شبكة ذي قار

أرشيفات فبراير 2025

قِرَاءَةٌ فِي خِطَابِ الرَّفيقِ عِزَّة إِبرَاهِيم….

قِرَاءَةٌ فِي خِطَابِ الرَّفيقِ عِزَّة إِبرَاهِيم….

حسن النويهي

بداية لا بد من الإجابة على مجموعة من الأسئلة، أبدأها بسؤال:

هل عزة إبراهيم حي أم إنه من زمان انتقل إلى الرفيق الأعلى؟

هل عزة إبراهيم ما زال مهماً وهناك من يستمع له ويهتم لما يقول، أم إنه يقول كلاماً مرسلاً لا يهتم به أحد؟

هل ما يقوله عزة إبراهيم مهم، وبه رسائل، أم مجرد حكي؟

هل الرجل يقول أم يقال له؟

هل ما زال البعث ورقة مهمة ولاعباً أساسياً، أم مجرد اسم ويافطة من الماضي؟

لماذا كل هذه الملاحقة للبعث والبعثيين إذا كان لا يمثل على أرض الواقع شيئاً؟

لماذا لا تجد إيران وعملاؤها في العراق غير البعث لتكيل له الاتهامات وتحمله مسؤولية ما يجري، وإن كل هذه الانتفاضة، أو الهبة، أو الثورة، يقف خلفها البعث أو يحركها؟

لماذا لم تجد العصابة الحاكمة في الخضراء من الحزب من يتعاون معها أو يعطيها شرعية أو يكون جزءاً من عمليتها السياسية؟

على ضوء هذه الأسئلة سأناقش خطاب الرفيق عزة إبراهيم، وصولاً إلى استخلاص رؤية مما جاء في الخطاب، وما الذي يرمي إليه؟

بداية أدعوا بطول العمر والصحة والعافية للرفيق عزة شيخ المجاهدين والأمين العام للحزب، رفيق الشهيد البطل صدام حسين وأخيه ونائبه ومحط ثقته واحترامه، قائد المقاومة باقتدار رغم كل ما يحيط به من صعوبات ومشاق وعقبات ومخاطر.

وأوجه له كل التحية والتقدير وأشكر له رده على رسالتي المرسلة له، ولا أذيع سراً بأنها تؤكد بأن الرفيق أبو أحمد على قيد الحياة، بخير ومتابع بدقة لأدق التفاصيل، فقد أجاب في رسالته التي لن تُنشر، على كل ما جاء فيها حرفاً بحرف بكل صدقية وشفافية وموضوعية وثقة القائد البعثي، وأسجل اعتزازي وتقديري لما جاء فيها من معان سامية وكلمات طيبة وروح رفاقية عالية، أطال الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية.

وبهذه المقدمة أكون قد أجبت على السؤال الأول بتأكيد لا يقبل الشك.

السؤال الثاني وبدون مواربة، وبكل ثقة أقول نعم، ما زال عزة إبراهيم مهماً، ويمثل رقماً صعباً ويَسمع ويُستمع له، ويحسب له ألف حساب، وجانبه مهاب، ويخافه الصديق قبل العدو، وترتعد فرائس البعض ممن يجلسون على كرسي الحكم في بلدان مجاورة لو سمعوا باسمه يتردد فجأة، ولو صرخ أحدٌ في مجلسهم فجأة باسم عزة إبراهيم لبالَ بعضهم في ثيابه أو هرول تاركاً نعاله.

الخوف من عودة البعث وعلى رأسه عزة إبراهيم هو ما يؤرق العديد من العرب والعراقيين والعالم، لذلك لا يجد البعث نصيراً ولا داعماً ولا سنداً، وسيبقي البعث يدق مضاجعهم حتى يعود حاملاً مشعل الحرية والتحرير بعون الله.

عزة إبراهيم ما زال يقول كلمة البعث مؤمناً بمبادئه مخلصاً لها، لم يغير ولم يبدل، لم يساوم ولم يتنازل، لذلك لا يطلق كلاماً مرسلاً أو على عواهنه، فكل كلمة تحتل موقعها، وما يغيظ الأعداء إنه ما زال يؤكد على ثوابت البعث، ولم يحيد عنها، لذلك يتابعونه باهتمام لمعرفة هل من تغيير في المواقف أو ليونة يمكن الاعتماد عليها.

عزة إبراهيم يقول ولا يقال له، وله بصمة واضحة ولغة معروفة، يستطيع من يتابعه معرفة إن كان هذا الخطاب بيده أو مكتوباً له.

لماذا يبتعدون عنه ويطاردونه، لأنه شريف حر، ولأنهم أدوات لا يملكون إرادتهم ولا قرارهم، لو زمر لهم ترامب، أو أشار لهم بإشارة استدارة نحو عزة إبراهيم لهرعوا حفايا، لكنهم لا يملكون من أمرهم شيئاً.

 يعلمون مدى قوة الحزب معنوياً، وأثره وطموحه وبرنامجه، لذلك يهابونه ويخافونه، ولا يريدون دعمه للعودة رغم معرفتهم بأنه سيكون سنداً ودعماً لهم، لكن عندهم العبودية للفارسي ولا الحرية في ظل البعث العربي الحر.

بعد سبعة عشر سنة من الاحتلال ما زال البعث حاضراً بقوة رغم الآلاف من الشهداء ومئات الآلاف من الجرحى والمعتقلين والمشردين والمجتثين، ما زال البعث الكلمة الأكثر تداولاً، والشعار الأكثر رفعة والأمنية التي يتمناها الكثيرون، لذلك تتم كل هذه المطاردة!

لم تنجح كل المحاولات لشق عصا البعث، أو انسلاخ جماعة مهمة من صفوفه لتعطي الشرعية لعصابة الخضراء، وإن تساقطت بعض الأوراق الصفراء، فقد ازدانت شجرة البعث بالآلاف من الأوراق الخضراء، واشتدت أعواد أغصانها، وأثمرت، واستعاد الحزب حضوره ومكانته ولياقته، ولا يمكن الإفصاح أكثر بما قد يضر بسلامة الحزب على أرض الواقع.

للاختصار وعدم الإطالة، سأنتقي ٣ محاور أكتب فيها عن الخطاب:

المحور الأول: لماذا استهدف العراق؟

المحور الثاني: غياب البعد الفلسطيني عن الخطاب؟

المحور الثالث والأخير: ماذا بعد؟

في المحور الأول جاء في الخطاب: لم نستهدف بسبب أخطائنا، بل بسبب انجازاتنا….

مهم هذا القول، أن هناك أخطاء ارتكبت، ومنها أخطاء استراتيجية، ومنها انفعالية ومنها عفوية وتحدث في كل الأنظمة.

البعض لا يريد الاعتراف بالخطأ، والبعض الآخر لا يريد وضع الخطأ في مكانه وظرفه الموضوعي والزماني، أي يقاس الخطأ بما له وما عليه، وهل كان بالإمكان أفضل مما كان؟

والبعض يضخم الأخطاء ويلبسها ثوباً آخر وهو ما لا يستحق القراءة.

يقول الرفيق عزة: أخطأت القيادة، بمعنى أن الخطأ مسؤولية جماعية، وليس قرار فردي كما يحلوا للبعض أن يصور طبيعة القرارات التي كانت تؤخذ أيام الحكم الوطني في العراق، وبأن الرفيق صدام حسين رحمه الله كان يتفرد بالقرارات صغيرها وكبيرها، وهذا غير صحيح، فالقرارات جماعية، ومن حول صدام كانوا كباراً كذلك ولهم مواقفهم المشهودة.

ستحتاج المرحلة إلى نقاش لأخذ العبر والاستفادة من الدروس، وكم كانت دروساً صعبة وقاسية دفع ثمنها العراق والأمة….

لماذا استهدف العراق؟

هل بسبب أخطائه أم بسبب إنجازاته، وقفزاته أم بسبب مواقفه وطموحه وبرنامجه ومشروعه القومي؟

حمل العراق بعد ثورة السابع عشر-الثلاثين من تموز الراية وبدأ مشوار البناء والتنمية والنهضة على كل الصعد، وعلى أساس نظرته للأمة مجتمعة، وأن العراق قاعدتها الصلبة، ويجب أن يمتلك من أدوات القوة والمنعة ما يمكنه من تحقيق أهداف الحزب المعلنة إضافة إلى وقوفه في مقدمة الصفوف لتحرير فلسطين ومقارعته للاستعمار والاحتكار، والعمل على الاستفادة من الثروات القومية كالنفط وغيره من المعادن الاستراتيجية.

 كل ذلك لفت انتباه العالم وفتح عيونه على  هذا البلد، وقرأ تاريخ هذه القيادة، وحاول معها في الاحتواء والشراء والضغط ومصادرة القرارات ولم يفلح، مما أدى إلى اتخاذ قرار أمريكي بضرورة احتلال العراق وإسقاط نظامه الوطني، وقد عززت إنجازات العراق وقفزاته العلمية والتكنولوجية هذا القرار، وبدأ زج العراق في قضايا ومعارك جانبية، كان أولها أن جاؤوا بالخميني وأعلن عداءه المبيت للعراق، واستفزه على أكثر من صعيد، أمني وحدودي وإعلامي وتحريضي حتى وصلت إلى حد الاشتباك المباشر والاندفاع نحو الحرب دفاعاً عن السيادة الوطنية وكرامة الأمة وبوابتها  الشرقية.

 وخرج العراق بعد حرب الـ ٨ سنوات قوة إقليمية وعربية يشار لها بالبنان، رغم تدمير الكيان الصهيوني لمفاعله النووي خلال فترة انشغاله بالحرب، وكان لا بد من اشغاله بحرب من نوع آخر وكانت اقتصادية لحرمانه من ثرواته ووقف عملية إعادة البناء التي شنها عليه الأشقاء الذين طالبوا كذلك بسداد الديون التي كانت هبات ودفع العراق مقابلها من دماء شعبه ومقدراته.

لقد تم نصب فخ الكويت بجدارة، ووقع العراق في الفخ، ووجدت كل قوى العدوان مبررها للانقضاض عليه، وما زالت حربهم على العراق مستمرة حتى اليوم….

هل كان يمكن تجاوز المخطط؟ نعم، ولكن الثمن يساوي ثمن المواجهة، بل قد يزيد، لكن اليوم هناك من يزايد لأنه لم يتم تجريب الشق الآخر وهو الاستسلام، ويتهمون العراق وقيادته بالتهور وعدم الخبرة والغرور.

كان رأس العراق مطلوباً لهذه الأسباب وليس بسبب الأخطاء، بل كانت الأخطاء جزءاً من مخطط العدوان لتبريره….

لكل مرحله ظروفها ورجالها، رحم الله الرجال الرجال، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وبارك فيمن ينتظر وما بدلوا تبديلا….

شُعَاعُ نُورٍ مِنْ خِطَابِ المَوْجِ البَعْثِي الهَادِر فِي سِفْرِ التَّارِيخِ الخَالِدِ: القَائِدُ التَارِيخِي فِي الزَمَنِ الاستِثْنَائِي

شُعَاعُ نُورٍ مِنْ خِطَابِ المَوْجِ البَعْثِي الهَادِر

فِي سِفْرِ التَّارِيخِ الخَالِدِ: القَائِدُ التَارِيخِي فِي الزَمَنِ الاستِثْنَائِي

ناصر الحريري

 

الإنسان يصنع التاريخَ بفكره وعقله وعمله وسيره في سبيل الحق، ولا يمكن للتاريخ أن يصنع إنساناً، في يوم الولادة المجيد ومن فوق ثرى أرض الرافدين وبلاد الخصب وموطن الأبجدية الأولى، أطلَّ الرفيق الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، قائد الجهاد والتحرير، الرفيق عزة إبراهيم بكلماتٍ انتظرها العراقيون والعرب بلهفة وشوق لأمرين:

أنه يأتي في ظرف استثنائي عالمياً، وعربياً، وعراقياً، فالأحداث المتتالية التي مر بها العالم خلال الشهر الأخيرة تجعلنا ننتظر تشخيصاً وحلولاً لها من القائد المجاهد.

الأمر الآخر لتغرف من معين القائد ومن فكره، وتتلقى منه مباشرة ما يكون لها نبراساً ومنهاجاً خلال القادم من الأيام، في ضوء ما يمر به العراق من أحداثٍ جسام، وأهمها الثورة العراقية البطلة.

    كما هو نهج المؤمن الواثق بالله الذي يمنح هداه ورشده من يشاء من عباده، بدأ القائد كلمته بإعادة التأكيد على أن الأمة العربية تمر بأخطر مراحل كينونتها، بما يهدد وجودها، وما تواجهه من أخطار وتحديات من أكثر من جهة، وأوضح العلاقة التي تربط هذه الجهات ذات المصلحة بتدمير الأمة العربية وتفتيتها.

العلاقة واضحة وبشكل جلي بين هذه الأطراف الممثلة بالإمبريالية العالمية أمريكا والصهيونية وإيران المجوسية، وهذه العلاقة لا يعبر عنها الظاهر من اختلاف، بل يعبر عنها ما يقوم به كل طرف لتحقيق مصلحة الطرف الآخر.

فلولا أمريكا والصهيونية ما استطاعت إيران التوغل والتمكين في العراق والأمة، رغم الكذب المستتر والمنفعة المبطنة بينهما، (بين هذه الأطراف الثلاثة التي عَقَدت عَزمَها على تصفية حساباتها القديمة والحديثة مع أمتنا العربية، فدخلت في صراعٍ مصيريٍ ومتواصل مع الأمة منذ بداية القرن الماضي إلى اليوم وهو في تصاعد).

إذاً فالصراع كما يؤكده القائد عزة إبراهيم هو صراع مصيري، بين الأمة العربية وبين الأطراف الثلاث مجتمعة، أي أنه لا صراع بينهم، وهذه الحقيقة أكدها القائد في أكثر من خطاب سابق، حيث أشار أيضاً إلى استحالة قيام نزاع عسكري بين أمريكا وإيران، لأنهما متفقان على هدف واحد وهو تدمير الأمة العربية والسيطرة على مقدراتها.

لقد أشار القائد إلى نقطة جوهرية، تغيب عن الكثير، وهي أن قدر حزب البعث العربي الاشتراكي أن يولد من رحم الأمة ومعاناتها، يعبر عن آمالها وطموحاتها، ولكنه وُلد أصلاً لمواجهة هذه التحديات والدفاع عن الكرامة العربية، (وأنتم تعلمون أن حِزبَنا حزبُ الرسالة الخالدة الذي ولد أصلاً  للتصدي للتحديات المصيرية التي واجهت الأمة العربية، ولازالت تواجهها، وتزداد قساوة وضراوة،  ولإنقاذ الأمة وتحقيق ثورتها الكبرى التحررية النهضوية الإنسانية، لإعادة الأمة إلى دورها التاريخي الطليعي  في مسيرة الإنسانية نحو التحرر والتقدم والتطور والتحضر).

فالدور المنوط بالحزب منذ ولادته وحتى الآن هو التصدي لكل التحديات والمصاعب التي تواجه الأمة، وتقف حجر عثرة في سبيل تقدمها وتطورها.

واستعرض القائد ما تعرضت له أمتنا العربية من مؤامرات وتحديات منذ مطلع القرن الماضي، وتحديداً منذ إفشال مشروع الوحدة الثنائية المصرية السورية، مروراً إلى التكالب على القضية الفلسطينية، والعدوان الفارسي المجوسي على الأمة والعراق منذ ثورتهم المزعومة عام 1979.

لقد عانت الأمة الكثير من الويلات، وواجهت المزيد من التحديات، وفي كل تلك المراحل كان حزب البعث العربي الاشتراكي في طليعة القوى القومية المدافعة عن الأمة العربية.

إن البعث هو الصورة المصغرة عن الأمة، ولأن محاولة القضاء على الأمة مستحيلة، كذلك فإن محاولة القضاء على البعث مستحيلة أيضاً، فقد حاولوا خلال السبعة عشر سنة الماضية ولم يفلحوا، بل ازداد ثباتاً ورسوخاً في وجدان الأمة العربية من المحيط إلى الخليج.

لقد قدم البعث من خلال أمينه العام رسالة واضحة المعالم للأمة العربية شعوباً وحكاماً أن بقاء الأمة ونهضتها لا تكون بالركون والانصياع للخارج، بل إن الاعتماد على الشعب الذي هو مصدر القوة الوحيد هو السبيل في البقاء والنهضة والتقدم، ولا يمكن مقاومة المشاريع الفارسية والإمبريالية والصهيونية إلا بتقديم المساعدة والعون للمقاومة حتى تتمكن من مواجهة المشاريع الاستعمارية التي تستهدف كينونة ومصير الأمة.

طوفان الأقصى يُسقِط خطاب “إيران الثورة” الذي اخترَق أمتنا لصالح “إيران الدولة” المتماهي مع العدو

في ضوء بيان القيادة القومية الاخير،

محور مقاومة سليماني إذ يدخل مرحلة “الغيبة الكبرى”

 طوفان الأقصى يُسقِط خطاب “إيران الثورة” الذي اخترَق أمتنا لصالح “إيران الدولة” المتماهي مع العدو

 مصطفى كامل

 

منذ 44 سنة سمع العرب وقرأوا عشرات آلاف التصريحات الإيرانية من مختلف مستويات النظام الحاكم في إيران عن “تحرير فلسطين” وعن “مواجهة الاستكبار العالمي” وعن “محاربة العدو الصهيوني” وغير ذلك من الشعارات الدعائية.

 فقد بنى هذا المحور كلَّ فلسفته في اختراق قطاعات من أمتنا طيلة أكثر من أربعة عقود على هذه القضايا، ولكن عندما حانت لحظة الحقيقة في أهمِّ مواجهةٍ مباشرةٍ وشاملةٍ وعميقةٍ بين قوة فلسطينية كانت ايران تدعمها- لغرض الاستخدام الدعائي- والعدو الصهيوني، وهي مواجهةٌ حقّقت نتائج فعلية على الأرض، اتّضح أن قضية “الصراع مع العدو” والعمل على “تحرير فلسطين” و “مواجهة الاستكبار العالمي” إنما كانت كلّها فريات بائسة تهاوَت وسقطَت على نحوٍ مريع في الميدان، وبدا يقيناً أن شعار المناداة بموت (إسرائيل) “مرگ بر إسرائيل” كان يعني في الحقيقة “مرگ بر فلسطين” لكن

  آذان بعض العرب وبعض المسلمين كانت تسمعه بشكل خاطئ ، وتقرأه على نحوٍ مغلوطٍ اعتماداً على ما قد بُرمجِت عليه عقائدياً أو ضُلّلت به سياسيا.

