العلاقة بين المبدئية والاستراتيجية والتكتيك وظروف المرحلة الراهنة
المقدمة:
1.إن نجاح الحزب يأتي من خلال الإدراك والتطبيق للصلة الحيوية التفاعلية للعلاقة المبدئية، الاستراتيجية، التكتيكية بوعي متقدم في الممارسة أو التطبيق.
2.الحزب منذ التأسيس، وتطويراً وتثبيتاً من خلال مؤتمراته اللاحقة، أعطى لهذه العلاقة بعدها الفكري كبوصلة يستدل بها التنظيم في جميع تنظيم أقطار العروبة في يومياته ومواقفه.
3.في الدراسة التحليلية ومن خلال دراسة النكسات التي مرت بمحطات الحزب نجد أن الأخطاء والممهدات لهذه النكسات كانت تكمن بالممارسات ونتيجة للارتجال والاجتهاد غير المعمق في دراسة التداعيات من جانب. وفي عدم استيعاب المعطيات وتوظيف ما يمكن توظيفه كفرص لصالح النضال.
4.حزبنا: ومنذ التأسيس أولى اهتماماً بالنمو والحيوية حتى وصف بالحركة الثورية النامية، بالحيوية، بالإيجابية، إذ تمكن من استيعاب المراحل القادمة، وكان لكل مؤتمر أو محطة تؤشر مستويات التطور والاستيعاب في معالجة الأخطاء وتحمل المعاناة، لذلك كان بوصفِ التاريخي.
العلاقة بين المبدئية، الاستراتيجية، التكتيك
5.لقدعمق الحزب عبر مؤتمراته هذه التوجيه ليس بجانب الاستشعار والضرورة فحسب بل مستلزم الحزب الثوري أن تتجسد فيه هذه العلاقة باهتمام وعمل وتطوير بضوء المستجد والمتغير والتحكم بين تعزيز الثابت في المبدئية، والثابت في الاستراتيجية، واستيعاب المديات الزمنية بضوء تحديد متطلب كل مرحلة أو ظرف بما مطلوب، وبين استيعاب المتغير أو الظرف الذي يتطلب موقفاً تكتيكياً (طبعاً خارج الحزب ممارسة).
6.تجلت صور ومعاني وتطبيقات هذه العلاقة، في التقارير المركزية للمؤتمرات أو أوراقها أو اصدارتها أو كتابات بعض الرفاق مناضلي ومفكري الحزب في أطر الإضاءة والتنظير للمستقبل.
مثال: موضوعة بالفكر والممارسة والنموذج الحي يتحقق الإيمان. التنظيم يتوسط بين النظرية والممارسة، البعث ثقافة وممارسة، الحزب القائد بين النظرية والتطبيق. مثلاً: الفكر في حد ذاته قوة تاريخية…إلخ، هذه المفردات كلها تفعل في إطار المبدئية، والاستراتيجية وأبعادها من خلال التنظيم بمراقبة التنقل في التطبيق من قبل القيادة أو المؤتمر نزولاً إلى مستوى الخلية الحزبية وتماسها الإيجابي في معين الكسب للأنصار والمؤيدين، وهكذا درسنا وتدربنا وناضلنا في الحزب، وما عدا ذلك كان خادماً للحل في تداعياته على السلوك الثوري للعديد من الرفاق، وهو ما شخص في العديد من المواقع والمسؤوليات.
7.من هنا ندرك: إن استراتيجية الحزب بعيد المدى تتمثل نظرياً وعملياً ومنذ الفكرة الأولى والتطوير لاحقاً هي: تطبيق الأهداف في الوحدة والحرية والاشتراكية، على أسس ومبادئ الحزب: ذات البعد الفكري: الإيمان بالفكرة القومية، الإيمان بأن الاشتراكية منبعثة من صميم القومية، الاهتمام الشديد بالحرية التي تعني: التحرر الكامل السياسي والاجتماعي والاقتصادي من شتى أنواع السيطرة الأجنبية، وفي هذه المرتكزات يتجلى فكر الحزب ومبدئيته والتزامه.
