لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي
لقاءُ القُوى الوَطَنيّة والقَوميّة التَقدُّميّة الديمُقراطِيّة ضَرورة حَتميّة للخَلاص مِن حالَةِ الضَعفِ العَرَبي
د. عامر الدليمي
في ظل الاستهداف المنقطع النظير الذي تتعرض له أمتنا العربية في أغلب أقطارها، وفي ظل غياب أية حدود أو سقف للبشاعة التي يتم فيها تنفيذ حلقات المؤامرة، وليس آخرها محرقة رفح، والمجزرة البشعة التي يتعرض لها شعبنا العربي في فلسطين، والتي وصلت إلى إحراق الخيام بقاطنيها حيث تم استهداف النازحين قسرًا شمال غرب رفح. تلك المجزرة التي خلّفت عشرات الشهداء الذين تحولت أجسادهم إلى أشلاء، بالإضافة إلى عشرات الجرحى معظمهم من الأطفال والنساء، مع استهداف الاحتلال الصهيوني للمنظومة الصحية وإخراجها من الخدمة،
كل ذلك على مرأى ومسمع من العالم أجمع العاجز عن كبح جماح جرائم العدو الصهيوني. في ظل هذا الواقع المأساوي، وعجز الأنظمة العربية عن وقف عجلة التدهور وبشاعته، يصبح من أعلى الأولويات والواجبات الحتمية، أن تلتقط القوى السياسية الوطنية والقومية زمام المبادرة، نحو بلورة مشروع يرقى إلى مستوى التحديات الوجودية الجسيمة التي تستهدف الأمة في وجودها. ويتقدم تلك الأولويات فهم الواقع الذي تمرُ به الأمة العربية في هذه الظروف وتحليلها بقدرٍ عالٍ من المسؤولية الوطنية والقومية والوقوف بواقعية وموضوعية على أسباب الانكسارات والتراجعات والاستسلام للقوى المعادية، حيث يتقدم تلك الأسباب الانقسام والتشظي العربي بسبب تناقضات ثانوية تاركين التحديات الأساسية والمصيرية تحرق الأمة وتنهي هويتها ووجودها. وفي مقدمة متطلبات تحقيق ذلك،
والذي يعد من الضرورة القومية الحاسمة أن تكون هناك نظرة وفعل حقيقي جاد لتجديد الخطاب القومي العربي وتحديث مشروعه النهضوي التحرري التقدمي. ومن هنا فإن لقاء القوى السياسية المخلصة للوطن والأمة العربية، والعمل ضمن قواعد عمل مشتركة للتوصل إلى مشروع يمكِّن الأمة من مواجهة التحديات الوجودية الجسيمة التي تتعرض لها، ويعيد لها كرامتها، ويؤكد بأنها أمة جديرة بالحياة، من خلال إيجاد تفاهمات سياسية على قاعدة جماهيرية تكون أساساً لقوتها، وتستطيع من خلال ذلك وغيره التخلص من الضعف والتخلف والتقهقر الذي أصابها. إن ذلك من شأنه أن يرسم الخطوات الأولى التي تخطوها القوى الوطنية والقومية لقيادة الأمة نحو مرحلة جديدة لتكون أمة مجاهدة تسعى نحو التثوير والتنوير والتغيير والتقدم بكل جوانبه.
كما وتشكِّل أساساً لإطلاق الحريات الفكرية والسياسية التي تعد الدعامة الرئيسية لمجتمع حضاري جديد، وتحقيق نهضة عروبية تقدمية ديمقراطية في الساحة السياسية كما في الساحة الفكرية.
إن كل ذلك يقتضي تجاوز الحالات التي تعرضت لها من مناكفات وخصومات بينية أوصلتها إلى الاحتراب الفعلي فأضعفت نفسها، وجعلت القوى المعادية تتحكم بمصيرها. وليس أدل على ذلك ما وصلت إليه بعض الأنظمة العربية في الاستسلام والضعف أمام العدو الصهيوني، وتمدد استعماري للمشروع الفارسي في أقطار أمتنا العربية بدءاً من المشرق واندفاعاً نحو أقطارها في شمال افريقيا.
