خِطَابُ المَوْجِ البَعْثِي الهَادِر
(الجزء الرابع)
المقاومة العراقية مستمرة
استهلالاً، لابد من التذكير بحقيقة مهمة في عراق ما بعد الغزو والاحتلال، وهي إن بعض العراقيين الرافضين والمقاومين للغزو والاحتلال قد اضطرتهم الظروف لمغادرة العراق والعيش في بلاد مختلفة، وبعض آخر كان أصلاً موجود خارج العراق لزمن ما قبل الغزو، واستمر بالبقاء حيث هو، ولهؤلاء جميعاً حق اتخاذ الموقف الوطني الرافض والمقاوم، ولكن يقتضي الواجب أن يكون للمقاوم موقف عملي معبر عنه بصيغة مادية لدعم المقاومة في الداخل، وفوق هذا أن يكون موضوعياً في التعاطي مع مسيرة وحيثيات العمل المقاوم وما تقتضيه من تكتيكات وتنوع فعل تفرضه الساحة وليس الأمنيات ولا التنظير.
أما الذين لا يقدمون غير المطالبة اللفظية دون اسناد فعلي عملي مادي أو دبلوماسي عبر العلاقات مع الناس والأحزاب والمنظمات والدول، فإن المقاومين النازفين في الداخل سيضطرون إلى وصف مواقف هؤلاء بالفارغة أو المشبوهة.
الأمر الاخر المهم والخطير الذي يجب استحضاره عند الحديث عن المقاومة العراقية ومطالبتها ووضعها أمام حقوق وواجبات وطنية، هو إن المقاومة العراقية تفتقر إلى الدعم الدولي بسبب الحصار الأمريكي البريطاني الصهيوني من جهة، وبسبب الاحتلال الإيراني الذي كان له دور خطير في تشظية وفي التأثير على الموقف الشعبي من المقاومة عبر تكوين الأحزاب والمليشيات الطائفية المنضوية تحت خيمة العملية السياسية المجرمة والمؤيدة لها.
فالمقاومة العراقية تتفرد بين كل المقاومات الوطنية في العالم بعدم وجود داعم مادي ولا إعلامي ولا سياسي لها على الاطلاق إلا من بعض شعبنا وبعض أخوتنا وأشقائنا العرب.
للتذكير فقط:
لنتذكر مع بعضنا البعض قول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليقومه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، وبشكل متزامن، لننظر في العنوان القيادي للرفيق المجاهد عزة إبراهيم، ألا وهو القائد الأعلى للجهاد والتحرير، إلى جانب كونه الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، ومن حديث الرسول الكريم والواجب المعلن للرفيق عزة إبراهيم، ومما جاء في خطاب الموج البعثي الهادر سوف نطل على محور المقاومة العراقية الباسلة في خطاب ذكرى ميلاد الحزب الثالثة والسبعين الذي ألقاه الرفيق القائد عزة إبراهيم يوم م ١١ نيسان ٢٠٢٠م.
فحديث الرسول صلى الله عليه وسلم فتح ثلاث سبل لمقاومة المنكر، والمنكر هو الفعل المرفوض والمدان، والذي يتطلب المقاومة، تبدأ ذروة الفعل باستخدام القوة المعبر عنها باستخدام اليد، ومسار ثاني معبر عنه باستخدام اللسان الذي يناظره في لحظتنا الراهنة الثقافة والإعلام، والمسار الثالث كان يقضي بأن الرفض والتقويم يتم عن طريق اتخاذ موقف مضموم في ذات الإنسان في صدره، وربما ينتظر الفرصة المناسبة للتبدل والتطور إلى ما هو أعلى منه في درجات الإيمان، الذي هو الآخر في هذا الحديث قد عبر عنه المعلم الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بصيغة وتعبيرات تقويم المنكر (الإيمان = تقويم المنكر)، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الرفيق عزة إبراهيم كان ولا زال بوسعه أن يكون الأمين العام للبعث دون أن يقرن هذه الأمانة العظيمة بثقلها وسعتها وخطورتها بأمانة أخرى هي الجهاد والتحرير، ولما جعل نصف خطابه موضوع بحثنا هذا، هو حديث مقاومة قال عنها بوضوح لا لبس فيه إنها مقاومة سلاح ومقاومة سلمية حيثما حكمت الظروف الملجئة.
