شبكة ذي قار
السابع من نيسان مخاض أمة منذ ما قبل عام 1947 ..(ح- 1)

السابع من نيسان مخاض أمة منذ ما قبل عام 1947 ..(ح- 1)

د. أبا الحكم    

برزت في سماء الأمة الكثير من الاحزاب الوطنية على مدار عقود عديدة من السنين، ثم تلاشت تدريجياً لأسباب تقع في مقدمتها قطريتها واختزالها بقادتها ومحدودية اهدافها الوطنية القطرية وعدم شموليتها واتساعها الفكري والتنظيمي الى محيطها القومي :

1-هذه الاحزاب وعلى وفق اهدافها تلاشت في العراق وفي اقطار الامة على الرغم من دورها المؤثر في حقبة الهيمنة الاستعمارية على ساحاتها سواء كان الامر يتعلق بنضالات التحرير او التحرر من ربقة الاستعمار الفرنسي والايطالي والهولندي والاسباني والبريطاني او يتعلق بنضالات مع السلطات والحكومات القمعية المستبدة .

2-تبنت هذه الاحزاب مطالب الشعب العربي في مضمار التحرر والدفاع عن مصالح الجماهير في اقطارها ولكن قياداتها ظلت في اطر (تحررية) قطرية في ظل ظروف الاحتلال الفرنسي مثلا للجزائر او المغرب او تونس وليبيا، فضلا في ظل مقارعة النظام الملكي المستبد في العراق في تلك الحقبة.

3-ولكن البعث العربي الاشتراكي لم يكن يرتكز على بعد واحد في نهجه الفكري والعملي الميداني، كما لم يكن محدوداً في اطره ونضالاته القطرية إنما ممتداً على رقعة جغرافية عربية واسعة تمتد من اقصى المغرب العربي الى اقصى المشرق العربي ،

كما لم يكن فكره مختزلاً قطرياً ليمثل نهجاً محدوداً ، إنما كان وما يزال يمثل انعكاسا رائدا لما يريده الواقع العربي وفي كل اقطار الامة من مطالب حيوية ذات بعد قومي ..

فالواقع العربي من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي ومن مشرقه الى مغربه كان بحاجة الى وحدة نضالية قادرة على تحمل اعباء النضال الذي يدور على مختلف الصعد الجماهيرية الشعبية والسياسية والاقتصادية والثقافية والامنية، كما كان بحاجة الى تحمل هذه الاعباء من خلال ثورات غير نمطية يلتحم فيها الحزب مع حركة الجماهير ميدانيا من اجل (تغيير) الواقع (الفاسد) وبما يتماشى مع اهداف الجماهير من حيث البناء الجديد لبنية المجتمعات العربية على المستوى السياسي والثقافي والتربوي والاقتصادي والعسكري، الأمر الذي يجعل من الدولة العربية ناهضة بمؤسساتها راسخة بمناهجها تتسع لتحاكي مؤسسات ومنظمات وهياكل نظم الاقطار العربية على اساس التكامل في البناء القومي والتلاحم الجماهيري .

وعلى هذا الأساس، شدد الحزب على الوحدة، وحدة الأقطار العربية، لماذا؟ لأن الأمة العربية مجزأة بفعل الاستعمار، ومقارعة الاستعمار ضرورة نضالية لا بد منها من اجل الوحدة، والوحدة ليست خياراً آنياً أو شكلياً إنما خياراً نضالياً بعيد المدى قد يمتد لأجيال حتى تنضج خلالها الشروط الذاتية وتتلاءم الظروف الموضوعية لقيام الوحدة التي من اهم شروطها انها تبنى من قاعدتها الجماهيرية لكي تبقى وتستمر وذلك بناء على قياداتها السياسية التي تؤمن بالوحدة واهدافها في الحرية والعدالة الاجتماعية.. وبتحقيق الوحدة العربية تتحقق الحرية، لماذا ؟ لأن لا حرية بدون الوحدة ..

وما دامت التجزئة قائمة فأن الاقطار العربية متفرقة ومتشرذمة ومخترقة ومتناحرة ومقسمة على اساس نفوذ قوى كبرى وعظمى وتحت تأثيرات إقليمية .. فخيارات النضال من اجل الوحدة العربية يكتسب طابعاً عمليا وميدانيا وليس فكريا فحسب ..

والوحدة في فكر البعث مطلبا كبيرا ورائدا تتحقق من خلالها الحرية وتتحقق العدالة الاجتماعية ، الأمر الذي جعل مطلب الوحدة في مقدمة نضالات الحزب الفكرية والعملية ، وحدد معوقات عدم تحقيقها من خلال مؤتمراته القطرية والقومية على امتداد تاريخه النضالي منذ السابع من نيسان عام 1947 وما يزال يناضل من اجل الوحدة والحرية والاشتراكية . وللحديث بقية عن معوقات الوحدة العربية.

الاحتفاظ بالرد.. إعلان عن بضاعة رخيصة.!!

الاحتفاظ بالرد.. إعلان عن بضاعة رخيصة.!!

د. أبا الحكم    

المشكلة هي أن بعض مفردات السياسة التي تستخدمها طهران بغطرسة فارغة كـ(الرد في الوقت المناسب) و (الإحتفاظ بالرد في المكان والزمان المعينين) و ( سيكون الرد صاعقاً) و (الرد سيقلب معايير الردع) و (الصبر الإستراتيجي) ..

والقائمة تطول في سجل النظام الايراني، ولم يرى العالم أية ردود تذكر على الضربات الأمريكية والإسرائيلية التي طالت العمق  الايراني، وهي ضربات تأتي بإستحياء أو خجولة تداري واقع صراع يحرص أعضاؤه على إضفاء صفة الحقيقة المشوبة بالغموض.. سواء من هذا الطرف أو ذاك الأمريكي الاسرائيلي أو الإيراني .

والسبب يكمن في:

أولاً- ضرورة اضفاء شيء من الصدقية على الصراع.

ثانياً- أن يستمر الصراع على هذا المستوى لحين تحقيق الأهداف الكبرى المتفق عليها.

ثالثاً- عدم وجود تكافؤ في القوة بين الاطراف (المتصارعة)، ومن الصعب على الطرف الضعيف أن يجازف بالتصعيد الجدي بدون إسناد عناصر القوة لديه .

وعلى اساس هذه الحقائق تظل (اسرائيل) وأمريكا تستخدمان القوة في اطار الردع وعدم التجاوز في ميدان الصراع، أما إيران فهي ملتزمة بإخبار الطرف الأمريكي عن عزمها على توجه ضربة إنتقامية في المكان والزمان المعينين،

وتبعاً لذلك يتم أخذ الاحتياطات اللازمة بتجنب الخسائر كما حصل بالقرب من قاعدة عين الأسد في العراق وكذلك في اربيل . وجاء حدث شارع المزه في دمشق العاصمة السورية ليشير إلى أكثر من دلالة موضوعية يتوجب اخذها بنظر الاعتبار حول اختيار الضربة الصاروخية الاسرائيلية الأخيره:

1- إنها استهدفت مقراً إيرانيا رسميا مشمولا بالحماية وبالحصانة الدبلوماسية، وهو المقر التابع للسفارة الايرانية في دمشقً.

2- اختار الكيان الصهيوني يوم الجمعه لضربته الصاروخية، وإن كافة الدبلوماسيين والاداريين والسفير الإيراني في خارج مبنى السفارة.

3- الجنرالات الايرانييون وفي مقدمتهم قائد فيلق القدس الايراني اجتمعوا في الملحقية الايرانية المجاورة للسفارة، والتي يفترض أن تكون خالية ومعطلة شأنها شأن السفارة، بيد أن دهاقنة المخابرات الإيرانيين اصروا على عقد الاجتماع المهم لمستقبل سوريا ولبنان والعراق  للتمويه ..

