شبكة ذي قار
التعداد السكاني في العراق حق يراد به باطل

التعداد السكاني في العراق حق يراد به باطل

أ.د. سلمان الجبوري

أكاديمي احصائي عراقي

تعتبر الإحصاءات السكانية أساسا للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي والبنية التحتية، لذا الزمت اللجنة الإحصائية الدولية التابعة للأمم المتحدة الدول بإجراء تعدادات سكانية كل عشر سنوات . وعليه ينبغي أن يصـمم

نظام إحصاءات السكان بحيث يوفر بيانات آنية حـول حجـم السـكان، والبنيـة السـكانية، والثروة والتغيـرات  التـي تطـرأ عليهما.

تنبع أهمية التعداد بكونه يعطي صورة متكاملة عن المجتمع خلال لحظة زمنية محددة، في إطار المتغيرات الكثيرة والمتعددة والمستمرة، والتي لا يمكن تحديدها بطرق جمع البيانات الأخرى

ومن المتعارف عليه ان التخطيط السليم يتوقف على دقة الرقم الاحصائي لذا اولت الأمم المتحدة في توصياتها للدول إعطاء أهمية خاصة للتعدادات السكانية كونها تحتل مركز أساسي في التخطيط الاقتصادي انطلاقا من ان الانسان هو أداة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وغايتها .وهنا يجب ان لانغفل الشروط الواجب توفرها لاجراء تلك التعدادات وهي:

اولاً: الاستقرار الحياتي المرتبط بالاستقرار السياسي للمجتمع المستهدف في التعداد أي ان تكون سنة التعداد سنة مستقرة. و

 ثانيا: توفر الإرادة الوطنية الحريصة على حياة افراد المجتمع وطريقة عيشهم وامنهم وسعادتهم .

وبألقائنا نطرة خاطفة على تأريخ التعدادات السكانية في العراق يتضح لنا ان العراق قد التزم اجرائها وفق توصيات الأمم المتحدة لغاية 1997 والتي كان اغلبها محدودا أي غير عاما بمعنى لم يشمل كل مناطق البلد بسبب الظروف التي كان يمر بها العراق.

وبالعودة الى التعداد العام للسكان الذي يجري اليوم في العراق والذي هو موضوع مقالنا هذا فأنه يشوبه عوار كبير اذا ما تفحصناه في مرأة الشرطين انفي الذكر. فمن جهة الاستقرار السياسي والمجتمعي فإن العراق لايعتبر مستقرا منذ عام 2003 بسبب الاحتلال وتعاقب الحكومات التي كان همها الوحيد هو خدمة ايران والاغتناء غير المشروع والقمع والتهجير وعدم إيلاء التنمية الاقتصادية والاجتماعية اية أهمية.

اما الامر اخر الذي يخل بمصداقية التعداد فهو عدم توفر النظام الوطني الذي يتصف بالحنكة والمصداقية والأمانة في قيادة الدولة، اذ لم يولي جميع الذين حكموا العراق منذ الاحتلال ولغاية الان أي أهمية للتخطيط او للبناء او ان كان شأن المواطن وحياته وظروف معيشته تهمهم بشئ. ان ادعاء البعض بأن الهدف من التعداد هو إعادة توزيع الثروة ! فعن أي ثروة يتحدثون هل تلك الثروة الوطنية التي لم يصيب الفرد العراقي منها فلساً احمرا ام عن تلك الثروة التي ذهبت الى ايران والى جيوب الأحزاب والميليشيات وبقي المواطن العراقي يعاني شضف العيش، فمنهم من هو بلا مأوى واخرون يعيشون على ما يلتقطونه من المزابل لبيعه ليسد رمق اطفاله! ام من اخرج أبنائه من على مقاعد الدراسة وزج بهم الى سوق العمل المهين! ام الخريجون العاطلون ؟ ان من اهمل كل هؤلاء وتمتع بخيرات العراق لن يؤتمن على إعادة توزيع الثروة مما دعى العديد من المواطنين الى الاستغراب من سؤالهم عن عدد الثلاجات والتلفزيونات والمكيفات وغيرها التي بحوزتهم لانهم ما عادوا يثقون بهكذا نظام.

من جانب اخر لو كان النظام على قدر بسيط من الموثوقية لقلنا لهم اضيفوا أسئلة عن الديانة والطائفة والقومية لكي تفضح اكاذيبهم في تزوير اعداد المنتمين الى طائفة معينة صدعوا رؤوسنا في ترديد نغمة المظلومية والتفوق العددي او سيتضح اثر التهجير الذي تعرضت له بعض المكونات كالمسيحيين والذين بات عددهم ضئيلا بعدما كانوا هم ملح ارض الرافدين ولإتضح أيضا اثار التغيير الديمغرافي لصالح قومية او طائفة معينة. ولو لم يكن النظام الحالي طائفيا لقلنا ان السؤال عن الدين او الطائفة يعمق الطائفية كما كانت عليه الحال في التعدادات السابقة

من الأمور الأخرى والتي كان المفروض ان تؤخذ بعين الاعتبار هو إيلاء خصوصية العراقي المقيم خارج الوطن أهمية استثنائية انطلاقا من كون حالة تواجده خارج الوطن يكتسب صفة الحالة الخاصة او الاستثنائية كونهم لم يغادروا الوطن لرغبة في انفسهم وانما بسبب الاوضاع التي رافقت الاحتلال وانفلات الوضع الامني وترديه، يضاف الى ذلك صدور قوانين الاجتثات والمسائلة والعدالة و4 ارهاب والمخبر السري وحرمان العديد من موظفي الدولة من وظائفهم، وبالتالي فلا يجوز اغفالهم في اي تعداد سكاني وبالخصوص من لم يكن لديهم عوائل داخل العراق.

وختاما فأنني اجزم بأن تعدادا سكانيا يقوم به نظام كالذي يرزح تحته شعبنا العراقي لايرتجى من تعداد سكاني يقوم به تحت يافطة التخطيط لتوزيع الموارد والثروة وهو الذي غفل طيلة الاحدى وعشرون سنة من عمر الاحتلال وتسلطهم على رقاب الشعب لن يكون حريصا على حياته ومستقبله ان لم تسخر نتائج التعداد لتحقيق اغراضهم الخبيثة . وان هذا التعداد انما هو لايعدو عن حقٍ يراد به باطلا.

المثقفون العرب والخطاب القومي الجامح

المثقفون العرب والخطاب القومي الجامح

د عامر الدليمي.

ضرورة التزام المثقفين العرب بالخطاب القومي الواعي لتتجاوز الأمة العربية أزماتها.

المثقفون العرب مؤهلين لفهم الأحداث ألتي تعصف بالأمة العربية من خلال استقرائهم للواقع العربي للخروج من أزماتها القطرية والقومية كرؤيا مستقبلية واعدة لأنهم يتحملون جزءاً من المسؤولية التاريخية،  للأسباب التي تعرضت لها  وخاصة في ظل غياب مشروع ثقافي عربي موحد في إطار شامل وجامع،  ولذلك يتطلب الموقف من المثقفين العرب المنتمين  فكراً وعقيدة،  تنشيط عملهم الثقافي وحركتهم لإيجاد فعل ثقافي كعامل قوي داخل اقطارنا العربية له زخم مؤثر في الفضاء العربي الواسع يحقق تثوير الفرد والمجتمع،  والانتباه لمخاطر العدوان الأجنبي، لإيجاد خط صد  ثقافي يمنع تمدد الثقافات الارجاعية المعادية للأمة،  لتحقيق وجودها القومي يتوافق مع تاريخها،  ومشروع يساهم في نهضتها، وهو أمرُ حتمي لتكون أمة قادرة على الحياة والاستمرار فيها بفعالية ومستقبل واعد  في الوقت الذي تعرضت فيه إلى انكسارات وأزمات ومطبات كحلقات مترابطة متسلسلة أضرت بمصلحتها القومية،  وهذا ما فعله أعدائها بكل مسمياتهم عبر التاريخ القديم والتاريخ الحالي، فالمثقفين العروبيين هم أحد قادة الفكر وصناع نهضتها  لتحقيق طموحها كأمة محترمة تتسابق مع الأمم الأخرى في مجالات الحياة، وإنه لشرف عظيم عندما يدافع المثقفون عن مصالحها  وتحقيق وحدتها وكرامتها الإنسانية ويتواصلون مع معاركها القومية بالقلم العروبي المخلص  والكلمة الوطنية الصادقة،  كعقول مبدعة مثقفة تصنع توعية، وهم الأجدر على ذلك واستحقاق لنهضتها، من خلال خطاب قومي نضالي يجدد قيمها واستنهاضها، لتجاوز حالة الضعف والضياع التي تَمرُ بها، من سلطات فاسدة ونزعات قطرية داخلية مزقتها،  دون وعي منها أو مسؤولية للمخاطر التي تهدد وجودها.

نعم نعم ضرورة تبني خطاب قومي تقدمي في صياغته الفكرية، مخلص وغيور لمبادئها، والنظر بكل إيمان والعمل بقوة دون تردد أو ضعف لتحقيق آمالها في وحدتها وحريتها وعدالتها الاجتماعية نابعة من صلبها ورحمها وأرضها، كاستحقاق وهدف مركزي إنساني لا حياد ولا انفكاك عنه.

