دوافع قيام ثورة 8 شباط عام 1963

دوافع قيام ثورة 8 شباط عام 1963

الدكتور إياد الزبيدي

 

 فعلاً هي عروسة الثورات لأنها أول ثورة وطنية قومية الأهداف يفجرها ويقودها الثوريون الشباب ويمثلون حزبهم، حزب البعث العربي الاشتراكي في القطر العراقي.

بعد فترة زمنية من نجاح تنظيم الضباط الوطنيين ” الأحرار ” في الجيش العراقي البطل شكلوا جبهة وطنية من بعثيين وشيوعيين وقوميين ومستقلين في القطر العراقي للإطاحة بنظام الحكم الملكي المرتبط ببريطانيا الاستعمارية التي كانت تحتل العراق  ، وتحويل الحكم في العراق إلى نظام جمهوري في عام 1958.

بدأت بوادر الخلافات بين الأحزاب والقوى السياسية الذين يمثلون الجبهة والضباط الأحرار حيث كانت القوى القومية وحزب البعث العربي الاشتراكي ، التي كانت تنادي بالوحدة العربية مع الجمهورية العربية المتحدة التي ازدادت المؤامرات عليها آنذاك، في المقابل رفع الشيوعيين شعارهم ” صداقة سوفيتية واتحاد فيدرالي ”   حيث كان الشيوعيون معارضون للعروبة وللقومية العربية لأن فكرهم أممي، ما أدى إلى صراع في الساحة السياسية. وتدريجياً ساءت علاقات عبد الكريم قاسم مع بعض زملائه من أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين. ثم تعكرت علاقته مع التيارات الوحدوية والقومية التي لعبت دوراً فاعلاً في دعم ثورة تموز 1958، وفي مقدمتهم حزب البعث العربي الاشتراكي.  

في 7 تشرين الأول من عام 1959 نفذ حزب البعث محاولة استهداف عبد الكريم قاسم في شارع الرشيد ظهيرة ذلك اليوم على يد مجموعة من شباب البعث الابطال من بينهم الرئيس القائد صدام حسين عندما كان طالباً في الثانوية، لأن نظام قاسم زاد من ملاحقته واعتقاله للبعثيين بتحريض من حلفائه الشيوعين فكان قرار فؤاد الركابي أمين سر قيادة قطر العراق في حينه بمحاولة اغتياله والتخلص من حكمه، ولكن للأسف فشلت المحاولة ونجا منها بأعجوبة، حيث أصيب برصاصات في الكتف.

أوضحت القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي أسباب الثورة على النظام الدكتاتوري  بثورة 8 شباط 1963 بعدد من الأسباب، منها أن ثورة 14 تموز عام 1958 هي عمل جماعي منظم جاءت به وليدة حتمية للظروف الموضوعية التي كان يمر بها العراق والمنطقة، فقام بها تنظيم الضباط الوطنيين الأحرار مع جزء كبير من قياداته وقواعده. ولم يقم بها عبد الكريم قاسم بمفرده بل إن دوره فيها كان ضمن صفحة التخطيط والإشراف ولم يسهم في صفحة العمليات التنفيذية المباشرة.

إن جميع ما أصدرته الثورة عند انطلاقتها الأولى من قرارات وطنية وتشريعات ومنجزات جاءت ” وليدة العمل الجماعي ” المثمر لقادتها الوطنيين ولم تكن من إنجازات عبد الكريم قاسم وحده. ولكن عبد الكريم قاسم تحول من زعيم للثورة إلى ” دكتاتور ” لأنه   تفرد بالسلطة، فاستحوذ على مركز صناعة القرار، وبدأ بجمع الصلاحيات بيده مجرداً شيئاً فشيئاً الصلاحيات من زملائه، فأصبح هو رئيس الوزراء ووزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة. ولم يمنح مجلس السيادة الصلاحيات وأحاله إلى واجهة شكلية ليس بيدها لا سلطة تنفيذية ولا تشريعية.  كما وقف حائلاً أمام انتخاب رئيس الجمهورية، وبقي المنصب معلقاً في عهده.  كما عطل تأسيس المجلس الوطني لقيادة الثورة كما كان متفقاً عليه في تنظيم الضباط الوطنيين الأحرار.

