شبكة ذي قار
بيان قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي في الذكرى الثامنة عشر لاستشهاد القائد الخالد صدام حسين

بيان قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي

 في الذكرى الثامنة عشر لاستشهاد القائد الخالد صدام حسين

{مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}                                             

                                                                                       (الأحزاب:23(

 

يا أبناء شعبنا العراقي العظيم

أيها الأحرار في كل مكان

يا أبناء الأمة العربية المجيدة

 

يا سيدي، أيها القائد الساكن في الضمائر الحية وقلوب الأحرار في كل مكان، يا بطلاً اختار الشهادة في سبيل الله والوطن وقضايا الأمة، يا من رحلت وخلّفت في قلوب العرب فخراً ومجداً مؤثلاً، أيها الفارس الميت الحي، لك من كل ضمير حي ويدافع عن القيم الإنسانية بأبهى صورها، تحية إجلال وإكبار لك في ذكرى رحيلك، الذي أثار الهلع في قلوب قاتليك عملاء المحتل الأمريكي والإيراني، ولم تلن لك قناة ولم يرتجف لك قلب أو بنان، وزرعت في قلب محبيك ثقة مطلقة بأنك عندما سلكت طريق التضحية بحياتك، فإنما فعلت ذلك لأنك أردت أن تعطي درساً بليغاً لكل من يسأل، هل تستحق المبادئ أن يضحي الإنسان من أجلها؟ وهل يستحق الوطن وما فيه من شعب وتاريخ وحضارة أن يرحل قائد المسيرة من أجل ذلك، فقلتَ لكل السائلين بعملك لا بلسانك، نعم وها أنا ذا أحدو الركب ولا ألتفت إلى الوراء، لأنني عهدت بالأمانة لمن توسمت فيه الثقة، بأنه سيواصل المسيرة حتى يحقق وطننا وشعبنا أهدافهما كاملة، بنفس الشموخ والإباء. 

 

 

 

أيها البعثيون في كل مكان وخاصةً في قطرنا العراقي، بلد السجل الأكبر في تاريخ الفداء، يبقى الاستشهاد درساً غامضاً وعصياً على الفهم، إلا لمن يختار أن يجسده عملياً بإرادة واعية وسبق إصرار، ويكتب فصوله الكاملة بجدارة ورجولة باذخة، تنهل من تاريخ ناصع لأمة حفل تاريخها بكل ما هو بهي وناصع، فامتدت بسفرها العظيم لمساحات شاسعة، وأمدت العالم بألق الحضارة وسمو العدل والقيم الإنسانية السامية جيلاً بعد جيل.

 

في مثل هذا اليوم الذي نطقت الإنسانية بملء فمها حكاية البطولة وكأنها لم تنطق مثلها سابقاً، بعد أن جسدها القائد صدام حسين في مثل هذا اليوم 30 كانون الأول 2006، الذي صادف فجر الأضحى 1427، عندما مضى بعزيمة نحو موت أسطوري خالد الصفحات مردداً الشهادتين لا يلوي على شيء، ليرسم معالم طريق النصر الزاخر بالتضحيات، ليس ضرباً من التباهي وإنما إيماناً راسخاً بعدالة القضية التي جاهد طويلاً حتى يصل إليها فوصلها في الوقت الذي اختاره هو وليس عدوه اللئيم المملوء بكل أفانين الحقد والكراهية، فانتصر عليهم مرة أخرى عندما قهرهم في طريقة موته واقفاً بإباء، والجلادون يرتجفون بين يديه، تكاد صاعقة الرعب أن تقتلعهم من بيوتهم ومقارهم التي ظنوها مانعتهم من الشعب وقواه الثورية الفاعلة، لا سيما فرسان البعث الذين سجلوا أنصع الصفحات في تاريخ العراق والأمة العربية، فاستحقوا بجدارة احتلال موقعهم تحت الشمس مثابة يستدل بها السائرون على هداها.