إن الضرورة الوجودية والحتمية في تاريخنا الحالي تقتضي عودة التيار القومي العربي التحرري والمنظمات القومية لممارسة دورها الفعلي في الساحة العربية بقوة وثقة عالية، متحصِّنة بالإيمان المطلق بقدرها، وبمسؤوليتها التاريخية في قيادة الأمة لتحقيق أمل الجماهير في خلاصها من الاستعباد والاستبداد والهزيمة والتشظّي. ومن أولويات هذه المهمة النضالية الكبيرة هي أن ينهض المثقفون والمفكرون والكتاب العرب الذين يؤمنون برسالة الأمة كرسالة إنسانية خالدة لممارسة دورهم الريادي في بلورة الطموحات المأمولة، وتحديد معالم الطريق العملية والواقعية لتحقيقها، بعيداً عن الإنشاء أو العواطف أو التنظير العقيم. على أن مثل هذا التفاعل وتلاقح الأفكار يتطلب من الجميع العمل من أجل هذا المشروع بروح ديمقراطية متجددة، كشرط أساسي لنجاحه كي يعيد للأمة العربية مجدها وكرامتها وحقها في الحياة.
برقية تهنئة إلى الرفيق المناضِل علي الرّيح السَنهوري الأمين العام المساعد و الرفاق أعضاء القيادة القومية
بسم الله الرحمن الرحيم
الرفيق المناضِل علي الرّيح السَنهوري
الأمين العام المساعد حفظكم الله ورعاكم
الرفاق أعضاء القيادة القومية والرفاق أمناء سر الأقطار حفظكم الله ورعاكم
بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك نتقدم إليكم ومن خلالِكم إلى كافة الرفاق أعضاء قيادات الأقطار وكوادِر وقواعد الحزب وجماهير الأمة العربية في كل مكان، بأصدق التَهاني وأطيَب التَبريكات مبتهلين إلى الله تعالى أن يحفظكم، ويعيده عليكم وعلى أمتنا العربية المجيدة بالنصر المبين في كافة جبهات المواجهة الضارية التي تخوضها دفاعاً عن حقها في الوجود والحرية والتقدم.
يهل علينا عيد الأضحى والفداء المبارك وأمتنا تواجه تحديات مصيرية غير مسبوقة، تستهدف تمزيقها ونهب مواردها وقطع الطريق على نهضتها وتقدمها. ففي فلسطين العزيزة يتعرض شعبنا في غزة لأبشع جريمة إبادة تستهدف افراغها، ومن بعدها كل فلسطين من أهلها، وقتل روح المقاومة فيها إلى الأبد.
وفى العراق تستمر حلقات الاحتلال الإيراني الأمريكي المزدوج وآخرها محاولات تفتيت وحدته الوطنية على أسس مذهبية لتحويله إلى كانتونات طائفية تدين بالولاء إلى إيران والكيان الصهيوني. وفى السودان تتراءى نذر حرب أهلية طاحنة مآلاتها تفتيت البلاد إلى عدة دويلات تابعة لا يمكنها البقاء إلا بالارتهان للقوى الدولية والإقليمية المهيمنة على مواردها وقدراتها الإنسانية. والأمر نفسه يجرى على قدم وساق في ليبيا واليمن وسوريا ولبنان بوسائل مختلفة في الظاهر ومتّحِدة في الأهداف .
وفى مقابل هذه الهجمة متعددة الجبهات والوسائل، يسطع نور الحق والبطولة وانتصار الملاحم التاريخية التي تخطها جماهير أمتنا كل يوم وهي تواصل نضالها بكل حيوية وصلابة وجّلّد، لمجابهة هذا المخطط الجهنمي، ذلك النضال الذى أرسى أدواته بوعي،
حزبنا المناضل في مختلف أرجاء الوطن العربي وفي طليعتهم رفاقنا في القطر العراقي الذين سطروا وما زالوا أبسل صفحات المقاومة لموجات الغزو الصهيوني الإيراني ضاربين المثل الأعلى في التضحية والفداء وفاتحين الطريق لأجيال الأمة لمواصلة النضال الذى بلغ أوج تجلياته مؤخراً في مقاومة وصمود شعبنا البطل في فلسطين الأبية.
وبهذه المناسبة الجليلة وما تحمله من معاني التضحية والفداء، يجدد رفاقكم في مكتب الثقافة والإعلام القومي العهد على مواصلة المسيرة، ماضين على درب شهدائنا الأبرار وفي مقدمتهم الشهيد صدام حسين وشهداء المقاومة الأبطال في العراق وفلسطين، متمسكين بعزم بأهداف الأمة العربية وحقها في الوحدة والتحرر والنهوض.