 فلا إيران، وهي تعلن لنا كل أسبوع عن (إنجازٍ عسكريٍ باهر) وعن (صاروخٍ قاهر) حرّكت جندياً واحداً أو أطلقت طلقةً واحدةً نحو فلسطين المحتلة، ولا ذراعها في لبنان أطلقَ واحداً مما كان يهدّد به من صواريخ قال عنها إنها بعشرات الألوف وإنها ستصل إلى “حيفا وما بعد حيفا”، ولا ذراعها في اليمن الذي قتل عشرات الألوف من شعبها وهو يصرخ “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل” أطلق واحدةً من صواريخه بعيدة المدى أو مسيّراته الهجومية التي طالما وجّهها إلى مدن العرب.  وحتى نكون في جانب الدقة أكثر فإن كل ما جرى في هذا المقام ليس سوى عمليات دعائية ومزايدات ومشاغلات وهمية حدثت في بعض المناطق .

 أما في العراق فلا الحشد الشعبي الذي نهب ثروات البلد بزعم الاستعداد للملحمة المصيرية الفاصلة مع العدو الصهيوني فعلَ شيئاً يُذكر، ومن أسّس ميليشيا جيش المهدي لمقاومة أميركا والصهيونية كما يزعم، لم يجد سوى (صلاة جمعة) مليونية يحشُد فيها مئات الألوف من أتباعه في وسط بغداد ثم يدعوهم بعدها للانصراف إلى بيوتهم، مأجورين (من الأجرة لا من الأجر) وبضعة سطورٍ على وسائل التواصل يُطلقها بين حينٍ وآخر. فإذا كان قادراً على حشد الأتباع بمئات الألوف فعلاً، فلماذا لم يحشد منهم بضع مئات لمقاومة المحتلين الأميركيين على سبيل المقاومة الحقّة، لا على سبيل المماحكات والابتزاز والمزايدات، كما جرى سنة 2004، أو مقاومة الصهاينة فعلا.

  وغيرها ممن يُزعَم أنها تستطيع تحشيد الملايين بفتوى لإعلان الجهاد ضدّ المحتل، وهي التي لم تفعل ضد العدو الأميركي المحتل للعراق بل على العكس تآمرت معه لاستكمال غزوه ثم تعاونت معه لتحقيق مشروع احتلاله، حتى هذه ، لم تفعل شيئاً سوى قصاصة من بضعة سطور تطالب بالدعاء لأهل فلسطين.

 ونحن هنا لا نقلّل من أهمية الدعاء، لكن دعاء المؤمنين إنما ينبغي أن يكون مرتبطاً مع الفعل الحقيقي لا بديلاً عنه، فالدعاء مع الفعل توكلٌ على الله والدعاء بلا فعلٍ تواكل، والله سبحانه يحبُ المتوكلين عليه ويبغض الجبناء المتواكلين.

 

والحقيقة أن إيران أظهرت لعملائها وأصدقائها والمضلّلين بدعايتها الغوغائية، وجهاً آخر جديداً غير مألوفٍ في خطاب الدعاية الإيرانية بشأن قضية فلسطين ومواجهة “الاستكبار العالمي” الذي صدّع رؤوسنا لأربع وأربعين سنة.

 فقد اختفى وجه “إيران الثورة” من الوجود كلياً وغاب خطابها الدعائي التهييجي تماماً، وبرز وجه “إيران الدولة” التي تراقب وتحذّر وتندّد فقط، ولعلها، وهذا وارد جداً، تساوم على القضية الفلسطينية وتسمسر على أهل فلسطين في الخفاء.

 لقد غاب عن المشهد الإعلامي الايراني خطباء الجمعة الغوغائيون وأعضاء البرلمان التحريضيون وممثلو الولي الفقيه الشعبويون وظهرت وجوهٌ دبلوماسية ناعمة برّاقة حليقة اللحى تدقّق في كل كلمة وتحسب حساب كل خطوة وتراقب كل حركة.

 كما غاب قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الجنرال إسماعيل قاآني عن المشهد تماماً وكأنه في مرحلة الغيبة الكبرى، فلا هو ظهرَ بشخصه ولا هو أرسلَ نواباً عنه ولا سفراءَ له ولا وكلاءَ ولا ممثلين، وهو الذي كان على خطى سلفه قاسم سليماني يتناول فطوره في دمشق ويتغدّى في بيروت ويتعشّى في بغداد وينام ليلته في كربلاء، ومنها إلى طهران ليبدأ بعدها بأيام جولة تفتيشية أخرى لميليشياته في سوريا ولبنان والعراق.

  بل إن زيارة أمير حسين عبد اللهيان إلى بغداد وبيروت ودمشق كانت لإبلاغ عملاء إيران في تلك العواصم أن “إيران الدولة” لا تسمح لهم مطلقاً بالتحرّك على النحو الذي كانت “إيران الثورة” تسمح لهم به، وأن المسموح لهم في هذه المرحلة هو فقط ترديد بيانات وزارة الخارجية الإيرانية وضبط أصواتهم على ايقاعها، ولا بأس ببعض المظاهرات والتجمعات الدعائية التي لا تردعُ صهيونياً ولا تغيثُ فلسطينياً. وانضبط الجميع حسب القرار، فايران الولي الفقيه لا تسمح بالعبث في هذا الوقت أبدا.

 و “إيران الدولة” إذ تفعل هذا فإنها تدرك أن بقاء نظامها مرهونٌ فقط بهذه البراغماتية القبيحة، وليس بخطاب “إيران الثورة” الدعائي الغوغائي المخادع، كما أن عملاءها وأذرعها ومليشياتها في العراق وسوريا واليمن ولبنان يدركون هذا فلا يتجاوزون إلى غير المسموح به ولا يخلطون الأوراق لأن بقاءهم هم أيضاً مرهونٌ في الحقيقة ببقاء “إيران الدولة” لا بخطاب “إيران الثورة” فالأخير يُستخدم للدعاية السياسية والآيديولوجية لا غير، وهم ليسوا إلا أدوات تستخدمهم “إيران الدولة” من خلال خطاب وأذرع “إيران الثورة” لصالح مشروعها الاستراتيجي العنصري التوسعي الذي لا مكان فيه لفلسطين ولا محلّ فيه لمقاومة “الاستكبار العالمي”. وأعتقد أن هذه قضية بالغة الأهمية يجب أن يتناولها خبراء الشؤون الإيرانية بما يناسبها من البحث والدراسة.

 فهل يفهم المخدوعون والمضلَّلون أن إيران دولة تُمارس البراغماتية في أقبح أشكالها، تبيع وتشتري بفلسطين والفلسطينيين، وبشعارات المقاومة والممانعة وهي في نفس الوقت تعقد الصفقات مع الصهاينة محتلي فلسطين وقاتلي شعبها، مباشرة أو عبر وسيط ؟

 أما نحن فلنا في تاريخ صفقاتها مع الكيان الصهيوني خلال الحرب ضد العراق ما يُسعفنا في فهم هذه الازدواجية التي سمحت للنظام في طهران لا أن يبقى في المنطقة طيلة أكثر من أربعة عقود فحسب بل أن يؤثر في المنطقة ويكسب

 مزيداً من الأرجحية على حساب مصالح شعوبها وعلى حساب أمنها الوطني والقومي عبر أذرعه الإرهابية وأدواته الإعلامية والمضلّلين بشعاراته الغوغائية.

 ان فلسطين، وشعبها الأبي، ومقاومتها الباسلة منتصرة لا محالة، بقواها الحيّة الصادقة، وصبر ومطاولة ابنائها، ومساندة ودعم ابناء الامة العربية الشرفاء الواعين والمخلصين، فهي قضيتهم المركزية، وبوابة وحدتهم وتحررهم ونهضتهم.

 

 

خطاب الرفيق ابو خليل امين سر قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي في الذكرى 55 لثورة 17-30 تموز 1968

بسم الله الرحمن الرحيم

بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق

صدق الله العظيم

أيها العراقيون الأماجد

يا أبناء الأمة العربية المجيدة

أيها البعثيون البواسل

في فجر السابع عشر من تموز 1968، انطلق رفاقكم من مناضلي الحزب، بقيادة الرفيقين الخالدين أحمد حسن البكر وصدام حسين، ليعيدوا للعراق مكانته وموقعه في مكان معلوم تحت الشمس، ففي ذلك الفجر التقى ألق صبح العراق بإشراقته بألق البعث العربي الاشتراكي، لتبدأ مسيرته بقوة وعزم في دروب النضال العربي المجيد، لتحقيق مجتمع العدل والرخاء والفضيلة في العراق، حادي ركب الأمة نحو العلياء.

وبعد أن طهَرت قيادةُ الحزبِ، الثورةَ من الجيب الذي حاول التسلق وركوب قطارها في غفلة غير محسوبة ، بدأت مسيرة النهوض من عقد حافل بالصراعات وانهيار منظومة القيم الاجتماعية السامية . لقد أوقفت ثورة السابع عشر من تموز، التداعي الذي أدى إلى سلسلة من الاحترابات الداخلية التي كادت أن تعصف بوحدة المجتمع العراقي المجبول على التسامح والتعاضد والنضال المشترك في كل ميادين العمل السياسي والتطوير الاقتصادي.

ومنذ الأيام الأولى للثورة، سعت قيادة الحزب بالعمل الدؤوب على أكثر من جبهة ، فوضعت جدولا للأولويات على قدر أهميتها وتماسها بحياة العراقيين بصورة مباشرة، وتوفير مستلزمات العيش الكريم، وبعد مرور أشهر معدودات من عمر الثورة، كان آلاف الموظفين المفصولين في ظروف التقلبات السياسية السابقة، يعودون إلى دوائرهم تباعا.

يا أبناء شعبنا العظيم

أيها العراقيون الأبطال

يا أبناء الأمة العربية المجيدة

 مع كل ما أنجزته الثورة في أيامها الأولى فإن قيادتها ما كانت لتمنح نفسها استراحة بعد كل خطوة تنجح في إنجازها، على الرغم من تراكم الكم الهائل مما وجدته أمامها من ملفات  تتطلب حلولا عاجلة غير قابلة للتأجيل وكانت تتطلب تخصيصات مالية كبيرة من ميزانية بلد كانت شبه خاوية على عروشها، جراء السياسات الاقتصادية والمالية المرتجلة التي سادت لأكثر من عقد من الزمان، ومن أجل البدء بتنظيف العراق مما شابه من أدران، يممت قيادة الحزب وجهها نحو مشكلةٍ تراكمت سلبياتها لحقبة طويلة، وهي الملف الأمني وما يرتبط منه بالأمن الوطني العراقي والأمن القومي العربي، وهي مشكلة شبكات التجسس التي نشطت على نحو واسع وبعيدا عن أعين الأجهزة الأمنية التي كانت مشغولة بملاحقة القوى الوطنية والقومية التقدمية، فتفاجأت بقيام الثورة بملاحقة أنشطتها ، ثم قدمت عناصرها لينالوا جزاءهم العادل وهو ما حصل لأول مرة في العراق، فتقطعت خطوط ارتباط العملاء، بعد أن اطمأنت أن الأعداء الخارجيين لم تعد لهم أذرع وعيون داخل الساحة العراقية، انطلقت خطط البناء الاقتصادي وإحداث ثورة تنموية شاملة لتشمل كل أنحاء العراق، فكان طبيعيا والحال هذه، أن يتم التركيز على أهم ثروة طبيعية يمتلكها بلدنا، ألا وهي الثروة النفطية، التي بقيت منذ العام 1927 عنوانا للنهب المنظم الذي مارسه الكارتل النفطي الدولي المالك لأسهم الشركات العاملة في العراق، فتم تفعيل قانون تأسيس شركة النفط الوطنية العراقية الذي ظل حبيس الأدراج زمنا طويلا، ولهذا وبعد انطلاقة الشركة بنشاطها الأول، باشرت في السابع من نيسان من عام 1972 باستثمار حقل الرميلة الشمالي بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي السابق، فكانت هذه الخطوة الثورية هي البداية العملية لقرار الأول من حزيران في العام نفسه وذلك بصدور القانون رقم 69 في الأول من حزيران، القاضي بتأميم عمليات شركة نفط العراق الاحتكارية، فكان ذلك القرار وكما وصفه الأب القائد الرفيق أحمد حسن البكر، مؤشر خط الانتقال بالعراق نحو التنمية والتقدم وبدء مرحلة البناء الشاملة على كل الأصعدة في قطاعات الزراعة والصناعة وحل المتراكم من التخلف العمراني وبناء الطرق والجسور وحل مشكلة السكن المزمنة.

ومنذ اليوم الأول لقرار التأميم الخالد، انطلقت خطتان في تزامن عجيب، الأولى الشروع من قبل القيادة في خطط تنموية وُصفت لضخامتها بأنها خطط انفجارية لم تترك ركنا إلا ودخلته وتركت فيه لمساتها ويدها البيضاء، وبالمقابل بدأت مراكز التخطيط المعادي بدراسة الخطط الكفيلة بتطويق الثورة بسلسلة من الأزمات التي تحد من المضي بمشاريعها التي لو انتفعت منها الدول المالكة للثروة النفطية، فإنها كانت كفيلة بإعلان الكارتل النفطي الدولي افلاسه التام مع كل ما يعنيه ذلك من انعكاس سلبي على اقتصادات الدول المالكة لذلك الكارتل.

وبعد أن استقرت الثورة على قواعد راسخة، انطلقت في خطط سياسية تستند على اسس فكرية تنبع من عقيدة البعث الإنسانية، لذا أولت قيادة الثورة مشكلة شعبنا الكردي التي ظلت دون حل لحقب طويلة أدت إلى إفقاد العراق، الاستقرار المطلوب والتنمية الشاملة لكل ربوعه، فكان بيان الحادي عشر من آذار 1970 إيذانا بوضع الحل الذي يمنح شعبنا الكردي حقوقه السياسية والثقافية من دون نقصان، وهذه الخطوة الكبيرة ألبت على العراق دول الجوار التي فسرتها بغير مقاصدها، فأضافت لرصيدها من أسباب التحريض السياسي على العراق الشيء الكثير.

أيها العراقيون الأماجد

أيها البعثيون أينما كنتم

في الذكرى السادسة والخمسين لثورتكم المجيدة في مثل هذا اليوم، حري بكل عراقي شريف أن يستذكر ما رافقها من ألق ومجد ومنجزات شاملة، مقابل الخطط التي وضعتها قوى الشر والعدوان المتمثلة بالإمبريالية والصهيونية العالمية، كان لا بد للعراق أن يتعامل بمنتهى الدقة والحذر مع المطلوبين لمواجهة الأخطار التي بات التحالف الدولي المضاد لوطننا يعد لها ما يناسب الأهداف التي كان يسعى إليها، فكانت خطط إعادة تأهيل القوات المسلحة الوطنية، من خلال توفير كل المستلزمات المادية والعلمية المطلوبة لبناء جيش وطني يستند على أرقى الكوادر والكفاءات الوطنية وإقامة المعاهد العليا في شتى صنوف الجيش، وكذلك بتوفير الأسلحة الحديثة من كل المناشئ التي لا تتقاطع مع أهداف الحزب والثورة وطموح بناء جيش وطني يدافع عن حياض الوطن والأمة العربية، لا سيما فلسطين، والتي سجل أبطال العراق في حرب تشرين عام 1973 صولات في سوريا حيث حمى العراقيون بأجسادهم وصدورهم دمشق من السقوط بيد العدو الصهيوني بعد أن كانت قواته قد وصلت مشارف دمشق ولولا بطولات اللواء الثاني عشر المدرع الذي صال على قوات العدو صولة عزوما ألحقت بقوات العدو خسائر كبرى جعلته ينكفئ ويرتد على أعقابه، كما صال صقور العراق الشجعان على مواقع العدو في سيناء فدمروا قواعده المضادة للجو ومواقعه الحصينة في خط بارليف الذي ظن أنه مانعه من أي خطر خارجي، فكانت ضربات صقور العراق هي خط الشروع الأول لصولة القوات المسلحة المصرية في عبورها التاريخي لقناة السويس وتدمير خط بارليف.

ثم انتقل العراق في ظل ثورتكم المباركة إلى المرحلة الثانية من البناء العسكري المتين، فقد شرع بإقامة قواعد راسخة لصناعات عسكرية وطنية عملاقة، تطورت مع الوقت تحت قيادات وعقول عراقية مبدعة.

ومن هنا بدأت أجراس الإنذار تدق بقوة في كثير من عواصم القرار في الغرب والشرق، لأن ثورة تموز أدخلت العراق في منطقة الخيار المحظور، فلم يجد الشرق والغرب على حد سواء غير نظام الخميني، الذي خرج لتوه من مخلفات قرون التخلف والخرافة، فرفع شعار تصدير الثورة سيء الصيت، ظن الخميني بما رَكبهُ من وهم ومن جنون العظمة الجوفاء، أنه قادر على احتلال العراق في غضون سويعات أو أيام معدودات، ولكن العراقيين الذين دافعوا عن شرف الأمة في ساحاتها العربية، فكانوا يمتلكون الحافز الأقوى للدفاع عن أرضهم  بوجه الرياح الصفراء الآتية من الشرق، وهكذا سجل العراقيون في القادسية الثانية أعظم نصر عرفته الأمة العربية في تاريخها المعاصر، عندما جرعت خميني كأس السم بعد أطول منازلة عرفها القرن العشرين، فخرج العراق قويا مالكا لأقوى قوة عسكرية في المنطقة مسلحة بأعظم الخبرات القتالية الحديثة، لهذا أخذ التآمر على العراق منحى جديدا، وذلك بتغيير بعض أدواته الإقليمية، فبعد أن عجزت إيران وهي تمتلك خامس اقوى جيش في العالم في وقف مسيرة العراق، كان لابد من أن يأتي الإمبرياليون بأنفسهم، بعد تمهيد الأرضية المناسبة لمثل هذا العدوان، فدفع التحالف الأطلسي، إمارة الكويت للعبث بالسوق النفطية الدولية، وصعدّت من مطالبها باسترداد الأموال التي كانت في ظروف القادسية قد اعتبرتها هبات للعراق، لأنها أحست بأنها مهددة بعد العراق مباشرة وخاصة عندما أعلن أكثر من مسؤول إيراني، إن الكويت هي على مرمى حجر من نيران الحرب وأنها ستكون الخطة التالية بعد الانتصار على العراق.