كوارث الهواء الأصفر

كوارث الهواء الأصفر
د. محمود عبد الرحمن


يتواصل مسلسل الكوارث في عراق الاحتلال الأمريكي الإيراني، حيث تنهار المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية، فكل يوم جديد يحمل في طياته، أنباء عن انهيار في ميدان من ميادين الحياة، وهذا نتيجة حتمية لطبيعة سلطة العمالة والفساد الجاثمة على صدر هذا الشعب الصابر المظلوم.
فمنظومة الفساد المتحكمة في مفاصل الدولة، والتي بلغت شأناً لا حد له وغير مسبوق، جعلت من دولة العراق وسيلة للتكسب الحرام، ولخدمة المشروع الإيراني الصفوي في الهيمنة على المنطقة، بعيداً عن مصالح شعب العراق، ومعالجة مشاكله التي لا تعد ولا تحصى، والتي جاء الاحتلال الإيراني ليجعل من العراق حديقة خلفية، ومصدراً لا ينضب للثروة، وتمويل مشاريعه في تصدير الثورة، ومد التغلغل والنفوذ الإيراني لمناطق واسعة من المشرق. وما يجاوره.
ومن آخر هذه المشاكل المفتعلة، تلوث هواء العاصمة بغداد بالكبريت الأصفر، دون أن تحرك سلطة العمالة والفساد نفسها لحماية العاصمة وساكنيها من أخطار هذا التلوث المرعب، وقد قيل في هذا الشأن إن سبب السكوت المطبق هذا، هو رغبة المتنفذين في الاستحواذ على أراض يقع عليها مصفى الدورة الذي بدأ تشغيله عام ١٩٥٥، وقد أصبحت هذه المنطقة الحيوية من بغداد محط أنظار مستثمري السحت الحرام، فقام هؤلاء بفتح منافذ غاز الكبريت ليلوث العاصمة ويعطي المبرر للحكومة بغلق المصفى وبالتالي استحواذهم على الأرض المقام عليها المصفى.
هل توجد دولة في العالم القديم أو الحديث، يجري فيها كل هذا الفساد واللصوصية والاستهتار بأرواح الناس وصحتهم وممتلكاتهم، إلا في عراق الاحتلال الصفوي.
إن الحديث عن التلوث البيئي في كل أنحاء العراق بسبب العدوان الأمريكي واستخدامه لليورانيوم المنضب، واستمر هذا التلوث بسبب عدم اتخاذ الوسائل التكنولوجية الحديثة في استخراج النفط، وما عزز ذلك غياب الدولة واضمحلالها لحساب الميليشيات المتنفذة التي باتت أذرعها الاقتصادية تمتلك عشرات المليارات من الدولارات توظفها في خدمة المشروع الصفوي في المنطقة.
إن من أولى واجبات أي دولة في العالم المعاصر حماية مواطنيها والاعتناء بهم وبصحتهم وطرق معيشتهم، إلا في عراق الاحتلال الإيراني، حيث تبدد الثروة الوطنية، وتسرق مرتين، مرة في مشاريع دون المواصفات المطلوبة، ومرة بسبب العمولات والسرقات التي تنخر أي مشروع، ناهيك عن الفساد الإداري المستفحل والذي بات ظاهرة علنية لا تخفى على أحد.
أما الاهتمام بالمواطن وبصحته، فهذه المستشفيات والمراكز الصحية تنبئ عن حالة الاهمال والفساد الذي يخيم على هذا القطاع شأنه شأن كل مرافق الدولة الأخرى.
وأي سائل يسأل ماذا اتخذت الحكومة من إجراءات لمعالجة تسرب الكبريت الذي غطى سماء العاصمة وجعل حياة الملايين مهددة، وصحتهم عرضة لسقم لا شفاء منه لخطورة هذه الغازات السامة على الحياة البشرية. الجواب واضح فهؤلاء الشراذم البشرية لا يهمهم الإنسان العراقي، ولا صحته ولا ممتلكاته، أليس هم من استباحوا الدماء، فكيف نطلب منهم الاهتمام بالمواطن وحمايته من التلوث البيئي، الذي فاق الحدود المسموح بها علمياً لنسب تلوث الهواء.
وأنت لك الله يا شعب العراق، مع هؤلاء الحثالات من البشر الذين تربعوا على مقدراتك، واستهانوا بكل شيء، فلوثوا البشر والحجر والهواء، وإن يوماً قريباً ستشرق شمسه ساطعة على بغداد، لترمي بهؤلاء في أحط مزابل التاريخ، جزاء لما اقترفوه بحق شعب العراق من جرائم يندى لها جبين الإنسانية.

كيف نعرف الصحفي ودوره بالمجتمع؟

كيف نعرف الصحفي ودوره بالمجتمع؟

أحمد صبري


يوصفُ الصحفي في بُلدان عدَّة بأنَّه شريكٌ وقائد بالمُجتمع،
وهذه المقولة عبَّرت عن الدَّوْر الَّذي يضطلع به الصحفي من حيث المهام والتَّأثير والرِّسالة الموَجَّهة للجمهور، بمقابل هذا التَّوصيف نجد الكثير من وسائل الإعلام تخلَّت عن دَوْرها ومهامِّها. فبدلًا من أن تكُونَ عونًا للجمهور في مواجهةِ التَّحدِّيات تحوَّلتْ إلى عبءٍ، ما وضعَ الجمهور والصحفي في خانق باتَ من الصَّعب التَّفكير بكيفيَّة الخروج مِنْه، فخسر الطَّرفان. وباتَتْ مصداقيَّة الإعلام على المحكِّ والَّتي أثَّرتْ كثيرًا على المعايير الصحفيَّة، وجعلتْها تبتعد عن المصداقيَّة؛ لأنَّنا في سُوق يعجُّ بالبضائع المتنوِّعة والمشاهد، والقارئ هو الهدف. وكُلَّما كنتَ صادقًا وقريبًا من نبضِ الشَّارع اتَّسعَتْ شهرتُكَ وتأثيرك. وأعزو غياب المعايير الصحفيَّة إلى الدّخلاء وأنصاف الصحفيِّين وشراء الذِّمم والمال السِّياسي الَّتي تُسقط الصحفي في المحظور، وتحوَّلتْ إلى فَوضى إعلاميَّة ما زلنا نُعاني مِنْها؛ لأنَّها خارج سياقات المعايير الوطنيَّة الَّتي ينبغي أن تضطلعَ بها وسائل الإعلام. فبدلًا من أن تكُونَ صَوتًا للشَّعب وتطلُّعاته تحوَّلتْ إلى بُوق يُروِّج لهذا الحزب أو ذلك، ويُلمِّع صورة رموزه، ويُبرز أهدافه السياسيَّة.
والسُّؤال: هل التَّطوُّر التكنولوجي السَّريع في نقلِ المعلومات والأخبار ومواكَبَتِها أثَّر على الصّحافة الورقيَّة؟
والجواب: رغم ما أصابَ الصّحافة الورقيَّة من تغوُّل التكنولوجيا على مستقبلِها إلَّا أنَّها تُقاوم هذا التَّحدِّي بالانتقال من الأساليب القديمة إلى أساليب مبتكرة وحديثة؛ لمواجهةِ سُرعةِ انتقالِ الخبر والحدَث لحظةَ وقوعِه عَبْرَ استقصاء الخبر والحدَث وتحليلِه، والانتقال بالصّحافة الورقيَّة إلى مرحلةٍ جديدة في عَرض بضاعتها للقارئ وتجربة المذياع (الراديو) أمامَنا صمدتْ عِندما ظهرَ التلفزيون ولم تندثرْ. وفي العراق رغم مرور (21) عامًا على غزوِه واحتلالِه ما زالتِ التَّجربة الصحفيَّة تُعاني من أمراض الاحتلال ومشروعِه، ما أضاع دورَها الرَّقابي في مواجهةِ الفساد، والحفاظ على المال العامِّ، وتعبئة الجمهور والتَّحدِّيات الَّتي تواجِه المُجتمع لا سِيَّما البطالة والفساد والمخدِّرات والعُنف الطَّائفي ما انعكسَ سلبًا على مزاج الجمهور واهتماماته. وهُنَا نتساءل: كيف يُمكِن للصحفي أن ينهضَ بِدَوْره ويجسِّدَه على أرض الواقع؟
نقول: المدخل هي الفكرة وبلْوَرتِها وتجسيدها على الواقعِ المعاش هي من اشتراطات المدخل للكِتابة، فمن دُونِ تحديد بوصلتِها لا يُمكِن للصحفي أن يُظهرَ مهارتَه، ويبسطَ الفكرة والضَّوء عَلَيْها ويعرضها للجمهور.
رغم مَن يقول إنَّ الموهبةَ والذَّكاء من أهمِّ صِفات الصحفي النَّاجح.. نَعم هذا صحيح، ولكن يُضاف إِلَيْها الخبرة والمعرفة وعلاقاته واندماجه بالمُجتمع ومصادره وتنوُّعها لِتكُونَ معينًا له في مَسيرته الصحفيَّة. لقد واكبتِ الصّحافةُ العراقيَّة قَبل الاحتلال وبعدَه كيف يُمكِن أن نقارنَ بَيْنَ الحقبتَيْنِ من حيث الحُريَّة والانفتاح والدَّوْر؟