فبدلا من الحماية تحت سقف الدبلوماسية حصد الايرانيون ما خططوا له من عمليات تخص اصلا نقل أسلحة صاروخية من العراق المحتل إلى سوريا ليتم نقلها إلى الجنوب اللبناني ليتولى حزب حسن نصر الله تنفيذ تخطيط العمليات الخارجية الايرانية، خروجاً على الاتفاق الاستراتيجي بين اطراف الصراع. تدرك طهران إنها في مأزق طالما اعلنت إنها لا تسعى إلى توسيع دائرة الصراع في الشرق الاوسط ، والرد الذي ألزمت نفسها به يتوجب أن يراعي مسألتين مهمتين:

الأولى: ان أي رد ايراني سيوسع من دائرة الصراع.

والثانيه: ان أي رد إنتقامي إيراني سيواجه بالتصعيد الرادع المتشعب في ظل أستراتيجية ليست تقليدية كشفتها ضربة شارع المزة في دمشق والتي لم تراع فيها الحصانة الدبلوماسية وأهانت نظام الأمم المتحدة  وروسيا وسوريا وإيران ..

وهذه صفحة جديدة في مستوى الردع الذي قد يأخذ مجرى التصعيد الى العمق الإستراتيجي الإيراني، وهذا لا تريده ايران على الإطلاق. وتقع سياسة (الحفاظ على كيان النظام الديني الايراني) في مفدمة الإستراتيجية الايرانية ..

وعلى أساس هذه الحقيقة أوجدت إيران (مجالات حيوية) على اطرافها الغربية في العراق وسوريا ولبنان واليمن بالتعاون مع أمريكا والغرب، إلا أن إيران لم تكتف بمقاربات هذا التعاون، إنما فضلت العمل بإستراتيجيتها الفارسية على أساس مرحلي وفق منظور (الصبر الإستراتيجي)، البدعة الفرسية التخديرية التي ابتدعها خامنئي .

وأخيراً، وخوفاً من سفك ماء الوجه الصفوي أفرغت طهران شحنتها العدوانية في الرد، ليس على أهداف حيوية امريكية أو إسرائيلية ، وإنما على أطراف الجولان جاء من ذراعها في الجنوب اللبناني وليس من الاراضي الايرانية، كما هو حال الألعاب النارية في سماء سوريا ولبنان وشمال فلسطين المحتلة. اسدلت الستارة على مسرحية فاضحة سمجة باتت مسخرة الجميع .. ولكن هل توقفت المسرحيات وألعابها النارية في الرد الصاعق والرد المدمر والرد المزلزل والرد الذي سيحرر القدس .؟!

كيف نفهم الصراع في المنطقة..؟
كيف نفهم الصراع في المنطقة..؟
د. أبا الحكم  
صراع القوى يختلف بعضه عن بعض، حسب معايير القوة لدى اطراف الصراع وطبيعته إلإقليمية وتحالفاته الدولية .. كما أن التحالفات بين القوى لها اهميتها في الفعل وردة الفعل، وكذلك في رسم خارطة لهذا الصراع .. وإن التحالفات هي الأخرى مختلفة ومتنوعة، فهناك تحالف سياسي وأخر استراتيجي وتحالف عسكري وتحالف أمني وتحالف (تخادمي) له أبعاد إستراتيجية .. والتحالف الأخير هو المعني بالتوضيح ..
فهل هو تحالف مؤقت ينتهي حين تتحقق الأهداف التخادمية المشتركة؟ الذي نعرفه، أن التحالف الامريكي الإسرائيلي هو تحالف دائمي يستند على معطيات الأمن والمصالح المشتركة، فهل أن التحالف التخادمي الذي حل بالمنطقة بعد الانسحاب الامريكي من أفغانستان وله طابع استراتيجي يقوم على مشتركات تقع في مقدمتها
1- كراهية العرب
2- ومنع وحدتهم وإتحادهم وتقاربهم
3- والعمل على إضعافهم
4- واستنزافهم اقتصادياً
5- وتدمير عناصر قوتهم
6- وتفكيك مجتمعاتهم وإعادة تشكيلها على وفق أنماط لا تخدم العرب.
هذه المشتركات يتفق عليها معظم المفكرين والخبراء والباحثين في الشأن العربي والإسرائيلي والأمريكي والإيراني أيضا ..  وهي مشتركات تكتسب عمقاً تاريخياً لا أحد يستطيع نكرانه أو إلغائه أو تغطيته..
وذلك لأن واقع المشتركات هي، كما يقول المحللون الإستراتيجيون، حقائق موضوعية وواقعية عبر حقب التاريخ ، وقبل ظهور الرسالة المحمدية ومنذ اكثر من 1400 عاماً وكذلك منذ عام 1948 وإلى عام 2003 وما بعدها ..
ومن غير الدخول في تفاصيل التاريخ فإن (التخادم) الإستراتيجي الراهن، يعني (تخدمني أخدمك) والعكس صحيح ايضاً، تبعاً للمشتركات . والتخادم المكشوف في بعض المسائل السياسية يكون مضراً لأطراف التخادم، خاصة إذا كانت الأهداف جوهرية وحساسة يقتضي التعامل معها بمهنية عالية ، كالتعامل مع القضية الفلسطينية ومن أبرزها الحالة في (غزة) التي تتداخل فيها قوى ذات آيديولوجيات فكرية ودينية وسياسية متعددة، فضلاً عن وجود الشعب الفلسطيني ذاته كوحدة نضالية وليس كفصائل يدعي أيا منها وصايته على الشعب الفلسطيني .
أما التخادم السري المتخفي، فهو الأكثر إثارة للجدل حيث تختفي بين صفحاته العسكرية الكثير من الأمور وتتخفي بين طياته السياسية جهات وقوى تعلن غير ما تبطن . والذي نعرفه ايضاً بحكم أسس ومنطلقات علوم السياسة والإستراتيجيا .. ان للحرب قواعدها الخاصة ومقترباتها ومقارباتها السياسية والاقتصادية والتعبوية والإستراتيجية وما تنطوي عليه من مفاهيم يتحدد طابعها من بداياتها حتى نهاياتها على طاولة المفاوضات الحتمية، لغرض توصل أطراف الصراع إلى اتفاقات من شأنها ان تحافظ على الوجود المادي لطرفي الصراع والوجود الإعتباري لهما.. وقد تكون الحرب دفاعية محضة أو هجومية وقد تتطور إلى العكس فيمسي الهجوم دفاعاً والدفاع هجوم في حالة الضرورة، إلا إنها في كل الأحوال تنتهي عند طاولة المفاوضات التي تحدد من هو المعتدي ومن هو المعتدى عليه، في حالة وجود سلطة أممية عليا ..
أما الاقوى فقد يعلن الإنتصار والضعيف يلوذ بالصمت وبسياسة الأمر الواقع. ولكن ، لا احد يدخل الحرب بدون ان يحدد اهدافها؟ وقبل ذلك يعرف خاتمتها ، وإلا فإن المتاهة تبقى هي التي تخيم على الموقف الذي لا نهاية له .. فهل حددت الحرب على غزة اهدافها من لدن اطراف الصراع؟ الكيان الصهيوني دائماً، بصفته محتلاً ظالم، قد حدد أهدافه: أولاً- تهجير سكان غزة صوب خيارات متعددة. ثانياً- إنهاء فصيل حماس عسكرياً. ثالثاً- البدء بمرحلة ما بعد غزة على طريق إنهاء القضية الفلسطينية .
فهل يستطيع الكيان الصهيوني الوصول إلى هذه الاهداف؟ لقد حاول منذ عام 1948 حتى طوفان الأقصى، قرابة 75 خمسة وسبعون عاماً، وكل محاولاته باءت بالفشل .. ولكنه الآن قد يكون قادراً بحكم التخادم- الإستراتيجي الاقليمي وبحكم شق وحدة نضال الشعب الفلسطيني وبحكم تحييد اكثر من 90% من قوى الشعب الفلسطيني، ودفع أقل من 10% منه إلى حالة الحرب التي تفتقر إلى إستراتيجيا متكاملة وإلى موارد وإلى عمق إستراتيجي إقليمي عربي ودولي. فهل يستطيع فصيل فلسطيني مسلح واحد الوصول إلى هدف الحرب الذي لم يحدده بعد؟ ويفتقر إلى العمق الاستراتيجي العربي والدولي (مادياً ومعنوياً)؟ .. الكيان الصهيوني لديه عمقه الإستراتيجي الغربي الأمريكي، فما هو عمق فصيل فلسطيني واحد دخل إلى الحرب دون هدف؟ . ما هو هدف الحرب ، هل هو تحرير الارض الفلسطينية من النهر الى البحر؟ أم تحرير السجناء والمعتقلين وتبادل الأسرى والمعاقين والجثامين؟ والفرق كبير جداً بين المفهومين في واقع الصراع والحرب.. فهي حرب تحريك وليس حرب تحرير. علينا ان نعي السيناريو الآتي :
أولاً- اندفع فصيل فلسطيني مسلح واحد يرافقه فصيل أقل مستوى من غزة الى خارجها واحدث الذي حدث .. فتح هذا الفصيل جبهة عريضة وعميقة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ثانياً- شجعت قوى خارجية (إيران) هذا الفصيل على فتح جبهة الحرب بوعود الاسناد التي لم تتحقق.
ثالثاً- من الصعب الاعتماد على (الإعلام) في مسيرة مراحل الحرب، إعلام يقلب الخسارة إلى إنتصار تحت ذرائع وهمية مخادعة .
رابعاً- من الصعب تجاوز مديات الحرب وفق منظور حسابات القدرة والقوة وتقدير صناع القرار.
خامساً- متى تنته الحرب على غزة ومن يقرر إنهائها وكيف في ضوء معايير السياسة التي تتحكم بمدخلات ومخرجات الأحداث في المنطقة ؟
الواقعية السياسية، أو السياسة الواقعية مسألة لها وزنها عند صنع قرار الحرب وقرار السلم .. الحرب حالة إستثنائية قاعدتها العامة إنهاء الحالة المؤقتة بكل السبل الممكنة والمتاحة .. فإذا لم تتحقق الاهداف لن تتوقف الحرب ..
وما دامت مستمرة في القضاء على الأخضر واليابس فإن الاهداف لم تعد قريبة.. الآعبون الكبار إقليميون ودوليون لا يريدون وقفها لأن اهدافهم لم تتحقق بعد.!!
ما هو الجديد من البدع المبتكرة؟