ومع أن حقائق التاريخ القريب، تؤكد العلاقة الجغرافية التأريخية للعراق بالكويت، إلا أن قيادة البعث لم تألو جهدا إلا وطرقت أبوابه بحثا عن حل شامل يرضي الطرفين، ولكن الاخوة الكويتيين أشاحوا بوجوههم وصمّوا آذانهم عن سماع صوت العقل والحكمة، لأنهم لا يريدون التعامل مع عراق قوي موحد يأبى لنفسه التبعية لأحد مهما كان وأيا كان، فأوغلوا في كل ما من شأنه إلحاق الأذى بالعراق، وهو ما اضطر العراق وتحت ضغط الظرف الصعب إلى الذهاب إلى استراتيجية الدفاع المتحرك عن أبنائه وأرضه وثرواته، فاختار مضطرا الحرب الاستباقية لحماية مصالحه وأمنه القومي، لذا كان العدوان الثلاثيني الذي تظافرت فيه جهود الأشقاء العرب والأصدقاء البعيدين والأعداء الكبار، فقد قدم كل طرف أقصى ما عنده من مال وأرض وقواعد عسكرية لهزيمة العراق، ولكن العدوان خاب في مسعاه، ثم طفق العراقيون بإعادة بناء ما دمره مغول العصر، ونجحوا في ذلك أيما نجاح.

ولكن نوايا الشر لم تتوقف عند هذا الحد، فقد لجأ التحالف الأطلسي الصهيوني الصفوي إلى لعبته القديمة في توظيف مهاراته في اختلاق الأزمات وتسويغ أسباب عدوانه على دول العالم، بالزعم أن العراق يمتلك ترسانة من أسلحة الدمار الشامل، فيما لو استخدمها فإنه قادر على تدمير دول متعددة بحجم الولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الأوروبي معا وبوقت قياسي، فتم تنفيذ الصفحة الثانية من العدوان الثلاثيني الذي كان قد انطلق ليلة السادس عشر على السابع عشر من كانون الثاني عام 1991، فتعرضت بغداد عاصمتنا الحبيبة ليلة التاسع عشر من آذار 2003، لوابل غير مسبوق من صواريخ الغدر وقنابل اليورانيوم المنضّب والقنابل الفوسفورية التي حملتها الطائرات المقاتلة والاستراتيجية الأمريكية والبريطانية، لتلقي من أسباب الدمار ما فاق ما استخدم في الحرب العالمية الثانية من متفجرات، وبعد معركة غير متكافئة خاضها العراق لأنه لم يجد مناصا من خوضها، تم احتلال العراق في التاسع من نيسان الأسود عام 2003، ولتنطلق كائنات بشرية من جحورها فراحت تطبق على ما تربت عليه من فساد وانهيار لمنظومة القيم والأخلاق السامية، فنهبت ودمرت ممتلكات الشعب بلا وازع من أخلاق أو ضمير، فلم تسلم المستشفيات ودور العلم والتربية والتعليم والثقافة، وحتى المكتبات والنفائس والآثار لم تنجُ من أيدي العابثين واللصوص وقاطعي الأثداء التي أرضعتهم ومنحتهم الحياة الحرة الكريمة، ولكنهم أبوا بكل صلف إلا أن يرتّدوا إلى أصلهم الفاسد ومنبت السوء الذي نشأوا فيه.

أيها العراقيون الشرفاء

اليوم وقد تم تنفيذ مؤامرة إسقاط دور العراق عربيا ودوليا وإخراجه من منظومة الأمن القومي العربي، كي يعبث به تحالف الشر الأطلسي الصهيوني الصفوي، وعملائهم الصغار، وحققوا لأنفسهم كسب الجولة الأولى من المنازلة، فإنهم سيواصلون العبث بمقدرات العراق وقدراته المادية والبشرية وإشغاله بنفسه في معارك الانقسام الداخلي وتغليب المشكلات الصغيرة التي يمكن أن يواجهها أي بلد في مرحلة من المراحل، فإنهم سيواصلون التمسك بما تحقق لهم بكل طاقتهم وما توفر لهم من قوة، ولكن إرادة الشعب العراقي الذي انطلق في أسرع مقاومة عرفها تاريخ الشعوب في العصر الحديث في اليوم الثاني للاحتلال، وألحقت هزيمة نكراء بقوات الاحتلال الأمريكي البريطاني مما اضطر الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن إلى الاعتراف بأن بلاده لم تعد قادرة على خوض حربين في وقت واحد، هذا الشعب الباسل قادر اليوم على العودة إلى ساحات الشرف مرة تلو الأخرى، وتحرير بلده من كل الاحتلالات الكبيرة والصغيرة، المباشرة وغير المباشرة، ويعيد للعراق وجهه العربي ودوره القومي على الوجه الأكمل.

المجد والخلود لشهداء البعث وفي مقدمتهم رموز الثورة وقادتها الرفيق الاب القائد

(احمد حسن البكر) والرفيق شهيد الحج الأكبر القائد (صدام حسين) والرفيق قائد الجهاد والتحرير (عزة إبراهيم) والرفيق (صالح مهدي عماش)رحمهم الله جميعا.                                                                                           

عاش العراق وعاشت الأمة العربية المجيدة

وتبقى تجربة النظام الوطني الذي كان وليدا ومنجزا لثورة تموز المجيدة منارا يقتدى بها… والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الرفيق أبو خليل

امين سر قيادة قطر العراق

لحزب البعث العربي الاشتراكي

بغداد الرشيد في السابع عشر من تموز 2024

 

خِطَابُ المَوْجِ البَعْثِي الهَادِر-4

خِطَابُ المَوْجِ البَعْثِي الهَادِر

(الجزء الرابع)

 

المقاومة العراقية مستمرة

استهلالاً، لابد من التذكير بحقيقة مهمة في عراق ما بعد الغزو والاحتلال، وهي إن بعض العراقيين الرافضين والمقاومين للغزو والاحتلال قد اضطرتهم الظروف لمغادرة العراق والعيش في بلاد مختلفة، وبعض آخر كان أصلاً موجود خارج العراق لزمن ما قبل الغزو، واستمر بالبقاء حيث هو، ولهؤلاء جميعاً حق اتخاذ الموقف الوطني الرافض والمقاوم، ولكن يقتضي الواجب أن يكون للمقاوم موقف عملي معبر عنه بصيغة مادية لدعم المقاومة في الداخل، وفوق هذا أن يكون موضوعياً في التعاطي مع مسيرة وحيثيات العمل المقاوم وما تقتضيه من تكتيكات وتنوع فعل تفرضه الساحة وليس الأمنيات ولا التنظير.

أما الذين لا يقدمون غير المطالبة اللفظية دون اسناد فعلي عملي مادي أو دبلوماسي عبر العلاقات مع الناس والأحزاب والمنظمات والدول، فإن المقاومين النازفين في الداخل سيضطرون إلى وصف مواقف هؤلاء بالفارغة أو المشبوهة.

الأمر الاخر المهم والخطير الذي يجب استحضاره عند الحديث عن المقاومة العراقية ومطالبتها ووضعها أمام حقوق وواجبات وطنية، هو إن المقاومة العراقية تفتقر إلى الدعم الدولي بسبب الحصار الأمريكي البريطاني الصهيوني من جهة، وبسبب الاحتلال الإيراني الذي كان له دور خطير في تشظية وفي التأثير على الموقف الشعبي من المقاومة عبر تكوين الأحزاب والمليشيات الطائفية المنضوية تحت خيمة العملية السياسية المجرمة والمؤيدة لها.

فالمقاومة العراقية تتفرد بين كل المقاومات الوطنية في العالم بعدم وجود داعم مادي ولا إعلامي ولا سياسي لها على الاطلاق إلا من بعض شعبنا وبعض أخوتنا وأشقائنا العرب.

للتذكير فقط:

لنتذكر مع بعضنا البعض قول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليقومه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، وبشكل متزامن، لننظر في العنوان القيادي للرفيق المجاهد عزة إبراهيم، ألا وهو القائد الأعلى للجهاد والتحرير، إلى جانب كونه الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، ومن حديث الرسول الكريم والواجب المعلن للرفيق عزة إبراهيم، ومما جاء في خطاب الموج البعثي الهادر سوف نطل على محور المقاومة العراقية الباسلة في خطاب ذكرى ميلاد الحزب الثالثة والسبعين الذي ألقاه الرفيق القائد عزة إبراهيم يوم م ١١ نيسان ٢٠٢٠م.

فحديث الرسول صلى الله عليه وسلم فتح ثلاث سبل لمقاومة المنكر، والمنكر هو الفعل المرفوض والمدان، والذي يتطلب المقاومة، تبدأ ذروة الفعل باستخدام القوة المعبر عنها باستخدام اليد، ومسار ثاني معبر عنه باستخدام اللسان الذي يناظره في لحظتنا الراهنة الثقافة والإعلام، والمسار الثالث كان يقضي بأن الرفض والتقويم يتم عن طريق اتخاذ موقف مضموم في ذات الإنسان في صدره، وربما ينتظر الفرصة المناسبة للتبدل والتطور إلى ما هو أعلى منه في درجات الإيمان، الذي هو الآخر في هذا الحديث قد عبر عنه المعلم الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بصيغة وتعبيرات تقويم المنكر (الإيمان = تقويم المنكر)، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الرفيق عزة إبراهيم كان ولا زال بوسعه أن يكون الأمين العام للبعث دون أن يقرن هذه الأمانة العظيمة بثقلها وسعتها وخطورتها بأمانة أخرى هي الجهاد والتحرير، ولما جعل نصف خطابه موضوع بحثنا هذا، هو حديث مقاومة قال عنها بوضوح لا لبس فيه إنها مقاومة سلاح ومقاومة سلمية حيثما حكمت الظروف الملجئة.

((أما بعد الغزو والاحتلال فقد صَنَع حزبُنا حزبُ الرسالة تاريخاً جديداً مجيداً للأمة، وأدى دوراً جهادياً وبطولياً لم تشهده الأمة العربية منذ عصر الرسالة الأول، فالبعث بعد الاحتلال كان ولا يزال معجزة الأمة العربية في قدرتها على البقاء والثبات والنهوض والعطاء والتجدد)).

حيث يقرن الجهاد والمقاومة بالمعجزة، ويصفها بأنها هي التي مثلت قدرة الأمة على البقاء والثبات والنهوض، ذلك لأن الغزو والاحتلال قد صمم بقوته الغاشمة وإرادته الإجرامية لتقويض كل مرتكزات وجود الأمة العربية عبر تقويض دولة العرب في العراق.

فكيف يمكن لقائد همام أن يتخلى، كما يحاول البعض الإيحاء والتخرص، عن هذه المعجزة وعن مكاسبها وانجازاتها التي لازال هو من يقودها ويجدد مساراتها؟

إن الذين يريدون للبعث أن يركن إلى المقاومة المسلحة فقط في ظروف لم يشهد لها بلد وشعب مثيل وبلا دعم بالسلاح ولا بالمال، ودون حساب لاعتبارات داخلية برزت بعد الهروب الأمريكي عام ٢٠١١، ودون أن يحسبوا التكتيكات المطلوبة لحقبة ما بعد داعش الإرهابية ومسؤولية الحزب الأخلاقية تجاه شعب العراق، وما يواجهه من مؤامرات وممارسات التشظية الطائفية والفقر والفاقة وانعدام الأمن والخدمات، هم المنفصلون عن الواقع العراقي، ولهذا الانفصال أسباب عدة لسنا بصدد الخوض فيها، وبعضهم لا يجيدون غير الثرثرة والتشويش والوقوع بوعي أو دون وعي في برامج الاجتثاث والتبشيع والشيطنة الموجهة ضد البعث وقيادته.

وفي وقفته التاريخية في الخطاب النيساني المقاوم، فصل الرفيق شيخ الجهاد والمجاهدين إنجازات مقاومة العراق العظيمة، مؤكداً أن البعث لم ولن يلق السلاح، وفي هذا القول إعلان صريح على أن المقاومة مستمرة وفقاً لتكتيكات محسوبة تصب في الاستراتيج الثابت، ألا وهو استراتيج تحرير العراق، وفي كل التوصيف المعبر عن الحب والاعتزاز والفخر والزهو بمقاومتنا وانجازاتها ينطلق القائد من أرض الواقع بلا أمنيات فارغة ولا تصورات قافزة على الحقائق ولا عزف على أبواق الدعايات الجوفاء، إنه حديث قائد المقاومة من أرض المقاومة، ومن بين بنادقها ورجالها وحقولها وفصولها، وتلكم لعمري هي الوقفة الحق، والواقع الذي يعلن عن نفسه بلا مناورات ولا لف ولا دوران، ومن يريد أن يفهم تحت أنوار الله فهذا نص ما قاله القائد في خطابه، ومن يريد أن يثرثر في الظلمات فذاك شأنه:

 (يا رفاق العقيدة والسلاح والدرب الطويل:

هكذا كان البعث قبل الغزو، وهكذا كان البعث قبل الثورة والحكم مناضلاً عنيداً وجسوراً ثابتاً في ميادين النضال والكفاح، مبدعاً في أدائه وسخياً في عطائه على طريق تحرير الأمة وتوحيدها، وبناء مستقبلها وإقامة مجتمعها الاشتراكي الديمقراطي الحر الموحد.

أما بعد الغزو والاحتلال فقد صَنَع حزبُنا حزبُ الرسالة تاريخاً جديداً مجيداً للامة وأدى دوراً جهادياً وبطولياً لم تشهده الأمة العربية منذ عصر الرسالة الأول، فالبعث بعد الاحتلال كان ولا يزال معجزة الأمة العربية في قدرتها على البقاء والثبات والنهوض والعطاء والتجدد والانبعاث مهما جار عليها الزمن ومهما تكالب الأعداء.

أيها الرفاق المناضلون في حزبنا…. أيها الأصدقاء والحلفاء…. يا جماهير أمتنا العربية:

اعلموا أن البعث العربي الاشتراكي بقيادته الباسلة وبجيشه العظيم لم يسلم ولم يستسلم للغزاة ولم يُلقِ السلاح في معركة التصدي للغزو والعدوان، وإنما انتقل من الحرب الرسمية إلى حرب التحرير الشعبية فوراً، وبدأت عمليات المقاومة النوعية منذ اليوم الأول لاحتلال بغداد وتصاعدت بشكل سريع، وهب شعب العراق العظيم وقواه الوطنية والقومية والإسلامية إلى حمل السلاح والالتحاق بالمقاومة فرادى وجماعات، وبدأت بتشكيل الفصائل والجيوش والكتائب حتى وصل عددها إلى أكثر من مئة فصيل، وصار العدو الغازي يُضرب حيث يتواجد على أرض العراق، من أقصى جنوبه إلى أقصى شماله، وانتشر جيش العراق المجيد على جميع هذه الفصائل يدرب ويخطط ويقود حتى وصلت عمليات المقاومة إلى أكثر من خمسمئة عملية في اليوم، واعترف بوش، أقول للتاريخ لكي لا يزور لقد قاتلت إلى جانب البعث وجيشه  وقواته المسلحة  الكثير من الفصائل، وخاصة الإسلامية، وكانت تحظى بدعم مادي ومعنوي  وسياسي وإعلامي وحتى أمني من جهات دولية وعربية عدة، إلا البعث ومقاومته  وقواته المسلحة  كانوا موضوعون ولا يزالون تحت الاجتثاث والحصار من جميع القوى  التي اشتركت في غزو العراق واحتلاله أو معاونة الغزاة، عراقية وعربية ودولية، ولم يحظ  البعث بأي دعم ولا مساعدة  ولا تأييد  ولا مهادنة  إلا من شعب العراق العظيم، الذي فاض على الحزب ومقاومته وقواته المسلحة بأكثر ما تجود به النفس البشرية، الكثير من المواطنين باعوا منازلَهم ومزارعَهم وقدموها إلى جيش رجال الطريقة النقشبندية، ولذلك كانت مقاومة البعث معجزة من معجزات العصر، إن مقاومة البعث كانت ولا زالت متفردة في تاريخ الشعوب، ليس لها مثيل على الإطلاق  كل حركات التحرر في العالم  وكل حروب التحرير في العالم  كانت تتميز بأمور أساسية  لا يمكن لأي مقاومة أن تظهر على الأرض بدونها، وهي العامل الأول، أن مقاتليها غير معروفين  لدى الغزاة المستعمرين وعملائهم، تبدأ الحرب بعدد من المقاتلين لا يتجاوز عدد أصابع  اليد  أو أكثر بقليل في أغلب الأحوال،  ثم تنمو وتكثر، العامل الثاني تحظى بدعم دولي وإقليمي مالي وسياسي وإعلامي وأمني واقتصادي واسع، وتسليح وتدريب وتجهيز  لكل متطلبات الحرب الشعبية، كما حصل للجزائر وفيتنام  وأفغانستان وحتى المقاومة الفلسطينية، العامل الثالث الأرض وطوبوغرافيتها المساعد على الحركة في الظهور والاختفاء.

لا تمتلك مقاومة البعث أي من هذه المرتكزات، بل قاتلت وانتصرت  في بحر خضم  من الأعداء، وفي أرض مكشوفة ومواجهة مباشرة، وبمقاتلين معروفين وقيادات معروفة، حتى كان لها أعداء ممن كان يقاتل الغزاة إلى جانبها، وقد حوصرت مقاومتنا حصاراً شديداً  من قبل كل القوى الرسمية العراقية والعربية والدولية وبدون استثناء أي جهة منها، لكنها  ورغم كل تلك المعوقات والمصاعب الكبيرة  حطمت جيوش الغزاة بإيمانها بالله والوطن  وبثباتها وبتضحياتها السخية، قدم البعث أكثر من165ألف شهيد مدني وعسكري على مذبح الانتصار التاريخي على جيوش الغزاة.

 لقد قرر بوش الصغير كما قال عام (2006) الانسحاب هرباً من العراق، فأنقذتهم الصحوات  حتى عام الهروب المخزي في زمن أوباما، ونكاية في شعب العراق ومقاومته وجيشه سلمت الإدارة الأمريكية المهزومة العراقَ لإيران الفارسية الصفوية، لكي تستمر بتنفيذ مشروعهم  بتدمير العراق وتجريده من كل أسلحته المادية والمعنوية، وتدمير كل عوامل حياته الإنسانية، فمسيرة البعث بعد الغزو والاحتلال لا تقارن بحروب التحرير في العالم، ولا تقارن بمسيرة الحزب قبل الاحتلال وقبل ثورته وحكمه، وإنما تفردت في تاريخ البشرية، ولم يتقدم عليها إلا مسيرة جيل وحزب الرسالة الأول، لقد بلغت الخسائر الأمريكية المعلن عنها من منظمات ومراكز بحوث ومعلومات أمريكية رسمية، في عدد القتلى 75 ألف قتيل من الجيش والقوات التي رافقت الجيش، وأكثر من مليون معوق جسدياً ونفسياً، وفي الجانب المالي  طبقاً للخبراء الاقتصاديين الأمريكيين3 ترليون دولار، أما ترامب فقد أعلن رسمياً  أن خسائر أمريكا في العراق بلغت 7 ترليون دولار، وقد وصل الاقتصاد الأمريكي إلى حافة الانهيار، هذه هي المقاومة العراقية المعجزة، لقد أعلن بوش رسمياً  في بداية الغزو  أن قواته ستبقى في العراق نصف قرن على الأقل، أذكر بهذا التصريح الرسمي لبوش الصغير، لكي لا تسمحوا أيها المناضلون أيها المجاهدون يا أبناء العراق ويا أبناء العروبة لأحد من العملاء والخونة  أو من المضللين أو من المتخاذلين أن يقول أن أمريكا انسحبت من العراق، أمريكا هربت من العراق، ولو لم تهرب في ذلك الوقت لانهارت من الداخل  كما انهار الاتحاد السوفيتي ولتشظت وتفتت.