((أما بعد الغزو والاحتلال فقد صَنَع حزبُنا حزبُ الرسالة تاريخاً جديداً مجيداً للأمة، وأدى دوراً جهادياً وبطولياً لم تشهده الأمة العربية منذ عصر الرسالة الأول، فالبعث بعد الاحتلال كان ولا يزال معجزة الأمة العربية في قدرتها على البقاء والثبات والنهوض والعطاء والتجدد)).
حيث يقرن الجهاد والمقاومة بالمعجزة، ويصفها بأنها هي التي مثلت قدرة الأمة على البقاء والثبات والنهوض، ذلك لأن الغزو والاحتلال قد صمم بقوته الغاشمة وإرادته الإجرامية لتقويض كل مرتكزات وجود الأمة العربية عبر تقويض دولة العرب في العراق.
فكيف يمكن لقائد همام أن يتخلى، كما يحاول البعض الإيحاء والتخرص، عن هذه المعجزة وعن مكاسبها وانجازاتها التي لازال هو من يقودها ويجدد مساراتها؟
إن الذين يريدون للبعث أن يركن إلى المقاومة المسلحة فقط في ظروف لم يشهد لها بلد وشعب مثيل وبلا دعم بالسلاح ولا بالمال، ودون حساب لاعتبارات داخلية برزت بعد الهروب الأمريكي عام ٢٠١١، ودون أن يحسبوا التكتيكات المطلوبة لحقبة ما بعد داعش الإرهابية ومسؤولية الحزب الأخلاقية تجاه شعب العراق، وما يواجهه من مؤامرات وممارسات التشظية الطائفية والفقر والفاقة وانعدام الأمن والخدمات، هم المنفصلون عن الواقع العراقي، ولهذا الانفصال أسباب عدة لسنا بصدد الخوض فيها، وبعضهم لا يجيدون غير الثرثرة والتشويش والوقوع بوعي أو دون وعي في برامج الاجتثاث والتبشيع والشيطنة الموجهة ضد البعث وقيادته.
وفي وقفته التاريخية في الخطاب النيساني المقاوم، فصل الرفيق شيخ الجهاد والمجاهدين إنجازات مقاومة العراق العظيمة، مؤكداً أن البعث لم ولن يلق السلاح، وفي هذا القول إعلان صريح على أن المقاومة مستمرة وفقاً لتكتيكات محسوبة تصب في الاستراتيج الثابت، ألا وهو استراتيج تحرير العراق، وفي كل التوصيف المعبر عن الحب والاعتزاز والفخر والزهو بمقاومتنا وانجازاتها ينطلق القائد من أرض الواقع بلا أمنيات فارغة ولا تصورات قافزة على الحقائق ولا عزف على أبواق الدعايات الجوفاء، إنه حديث قائد المقاومة من أرض المقاومة، ومن بين بنادقها ورجالها وحقولها وفصولها، وتلكم لعمري هي الوقفة الحق، والواقع الذي يعلن عن نفسه بلا مناورات ولا لف ولا دوران، ومن يريد أن يفهم تحت أنوار الله فهذا نص ما قاله القائد في خطابه، ومن يريد أن يثرثر في الظلمات فذاك شأنه:
(يا رفاق العقيدة والسلاح والدرب الطويل:
هكذا كان البعث قبل الغزو، وهكذا كان البعث قبل الثورة والحكم مناضلاً عنيداً وجسوراً ثابتاً في ميادين النضال والكفاح، مبدعاً في أدائه وسخياً في عطائه على طريق تحرير الأمة وتوحيدها، وبناء مستقبلها وإقامة مجتمعها الاشتراكي الديمقراطي الحر الموحد.
أما بعد الغزو والاحتلال فقد صَنَع حزبُنا حزبُ الرسالة تاريخاً جديداً مجيداً للامة وأدى دوراً جهادياً وبطولياً لم تشهده الأمة العربية منذ عصر الرسالة الأول، فالبعث بعد الاحتلال كان ولا يزال معجزة الأمة العربية في قدرتها على البقاء والثبات والنهوض والعطاء والتجدد والانبعاث مهما جار عليها الزمن ومهما تكالب الأعداء.
