لقطات من صباح يوم الثورة المجيدة

لقطات من صباح يوم الثورة المجيدة

محمد دبدب

ان استذكار التفاصيل التي عشناها والمعنية بثورة الرابع عشر من رمضان المجيدة عام 1963 كثيرة ولا مجال لذكرها هنا، لذا سأروي لقطات صباح يوم الثورة والساعات التي بعدها تلك التي عشتها:

كنا وكجزء من الجهاز الحزبي في حالة انذار قبل وبعد انتهاء الفصل الدراسي الأول من العام 1962- 1963م، وعند الإعلان عن الثورة في صبيحة يوم الجمعة من الثامن من شباط 1963م التحقنا بأحد التجمعات الحزبية. وكان من أوائل التبليغات التي وصلتنا من الحزب هي السيطرة على بعض مراكز الشرطة واستلام السلاح الموجود فيها، وكان في غالبيته بنادق. ثم  توزعنا على أكثر من مهمة، وكنت من المجموعة التي تم الايعاز لها بالتوجه إلى  مقر وزارة الدفاع في مركز العاصمة بغداد حيث كان يتواجد عبد الكريم قاسم.

أذكر أننا وفي حدود الساعة الحادية عشرة شاهدنا عند “الجزرة” الوسطية التي تتوسط الشارع العام تجمع لبعض من ضباط الثورة، واتفقوا بعد مناقشات معنية بالخطة، التوجه نحو وزارة الدفاع بالقرب من مركز شرطة العيواضية، وكانت هناك بعض الدبابات المتوقفة وعلى إثرها قاموا بالتحرك.

أما مجموعتنا من شباب الحزب المدني فقد تحركنا مرتين باتجاه مقر وزارة الدفاع، واقتربنا من بناية قاعة الشعب الشهيرة الملاصقة لمقر وزارة الدفاع، حيث عرف لاحقاً ان قاسم لجأ اليها بعد الشروع بقصف مقر الوزارة من قبل الرفاق الطيارين المنفذين للثورة، ولم نتمكن من تجاوز القاعة.

كان الحدث صدمة لأركان النظام والعناصر المساندة له نتيجة لعنصر المباغتة الذي اتُبِع في التخطيط للثورة. ورغم ذلك فقد حاول بعض الشيوعيين المقاومة وكان قسم منهم من الذين صادفناهم في طريقنا وكانوا يحملون منشورات تحريضية لمواجهة الثورة، ويقومون بتوزيعها، فتم الاشتباك معهم وفروا هاربين على الفور.

ثم تواجهنا مرة اخرى واشتبكنا مع عدد آخر من الشيوعيين عند دوّار (فلكة) منطقة باب المعظم في مركز بغداد وذلك بالقرب من نادي كان يعرف بنادي “المهداوي” وهو القريب من كلية البنات التابعة الى جامعة بغداد. كان عددهم بحدود الخمسة عشر شخصاً، ولم يكن احتجاجهم او تظاهرهم سلمي وانما مسلّح اذ كانوا يحملون اسلحة عبارة عن مسدسات وبنادق اضافة الى اسلحة اخرى حادة مثل السكاكين الكبيرة او ما يعرف “بالقامات” وكذلك العصي، ففروا هاربين  إلى الشوارع والأزقة القريبة في المنطقة.

 من المعروف ان الثورة تميزت باقتحاميتها وجسارتها في الانتفاض ضد السلطة المحكمة امنياً، لذا كان فيها تضحيات حيث استشهد بعض الرفاق الثوار من الجانبين العسكري والمدني، لذا و في طريقنا ونحن نؤدي واجبنا في تنفيذ وحماية الثورة المجيدة، وجدنا أحد الضباط البعثيين من الثوار برتبة ملازم وقد أصيب بطلق ناري في كتفه، فقمنا بنقله الى دارنا بعدما أشعرناه باننا بعثيون أيضاً، وتمكنا من معالجته وإنقاذه. ومن الجدير بالذكر انه بعد سنين طويلة في السبعينات التقيته في احدى المناسبات فعرفته وذكّرته بتفاصيل لقائنا الاول وعلاجنا له.

وبالعودة الى ذكريات ذلك الصباح المجيد اذكر انه كان معنا آنذاك المرحوم الفريق الركن (لاحقاً) سعدي طعمة والرفيق كاظم نعمة سلمان.

وعلى ما اذكر انه في عصر اليوم الثاني ونحن ملتزمين بواجبنا ومتواجدين بالمنطقة المطوقة لوزارة الدفاع، وعند المنطقة المعروفة بمكان “موسيقى الجيش” حصراً،  مرت ناقلة أشخاص عسكرية وعلى متنها فاضل عباس المهداوي وهو من كان رئيساً للمحكمة التي اشتهرت باسمه اي  “محكمة المهداوي”  والتي اشتهرت بغوغائيتها ومحاكمتها لكل رموز القوى الوطنية والقومية والضباط الاحرار والتي حكمت عليهم بالإعدام او السجن حيث تم تنفيذ تلك الاحكام الجائرة بدون اي سند قانوني فاستشهد العديد من ابطال الجيش العراقي من الضباط الاحرار.

وكان معه في الناقلة العسكرية صبيحة ذلك اليوم من الثورة اثنين من الضباط لم أستطع التعرف عليهم وكانوا جميعاً منزوعي الرتب وهم في حالة من الهلع والهستيريا حيث كانوا تحت السيطرة التامة لعدد من الثوار العسكريين.

ونتيجة لتلك المواجهات التي نفذنا من خلالها الواجبات صبيحة الثورة المظفرة فقد تعرضت للموت عدة مرات ولم اكن فيها وحدي وانما شاركنا فيها عدد من الرفاق المناضلين، منهم شبيب المالكي ومحمد ناصر وهو من فلسطين الحبيبة وكريم النجار وغيرهم.

هذه بعضٌ من الذكريات التي تحضرني عن يوم تنفيذ عروس الثورات المجيدة.