  • حقبتانِ مختلفتانِ من حيثُ المهامُّ والدَّوْر والوسائل. فالحقبة الَّتي سبقَتِ الاحتلال كانتْ وسائل الإعلام فيها مركزيَّة ولهَا مهام التَّعبئة لمواجهةِ الأخطار الَّتي كانتْ تحيقُ بالعراق، لا سِيَّما مخاطر استمرار الحصار، وإبراز مخاطر التَّهديدات الَّتي كانتْ تواجِه العراق ومستقبله. وصحيح أنَّ سقفَ الحُريَّات في الحقبة الأولى كان محدودًا، والسَّبب يَعُودُ إلى أنَّ الصّحافة كانتْ حكوميَّة ومموَّلة من الدَّولة، إلَّا أنَّها اضطلعتْ بِدَوْرٍ وطني دفاعًا عن العراق ومستقبله. أمَّا حقبة ما بعدَ الاحتلال فإنَّها تختلف رغم تمتُّعِها بسقفِ الحُريَّات والانفتاح، فتحوَّلتْ هذه الحقبة إلى سُوق لعَرضِ البضاعة من أيِّ مكانٍ ويشتريها أيُّ إنسانٍ، فحوَّلَها المال السِّياسي إلى صحافة استرزاق غابتْ عَنْها المعايير المهنيَّة واستدارتْ عن الفاسدين ومُبدِّدي المال العامِّ. ونخلص إلى القول: أي الحقبتين أفضل من حيث المهامُّ والأهداف والدَّوْر والمرتكزات؟
    كاتب عراقي
من الذي ظلم الشيعة في جنوب العراق؟

من الذي ظلم الشيعة في جنوب العراق؟

علي العتيبي

بعض أهلنا في الجنوب ونتيجة ظلم شيوخ العشائر (الاقطاع) لأبناء عشائرهم ومن يعمل فلاح لديهم، علماً أن جميع الاراضي لدى الاقطاع ليست ملك لهم بل اراضي حكومية يطلق على الزراعية منها أراضي اميرية ممنوحة باللزمة كالاستثمار وكان الاقطاعي يبيع ويصدر المحصول ويدفع الخمس إلى   المرجعية في حين الفلاح المسكين لا يحصل إلا ما يشبع بطنه فقط بعد عمل طويل. وحفاظا على كرامتهم تركوا العمل لدى الاقطاع ونزحوا إلى   بغداد فكانت اول منطقة يطلق عليها تسميات (الميزرة- شطيط- وغيرها) ولتشويه منظر بغداد فقد وضعت لجنة اعمار العراق مخططات للإسكان ومن ضمنها  زيونة واليوموك وغيرها من المدن، وكانت إحداها منطقة الألف دار في بغداد الجديدة وأيضاً المباشرة ببناء قطاع واحد في (مدينة الثورة . سميت هكذا بعد ثورة 14 تموز) من أجل اسكان هؤلاء النازحين وعلى أمل أن يتم بناء قطاعات أخرى لأجلهم، ولكن جاءت ثورة 14 تموز 1958 واوقفت مشاريع اعمار العراق ولم توزع تلك الدور ثم وزعت بعد الثورة وصار معتقد الناس بانها انجازات الزعيم عبد الكريم قاسم (واستمر هذا التزوير الذي روج له الشيوعيين لحد الان).

صدر قانون الاصلاح الزراعي لسنة 1958 والذي حدد ملكية الاقطاع وتم توزيع الاراضي على الفلاحين بواقع (10 مشاير لكل فلاح) فاصدر المرجع في النجف آنذاك محسن الطبطبائي الحكيم فتوى بحرمة الصلاة في الارض المغصوبة واعتبر جميع الاراضي التي وزعتها الدولة على الفلاحين اراضي مغصوبة وهنا اسقط في ايدي المساكين حيث ذهبوا إلى  الشيخ الاقطاعي ليعملوا لديه فرفضهم وبموجب الفتوى لا يستطيعون زراعة اراضيهم فاضطروا إلى  الهجرة إلى  المدن وكان الزخم الاكبر على بغداد وهنا لم تعالج الحكومة المشكلة حل حذري ورغم تشكيل لجنة لدراسة اندماج هؤلاء الفئة من الشعب والتكيف مع اجواء بغداد الاجتماعية وتوصلت اللجنة إلى  ان الاندماج لا يتم الا بعد ستة اجيال لكن الزعيم رفض توصيات اللجنة وقام بالترقيع من خلال توزيع اراضي سكنية عليهم بواقع (144 متر) لكل عائلتين مناصفة  وعلى اثرها استقال خمسة وزراء من الحكومة ولم يعرها قاسم اهمية وتوزيعه للأراضي السكنية لم تراعي صلة القربي ليجتمع قريبين في ارض واحدة فترى عائلة من العمارة تشاركها عائلة من الناصرية ومن قبيلة اخرى وهذا انطبق على من الثورة والشعلة في بغداد والحيانية والكزيزة وخمسة ميل في البصرة وحي الحسين في العمارة والداموك في الكوت فقام السكان الجدد ببناء بيوت اغلبها من الطين ومن سعف النخيل ونادرا ما تجد من بنى بالطابوق  وكثرت مشاكل الاعتداء والسرقات ولان الاغلبية فلاحين فان الامية متفشية بينهم فاضطروا للعمل كعمال بناء او مهن اخرى عامل نظافة ، حارس ، فراش ، ولم توفر الدولة حينها لهم الماء والكهرباء حيث وضعت الدولة اماكن فيها صنابير ماء  يتم نقل الماء منها بواسطة الاواني  وبعد ثورة 8 شباط تم توصيل اسالة الماء والكهرباء وبسبب المشاكل وضعت مراكز شرطة والتي كانت ضعيفة لان الفقر والجهل وتحكم المعممين له دور فيها بحيث بعض المناطق لاتصل لها الشرطة ولكن الطفرة النوعية خصلت لهذه المدن بعد تأميم النفط حيث تم انشاء البنى التحتية من ماء وكهرباء ومجاري وشبكات هاتف وفتح القروض العقارية وتوفير وسائل النقل.

الا ان الثقافة العامة بان هذه المدن هي من بركات الزعيم بسبب دعايات الحزب الشيوعي آنذاك ولازالت رغم ان التاريخ معروف لكن بعد الاحتلال وللحقد على النظام الوطني انكروا ما قام به لأجلهم ولكن هذا الاعمار لم يكن لصالح العراق والتركيبة السكانية وكان هناك حلول اخرى من اجل حل مشكلة هؤلاء السكان واعادتهم إلى  محافظاتهم التي جاؤوا منها وبناء دور سكن لمن يعمل في المصانع وتخطيط مدن جديدة لهم وتعويضهم عن بيوتهم القديمة واعطائهم اراضي ومنح ماليه للبناء ولكن تحرك البعض لغايات مبيتة واقنعوا المسؤولين بان الاعمار أفضل وان هؤلاء هم جنود الثورة وحصل الاعمار فكانت على سبيل المثال مدينة الثورة التي تحولت عام 1964 إلى  حي الرافدين ثم عادة إلى  الثورة وبعد اعمارها توجه شيوخها وطلبوا من الشهيد صدام حسين ان تسمى باسمه كونه هو من اعلن عن حملة الاعمار  وكانت اهازيجهم ( باسم صدام سمينة مدينتنا) وبعد الاحتلال انقلبوا جميعا واطلقوا عليها ( مدينة الصدر المنورة).

إذن من خلال ما ورد من هو الذي ظلم شيعة الجنوب هل النظام الوطني أم مرجعيتهم ومعمميهم، ومن خرب مدنهم وأصبحت تعم بها الفوضى والقتل والخطف والابتزاز واستفحال جرائم الزنا بالمحارم واللواط وحفلات زواج المثليين وتفشي تعاطي المخدرات وشيوع الطائفية.

أينما حلت العمائم واستفحلت حلت الرذيلة والفقر والجوع والأمية وساد الجهل والجريمة.

حينما خرج ثوار تشرين يطالبون بوطن فانهم خرجوا ضد كل الممارسات والفساد الذي تمارسه المرجعيات التي لا تمثل مهج ال البيت الاطهار ولا يمثلون مذهب الامام جعفر الصادق بل يمثلون التشيع الصفوي الذي اوجده عبدة نار المجوسية التي اطفأها الخليفة عمر بن الخطاب في القادسية الاولى ومنع دخولها النظام الوطني بالقادسية الثانية لكنها استفحلت هي وأحزابها وميليشياتها بعد أن تخابرت وتخادمت مع المحتل الامريكي الايراني المجوسي، ولأن الشباب فقدوا معنى الوطن وارادوا اعادة الاعتبار لهذا الوطن ليعود عراقا زاهياً ولكن هذا لا يروق للجهلة والسراق والفاسدين وفاقدي الشرف والضمير الذي تسيدوا على هذا الشعب فوجهوا عبيدهم لضرب اي روح وطنية عراقية أصيلة.

