إنها عروس الثورات

إنها عروس الثورات

بقلم: أبو مهدي

تمر علينا هذه الأيام الذكرى الثانية والستين لثورة الثامن من شباط الموافق الرابع عشر من رمضان عام 1963، تلك الثورة الناصعة والانتفاضة الفارقة في تاريخ العراق الحديث لما حملته من معاني ودلالات، وكانت ثورة 14 تموز التحررية عام 1958 قد قامت للقضاء على الحكم الملكي وإقامة النظام الجمهوري البعيد عن الهيمنة الأجنبية وسياسة الأحلاف وصولاً إلى إقامة نظام جديد وفق أطر وملامح وطنية تعيد للعراق مكانته وهيبته في لعب أدوار وطنية ضمن محيطه القومي.

ولكن سرعان ما انحرفت الثورة عن مسارها، وذلك بتبني النظرة التسلطية الشعوبية والتي ساهمت بخلق نظام دكتاتوري تفرد بالسلطة وأصبح يمارس أبشع الجرائم وأقساها بحق القوى الوطنية والقومية وطليعتها حزب البعث العربي الاشتراكي وجماهيره العريضة المؤمنة به وبتوجهاته وأهدافه السامية، وشهدت تلك المرحلة جرائم يندى لها جبين الإنسانية والتي ارتكبت في شوارع الموصل وكركوك بالإعدام والسحل والتنكيل بخيرة رجال العراق ونصب المشانق الميدانية لبث الرعب والخوف بين المواطنين واقصاء القوى الوطنية والقومية، إضافة للظلم والعنف والأحكام الجائرة التي ارتكبتها محكمة المهداوي سيئة الصيت بحق الوطنيين من أبناء العراق الغيارى، لذلك كان لا بد من حصول انتفاضة شعبية وثورة عارمة تعيد العراق إلى مساره الصحيح، فكانت عروس الثورات والتي جسدت أيدلوجية البعث بالثورة على الواقع المريض وتغييره والارتقاء بالواقع الفاسد نحو آفاق وطموحات عليا مشروعة وبكافة مناحي الحياة.

ففي صباح يوم الجمعة المصادف 14 رمضان 1963 انطلقت طلائع من شباب البعث في وحدات عسكرية يقودها ضباط اشاوس بمساندة ومؤازرة ومشاركة شباب البعث من المدنيين يحدوا الجميع الايمان بحتمية التغيير والقضاء على الحكم الدكتاتوري والانحياز إلى تطلعات الشعب.

وبحدود الساعة التاسعة من صباح الثورة قامت أعداد من الطائرات المقاتلة من السربين السادس والسابع المتواجدة في قاعده تموز الجوية في الحبانية بتنفيذ ضربات على مقر وزارة الدفاع، والتي كان يتحصن داخلها الزعيم عبد الكريم قاسم مع زمرة من أتباعه، في حين قامت وحدات مدرعة بتطويق مقر وزارة الدفاع ومن ثم اقتحامها بالتزامن مع اسناد قطعات مدرعة أخرى تمركزت في منطقه الكرخ وهي الجهة المقابلة لوزارة الدفاع عبر نهر دجلة مع قوة أخرى توجهت وسيطرت على مبنى الإذاعة والتلفزيون، وبدأت ببث الأناشيد الوطنية وانتشر شباب البعث في الشوارع والتقاطعات للسيطرة على الأوضاع في بغداد، وتم محاصرة مبنى السراي الحكومي، وبذلك تم تنفيذ الثورة بنجاح باهر والقضاء على الدكتاتورية والشعوبية الحاقدة.

وبعد هذا النجاح المبارك وإنهاء الحكم الدكتاتوري، باشرت الثورة بطرح مشروعها القومي التقدمي وتكلل ذلك بالتوقيع على ميثاق الوحدة الثلاثية بين العراق ومصر وسوريا، حيث تم التوقيع عليه في 17 نيسان/أبريل عام 1963 في قصر القبة في القاهرة، وبذلك كانت خطوة هامة على طريق التعاون العربي و باتجاه تحقيق الوحدة العربية المنشودة.

 من ناحية أخرى وتجسيداً لمبادئ وفكر الثورة فقد بوشر بوضع الخطط الاقتصادية وتشريع القوانين في مجال القطاع الزراعي والسيطرة على الثروة النفطية وسن قوانين حماية العمال والتخطيط لتنشيط الصناعات وإعادة تشغيل المعامل والمشاريع المتوقفة وبوشر بالجهد الوطني اللازم وإصدار التشريعات الاساسية لحل القضية الكردية حلا جذريا عادلا، وبذلك كانت ثورة الثامن من شباط ثورة انتفاضة جماهيرية وشعبية لتغيير الواقع والارتقاء بالبلد نحو مراحل متقدمة، وتحقيق الحلم العربي والمشروع النهضوي، والذي خططت له قيادة الثورة مستنيرة بفكر الحزب ومبادئه الأصيلة، فكانت ثورة فريدة في اقدامها وجسارتها ضد اعتى الانظمة الامنية، ومذهلة في برامجها وأهدافها وتوجهاتها الوطنية رغم قصر الفترة الزمنية، وإن من أبرز ملامحها أنها ثورة شعبية جماهيرية تقودها نخبة من طلائع البعث، شاركت بها أغلب قطاعات وفئات الشعب، من العمال والفلاحين والكسبة ووحدات من الجيش العراقي البطل صانع الثورات وحامي ثغور الوطن بالانتفاض على الدكتاتورية والتخلف والشعوبية الحاقدة على كل ما هو عربي اصيل، واستطاعت الثورة غرس روح التحدي والإقدام والبطولة، وأعادت اللحمة للشعب العراقي الذي مزقته الشعوبية والطائفية وسياسات قاسم المنحرفة والتي عزلت العراق عن عمقه العربي.

فكانت تجربة الثورة وما تلاها من أحداث حافزاً ملهماً ونبراساً لتفجير ثورة 17 تموز المجيدة عام 1968.

تحية اجلال واكبار لقادة الثورة، وفي مقدمتهم الرفيقين أحمد حسن البكر عضو القيادة القطرية وصالح مهدي عماش عضو القيادة القطرية ومسؤول المكتب العسكري رحمهما الله.

وتحية لطلائع البعث التي ساهمت في صنع هذه الثورة المجيدة.

والرحمة لشهدائها الأبرار الذين سقطوا دفاعاً عن عروبة العراق وحرية أبنائه.