رأى  حزب البعث  أن عبد الكريم قاسم أصدر أحكام إعدام وسجن جائرة بغية تصفية قيادات قادة الحركة من زملائه أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين، فلفقت التهم لبعضهم وزجهم بالسجون وأعدم البعض الآخر مستغلاً حركة عبد الوهاب الشواف المسلحة ضد الأعمال الإجرامية لأنصار السلام في الموصل الحدباء وقطارهم الدموي الذي وصل يوم 8 آذار 1959 محملاً بوفود مؤتمر أنصار السلام من بغداد، بعدها ابتدأت حمامات الدم في الموصل في ذلك اليوم الأسود.

 وحصلت الإعدامات في شوارع الموصل الحدباء وعلقت أجسادهم على أعمدة الكهرباء، ولم تسلم حتى النساء . حيث كان نصيب الفتاة حفصة العمري التي كانت مخطوبة فقطعوا أصبعها وسرقة خاتم الخطوبة فتحرك الزعيم الشواف على هؤلاء المجرمين القتلة لينقذ الموصل فاتخذ قاسم رد فعل الشواف ورفاقه كذريعة لهذه التصفيات، فقد تم قتلهم مباشرة بالقصف المباشر بالطائرات، والبعض الآخر أحيلوا إلى المحكمة الخاصة، ” محكمة الشعب “، حيث تم زج الكثيرين ممن ليس لهم علاقة بحركة الشواف وتعذيبهم ثم إعدامهم. ومن أبرز من تم إعدامهم الزعيم الركن ناظم الطبقجلي والعقيد رفعت الحاج سري ومجموعة من رفاقهم.

كما وصفت قيادات الجبهة الوطنية ” محكمة الشعب ” المشهورة باسم ” محكمة المهداوي ” بكونها محكمة ” هزيلة  . ورأى أعضاء الجبهة المعارضون لتفرد قاسم طريقة سير المحكمة أنها وبسبب رئيسها المقدم فاضل عباس المهداوي وادعائها العام العقيد ماجد محمد أمين كانت منبراً وواجهة إعلامية للحكومة وتهديداً للأحزاب القومية، وفي مقدمتهم حزب البعث، واستخدمت فيها وسائل تعذيب وإهانة الموقوفين، وكثيراً ما كان رئيس وأعضاء المحكمة يطلقون السباب والشتائم وتلفيق التهم بالشبهة والتهجم على مصر العروبة ورئيسها جمال عبد الناصر وأثناء البث المباشر على التلفزيون.

 كما قامت الميليشيات الشيوعية المسماة بالمقاومة الشعبية بارتكاب أعمال عنف مؤسفة كقتل وسحل الجثث بالشوارع وتعذيب معارضيهم بالشوارع وتعليق الكثيرين منهم على أعمدة الكهرباء، والقيام بمداهمة واحتلال المنازل والمؤسسات الحكومية والمعسكرات والعبث ، كما حدث من مجازر وتجاوزات على حقوق الإنسان في الموصل وكركوك.

كما لعبوا بسياسة الدولة الداخلية والخارجية ومنعوا أي تقارب مع الدول العربية أو تحقيق أي وحدة عربية والتي كانت حلم الجماهير التي تعتبرها ضرورة للوقوف بوجه القوى الكبرى للنيل من الثورة.

حصلت قناعة راسخة عند قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي للإطاحة بنظام قاسم لأـن سياسة العراق في عهده عزلت العراق عن محيطه الإقليمي العربي بسبب عدم إيمانه بالوحدة العربية ووقوفه ضد الوفد الذي سافر إلى مصر للتهنئة بالوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة برئاسة أعضاء من حزب البعث للتهنئة بالثورة ودعوة قيادة العراق للانضمام للوحدة.

وقد انتهى حكم قاسم بثورة حزب البعث العربي الاشتراكي في 8 شباط 1963.