يا شباب العراق انتبهوا على انفسكم فالعراق أمله بكم لأنكم انتم المستقبل وقادته ولا يغرنكم المتخاذلين والخونة ومن يحبط معنوياتكم فأنتم رجال العراق وأنتم سادته ولا مكان لأجنبي ومن يحمل أجندة لغير العراق ولا تعتمدوا على من يزايد على وطنيتكم فالوطن الذي احتل من غير وجه حق، فكل ما بني عليه هو باطل فلا دستور ولا برلمان ولا أحزاب ولا ميليشيات  قانونية بل هي الباطل بعينه، وأنتم شباب وثوار تشرين ومن سبقكم في المقاومة الوطنية وشباب الاعتصامات أنتم أهل الحق الذي يجب أن تأخذوه فنظموا صفوفكم ووحدوا اهدافكم والعراق امانة في اعناقكم ولا تتأملوا ممن يزايد بمؤتمرات او سفسطة وتنظير عبر الشاشات لأن الأغلبية تبحث عن الشهرة والمال . من يساندكم يجب أن يتفهم روح الشباب وأن يعملوا وفق القانون لتثبيت حق العراق وحق شعبه بالحياة الحرة الكريمة ووطن ذو سيادة، وأعتقد لديكم أخوة وأساتذة وحقوقيين يعملون لأجل العراق ولا يبحثون عن أطماع سوى أنهم مثلكم يريدون وطن.

من يريد تحرير العراق عليه بدعم الشباب والعمل على نكران الذات لأن المناكفات من أجل موقع قيادي أو زعامة ليست إلا لضعفاء النفوس فلنكن كلنا جنود لهذا الوطن، وأنا شخصياً أتشرف أن أكون خادماً لشباب تشرين الأبطال وهم قادة الثورة.

والنصر من عند الله، ومن الله التوفيق

الإقليم السني وقانون التجنس والتهجير وأكذوبة داعش… إلى أين نحن سائرون؟

الإقليم السني وقانون التجنس والتهجير وأكذوبة داعش… إلى أين نحن سائرون؟

علي العتيبي

منذ أن أعلن حيدر العبادي بأنهم انتصروا على داعش وعملوا احتفال أطلق عليه احتفال النصر ونحن نعيش مآسي كل يوم من خلال عدم السماح بعودة أهالي المناطق التي سيطر عليها تنظيم داعش الارهابي فلازال النازحون الذين لا ترغب الميليشيات بعودتهم يعيشون في خيام بائسة لا تقيهم الشمس الحارقة والحر ولا تحميهم من الأمطار وبرد الشتاء وكل جريمتهم انهم لم يبايعوا داعش وتركوا بيوتهم حفاظا على ارواحهم وارواح عوائلهم وبدلا من ان يحميهم الدولة وتعيد لهم بناء دورهم جعلتهم يستمرون بمعاناة النزوح الذي اصبح تجارة لبعض السياسيين واثرى الكثير منهم باسم النازحين ولكن ما الذي يجري الآن وخاصة نازحي جرف الصخر التي سيطرت عليها ميليشيا حزب الله التي ترفض ان يدخل جرف الصخر اي شخص حتى وان كان رئيس الوزراء فما بالك بأهالي جرف الصخر الذين يتعامل معهم الحشد بانهم دواعش.

خرج لنا بعض المعممين ومن قادة الميليشيات الولائية ليستهينوا بالجيش الذي تم تشكيله بالقرار 22 بتاريخ 8/8/2003 والذي تم دمج تسع ميليشيات من أحزاب موالية لإيران وتطوع بعض ممن يريد الحصول على لقمة العيش وتشكل هذا الجيش، لكن ما بعد داعش بدأ  قادة الميليشيات بالطعن بان هذا  الجيش ليس له أي دور وإنما الدور هو لـ (( الحشد )) ولغرض اثبات ادعاءاتهم فإننا نتابع أسبوعياً حوادث التعرض لمقرات الجيش الذي يقدم ضحايا نتيجة التعرض ثم يعلن ان تنظيم داعش عمل هجوم على المقر كذا وكذا  وفروا من المكان ولم يتم قتل او القاء القبض على اي داعشي بل احيانا يتم الادعاء بقتل داعشي وهناك من يصدر بيانات توكد هذا  لان حجة داعش صارت ايقونة يلعب عليها الولائيون وحينما يتم التدقيق تظهر الفضيحة إما رجل مجنون أو سجين تم جلبه من سجنه ويقتلوه على انه من داعش وهذه الألاعيب كلها تقوم بها الميليشيات الولائية لان اسيادهم في إيران لازال يرعبهم اسم الجيش العراقي لهذا يحاولون الانتقاص من هذا الجيش ليحل محله الحشد والذي في حقيقته هو  حرس ثوري ولائي ويتلقى أوامره من إيران.

الآن يقوم بعض قصيري النظر ممن يدعي انه يمثل السنة ويطالب بإعلان الاقليم السني ويتزامن هذا الطلب بالهجمات على مقرات الجيش  وخاصة في مناطق اهل السنة من قبلهم بحجة داعش ثم تحرك  هذه الميليشيات وتهدد السكان بالنزوح واخلاء مناطقهم تحت حجة انها حاضنة لداعش والسؤال اين اعلان النصر على داعش مادام داعش مستمر ولكننا نعرف ان داعش الان هو شماعة يستخدمها الحشد لقتل الابرياء وتهجير السكان من مناطقهم ليسيطروا عليها ويجعلوها  جرف صخر اخرى وستتعدد جرف الصخر وسيكون كل حزام بغداد من المدائن الى المحمودية الى سامراء الى ابو غريب كلها مناطق خالية من اهلها وسينزحون منها مرغمين بقوة سلاح الحشد الطائفي ، وحينما نقول ان هذه الهجمات تزامنت مع الدعوة لإعلان الاقليم السني الذي هو دعوة لتقسيم العراق حيث حينما يتم الإعلان عن الاقليم فسيقوم الحشد والميليشيات والاحزاب الطائفية بما فيها التيار الصدري الذي اصر على اعلان عيد الغدير الطائفي والذي من خلاله يجبر الآخرين للتشيع أو التهجير وسيقومون كلهم مجتمعين بتهجير كل العوائل السنية من كل المناطق  ويفعلون بهم كما فعل كفار قريش بالمسلمين في مكة  ويجبرونهم على ترك دورهم والنزوح الى الاقليم السني الذي سيكون وبالاً على أهل السنة في العراق ليحل محلهم الايرانيين والباكستانيين والهنود والأفغان الذين يتبعون الولي الفقيه وتم منحهم الجنسية العراقية وفق قانون شرع لهذه الغاية والا في لي بلد في العالم يمنح الجنسية لمن يقيم لمدة سنة وأغلبهم دخلوا العراق حتى بدون جوازات بحجة الزيارة الاربعينية لانهم مفروضين من إيران على الأحزاب العميلة لإيران ليتم بعدها إعلان التقسيم الذي دعا له بايدن بداية احتلال العراق.

على العراقيين قاطبة نقول ونخاطب ونشحذ الهمم ان لم تقفوا صفا واحدا ضد هذه الاساليب الخبيثة وتكونون عراقيين بيد واحدة فسيكون الدور على الجميع حتى وان كانوا شيعة واسف لأنني مجبر على التسميات لأنها واقع حال ونحن نرفضه لأننا جميعا عراقيين ولكن اقول ان ايران لا تريد لأي إنسان في العراق أن يقول أنا عراقي لأن اسم العراق يرعبهم منذ زمن العيلامين ثم جاءت الفتوحات الاسلامية التي اطفأت نار المجوس وبتاريخنا الحديث العراقيين جرعوا خميني السم ليقبل قرار وقف اطلاق النار بحربه التي شنها ضدنا والتي اعلن عنها منذ نزوله من الطائرة الفرنسية ولهذا لا يريدون ان يبقى اسم العراق وارتباطه بمحيطه العربي ولهذا حينما يتحقق لهم تهجير السنة ستدور الدائرة على الجنوب والفرات الأوسط ليتعلمو اللغة الفارسية مرغمين لان من سيتجنس سيصبح من أهل البلد، ثم يطالبون بدمج العراق بإيران وفق استفتاء يعد لذلك ويبقى كل عربي مهنا كان مذهبه يعيش في العراق مسلوب الارادة ومسلوب الحقوق ولكم عبرة في أشقائنا في الأحواز لان وضعكم سيكون أسوأ من وضعهم فهل تنتفضون ام تبقون ترقصون لكل من هب ودب وتقبلون ايادي المعممين الذين هم أساس البلاء وتصفقون لسياسيي الصدفة وتفرحون فقط لأنكم تنادون علي وياك علي وحينها لن ينفعكم احد وستداس العكل تحت اقدام الفرس وتفقدون كل قيمة وكرامة.

إني لكم ناصح، وحدوا الصفوف، وأعيدوا وهج ثورة تشرين العظيمة لتسحقوا مخططات فارس والولي الفقيه لتدميركم تحت اسم المذهب الصفوي وال البيت براء من كل المعممين الذين يدورون في فلك إيران والمرجعيات العميلة التي صنعها اليهود والمخابرات البريطانية ودليلنا ان كل عوائل المعممين واموالهم في عاصمة الخبث والتآمر والماسونية لندن وحصلوا على جنسيتها فهل أنتم مدركون لما يحصل وسيحصل.. كونوا عراقيين كما عهدناكم اهل غيرة وحمية وشرف وصلابة وبطولة وأنتم العراقيين من علم العالم القانون والكتابة والصناعة والزراعة فهل تقبلون ان تمحى هويتكم الوطنية وتصبحوا ذيول بلا كرامة.

