والكيمياء والجبر والهندسة والفيزياء والطب، إلاَّ من مظاهر تفاعل الحضارات، السابقة على الإسلام، مع الحضارة العربية؟

وهل نتناسى، في المراحل التاريخية المعاصرة، ما للحضارات الأوروبية من تأثير على البُنية الثقافية العربية الإسلامية؟

إننا لا يمكن أن ننكر أن التغيير يطال شتى نواحي حياتنا، ومنها ثقافتنا، أو قل منها الذي أصبح يتعارض أو لا يتلاءم مع معطيات الحياة المعاصرة. ولا يمكن أن نعود إلى ما يقوله السلفيون ” لا يصلح الخلف إلاَّ بما صلح به السلف”.

إن الأمة العربية قد أشعَّت بالكثير الكثير من الفضل الحضاري على أوروبا. وكان النتاج الحضاري، من فلسفة وعلوم، بريادة أفذاذ من المفكرين العرب، وغيرهم من المسلمين الذين تعرَّبوا. وهم من الذين انفتحوا على ثقافة الآخرين لإغناء الثقافة العربية الإسلامية، فأبدعوا ما أبدعوه، وكان نتاج إبداعهم هو ما استورده العقل الغربي ليستعين به على الرد على العقل السلفي المسيحي الذي كان سائداً في أوروبا في العصور الوسطى. استخدم الأوروبيون، إذاً، نتاج العقل العربي، لمقاومة نتاج العقل السلفي الأوروبي المسيحي. لقد نقل العقل الغربي نتاج العقل العربي لكي يرد به على سلطات الكنيسة المطلقة، التي كانت تمارسها على شؤون الأوروبيين الدينية والزمنية، حيث كانت تحسب أن سلطتها مستمدَّة من الله.

وحيث إننا كبعثيين نعتقد بأولوية الرابطة القومية، لأن الرابطة القومية ثابت بينما الثقافة ، من المتغيرات. لا نجد مناصاً من أن نعتقد أن لكل من طرفي المعادلة، العروبة والإسلام، خصوصيات، ولأن لهذه الخصوصيات حدوداً، فلا بُدَّ من أن نرى أنفسنا ملزمين، دون غيرنا من أصحاب الاتجاهات الفكرية والعقائدية الأخرى، بأن نسعى إلى توضيح تلك الحدود بأكثر ما يمكن من الدقة.

ولأنه من واجب الحريصين على الدفاع عن منهجهم القومي أن يسهموا في ورشة عمل في سبيل تلك الغاية، نتساءل: كيف يُسهم، كل بدوره، في توضيح تلك الحدود؟

أولاً- دور العقل النقدي في إنتاج المعرفـة الصحيحـة

لا يمكن أن يقوم المثقف بدوره من دون امتلاك العقل النقدي. يقول ميشيل عفلق، في حديث له تحت عنوان (قضية الدين في البعث العربي) في العام 1956م، عن الثقافة ما يلي: “يهمنا أن يكوِّن هذا الجيل لنفسه ثقافة حقيقية متميزة تميزاً واضحاً عن العامية المسيطرة على مجتمعنا. وباختصار يتساءل عفلق:[ كيف نفهم الثقافة؟ فيجيب: هي أولاً مشاركة في الجهد، وليست انفعالاً وتكيفاً، أي أن الذين عليهم أن يتثقفوا يتوجب عليهم أن يتعبوا، وان يتقاسموا الجهد مع مثقِّفيهم، وأن يمشوا بأنفسهم خطوات جديدة في طريق المعرفة والتثقف، إذ لا يجدي قضيتنا شيئاً أن نجمع شباباً لا يعملون أكثر من حفظ بعض الشعارات والكليشيهات والأجوبة العامة الموجزة التي يمكن أن تُفهَم على أي شكل، أي أن لا تُفهَم مطلقاً. على الشعب العربي أن يفهم أن الثقافة هي نوع من أنواع النضال، النضال مع النفس، النضال مع الفكر، لكي يتعب في تحصيل المعرفة، ولكي يجرؤ على تبديل الأسس السطحية في التفكير الشائع التي هي في داخله لكونه ابن وسطه، لكي يعيد النظر في كل الأمور الأساسية حتى يصل إلى النظرة الجديدة، النظرة الانقلابية التي أوجدها الحزب في المجتمع العربي الجديد… فكل شيء يمكن أن يُستعار، وأن يُقلَّد إلاَّ الفكر«.

وإسهاماً في المساعدة على الخروج من الأجوبة العامة الموجزة، ولتبديل الأسس السطحية في الفكر، وصولاً إلى صياغة نظرة واضحة الرؤية في العلاقة بين العروبة والإسلام، ولكي لا يغيب عندنا الوضوح في العلاقة بين العروبة والإسلام. علينا ان نبحث اين هو موقع الفكر البعثي من الإسلام؟ وفيما اذا كان هذا الفهم سياسي، أم ديني؟ . نحن لو عدنا إلى أدبيات الحزب، خاصة تلك التي تندرج تحت دائرة الأدبيات المحكمة (أي المحدَّدة تحديداً واضحاً)، لسلكنا الطريق السليم باتجاه الوضوح. وما يبقى من المسائل التي تثير النقاش  حول تأويلها وتفسيرها، نعمل كل الجهد في أكثر من جلسة حوارية لكي لا نبقيها في دائرة الأدبيات المتشابهة التي تحتمل أكثر من تأويل وتفسير. وبمثل هذه الطريقة، نكون قد اقتربنا أكثر باتجاه العلمية والتفكير العلمي، كي يبقى فكر حزب البعث العربي الاشتراكي واضحاً قريباً من الفهم والاستيعاب وليس أن يبقى عرضة لتأويل من هنا أو تفسير من هناك. وعلى فكرة القومية العربية أن لا تبقى، عند البعثيين، بالشكل العام المجرد ” الذي يحوي من العاطفة أكثر مما يحوي من الفكر” ، بل يتطلَّب الأمر منهم أن ينظموا عملهم، ويفتحوا وعي شعبهم على مفهوم لقوميتهم العربية “عميق إيجابي مكتمل الجوانب«(4 ).