أيها المناضلون في حزبنا…. يا جماهير أمتنا العربية.

هذا هو حزب البعث العربي الاشتراكي بعد الغزو والاحتلال، إن من المآثر العظيمة  لحزبنا ومقاومته وقواته المسلحة بعد غزو العراق واحتلاله كتبت لحزبنا وأمتنا تاريخاً بأحرف من نور،  إنه انجاز تاريخي متفرد في تاريخ الأمم كلها، إذ لم يسبق لا حاضراً ولا ماضياً في جميع الحروب الكونية وحروب التحرير الوطنية لشعب مثل شعبنا ولحزب مثل حزبنا ولجيش مثل جيشنا العظيم أن يفعلوا مثل ما فعل حزبنا وشعبنا وجيشنا، لقد خضنا حرباً عالمية  بكل معاني شمولها وعمقها وقوتها وعالميتها مع أقوى دول العالم، وأقوى الجيوش على الاطلاق، ولم نستسلم، ولم يتوقف القتال ومقاومة الغزو لا ساعة من الليل ولا ساعة من النهار، في نفس اليوم الذي أُحتلت فيه بغداد التحم الجيش مع الحزب ومع الشعب لمواصلة القتال طبقاً لقواعد حرب التحرير الشعبية، فانطلق في اليوم الثاني لاحتلال بغداد آلاف من المقاتلين ولم تمض إلا أشهر معدودة حتى وصل عدد المقاتلين من الحزب والجيش وقوى الأمن الوطني أكثر من ربع مليون مقاتل، وكانت الجيوش الغازية تتلقى الضربات في كل مكان تتواجد عليه في أرض العراق.

هذا هو حزب البعث ودوره وتجربته قبل الاحتلال، وهذا هو حزب البعث بعد الاحتلال، تحت الاجتثاث وتحت الحصار والحظر أدى البعث دوره التاريخي الرسالي، ولا يزال ثابتاً وراسخاً في أرض العراق الطاهرة ولا زال شامخاً شموخ نخيل العراق يلاحق العملاء ليل نهار، من ظله ومن اسمه ومن عنوانه ترتجف فرائسهم، وكلما عثر أحدهم أو جفل، صرخ بصوت عالي جاءنا البعث، ويقول هذه العثرة والجفلة بسبب البعث.)

إننا نثق ثقة مطلقة بأن المقاومة والكفاح والجهاد والنضال هي جزء من تكوين البعث الفكري والعملي، وتاريخه كله يشهد بذلك، وما تمسكه بفلسطين وحق تحريرها إلا دليل ساطع على إيمانه بطريق المقاومة، وجاء غزو العراق ليضع أمام البعث مهمة تحرير العراق، والتي لن يتخلى عنها بكل السبل والطرق، ومع هذا اليقين على كل عراقي وعربي شريف أن يمنح قيادة الحزب حق تقرير التكتيك واللعب في الزمن لأنها مؤمنة ثابتة وشجاعة، ولأنها هي الأكثر دراية بالمهم والأهم وبالأرجحيات.

تم بعون الله تعالى.

خِطَابُ المَوْجِ البَعْثِي الهَادِر-3

نَحْنُ نَنْهَلُ مِنَ السَّهْلِ المُمْتَنِع

(الجزء الثالث)

البعثُ حزبٌ عربي بأدواتٍ عربية

لم تنتج الأمة العربية في تاريخها الحديث حزباً عربياً منطلقاته فكرية أصيلة نابعة من صميم حاجات الواقع العربي مدركة لتناقضاته وارهاصاته المختلفة، ودارسة مجتهدة لوضع الفكر في خدمة التغيير المنشود إلاَّ حزب البعث العربي الاشتراكي.

 فالبعث حركة تغيير ثوري جذري شامل، تهتدي بفكر قومي حضاري علمي موضوعي يتسم بالأصالة، والمقصود بالأصالة هنا، أن النظرية تنبع من الواقع العربي من جهة وأن البيئة العربية مستجيبة لهذه النظرية وأدواتها التنظيمية الثورية من جهة أخرى، حيث تواجه الفقر لتبدله بثراء مادي وروحي، وتقاتل الاستغلال بقوانين الاشتراكية العربية وتصوب بجهدها الاستلابَ الذي حل بالعرب لتُحِل محله الحرية والكرامة والديمقراطية عبر تأكيد الذات الإيجابية.

البعث أول حزب عربي ذو فكر عربي وأدواتٍ عربية، وطرائقه في التطبيق تنفتح على ثوابت العلم والبحث العلمي التي تقول وتقضي بالإفادة من موروث الأمة العربية ومن النظريات والمعارف الإنسانية بكل سبل الأخذ والعطاء المعروفة.

نَظْرَة في المُرتَكَزات النَّظريَّة للبَعْثِ ومُناضِلي البَعْث:

عمل البعث جاهداً على توحيد الفكر البعثي مع ممارسات البعثيين الميدانية، أفراداً وتشكيلات تنظيمية مختلفة، عبر عمل وبرنامج ثقافي دؤوب ومتواصل يؤكد أن الحزب مدرسة حياتية نضالية، ولذلك نجد أن البعثيين عموماً يمتلكون المعرفة بالأسس الفكرية والنظرية لعقيدتهم ومضامينها الوحدوية القومية الاشتراكية التحررية، مثلما يمتلكون أيضاً قدرات مشهودة على تطبيق عقيدتهم عملياً.

البعثي يدرك عادة سمات البعث التي حددتها أدبيات الحزب بالعلمية والشعبية والثورية والأخلاقية، ومستوعب تماماً لجدل الترابط العضوي بين الأهداف الثلاثة المقدسة (الوحدة والحرية والاشتراكية).

 ويجادل البعثيون بكفاءة وعمق في موضوع العلمانية المؤمنة وافتراقها والبون الشاسع بينها وبين العلمانية الغربية الملحدة، ويدركون الحدود الأساسية للاشتراكية العربية تفريقاً لها عن الاشتراكية الشيوعية، ويفهمون في أسس الانقلاب على الذات، ويميزون بين هذا الانقلاب التربوي السلوكي الأخلاقي المنبثق والمتحقق في ذات الإنسان، ويقود إلى إنتاج الثورة العظمى التي تتحقق فيها التغيرات الجذرية لكل مكونات التخلف والجهل واليأس والقنوط وبين الانقلاب العسكري الذي يغير عادة السلطة ويستبدلها بسلطة أخرى.

 ويمكن لأي بعثي أن يحدد صلة البعث بالدين والتراث، وأن يطلق العنان للتعبير عن زهوه بالربط البعثي المبدع لصلة الحزب بالدين كرسالة وجذور للارتواء بالإيمان أثناء عملية صناعة الإنسان وصناعة التنظيم الرسالي دون أن يسعى الحزب لمنافقة الدين، كما فعلت الأحزاب الإسلاموية، ولا يوظفه في الكسب والانتشار.

البعثي، عموماً، يمكنه التنظير ولو بأدنى حدود مقومات التنظير لقضايا مثل صلة القومية بالإنسانية وصلة الحاضر بالتاريخ، ويفهم التنمية بروافدها المختلفة ودورها في بناء الإنسان الذي يعتبره الحزب هدفاً ووسيلة وغاية.

والبعثيون يعرفون تماماً لماذا اعتنقوا مبادئ البعث وعقيدته ورسالته القومية الخالدة كطريق لا بديل عنه لتحقيق دولة الوحدة الكبرى.

إن من يعتمد القراءة الموضوعية والدقيقة الفاحصة المتأنية المستندة إلى ثوابت التقصي والتحليل العلمي لخطاب الرفيق القائد عزة إبراهيم، في ذكرى ميلاد البعث الثالثة والسبعين، سيجده يغوص في بحور الفكر التي ذكرنا بعض موضوعاتها ومساراتها أعلاه، ليوضح ويثري ويغرف في ذات الوقت من هذه البحور ومن إنجازات وتطبيقات ومواقف وقرارات تم تحقيقها عملياً، وأكدت أن الفكر ينتج الوقائع وأن الوقائع تثري الفكر وتجدده وتوسع روافده وتفتح المزيد من النوافذ على انفتاحه على القريب والبعيد في عمليات النسغ المتبادلة، من جهة أخرى دون تكبر ولا مكابرة قد تفضي إلى الوقوع في متاهات الإحساس بالتخلف والضعف وجلد الذات.

خطاب نيسان ٢٠٢٠ م وثيقة بعثية قومية إنسانية فكرية، عرضت أخطر ما تعرضت له الأمة في العصر الحديث والمعاصر، بربط فكري ينساب برشاقة، تستنهضُ القارئ المتعمق وتحرك أعماقه وظاهره في آن واحد ليتصدى ويبث إرادة التغيير.

لقد تمكن القائدُ الأمين عزة إبراهيم في خطابه أن يجعل واقع الأمة العربية يبرق جلياً واضحاً بغثه وسمينه لكل ذي بصر وبصيرة، وعرض الخطاب –الوثيقة-وتطرق إلى أخطر وأعظم ما أنتجته الأمة، وخاصة في تجربة البعث في العراق، بروح مرتكزة إلى فكر البعث ومستعينة به، وتضيف له إضافات كمية هائلة ونوعية جديدة متجددة باقتدار لا تنتجه إلا عرين الأسود ومعاناة الجهاد ومن توسد البندقية وتوسد كتابين هما القرآن المجيد، في تعبيرات الصلة بالله والإسلام الحنيف، وفي سبيل البعث في تعبيرات النهل من أصول العقيدة وجذورها.

وعلى هذا فالخطاب إثراء للفكر والثقافة البعثية، ولثقافة البعثيين ووعييهم، وإضافة نوعية لتعميق صلتهم بالعقيدة فهماً وتطبيقاً ميدانياً.

الربط بين أهداف البعث في خطاب القائد:

يقول الرفيق القائد في خطاب الموج البعثي الهادر:

((البعث عبر مسيرته الطويلة التي مضى عليها ثلاث وسبعون عاماً قد حقق انتصارات فكرية وعقائدية وثقافية وتربوية هائلة …. فهو الوحيد في الأمة من ربط ربطاً عضوياً بين وحدة الأمة وحريتها وعدالتها الاجتماعية، أي ربط بين الاشتراكية والقومية، وأكد على حقيقة أن الاشتراكية يجب أن تكتسب سماتها ومعالمها وحيويتها وتراثها من ظروف الأمة الزمانية والمكانية ومن بيئتها الوطنية والقومية)).

وأول ما يلفت الانتباه في هذا النص هو استخدام القائد لعملية ربط بين كلمة (انتصارات) وبين مصطلحات محددة هي مصطلحات ومفردات فكرية، أي أنه أكد على أن للفكر والعقيدة انتصار، أي أن ثمة نصر تحققه العقيدة، وانتصارات أخرى ثقافية وتربوية يحققها نضال الحزب، مثلما يكون للمعارك العسكرية انتصارات.

يؤكد القائد هنا على أن البعث قد حقق انتصارات في الثقافة والتطبيقات والنظرية البعثية، أي في جوانب لا يمكن قياسها مادياً كما تقاس انتصارات التنمية التي لها حواضر منظورة يمكن عدها وإحصاءها.

إن هذا الاستخدام الذي يتسم بكونه استخداماً خلاقاً مبدعاً هو نقل خلاق لهذه المفردات، ذات الآفاق النظرية أو التي يطغى عليها السمة النظرية، إلى بيئتها الميدانية التنفيذية من جهة ومن جهة أخرى فهو استخدام إبداعي كونه يؤشر الصلة العضوية بين فكر البعث ممثلاً في تعبيراته ومصطلحاته المتداولة، كالفكر والعقيدة والثقافة والنظرية والتربية، وبين سعيه الحثيث ونجاحه في تطبيقه التي تقاس اعتبارياً وبين المنجزات الشاخصة القابلة للقياس والاحصاء الكمي.

ثم يجدد القائد، في النص أعلاه، إحدى علامات التفرد الفكري لحزب البعث العربي الاشتراكي ألا وهي نظرية ربط الحزب العضوي الجدلي بين أهدافه الثلاثة ربطاً عضوياً جدلياً، حيث لا وحدة عربية دون حرية الإنسان والوطن وديمقراطية منبثقة من الإرث الاجتماعي الأخلاقي للأمة تنأى عن الديمقراطية الليبرالية، حيث تتسم بثوابتها الأخلاقية والدينية، ومرتبطة ارتباطاً كلياً بإرث الأمة الاجتماعي والحضاري، وكذلك لا وحدة دون قواعد عدل تحقق رفاه الفرد والمجتمع وتنمي الدخل القومي وتطور مؤسسات الإنتاج العام والخاص المحدد بتعريف عدم العبور إلى مستوى استغلال الآخرين.

البعث، هنا، وحدوي دون انغلاق على حدود المشتركات القومية من جغرافية وتاريخ ولغة وثقافة، بل يتعداها إلى تأطيرها بالحرية والاشتراكية التي تنبع وتنمو وتتطور من ثنايا وطيات الواقع العربي القائم وبصلة حية بإرثه وبمنتجاته الثقافية التي لا تلغي الفرد لتنتج ديكتاتورية الجماعة، ولا تحبس النظام العام كنظام شامل بقيود تكبل انطلاقته الحية التي تخدم العام المجتمعي غير المتجاوز لحقوق الفرد الشخصية، على خلاف تجارب أخرى تسحق الفرد، فاشتراكية البعث العربية أيضاً هي قومية، لا تأخذ كامل مدياتها إلا بتكامل ثروات الأمة البشرية والاقتصادية، ماءً وأرضاً وسماء.

إن إثارة الرفيق القائد لوحدة الأهداف هي لفتة أخرى لاستثارة اهتمام البعثيين وشعبنا العربي بفكر حزبهم وإطلالاته المتفردة على متناقضات الواقع العربي وتنير آفاق إمكانية وواقعية تطبيق أهداف البعث كلاً موحداً، أو تحقيق جزء منها حيثما أتيحت الفرصة والظروف دون أن يحصل أي شرخ ولا انفصام في الأهداف.

إن انفتاح آفاق تطبيق الاشتراكية مثلاً لا يؤجلها بانتظار الوحدة، بل يستثمر الفرصة بكل قدراته وبكامل مساحتها، لأنه يؤمن أن الاشتراكية منصهرة مع الوحدة والتطبيق الاشتراكي سيفضي إلى فتح مسارات وحدوية تلقائياً بحكم نظرية الترابط الجدلي التي أحكمت التداخل العضوي بين الأهداف.

ويقول الرفيق القائد في الاقتباس أدناه من الخطاب:

 ((إن اشتراكية البعث قومية عربية، مؤمنة أن عقيدة البعث مرجعيتها عقيدة الأمة العربية، وفكر البعث هو فكر الأمة المتجذر والمطبوع والمولود من عقيدتها وفكرها ومبادئها وقيمها وتراثها وهو منفتح على فكر الأمم كما هي اشتراكيتنا منفتحة على تجارب العالم)).

فهو يؤكد هنا، حماه الله، على صلة الاشتراكية بالإيمان، لإبعاد النظرة الالحادية التي ارتبطت بالاشتراكية الماركسية، فاشتراكيتنا ليست شيوعية، والاشتراكية ليست فكراً شيوعاً في الأساس، بل إننا نجد له قوائم ومكونات في تراث الأمة وفي الرسالات السماوية المباركة التي حملتها أمتنا، وخاصة رسالة الختم المحمدية المباركة، والاشتراكية بمعناها ومضامينها العلمية هي منتج بحثي علمي إنساني، قابل للتعديل والإضافة والتبديل والاشتقاق منه في مفاصل معينة، أي إن النظرة إلى الاشتراكية على أنها بنت عقيدة اسمها الشيوعية هي نظرة قاصرة تماماً.

لقد برهن البعث، قطعاً، أن الاشتراكية العربية هي مسار قومي، يعبر عن حاجات العرب، وينبع من بيئتهم وإرثهم وتطلعاتهم لحياة حرة كريمة مزدهرة، وهذا ما بلغه خطاب القائد.

خِطَابُ المَوْجِ البَعْثِي الهَادِر-2

نَحْنُ نَنْهَلُ مِنَ السَّهْلِ المُمْتَنِع

(الجزء الثاني)

 

الحزبُ الذي يناضل لا تعنيه السلطة

بعد أن لخص الرفيق القائد عزة ابراهيم سلسلة المحن والمعضلات التي سلطت على أمتنا بـ:

أولاً: اغتيال وحدة مصر وسوريا التي كانت بداية انطلاق المشروع القومي الوحدوي العربي.

ثانياً: اسقاط تجربة مصر الناصرية القومية الوحدوية.

ثالثاً: اغتيال سلطة البعث في سوريا في ردة الثالث والعشرين من شباط.

رابعاً: تطويق المقاومة الفلسطينية لإنهاء دورها المفصلي في تحرير فلسطين.

خامساً: اتفاقات كامب ديفيد ١٩٧٧ التي رسمت نقطة انطلاق التطبيع الباطل الحرام مع الكيان الصهيوني.

سادساً: فرض الحصار على العراق عام ١٩٨٩.

سابعاً: غزو العراق واحتلاله وتسليمه للاحتلال الإيراني.

وعلينا أن نقف هنا لنؤكد أن هذا ليس سرداً مجرداً وضعه القائد لأحداث جسام مرت بها الأمة بل هو يحمل جوهر عقيدة البعث التي ترى فيما تعرضت له الأمة في مختلف بقعها الجغرافية على أنه كل مترابط غير معزول الأهداف والغايات والأدوات، من جهة، ومن جهة أخرى فهو يلخص أيضاً وحدة التتالي الزمني للأحداث وتصاعدها تماهياً مع تصاعد همة العرب وازدياد وعيهم بحقوقهم وارتقاء وسائلهم الميدانية والتي كانت أعظمها تجربة العراق الوحدوية الثورية التقدمية الاشتراكية.