فكلُّ عامٍ وأنتم بألف خير،
نسأل الله تعالى أن يعيده على حزبنا المناضل وأمتنا العربية وقد تحقَّقت بهمتكم أهداف بعثنا العظيم في وحدتها وحريَّتها وتقدمها وازدهارها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مكتب الثقافة والإعلام القومي 15/6/2024
مِنْ فِكْرِ البَعْثِ والقائدِ الشهيد عِزَّة إِبْراهيم: العُروبةُ والإسلامُ جَناحا الأُمَّةِ وسِرُّ بَقائِها
مِنْ فِكْرِ البَعْثِ والقائدِ الشهيد عِزَّة إِبْراهيم: العُروبةُ والإسلامُ جَناحا الأُمَّةِ وسِرُّ بَقائِها
ناصر الحريري
في سنوات الاستقلال الأولى للأقطار العربية نجحت الهوية الوطنية القطرية في تهميش الهوية القومية للأمة، وتم التركيز على الهوية الوطنية والقطرية الضيقة ورُفِعَ شعار القطرية هي الحل، واعتبار كل قطر من الأقطار العربية يمتلك خصائص معينة يتم البناء على أساسها. إلا أن هذا التهميش لم يدم طويلاً،
فقد تفجرت الأزمات السياسية والاقتصادية التي كشفت عن ضعف الهوية الوطنية والقطرية، وعاد الحديث عن الهوية الأصلية وهي الهوية القومية عبر القضايا السياسية والثقافية والاقتصادية. وكان من أوائل الأحزاب التي سلطت الضوء وأعادت الهوية القومية إلى الواجهة هو حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي ركز على الهوية القومية للحزب دون إغفال الهوية الوطنية التي تشكل النواة الأولى في بناء القومية العربية.
تشترك تعريفات الهوية في إبراز عُنْصري التميز والاختلاف، ويمكن القول إن هوية شعب ما مختلفة عن هوية شعب آخر، فهي مجموعة من الخصائص تنفرد بها وتختلف وتتميز مقارنة بغيرها. وهوية أي أمة هي ما يُعَبَّر عنها بالهوية القومية التي هي عبارة عن مجموعة من الصفات العامة التي تمثل الحد الأدنى المشترك بين جميع الذين ينتمون إليها. والتي تجعلهم يتميزون ويُعرفون بتلك الصفات عمن سواهم من أفراد الأمم الأخرى.
فالهوية القومية مختلفة كل الاختلاف عن الهوية القطرية، فالأولى تتعلق بالأمة والثانية تتعلق بالدولة، فالهوية الوطنية قد تعني إيجاد تطابق وتوافق بين ناسٍ يعيشون في بقعة جغرافية محددة.
إن الهوية القومية تؤكد على تمييز الأمة عن غيرها من الأمم، فإذا كانت الأمة مجزأة إلى دول متعددة كالأمة العربية فإن هويتها تبقى ضعيفة ومعرضة للتآكل والضياع والهدم بسبب القطرية والطائفية والعشائرية، وقد يكون السبب الأكثر تأثيراً هو الأطماع الاستعمارية. برغم غياب التعبير عن الهوية القومية للأمة في بعض الأقطار وضعفه في أقطار أخرى إلا أنها تبقى الهوية العامة المشتركة بين هذه الأقطار، فالعلاقة التي تربط الهوية الوطنية بالهوية القومية هي علاقة تكامل وتفاعل وليست علاقة نزاع وصراع وانفصال.
فالعربي ليس وجوداً طارئاً أو جامداً بل هو هوية وجود ومصير، فأن يكون الإنسانُ عربياً هو بالضرورة أن يكون عروبياً تواقاً نحو الوحدة العربية، يحمل على كتفه وفي قلبه هموم الأمة وآلامها ومعاناتها وتطلعاتها، ويجسد إرادة الأمة وعزمها على الثورة على واقعها الفاسد المريض.
لقد اعتبر حزب البعث العربي الاشتراكي القومية العربية “حقٌ مقدس للعرب في كل القوانين والشرائع والمواثيق الأرضية والسماوية، بعروبتهم وقوميتهم يتعارفون وبعروبتهم وبقوميتهم يتحابون ويتوادون ويتراحمون ويتواصلون، وتحت راية عروبتهم وقوميتهم يناضلون ويقاتلون أعداءهم أعداء الله وأعداء الإنسانية لتحقيق أهدافهم.