8.تفاعلاً مع الفقرة (4) أعلاه، الحزب وأمته يمر بمرحلة تاريخية، تتطلب معالجات في إطار الظرف أو تحتاج إلى تناسب طردي بين مستوى وحجم التنظيم النوعي ومستوى نضالي سواء كان إيجابياً أو نضالاً سرياً، وهو ما أهله أن يتفاعل، أي الحزب، في إدراك المراحل التاريخية بما مكنه في وعي المرحلة والظرف، فاعتمد الاستراتيجيات قصيرة المدى والمتوسطة كمتطلب، وبما يرافقها من صفحات نضالية لممارسة (استراتيجيا قصيرة المدى بهدف اجتياز عقبة أو متطلب ظرف سياسي واجتماعي وهو ما نسميه بالتكتيك غير المخالف لمبدئية واستراتيجية الحزب بعيدة المدى، وهو يمارس عند التعامل خارج الإطار التنظيمي للحزب أصلاً بوعي التنظيم) بمعنى في كل العلاقة والممارسة يجب أن يكون حضوراً للفكر والمبدأ والعقيدة والوعي العالي لماهية التطبيق.
9.من المسؤول عن التطبيق والممارسة والتفعيل: إنها مسؤولية المؤتمر القطري في التقرير: ومسؤولية القيادة القطرية في التطبيق، وطبيعي وفقاً لنسقها يبلغ التطبيق في التنظيم الحزب وصولاً لمسؤول الخلية والأعضاء، كل حسب مسؤوليته وواجبه، تسري الخطط الاستراتيجية ببوصلة الفكر، وطبيعي أن تحدث مواقف ومحطات وصعوبات على طول المسار نتيجة متغيرات في المحيط (خارجية) إن كانت نقطوية: صغيرة أو سهلة أو خطيرة استراتيجياً: مثل الاحتلال وتداعياته والحرب وتداعياتها، أو (داخلية) كأن تكون انقسامية أو انشقاقية في أطر المؤامرة)، وهو ما يتطلب ارتقاء الخطط الاستراتيجية إلى مستوى أفضل في تحمل مسؤوليات أكبر وأشد صعوبة.
وطبيعي هنا أن تبرز العقول: مما يتطلب التعامل بالعقلانية – الثورية، لكيلا تركن وتتراجع بما يخدم الرجعية، ولكيلا تتطرف بما يخدم اليسارية الطفولية: بمعنى أن يستمر المناضل الصلب، والتنظيم الصلد بما يتناسب وعظم التحديات، وهذه هي عظمة أهداف البحث في تاريخيته أيضاً.
ومن هنا نلاحظ لكل مرحلة: شعاراتها ومتطلباتها ومدارك الحزب وقيادته لها في مجالات التحفز والنهوض والتحدي بمستوى التحدي، وحسب الأوليات واستنباط معايير جديدة للرفاق في التقييم والتقويم وتحمل المسؤوليات، وقد تكون غير موصوفة بالنظام الداخلي، ولكن تم اقرارها بتعليمات ساندة للنظام الداخلي، وكثيرة هي الأمثلة في هذا الإطار المبدئي، لا سيما عند الحروب والطوارئ.
ومن هنا نلاحظ في المرحلة التي تطلبت ممارسة التكتيك: الحزب يثبت مبدئياً بالقول: إن التكتيك بمفهوم حزبنا: هو أشبه بالاستراتيج قصير المدى غاية الحزب منه في ممارسة اجتياز وتخطي حالة ما بنجاح كمتطلب، وبما لا يخالف فكر الحزب بل يسترشد فيه وبه، وفي ذلك تدوين للحزب في أدبياته وتاريخه.
وبمعنى آخر “نعم مطلوب التعامل الأخلاقي بين الرفاق، والمرونة مطلوبة في الحوار والنقاش للوصول إلى الأفضل على ألَّا يؤدي ذلك إلى التفريط في المسائل الاستراتيجية “. الرفيق عزة إبراهيم الأمين العام للحزب رحمه الله تعالى.
ومن هنا نلاحظ في التكتيك الذي يفهمه الحزب: على أساس لا يخالف الاستراتيجية بل يخدمها في هذه المحطة أو الظرف أو الزمن القصير بهدف معالجة متطلباته، وهنا التنظيم يتقبله وعياً وتطبيقاً وإيماناً بالكيفية التي مارستها القيادة في تحمل مسؤوليتها بما يجيزه المؤتمر لها. طبعاً في السلم أو الحرب إذا تطلب الأمر، أو في مثل هذه الظروف التي يعيشها البعث وأمته بسبب تداعيات الاحتلال البغيض.