أملنا ونحن نؤيد وسنكون جنود في حرب تحرير العراق وضمن جحافل ثوار تشرين، وندعو كل عراقي شريف أن يتسامى وينقلب على ذاته ويمارس الايثار لنكون يد واحدة تضرب اعداء العراق ومن يعبث بالعراق وشعبه والله من وراء القصد.

مخاطر موجة النزوح من لبنان على التوازن الديموغرافي في العراق والمنطقة

  مخاطر موجة النزوح من لبنان على التوازن الديموغرافي في العراق والمنطقة؟

ناصر الحريري

تشكل موجة النزوح من لبنان إلى العراق في الآونة الأخيرة قلقاً بشأن تأثيرها على التوازن الديموغرافي في المنطقة، وخاصة في سياق التحديات الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها المنطقة.

حيث تشير التقارير إلى أن عدد النازحين من لبنان، وخاصة من بيئة حزب الله، إلى سوريا والعراق قد تجاوز المليون ونصف المليون إنسان جلهم من لون طائفي واحد، وتُعتبر هذه التحركات السكانية مؤشراً خطيراً على التغييرات الديمغرافية التي قد تُعيد تشكيل خريطة الشرق الأوسط.

إن نزوح اللبنانيين إلى العراق، وخاصة إلى مناطق مثل جرف الصخر والمناطق المحيطة ببغداد، يثير مخاوف تتعلق بالتركيبة السكانية والحساسية الطائفية والسياسية في العراق.

جرف الصخر هي منطقة حساسة أمنياً، وتقع جنوب بغداد وتعد منطقة استراتيجية، إذ كانت محوراً للنزاعات بين القوات العراقية والميليشيات الولائية، وهي الآن تحت سيطرة ميليشيات ولائية، ما يجعلها نقطة اهتمام خاصة.

هناك عدة نقاط مهمة عند النظر في تأثير النزوح اللبناني إلى هذه المناطق:

التغيير الديموغرافي والطائفي: العراق يمتلك تركيبة سكانية وطائفية معقدة، وأي تغييرات في توزيع السكان قد تؤدي إلى خلل أو توترات.

فنزوح عدد من اللبنانيين إلى مناطق ذات تركيبة طائفية حساسة مثل جرف الصخر قد يؤثر على التوازن الطائفي، خاصةً إذا كانت الهجرة من طائفة معينة.

كما يشكل النزوح المستمر ضغطاً على الموارد والخدمات العامة في مناطق معينة، خاصةً في العراق، الذي يعاني من بنية تحتية ضعيفة بسبب الحروب والصراعات. كما أن الزيادة السكانية في مناطق معينة دون تخطيط ملائم قد تؤدي إلى تكدس السكان، مما قد يؤثر على مستوى الخدمات الصحية والتعليمية.

ولذلك فإن استقبال النازحين قد يضيف ضغطًا على البنية التحتية والخدمات في العراق، التي تعاني أساساً من تحديات بسبب النزاعات والنقص في الخدمات، ما قد يؤدي إلى توترات مع المجتمعات المحلية.

هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن العراق يُعاني من تحديات اقتصادية كبيرة، والنزوح من لبنان قد يزيد من الضغط على أسواق العمل والاقتصاد المحلي.

التأثير الأمني والسياسي: العراق يعاني من توترات أمنية داخلية وتنافس على النفوذ بين مختلف الفصائل، خاصةً في المناطق المحيطة ببغداد. قد تُعتبر موجة النزوح تهديداً لبعض الفصائل التي ترى فيها تغيراً في التركيبة السكانية يعزز نفوذ جهة معينة على حساب أخرى.

وغالباً ما تترافق أحياناً موجات النزوح مع مخاوف أمنية، خصوصاً في ظل احتمالية تهريب الأسلحة أو التوترات مع المجتمعات المضيفة.

التبعات الاجتماعية والثقافية: المجتمع العراقي له خصوصيات ثقافية واجتماعية، وقد تؤدي موجة النزوح إلى تداخل ثقافي قد يعتبره البعض تهديدًا للهوية المحلية، خاصةً في المناطق الريفية والمحافظة.

وقد يكون لهذا النزوح تأثيرات على مستوى الهوية الثقافية والاجتماعية، حيث يتكيف اللاجئون مع مجتمعات جديدة في دولهم المستضيفة، مما يؤدي إلى تداخل ثقافي قد يُحدث تغييرات في نمط الحياة والقيم.

استغلال النزوح لأهداف سياسية: قد يُستغل النزوح من قبل بعض الأطراف لتغيير التركيبة السكانية أو لتبرير وجود أمني أو عسكري في مناطق معينة، ما قد يفاقم الوضع الأمني ويزيد من التوترات بين مختلف الأطراف في العراق.

والسؤال المطروح هنا: كيف يتم استغلال النزوح لأهداف سياسية؟

استغلال موجات النزوح لأهداف سياسية هو أمر شائع في مناطق النزاعات أو التوترات الطائفية والسياسية، حيث يتم تحويل أزمة النزوح إلى وسيلة لتحقيق مكاسب استراتيجية، والسيطرة على مناطق جغرافية، وتغيير التوازنات السكانية.

وفي سياق النزوح اللبناني إلى العراق، يمكن توضيح ذلك من خلال بعض الأمثلة والآليات التي تستخدم لتحقيق أهداف سياسية:

التغيير الديموغرافي المتعمد: قد تستخدم بعض الجهات النزوح لتعديل التركيبة السكانية في مناطق معينة بما يتماشى مع مصالحها الطائفية أو السياسية، حيث يُسهم توطين مجموعات سكانية معينة في تغيير التركيبة الطائفية لمناطق معينة.

هذا التغيير يمكن أن يخلق نفوذاً أكبر لفئة معينة على حساب أخرى، أو يسهم في إضعاف تواجد طائفة معينة في منطقة كانت ذات أهمية بالنسبة لها.

السيطرة على الموارد والهيمنة الاقتصادية: من خلال التحكم في الأماكن التي يستقر فيها النازحون، يمكن لبعض الفصائل أو الأطراف السياسية أن تتحكم في تدفق الموارد والمساعدات، أو أن تسيطر على نشاطات اقتصادية جديدة في تلك المناطق، مثل مشاريع إعادة الإعمار أو تطوير البنية التحتية.

هذا يمكن أن يُستخدم كوسيلة للسيطرة على الموارد الاقتصادية وجعل المجتمعات النازحة تعتمد على الدعم الذي تقدمه هذه الأطراف.

تعزيز النفوذ الأمني والعسكري: بعض الفصائل المسلحة أو الجماعات السياسية قد ترى في توطين النازحين فرصة لتعزيز وجودها العسكري والأمني في مناطق معينة. قد تُستخدم بعض المناطق التي يستقر فيها النازحون كمراكز تجنيد للفصائل المسلحة، أو يتم استغلال تواجدهم لتبرير وجود أمني أكبر في المنطقة تحت ذريعة “حماية” النازحين.

خلق حاضنة شعبية للفصائل والأحزاب: من خلال دعم النازحين وتقديم الخدمات لهم، تستطيع الفصائل أو الأحزاب السياسية أن تكسب ولاءهم وتكوين قاعدة شعبية جديدة تدين بالولاء لهذه الجهات، مما يقوي نفوذها السياسي في مناطق النزوح. تقديم الدعم والمساعدة قد يجعل النازحين يشعرون بأنهم مدينون لهذه الفصائل، ما يزيد من نفوذ الأخيرة على حساب الدولة أو الأطراف السياسية الأخرى.

استغلال النزوح كذريعة للتدخل الخارجي: بعض الأطراف الخارجية قد تستغل أزمة النزوح كذريعة للتدخل في شؤون الدول المستضيفة تحت شعار “الدعم الإنساني” أو “حماية النازحين”.

هذا التدخل قد يكون له أهداف سياسية أخرى، مثل زيادة النفوذ الإقليمي أو فرض أجندات معينة على الحكومات المحلية.

التحريض على المجتمعات المحلية: قد يتم استغلال النزوح للتحريض على المجتمع المضيف وخلق فجوة بين النازحين والسكان المحليين.

هذا التحريض يمكن أن يزيد من التوترات، ما يبرر تدخلات أمنية أو سياسية إضافية من قبل جهات معينة تدعي الحفاظ على السلم الأهلي أو دعم حقوق النازحين.

الخلاصة:

إن النزوح قد يتحول إلى أداة سياسية تستغلها جهات متعددة لتحقيق مصالحها، سواء كانت أهدافاً محلية لتعزيز النفوذ أو تحقيق مكاسب طائفية، أو أجندات خارجية لتحقيق أهداف إقليمية.

ظاهرة التسول في العراق الأسباب والمعالجات

ظاهرة التسول في العراق

الأسباب والمعالجات

المستشار سعيد النعمان

تعتبر ظاهرة التسول من الظواهر الاجتماعية السيئة والمخيفة التي تشكل خطورة في هدم مقومات المجتمع، وهو مرض معدي سريع العدوى، يبدأ بالفرد ثم العائلة الحاضنة له ويتسع ليشمل مجاميع.