ما هو الجديد من البدع المبتكرة؟

نزار السامرائي

 

نشهد كل سنة اضافات من فنون اهانة العراقيين في عاشوراء او ( زيارة الاربعين)، ما يستفز كرامة اي عراقي يشعر بانه يقترب من تصفير رصيده من الكرامة الوطنية. لو توقف الامر عند ما هو حاصل منذ سنوات لقلنا لندع الافراد والجماعات كل يعبر عن الفرح أو الحزن بالكيفية التي تناسب مداركه العقلية ومستوى وعيه ونضجه، ولكن العراق يشهد في كل سنة إضافات وتطويرات هوليودية أو من السينما الهندية سنويا عليها،

هل رأيتم اهانة للعقال العربي أو لقيم الجندية العراقية وهما يداسان بالإقدام الفارسية، عندما أشاهد عسكريا عراقيا أو رجلا يضع فوق رأسه اليشماغ والعقال العربي، وهو ينادي على الزوار الفرس هلموا اغسلوا اقدامكم، ثم يضع قدم الفارسي على راسه، ويتبارك بشرب الماء الوسخ مما تساقط من أقدام الفارسي،

لا أفكر بأن صاحب العقال أو البدلة الخاكية يمثلان نفسيها أو بيتهما أو عشيرتهما أو محافظتهما، وإنما هو عمل مدبر في مكان ما من طهران وقم يريد أن يقول لقد دسنا على العقال العربي ومرغناه بوسخ اقدامنا، أو دسنا على شرف الجندية العراقية واخذنا ثأرنا من المؤسسة العسكرية العراقية التي جرعتنا كأس السم، و(العراقيون) يفعلون ذلك عن طيب خاطر وحب وعشق ويقين ويعتبرون ذلك من الايمان.

من يدري ماذا سيحصل السنة القادمة، مراكز تطوير السيناريوهات تعمل بدأب وعلى قدم وساق. لابتداع كل جديد ومبتكر من الصفعات، من أجل اهانة العراقيين. لقد بتنا نستورد كل مستهجن ومقرف ومهين، وإيران المشرف على تصدير البدع لنا، تعيش في عالم آخر  من اللهو وكأنها دولة أوربية، فهل تجمع أشرار الأرض على العراق ليلقوا فوق أرضه كل نفاياتهم؟

أي بُعدٍ سياسي للردِّ الإيراني؟

أي بُعدٍ سياسي للردِّ الإيراني؟

حسن بيان  

كثُرت القراءات السياسية للعملية العسكرية التي نفذها النظام الإيراني ليل الرابع عشر من نيسان، والتي أدرجها تحت عنوان الرد على العملية الإسرائيلية التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق وأودت بحياة عدد من المسؤولين العسكريين والأمنيين الذين يديرون ويشرفون على المليشيات التي ترتبط بمركز التحكم والتوجيه الإيراني وتقوم بالمهام التي تخدم أجندة الأهداف الإيرانية بالدرجة الأولى.  

وكما كثُرت القراءات السياسية لأبعاد هذه العملية، فقد كثُرت التباينات حول تقييم نتائجها. ففيما العدو الصهيوني اعتبر ان دفاعاته وخاصة ما يسمّى بالقبة الحديدية استطاعت أن تبطل مفاعيل المسيّرات والصواريخ التي كانت وجهتها فلسطين المحتلة، فإن النظام الإيراني اعتبر ان العملية حققت كامل أهدافها. ولهذا صوّر الإعلام الصهيوني كما الإعلام الإيراني والمواقف السياسية لكلا الطرفين بأنهما خرجا رابحين من هذه العملية.

  وبعيداً عن البروباغندا الإعلامية التي تعاملت مع هذه العملية من موقعي «التضخيم» و«التقزيم» للنتائج التي ترتبت على ذلك، فإن هذه العملية بمقدماتها وسياقاتها ونتائجها إنما بينّت انها لم تحدث تدميراً ملحوظاً وكبيراً في البنى والمرافق العسكرية الصهيونية، ولم تؤدِّ الى إيقاع خسائر بشرية. وهذا يعود الى أن المسيّرات والصواريخ تم اعتراضها وتدميرها قبل أن تصل الى أهدافها.  

لكن يبقى الأهم من كل ذلك هو البُعد السياسي لهذه العملية. في ضوء النتائج المادية التي تمخضت، يمكن القول ان العملية إنما تندرج تحت عنوان المناورة العسكرية بالذخيرة الحيّة، حيث اختبر العدو الصهيوني من خلالها فعالية دفاعاته وخاصة ما يسمّى بالقبة الحديدية، كما اختبر النظام الإيراني مدى قدرة مسيّراته وصواريخه في الوصول الى فلسطين المحتلة. لكن وبغض النظر عما أحدثته من تلك العملية من نتائج على الأرض، فإن ما يجب التوقف عنده هو حقائق أساسية أميط اللثام عنها من جراء هذه العملية.   الحقيقة الأساسية الأولى،

إن هذه العملية التي كان طرفاها المباشرين الكيان الصهيوني والنظام الإيراني، أدّى دخول أطراف أخرى على سياقاتها العملية وخاصة دول أساسية في حلف شمال الأطلسي، الى إعادة استحضار ثابتة من ثوابت الاستراتيجية الأميركية التي تبلورت بعد الحرب العالمية الثانية والقائمة على ثلاثة ثوابت: أمن النفط وأمن أوروبا وأمن «إسرائيل». وان الحماية الدولية «لإسرائيل» وخاصة الأميركية منها، لا تقتصر على جانبها السياسي وحسب وإنما هي مشمولة بحماية عسكرية. وهذا ما بدا واضحاً من مسارعة أميركا لإرسال سفنها الحربية من مدمرات وحاملات طائرات مع بداية الحرب على غزة ومن ثم المشاركة في اعتراض المسيّرات والصواريخ الإيرانية.