لم يكن التآمر وحلقاته معزولاً ولا بصيغة استهداف فردي ضد قطر بعينه بل كان مصمماً ضمن حلقات مترابطة ولمواقع تمثل وزن الأمة الأثقل كمصر وسوريا والعراق التي لولا تلك المؤامرات وتنفيذها العدواني لكانت قد اتحدت ولصار للأمة شأن آخر، من بين ملامحه الأهم تحرير فلسطين، ولذلك كان التآمر على المقاومة الفلسطينية هو تتويج للتآمر على أقطاب الأمة الثلاث وبؤر وعيها وفعلها القومي، فتحجيم المقاومة الفلسطينية وانهاؤها هدف يعزز سياسات عزل مصر والعراق وسوريا القومية واستهداف حراكها الشعبي حيثما بان منه ما هو مخيف لقوى التعاضد والتساند ضد الأمة، ألا وهي الامبريالية والصهيونية والفارسية المجوسية، ثم كان على الثلاثي المجرم أن يصل إلى ذروة التحطيم بحرب إيران على العراق ومحاصرته تمهيداً لغزوه واحتلاله.

وفي الوقت الذي يرسم فيه القائد رؤيته العلمية العميقة لما حل ويحل بالأمة فإنه لا يكتفي بالتشخيص لمواضع العلل والكسور المركبة المضاعفة بل يمضي قدماً ليستكمل شروط العلاج والمواجهة، لأن الأمة لا تستسلم ولا تخنع، فتأتي الوصفة من العراق، أي من القلعة التي ظنوا إنهم قد هدموها والسد الذي ظنوا، واهمين، أنهم ثقبوا قلبه ليمضي السيل جارفاً مغرقاً كل الجسد العربي.

إنه مقاومة البعث في العراق ونضاله وجهاده الذي يمثل بكل جدارة الرد الوطني والقومي على حزمة العداء والتآمر بكل توصيفاتها المترامية على زمن بدأ بمؤامرة افشال الوحدة وانتهى بغزو العراق، فالبعث هو الأمة، ليس لفظاً يردده عشاق البعث والأمة، بل هو واقع يتجسد بوجود البعث منافحاً ومناضلاً ومجاهداً في كل محطات ووقائع العدوان على الأمة ولأنه حمل السلاح في يوم دخول الغزاة إلى بغداد الحبيبة ليطلق المقاومة العراقية المعجزة، ولأنه الحزب الذي لم ينشأ مثل باقي القوى التقليدية الباحثة عن النفوذ والسلطة ومغرياتها بل لتحقيق آمال العرب وطموحاتهم في الوحدة والحرية والاشتراكية.

والحزب الذي يناضل لتحقيق مثل هذا الثالوث المقدس لا تعنيه السلطة وتبديل الحكام، بل يعنيه صناعة الواقع النقيض لما هو سائد ويتسم بالتخلف والانحطاط والرداءة، إننا نقول برسالية البعث وهدفه الأسمى بإقامة دولة العرب الواحدة، وهذا هو بالضبط ما يقوم به البعث ويقدم من أجله التضحيات الجسام حيث إنه يعلن عن استمرار وجود الأمة وأهدافها الإنسانية السامية العظيمة، ليس ببيانات ولا اجتماعات وندوات بل بعمل ميداني بدأ ولن يتوقف ويتصاعد ذروة بعد ذروة وقمة بعد قمة.

 ودعونا نطالع معاً هذا المقطع من خطاب الشيخ العراقي العربي المقاتل المجاهد المؤمن الذي رسم فيه ما نهلناه من موجه البعثي الهادر في سطورنا أعلاه:

((أيها الرفاق المناضلون، يا أبناء أمتنا العربية المجيدة:

كلُ تلكَ المؤامرات والتحديات والمواجهات كانت مصممة لإيقاف واجهاض أي نهوض عربي تقدمي تحرري حضاري إنساني ينهي حالة التخلف والتشرذم ويمهد لقيام كيان عربي موحد وقوي في عالم لا يرحم الضعفاء.

 من هنا أيها الرفاق تفرضُ علينا ضَرورات المرحلة وخطورتها وتحدياتها المصيرية  ونحن في العراق بفضل الله وبأصالة شعبنا وعمقه التاريخي والحضاري نخوض معركة الأمة كلها، علينا أن نُعيدَ التذكير بمسارات الخلاص الوطني والقومي، فنقولُ إن البعث العربي الاشتراكي لم يكن ظُهورهُ حاجةً سياسية مرحلية  كغالبية الأحزاب السياسية التقليدية التي كانت ولا زالت تَظهرُ مَرحلياً ثم تختفي، أما حزبنا فقد كان وسيبقى حزباً رسالياً خالداً أبد الدهر لأن الرسالية تعني الديمومة ما دامت الأمة العربية، وتعني التطور والتجدد والانبعاث والنهوض الحضاري الإنساني الشامل والعميق للأمة وحسب متغيرات البيئة الوطنية والقومية والدولية، وهكذا يبقى البعث الرسالي ملبياً لتطلعات الأمة بكلِ عُمقِها وشمولِها وفق ضرورات ومتغيرات العصر، ولذلك يجب على الحزب الثوري الرسالي أن يضع استراتيجيات لمراحل مُتعددة وفي جَميعِ الميادين  للتنفيذ وانجاز المهام الملحة  وفقاً لعقيدته ومبادئه وأهدافه، وأن يضع استراتيجية عامة بعيدة المدى تحدد الخطط المرحلية المطلوبة ما دام الصراع  بهذا المستوى من التعقيد والخطورة ولا يتحمل الهبات  والمواقف الآنية المجتزأة، ولهذه الحقيقة فإن بعث الأمة الرسالي  الحضاري الإنساني اليوم  يناضل ويكافح ويجاهد ويقدم التضحيات السخية ليس من أجل استبدال نظام بنظام، وليس من أجل الترقيع والتلميع لأنظمة بالية أكل عليها الدهر وشرب، بل من أجل التغيير الشامل والعميق  لواقع فاسد ومتخلف ومريض، وأمراضه مزمنة، وصولاً إلى إقامة حياة  سليمة ومتجددة وناهضة  نحو التطور والتقدم والازدهار، فالبعث ووفقاً لما تقدم ووفقاً لعقيدته حدد هدفه الأساس الرئيس وهو انبعاث الأمة  من رقادها وسباتها الطويل والمخيف والقاتل  الذي تعج  فيه الأمراض  والفساد والتخلف والتفتت  والعمالة والخيانة  والتسليم المطلق المذل المهين للأجنبي والاستسلام له، وأعلموا أيها الرفاق أن أهداف البعث  وطبيعته وسمته الثورية التحررية الرسالية  هي التي حددت أعداءه وخصومه وأصدقاءه وحلفاءه ومؤيديه، فالأعداء والخصوم هم من يتضرر ويخشى ويخاف حد الرعب من تحقيق أهداف البعث الرسالية، ومن استئناف الأمة العربية لدورها الحضاري الإنساني بين الأمم، تلك الأهداف السامية التي حددها البعث بدقة وعن علم ووعي وحكمة، وهي الوحدة العربية والحرية والاشتراكية، ثالوث البعث المقدس، إن أهدافَ البعث  في وحدة الأمة الشاملة من محيطها إلى خليجها وحسب معطيات التطور الإنساني والبيئي والحضاري  لمسيرة الانسانية، ثم حرية الأمة وتحررها واستقلالها، وحرية أبنائها، ثم نظام حياتها الشامل القائم على العلم والمعرفة  وتجارب الأمة وتجارب الأمم الأخرى، وكل ذلك كفيل  بتسريع مسيرة الأمة نحو استعادة دورها الحضاري الإنساني بين الأمم)).

خِطَابُ المَوْجِ البَعْثِي الهَادِر-1

المقدمة

خطاب تاريخي شامل للرفيق القائد عزة إبراهيم، الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، القائد الأعلى للجهاد والتحرير بمناسبة الذكرى الثالثة والسبعين لميلاد الحزب، ألقاه عند الساعة السادسة من مساء اليوم السبت 11-04-2020.

  كان الخطاب بحراً هائجاً، تمثل روح البعث في ولادته وانجازاته العظيمة للأمة، وخاصة في تحقيق تجارب وحدوية تاريخية أهمها تجربة الوحدة المصرية السورية.

   أنار الخطاب مسيرة الحزب النضالية كقائد للفكر والعقيدة القومية الوحدوية التحررية الاشتراكية بمنظورها العربي، وأكد على دوره الرسالي الذي بث عطاءه وسيبقى يبث حتى تحقق الأمة أهدافها الرسالية التي تحقق إرادة العرب وتنفتح على الإنسانية.

  شرح القائد أسباب العداء الخارجي والداخلي للبعث، وأكد أنه ليس أخطاء البعث ولا هفوات قيادته، بل لأن البعث قد وضع الأمة على طريق تحقيق ذاتها القومية وعلى مسارات التطور والرقي.

  أوضح الرفيق القائد انجازات البعث العظيمة في العراق، التي حولت العراق إلى بلد منتج للتكنولوجيا الثقيلة والصناعات المدنية والعسكرية وامتلاكه لنواصي العلم وجيوش العلماء.

   بين الرفيق القائد خطورة الاحتلال الفارسي المجوسي للعراق وعدد من أقطار الأمة وتهديده لباقي أجزائها، وأكد على أن تحرير العراق هدف مركزي إلى جانب قضايا الأمة المركزية في فلسطين والأحواز والخليج والجولان.

   تحدث القائد الحبيب عن دور البعث قبل غزو العراق وبعده، وأفاض في تفاصيل مقاومته المعجزة وتفردها وسماتها وانجازاتها وتضحياتها.

  أكد على أن ثورة تشرين السلمية هي تعبير عن نضج عوامل الثورة الشعبية، وهي امتداد لكل العمل المقاوم الجبار الذي سبقها.

  نوه القائد إلى خيانة قوى محلية وعربية وإقليمية قبل غزو العراق وبعده.

 أشاد حفظه الله بالمقاومة الوطنية الشعبية، وبمن التحق بها من رجال القوات المسلحة، التي شكلت أكثر من مئة فصيل مقاتل، وخص رجال الطريقة النقشبندية بالاعتزاز والثناء. وذكر خسائر الغزاة الفادحة في الأرواح والمعدات وارغامهم على الهرب من العراق.

خطاب الموج البعثي الهادر، الذي ألقاه الرفيق عزة إبراهيم، بمناسبة ميلاد البعث العظيم، رسم أكثر من خارطة طريق للعرب لكي ينهضوا ويوقفوا تداعي أحوالهم، ويوقفوا العدوان الإيراني والأمريكي الغربي على حياتهم وثرواتهم وجغرافية وطنهم.

العربي الغيور سيتوقف طويلاً أمام ما جاء بالخطاب في مختلف شؤون السياسة والمقاومة والعلاقات والاقتصاد، والعرب الغيورون كثر، وعلى البعثيين في الوطن العربي إيصال الخطاب مكتوباً وعبر الوسائط الالكترونية إلى ملايين العرب والتحرك دون خوف ولا تردد على القوى السياسية الوطنية والقومية والإسلامية الوسطية في مبادرات شجاعة لتنفيذ خارطة طريق إنقاذ الذات القومية التي تغوص الآن في أكثر من مكان تحت سطوة فارس المجوسية المستقوية بأميركا وأوروبا.

شيخ المجاهدين أعاد إضاءة المسارات وفتح هذه المسارات لخطاب متجدد متوازن، وفعل مقدام يعبر روتين القوالب الجاهزة، ويحافظ على الرسالة والعقيدة والأهداف والمبادئ، لأنها هي بوصلة العرب في الركوب إلى قوالب النجاة.

كتبنا بعون الله سلسلة مقالات تنهل من سلسبيل هذا الخطاب العذب الواسع العميق، وتتوقف عند محاوره الرئيسية بما يحقق هدفه الأغلى في التوثيق والتاريخ والتشخيص الشجاع المصوب المبصر الحكيم والمُثَوِّر للعرب وقواهم الخيرة.

نَحْنُ نَنْهَلُ مِنَ السَّهْلِ المُمْتَنِع

(الجزء الأول)

ونحن نستمع إلى خطاب الرفيق القائد المجاهد عزة إبراهيم الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، القائد الأعلى للجهاد والتحرير، في الذكرى الثالثة والسبعين لميلاد حزب البعث العربي الاشتراكي انتابتنا مشاعر كثيرة وذات اتجاهات متعددة في مقدمتها أننا نستمع لكلام يصدر من رجل استثنائي في زمن استثنائي وفي ظروف استثنائية الله يعلمها، ونحن متأكدون إنها عسيرة وليس لها مثيل، وفي سياق مشاعرنا وأحاسيسنا تقف أيضاً صورة المجاهد عزة إبراهيم يتحدث بشمولية وعمق وقوة وشجاعة عن أحوال العراق وأحوال الأمة العربية، وهو مطلوب، وتبحث عنه الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والكيان الصهيوني وإيران الصفوية منذ ما يزيد على ستة عشر سنة، ومع هذه الدول بكل قضها وقضيضها وامكاناتها آلاف من العملاء الخونة المحليين ويعجزون بإرادة الله فقط لا غير من اعتقاله أو اغتياله.

 يتحدث بمصالح الأمة وحقوقها وسبل تحقيقها كما لا يمكن أن يفعله أي رجل غيره من العرب أو المحسوبين عليهم من المرفهين القاطنين في القصور الفارهة وتحيط بهم كل ممكنات الحياة المرفهة وتنافقهم آلاف القنوات الفضائية والصحف والمجلات وجيوش من الإعلام المرتزق.

نعم، الشيخ المجاهد الأسد الهصور عزة إبراهيم يقول ما لا يستطيع غيره أن يقوله، وقوله الجسور الشجاع يأتي من عرين أسد في جبل أو تلة عراقية أو مزرعة أو بستان في ديالى أو من أحد أهوار الجنوب، وربما من مرقد من مراقد أهل بيت الرسول عليه وعليهم سلام الله في الدجيل أو سامراء أو الكاظمية أو كربلاء أو النجف، ألا يحق لنا إذن نحن المستمعون إلى هدير الموج البعثي القادم من أرض العراق، ومعنا كل ابن حرة رضع من صدر أم طاهرة عفيفة أن نعانق الزهو والفخر ونتباهى بمعجزة وجود عزة إبراهيم قائداً لتحدي العراق والأمة للفناء والردى وعواصف وبراكين القوة الغاشمة والمكر والخبث والكيد الذي تصدى له الله سبحانه في القران المجيد وفي كل رسالات السماء، ألا يحق لنا أن ننهل من هذا السيل من المنطق والفعل والتوثيق السابح في بحر واسع عميق من السهل الممتنع العجيب؟

في استهلال الخطاب التاريخي يشخص الرفيق قائد نضال العرب وجهادهم الذي يمثل معجزة العصر ثلاث قوى أساسية ناصبت العرب العداء وتآمرت عليهم وغزتهم واحتلت أرضهم، ويعيد التأكيد بما لا يقبل لبس ولا اجتهاد ولا ركون إلى التحليلات التي تُسيِّرها أهواء مختلفة ومتضاربة:

(أيها الرفاق المناضلون في حِزبِنا حيثُما كُنتم في وطنِنا العربي الكبير، وفي بلادِ المهجر، أيها الأصدقاء والحلفاء.

يا جماهير أمتنا العربية المجيدة

اليوم تمرُ الذكرى الثالثةُ والسبعون لتأسيس حِزبِنا حزبُ البعث العربي الاشتراكي ، وأمتُنا العربية تمر بأخطرِ وأدقِ مَراحِل نِضالِها وكِفاحِها وأشدها تعقيداً ، وسَطَ تحدياتٍ خطيرة للغاية وغير مسبوقة منذ قرون مضت وفي مُقدمتِها التَحدي الاستعماري الفارسي الاستيطاني الذي تمادى في غيه وأوغل في جرائمه ومعه وبنفس المستوى التحدي الصهيوني العنصري البغيض، ثم التحدي الاستعماري الغربي القديمُ والحديث، ومن أهم عوامل التحدي هو ظاهرة التلاقي الاستراتيجي بين هذه الأطراف الثلاثة التي عَقَدت عَزمَها على تصفية حساباتها القديمة والحديثة مع أمتنا العربية، فدخلت في صراعٍ مصيريٍ ومتواصل مع الأمة منذ بداية القرن الماضي إلى اليوم، وهو في تصاعد، ولو نظر أي إنسان منصف سَليم الفطرة إلى ما جرى ويجري في العراق وفلسطين وسوريا واليمن وفي ليبيا وفي الأحواز، وفي بقية الأقطار العربية، لهالهُ الحجم الضخم للظلم الواقع على شعبنا وأمتنا، و من أبرز مظاهره هو التدمير الشامل لحياة شعبنا وفي كل مناحي الحياة وميادينها وتلغيم وتفخيخ مُستقبَلهِ بالكثير من القنابل المدمرة، وأنتم تعلمون أن حِزبَنا حزبُ الرسالة الخالدة الذي ولد أصلاً للتصدي للتحديات المصيرية التي واجهت الأمة العربية ولازالت تواجهها وتزداد قساوة وضراوة ولإنقاذ الأمة وتحقيق ثورتها الكبرى التحررية النهضوية الإنسانية لإعادة الأمة إلى دورها التاريخي الطليعي في مسيرة الإنسانية نحو التحرر والتقدم والتطور والتحضر، ولكن القوى الاستعمارية الكبرى المهيمنة على العالم تتعمد وبإصرار تعبئة كل قوى الشر في الأرض خَلفَها للتصدي لثورتِنا وإيقافِ نهضتِنا الوطنية والقومية والإنسانية، فكلما نهضنا وظهرت في أمتنا مراكز وقواعد تقدم علمي وحضاري تعرضت للتخريب والتدمير وَوضَعتْ أماَمها عشرات التحديات المصطنعة والمفبركة).

 القوى الثلاث التي حددها مجدداً الرفيق القائد إذن هي:

– الغزو والاحتلال الاستيطاني الإيراني.

– الاحتلال الصهيوني الاستيطاني المجرم.

– التحدي الاستعماري الغربي.

وبكل روح الحرص الوطني والقومي وتواضع الشجعان الصناديد المؤمنين يجدد الرفيق الأمين ويؤكد بقوة على التلاقي الاستراتيجي بين العدوان الإيراني الفارسي المجوسي الصفوي وبين الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وعدوانه الدائم الممنهج على الأرض والإنسان والوجود العربي برمته، وكذلك يرسخ الرؤية إلى تخادم هذين العدوانين على العرب مع العدوان الغربي بما فيه من تحالف شرير ظالم بين الولايات المتحدة وأوروبا.