ونعم التكتيك يكون خطراً: عندما لا يكون تحت إضاءة الفكر، وعندما لا يكون محكوماً بالمستوى المطلوب والكيفية في المعالجة، ودلالة الحزب هي الضامن لنجاحه دون خلل، إذ يمارس التكتيك خارج الحزب، في التعامل مع الظرف أو المرحلة أو لهدف معين ومحدود عند مواجهات العدو أو تفويت فرصِهِ عليه.
لذلك إن لم تحسن الحركة الثورية، وحزبنا البعث حزباً ثورياً يعي هذا الجانب نظرية وتطبيقاً: إن لم تحسن قيادته التكتيك، فإن لذلك انعكاساً خطيراً جداً على الحزب وبنيته التنظيمية الفكرية النضالية والمقاومة، وهنا يكون التكتيك قد أصاب الاستراتيجية وبكل أبعادها بالصميم. والأمثلة واردة في هذه الممارسة.
10.الجانب المبدئي: هو تجسيد التنظيم لفكر الحزب، وفكر الحزب يتجسد من خلال الاستراتيجية، والاستراتيجية تتطلب استيعاب كل مرحلة من قبل الحزب، مؤتمرات وقيادات وتنظيم ومهام، والاستراتيجية لأهداف التطبيق تجد بعض المتطلبات بممارسة التكتيك في مواجهة الظرف في المجال السياسي أو المقاومة دون خلل.
لذلك نرى حزبنا مبدئياً، أو بالأحرى يمارس التكتيك في موقف سياسي أو مناورة أو حرب أو مهمة أو مرحلة أو ظرف، أو جود عقبة أو عثرة… إلخ، خارج إطاره التنظيمي.
11.الفكر وتطوره يحصل في استيعاب المراحل مع ثبات الفكرة الأساس: السياسة متغير، تتطور نحو الأفضل تارة، وتارة نحو الأسوأ، وكما تتبدل المحاور والتغيرات في النظم السياسية الحاكمة والتحالفات المستجدة إيجاباً أو سلباً لها من الانعكاسية ما يؤثر ويفيد.
المبدئية من الثوابت، وحتى لا تتصلب في السياسة الخارجية التي تتعامل الدول فيها على أساس المصالح وليس على أساس المبادئ، لذلك نرى أنها، أي المبدئية، تنحصر في الحركة الثورية المبدئية تنظيماً ومواقفاً مدروسة، طورها الرفيق المناضل صدام حسين بمفهوم المرونة في العمل الثوري طريق للتقدم أم طريق للتراجع، الاستراتيجية من الثوابت وهي بعيدة المدى مثل استراتيجية الوحدة، وممكن أن تكون متحركة بالخطط وبمرونة عالية أن تشكل وحدات جبهوية عربية، مثلاً جبهة الصمود والتصدي، ظرف أو مرحلة أو متطلب، سمها بما يناسب الزمن الظرفي سياسياً، مثلاً مجلس دول التعاون الأربعة بين العراق ومصر والأردن واليمن.
التكتيك وفقاً لمتطلب أو لمعالجة موقف طارئ، الاتقان وإحكام النهايات في التطبيق مسؤولية القيادة. وهكذا هي العلاقة والتوصيف التي في مؤداها: النتيجة لا خلل.
لذلك عندما نعود للقراءة التحليلية لبعض المفاهيم التي عمقها الرفيق صدام حسين رحمه الله، نجدها منسجمة تماماً مع نضال وفكر واستراتيجية ومبدئية وتكتيك الحزب:
مثال: ((نؤمن بالفر والكر والتكتيك في إطار الاستراتيج)): نجد الكل في تكامل، إذ تفاعلت المبدئية الثورية مع أسلوب الكفاح الشعبي المسلح والمقاومة والاستراتيجية وبوصلة الفكر مع وعي الصراع بكل أبعاده والعدو بمختلف اتجاهاته)).
المعادلات التكاملية والتناسب الطردي في مؤداها السلامة الفكرية والتنظيمية:
12. بمعنى إنك تتعامل مع قوانين حياة الحزب الداخلية بوضوح وتتعامل مع تعامل الحزب الخارجي وفق ثقافة العلاقة التي يتفاعل فيها المبدأ إخراجاً والسياسة في الظهور مسرحاً، والمخرج لا يظهر على الخشبة إلا بعد الإنجاز، إذن المعادلات التكاملية في التنفيذ والنتيجة المثمرة هو بسبب تلك العلاقة الفاعلة الوصفية والتطبيقية لمبادئ وفكر وتنظيم الحزب: كلها تتناسب طردياً، عندما تنسجم مع الفكر أو تطبيقاً له، كلها تعمل في إطار التكامل دون التجزئة، مع النظر للنسبية على أساس الوعي للذات والموضوع ومستوى المهمة أو الواجب، ولذلك كانت الحسابات في:
أولاً: امتلاك الرفاق: الثقافة العالية وبفكر وثقافة وعقيدة الحزب والمهام والواقع والتمييز بين الثابت والمتغير وبين ظرف وآخر في مستوعب الحزب.