أيها الرفاق المناضلون في حزبنا…. أيها الأصدقاء والحلفاء…. يا جماهير أمتنا العربية:
اعلموا أن البعث العربي الاشتراكي بقيادته الباسلة وبجيشه العظيم لم يسلم ولم يستسلم للغزاة ولم يُلقِ السلاح في معركة التصدي للغزو والعدوان، وإنما انتقل من الحرب الرسمية إلى حرب التحرير الشعبية فوراً، وبدأت عمليات المقاومة النوعية منذ اليوم الأول لاحتلال بغداد وتصاعدت بشكل سريع، وهب شعب العراق العظيم وقواه الوطنية والقومية والإسلامية إلى حمل السلاح والالتحاق بالمقاومة فرادى وجماعات، وبدأت بتشكيل الفصائل والجيوش والكتائب حتى وصل عددها إلى أكثر من مئة فصيل، وصار العدو الغازي يُضرب حيث يتواجد على أرض العراق، من أقصى جنوبه إلى أقصى شماله، وانتشر جيش العراق المجيد على جميع هذه الفصائل يدرب ويخطط ويقود حتى وصلت عمليات المقاومة إلى أكثر من خمسمئة عملية في اليوم، واعترف بوش، أقول للتاريخ لكي لا يزور لقد قاتلت إلى جانب البعث وجيشه وقواته المسلحة الكثير من الفصائل، وخاصة الإسلامية، وكانت تحظى بدعم مادي ومعنوي وسياسي وإعلامي وحتى أمني من جهات دولية وعربية عدة، إلا البعث ومقاومته وقواته المسلحة كانوا موضوعون ولا يزالون تحت الاجتثاث والحصار من جميع القوى التي اشتركت في غزو العراق واحتلاله أو معاونة الغزاة، عراقية وعربية ودولية، ولم يحظ البعث بأي دعم ولا مساعدة ولا تأييد ولا مهادنة إلا من شعب العراق العظيم، الذي فاض على الحزب ومقاومته وقواته المسلحة بأكثر ما تجود به النفس البشرية، الكثير من المواطنين باعوا منازلَهم ومزارعَهم وقدموها إلى جيش رجال الطريقة النقشبندية، ولذلك كانت مقاومة البعث معجزة من معجزات العصر، إن مقاومة البعث كانت ولا زالت متفردة في تاريخ الشعوب، ليس لها مثيل على الإطلاق كل حركات التحرر في العالم وكل حروب التحرير في العالم كانت تتميز بأمور أساسية لا يمكن لأي مقاومة أن تظهر على الأرض بدونها، وهي العامل الأول، أن مقاتليها غير معروفين لدى الغزاة المستعمرين وعملائهم، تبدأ الحرب بعدد من المقاتلين لا يتجاوز عدد أصابع اليد أو أكثر بقليل في أغلب الأحوال، ثم تنمو وتكثر، العامل الثاني تحظى بدعم دولي وإقليمي مالي وسياسي وإعلامي وأمني واقتصادي واسع، وتسليح وتدريب وتجهيز لكل متطلبات الحرب الشعبية، كما حصل للجزائر وفيتنام وأفغانستان وحتى المقاومة الفلسطينية، العامل الثالث الأرض وطوبوغرافيتها المساعد على الحركة في الظهور والاختفاء.
لا تمتلك مقاومة البعث أي من هذه المرتكزات، بل قاتلت وانتصرت في بحر خضم من الأعداء، وفي أرض مكشوفة ومواجهة مباشرة، وبمقاتلين معروفين وقيادات معروفة، حتى كان لها أعداء ممن كان يقاتل الغزاة إلى جانبها، وقد حوصرت مقاومتنا حصاراً شديداً من قبل كل القوى الرسمية العراقية والعربية والدولية وبدون استثناء أي جهة منها، لكنها ورغم كل تلك المعوقات والمصاعب الكبيرة حطمت جيوش الغزاة بإيمانها بالله والوطن وبثباتها وبتضحياتها السخية، قدم البعث أكثر من165ألف شهيد مدني وعسكري على مذبح الانتصار التاريخي على جيوش الغزاة.
