مخاطر موجة النزوح من لبنان على التوازن الديموغرافي في العراق والمنطقة؟
ناصر الحريري
تشكل موجة النزوح من لبنان إلى العراق في الآونة الأخيرة قلقاً بشأن تأثيرها على التوازن الديموغرافي في المنطقة، وخاصة في سياق التحديات الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها المنطقة.
حيث تشير التقارير إلى أن عدد النازحين من لبنان، وخاصة من بيئة حزب الله، إلى سوريا والعراق قد تجاوز المليون ونصف المليون إنسان جلهم من لون طائفي واحد، وتُعتبر هذه التحركات السكانية مؤشراً خطيراً على التغييرات الديمغرافية التي قد تُعيد تشكيل خريطة الشرق الأوسط.
إن نزوح اللبنانيين إلى العراق، وخاصة إلى مناطق مثل جرف الصخر والمناطق المحيطة ببغداد، يثير مخاوف تتعلق بالتركيبة السكانية والحساسية الطائفية والسياسية في العراق.
جرف الصخر هي منطقة حساسة أمنياً، وتقع جنوب بغداد وتعد منطقة استراتيجية، إذ كانت محوراً للنزاعات بين القوات العراقية والميليشيات الولائية، وهي الآن تحت سيطرة ميليشيات ولائية، ما يجعلها نقطة اهتمام خاصة.
هناك عدة نقاط مهمة عند النظر في تأثير النزوح اللبناني إلى هذه المناطق:
التغيير الديموغرافي والطائفي: العراق يمتلك تركيبة سكانية وطائفية معقدة، وأي تغييرات في توزيع السكان قد تؤدي إلى خلل أو توترات.
فنزوح عدد من اللبنانيين إلى مناطق ذات تركيبة طائفية حساسة مثل جرف الصخر قد يؤثر على التوازن الطائفي، خاصةً إذا كانت الهجرة من طائفة معينة.
كما يشكل النزوح المستمر ضغطاً على الموارد والخدمات العامة في مناطق معينة، خاصةً في العراق، الذي يعاني من بنية تحتية ضعيفة بسبب الحروب والصراعات. كما أن الزيادة السكانية في مناطق معينة دون تخطيط ملائم قد تؤدي إلى تكدس السكان، مما قد يؤثر على مستوى الخدمات الصحية والتعليمية.
ولذلك فإن استقبال النازحين قد يضيف ضغطًا على البنية التحتية والخدمات في العراق، التي تعاني أساساً من تحديات بسبب النزاعات والنقص في الخدمات، ما قد يؤدي إلى توترات مع المجتمعات المحلية.
هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن العراق يُعاني من تحديات اقتصادية كبيرة، والنزوح من لبنان قد يزيد من الضغط على أسواق العمل والاقتصاد المحلي.
التأثير الأمني والسياسي: العراق يعاني من توترات أمنية داخلية وتنافس على النفوذ بين مختلف الفصائل، خاصةً في المناطق المحيطة ببغداد. قد تُعتبر موجة النزوح تهديداً لبعض الفصائل التي ترى فيها تغيراً في التركيبة السكانية يعزز نفوذ جهة معينة على حساب أخرى.
وغالباً ما تترافق أحياناً موجات النزوح مع مخاوف أمنية، خصوصاً في ظل احتمالية تهريب الأسلحة أو التوترات مع المجتمعات المضيفة.
التبعات الاجتماعية والثقافية: المجتمع العراقي له خصوصيات ثقافية واجتماعية، وقد تؤدي موجة النزوح إلى تداخل ثقافي قد يعتبره البعض تهديدًا للهوية المحلية، خاصةً في المناطق الريفية والمحافظة.
وقد يكون لهذا النزوح تأثيرات على مستوى الهوية الثقافية والاجتماعية، حيث يتكيف اللاجئون مع مجتمعات جديدة في دولهم المستضيفة، مما يؤدي إلى تداخل ثقافي قد يُحدث تغييرات في نمط الحياة والقيم.
استغلال النزوح لأهداف سياسية: قد يُستغل النزوح من قبل بعض الأطراف لتغيير التركيبة السكانية أو لتبرير وجود أمني أو عسكري في مناطق معينة، ما قد يفاقم الوضع الأمني ويزيد من التوترات بين مختلف الأطراف في العراق.