” فالقومة العربية لم تتشكل حديثاً او نتيجة تمازج قوميات أو أعراق، بل إن القومية العربية متفردة في كينونتها ووحيدة في ديمومتها، فاللغة العربية التي تعتبر الوِثاق الأكثر قوة بين أبناء الأمة هي ليست طارئة ولا مزيج أو خليط كما كثير من اللغات، ولكن اللغة العربية “التي جعلها الله سبحانه لغة أهل الجنة ولغة آدم أبو البشر ولغة رسالته الخالدة الخاتمة القرآن الكريم والدين الاسلامي الحنيف هي حقٌ مقدس باركته وأيدته وحمته كل قوانين وشرائع ومواثيق الأرض والسماء وهي من أقدم وأكرم وأعز اللغات وأغناها وأوسعها على الاطلاق.” ولم يغفل البعثُ عن المكون الأهم من مكونات الهوية القومية العربية وهو الجغرافيا،
فقد اعتبر البعثُ في أهم مبادئه أن الوطن العربي الممتد ما بين جبال طوروس وجبال بشتكويه والخليج العربي والبحر العربي وجبال الحبشة والصحراء الكبرى والمحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط هو حق مقدس للأمة العربية أقرته وباركته كل شرائع وقوانين ومواثيق السماء والأرض، والوطن العربي لدى البعث يمثل وحدةً سياسية واقتصادية وجغرافية وتاريخية وحضارية لا تتجزأ، والوطن العربي عند البعث هو وطن العرب وحدهم ولهم وحدهم حق التصرف بشؤونه وثرواته وإعماره وتطويره وحفظ سيادته واستقلاله وحريته. إن البعث يؤمن أن الأمة العربية التي خصها الله تعالى بخصال ومزايا وصفات خاصة لا تمتلكها أمة أخرى من أمم الأرض قادرةٌ على الإبداع والنهوض والتجدد والانبعاث من جديد،
فقد اختارها الله لتكون الأمة الأفضل والأمثل فقد جعلها الله تعالى خير أمة أخرجت للناس تسعى إلى خير الإنسانية وسعادة الإنسان. فالبعث يجسد كل هذه السمات والقدرات والقيم التي منحها الله للأمة العربية ويجسدها في فكره وعقيدته ومبادئه ومنظومة أخلاقه التي يدعو إليها، فالبعث يمثل كما قال الرفيق الشهيد عزة إبراهيم: “جوهر الأمة العربية وروحها، وهو المرآة التي تُرى فيها الأمة العربية على حقيقتها”. لقد فرَّق البعضُ بين القومية العربية والإسلام، فمنهم من اعتبر القومية العربية دون الإسلامية، وآخر يؤكد على الهوية الإسلامية دون القومية العربية، ولكن الذي يميز البعث في فكره كما في كلمة الرفيق الأمين العام للحزب هو التطابق بين الإسلام والعروبة.
إن القارئ المتابع لفكر البعث ولكلمات الرفيق الشهيد عزة إبراهيم يلاحظ أن القومية العربية على علاقة وطيدة بالإسلام قد تصل درجة التطابق، فالإسلام يمثل رابطة قومية حقيقة لسكان الوطن العربي، لأنه العقيدة بالنسبة إلى العرب المسلمين، وهو يشكل أيضاً ثقافة وتراث وحضارة إلى العرب المسيحيين، وهو ما يؤكده مؤسس البعث الأول الرفيق ميشيل عفلق. لقد أوضح الرفيق الشهيد المجاهد عزة إبراهيم في كل خطبه وكلماته التي وجهها للعرب وللرفاق البعثيين،
وبشكل جلي لا يقبل الشك، عمق البعدين العربي والإسلامي في إطار مفهوم الهوية، والأمة العربية تمر في عصرنا الراهن بمرحلة من التشظي والتفرقة على كافة الصُّعُد القطرية والطائفية والعشائرية فهي أحوج ما تكون للعودة إلى هويتها الأصيلة التي يمثلها البعث التي ركناها العروبة والإسلام. إن وضع الأمة العربية المتردي بعد هذه الفوضى والتدخل الإقليمي والدولي في شؤونها الداخلية واحتلال بعض البلدان العربية يجعلها بحاجة ماسة إلى حق تقرير مصيرها مجدداً، مما يتطلب منها التمسك بهويتها القومية العربية للنهوض والتخلص من قِوى الاحتلال وصد الأطماع الاستعمارية للغرب والشرق، إن التمسك بالقومية العربية لتحقيق النهوض الشامل لا يعني نبذ الفكر الديني، بل علينا التمسك بالقيم الدينية كخطوط عامة لكل التوجهات التحررية القادمة.