ويعرف التسول بأنه (طلب الفرد المال من الآخرين باستخدام وسائل احتيالية عدة للتأثير على عواطفهم وشفقتهم)، وتتحمل الحكومة ومؤسساتها القانونية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية مسؤولية انتشار هذه الظاهرة والزيادة في معدلاتها. فعلى الحكومة وأجهزتها التنفيذية مراعاة تطبيق النصوص الواردة في دستور 2005 ومنها على سبيل المثال ( 22 أولاً و25 و29 أولاً ورابعاً و30 أولاً وثانياً و31 أولاً و32 و33 أولاً) وغيرها من النصوص ذات الصلة بمحاربة التسول، والتي تضمنت العمل حق لكل العراقيين وتكفل الدولة إصلاح الاقتصاد، والأسرة أساس المجتمع، وتكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة، وتكفل الدولة للفرد والأسرة الضمان الاجتماعي والصحي، وبخاصة الطفل والمرأة، ولكل عراقي الحق في الرعاية الصحية والصحة العامة ووسائل الوقاية والعلاج، وترعى الدولة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، ولكل فرد حق العيش في ظروف بيئية سليمة.

فماذا نفذت الدولة من هذه النصوص حتى ولو جزأ منها، كما أن تعطيل تطبيق المادة (390) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 التي اعتبرت التسول جنحة يعاقب عليها بالحبس لمدة لا تزيد على سنة بالنسبة للبالغين، أما بالنسبة للأحداث فيتم إيداعهم في دور الإيواء والتشغيل والتي لا تتوفر فيها الحد الأدنى من أدوات التشغيل.

إن هذا النص يحتاج إلى تفعيل ومراقبة ومتابعة مستمرة لتوفير هذه الأدوات. أما المادة (391) فقد تضمنت إيداع المتسول مدة لا تزيد على سنة داراً للتشغيل إن كان قادراً على العمل أو إيداعه ملجأ أو داراً للعجزة أو مؤسسة خيرية معترفاً بها إذا كان عاجزاً أو كان لا يملك مالاً يقتات منه متى كان التحاقه بالمحل الملائم له ممكناً.

إن المادة تتحدث عن أدوات تطبيق لا وجود لها أو أنها لا تفي بالغرض إن وجدت، كما ليس هناك القدرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من المودعين لتنفيذ الأحكام الصادرة ضدهم.

هذه الظاهرة تنمو بسبب الفقر والبطالة والحالة الاقتصادية التي يعاني منها العراق وسوء إدارة الثروات المالية والتنمية الاجتماعية والتي تفتح الأبواب للاحتيال والنصب وجرائم تعاطي المخدرات والاتجار بالبشر.

إن التسول في العراق أخذ منحى وتنوع وصور منها، التسول الحقيقي لسد الحاجة والضيق المالي الذي يفتك بالعائلة وأفرادها، استخدام التسول من قبل جماعات يتم التنسيق بين أفرادها من قبل عصابات الجريمة المنظمة.

وإجمالاً فإن الأسباب الحقيقة وراء التسول في العراق تكمن في  ارتفاع نسب البطالة، وسوء إدارة الثروات والموارد، المتاجرة بالمخدرات من قبل العصابات، التفكك العائلي بسبب قلة الموارد، غياب العقوبات الرادعة، ضعف في متابعة المتسولين وأخذهم بالشدة، غياب الرقابة والمتابعة، قلة المراقبين لحركة تجمعات المتسولين وأماكن تواجدهم، غياب وسائل الإعلام في تغطية حالات التسول وأبعادها ومضارها المجتمعية إلا نادراً، تعديل التعليمات بما يضمن التطبيق السليم، الاهتمام بالتربية، تعديل قانون الاستثمار الأجنبي بما يضمن الزيادة في نسبة تعين الأيدي العراقية العاملة، إلزام شركات القطاع الخاص والمختلط بتعيين العاطلين عن العمل مع توافر الشروط، التصدي لظاهرة التسول الالكتروني واستخدامها كأداة للنصب والاحتيال وتجنيد الأطفال والنسوة في نشر مقاطع فيديو وصور في استغلال عواطف ومشاعر الآخرين، في حالة القبض على المتسول حامل الجنسية العربية أو الأجنبية فلا بد من تسفيره إلى بلده بعد  صدور حكم ضده. 

كي لا أطيل على القارئ الكريم فهناك الكثير إلا أنني سأكتفي بهذا القدر.   

من مقدمة كتاب (الرِّهان الثَّالث)

من مقدمة كتاب (الرِّهان الثَّالث)

الصادر في صنعاء، عام 2012م

 أ. د. أحمد قايد الصايدي

بما أن الكلمة هي أحد الأسلحة، التي يمكن مقاومة الباطل بها وتغييره، فإن الواجب يحتم على كل ملتزم بقضايا وطنه أن يستخدمها، دون تردد. صحيح أنها قد امتهنت في زماننا هذا، وسُخّرت للدجل والنفاق والكذب والتضليل والتزوير، لكنها تبقى بطبيعتها سلاحاً محايداً، يمكن أن يسخر لخدمة الباطل، ويمكن أن ينتصر به الحق. فإذا كان الكاتب قد حدد موقفه واختار موقعه منذ البدء، ووضع نصب عينيه هدفاً، يستحق أن توظف الكلمة لخدمته، وهو الوطن بمعناه الخاص (اليمن)، والوطن بمعناه العام (الوطن العربي الكبير)، فإن الكلمة تصبح بالنسبة له سلاحاً وصدى في آن واحد: سلاح مقاومة، وصدى لموقف.

لقد أُشرعت آلاف الأقلام، على امتداد ساحة الوطن اليمني والعربي، محددة خياراتها مدركة رسالتها، فخاضت غمار المقاومة، جنباً إلى جنب مع أشرف من أنجبتهم الأمة، في هذا الزمان الجائر، أولئك الذين، بدلاً من حمل أقلامهم، حملوا أرواحهم على أكفهم في ساحات العز والخلود، في العراق وفلسطين ولبنان وغيرها من ساحات الوطن العربي، فكانوا أشرف حامل لأغلى محمول، في زمن أصبحت المقاومة، بمختلف أشكالها، حبل النجاة الوحيد لهذه الأمة، وطريق الأمل، نحو انتشالها من واقعها المتردي، وإخراجها من ليلها الذي طال، إلى فجرها المرتقب.

لقد حاولت، كما حاول كثيرون غيري، على مدى عقود من الزمن، أن أستخدم الكلمة وسيلة للمقاومة والتغيير، حيث بدا لي أن استخدام اليد، في ظل وعي سياسي متدني ووعي ثقافي أكثر تدنياً، وبنية اجتماعية، ينتمي معظمها إلى ما قبل المجتمع المدني، تحركها عصبياتها وانتماءاتها القبلية أو المناطقية الضيقة، أكثر مما يحركها وعيها وانتماؤها الوطني العام، بدا لي استخدام اليد في أوضاع كهذه الأوضاع، محفوفاً بالمخاطر وغير مضمون النتائج. ومع أن التغيير باليد هو أعلى في سلم الإيمان من التغيير بالكلمة، فإن الكلمة في سلم التدرج العملي تسبق اليد، فلا تستخدم اليد إلا عندما تعجز الكلمة عن أداء دورها ويضع الطرف المهيمن الطرف الأضعف في زاوية ضيقة، يحشره فيها ويسد أمامه كل سبيل للتغيير.

وقد تراوحت كتابات المخلصين في لهجتها، بين الحدة وبين الهدوء، بين الشدة وبين المرونة التي بلغت مستوى مخاطبة الحاكم بالنصح والموعظة الحسنة. ولئن بدت نبرة كلماتنا غير هادئة، أحياناً، فإن هذا أمر يمكن فهمه. فحدة الكلمة ومرارة العبارة إنما هما تعبير عن حجم الألم، الذي يعتمل داخل إنسان يرى أحلامه الوطنية تذبح كل يوم وحاضره يسرق ومستقبل أبنائه يصادر مسبقاً.

نعم استخدمت سلاح الكلمة، على مدى عقود من الزمن، في مقالات، ماتزال مضامينها صالحة اليوم، كما كانت صالحة عند كتابتها، بل تأكدت صحة مضامينها مع مرور السنين، وتراكم الأخطاء وتضخم المشكلات. ومع أن سلاح الكلمة، حتى الآن، كما يبدو، لم يقطع أرضاً ولم يبق ظهراً، فإن بصيصاً من الأمل مايزال يلوح في الأفق، يغذيه إحساس بأن من بيدهم سلطة التغيير السلمي الهادئ، لن يلبثوا أن يدركوا بأن بقاء الحال من المحال، وأن استمرارهم على نفس النهج سيدفع حتماً باتجاه التغيير باليد، بما ينطوي عليه من كوارث للشعب والوطن، للحاكم والمحكوم.

لقد بذل الخيرون في هذا الوطن، وما أكثرهم، جهوداً لإيقاظ العقل وتحفيزه على العمل، بعيداً عن الفعل ورد الفعل المنفعل، مدركين بأن التغيير السلمي هو وحده الذي سيجنبنا ويلات، أصبحت نذرها تدق الأبواب، وأن الوطن أغلى وأثمن من كل المصالح الفردية والأنانيات الضارة والطموحات غير المشروعة. فبدون الوطن الواحد ودولته القوية، دولة النظام والقانون والعدل، لا مصالح ولا طموحات ولا أمجاد ولا حياة كريمة لأحد.