والسؤال المطروح هنا: كيف يتم استغلال النزوح لأهداف سياسية؟
استغلال موجات النزوح لأهداف سياسية هو أمر شائع في مناطق النزاعات أو التوترات الطائفية والسياسية، حيث يتم تحويل أزمة النزوح إلى وسيلة لتحقيق مكاسب استراتيجية، والسيطرة على مناطق جغرافية، وتغيير التوازنات السكانية.
وفي سياق النزوح اللبناني إلى العراق، يمكن توضيح ذلك من خلال بعض الأمثلة والآليات التي تستخدم لتحقيق أهداف سياسية:
التغيير الديموغرافي المتعمد: قد تستخدم بعض الجهات النزوح لتعديل التركيبة السكانية في مناطق معينة بما يتماشى مع مصالحها الطائفية أو السياسية، حيث يُسهم توطين مجموعات سكانية معينة في تغيير التركيبة الطائفية لمناطق معينة.
هذا التغيير يمكن أن يخلق نفوذاً أكبر لفئة معينة على حساب أخرى، أو يسهم في إضعاف تواجد طائفة معينة في منطقة كانت ذات أهمية بالنسبة لها.
السيطرة على الموارد والهيمنة الاقتصادية: من خلال التحكم في الأماكن التي يستقر فيها النازحون، يمكن لبعض الفصائل أو الأطراف السياسية أن تتحكم في تدفق الموارد والمساعدات، أو أن تسيطر على نشاطات اقتصادية جديدة في تلك المناطق، مثل مشاريع إعادة الإعمار أو تطوير البنية التحتية.
هذا يمكن أن يُستخدم كوسيلة للسيطرة على الموارد الاقتصادية وجعل المجتمعات النازحة تعتمد على الدعم الذي تقدمه هذه الأطراف.
تعزيز النفوذ الأمني والعسكري: بعض الفصائل المسلحة أو الجماعات السياسية قد ترى في توطين النازحين فرصة لتعزيز وجودها العسكري والأمني في مناطق معينة. قد تُستخدم بعض المناطق التي يستقر فيها النازحون كمراكز تجنيد للفصائل المسلحة، أو يتم استغلال تواجدهم لتبرير وجود أمني أكبر في المنطقة تحت ذريعة “حماية” النازحين.
خلق حاضنة شعبية للفصائل والأحزاب: من خلال دعم النازحين وتقديم الخدمات لهم، تستطيع الفصائل أو الأحزاب السياسية أن تكسب ولاءهم وتكوين قاعدة شعبية جديدة تدين بالولاء لهذه الجهات، مما يقوي نفوذها السياسي في مناطق النزوح. تقديم الدعم والمساعدة قد يجعل النازحين يشعرون بأنهم مدينون لهذه الفصائل، ما يزيد من نفوذ الأخيرة على حساب الدولة أو الأطراف السياسية الأخرى.
استغلال النزوح كذريعة للتدخل الخارجي: بعض الأطراف الخارجية قد تستغل أزمة النزوح كذريعة للتدخل في شؤون الدول المستضيفة تحت شعار “الدعم الإنساني” أو “حماية النازحين”.
هذا التدخل قد يكون له أهداف سياسية أخرى، مثل زيادة النفوذ الإقليمي أو فرض أجندات معينة على الحكومات المحلية.
التحريض على المجتمعات المحلية: قد يتم استغلال النزوح للتحريض على المجتمع المضيف وخلق فجوة بين النازحين والسكان المحليين.
هذا التحريض يمكن أن يزيد من التوترات، ما يبرر تدخلات أمنية أو سياسية إضافية من قبل جهات معينة تدعي الحفاظ على السلم الأهلي أو دعم حقوق النازحين.
الخلاصة:
إن النزوح قد يتحول إلى أداة سياسية تستغلها جهات متعددة لتحقيق مصالحها، سواء كانت أهدافاً محلية لتعزيز النفوذ أو تحقيق مكاسب طائفية، أو أجندات خارجية لتحقيق أهداف إقليمية.