إن التنوع الثقافي والديني والقومي والمذهبي الذي يميز الوطن العربي ويميز مجتمعات أقطاره يدعونا إلى تبني فكر البعث في إعادة بعث الأمة ونهوضها من كبوتها لأنه الفكر الذي لا يميز بين الأفراد على أساس ديني أو مذهبي او مناطقي. إن اعتناق فكر البعث هو السبيل الوحيد للتخلص من الصراعات المذهبية التي فُرضت علينا بعد الاحتلال والتدخلات الخارجية والتي ما جلبت إلينا سوى الويلات والمصائب ولننعم بالسلام والأمان أسوة بدول العالم.
* مرجعية المقال: خطاب الرفيق الأمين العام الشهيد المجاهد عزة إبراهيم في الذكرى الثالثة والسبعين لميلاد البعث العظيم.
مثقفو الأمة، واعتناق الفكر المقاوم!
الإعلام العربي ومسؤولية كشف الحقائق
الإعلام العربي ومسؤولية كشف الحقائق
ناصر الحريري
أصبح الإعلامُ الناقلُ للأخبار والمعلومات والحدث عنصراً مهماً جداً في صناعة الحدث، وذلك من خلال قيامه بدور أساسي في صياغة الصورة الذهنية للمتلقي، والمحرك الأساسي للسياسات العامة، ما يعني أن الإعلام يقوم بدور فعال في صنعة وتشكيل صورة الحدث وتأثيراته على الرأي العام، لأنه تجاوز مرحلة توصيف الحدث إلى مرحلة رصد التحولات والتركيز على تحليلها، ويركزُ على نقد السلبيات، وتحويل الحقائق لتكون ملائمة لتوجهات أصحاب القرار السياسي الذي يعبرُ هذا الإعلام عنه وينطقُ باسمه. في هذه الحالة يُخرجُ الإعلامُ الحدثَ عن الواقع الموضوعي،
ما يجعله شريكاً أساسياً في صناعة الأحداث والتحكم في تطورها من خلال ما يوفره من معلومات تحدث تأثيراً على مجريات الأحداث، خاصة أن أدوات الإعلام المتقدمة جعلت الاهتمام الشعبي يزداد بها نظراً لدورها في بث المعلومات والأحداث التي تتعلق بالشؤون العامة والقضايا السياسية والقرارات ذات التأثير الكبير والحيوي في الحياة اليومية للناس اللذين تكونت لديهم مفاهيم ومواقف ترتبط ارتباطاً مباشراً بالصورة المنقولة عبر الفضائيات، التي تعتبر هي الأداة الأكثر تأثيراً من حيث إنها تقوم بنشر المعلومة والفكرة والخبر والثقافات وما يتعلق بالحضارة،
وكذلك تجعل الصلة وثيقة بين الجهة الناقلة أو الناشر والمتلقي، وتحاول من خلال ذلك تسويق أهدافها السياسية والثقافية والاجتماعية، كما تعمل على تعبئة الجهة المتلقية في الاتجاه الذي يخدم مصالحها، سواء أكانت هذه المصالح إيجابية بالنسبة للجهة المتلقية أم سلبية نظراً لأنها تروج مفاهيمها بشكل مستمر مما يبقى قطاعاً واسعاً من هؤلاء مرتبطاً بها. فحين يتم نشر ثقافة قائمة على القيم الإنسانية والأخلاقية النبيلة فإن النتائج ستكون إيجابية، ويكون الإعلام في هذه الحالة موضوعياً وسليماً وأكثر فعالية، لأنه ينشر ويحقق القواعد الأخلاقية للعمل الإعلامي بعيداً عن التزوير والتحريض والحملات المغرضة المخطط لها والتي تستهدف تشويه الصورة عند الناس.