وفي تقديري أن من بيدهم الحل والعقد في مواقع السلطة، في اليمن وفي الوطن العربي عموماً، لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يكترثون بما يقرأونه، ولا يأخذون بمأخذ الجد آراء غيرهم، ممن يشغلهم هم الوطن ومستقبل أبنائه، لاسيما آراء من لا يأبهون بمنصب ولا يطمعون بثروة ولا يتزلفون لحاكم، وهم كثر في هذا الوطن، والحمد لله. وقد آن الأوان، لمصلحة الوطن ولمصلحة ذوي السلطان أيضاً، إن كانوا يعقلون، أن يغيروا من نهجهم، تفكيراً وعملاً، وأن ينظروا إلى الدولة ووظائفها نظرة أخرى، ترتقي إلى النظرة الحديثة، باعتبارها جهاز خدمات عامة وتنمية وعدل وأمن، لا أداة هيمنة ومصدر إثراء لقلة قليلة من الناس، على حساب الشعب كله.

العلاقة بين المبدئية والاستراتيجية والتكتيك وظروف المرحلة الراهنة

العلاقة بين المبدئية والاستراتيجية والتكتيك وظروف المرحلة الراهنة

المقدمة:

1.إن نجاح الحزب يأتي من خلال الإدراك والتطبيق للصلة الحيوية التفاعلية للعلاقة المبدئية، الاستراتيجية، التكتيكية بوعي متقدم في الممارسة أو التطبيق.

2.الحزب منذ التأسيس، وتطويراً وتثبيتاً من خلال مؤتمراته اللاحقة، أعطى لهذه العلاقة بعدها الفكري كبوصلة يستدل بها التنظيم في جميع تنظيم أقطار العروبة في يومياته ومواقفه.

3.في الدراسة التحليلية ومن خلال دراسة النكسات التي مرت بمحطات الحزب نجد أن الأخطاء والممهدات لهذه النكسات كانت تكمن بالممارسات ونتيجة للارتجال والاجتهاد غير المعمق في دراسة التداعيات من جانب. وفي عدم استيعاب المعطيات وتوظيف ما يمكن توظيفه كفرص لصالح النضال.

4.حزبنا: ومنذ التأسيس أولى اهتماماً بالنمو والحيوية حتى وصف بالحركة الثورية النامية، بالحيوية، بالإيجابية، إذ تمكن من استيعاب المراحل القادمة، وكان لكل مؤتمر أو محطة تؤشر مستويات التطور والاستيعاب في معالجة الأخطاء وتحمل المعاناة، لذلك كان بوصفِ التاريخي.

العلاقة بين المبدئية، الاستراتيجية، التكتيك

5.لقدعمق الحزب عبر مؤتمراته هذه التوجيه ليس بجانب الاستشعار والضرورة فحسب بل مستلزم الحزب الثوري أن تتجسد فيه هذه العلاقة باهتمام وعمل وتطوير بضوء المستجد والمتغير والتحكم بين تعزيز الثابت في المبدئية، والثابت في الاستراتيجية، واستيعاب المديات الزمنية بضوء تحديد متطلب كل مرحلة أو ظرف بما مطلوب، وبين استيعاب المتغير أو الظرف الذي يتطلب موقفاً تكتيكياً (طبعاً خارج الحزب ممارسة).

6.تجلت صور ومعاني وتطبيقات هذه العلاقة، في التقارير المركزية للمؤتمرات أو أوراقها أو اصدارتها أو كتابات بعض الرفاق مناضلي ومفكري الحزب في أطر الإضاءة والتنظير للمستقبل.

مثال: موضوعة بالفكر والممارسة والنموذج الحي يتحقق الإيمان. التنظيم يتوسط بين النظرية والممارسة، البعث ثقافة وممارسة، الحزب القائد بين النظرية والتطبيق. مثلاً: الفكر في حد ذاته قوة تاريخية…إلخ، هذه المفردات كلها تفعل في إطار المبدئية، والاستراتيجية وأبعادها من خلال التنظيم بمراقبة التنقل في التطبيق من قبل القيادة أو المؤتمر نزولاً إلى مستوى الخلية الحزبية وتماسها الإيجابي في معين الكسب للأنصار والمؤيدين، وهكذا درسنا وتدربنا وناضلنا في الحزب، وما عدا ذلك كان خادماً للحل في تداعياته على السلوك الثوري للعديد من الرفاق، وهو ما شخص في العديد من المواقع والمسؤوليات.

7.من هنا ندرك: إن استراتيجية الحزب بعيد المدى تتمثل نظرياً وعملياً ومنذ الفكرة الأولى والتطوير لاحقاً هي: تطبيق الأهداف في الوحدة والحرية والاشتراكية، على أسس ومبادئ الحزب: ذات البعد الفكري: الإيمان بالفكرة القومية، الإيمان بأن الاشتراكية منبعثة من صميم القومية، الاهتمام الشديد بالحرية التي تعني: التحرر الكامل السياسي والاجتماعي والاقتصادي من شتى أنواع السيطرة الأجنبية، وفي هذه المرتكزات يتجلى فكر الحزب ومبدئيته والتزامه.

8.تفاعلاً مع الفقرة (4) أعلاه، الحزب وأمته يمر بمرحلة تاريخية، تتطلب معالجات في إطار الظرف أو تحتاج إلى تناسب طردي بين مستوى وحجم التنظيم النوعي ومستوى نضالي سواء كان إيجابياً أو نضالاً سرياً، وهو ما أهله أن يتفاعل، أي الحزب، في إدراك المراحل التاريخية بما مكنه في وعي المرحلة والظرف، فاعتمد الاستراتيجيات قصيرة المدى والمتوسطة كمتطلب، وبما يرافقها من صفحات نضالية لممارسة (استراتيجيا قصيرة المدى بهدف اجتياز عقبة أو متطلب ظرف سياسي واجتماعي وهو ما نسميه بالتكتيك غير المخالف لمبدئية واستراتيجية الحزب بعيدة المدى، وهو يمارس عند التعامل خارج الإطار التنظيمي للحزب أصلاً بوعي التنظيم) بمعنى في كل العلاقة والممارسة يجب أن يكون حضوراً للفكر والمبدأ والعقيدة والوعي العالي لماهية التطبيق.

9.من المسؤول عن التطبيق والممارسة والتفعيل: إنها مسؤولية المؤتمر القطري في التقرير: ومسؤولية القيادة القطرية في التطبيق، وطبيعي وفقاً لنسقها يبلغ التطبيق في التنظيم الحزب وصولاً لمسؤول الخلية والأعضاء، كل حسب مسؤوليته وواجبه، تسري الخطط الاستراتيجية ببوصلة الفكر، وطبيعي أن تحدث مواقف ومحطات وصعوبات على طول المسار نتيجة متغيرات في المحيط (خارجية) إن كانت نقطوية: صغيرة أو سهلة أو خطيرة استراتيجياً: مثل الاحتلال وتداعياته والحرب وتداعياتها، أو (داخلية) كأن تكون انقسامية أو انشقاقية في أطر المؤامرة)، وهو ما يتطلب ارتقاء الخطط الاستراتيجية إلى مستوى أفضل في تحمل مسؤوليات أكبر وأشد صعوبة.

وطبيعي هنا أن تبرز العقول: مما يتطلب التعامل بالعقلانية – الثورية، لكيلا تركن وتتراجع بما يخدم الرجعية، ولكيلا تتطرف بما يخدم اليسارية الطفولية: بمعنى أن يستمر المناضل الصلب، والتنظيم الصلد بما يتناسب وعظم التحديات، وهذه هي عظمة أهداف البحث في تاريخيته أيضاً.

ومن هنا نلاحظ لكل مرحلة: شعاراتها ومتطلباتها ومدارك الحزب وقيادته لها في مجالات التحفز والنهوض والتحدي بمستوى التحدي، وحسب الأوليات واستنباط معايير جديدة للرفاق في التقييم والتقويم وتحمل المسؤوليات، وقد تكون غير موصوفة بالنظام الداخلي، ولكن تم اقرارها بتعليمات ساندة للنظام الداخلي، وكثيرة هي الأمثلة في هذا الإطار المبدئي، لا سيما عند الحروب والطوارئ.

ومن هنا نلاحظ في المرحلة التي تطلبت ممارسة التكتيك: الحزب يثبت مبدئياً بالقول: إن التكتيك بمفهوم حزبنا: هو أشبه بالاستراتيج قصير المدى غاية الحزب منه في ممارسة اجتياز وتخطي حالة ما بنجاح كمتطلب، وبما لا يخالف فكر الحزب بل يسترشد فيه وبه، وفي ذلك تدوين للحزب في أدبياته وتاريخه.

وبمعنى آخر “نعم مطلوب التعامل الأخلاقي بين الرفاق، والمرونة مطلوبة في الحوار والنقاش للوصول إلى الأفضل على ألَّا يؤدي ذلك إلى التفريط في المسائل الاستراتيجية “. الرفيق عزة إبراهيم الأمين العام للحزب رحمه الله تعالى.