 

يا أبطال الأمة

في مثل هذا اليوم الندي، رحل قائد الأمة ورمزها الشهيد البطل صدام حسين، الذي اختار الموت بشرف وكرامة، ليصنع الحياة لأبناء شعبه ووطنه وأمته، حياة فيها من الشموخ ما تعجز الألسن عن وصفه، والأقلام وإن علت بها رتب البلاغة عن سرد تفاصيله، فهو رحيل خاص لرجل نذر نفسه إيماناً بالمبادئ، من أجل بعث الأمة من جديد في عالم لا مكان فيه للضعفاء والجبناء، في هذا اليوم الذي يستحق بجدارة أن نطلق عليه يوم الفداء، بإكبار أمام بطل الواقعة النادرة، التي لم تمر هباء، بل شاء الله سبحانه وتعالى أن تسجلها عيون كاميرا عدوٍ لم يتخل عن رخصه وهو أمام موت من طراز خاص، فأراد منها تسجيل لحظة أنها تنطلق عن وهن، كي يتاجر فيها في سوق التفاهة أو يحقق ربحاً عابراً، من وراء المتاجرة بها في سوق اكتظ بالنخاسين وبائعي الوطن والشرف، ولكن انقلب عليهم  مسرح الجريمة، فكان كالصاعقة التي انقضّت عليهم فدمرت ما أرادوا إخراجه من مسرح جريمتهم الكبرى في فجر الأضحى، لرجل هو خير الرجال وأشجع الرجال، فأظهرهم عراة على حقيقتهم، بلا شرف ولا قيم وطنية أو دينية أخلاقية.

 

 

تحية للقائد الفذ في ذكرى رحيله التي ما تزال تشحذ فينا الهمم وتشد من عضدنا لتحقيق النصر على لصوص الأوطان ومفسدي الحياة السياسية في العراق، والذين لم يألوا جهداً إلا فعلوه لربط العراق بإيران إلى الأبد، وحرصوا على تأمين مصالح البلد الذي اختار العداء للعراق عن حقد تاريخي موروث على مر الأزمان، فاستحقوا لعنة الله، والتاريخ والناس أجمعين، تحية لشهداء العراق والأمة العربية.

 

 

 

 

قيادة قطر العراق

لحزب البعث العربي الاشتراكي

بغداد الرشيد 30 كانون الأول 2024

بيان قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي بمناسبة الذكرى الرابعة بعد المائة لتأسيس الجيش العراقي

بيان قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي

بمناسبة الذكرى الرابعة بعد المائة لتأسيس الجيش العراقي

 

{ وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحْزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } (آل عمران 139)                        

 

في الذكرى الرابعة بعد المائة لتأسيسه

الجيش العراقي هوية وطنية وسارية قومية لن تهزها ريح صفراء

لعل من أهم أدلة التطابق في إعلان تأسيس الجيش العراقي الباسل، أنه جاء متطابقاً تماماً مع الروح العراقية الوثابة، المتطلعة إلى بناء تجربة دولة متكاملة الأركان، فكأن ما فكر به العراقيون الاستناد إلى القوة الذاتية لحماية دولتهم المنشودة التي تأسست بعد عدة شهور من القرار التي اتخذه الوطنيون الذين خططوا لإقامة الدولة الوطنية بعد زمن طويل من فقدان الهوية الوطنية العراقية،

فالإعلان عن تأسيس أول وحدة من وحدات الجيش العراقي، قبل الإعلان عن قيام الدولة العراقية المدنية بعد عدة شهور من تأسيس الجيش، إنما يعبر عن طموح كبير ظل يتردد في البيوت والطرقات والمدن العراقية من أقصى شِماله إلى أبعد نقطة في جنوبه، تثميناً لقيم البطولة التي لا تفارق الشخصية العراقية حتى في أكثر أوقاتها انكساراً، فجاء تأسيس الجيش استجابة لحاجة وطنية غلابة في التعبير عن الشموخ العراقي في مراحله التاريخية التي تمتد إلى أعماق التاريخ القديم وصولاً إلى الدولة العباسية التي امتدت لمساحات شاسعة، وكانت بغداد على الدوام تمد أطراف الدولة بالمدد الحربي كلما اقتضت مصلحة الدولة ذلك.