لقد قرر بوش الصغير كما قال عام (2006) الانسحاب هرباً من العراق، فأنقذتهم الصحوات حتى عام الهروب المخزي في زمن أوباما، ونكاية في شعب العراق ومقاومته وجيشه سلمت الإدارة الأمريكية المهزومة العراقَ لإيران الفارسية الصفوية، لكي تستمر بتنفيذ مشروعهم بتدمير العراق وتجريده من كل أسلحته المادية والمعنوية، وتدمير كل عوامل حياته الإنسانية، فمسيرة البعث بعد الغزو والاحتلال لا تقارن بحروب التحرير في العالم، ولا تقارن بمسيرة الحزب قبل الاحتلال وقبل ثورته وحكمه، وإنما تفردت في تاريخ البشرية، ولم يتقدم عليها إلا مسيرة جيل وحزب الرسالة الأول، لقد بلغت الخسائر الأمريكية المعلن عنها من منظمات ومراكز بحوث ومعلومات أمريكية رسمية، في عدد القتلى 75 ألف قتيل من الجيش والقوات التي رافقت الجيش، وأكثر من مليون معوق جسدياً ونفسياً، وفي الجانب المالي طبقاً للخبراء الاقتصاديين الأمريكيين3 ترليون دولار، أما ترامب فقد أعلن رسمياً أن خسائر أمريكا في العراق بلغت 7 ترليون دولار، وقد وصل الاقتصاد الأمريكي إلى حافة الانهيار، هذه هي المقاومة العراقية المعجزة، لقد أعلن بوش رسمياً في بداية الغزو أن قواته ستبقى في العراق نصف قرن على الأقل، أذكر بهذا التصريح الرسمي لبوش الصغير، لكي لا تسمحوا أيها المناضلون أيها المجاهدون يا أبناء العراق ويا أبناء العروبة لأحد من العملاء والخونة أو من المضللين أو من المتخاذلين أن يقول أن أمريكا انسحبت من العراق، أمريكا هربت من العراق، ولو لم تهرب في ذلك الوقت لانهارت من الداخل كما انهار الاتحاد السوفيتي ولتشظت وتفتت.
أيها المناضلون في حزبنا…. يا جماهير أمتنا العربية.
هذا هو حزب البعث العربي الاشتراكي بعد الغزو والاحتلال، إن من المآثر العظيمة لحزبنا ومقاومته وقواته المسلحة بعد غزو العراق واحتلاله كتبت لحزبنا وأمتنا تاريخاً بأحرف من نور، إنه انجاز تاريخي متفرد في تاريخ الأمم كلها، إذ لم يسبق لا حاضراً ولا ماضياً في جميع الحروب الكونية وحروب التحرير الوطنية لشعب مثل شعبنا ولحزب مثل حزبنا ولجيش مثل جيشنا العظيم أن يفعلوا مثل ما فعل حزبنا وشعبنا وجيشنا، لقد خضنا حرباً عالمية بكل معاني شمولها وعمقها وقوتها وعالميتها مع أقوى دول العالم، وأقوى الجيوش على الاطلاق، ولم نستسلم، ولم يتوقف القتال ومقاومة الغزو لا ساعة من الليل ولا ساعة من النهار، في نفس اليوم الذي أُحتلت فيه بغداد التحم الجيش مع الحزب ومع الشعب لمواصلة القتال طبقاً لقواعد حرب التحرير الشعبية، فانطلق في اليوم الثاني لاحتلال بغداد آلاف من المقاتلين ولم تمض إلا أشهر معدودة حتى وصل عدد المقاتلين من الحزب والجيش وقوى الأمن الوطني أكثر من ربع مليون مقاتل، وكانت الجيوش الغازية تتلقى الضربات في كل مكان تتواجد عليه في أرض العراق.
هذا هو حزب البعث ودوره وتجربته قبل الاحتلال، وهذا هو حزب البعث بعد الاحتلال، تحت الاجتثاث وتحت الحصار والحظر أدى البعث دوره التاريخي الرسالي، ولا يزال ثابتاً وراسخاً في أرض العراق الطاهرة ولا زال شامخاً شموخ نخيل العراق يلاحق العملاء ليل نهار، من ظله ومن اسمه ومن عنوانه ترتجف فرائسهم، وكلما عثر أحدهم أو جفل، صرخ بصوت عالي جاءنا البعث، ويقول هذه العثرة والجفلة بسبب البعث.)
إننا نثق ثقة مطلقة بأن المقاومة والكفاح والجهاد والنضال هي جزء من تكوين البعث الفكري والعملي، وتاريخه كله يشهد بذلك، وما تمسكه بفلسطين وحق تحريرها إلا دليل ساطع على إيمانه بطريق المقاومة، وجاء غزو العراق ليضع أمام البعث مهمة تحرير العراق، والتي لن يتخلى عنها بكل السبل والطرق، ومع هذا اليقين على كل عراقي وعربي شريف أن يمنح قيادة الحزب حق تقرير التكتيك واللعب في الزمن لأنها مؤمنة ثابتة وشجاعة، ولأنها هي الأكثر دراية بالمهم والأهم وبالأرجحيات.
تم بعون الله تعالى.