المجاهد عزة إبراهيم يلقي الحجة مجدداً، وينير الكواليس، ويكشف عنها، ويضع الجميع أمام مسؤولياتهم التي تخلوا عنها، أو التي لم يمارسوها أصلاً، وهو هنا يمسك بأصابعه الكريمة ليفتح العيون التي تغمض، عدا عن حقيقة الترابط الاستراتيجي بين عقيدة الغزو والاستيطان الفارسية والصهيونية والامبريالية الغربية، إن هذا التجاهل للترابط والتخادم غير الأخلاقي الذي تكمن فيه المتناقضات الكثيرة وتطفو على سطحه وتسيير حيثياته التكتيكية الآنية والمتقاربة زمنياً مصالح تقويض الوجود العربي والقوة العربية عبر بعثرة جهود العرب للوحدة وأسباب المنعة والاقتدار بالسيطرة على ثروات الأمة وجغرافيتها الاستراتيجية الخطيرة.

خطاب الرفيق ابو جعفر امين سر قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي في الذكرى 54 لثورة 17-30 تموز 1968

بسم الله الرحمن الرحيم

)ونريدُ أنْ نَمُنَّ على الذينَ استُضعِفوا في الأرضِ ونَجعلهم أئِمةً ونَجعلهم الوارثينَ، ونًمَكِّنَ لهم في الأرض)

صدق الله العظيم

أيتها الماجدات، أيها الأماجد، أبناءَ شعبنا العراقي العظيم

تمرُ علينا هذه الأيام الذكرى الرابعةُ والخمسون لثورة السابع عشر- الثلاثين من تموز العظيمة، التي وضعت العراقَ على طريقِ النهوضِ الشامل والتحررِ العميق، وفتحت أمامَ شعبهِ سُبلَ المستقبلِ المشرق امتداداً لتراثِ العراق وتاريخِه الحضاري المجيد، وبما يتناسب مع قدراتهِ المادية وموقعهِ الاستراتيجي وطاقاتهِ البشرية الكبرى، ويلبي طموحاتِ شعبهِ العظيم، ويعبر عن مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي ونضالهِ من أجل الحريةِ والتنميةِ والبناءِ الحضاري الزاهــر.

فنقلت الثورة العراقَ من حالٍ إلى حال، من دولةٍ ضعيفة هامشية تعاني من اختراقاتٍ أجنبية وضعفٍ أمني وتخلفٍ تنمويٍ وضعفٍ اقتصادي، إلى دولةٍ متقدمةٍ قويةٍ عزيزةٍ مهابة ذاتِ مكانةٍ مؤثرةٍ مرموقةٍ وثقلٍ إقليميٍ وعربيٍ ودوليٍ وازن.

وعلى الصعيد القومي مثّلت ثورة 17 تموز الرد العملي والحاسم على هزيمة حزيران عام 1967، ووضعت أهداف الحزب في الوحدة والحرية والاشتراكية على مسار التطبيق العملي على طريق تحقيق نهضة الأمة، فجاءَت هذهِ الثَورة الرائِدة مُبشِّرةً بانطلاقِ فجرٍ جديدٍ للعِراقِ والأُمَّةِ العرَبيَّة، مِن أجلِ الحُريَّةِ والكَرامةِ والمُستَقبلِ الَواعِدِ لبَلَدِكُم العِراق وأُمَّتِكُم العرَبيَّةِ المَجيدة.

وانطلَقَت ومُنذُ اليومِ الأوَّلِ في وَعيٍّ وادراكٍ عَميقَين لمَسؤوليَّتِها التاريخيَّةِ الوَطنيَّةِ والقَوميَّة، ووُفقِ بَرنامَجِها الاستراتيجيّ المُمتَدّ بدءاً مِن العِراق، ليَكونَ نواةً ومركزاً لإشعَاعِ الثَورةِ في كُلِّ أرجَاءِ الوطَنِ العرَبيِّ الكبيرِ.

لقد كانَت ثَورةِ السَابِعَ عشرَ مِن تَموز ثَورةِ المَلايِّينَ مِن العِراقيِّينَ، واستَطاعَت بقِيادَةِ حِزبِكُم الطَليعِيِّ الرِّسَاليّ، وبمُشَاركَةٍ جماهيريَّةٍ واسِعة، وبمُؤازَرةِ كُلِّ القِوى الوَطنيَّةِ المُخلِصَة في قُطرِنا الحبيب، أنْ تَبني عِراقاً جَديداً، حُرَّاً، مُوحَّداً، قَويَّاً، مُتَقدِماً، يُمَثِّلُ مَركزَ اشعاعٍ عَربيٍّ وإقليميٍّ ودَولي. فكانَت بحقٍّ حَداً فاصِلاً وزَمناً فارِقاً في حياةِ العِراقيِّينَ والعرَبِ.

فعبرَ مسيرتِها الكبرى، حققت الثورةُ منجزاتٍ أساسيةٍ ما تزالُ آثارُها الإنسانيةُ والماديةُ ماثلةً في عقولِ وضمائرِ العراقيين وأبناءِ الأمةِ العربية، وما تزالُ حاضرةً في الميدانِ تـُذكّرُ شعبَنا العزيز بما قدّمتهُ دولةُ العراق الوطنية في عهدِ ثورةِ السابع عشرَ من تموز المجيدة لأبنائها وللأمةِ جمعاء من رعايةٍ وإنجازات.

فعلى الصعيدِ الداخلي، كانَ في مقدمةِ أولويات حكومة الثورة، رعايةُ الإنسان وصونُ حقوقه وحمايةُ كرامته. فثبتت ركائزَ العدلِ والمساواةِ الكاملة في الحقوق والواجبات بين العراقيين بغضِ النظر عن الجنس والانتماء السياسي أو العرقي أو الديني، واهتمت بإصلاح وتطوير القوانين، وشرّعت القوانين والإجراءات الكفيلة باحترام حقوقِ المرأة العراقية وكرامتِها ومنحِها كلِ الفرص للعملِ والتعليم والارتقاء في الوظائف العمومية والمشاركة الكاملة في بناءِ البلادِ والنهوضِ بها. وسنّت قوانينَ الرعاية الاجتماعية وضمنتْ لجميع القطاعات المهنية والشعبية حريةَ تشكيلِ نقاباتِها ومنظماتِها المهنية.

وطورت مؤسساتِ الصحةِ والخدمات العلاجية المجانية، ووسعتْ قطاعَ التعليم فنفذت حملةً لمحو الأمية، وحققت مجانيةَ التعليم، وأسست الوفَ المدارس، ونشرت عشراتِ الجامعاتِ والمعاهدِ ومراكزَ البحث العلمي في العاصمة والمحافظات، وابتعثت عشراتِ الألوف من الدارسين إلى أرقى الجامعات في البلدان المتقدمة، مما خلقَ قاعدةً علميةً وتقنيةً متينة وشاملة، وأغنى البلادَ بعشرات الألوف من العلماء والباحثين ومئاتِ الألوف من الخريجين المؤهلين علمياً وعملياً. كما أولت حكومة الثورة مسألة التنمية الاقتصادية الشاملة اهتماماً فائقاً فأسست ألوفَ المشاريع في ميادين الصناعة والزراعة والري والبنية الأساسية (التحتية) فشيدت المصانعَ وشقت الجداولَ واستصلحت الأراضي وبنت السدودَ والجسورَ، ومدت ألوفَ الكيلومترات من الطرق، وأوصلت شبكاتِ الطاقة الكهربائية ومياه الشرب إلى أبعد القرى النائية في ربوع وطننا العزيز.

وأنجزت حكومة ُ الثورةِ الحلَ السلمي الديموقراطي للمسألة الكردية، ونفذت قانون الحكم الذاتي لأبناء شعبنا من القومية الكردية، وصانت الحقوق الثقافية والدينية والقومية لأبناء شعبنا من الأقليات القومية والدينية كالتركمان والسريان والصابئة وغيرهم. وقامت بتحديثِ وتوسيعِ وتطوير القوات المسلحة، فبنت جيشاً قوياً حديثاً عظيماً حتى أضحى الحارسَ الأمين لسيادة العراق وأرضه وأمنِ شعبِه، وذراعِه القوي المدافعَ عن حقوقِ الأمة العربية في فلسطين وأمنِ الكثير من أقطارها.

ولأنه لا سيادة حقيقية ولا استقلال ناجز من دون قاعدة اقتصادية وطنية راسخة لذا فقد أنجزت حكومة الثورة الاستقلالَ الاقتصادي، ووضعت مواردَ وثروات البلادِ الاستراتيجية بيد أبنائها عبر تأميم النفط والثروات المعدنية الأخرى واستثمارها في صناعاتٍ وطنيةٍ متقدمةٍ كانت الأولى على صعيد الوطن العربي والشرق الأوسط.

وعلى الصعيد الخارجي، حمت ثورةُ تموز مصالحَ العراق الوطنية في بيئته الإقليمية والدولية فرسخت استقلال العراق وسيادته ووحدة أراضيه ورسخت مكانته الإقليمية والعربية والدولية، وعززت علاقاته مع الدول العربية الشقيقة ومع الدول الإسلامية وسائر دول العالم، ودعمت قضايا الأمة العربية وحركاتِ التحرر القومي وفي مقدمتِها الثورة ُ الفلسطينية، وتصدّت بحزمٍ لكلِ أشكالِ التطبيع الخياني، وقدّمت الدعمَ العسكري والاقتصادي والتعليمي لعددٍ كبيرٍ من الأقطار العربية، كما انفتحت على حركات التحرر في العالم الثالث.

وقد استثارت هذه الإنجازاتُ العظيمة أعداءَ العراق والأمة ِالعربية، وفي مقدمتهم القوى الاستعمارية وإيران والكيان الصهيوني، فناصبت العراقَ العداء وباشرت التآمر عليه منذ وقت مبكر بدءاً بمؤامرة إيران لقلب نظام الحكم في كانون الثاني عام 1969 وحربها العدوانية على بلدنا من عام 1980إلى 1988 ، وصولاً إلى الحملة الحربية الاستعمارية الكبرى على العراق التي وضع الكيان الصهيوني مخططها وتولت الولايات المتحدة وبريطانيا وإيران تنفيذها  ابتداءً من آب عام 1990، واشتملت على حرب الثلاثين جيشاً المدمرة عام 1991، والحصار الخانق الشامل من آب 1990إلى الغزو في آذار عام 2003 ، وخطة التدمير المنهجي الشامل لقدرات العراق العسكرية والعلمية والصناعية التي نفذتها فرق التفتيش عن الأسلحة المزعومة  طيلة فترة الحصار . وقد توجت أميركا وبريطانيا وإيران هذه الحملة العدوانية الشاملة بعملية غزوِ العراق واحتلالهِ عام 2003، وفقَ المخطط الصهيوني الذي استهدف اسقاط حكومة الثورة وهدم دولة العراق الوطنية وإشاعة الفوضى والدمار في ربوعها.

 

 

أيها العراقيون الأباة

لقد جلبَ الغزوُ والاحتلالُ الاستعماري للعراق ما لا يُعدُّ ولا يُحصى من الويلات والتدمير والكوارث، حتى باتَ العراقُ، هذا البلد الناهض الذي كان يقفُ على أعتابِ الدول المتقدمة، نموذجاً للدولة الفاشلة وصار مرتعاً للجريمة والفوضى والانحراف، وساحة للتجهيل المنظّم والمقصود وإشاعة التفرقة الأثنية والطائفية لتخريب النسيج الاجتماعي لأبناء الوطن الواحد.

 وقد بدأت إدارة الاحتلال الأميركي البريطاني تنفيذ هذا المخطط ِ الصهيوني الخبيث مباشرة وعن طريق أفواج من العملاء والساقطين وفي مُقدمتِهم عملاءُ إيران، الذين أوكلت إليهم مهمةَ إكمال تنفيذه بعد انسحاب قوات الاحتلال في نهاية عام 2011 وذلك عن طريق التشكيلات التي أقامتها لهم تحت لافتة العملية السياسية.

وكان أول إجراء في هذا المخطط حل الجيش والغاء سائر القوات المسلحة، وإصدار قرار الاجتثاث الفاشي لأعضاء حزب البعث من أجهزة الدولة والذي فـُصِلَ بموجبه مئاتُ الألوف وحُرِم العراق من خيرة الكوادر من أبنائه المدنيين والعسكريين. ثم فرض المحتل نهج المحاصصة لتقسيم الدوائر والوظائف والموارد العمومية في الأجهزة الحكومية على أحزاب عملائه وفق محاصصة دينية وعرقية ومذهبية، وذلك تأسيساً لتقسيم العراق وإمعاناً في إشاعة الفوضى والفساد والتدمير المنهجي لأجهزة الحكومة وتمزيق المجتمع.

وبعد تفكيك المؤسسة العسكرية والأمنية، شكلت إدارة الاحتلال جيشاً ودوائر أمنية داخلية من المليشيات الموالية لإيران بهدف هزِّ أركان الدولة وتمزيق المجتمع العراقي. كما نصبت الجواسيس واللصوص حكاماً على شعب العراق، وأطلقت مباشرة وعبر حكومات عملائها يد المافيات للتحكم في اقتصاد الوطن ونهب موارده، وإشاعة الفساد في جميع التشكيلات الحكومية التي أسستها. وهكذا باشر عملاء الاحتلال السرّاق والساقطون نهب المليارات من ثروات الشعب وتحويلها عبر منظومات الفساد المؤسساتية إلى إيران، وإلى جيوبهم وحساباتهم في خارج العراق.

كما سعى النظام العميل لإيران الذي نصّبَه المحتل إلى هدم مقومات المجتمع المستندة إلى القيم العراقية والعربية والإسلامية العريقة. وسمحت لفرق الاغتيالات الإسرائيلية والإيرانية لتصفية الألوف من كبار ضباط الجيش والطيارين والعلماء والمهندسين والأكاديميين العراقيين، فضلاً عن قيام مليشيات إيران بتصفية عشرات الألوف من البعثيين ومؤيديهم وتشريد مئات الألوف غيرهم من أبناء العراق من بيوتهم ومدنهم وبلادهم.

وعمل المحتل والنظام العميل لإيران الذي أقامه في العراق إلى إدخال التنظيمات الإرهابية للتذرع بها لتخريب المدن التي احتضنت المقاومة الوطنية العراقية وإبادة أهلها وتهجير أبنائها لإفراغ العراق من قدراته البشرية وعقوله العلمية وإحداث التغيير الديموغرافي الذي يتعارض مع أبسط حقوق الإنسان ويشكل خرقاً فاضحاً للمواثيق الدولية ويخدم أهدافاً مشبوهة بعينها.

يا أبناء شعبنا العزيز

لقد واجه حزبكم بعد احتلال العراق مهامَ جسيمةً عديدة، كان في مقدمتها إعادة التنظيم الحزبي إلى جميع أنحاء العراق، رغم استماتة المحتل وعملائه الموالين لإيران في محاولاتهم للقضاء عليه عبر اجراءات الاجتثاث الفاشية وحملات القتل والاعتقال والتشريد والتجويع الغاشمة ضد مئات الألوف من أعضائه والملايين من جماهيره. وعمل على إطلاق المقاومة العراقية المسلحة ضد القوات المحتلة منذ اليوم الأول للاحتلال فقام بتشكيل عدة فصائل مقاومة باسلة، أجبرت قوات الاحتلال، عبر عمليات بطولية وتضحيات ملحمية، بالتعاون مع فصائل مقاومة عراقية أخرى، على الانكفاء خارج المدن عام 2009، ثم الخروج هارباً بالانسحاب الذليل نهاية عام 2011، بعد أن كبدته خسائر جسيمة. وقد اعترفت دائرة المحاربين القدامى في البنتاغون بأن خسائر الجيش الأميركي منذ بداية الاحتلال في 9/4/2003 وحتى نهاية شهر أيار عام 2007 (أي في ما يقرب من نصف فترة الاحتلال) بلغت   73650 (ثلاثة وسبعون ألفاً وستمائة وخمسون) جندياً أميركياً  وأكثر من  مليون ونصف مليون جريح ومعوق ومصاب بعاهة. وهذا يعني أن المقاومة العراقية الباسلة قد كبدت المحتل الاميركي وحده في كل فترة الاحتلال أكثر من 130 ألف قتيل.

وحينما أيقن الأعداء أن “البعث” عصيٌّ على الاغتيال عبر قوانينهم الجائرة وحملاتهم الظالمة لجأوا إلى محاولات دنيئة لاغتياله من الداخل من خلال بعض الحزبيين ضعاف النفوس النرجسيين الطامعين بالوجاهة والمصالح الشخصية والذين تحركهم قوى مشبوهة ونوازع الطمع والغدر. فواجه البعث محاولة ردة مبكرة عام 2007 للهيمنة عليه وحرفه عن مساره القومي والوطني، وتمكن من دحرها وانهائها. ومنذ أكثر من 10 سنوات لاحظت القيادة بوادرَ تكتلٍ يقوده بضعة حزبيين تسللوا إلى مراتب قيادية ‏في تنظيمات الحزب في المهاجر، في غفلة وفي ظروف الحزب الصعبة المعروفة بعد احتلال العراق. ويقوم هذا التكتل على ولاءات شخصية بعيدة عن قيم الحزب وأخلاقيات تنظيمه وضوابط نظامه الداخلي التي اعتمدها فكانت بمثابة العمود الفقري لقوته وديمومته لأكثر من سبعة عقود. وقد رافقت ظهور هذا التكتل مساعٍ مؤسفة لبث روح الاحباط لإفشال كل مبادرة ناجحة للحزب على الصعيدين العربي والدولي على طريق تحرير العراق وخدمة العمل الوطني المناهض للاحتلال.  كما اقترنت بالتشهير بكوادر الحزب وزرع ‏الفتن بين أعضائه. ولم تكن قيادة الحزب ممثلة بالرفيق الأمين العام عزة إبراهيم رحمه الله والقيادة القومية وقيادة قطر العراق غافلة عن تلك الظاهرة السلبية لكنها صبرت ‏طويلاً ومارست ضبط النفس طيلة كل تلك السنين العشرة في مسعىً نبيلٍ لإعادة من فقد البوصلة إلى رشده بالتبصير والتوعية حفاظاً على مسيرة العمل في تلك التنظيمات. إلا أن هذه الشلة المتكتلة أصرّت على الإيغال في مشروعها العبثي بقصد إشغال ‏الحزب بالفتن الداخلية والمماحكات الشخصية والمهاترات الدنيئة بعيداً عن مهامه الوطنية والقومية.