ثانياً: القدرة على التحليل ودراسة الاحتمالات وحسب الأولوية، والفرضيات ومناقشاتها، والمعطيات واستيعابها، وتوظيف ما يمكن توظيفه في مسارات العمل بعد دراسات جادة ومنهجية على أساس الواقعية والعلم، كي نبعد عنصر المفاجأة.
ثالثاً: متانة التنظيم: إذ لا يمكن للممارسة الناجحة أو الفعل الناجح إلا بتجسيد التنظيم المتين في البنية الفكرية والتنظيمية في إطار المبدئية العالية التي تضيء مع الفكر الاستراتيجية وبكل مدياتها الظرفية والبعيدة على أساس التمرحل في التخطيط والتنظيم، الحزب الذي يعمل بالنُّسُغ الصاعدة والنازلة وعلى أساس الانضباط الحزبي ووعي الضبط الذاتي لمتطلبات تنفيذ الواجبات في لحظتها.
رابعاً: التنظيم الذي يعمل بإتقان للمبادئ التي تضمنتها الديمقراطية المركزية، ذات الفعل التنظيمي المفترض في وعي ديالكتيك الحزب بوعي الرفاق بمعنى (تطبيق مبادئ البعث على ظواهر الحياة الاجتماعية وعلى دراسة المجتمع) أو تنشيط الديالكتيك (الداخلي) للحزب في وعي الرفاق وصولاً إلى القاعدة التنظيمية للحزب في إحكام النهايات في أطر القناعات.
المؤتمرات القطرية والقومية وأهمية تثبيت المبدئية:
13. المراجعة لمواد التقارير المركزية أو أوراق المؤتمرات القطرية والقومية بالمباشر أو بالمضمون نقرأ التثبيت: الذي يؤكد موضوعة العلاقة بين مستويات العلاقة بين المبدئية والاستراتيجية والتكتيك، ومستوى العلاقة بين الفكر والممارسة والتطبيق، ونرى تثبيت مفهوم الحزب للمرحلة التاريخية عند انعقاد المؤتمر ودراستها بما يفيد بمبدئية عالية.
ونرى عند مراجعة الكلمات لمناسبة ذكرى تأسيس الحزب، ونجد في رصانتها وتعبيرها عن فهم المرحلة السابقة والراهنة والرؤية المستقبلية، وهي بحد ذات التعبير والتوضيح لاستراتيجية ومبدئية الحزب، أو الانسجام، إلا بعضاً منها، ما حمل البعض من رفاقنا من نكوص غير خادم خلال الفترة الماضية وأسباب ذلك كثيرة لا مجال لذكرها هنا.
الخلاصة:
14. الالتزام بفكر الحزب وعقيدته ونظريته التنظيمية، ثقافة وممارسة يعد المجال الرحب في بناء التنظيم الحقيقي الملتزم بالاستفادة من امتحانات المرحلة التاريخية الراهنة التي يمر بها البعث وأمته.
15. دراسة الحالات والظواهر والاشكاليات التنظيمية والفكرية في الاجتماعات واللقاءات التحليلية والاستنتاج لغرض التثبيت والمقترح والمعالجة، وصولاً إلى عقد المؤتمر القطري.
16. اعتماد معايير نضالية مستوعبة لطبيعة هذه المرحلة، مرحلة التحرر، منها المقاومة الوطنية، ودراسة أذرعها القانونية والقتالية والثقافية (ثقافة وإعلام المقاومة) ومعالجة نقاط الضعف التي تولدت خلال الفترة الماضية، ودراسة موضوع التماثل الوطني مع الحركات والأحزاب ذات الفائدة في التعبئة التي نقودها، لا سيما وأن الأحداث تتسارع، وعلينا ألَّا ننسى موضوعة الاحتمالات.
الكاتب والباحث السياسي
الأستاذ جابر خضر الغزي