وعلى ضوء هذه الحقيقة، فإن هذه العملية أفضت الى إعادة التعريف بالدور الوظيفي للكيان الصهيوني الذي كان وما زال وسيبقى تحت مظلة الحماية الدولية لمراكز التقرير في النظام الاستعماري الذي تسلس قيادته حالياً للموقع الأميركي. الحقيقة الأساسية الثانية، ان هذه العملية كانت محكومة بضوابط قواعد الاحتواء الأميركي وبضبط إيقاعٍ يحفظ لقوى الإقليم غير العربية، أدواراً محددة السقوف في ترتيبات إعادة تشكيل نظام إقليمي تكون «إسرائيل» وإيران وتركيا وأثيوبيا من بوابة الأمن المائي من قواعده الارتكازية تحت مظلة الراعي الأميركي. وما يؤكد بان هذه العملية نفذت ضمن قواعد التفاهم الأميركي – الإيراني المسبق، انه تم إبلاغ ضابط الإيقاع الأميركي قبل حصولها وتحديد زمانها ومداها. وعلى قاعدة التفاهمات المشتركة الأميركية – الإيرانية كانت النتائج في حدود الاحتواء لعمليات الاشتباك السياسي والعسكري. الحقيقة الأساسية الثالثة، ان الاشتباك الذي حصل ليل 13/14 نيسان، إنما حصل في الفضاء العربي، من حدود العراق شرقاً الى حدود فلسطين غربا، وهذا ما كان ليحصل لولا الانكشاف الحاصل في الواقع العربي بعد الزلزال الذي ضرب البنيان القومي انطلاقاً من فالق العراق بعد العدوان المتعدد الجنسيات عليه وإسقاط نظامه الوطني.  

لكن ثمة تساؤل لا بد من التوقف عنده.. إذا كانت الخسائر المادية التي نتجت عن هذه العملية محدودة، ألم يكن بإمكان الأذرع الإيرانية أن تنفذ مثل هذه العملية، وهي موجودة على الأرض وفي حالة اشتباك مع العدو منذ اليوم التالي لعملية «طوفان الأقصى»، إن على جبهة لبنان – فلسطين، أو على «جبهة البحر الأحمر» وقد أصيب الكيان الصهيوني بخسائر بشرية ومادية تفوق كثيراً وبشكل لا يقاس بما أحدثته العملية الإيرانية المباشرة.

لقد أعطى النظام الإيراني تبريراً لذلك، انطلاقاً من كون القصف الصهيوني لمقر القنصلية في دمشق، إنما استهدف مكاناً يعتبر بحسب اتفاقية فيينا والمواثيق الدولية، مكاناً يتمتع بحصانة دبلوماسية وسيادية باعتباره يمثل امتداداً لسيادة الدولة الإيرانية. ولذلك فان استهداف القنصلية كان بنظره استهدافاً لموقع سيادي إيراني كاستهداف الأرض الوطنية، وبالتالي كان الرد يجب أن يكون من الأرض الوطنية الإيرانية، وأضاف النظام الإيراني سبباً آخراً، هو انه لم ينصب صواريخه ويطلقها كما المسيّرات من أرض دول عربية محيطة بفلسطين أو قريبة منه، حتى لا يشكّل إحراجاً لهذه الدول، وما يمكن أن يترتب من نتائج إذا ما حصل رد فعل صهيوني.

  إن هذه الحجة الإيرانية، مردودة عليه لسببين: السبب الأول، ان النظام الإيراني ومنذ اندفع الى العمق العربي، لم يقم اعتباراً لمبدأ السيادة الوطنية في كل الدول العربية التي تغوّل بها. بل ان استباحته كانت على مستوى من الشمولية طالت الصعد السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية. فما الذي حدا به لأن يتذكر مبدأ السيادة الوطنية ويبدي حرصاً عليها في لحظة اشتباك إعلامي وسياسي وعسكري مع الكيان الصهيوني بعد نيّفٍ وستة أشهر من الحرب على غزة يا ترى؟ ثانياً، ان الأذرع التي ترتبط بمركز التوجيه والتحكم الإيراني مهمتها الأساسية تنفذ أجندة الأهداف الإيرانية على مستوى الساحات الوطنية وفق ما تقتضيه مصالح إيران ولو تعارضت وتناقضت مع المصالح الوطنية. فلماذا لم يطلب منها الرد على قصف القنصلية في دمشق؟ وهو الذي لم يكتم سراً بأنه يسيطر على أربع عواصم عربية!! في الجواب على هذا التساؤل ورغم كل ادّعاء معاكس فان النظام الإيراني، لم يطلب الى التشكيلات الأمنية والعسكرية المرتبطة به القيام بالرد على عملية القنصلية، وبادر الى تنفيذ ذلك مباشرة، لانه يدرك جيداً ان حضوره من خلال أذرعه، وان كان يحفظ له موقعاً على طاولة ترتيبات الحلول للأزمات البنيوية التي تعصف بأكثر من ساحة عربية، وخاصة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، إلّا ان هذا لا يمكنه من الجلوس على طاولة الترتيبات على مستوى الكل الإقليمي مع بداية التداول بحلول للقضية الفلسطينية ومنها الترويج لحل على أساس «حل الدولتين» بحيث باتت موضوعاً على نار حامية. وبطبيعة الحال فإن من يريد أن يحفظ له موقعاً على طاولة إنتاج هذا النظام الإقليمي لا بد أن يكون على تماس مباشر مع نقاط ارتكازه الأساسية ومنها «إسرائيل» كما على علاقة تفاهم مع مهندسه الأساسي وهو أميركا. ولما كان الحضور على مستوى إنتاج النظام الإقليمي الأشمل، يفرض على أطرافه الأساسية الحضور المباشر للأصيل، وهو ما لا يمكن تحقيقه بواسطة الوكيل الذي يبقى دوره محصوراً في إطار «الخاص الذي يتموضع في نطاقه»،

عمد النظام الإيراني الى توجيه رسالة للمعنيين وخاصة الراعي الأميركي، للاثبات بأنه موجود على خطوط التماس المباشرة مع القضية التي تشكّل جوهر الصراع في المنطقة ولن يقبل بأن يكون دوره مهمّشاً وهو الذي عمل على الاستثمار بهذه القضية خدمة لأجندة مشروعه في تهديد الأمن القومي العربي من الداخل والمداخل. من هنا فإن عملية الرد الإيراني وكذلك الرد الصهيوني على الرد، إنما تم ويتم ضمن قواعد التفاهم والسقوف المرسومة، وإن ما يحصل على جبهة الاشتباك العسكري والسياسي والإعلامي بين النظام الإيراني والكيان الصهيوني، لا يعدو كونه اشتباك محدود في استهدافاته وهو نفّذ ضمن قواعد الاحتواء الأميركي لأدوار قوى النظام الإقليمي الجديد لإثبات أن أطرافه الميدانيين ومنهم النظام الإيراني يستوفون شروط عضويته المطلوبة أميركياً.

يَبقى البَعْثُ حرَكةً مُتجَدِّدةً وأملاً مَفتوحاً على المُستَقبَل

يَبقى البَعْثُ حرَكةً مُتجَدِّدةً وأملاً مَفتوحاً على المُستَقبَل

  د. أحمد شوتري  

الحركات التاريخية في حياة الأمم والشعوب، حركات متجددة على الدوام، وامل ممتد عبر السنين، حتى تتحقق جميع أهدافها المشروعة، التي صيغت في برامج طويلة الأمد.   وتختلف الحركات التاريخية عن الثورات مهما كانت عظمتها، لأن الثورات محكومة بزمن وأهداف محددة، وتأخذ في بعض الأحيان صورة رد الفعل، لذلك وصف مؤسس البعث المرحوم أحمد ميشيل عفلق البعث بالحركة، لأنها تعمل لمئات السنين، وتتفاعل مع الزمن وارهاصاته، وتنتقل عبر الأجيال.  