وما إن رحل الرفيق عزة ابراهيم الأمين العام أمين سر القطر رحمه الله في أواخر عام 2020 ‏حتى كشفت هذه الشلة عن مخططها المريب للهيمنة ‏على الحزب. فتحركت القيادة القومية وقيادة قطر العراق بسرعة وأحبطت ‏المحاولة التآمرية، وذلك بموجب صلاحياتها ومهامها ومسؤولياتها بوصفها ‏القيادة العليا للحزب الأمينة على سلامة مسيرته وعمل فروعه وتنظيماته كافة وفق ‏مبادئه الوطنية والقومية والإنسانية، وحسب نظامه الداخلي، وهو ما مارسته طوال ‏مسيرة الحزب منذ تأسيسه وخلال أكثر من سبعة عقود ونصف.

ورغم كل محاولات القيادة لمعالجة الأمر ‏بالصبر والتأني والحكمة لكن تلك الزمرة أمعنت بالتصعيد المتعمَّد خدمة لتنفيذ مشروعهم المشبوه متوهّمين من أن الصبر والحكمة وبعد النظر هي مؤشرات ضعف وليس دلائل قوة، فأوغلت بقايا الشلة المرتدة في مسارِها المنحرف وشنت في وسائل التواصل العامة حملةً دعائيةً كثيفة ومتصاعدة ‏من الأكاذيب والشتائم والتشهير اللاأخلاقي ضد قيادة البعث القومية وقيادة قطر العراق وأعضائِهما. ثم ما لبثت أن أعادت الكرّةَ ‏في أواخر شهر آذار الماضي، فقامَ عناصرُها بمحاولةٍ ثانية للهيمنة على قيادة قطر ‏العراق بممارسات تكتل مفضوح ثبت حدوثه بالأدلة القاطعة وبالشهود. وكان من الطبيعي أن تـَلقىَ هذه ‏المحاولة رفضاً سريعاً حازماً من كافة قواعد وكوادر الحزب صعوداً إلى القيادة القومية وقيادة قطر العراق اللتين مارستا ‏مسؤولياتِهما القيادية وواجباتِهما في حماية الحزب فاتخذتا قرارات حاسمة وَأَدَت ‏محاولة الردة وعاقبت أقطابها.

وهكذا استطاع الحزب بفضل الحضور ‏الفاعل لقيادته وتماسك ووعي تنظيماته في عموم محافظات القطر وفي المهاجر أن يحاصر مشروع الردة ‏الجديد ويقبره في مهده، ما جعل عناصره يتساقطون واحداً بعد الأخر، تماماً كما حصل لأسلافهم الذين ارتدوا قبلهم عامي 1966 و2007 وتساقطوا واندحروا وانتهوا ‏كما الفقاعات،‎ وبقي حزبكم أيها العراقيون واحداً متماسكاً نقياً بعد أن طُهِّر من عناصر الردة والانحراف.

إننا في قيادة قطر العراق نؤكد من موقع المسؤولية عن الحفاظ على كوادر الحزب وأعضائه أن باب الحزب مفتوح لكل من يتراجع عن طريق الردة ليعود، وفق ضوابط النظام الداخلي، إلى صفوف حزبه بعد أن بانت للجميع الحقائق وتكشّفت لهم النوايا الغادرة لشلة الردة المنحرفة.

يا أبناء شعبنا العزيز

لقد استهدفَ أعداءُ العراق والأمة العربية وخصوصاً الكيان الصهيوني وإيران ثورتكم العظيمة وحزبَ البعث الذي أطلقها وقادها عبر مسيرة 35 عاماً من الإنجازات العظيمة، لأدراكهم إن هذا الحزبَ على قدرٍ عالٍ من التميز والفرادة عن كلِ ما سِواه من أحزابٍ وتنظيماتٍ في العراق. لقد توفرت للبعث جملةٌ من المميزات الاستراتيجية التي تبدو جليةً في قدراته النضالية والجماهيرية، وتاريخه الطويل في العمل السياسي الوطني المسؤول، وفي انتشاره في كل ربوع العراق وفي كل زاويةٍ من زوايا مجتمعِهِ متجاوزاً كل الاختلافات الدينية والعرقية والمذهبية والمناطقية، بفضلِ عقيدتهِ الوطنيةِ والإنسانية التي تُعلِي قيمَ المواطنة والمساواة. كما تـَتـَمَثلُ ميزاته في خبرات أعضائه وقيادييه الطويلة في إدارة الدولة، وفي نزاهتهم وسمعتهم الطيبة وصورتهم المشرقة لدى أبناء شعبهم.

إن حزباً بهذه المواصفات وبهذه المميزات الاستراتيجية الفريدة هو المؤهل حقاً، لقيادة الفعل الوطني العراقي لتحرير العراق وإزالة الهيمنة الأجنبية واسترداد عافيته وسيادته واستقلاله ومكانته التي يستحقها شعبه العظيم. ومن هنا كان تكالب الأعداء في الخارج وعملاؤهم في الداخل لمنع البعث في العراق من النهوض وبناء تنظيماته واستعادة قوته وتعويض ما ألحقه به المحتل وأتباعه عملاء إيران من اضرار جسيمة وذلك لإبعاده عن أداء دوره ومسؤولياته ومهامه الوطنية الكبرى في تحرير العراق من الاحتلال الأجنبي وانقاذه من هيمنة إيران وذيولها، واستعادة سيادته واستقلاله وخدمة شعبنا العزيز الذي كان “البعث” سبّاقاً في خدمته وفي الدفاع عنه.

لقد استخدم الأعداء لتنفيذ مخططهم المعادي وسائل خارجية من القمع والتصفيات الدموية والتهجير والتشريد وتجفيف الموارد والتشويه والمحاكمات بتهم ملفقة والاجتثاث، كما استخدموا مؤامرات داخلية تتمثل بما يتيحه لهم مرتدون من فرصٍ للانقضاض عليه بحركات غادرة تنتحل اسمه وتحاول إشاعة الفوضى في تنظيماته، لكن الحزب تمكن بحمد الله من إحباط تلك الدسائس واحدة تلو الأخرى.

 

 أيها العراقيون الأماجد

لقد واصلَ شعبُ العراق العظيم مقاومتَه للاحتلال الاستعماري بعدَ الانسحاب الذليل لقواته في نهاية عام 2011، وذلك برفضه القاطع لما يسمى بالعملية السياسية التي اٌقامها المحتل لبناء نظام حكم محلي خانع له بإدارة عملاء حليفته إيران، وذلك لاستكمال تنفيذ أهداف الغزو والاحتلال حسب المخطط الصهيوني المعادي لدولة العراق ولشعبها الأبي. فنظـّم شعبنا الأبي مظاهراتٍ واعتصاماتٍ وانتفاضاتٍ شعبية عارمة ضد النظام العميل الفاسد الحاكم، شهدتها بغداد والموصل والرمادي والفلوجة والبصرة والناصرية في الأعوام الثمانية التي أعقبت الانسحاب. وفي عام 2019 توج الشعب العراقي كل هذه المسيرة البطولية الرافضة للاحتلال ونظامه العميل الفاسد، في ثورة تشرين الباسلة التي استمدت جذوتها من هذا الفعل البطولي.  وأظهر ثوارها البواسل أعلى درجات الوعي الشعبي وجَسـّـدوا أنقى أشكال الوحدة الوطنية والتلاحم الشعبي في مواجهة النظام الطائفي الفاشي وأطرافه الفاسدة العميلة لإيران. كما تميزوا بالفروسية والإقدام وأبدوا أعلى قيم الفداء والتضحية والبطولة في كل الساحات والميادين وهم يتصدون لأسلحة الميليشيات المجرمة بصدورهم المليئة بحب الوطن والإيمان بحقه في الحياة الحرة الكريمة. لقد كان الهدف الرئيسي لثورة تشرين الوطنية تغيير النظام الفاشي العميل بجميع مؤسساته، وتحرير العراق من الاحتلال الإيراني، وانقاذ شعبه العظيم من الوضع الكارثي الذي خلقه الاحتلال الاستعماري عام 2003، وإسقاط كل ما ترتب عليه من قوانين جائرة ومظالم وشبكات فساد ونهب لثروات الشعب. وإننا على ثقة أن هذه الثورة التي قدّم فيها شباب العراق أغلى ما لديهم ستتواصل حتى تحقيق هذه الأهداف النبيلة وإنجاز الحرية الكاملة لشعبنا العزيز. وهذه المسيرة النضالية البطولية المتصاعدة ضد الاحتلال وعملائه تستلهم من ثورة تموز روحها الاقتحامية ورؤيتها الاستراتيجية وصلاتها بالتاريخ المجيد للعراق والأمة العربية في نسغ صاعد متفاعل مع كل عوامل التحدي وروح الصمود والمطاولة.

وفي هذا الصدد فإن حزبَكم الثوري الذي عهدتموه في ميادين النضال والبناء وقيادة العراق والذي كان له شرفُ مقاومة الغزاة المحتلين عازمٌ على أداء كل الواجبات التي ينتظرها منه شعبُه وأمتُه ويعاهدُكم على تصعيد العمل الوطني لتحرير العراق من الاحتلال الأجنبي المتمثل الآن بالهيمنة الاستعمارية الإيرانية.

وإذ يؤكدُ البعث هذا العزم، فإنه يشددُ على ضرورة التعاون والتنسيق مع جميع الأطراف الوطنية العراقية الرافضة للاحتلال الإيراني وعمليته السياسية البغيضة من تشكيلات اجتماعية وسياسية ومهنية، ومع كل أبناء الشعب وشخصياته وقياداته المجتمعية الغيورة على وحدة العراق والحريصة على انقاذه مما يعانيه من تدهور وانهيار وتراجع وفوضى على يد حكامه الفاسدين المرتبطين بالاحتلال الأجنبي.

وفي هذا السبيل يجدد حزب البعث العربي الاشتراكي الدعوة التي أطلقها في مناسبات سابقة لإقامة جبهة وطنية عريضة تجمع كل هذه الأطراف، أو وفق أي صيغة أخرى يجري الاتفاق عليها بهدف تصعيد العمل الوطني لإنقاذ العراق من هذا الوضع الكارثي. ويؤكد ضرورة العمل المنظّم الهادف لاسترداد سيادة العراق واستقلاله التام وممارسة الديمقراطية الحقة وإقامة حكومة انتقالية وطنية عراقية من كوادر وكفاءات وطنية عراقية مستقلة نزيهة تتولى إدارة البلاد لفترة انتقالية يُتفق على مدّتها. وتتولى الحكومة الانتقالية إزالة كل القوانين والإجراءات الشاذة الدخيلة التي فرضها الاحتلال وحكوماته، وفرض النظام والقانون، والقضاء على حالة التدهور والفوضى والهدر لأموال الدولة اضافة الى ضرب شبكات الفساد واحالة الفاسدين للقضاء، والعمل على استرداد أموال الشعب المهربة. كما تتولى معالجة فوضى السلاح والإلغاء الفوري لكل ما يقع خارج القوات المسلحة النظامية من مظاهر ومليشيات مسلحة، وإعادة تنظيم الجيش وسائر صنوف القوات المسلحة وفق قوانينها وتقاليدها المهنية والوطنية العريقة. كما تعمل على الحفاظ على جميع مؤسسات الدولة وتوجيهها لخدمة الشعب وإبعاد الفاسدين عنها، وإصلاح النظام القضائي وتطهيره من الفاسدين. ومن مهامها أيضاً حماية الأملاك العامة والخاصة، وإزالة جميع التجاوزات والتغييرات والاوضاع الشاذة المخلة بالسلم المجتمعي والمنافية لتاريخ العراق المجيد وتراثه العربي والإسلامي العريق والتي فرضتها ادارة الاحتلال الاجنبي وحكومة عملائها الطائفية الفاسدة في قطاعات التعليم والثقافة والإعلام والأوقاف.

كما أن في طليعة مهامها وضعُ مشروع دستور وطني جديد يلبي آمال الشعب على وفق القواعد والمبادئ الدستورية الوطنية التي قامت عليها دساتير الدولة العراقية قبل الاحتلال، وطرحه على الاستفتاء الشعبي العام لإقراره، وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية بموجبه وفق قانون انتخابات وطني جديد وبإشراف هيئة انتخابات رسمية يديرها القضاء وبرقابة دولية، وذلك لإتاحة الحرية الكاملة لكل العراقيين المؤهلين قانونياً للترشح والانتخاب لاختيار مجلس نيابي وحكومة وطنية تمثلان الشعب وتعملان لخدمته وللنهوض بالبلاد.

ومن بين المهام الأساسية للحكومة الوطنية الانتقالية المقبلة إعدادُ قانون للأحزاب وآخرَ لحرية الصحافة، وصيانةُ حق التعبير عن الرأي وحماية حقوق الإنسان، وإلغاء جميع القوانين والإجراءات الفاشية المنتهكة لحقوق الإنسان والمنافية لقيم الحق والعدل وللمبادئ الإنسانية والديمقراطية مثل نظام المحاصصة العرقية والدينية والطائفية، وقوانين وإجراءات التمييز وعدم المساواة والاقصاء الديني والعرقي والطائفي والسياسي، والبدء بمعالجة آثارها الكارثية على المجتمع العراقي وتعويض المتضررين منها.

ومن واجبات الحكومة الوطنية الانتقالية العملُ الفوري على إعادة النازحين والمهجّرين إلى مناطق سكناهم الأصلية وتعويضُهم عما أصابهم من أضرار، وإطلاق سراح كل العراقيين الأبرياء الذين اعتقلوا وسجنوا لأسباب سياسية تتصل بمقاومتهم للاحتلال أو انتمائهم للعهد الوطني، أو بسبب معارضتهم لهيمنة إيران، أو الذين أودعوا في السجون لأسباب طائفية بموجب قانون الإرهاب أو لغايات كيدية حسب تقارير المخبر السري.

ومن مهام الحكومة الانتقالية وقف العمل بنظام المحاصصة في التعيين في جميع مجالات العمل الحكومي، واعتماد المساواة الكاملة بين المواطنين ومعايير الكفاءة والإخلاص للوطن، وإلغاءُ عمليات التغيير السكاني التي أحدثها النظام العميل في عدة مناطق، وتقديم المساعدات التموينية العاجلة لإسعاف ملايين المواطنين الذين أفقرهم النظام الفاسد، والبدء بمعالجة قضية البطالة بصورة شاملة وتوفير فرص عمل للعاطلين الذين ضاعفت أعدادهم إجراءات المحتلين والعملاء بتدمير قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات وهدر أموال الدولة.

وتتعهد الحكومة الوطنية الانتقالية بإعداد قوانين للأحزاب وضمان حرية الصحافة، وصيانة حقوق التعبير عن الرأي وحماية حقوق الإنسان، وإلغاء جميع القوانين والإجراءات الفاشية المنتهكة لها والمنافية لقيم الحق والعدل والمبادئ الإنسانية والديمقراطية ، وإحالة كل الذين أجرموا بحق ثوار تشرين، سواء الذين أطلقوا النار أو القنابل الغازية المهلكة، أو الذين خطفوا واغتالوا الناشطين المدنيين، وإحالتهم مع آمريهم ومسؤوليهم إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل، هم وكل الذين اقترفوا جرائم بحق العراقيين من قتل وخطف واعتقال وحبس تعسفي وابتزاز وجرائم نهب وسرقة وتجاوز على الأملاك الخاصة والعامة منذ عام 2003.

وستتولى الحكومة الانتقالية استعادة علاقات العراق الوثيقة مع جميع الدول العربية، والحفاظ على مكانته وعلاقاته المتوازنة مع الأسرة الدولية والقائمة على احترام السيادة والمصالح المشتركة وتعزيز السلام والأمن الدوليين، كما ستسعى لاستعادة دور العراق القوي والمحوري في تحقيق وترسيخ السلام والأمن والاستقرار والتنمية، وفي مكافحة الإرهاب والتطرف في العالم.

هذه هي رؤية حزبكم أيها العراقيون الأماجد، لمرتكزات المرحلة الانتقالية التي من خلالها يستطيع شعبنا تجاوز المحن والكوارث التي خلفها الاحتلال والسلطات العميلة الغاشمة، ويعبر نحو أفق الاستقرار والدولة المدنية الحديثة التي يتساوى فيها المواطنون عند خط شروع واحد، ويكون الأفضل بينهم هو الأقدر والأكثر استعداداً لخدمة وطنه وشعبه.

إن هذه المرتكزات هي التعبير الأسمى عن وفائنا لدماء شهدائنا الأبطال وعذابات جرحانا وأسرانا الأحرار ومعاناة أبناء العراق طيلة عقدين، وهي الرد العملي على كل ما خططه الغزاة ونفذه عملاؤهم من تخريب وقتل وتدمير وفساد وتجهيل. كما إن تفاعل شعبنا العزيز مع هذه المبادئ الاستراتيجية واعتمادها هو السبيل الأمثل لتحقيق حلم ملايين العراقيين المتمثل بعودة العراق حراً عزيزاً سيداً مستقلاً ينعم شعبه بثرواته في أجواء من السلام والرخاء والأمان ويبني فيه أبناؤه سبل المستقبل الزاهر بإذن الله تعالى.

تحية لجميع ثوار تموز البواسل الذين صنعوا فجر ثورة السابع عشر من تموز، ولقادتهم الميامين فرسان الثورة: الرئيس الأب القائد أحمد حسن البكر والرئيس شهيد الحج الأكبر صدام حسين والرفيق صالح مهدي عماش. وتحية لرفيق دربهم قائد الجهاد والتحرير عزة إبراهيم رحمهم الله جميعاً. 

الرحمةُ والخلودُ لشهداء البعث وثورة السابع عشر من تموز والعهدِ الوطني وسائرِ شهداء العراق، وعِلـِيّين لشهداء الصمود العراقي المُعجز وأبطال المقاومة الوطنية المسلحة والانتفاضات والاعتصامات الشعبية وثوار تشرين البواسل في مواجهة الاحتلال ونظامه العميل لإيران.

عاش العراق وشعبه الصامد الأبي

عاشت امتنا العربية المجيدة

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

الرفيق

أبو جعفر

أمين سر قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي

 

16 / تموز / 2022

النص الكامل للخطاب التاريخي للرفيق المجاهد قائد الجهاد والتحرير عزة إبراهيم الدوري حفظه الله والموجه إلى مؤتمر القمة العربية المنعقد في مدينة سرت الليبية

بسم الله الرحمن الرحيم

(يا أيها الذين امنوا هل أدلكم على تجارةٍ تنجيكم من عذابٍ أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خيرٌٌٌ لكم إن كنتم تعلمون)

صدق الله العظيم

الأخ القائد معمر القذافي رئيس مؤتمر القمة العربية (الثاني والعشرين) ..

الأخوة الملوك والرؤساء والأمراء أعضاء القمة العربية ..