 

ثانيـاً -تعريفات أساسية في فكر البعث حول القومية والدين

  1. أولويـة الرابطـة القوميـة

أ-جاء في دستور الحزب إن »الرابطة القوميةهي الرابطة الوحيدة القائمة في الدولة العربية، التي تكفل الانسجام بين المواطنين، وانصهارهم في بوتقة واحدة« (5)

ب-»تكافح سائر العصبيات المذهبية والطائفية والقبلية والعرقية والإقليمية«(6 ).

ج-»العروبة التي نعمل لها تمنع الضغط الديني وسيطرة طائفة دينية على أخرى«(7)

د-وكما ذكرنا اعلاه “على القومية العربية أن لا تبقى، عند البعثيين، بالشكل العام المجرد ” (8)

  1. العلاقـة بين الدين والإنسان علاقـة روحيـة ضروريـة:

الدين، بشكل عام، هو الركن الأساسي «في نظرة الإنسان إلى الكون» ( 9). فأعطته حركة البعث «دوره المشروع في حياة البشر وتاريخهم، وأعطت الإسلام، الدين العربي، الدين الإنساني… المكانة الأساسية في تكوين قوميتنا». فالإسلام هو التراث الروحي، وهو الحافز للأمة، هو ملهمها ومرجعها الروحي؛ لكن النظريات، أو الإيديولوجيات الدينية «لا تؤدي الغرض القومي، ولا توصل إلى نتيجة إيجابية «(10 ).

 3.العلاقـة بـين الديـن والقوميـة روحيـة وليست سياسيـة:

أ-تتمتع القومية دائماً ب «المقومات الضرورية التي كوَّنتها اللغة والدين والتراث، وهي الآن ترتفع فوق هذه المقومات جميعاً لتزداد حياة وإنسانية«(11 ).

ب-لا تعني العلاقة الروحية، كحاجة ضرورية للإنسان، أنها شرط لازم وضروري في بناء دولة. وإذا كان الدين، بشكل عام، والإسلام بشكل خاص، مقوماً من مقومات القومية العربية فهذا لا يعني إيمانها في إنشاء الدولة الدينية، لأن العرب لا يريدون أن تكون قوميتهم دينية، فللدين مجال آخر (12 ). وإذا كان البعث قد أدخل الدين إلى الحياة القومية، إلاَّ أنه لم يجعل من مهمته مهمة دينية(13 ).

ج-الدعوة إلى الدولة الإسلامية، على أساس فكرة دينية،  ستصطدم بتحديد المذهب الذي سيحكم المسلمين…؟ وعند ذلك سنجعلهم ينقسمون عند خط البداية

  1. 4. العلاقـة بين العروبـة والإسلام هي علاقـة العروبـة مع حركتها الثوريـة

تقوم في داخل كل مجتمع، في زمان ومكان معيَّنين، حركة تعمل على تجديد بُناه الثقافية، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وإذا كانت الحركة تتميَّز بالتجديد يعني أنها تقوم بثورة على القديم. وإذا استطاعت أن تحقق النصر للجديد تكتسب صفتها الثورية. فتمثل تلك الحركة، تاريخياً، ثورة تميَّز المجتمع الذي حصلت في داخله.

 لكن، شعارات الثورة لا تكتسب صفة الديمومة والثبات، فهي تتغير وتتبدل وتتجدد مع تغير الظروف وتبدلها. ولأن المراحل لا تكتسب صفة الديمومة والثبات فإن ما كان ثورياً في زمان ومكان ما يصبح متخلفاً في زمان ومكان آخرين. ساعتئذٍ على الثورة أن تجدد في شعاراتها وأهدافها لتتناسب مع روح العصر الجديد في حياة المجتمع.

 فالإسلام، كان في زمانه ومكانه، ثورة العرب الكبرى، التي أحدثت ما يشبه الانقلاب في حياتهم، على شتى الصعد. أما بالنسبة لنا، نحن العرب، لما فتحنا صفحة التراث لنستفيد منه في مرحلة التحرر التي تمر بها الأمة العربية المعاصرة، وجدنا أن في ثورة الإسلام الكبرى، في مكانها وزمانها، ما يلهمنا إلى مقدرتنا على خلق ثورة أخرى، لأن لنا تاريخاً مُلهماً في النضال. وإذا أردنا أن نبني حركة ثورية جديدة تقودنا نحو التحرر على شتى الصعد، فلن ننطلق من نقطة الصفر لأننا نمتلك تجارب ثورية سابقة، كان الإسلام من أهمها.

 

 

يتبع لطفاً..