فالوحدة كهدف أسمى للبعث، رغم أنها ليست ابتداع أو اجتهاد، إنما هي استرجاع لحق الأمة الذي ضاع بفعل الزمن والصراع ما بين الأمم، وفواعل ميزان القوى والتقدم، فالأمة العربية كغيرها من الأمم مرت بعصر الولادة، والنمو والتقدم والقوة. واخذت من الزمن أمداً طويلاً، امتد لقرون، وضعفت وتراجعت لصالح أمم أخرى، واليوم هي تصارع الزمن والأمم المهيمنة بهدف استعادة حقها في الوحدة والحرية والتقدم، كحق تاريخي لها، وترفض أن تكون أمة ثانوية، لأنها أمة الرسالات والعدل والمساواة ما بين الأمم والشعوب، أمة اختارها الله سبحانه كأمة قائدة للتوحيد والقيم الإنسانية وشاهدة على الناس إلى يوم يبعثون.  

لقد جاءت حركة البعث لاستنهاض الأمة وضبط مقدراتها، والارتقاء بها إلى مصافي الأمم الأخرى لاستئناف رسالتها التاريخية، وصاغ البعث مشروع الأمة في النهضة بشعاراته المعروفة: الوحدة والحرية والاشتراكية، والرسالة الخالدة. وتتقدم الوحدة شعاراته الأخرى، لأنه بدونها لا يمكن لأمة أن تنهض وتستأنف دورها، والحرية كشعار لإطلاق العنان لعبقريتها للإبداع، والتعبير عن رسالتها الإنسانية. والاشتراكية كعامل نهضة مادي لتحرير الإنسان العربي من التبعية، والشعارات الثلاثة بمجموعها تشكل عمل متكامل لصياغة مشروع النهضة. في ذكراه السابعة والسبعين لا تجد الأمة العربية مخرجاً لحالتها الراهنة للتحرر والتقدم إلا في مشروع البعث، أمام التحديات الكبرى التي يعيشها العالم اليوم.  والتي يشكل العامل الاقتصادي والتقدم العالمي الهائل عنوانها الرئيسي، فالأمة العربية لا تستطيع أن تجاري العالم وسط هذه الصراعات إلا بعد وحدتها.   فكانت تجربة البعث في العراق المحتل نواة صلبة عبرت عن أهداف البعث بكل أمانة حيث أعطت للأمة العربية نموذجها المتكامل والمطلوب في النهضة، لذلك تكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، داخلياً قبل الخارج، ورغم تعطيلها فإنها ماتزال تقاوم داخل العراق وتقدم التضحيات.  

فالبعث سيظل دوماً حركة متجددة وأمل مفتوح على المستقبل ولا يمكن وقفه بإرهاصات عارضة مهما كانت شدتها وتداعياتها السلبية. فالبعثيون اليوم كقوة نضالية عربية موحدة موجودون على طول الوطن العربي وخارجه يناضلون ومسلحون بتجاربهم، وكلهم أمل في اعلاء صرح حزبهم، والتطلع إلى المستقبل بثقة، فالبعث في الجزائر مثلاً لم يكن في السنوات السابقة يستطيع أن يقيم حفلاً علنيّاً كبيراً، أو يفكر في المشاركة في الانتخابات، واليوم نحتفل بمثل هذا الزخم ونفكر في المشاركة وكلنا امل في تحقيق مكاسب جديدة لحركتنا النضالية. البعث حركة ثورية لا تقبل السكون ولا بأنصاف الحلول في قضايا الأمة المصيرية، وعليه يرى في معركة طوفان الأقصى في فلسطين المحتلة خير معبر عن تطلعات الأمة في التحرير الكامل لفلسطين المحتلة من النهر إلى البحر، في وقت بدأ الكيان الصهيوني الغاصب يعد العدة لوأد ثورة شعبنا في فلسطين و طي قضيته الوطنية، فالطوفان أعاد احياء القضية الفلسطينية كقضية جوهرية في حياة الأمة كوصف البعث لها، وتعظيم التضحيات الكبيرة التي قدمها شعبنا في فلسطين بفصائله المختلفة عبر أكثر من سبعة عقود، وعليه يحتفل البعث اليوم في ذكراه السابعة و السبعين على وقع ثورة فلسطين، التي وضعت حداً للتآمر الدولي و الرسمي العربي و يفتح الباب أمام ثورة الأمة بأجمعها من أجل تحرير فلسطين ووحدتها.  

تحية اكبار وإجلال لشعبنا الثائر في فلسطين انطلاقاً من غزة الصامدة تحية لكل مناضلي البعث وأحرار الأمة.

تحية للجزائر بروح شعبها الثائر في مساندة شعبنا في فلسطين.

الرحمة على روح القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق.

الرحمة على روح قائد البعث الشهيد صدام حسين ورفاقه.

الرحمة على شهداء الجزائر والأمة العربية.

المساءلة والعدالة: مقصلة سياسية أم جدار لمنع “عودة البعث”

المساءلة والعدالة: مقصلة سياسية أم جدار لمنع “عودة البعث”

  أحمد أبو داود  

منذ صدوره في سنة 2003 بقرار من الحاكم المدني للاحتلال الأمريكي للعراق بول بريمير، وقانون اجتثاث البعث والذي تحول فيما بعد إلى ما يسمى بقانون “المساءلة والعدالة” وهو يُستخدم لاستهداف وإقصاء العناصر الوطنية وخاصة العربية عن المشهد السياسي في العراق.

وبسبب ذلك تطالب القوى الوطنية واغلب شرائح المجتمع العراقي ومنذ سنوات بوقف العمل بهذا القانون المشبوه، وحل ما يسمى بهيئة المساءلة والعدالة، خاصة وانهما يحرمان العراق وشعبه من خيرة خبرات ابنائه والتي هو في أمس الحاجة إليها، وبالتالي يتم تكريس التخلف والفساد والإبقاء على المشاكل المستعصية التي تغرق بها البلاد تحت هذه الذريعة. ولقد تطور استغلال هيئة المساءلة والعدالة بعد عقدين من تشكيلها من استهداف الوطنيين المعارضين،

إلى أداة تستخدمها القوى المتنفذة للإطاحة بخصومها المشاركين معها في الميدان السياسي، ولاسيما خلال مرحلة الانتخابات. لكن القانون ما يزال ساري المفعول بعد مرور 21 سنة على صدوره، إذ تحول إلى وسيلة للانتقام من جهة، ووسيلة للاستهداف السياسي من جهة أخرى.   أداة للثأر والانتقام واستهداف الوطنيين إن ما يسمى بالمساءلة والعدالة قد تحولت إلى أداة للثأر والانتقام والاستهداف الوطني والسياسي. علماً بأن هناك في العالم تجارب تحت اسم “المساءلة والعدالة” في دول أخرى أبرزها جنوب أفريقيا حيث  كان الهدف منها هو تحقيق الإنصاف لذوي الضحايا في الفترات السابقة ، واطلاق حرية التعبير و اشاعة العلاقات الديمقراطية، حيث إن الغرض من التجربة هو تحقيق العدالة الاجتماعية ومحاسبة المتورطين عن طريق القضاء حصرياً والتمهيد للمصالحة المجتمعية، وليس الانتقام المجتمعي لشرائح ومكونات اساسية للشعب او الانتقام السياسي من الخصوم. إن الإنصاف الذي بني على أساسه مفهوم المساءلة والعدالة في العالم يقتضي محاسبة الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم فقط ،

حيث تتجه بعد ذلك الدول والمجتمعات إلى المصالحة المجتمعية الحقيقية، كما حصل في جنوب أفريقيا عبر المصالحة بين السكان الأصليين الأفارقة السود والمستوطنين البيض. ولكن ما حصل في العراق بعد 2003 بصدور قانون الاجتثاث سيء الصيت الذي أصدره الحاكم المدني للاحتلال الأمريكي بول بريمر، وتطبيقه بطريقة تعسفية شملت الآلاف من تدريسيي الجامعات ومنتسبي القوات المسلحة وخيرة كوادر العراق والموظفين والخبراء في كل المجالات ممن صرف عليهم العراق لتأهيلهم المال والجهد والزمن لخدمة الوطن وشعبه، حيث تم حرمانهم من الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية وغيرها وتشريدهم وتشتيت عوائلهم. إن التطبيق الثأري للقانون شمل ملايين البشر وهدد أوضاعهم الاقتصادية والمعاشية، مما يشكل خطراً كبيراً على المجتمع العراقي وعلى مستقبل العراق وبالتالي يكرس التخلف فيه ويمنع عنه اية فرصة للاستقرار والازدهار.

التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للحرب ومعالجتها –    الجزء الاول –
التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للحرب ومعالجتها –   
الجزء الاول –
قيادة قطر السودان –
اللجنة الاقتصادية  
مقدمة:
بمرور سنة على حرب التدمير العبثية التي اندلعت في 15 أبريل/ نيسان من العام الماضي، بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، تتناول مساهمة اللجنة الاقتصادية لحزب البعث العربي الاشتراكي، بالرصد والبيانات والمعلومات، ما أمكن، والتحليل وبمنظور اقتصادي اجتماعي والتركيز عليه، تداعيات الحرب وآثارها البنيوية على مجمل الأوضاع في البلاد ومعالجتها، وسوف يتم تناول محورين فيما يلي هما:
1- الجذور والأبعاد التاريخية الكامنة للحرب
2- التأثير والأدوار الإقليمية والدولية في مجرياتها والمعالجة.  
الجذور والأسباب التاريخية الكامنة للحرب موجز تاريخي للتطورات بعد معركة كرري بين جيوش الثورة المهدية في عام “1898م” والقوات البريطانية الغازية والتي حسمها التفوق العسكري الناري الغربي على بسالة وشجاعة وفراسة السودانيين، وقع السودان في براثن الاحتلال مجدداً، وحرص المستعمر البريطاني، انطلاقاً من أهدافه الاستعمارية ومصالح بريطانيا، على إعاقة وإجهاض أي بوادر جنينية لثورة مهدوية أخرى، فقتل واعتقل الكثير من القادة والثوار المهدويين وأبقى على من ضَمِنَ ولائه أو استكانته، وخلق منظومة معقدة لإدارة البلاد من ذوي المصالح المشتركة معه، مركزاً على استمالة قادة الطوائف الدينية وزعماء العشائر والإدارات الأهلية ليخلق منهم طبقة توظف نفوذها الديني والاجتماعي للعمل بالإنابة عن المستعمر البريطاني، وتنفيذ سياساته بالقاعدة التي عمد على إرسائها (فرق تسد) وقوانين المناطق المقفولة.  
ويجب الإشارة إلى أنه ورغم هذه العوائق المصطنعة والهادفة إلى محو كل أثر ثوري ومقاوم لسياسات المستعمر، إلا أن جذور الثورة المتقدة في نفوس السودانيين وجيناتها الباقية في الوعي والإرادة الوطنية قد عبرت عن نفسها بصيغ مستقبلية متعددة في العديد من أنحاء البلاد – في شرق السودان وجنوبه، وفي كردفان ودارفور، وفي الجزيرة ووسط السودان – والتي تنهض شاهداً على عمق وتأثير الوعي الثوري والوطني الذي بذرته الثورة المهدية.  
البرم من الديمقراطية وعدم ربطها بمصالح غالبية الشعب والسلام    بعد جلاء المستعمر عن السودان في مطلع عام “1956م”، واجهت الأحزاب والهيئات السودانية بتنوعها الفكري تحديات كبيرة في التوصل إلى توافق حول نظام الحكم والدستور الذي سيُنظم البلاد في مرحلة ما بعد الاستقلال. أما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي فقد عمدت السياسات الاستعمارية البريطانية على إعاقة مسار التطور الاقتصادي المستقل القائم على الاعتماد على الذات والاكتفاء الذاتي وتكامل قطاعاته وتلبية احتياجات الأسواق المحلية والوطنية، بفرض نمط اقتصاديات وسياسات تلبي احتياجات بريطانيا وطلب السوق الرأسمالي، وهو ما أرسى قواعد التطور غير المتوازن – اقتصاديا واجتماعيا وتنمويا – والاقتصاد المرتبط باحتياجات السوق الرأسمالي (للمزيد راجع كتاب البعث وقضايا النضال الوطني في السودان، والمبحث الاقتصادي في تقريري مؤتمري القطر الخامس والسادس) .  
وبسبب تأزم الأوضاع في البلاد، والفشل في حل مشكلة الجنوب؛ حدث انقلاب الفريق ابراهيم عبود في “17” نوفمبر “1958م” – الذي أطلق عليه البعث مسمى مؤامرة “17” نوفمبر – لأنها – أي المؤامرة –  ارتبطت مباشرة بمخططات وصعود الاستعمار الأمريكي الحديث لضرب وتصفية حركة النهوض الوطني والقومي التحرري في الوطن العربي وأفريقيا، وفق مبدأ دوايت ايزانهاور لملء الفراغ.  
 لقد حدث هذا الانقلاب – الذي تم كعملية “تسليم وتسلم” من ناحية أخرى – كدليل على مدى عمق أزمة الحكم في السودان منذ البداية ومبدئية التمسك بالديمقراطية والتعددية، فكان أول ضربة لنظام التعددية الحزبية في البلاد والذي شرعن لاحقا لتدخل الجيش في الحكم والسياسة والاقتصاد.     
أسقطت انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول “1964م” الحكم العسكري الأول، وعادت التعددية الحزبية للمرة الثانية إلى السودان، والتي تميزت بوجود تمثيل للقوى “المناطقية” داخل البرلمان، مثل مؤتمر البجا واتحاد جبال النوبة وجبهة نهضة دارفور، بالإضافة للقوى الجنوبية، ويعد هذا التمثيل مؤشر لتمرد سلمي ديمقراطي على هيمنة الزعامات والقوى التقليدية في مناطق حواضنها الأساسية، وربما كانت امتداداً لخروج إسماعيل الأزهري من عباءة الطائفية والفوز بانتخابات “1955م” تحت اسم الحزب الوطني الاتحادي، وما من شك لاختلف الوضع السياسي في البلاد إذا ما قدر لهذه التعددية الحزبية الاستمرار من خلال ربطها بتحقيق مهام ما بعد الاستقلال السياسي، لولا انقلاب النميري في “25” مايو “1969م” الذي بدأ بشعارات يسارية وانتهى بممارسات يمينية، مستقوياً بقوى الظاهرة السياسية الدينية من الإخوان المسلمين وجماعة أنصار السنة والطرق الصوفية المختلفة. وقد شهدت أواخر فترة نميري حدثان مهمان، هما إصدار “13” قانونا أبرزها قانون العقوبات الذي اشتمل على العقوبات الحدية أو ما عرف بقوانين سبتمبر، والآخر تجدد الحرب في الجنوب سنة “1983م” وإعلان ميلاد الجيش الشعبي والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق.  
 مما عجل باندلاع انتفاضة مارس/ أبريل “1985م” التي أسقطت الدكتاتورية العسكرية الثانية بعد “16” عاماً. سقطت دكتاتورية النميري والبلاد بلا دستور دائم أو نظام للحكم متوافق عليه، مع وضع اقتصادي متردي (كانت سلطة مايو قد رضخت في العام “1978م”، ولأول مرة في تاريخ السودان، لشروط صندوق النقد الدولي بالموافقة على وصفته التقليدية ومنها ربط قيمة الجنيه السوداني بالدولار الأمريكي، وأجرت أول تخفيض لقيمة الجنيه الذي كان يعادل في وقتها “3.4” دولار أمريكي وقامت بإقرار سياسات تعدد سعر الصرف، مقابل الاستمرار في السلطة بالتسوية السياسية مع المعارضة والتي عرفت بالمصالحة الوطنية التي رعتها أمريكا، وحرب مشتعلة في الجنوب. وفي هذه الظروف تشكلت حكومة انتقالية بمجلس عسكري انتقالي يجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية برئاسة الفريق أول عبد الرحمن سوار الذهب وحكومة مدنية برئاسة الجزولي دفع الله لمدة عام واحد، تهدف لتحقيق ثلاث أولويات تتمثَّل في “حل سلمي لمشكلة الجنوب” و”كفالة الحريات العامة” و”كَنْس آثار مايو”، إلا أن هناك جملة من العوامل أسهمت في عجز الحكومة الانتقالية عن إنفاذ هذه الأهداف الرئيسية أشار لها أحمد إبراهيم أبو شوك، وصلاح الدين الزين محمد، في التقرير الموسوم الانتقال الديمقراطي في السودان “2019م-2022م” التحديات والآفاق، بثلاثة عوامل (أولها: قصر الفترة الانتقالية؛ لأن الأحزاب السياسية لم تكن مطمئنة لاستمرار العسكر في السلطة بعد أن أعلنوا سيطرتهم على مجلس رأس الدولة، وثانيها: إعلان المجلس العسكري أنه مكون ثانٍ في الحكومة الانتقالية؛ الأمر الذي دفع جون قرنق، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان آنذاك، إلى وصف  الحكومة الانتقالية بأنها “حكومة مايو الثانية” ولذلك رفض التعاون معها، وثالثها: الجبهة الإسلامية القومية التي وقفت عائقًا أمام إلغاء القوانين القمعية التي أصدرها الرئيس المخلوع جعفر نميري، بعد أن بايعته “إماماً للمسلمين”. وفي نهاية عام الفترة الانتقالية أُجْريت الانتخابات التي تحصل فيها حزب الأمة الجديد بزعامة الصادق المهدي على أعلى عدد من مقاعد البرلمان.     اتسمت فترة الديمقراطية الثالثة بالعجز وعدم الاستقرار ومهادنة بقايا مايو، إذ تم تشكيل خمس حكومات ائتلافية في ظرف ثلاث سنوات، كما شهدت هزائم متلاحقة للجيش في الجنوب أدت إلى تذمر القيادة العامة للجيش التي قدمت مذكرة لرئيس الحكومة الصادق المهدي، مطالبة إياه بالعمل على تزويد الجيش بالعتاد العسكري الضروري، أو وضع حد للحرب الدائرة في الجنوب، وأحدثت المذكرة بلبلة سياسية في البلاد، واعتُبِرَت مؤشراً جديداً لتدخل الجيش في السياسة. تدهورت العلاقة بين الجيش وحكومة الصادق المهدي بعد توجيه الفريق فتحي أحمد علي القائد العام إنذاراً إلى الحكومة، طالبها فيه بالاعتدال في مواقفها السياسية ورفع المعاناة عن كاهل المواطنين، وبالرغم من رفض الصادق المهدي هذا الإنذار إلّا أنه رضخ للضغوط وأعلن قبول اتفاقية السلام التي وقعها الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة الميرغني مع الحركة الشعبية لتحرير السودان عام “1989م” بزعامة جون قرنق.   من التسليم والتسلم إلى تصعيد فلاسفة اليمين واحتياطي الرجعية       وفي ظل هذا الوضع المأزوم، تآمرت “الجبهة القومية الإسلامية” على النظام الديمقراطي البرلماني، ونفَّذت انقلابًا عسكريًّا في “30” يونيو “1989م”، ظل في سدة الحكم “30” عامًا معتمداً في بقائه على طبيعته الفاشية والمتاجرة بالدين، وعلى دور الأجهزة الأمنية والعسكرية والواجهات الاقتصادية والمالية والإعلامية الخاصة بالتنظيم والموازية لأجهزة الدولة.       إنّ تجربة حكم الجبهة القومية الإسلامية المستبدة – التي تميزت بإحكامها السيطرة على كل مفاصل الحياة في البلاد – ترتبط بشكل مباشر بالحرب الحالية، “فدون إغفال لارتباط قادة طرفي الحرب الحالية بنظام الإنقاذ منذ وقت طويل، واستخدام الإنقاذ للقوات المسلحة في صراعاتها في سبيل السلطة والثروة ثم إضعافها، وتأسيسها لقوات الدعم السريع لحماية مشروعها السلطوي، وتبني العنف لمواجهة التطلعات الشعبية والمطالب المشروعة” وهو النهج الذي أسهم في توسع المليشيات والفصائل المسلحة.    غير ذلك كله فإن النظام الاقتصادي الاستبدادي – الكليبتوقراطي والزبائني – المتسم بسوء إدارة الموارد، والفساد الممنهج، والقائم على الاستدانة الذي انتهجته الإنقاذ، وهو النهج المتماهي حد التبعية (بسياسات التحرير الاقتصادي المطلق ورعاية مصالح الرأسمالية الطفيلية) مع النموذج الغربي الإمبريالي، المستند على فلسفة التمكين الاقتصادي والاجتماعي للموالين لها والردفاء، وتعميق الفوارق الطبقية، وتذكية النعرات ما دون الوطنية وتهديد السلم الأهلي وتمزيق الأواصر الاجتماعية، وتدمير قواعد الإنتاج مع تنمية مصالح الرأسمالية الطفيلية، بزيادة حدة الفقر، وتدهور القوة الشرائية للعملة الوطنية، وتراكم الديون وخدماتها، وتدمير ما هو موجود من مؤسسات مدنية ومن بنى تحتية، وضعف في النمو الاقتصادي، وارتفاع نسب التضخم، وهجرة العقول والسواعد وإساءة استخدام الموارد، كل ذلك بالإضافة لإشعالها الحروب في دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة، وإنشاءها للميليشيات المسلحة، ومعاداة الحقوق والحريات العامة والتعددية الحزبية، وفصل الجنوب عن الشمال، وتسميم علاقات السودان مع محيطه العربي الأفريقي والمجتمع الدولي.  كل ذلك أدى لمحصلة نهائية عنوانها إنهاك المجتمع، وإضعاف الجيش، وإضعاف مؤسسات الدولة، وتضعضع السلطة المركزية في البلاد، وتدويل شؤونها، وتكبيلها بسلسلة من القرارات والعقوبات الأممية والأمريكية والغربية والديون. وبالتالي فإن نظام الإنقاذ بكل ممارساته القمعية والفاسدة مَثَّل الأرضية الخصبة التي انطلقت منها حرب” 15″ أبريل/ نيسان”.    
يُتبَع لطفاً..
لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي

لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي

  د. عامر الدليمي

في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة،

كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك،

والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه. 

كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية.

إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا.

إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي.  ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.

مِنْ فِكْرِ البَعْثِ والقائدِ الشهيد عِزَّة إِبْراهيم: العُروبةُ والإسلامُ جَناحا الأُمَّةِ وسِرُّ بَقائِها

مِنْ فِكْرِ البَعْثِ والقائدِ الشهيد عِزَّة إِبْراهيم: العُروبةُ والإسلامُ جَناحا الأُمَّةِ وسِرُّ بَقائِها

 ناصر الحريري  

في سنوات الاستقلال الأولى للأقطار العربية نجحت الهوية الوطنية القطرية في تهميش الهوية القومية للأمة، وتم التركيز على الهوية الوطنية والقطرية الضيقة ورُفِعَ شعار القطرية هي الحل، واعتبار كل قطر من الأقطار العربية يمتلك خصائص معينة يتم البناء على أساسها. إلا أن هذا التهميش لم يدم طويلاً،

فقد تفجرت الأزمات السياسية والاقتصادية التي كشفت عن ضعف الهوية الوطنية والقطرية، وعاد الحديث عن الهوية الأصلية وهي الهوية القومية عبر القضايا السياسية والثقافية والاقتصادية. وكان من أوائل الأحزاب التي سلطت الضوء وأعادت الهوية القومية إلى الواجهة هو حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي ركز على الهوية القومية للحزب دون إغفال الهوية الوطنية التي تشكل النواة الأولى في بناء القومية العربية. 