لننتقل من العموميات إلى التخصيص، أي ما يتعلق بالأحداث التي تجري على الساحة العربية، فإن الإعلام يكون صادقاً وسليماً وموضوعياً حين يُمكِّن العرب من نشر ونقل كل ما يجسد قضايا الأمة في مختلف المجالات، السياسية والروحية والثقافية والقومية والتراثية والحضارية، و يتصدى للإعلام المعادي الذي يشوه صورة العرب وقيمهم الحضارية، ويعمل على بثّ الفرقة والفتنة بين أبناء الشعب الواحد، مثلما يعمل على إيصال صورة مشوهة عن الأحداث التي تجري في الوطن العربي بما يخدم مصالحه، وبكل أسف هناك أيضاً فضائيات عربية وأفلام إعلانية عربية وأقلام تصب في ذات الاتجاه لاسيما أولئك الذين يحرضون بما يسهم في توتير وتسميم الأجواء في هذا القطر العربي أو ذاك مما يعرضه إلى عدم الاستقرار ويصيبه في اقتصاده وقد تصل الأمور إلى سفك دماء أبنائه. فالإعلام العربي بكل وسائله المقروءة والمسموعة والمرئية يتحمل مسؤولية كبرى في توعية المواطن العربي بالمسارات الموضوعية للأحداث العربية والتوجيه السليم للمواطنين العرب عبر وضعهم في الصورة الحقيقية للحدث ونتائجه وانعكاساته، مثلما يتطلب من هذه الوسائل أيضاً نقل صورة الحدث إلى العالم وهذه مهمة أساسية للإعلام العربي، عليه القيام بها، وتتعلق بإيصال قضايا الأمة العادلة إلى الرأي العام الدولي ويأتي في مقدمتها قضايا التحرر الوطني والقومي، وفي مقدمتها قضية الصراع العربي الصهيوني، والاحتلال الإيراني لعدد من الأقطار العربية، وسعيها الحثيث لبث روح لتفرقة ولتجزئة والطائفية، وتهدد الأمن والاستقرار في منطقة هي من أكثر المناطق في العالم حساسية وأهمية، مثلما يتوجب على وسائل الإعلام العربية الدفع باتجاه التحرر من التبعية وبناء الدولة القومية، وهذه مهمة تاريخية يتوجب على الإعلام العربي العمل على تنفيذها، من خلال البث المستمر الذي يتولى التأكيد على مصالح الأمة العربية العليا ويمارس تأثيره التعبوي على الجماهير العربية في هذا الاتجاه، ويتصدى للرد وتفنيد ما يصدر عن وسائل الإعلام المعادية للعرب. قد يقول قائل إن الإعلام الغربي يتفوق بأدواته وإمكاناته، فإن ردنا على ذلك، نعم إن الإعلام الغربي يتفوق على الإعلام العربي،
ولكن يجب أن يكون ذلك حافزاً لتطوير قدرات الإعلام العربي والذي يجب ألَّا ينخرط في ترويج أهداف الإعلام الغربي مثلما يحصل أحياناً، ونحن في هذا الحال لا نظلم ولكن نشير إلى أمور واقعة، بخاصة فيما يتعلق بالأحداث الجارية في العراق وسورية واليمن ولبنان. إننا نؤكد على أن تكون رسالة الإعلام العربي هدفها إبراز الحقيقة، ومخاطبة الرأي العام الوطني والقومي والعالمي بلغة العصر، وإيصال ما هو حقيقي وسليم، كما أن عليه أن يقف لخدمة القضايا العربية العادلة للأمة.
كتاب الشهر / ميشيل عفلق الذي لم أعرفه كما يجب! / الدكتور محمد عمارة
فلسطين… مسيرة نضال البعث
شباب ومجاهدو فلسطين إعلان بعث الأمة
شباب ومجاهدو فلسطين إعلان بعث الأمة
ناصر الحريري
الأمم الحية لا تموت، ولا تنكسر، قد يعتريها بعض الفتور والغفلة، نتيجة تراكمات أصابتها، وأعداء نصبوا لها المكائد فأوقعوها في متاهة آنية لا يمكن أن تدوم لأنها تمتلك القدرة على التجدد والانبعاث، والأمة العربية هي أمة حية متجددة يشهد تاريخها المجيد على قدرتها على الانبعاث من وسط الركام والمواجهة بكل عنفوان وإصرار. شكك الظلاميون كثيراً بقدرة الشباب العربي على مواجهة القوى الاستعمارية المتعددة الألوان التي تحيك المؤامرات ضد الأمة العربية، أحد وسائل الظلاميين للتقليل من أهمية وقدرة الشباب العربي هو تشويه تاريخ الأمة واستلاب البعد القومي من تاريخها المشرف،
فبعد انتهاء الاستعمار المباشر لأقطار الأمة العربية الذي جاء أعقاب اتفاقيتي سايكس بيكو وسان ريمون، أصبحت أقطار الأمة العربية تابعة بشكل مباشر أو غير مباشر للاستعمار والامبريالية العالمية، ونُصّب على هذه البلدان حكاماً الغاية من وجودهم المحافظة على الولاء للأجنبي، والعمل على تكريس التجزئة القومية، وينمون مفهوم الانتماء القطري، ويحاربون أيَّ تقارب يحمل البعد القومي.