ومن هنا نلاحظ في التكتيك الذي يفهمه الحزب: على أساس لا يخالف الاستراتيجية بل يخدمها في هذه المحطة أو الظرف أو الزمن القصير بهدف معالجة متطلباته، وهنا التنظيم يتقبله وعياً وتطبيقاً وإيماناً بالكيفية التي مارستها القيادة في تحمل مسؤوليتها بما يجيزه المؤتمر لها. طبعاً في السلم أو الحرب إذا تطلب الأمر، أو في مثل هذه الظروف التي يعيشها البعث وأمته بسبب تداعيات الاحتلال البغيض.

ونعم التكتيك يكون خطراً: عندما لا يكون تحت إضاءة الفكر، وعندما لا يكون محكوماً بالمستوى المطلوب والكيفية في المعالجة، ودلالة الحزب هي الضامن لنجاحه دون خلل، إذ يمارس التكتيك خارج الحزب، في التعامل مع الظرف أو المرحلة أو لهدف معين ومحدود عند مواجهات العدو أو تفويت فرصِهِ عليه.

لذلك إن لم تحسن الحركة الثورية، وحزبنا البعث حزباً ثورياً يعي هذا الجانب نظرية وتطبيقاً: إن لم تحسن قيادته التكتيك، فإن لذلك انعكاساً خطيراً جداً على الحزب وبنيته التنظيمية الفكرية النضالية والمقاومة، وهنا يكون التكتيك قد أصاب الاستراتيجية وبكل أبعادها بالصميم. والأمثلة واردة في هذه الممارسة.

10.الجانب المبدئي: هو تجسيد التنظيم لفكر الحزب، وفكر الحزب يتجسد من خلال الاستراتيجية، والاستراتيجية تتطلب استيعاب كل مرحلة من قبل الحزب، مؤتمرات وقيادات وتنظيم ومهام، والاستراتيجية لأهداف التطبيق تجد بعض المتطلبات بممارسة التكتيك في مواجهة الظرف في المجال السياسي أو المقاومة دون خلل.

لذلك نرى حزبنا مبدئياً، أو بالأحرى يمارس التكتيك في موقف سياسي أو مناورة أو حرب أو مهمة أو مرحلة أو ظرف، أو جود عقبة أو عثرة… إلخ، خارج إطاره التنظيمي.

11.الفكر وتطوره يحصل في استيعاب المراحل مع ثبات الفكرة الأساس: السياسة متغير، تتطور نحو الأفضل تارة، وتارة نحو الأسوأ، وكما تتبدل المحاور والتغيرات في النظم السياسية الحاكمة والتحالفات المستجدة إيجاباً أو سلباً لها من الانعكاسية ما يؤثر ويفيد.

المبدئية من الثوابت، وحتى لا تتصلب في السياسة الخارجية التي تتعامل الدول فيها على أساس المصالح وليس على أساس المبادئ، لذلك نرى أنها، أي المبدئية، تنحصر في الحركة الثورية المبدئية تنظيماً ومواقفاً مدروسة، طورها الرفيق المناضل صدام حسين بمفهوم المرونة في العمل الثوري طريق للتقدم أم طريق للتراجع، الاستراتيجية من الثوابت وهي بعيدة المدى مثل استراتيجية الوحدة، وممكن أن تكون متحركة بالخطط وبمرونة عالية أن تشكل وحدات جبهوية عربية، مثلاً جبهة الصمود والتصدي، ظرف أو مرحلة أو متطلب، سمها بما يناسب الزمن الظرفي سياسياً، مثلاً مجلس دول التعاون الأربعة بين العراق ومصر والأردن واليمن.

التكتيك وفقاً لمتطلب أو لمعالجة موقف طارئ، الاتقان وإحكام النهايات في التطبيق مسؤولية القيادة. وهكذا هي العلاقة والتوصيف التي في مؤداها: النتيجة لا خلل.

لذلك عندما نعود للقراءة التحليلية لبعض المفاهيم التي عمقها الرفيق صدام حسين رحمه الله، نجدها منسجمة تماماً مع نضال وفكر واستراتيجية ومبدئية وتكتيك الحزب:

مثال: ((نؤمن بالفر والكر والتكتيك في إطار الاستراتيج)): نجد الكل في تكامل، إذ تفاعلت المبدئية الثورية مع أسلوب الكفاح الشعبي المسلح والمقاومة والاستراتيجية وبوصلة الفكر مع وعي الصراع بكل أبعاده والعدو بمختلف اتجاهاته)).

المعادلات التكاملية والتناسب الطردي في مؤداها السلامة الفكرية والتنظيمية:

12. بمعنى إنك تتعامل مع قوانين حياة الحزب الداخلية بوضوح وتتعامل مع تعامل الحزب الخارجي وفق ثقافة العلاقة التي يتفاعل فيها المبدأ إخراجاً والسياسة في الظهور مسرحاً، والمخرج لا يظهر على الخشبة إلا بعد الإنجاز، إذن المعادلات التكاملية في التنفيذ والنتيجة المثمرة هو بسبب تلك العلاقة الفاعلة الوصفية والتطبيقية لمبادئ وفكر وتنظيم الحزب: كلها تتناسب طردياً، عندما تنسجم مع الفكر أو تطبيقاً له، كلها تعمل في إطار التكامل دون التجزئة، مع النظر للنسبية على أساس الوعي للذات والموضوع ومستوى المهمة أو الواجب، ولذلك كانت الحسابات في:

أولاً: امتلاك الرفاق: الثقافة العالية وبفكر وثقافة وعقيدة الحزب والمهام والواقع والتمييز بين الثابت والمتغير وبين ظرف وآخر في مستوعب الحزب.

ثانياً: القدرة على التحليل ودراسة الاحتمالات وحسب الأولوية، والفرضيات ومناقشاتها، والمعطيات واستيعابها، وتوظيف ما يمكن توظيفه في مسارات العمل بعد دراسات جادة ومنهجية على أساس الواقعية والعلم، كي نبعد عنصر المفاجأة.

ثالثاً: متانة التنظيم: إذ لا يمكن للممارسة الناجحة أو الفعل الناجح إلا بتجسيد التنظيم المتين في البنية الفكرية والتنظيمية في إطار المبدئية العالية التي تضيء مع الفكر الاستراتيجية وبكل مدياتها الظرفية والبعيدة على أساس التمرحل في التخطيط والتنظيم، الحزب الذي يعمل بالنُّسُغ الصاعدة والنازلة وعلى أساس الانضباط الحزبي ووعي الضبط الذاتي لمتطلبات تنفيذ الواجبات في لحظتها.

رابعاً: التنظيم الذي يعمل بإتقان للمبادئ التي تضمنتها الديمقراطية المركزية، ذات الفعل التنظيمي المفترض في وعي ديالكتيك الحزب بوعي الرفاق بمعنى (تطبيق مبادئ البعث على ظواهر الحياة الاجتماعية وعلى دراسة المجتمع) أو تنشيط الديالكتيك (الداخلي) للحزب في وعي الرفاق وصولاً إلى القاعدة التنظيمية للحزب في إحكام النهايات في أطر القناعات.

المؤتمرات القطرية والقومية وأهمية تثبيت المبدئية:

13. المراجعة لمواد التقارير المركزية أو أوراق المؤتمرات القطرية والقومية بالمباشر أو بالمضمون نقرأ التثبيت: الذي يؤكد موضوعة العلاقة بين مستويات العلاقة بين المبدئية والاستراتيجية والتكتيك، ومستوى العلاقة بين الفكر والممارسة والتطبيق، ونرى تثبيت مفهوم الحزب للمرحلة التاريخية عند انعقاد المؤتمر ودراستها بما يفيد بمبدئية عالية.

ونرى عند مراجعة الكلمات لمناسبة ذكرى تأسيس الحزب، ونجد في رصانتها وتعبيرها عن فهم المرحلة السابقة والراهنة والرؤية المستقبلية، وهي بحد ذات التعبير والتوضيح لاستراتيجية ومبدئية الحزب، أو الانسجام، إلا بعضاً منها، ما حمل البعض من رفاقنا من نكوص غير خادم خلال الفترة الماضية وأسباب ذلك كثيرة لا مجال لذكرها هنا.

الخلاصة:

14. الالتزام بفكر الحزب وعقيدته ونظريته التنظيمية، ثقافة وممارسة يعد المجال الرحب في بناء التنظيم الحقيقي الملتزم بالاستفادة من امتحانات المرحلة التاريخية الراهنة التي يمر بها البعث وأمته.

15. دراسة الحالات والظواهر والاشكاليات التنظيمية والفكرية في الاجتماعات واللقاءات التحليلية والاستنتاج لغرض التثبيت والمقترح والمعالجة، وصولاً إلى عقد المؤتمر القطري.

16. اعتماد معايير نضالية مستوعبة لطبيعة هذه المرحلة، مرحلة التحرر، منها المقاومة الوطنية، ودراسة أذرعها القانونية والقتالية والثقافية (ثقافة وإعلام المقاومة) ومعالجة نقاط الضعف التي تولدت خلال الفترة الماضية، ودراسة موضوع التماثل الوطني مع الحركات والأحزاب ذات الفائدة في التعبئة التي نقودها، لا سيما وأن الأحداث تتسارع، وعلينا ألَّا ننسى موضوعة الاحتمالات. 

الكاتب والباحث السياسي

الأستاذ جابر خضر الغزي