ظاهرة التسول في العراق
الأسباب والمعالجات
المستشار سعيد النعمان
تعتبر ظاهرة التسول من الظواهر الاجتماعية السيئة والمخيفة التي تشكل خطورة في هدم مقومات المجتمع، وهو مرض معدي سريع العدوى، يبدأ بالفرد ثم العائلة الحاضنة له ويتسع ليشمل مجاميع.
ويعرف التسول بأنه (طلب الفرد المال من الآخرين باستخدام وسائل احتيالية عدة للتأثير على عواطفهم وشفقتهم)، وتتحمل الحكومة ومؤسساتها القانونية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية مسؤولية انتشار هذه الظاهرة والزيادة في معدلاتها. فعلى الحكومة وأجهزتها التنفيذية مراعاة تطبيق النصوص الواردة في دستور 2005 ومنها على سبيل المثال ( 22 أولاً و25 و29 أولاً ورابعاً و30 أولاً وثانياً و31 أولاً و32 و33 أولاً) وغيرها من النصوص ذات الصلة بمحاربة التسول، والتي تضمنت العمل حق لكل العراقيين وتكفل الدولة إصلاح الاقتصاد، والأسرة أساس المجتمع، وتكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة والشيخوخة، وتكفل الدولة للفرد والأسرة الضمان الاجتماعي والصحي، وبخاصة الطفل والمرأة، ولكل عراقي الحق في الرعاية الصحية والصحة العامة ووسائل الوقاية والعلاج، وترعى الدولة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، ولكل فرد حق العيش في ظروف بيئية سليمة.
فماذا نفذت الدولة من هذه النصوص حتى ولو جزأ منها، كما أن تعطيل تطبيق المادة (390) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 التي اعتبرت التسول جنحة يعاقب عليها بالحبس لمدة لا تزيد على سنة بالنسبة للبالغين، أما بالنسبة للأحداث فيتم إيداعهم في دور الإيواء والتشغيل والتي لا تتوفر فيها الحد الأدنى من أدوات التشغيل.
إن هذا النص يحتاج إلى تفعيل ومراقبة ومتابعة مستمرة لتوفير هذه الأدوات. أما المادة (391) فقد تضمنت إيداع المتسول مدة لا تزيد على سنة داراً للتشغيل إن كان قادراً على العمل أو إيداعه ملجأ أو داراً للعجزة أو مؤسسة خيرية معترفاً بها إذا كان عاجزاً أو كان لا يملك مالاً يقتات منه متى كان التحاقه بالمحل الملائم له ممكناً.
إن المادة تتحدث عن أدوات تطبيق لا وجود لها أو أنها لا تفي بالغرض إن وجدت، كما ليس هناك القدرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من المودعين لتنفيذ الأحكام الصادرة ضدهم.
هذه الظاهرة تنمو بسبب الفقر والبطالة والحالة الاقتصادية التي يعاني منها العراق وسوء إدارة الثروات المالية والتنمية الاجتماعية والتي تفتح الأبواب للاحتيال والنصب وجرائم تعاطي المخدرات والاتجار بالبشر.
إن التسول في العراق أخذ منحى وتنوع وصور منها، التسول الحقيقي لسد الحاجة والضيق المالي الذي يفتك بالعائلة وأفرادها، استخدام التسول من قبل جماعات يتم التنسيق بين أفرادها من قبل عصابات الجريمة المنظمة.
وإجمالاً فإن الأسباب الحقيقة وراء التسول في العراق تكمن في ارتفاع نسب البطالة، وسوء إدارة الثروات والموارد، المتاجرة بالمخدرات من قبل العصابات، التفكك العائلي بسبب قلة الموارد، غياب العقوبات الرادعة، ضعف في متابعة المتسولين وأخذهم بالشدة، غياب الرقابة والمتابعة، قلة المراقبين لحركة تجمعات المتسولين وأماكن تواجدهم، غياب وسائل الإعلام في تغطية حالات التسول وأبعادها ومضارها المجتمعية إلا نادراً، تعديل التعليمات بما يضمن التطبيق السليم، الاهتمام بالتربية، تعديل قانون الاستثمار الأجنبي بما يضمن الزيادة في نسبة تعين الأيدي العراقية العاملة، إلزام شركات القطاع الخاص والمختلط بتعيين العاطلين عن العمل مع توافر الشروط، التصدي لظاهرة التسول الالكتروني واستخدامها كأداة للنصب والاحتيال وتجنيد الأطفال والنسوة في نشر مقاطع فيديو وصور في استغلال عواطف ومشاعر الآخرين، في حالة القبض على المتسول حامل الجنسية العربية أو الأجنبية فلا بد من تسفيره إلى بلده بعد صدور حكم ضده.
كي لا أطيل على القارئ الكريم فهناك الكثير إلا أنني سأكتفي بهذا القدر.