واليوم يقف شباب الأمة العربية وجهاً لوجه في مواجهة الظواهر الاستعمارية المتعددة الوجوه والألوان، بشكلها الإرهابي الجديد، ما يؤشر على أن الأمة حتى الآن في خضم المعركة الكبرى في تاريخها، لتثبت للعالم أنها الأمة الحية المتجددة التي وإن تكالبت عليها كل قُوى الطغيان في العالم ستبقى حية لا ترضى الخنوع للاستعمار مهما تعددت أشكاله. إن الفكر القومي العربي يعي تماماً أن الأمة العربية تواجه منذ قرون عدة ما يمكن تسميته بالظاهرة العدوانية الاستعمارية، وأن صفة هذه الظاهرة هي الاستمرارية والعدائية المفرطة للأمة وشعبها وتاريخها.
لقد أيقنت الأمة العربية أن قدرها هو مواجهة هذه الظاهرة بثبات راسخ لا يحيد عن الثوابت القومية التي آمنت بها جماهير الأمة العربية على مدى تاريخها الطويل. لقد أيقن العرب أن ما حدث لهم بعد 2003 هو حلقة مستمرة من حلقات التآمر على الأمة وكبح جماح نهضتها وقدرتها على النهوض والتقدم، فكان احتلال العراق وتدميره لقطع كل صلات الوصل بين الأمة وقضيتها التي دافع عنها العراق بكل ثبات وقوة وهي قضية فلسطين، القضية الباقية في ضمير ووجدان كل العرب.
إن تعدد الأدوار وتوزيعها بين القُوى الاستعمارية هو صيغة من صيغ التحالف ضد الأمة والتآمر عليها، فالصهيونية العالمية والامبريالية الأمريكية أطلقت يد الصهاينة في فلسطين كما أطلقت يد الفرس المجوس في العراق وبعض الأقطار العربية، لتمهد للقضاء على أي بقعة عربية تقف ضد مصالح ومطامع الغرب والامبريالية العالمية في المنطقة العربية،
فاستبد الطغاةُ وأجرموا بحق الشعب العربي والأمة، فحاولوا بكل وسائلهم من طمس هويتها العربية القومية، وهو ما يشترك به الاحتلالين الصهيوني والفارسي. لقد حاولت الصهيونية على مدى ستة قرون أن تطمس الهوية العربية في فلسطين وتهجر أهلها، كما حاولت الفارسية المجوسية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، حيث دمرت المجوسية الكثير من القيم والمبادئ وشوهت الكثير من الأخلاق العربية ودمرت النسيج الاجتماعي العربي العراقي ونشرت طائفيتها المقيتة لتفريغ العراق من القيم والمبادئ والأخلاق وجره في ركب إيران المجوسية. لقد أثبت شباب فلسطين أن كل المحاولات الهادفة إلى تدميره والقضاء عليه ستبوء بالفشل، وأن الأمة العربية ما زالت قادرة على أن تنجب أبطالاً مقاومين ثواراً مناضلين. إن طوفان الأقصى سطرٌ في صفحةٍ من سجل النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني وما هي دليل لا يقبل الشك أن الأمة العربية حية متجددة لا يمكن أن تسكت على ضيم أو ترضى بظلم. لقد منح شباب ومجاهدو فلسطين الأمةَ العربية الأملَ بغدٍ مشرق عروبي ناصع، كما أثبتوا أن الحق العربي في فلسطين لا يمكن أن يندثر أو يتلاشى على يد حفنة من شذاذ الآفاق الصهاينة المجرمين.
لقد حاولت الامبريالية العالمية ومعها الصهيونية العالمية وتوابعهم أن تطمس الحق العربي المشروع في فلسطين، من خلال مشروعهم الخبيث الذي بدأ أوائل القرن العشرين واستمر حتى تكلل باحتلال العراق مروراً بمعاهدات التطبيع، وصولاً إلى غايتهم الكبرى في الاعتراف بالكيان الصهيوني وإجهاض القضية الفلسطينية.
لقد حاولوا القضاء على كل أشكال الرفض لهذا المخطط اللعين، ولكنهم جوبهوا بثورات عربية امتدت من أقصى الأمة إلى أقصاها، ترفض كل أشكال التدخل والاحتلال وأي مشروع يمس الهوية القومية للأمة أو يحاول القضاء على أي من عوامل وجودها وثباتها.