تشترك تعريفات الهوية في إبراز عُنْصري التميز والاختلاف، ويمكن القول إن هوية شعب ما مختلفة عن هوية شعب آخر، فهي مجموعة من الخصائص تنفرد بها وتختلف وتتميز مقارنة بغيرها. وهوية أي أمة هي ما يُعَبَّر عنها بالهوية القومية التي هي عبارة عن مجموعة من الصفات العامة التي تمثل الحد الأدنى المشترك بين جميع الذين ينتمون إليها. والتي تجعلهم يتميزون ويُعرفون بتلك الصفات عمن سواهم من أفراد الأمم الأخرى.

فالهوية القومية مختلفة كل الاختلاف عن الهوية القطرية، فالأولى تتعلق بالأمة والثانية تتعلق بالدولة، فالهوية الوطنية قد تعني إيجاد تطابق وتوافق بين ناسٍ يعيشون في بقعة جغرافية محددة.

إن الهوية القومية تؤكد على تمييز الأمة عن غيرها من الأمم، فإذا كانت الأمة مجزأة إلى دول متعددة كالأمة العربية فإن هويتها تبقى ضعيفة ومعرضة للتآكل والضياع والهدم بسبب القطرية والطائفية والعشائرية، وقد يكون السبب الأكثر تأثيراً هو الأطماع الاستعمارية. برغم غياب التعبير عن الهوية القومية للأمة في بعض الأقطار وضعفه في أقطار أخرى إلا أنها تبقى الهوية العامة المشتركة بين هذه الأقطار، فالعلاقة التي تربط الهوية الوطنية بالهوية القومية هي علاقة تكامل وتفاعل وليست علاقة نزاع وصراع وانفصال.

فالعربي ليس وجوداً طارئاً أو جامداً بل هو هوية وجود ومصير، فأن يكون الإنسانُ عربياً هو بالضرورة أن يكون عروبياً تواقاً نحو الوحدة العربية، يحمل على كتفه وفي قلبه هموم الأمة وآلامها ومعاناتها وتطلعاتها، ويجسد إرادة الأمة وعزمها على الثورة على واقعها الفاسد المريض.

لقد اعتبر حزب البعث العربي الاشتراكي القومية العربية “حقٌ مقدس للعرب في كل القوانين والشرائع والمواثيق الأرضية والسماوية، بعروبتهم وقوميتهم يتعارفون وبعروبتهم وبقوميتهم يتحابون ويتوادون ويتراحمون ويتواصلون، وتحت راية عروبتهم وقوميتهم يناضلون ويقاتلون أعداءهم أعداء الله وأعداء الإنسانية لتحقيق أهدافهم.

” فالقومة العربية لم تتشكل حديثاً او نتيجة تمازج قوميات أو أعراق، بل إن القومية العربية متفردة في كينونتها ووحيدة في ديمومتها، فاللغة العربية التي تعتبر الوِثاق الأكثر قوة بين أبناء الأمة هي ليست طارئة ولا مزيج أو خليط كما كثير من اللغات، ولكن اللغة العربية “التي جعلها الله سبحانه لغة أهل الجنة ولغة آدم أبو البشر ولغة رسالته الخالدة الخاتمة القرآن الكريم والدين الاسلامي الحنيف هي حقٌ مقدس باركته وأيدته وحمته كل قوانين وشرائع ومواثيق الأرض والسماء وهي من أقدم وأكرم وأعز اللغات وأغناها وأوسعها على الاطلاق.” ولم يغفل البعثُ عن المكون الأهم من مكونات الهوية القومية العربية وهو الجغرافيا،

فقد اعتبر البعثُ في أهم مبادئه أن الوطن العربي الممتد ما بين جبال طوروس وجبال بشتكويه والخليج العربي والبحر العربي وجبال الحبشة والصحراء الكبرى والمحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط هو حق مقدس للأمة العربية أقرته وباركته كل شرائع وقوانين ومواثيق السماء والأرض، والوطن العربي لدى البعث يمثل وحدةً سياسية واقتصادية وجغرافية وتاريخية وحضارية لا تتجزأ، والوطن العربي عند البعث هو وطن العرب وحدهم ولهم وحدهم حق التصرف بشؤونه وثرواته وإعماره وتطويره وحفظ سيادته واستقلاله وحريته. إن البعث يؤمن أن الأمة العربية التي خصها الله تعالى بخصال ومزايا وصفات خاصة لا تمتلكها أمة أخرى من أمم الأرض قادرةٌ على الإبداع والنهوض والتجدد والانبعاث من جديد،

فقد اختارها الله لتكون الأمة الأفضل والأمثل فقد جعلها الله تعالى خير أمة أخرجت للناس تسعى إلى خير الإنسانية وسعادة الإنسان. فالبعث يجسد كل هذه السمات والقدرات والقيم التي منحها الله للأمة العربية ويجسدها في فكره وعقيدته ومبادئه ومنظومة أخلاقه التي يدعو إليها، فالبعث يمثل كما قال الرفيق الشهيد عزة إبراهيم: “جوهر الأمة العربية وروحها، وهو المرآة التي تُرى فيها الأمة العربية على حقيقتها”. لقد فرَّق البعضُ بين القومية العربية والإسلام، فمنهم من اعتبر القومية العربية دون الإسلامية، وآخر يؤكد على الهوية الإسلامية دون القومية العربية، ولكن الذي يميز البعث في فكره كما في كلمة الرفيق الأمين العام للحزب هو التطابق بين الإسلام والعروبة.

إن القارئ المتابع لفكر البعث ولكلمات الرفيق الشهيد عزة إبراهيم يلاحظ أن القومية العربية على علاقة وطيدة بالإسلام قد تصل درجة التطابق، فالإسلام يمثل رابطة قومية حقيقة لسكان الوطن العربي، لأنه العقيدة بالنسبة إلى العرب المسلمين، وهو يشكل أيضاً ثقافة وتراث وحضارة إلى العرب المسيحيين، وهو ما يؤكده مؤسس البعث الأول الرفيق ميشيل عفلق. لقد أوضح الرفيق الشهيد المجاهد عزة إبراهيم في كل خطبه وكلماته التي وجهها للعرب وللرفاق البعثيين،

وبشكل جلي لا يقبل الشك، عمق البعدين العربي والإسلامي في إطار مفهوم الهوية، والأمة العربية تمر في عصرنا الراهن بمرحلة من التشظي والتفرقة على كافة الصُّعُد القطرية والطائفية والعشائرية فهي أحوج ما تكون للعودة إلى هويتها الأصيلة التي يمثلها البعث التي ركناها العروبة والإسلام. إن وضع الأمة العربية المتردي بعد هذه الفوضى والتدخل الإقليمي والدولي في شؤونها الداخلية واحتلال بعض البلدان العربية يجعلها بحاجة ماسة إلى حق تقرير مصيرها مجدداً، مما يتطلب منها التمسك بهويتها القومية العربية للنهوض والتخلص من قِوى الاحتلال وصد الأطماع الاستعمارية للغرب والشرق، إن التمسك بالقومية العربية لتحقيق النهوض الشامل لا يعني نبذ الفكر الديني، بل علينا التمسك بالقيم الدينية كخطوط عامة لكل التوجهات التحررية القادمة.

إن التنوع الثقافي والديني والقومي والمذهبي الذي يميز الوطن العربي ويميز مجتمعات أقطاره يدعونا إلى تبني فكر البعث في إعادة بعث الأمة ونهوضها من كبوتها لأنه الفكر الذي لا يميز بين الأفراد على أساس ديني أو مذهبي او مناطقي. إن اعتناق فكر البعث هو السبيل الوحيد للتخلص من الصراعات المذهبية التي فُرضت علينا بعد الاحتلال والتدخلات الخارجية والتي ما جلبت إلينا سوى الويلات والمصائب ولننعم بالسلام والأمان أسوة بدول العالم.  

 

* مرجعية المقال: خطاب الرفيق الأمين العام الشهيد المجاهد عزة إبراهيم في الذكرى الثالثة والسبعين لميلاد البعث العظيم.