أُحييكم بتحية العروبة ورسالتها الخالدة الإسلام الحنيف فأقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

لقد كان عراقكم العظيم بشعبه الأبي وبتاريخه المجيد وامتداده الحضاري الضارب في عمق الزمن وبما يملك هذا البلد من طاقات وإمكانات وإبداعات هائلة يقف على الدوام إلى جانب الأمة يشد أزرها ويصوب خُطاها نحو كل ما يحقق عزتها وكرامتها وحريتها واستقلالها ، لقد وقف معكم في كل المنعطفات التاريخية الكبيرة الخطيرة على امتداد العقود الأربعة الماضية ، قدم على مذبح حرية الأمة وتحررها واستقلالها ووحدتها أوسع التضحيات وأغلاها حتى قدم الذي ترونه اليوم وتعرفونه ، قدم قيادته الثورية الوطنية المؤمنة ، قدم أكثر من مائة وسبعة وعشرون ألف من رجال وفرسان طليعته الثورية الوطنية القومية المؤمنة ، قدم أكثر من مليون ونصف المليون من أبنائه البررة خلال السنوات السبع في صراعه مع الغزاة المحتلين في معركة الحرية والتحرير والاستقلال ، قدم ملايين المشردين والمهجرين ، دُمِرَ بِنائهُ الحضاري تدميرا شاملاً وعميقا فلم يبقى أثرا للحياة في وطنه ولا زال يقدم وبسخاء قل نضيره في تاريخ الأمة وسيبقى يقدم المزيد على مذبح حريته واستقلاله حتى التحرير الشامل والعميق فيعود إلى أحضان أمته كما كان على امتداد تاريخها الطويل طليعة لمسيرتها الكفاحية نحو حريتها ووحدتها وغَدِهَا الأفضل ..

أيها الأخوة أعضاء المؤتمر:

 إن ما قدمه العراق من تضحيات باهظة كان ثمناً لمواقفه من حرية الأمة واستقلالها وتوحيد جهدها وجهادها ، إن ما قدمه العراق من تضحيات باهظة كان ثمنا لموقفه البطولي ضد الهجمة الفارسية الصفوية على الأمة فحطمها وحفظ للأمة عزتها وكرامتها ، إن ما قدمه العراق كان ثمنا لموقفه الشجاع من قضية فلسطين الحبيبة ، إن ما قدمه العراق من تضحيات باهظة كان ثمنا لهويته العربية الإسلامية الإنسانية ومشروعه الحضاري النهضوي ، إن ما قدمه العراق من تضحيات باهظة كان ثمنا للتصدي البطولي للأطماع الامبريالية المتصهينة ومشروع الصفوية الفارسية في الأمة ، واني أقول لكم اليوم ومن خلالكم لامتنا وشعبنا العربي على امتداد وطن العروبة وأقول للدنيا كلها وبشكل خاص للغزاة المحتلين وحلفائهم وعملائهم ، إنا نحن أبناء العراق وشعبه المجيد ، أحفاد علي والحسين عليهما السلام، أحفاد سعد وخالد والمثنى ، أحفاد القعقاع وصلاح الدين وقتيبة ، نحن أبناء العراق شعب الحضارات العميقة المجيدة الضاربة في أعماق التاريخ نحن أبناء الحضارة التي اخترعت الحرف وعلمت الإنسانية الكتابة والقراءة ، نحن أبناء الحضارة التي اخترعت العجلة وأسست قاعدة العلوم الحياتية التي على أركانها قامت الحضارة الإنسانية المعاصرة ، فنحن راضون بما قدمنا للأمة بل نحن فرحون ونختال اليوم زهوا وعزا وفخرا بما قدمنا وما حققنا للأمة وللإنسانية وبما صممنا على تقديمه وتحقيقه لامتنا على امتداد مسيرتها الكفاحية الجهادية حتى تحقيق أهدافها في الحرية والتحرير ، وفي الوحدة والتوحد ، وفي تحقيق المستقبل الذي يليق بها وفي دورها في الحياة على الأرض ، ولكننا وفي نفس الوقت لم نرضى ولن نرضى على موقفكم من شعب العراق العريق الشهم المجيد وخاصة في مؤتمراتكم القومية التي أفرغتموها من محتواها وجردتموها من أهدافها النبيلة التي أُسِسَتْ هذه القمة من اجلها ، لقد أُسِسَتْ هذه القمم لكي تعبر في مواقف شجاعة وقرارات جريئة عن إرادة الأمة وشعبها ولكي توظف إمكانات الأمة وطاقاتها الرسمية الهائلة للدفاع عن قضاياها الأساسية والمصيرية ..

أيها الأخوة أيها الأشقاء أعضاء المؤتمر:

 لقد مضى على احتلال العراق سبع سنوات طوال قد خاض وطيسها شعب العراق العظيم المجيد وحده ليس لديه ولا معه إلا الله القوي العزيز ثم مقاومته الوطنية والقومية والإسلامية الباسلة ، لقد خاض لهيبها وهو محاصر وللأسف وللعجب العجاب انه محاصر ممن كان محسوباً ومقرراً عمقه المبدئي والإستراتيجي في كل المعايير الوطنية والقومية والإنسانية والدينية والأخلاقية ، كان محاصراً ولا يزال من النظام العربي الرسمي إلا الاستثناء القليل جدا ، إن من الحكام العرب من لم يزل إلى اليوم لم يكتفي بالحصار والمحاصرة بل يضع كل ثقل بلده وإمكاناته في خدمة المحتل وعملائه وانتم أيها الإخوة والأشقاء تعلمون علم اليقين أن شعب العراق العظيم قد واجه أقوى واعتى غزو بربري شوفيني صليبي دموي في تاريخ البشرية على الإطلاق ما يسمى بالقطب الأوحد في الكون الامبريالية الأمريكية وما يملك هذا القطب من وسائل الدمار والقتل والتخريب وحليفته الصهيونية العالمية وأداتها إسرائيل اللقيطة وكل الاستعمار القديم وللأسف عاونته وسهلت له غزو العراق واحتلاله إيران جار السوء والحقد والبغضاء للأمة وتاريخها ورسالتها وعاونته بقوة على تدمير نهضته وحضارته ، لقد دخل العراق ثمان وعشرون جيشا على رأسها جيش القطب الأوحد وجيش بريطانيا العظمى ، لقد اشتركت رسميا في احتلال العراق أكثر من خمسون دولة ولقد رأيتم أيها الإخوة وسمعتم كيف انتصر شعب العراق المجيد وسحق الغزاة وهربت جيوشهم تلعن حُكَامَها وقادتها حتى سيق حاكم بريطانيا العظمى المجرم بلير إلى التحقيق والمحاكم لتوريط بلده في الاشتراك في هذه الجريمة الإنسانية البشعة ، وسيحاكم بوش بعده إن طاولت دولته أكثر في البقاء تحت ضربات المقاومة الوطنية الباسلة وقدمت المزيد من الخسائر والاستنزاف للشعوب الأمريكية .. فانظروا أيها الإخوة لم يبقى اليوم في العراق إلا بعض فلول الامبريالية الأمريكية المرعوبة المنهارة سحبتها من الميدان إلى قواعد تحسبها أمينة فهي لا تستطيع الخروج من جحورها إلا وفق خطة معدة سلفا وفي حماية قوات كبيرة من تشكيلات العملاء العسكرية ، لقد رَكْعَ هذا الشعب العظيم هذه الجيوش وعلى رأسها جيش القطب الأوحد على أعتابه الشريفة ، وستتولى المقاومة بإذن الله وتواصل الطرق على رؤوس جنودها في هذه القواعد ليل نهار وسَنُصَعِدْ الطرق ونقعد لها كل مرصد للنيل منها ولقهرها وتحطيم إرادتها حتى تهرب خاسئة ذليلة بأذن الله وقوته القوية ..

أيها الأشقاء أعضاء المؤتمر:

 لقد سقطت الامبريالية الغازية وحلفائها وعملائها وإدارتها المتصهينة في وحل العراق ، وستسقط الإدارة الجديدة بإذن الله إن لم تتعظ بسابقتها حتما تحت ضربات الشعب العراقي العظيم ومقاومته الباسلة طال الزمن أم قصر ، لقد انتصر شعب العراق ومقاومته الباسلة عسكريا واقتصاديا واجتماعيا وإعلاميا وأخلاقيا ولم يبقى لدى المحتل اليوم في بلدنا إلا عمليته السياسية المخابراتية وعملائه وأذنابه وعلى رأسهم إيران الصفوية وعملائها الأذلاء ، وإنكم ترونها اليوم فهي لم تعد القوة العظمى والقطب الأوحد كما دخلت العراق غازية ومحتلة ومستعمرة ، إنها صارت تستجدي ما تطمح إلى تحقيقه اليوم سياسياً ومخابراتياً في العراق من إيران وعملائها ، وإيران في كل يوم في العراق تصفعها على خدها الأيمن فتدير لها خدها الأيسر ، واعلموا ن الخيار العسكري قد سقط وانتهى وسوف لن تعود الامبريالية الأميركية لمثله لا في العراق ولا خارج العراق إلا لزمن بعيد جدا ، واعلموا إن أمريكا اليوم لا تملك تحريك حجر في العراق يتعارض مع مصالح إيران ومشروعها في العراق وفي الأمة ، واعلموا إن أمريكا قد قدمت العراق إلى إيران على طبق من ذهب حسب إستراتيجية تقاسم المغانم والمصالح في العراق والمنطقة وهي قد سلمت إلى الأمر الواقع واستسلمت لشريكها في الجريمة مكتفية بما ستحققه لها عمليتها السياسية وعملائها بالاتفاق مع إيران وعملائها .

أيها الأخوة أعضاء المؤتمر:

 إن هدفنا الأول اليوم المشروع المقدس وأنتم وشعبنا العربي والخيرين في العالم معنا هو تدمير الغزاة الذين جاءوا بإيران وغيرها وطردهم من بلدنا وأؤكد لكم جازماً سوف لن تخرج إيران من بلدنا بل ستبتلعه وتتوجه إليكم إن لم تطرد أمريكا من العراق فهي رأس الأفعى وهي التي أطلقت يد إيران في العراق ولا زالت ، واعلموا أن المشروع الإيراني اليوم وتحت المظلة الأمريكية قد أصبح يدق أبوابكم الداخلية جميعا بدون استثناء إن لم تتجاوزوا عقدة أمريكا القوة العظمى التي سقطت في وحل غزوها وعدوانها وجرائمها ولم تعد إلا صنماً يضر ولا ينفع..

أيها الأخوة الأشقاء أعضاء المؤتمر:

 هذا ما نحن عليه اليوم الم يحن الوقت بعد كل هذا الذي حصل للعراق وشعبه وبعد أن حطم هذا الشعب العظيم قوى الغزو والعدوان وقزمها ، أن تعود قمتكم وتسجل موقفا من على ارض عمر المختار قائد الجهاد المبكر لتحرير الأمة وتحررها وما سجل من عز ومجد لها ولليبيا وشعبها العربي الثوري المجيد ، أن تسجلوا موقفا تاريخيا يرضي الله ويكون حجة لكم عنده يوم الوقوف بين يديه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، ويكون موقفا عندنا نحاجج لكم به شعبنا شعب الأعاجيب شعب العراق شعب البطولة والتضحيات ، إنها فرصة تاريخية ثمينة عليكم استثمارها ، أنضروا إلى الأمم من حولنا كيف تستثمر الفرص لصيانة حريتها واستقلالها وتحقيق مصالح شعوبها وهي اقل من امتنا عددا وعدة ( فنزويلا ـ نيكراكوا ـ كوبا ـ فيتنام ـ كوريا ـ إيران ـ تركيا وروسيا ) فإنها فرصة امتنا التاريخية اليوم قد وفرها وصنعها لكم شعب العراق ومقاومته الباسلة المجيدة ، وانتم الذين وضعكم الله القوي العزيز العليم الخبير أمناء ووكلاء على صيانة حرماتها ومقدساتها ومصالحها العليا ، أمناء على حريتها واستقلالها ووحدة مسيرتها الحضارية ..

إن شعب العراق أيها الأخوة الأشقاء بمقاومته الوطنية والإسلامية يطالب قمتكم اليوم بموقف تاريخي حازم وشجاع وأصيل، تعلنون فيه للدنيا موقف الأمة وشعبها العظيم في اتخاذ القرارات التالية:ـ

القرار الأول . الاعتراف بالمقاومة العراقية الوطنية المسلحة والغير مسلحة التي كفلتها كل القوانين والمواثيق الدولية وكل الشرائع السماوية ، إنها الحق المشروع المقدس للأمم والشعوب المحتلة أراضيها والمستعمر شعوبها من قبل قوى البغي والعدوان .

القرار الثاني . طرد ممثلي سلطة الاحتلال الغير شرعية وفق كل القوانين والمواثيق الدولية ، واستدعاء ممثلي المقاومة لتمثيل العراق وشعبه في المؤتمر وفي الجامعة العربية وفي كل مؤسسات العمل العربي المشترك .

القرار الثالث . قطع العلاقات الدبلوماسية مع المحتل الغازي ومع سلطته في العراق وإلغاء كل الالتزامات التي نشأت عن تلك العلاقات.

القرار الرابع . تفعيل ميثاق وقوانين الجامعة العربية وخاصة اتفاقية الدفاع المشترك لتصعيد الموقف الداعم لشعب العراق وقواته المسلحة ومقاومته الباسلة للوقوف بوجه الامبريالية الأمريكية وحلفائها إيران ومشروعها ألصفوي الاستعماري الخطير اتجاه شعبنا وامتنا .

القرار الخامس . تقديم الدعم الفوري لشعب العراق المهدد بكارثة الفناء ، الدعم اللازم لأرامله وأيتامه ومشرديه ومهجريه ، انه حق قومي وشرعي وإنساني مقدس لشعب العراق عليكم وعلى الأمة .

القرار السادس . الضغط على أمريكا الغازية بكل الوسائل المستطاعة للتخلي عن إيران ومشروعها ألتدميري وللانسحاب الفوري وتسليم العراق لأهله دون التمادي في إراقة المزيد من الدماء البريئة سواء كانت عراقية أم أمريكية ، واعلموا أيها الأخوة ولتعلم الدنيا وخاصة شعوب أمريكا المضللة رغم انحسار تواجد قوات الغزو في شوارع العراق وطرقاته ومدنه ولجوئها إلى القواعد المحصنة فهم يقدمون في كل يوم قتلى وجرحى على أيدي أبطال المقاومة وصناديدها وهي موثقة لدينا بكل وسائل التوثيق ولم تعلن منذ مجيء الإدارة الجديدة يجري عليها التعتيم والتستر ثم الحصار والمحاصرة من قبل دولكم ومؤسساتها المعنية الأعلام المأجور والمنحرف ..

أيها الأخوة الملوك والرؤساء والأمراء:

 هذه هي حقوق شعب العراق على أمته ممثلة في مؤتمركم هذا في وقفتكم الجمعية هذه نضعها أمامكم في مؤتمركم هذا فإنها مسؤولية تاريخية وشرعية، وإنها أمانة الله في أعناقكم سَتُسالون عنها تاريخيا ويوم يقوم الأشهاد ..

أحيي بعض الملوك والرؤساء الذين اشتاموا لشعب العراق وهزتهم النخوة العربية والغيرة الإيمانية بعد ما راو ما فعل الغزاة وعملائهم في شعب العراق فوقفوا إلى جانب العراق وشعبه المقاوم المجاهد ولم يطبعوا مع سلطة الاحتلال واني لأسجل لهم موقفهم وموقف دولهم هذا بأحرف من نور في سفر تاريخنا الجديد المجيد ..

أحيي شعبنا العربي في كل أقطاره وفي كل مهاجره وادعوه إلى التحرك للمزيد من الضغط المشروع على أنظمة الأمة وقادتها للوقوف بقوة إلى جانب شعب العراق المقاوم المجاهد ومحنته ..

أملي بكم أيها الأخوة الملوك والرؤساء والأمراء قوي وأنا أعرفكم جميعا وكنا قبل اليوم أي قبل تحقيق اندحار الغزاة وانتصار الشعب ومقاومته الباسلة نقدر ونتفهم تردد بعضكم وتخوفه أو حتى انحياز البعض إلى الغزاة وعملائهم رهبتاً ونكوصاً ، أما الآن فلا يُقَبَل من أحد التخلف أو المخادعة والمراوغة عن أداء الواجب القومي الشرعي اتجاه العراق وإن الشاهد الحق والحكم العدل اليوم هو شعب امتنا العظيم المجيد وتاريخنا الذي يسطره اليوم شعب العراق بدماء أبنائه البررة ، وإن الشاهد الحق والحكم العدل غداً هو الله القوي العزيز الذي لا تخفى عليه خافية يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وهو سريع الحساب وشديد العقاب ..

واعلموا أيها الأخوة واطمئنوا وليعلم الغزاة إننا قد اعددنا مقاومة تمتلك كل عوامل البقاء والمطاولة وتمتلك كل عوامل النمو والازدهار والتصاعد في العدة والعدد يحتضنها شعب العراق المجيد من شماله إلى جنوبه وبكل أطيافه وألوانه ، وان المقاومة بدئت تتوسع وتتصاعد ويتصاعد أدائها في جنوبنا العزيز مما أرعب الغزاة وعملائهم وعملاء إيران الصفوية الفارسية وخاصة في منطقة الفرات الأوسط في كربلاء الحسين كربلاء التضحية والفداء وسراياها الباسلة سرايا شهداء ألطف الحسينية ونجف العزة الإباء والشموخ ثم البصرة وسراياها سرايا الجهاد وسرايا الزبير ابن العوام وجيشها الجيش العربي لتحرير الجنوب ، فان المرحلة القادمة ستشهد قتال العدو على كل شبر من ارض العراق يتواجد عليه ، وان بقي الغازي مصرً على غزوه واستعماره لبلدنا واحتضانه للمشروع الإيراني الصفوي سنقاتله ونلاحقه حتى لو بقي بسفارته فقط سندمر سفارته على رأسه حتى يتخلى عن عملائه وعن أطماعه ونواياه الشريرة ويخرج بدون قيد أو شرط وسوف لن نخدع بسحب قواته أو جزء منها لتقليل خسائره التي قصمت ظهره ، وإنما الجهاد دائم ومتصاعد حتى التحرير الكامل والشامل من أي شكل من أشكال الهيمنة والسيطرة والاستغلال مهما طال الزمن وغلت التضحيات

وفقكم الله إلى ما يحبه ويرضاه… والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخوكم عزة إبراهيم

القائد الأعلى لجبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني

القائد العام للقوات المسلحة

٢٧ / أذار / ٢٠١٠ م