إن ما يحدث في فلسطين يترجم بصدق وعفوية طموح وتطلعات الشعب العربي وتوقه للحرية والاستقلال وسعيه الدؤوب لاستعادة الكرامة العربية التي صادرتها القُوى الشريرة في العالم. إن ما يخوضه الفلسطينيون من مواجهات وتحديات هو استمرار لمعركة الكرامة والشرف التي تخوضها الأمة العربية بأسرها، يسطّرون من خلالها في صفحات التاريخ أسمى معاني النضال والتضحيات دون تراجع أو انكسار، وكل يوم يحققون الانتصار تلو الانتصار، وأثبتوا أنهم ندّ حقيقي في وجه المخططات الصهيو_أمريكية، ففشلت بالمقابل كل محاولات التهديد والإرهاب لإرغامهم على التراجع؛ بل إن صمود وإصرار الفلسطينيين وثباتهم على مواقفهم ومواجهتهم الاحتلال حركت المياه الراكدة في جماهير الأمة العربية. إن ما يفعله الشعب العربي في فلسطين يعيد لتاريخ الأمة ألقه ولتصبح الأمة أكثر قوة وشكيمة لتستعيد ما فقدته بعد 2003، وما كان هذا ليحدث لولا بسالة وعنفوان شباب ومجاهدي فلسطين، وثبات جماهير الأمة والوقوف خلفهما. هذا الثبات والصمود في فلسطين يعد بمثابة فتح جديد لكل الشعوب المضطهدة لتنهض من عثرتها لمواجهة كل أشكال الخضوع والاستسلام والتسلط على الرقاب وكنسها ورميها في مزبلة التاريخ. ولكل المشككين بقدرة أبطال فلسطين،
ولكل المطبلين للاحتلال الصهيوني للأمة نقول:
أَيُّها المُتَلَوِّنونَ حِقْداً، والنَّافِثُونَ سُمَّاً يَقْطُرُ مِنْ أَفْعَالِكُم قَذارَةً، يَكْفِيكُم تَطَاوُلاً وتَجَاوُزاً عَلَى الُمجَاهِدين المُنَاضِلينَ فِي فِلَسطِين، الَّذينَ يُواجِهُونَ فِي سَاحَاتِ العِزِّ أَعْدَاءَ الأُمَّة. نَعَم أَعْدَاءَ الأُمَّةِ، لِأَنَّهُم يَتَصَدُّونَ بِسِلْمِيَّتِهِم لِلصُّهيونِيَّةِ الَّتي تُنفذُ مُخَطَّطاً خَبِيثاً يَسْتَهْدِفُ كَيْنُونَةَ وَوُجُودَ الأُمَّة. كَفَاكُم تَضْلِيلاً وافتِرَاءً وكَذِباً، فَأَنْتُم لا تَسْتَهْدِفُونَ المُجَاهِدينَ في غزة وعموم فلسطين فَحَسْب، بَلْ تَسْتَهْدِفُونَ الوَطَنَ، وَمَا يُمَثِّلُه مِنْ قِيَمِ الكَرَامَةِ وَالعِزَّةِ والشُّمُوخ. إِنَّ مَا تُوَجِّهُونَ بِهِ تَابِعِيكُم المُضَلَّلِينَ لَا يَمُتُّ إِلَى القِيَمِ الإِنْسَانِيَّةِ وَأَنْمَاطِ السُّلُوكِ البَشَرِي بِصِلَةٍ. تَعْلَمُونَ أَنَّكُم خَدَمٌ أَذِلَّاءَ لِعَدُوٍّ لَا يَرى فِيكُم إِلَّا أَدَاةً لِتَنْفِيذِ مُخَطَّطِهِ الخَبِيث. أَيُّها التَّائِهُونَ فِي بَحْرِ العَمَالَةِ، إِنَّ مَنَافِعَكُم مُلَطَّخَةٌ بِالدَّمِ، مَغْمُوسَةٌ بِتَظَلُّمٍ قَدَّمَتْهُ أُمُّ شَهِيدٍ بَيْنَ يَدَي الله، وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون. هَلْ تَظُنُّونَ حَقّاً أَنَّكُم تَسْتَهْدِفُونَ-بِغَبَائِكُم وطَيْشِكُم وجَبَرُوتِكُم-الشَّبابَ المُجَاهِدِين، إِنَّكُم أَيُّها المُغيَّبُونَ تَسْتَهْدِفُونَ الوَطَنَ، لِأَنَّ مُجَاهِدُو غَزَّةَ مَا خَرَجُوا تَرَفاً ولا بَطَراً، وَإِنَّما خَرَجُوا لاستِعَادَةِ الوَطَنِ وتَحْرِيرِه، واسْتِعَادَةِ الكَرَامَةَ لِكُلِّ عَرَبِيٍّ شَرِيف.
الاختباء خلف ظهر المقاومة العراقية: حقيقة مرتزقة إيران الخيانية