إن منظومة القيم العراقية التي ترسخت من أقدم العصور وتناقلتها الأجيال العراقية جيلاً بعد جيل، لا سيما  جيل الأجداد العظام الذين حكموا العالم القديم بفروسيتهم وقيمهم السامية، مع حرص على تطبيق العدل واعتباره ركيزة أساسية لاستمرار الحكم، ولقد سادت في تقاليدنا العراقية التي يعتز بها كل عراقي وعربي، وفرضت نفسها على رسم معالم الدولة العراقية في وضع القوة في موضعها الصحيح، وهذه الثقة التي ينطلق العراقيون ضمن مقولة الرئيس القائد الشهيد صدام حسين “نحن أقوياء بلا غرور ومتواضعون بلا ضعف” والتي جسدت قيماً وقاعدة متينة في إغاثة المظلوم والتصدي للعدوان، وقد سجل الجيش العراقي الباسل أروع صفحات الفخر والمجد منذ أيام تأسيسه الأولى، فما أكثر المعارك التي خاضها دفاعاً عن وحدة الأراضي العراقية وسيادة البلد واستقلاله، وعلى صعيد المواجهات للتصدي للعدوان الخارجي، فلعل الحرب العراقية البريطانية عام 1941، تبقى الصفحة المشرقة على الرغم من عدم تكافؤ القوة التسليحية بين الطرفين، إلا أن نتائج المعركة كانت محل فخر لكل من شارك فيها، ظلت راسخة في تقاليد الجيش العراقي الذي نحتفي اليوم بذكراه الرابعة بعد المائة.

وهناك حقيقة لا بد من الإشارة لها، وهي أن العراق الذي لا يمتلك حدوداً مباشرة مع فلسطين، كان الأسرع في التحرك للمشاركة في حروب الأمة العربية لمواجهة العدو الصهيوني منذ النكبة سنة 1948، ولم يتردد في أي من المعارك القومية، فلبى نداء الشعب العربي في كل مكان، إما بالمشاركة المباشرة، فتتحرك أرتاله الممتدة من معسكراتها في العراق، وحتى خط المواجهة في الخطوط الأولى، كما حصل في حرب حزيران 1967، أو في حرب تشرين الأول 1973 على الرغم من أن العراق لم يعرف بتوقيتات الحرب أو حتى العزم على تنفيذها إلا من أجهزة الإعلام، فكان الجيش العراقي رجلاً راسخة في الأرض الوطنية، وأخرى تتحرك على الساحة القومية بلا كلل أو ملل، وإذا صادف أنه لن يشارك في أية معركة بصورة مباشرة، فإنه كان يداً سخية مفتوحة للأشقاء، لا يبخل في تقديم المدد في السلاح أو الخبرة التدريبية، كما حصل مع ثورة الشعب الجزائري التي انطلقت عام 1954، وانتصرت عام 1962، فقد حرص العراق على نجدة ثوار الجزائر بكل احتياجاتهم من السلاح والعتاد الذي يتوفر لديه، كما أنه كان صاحب اليد البيضاء في تأسيس جيش التحرير الفلسطيني، كل هذا نذكره ليس على سبيل أن نمّنَ به على الأشقاء العرب، وإنما لتذكير الأجيال الجديدة التي لم تعش ألق الالتزام القومي الذي عاشته الأمة العربية في عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات.

وعلى المستوى الوطني فقد احتل الجيش العراقي الركيزة الأساسية التي حمت حدوده الوطنية بوجه كل الأخطار المحدقة به من جهة الشرق خاصة، لقد كانت إيران تحمل إرثاً ثقيلاً من الكراهية ونزعة الانتقام من العراق، وهو ما لم تتمكن من انتزاعه من ضميرها المستتر في أعماق الضمير الإيراني، وقد يجد بعض المراقبين بعض التبريرات لكل ما تحمله بلاد فارس من ضغينة متناسلة عبر الأجيال، عندما يقلب صفحات الماضي القريب منه والبعيد، فالأطماع القديمة بالوادي الخصيب، كانت محوراً أساسياً لتحرك دولة الأكاسرة، ثم أن هذه الدولة التي واجهت الإمبراطورية الرومانية وهزمتها غير مرة، عند وقوع أول مواجهة لها مع قبائل العراق العربية، سجلت على نفسها أول هزيمة منكرة في معركة ذي قار، والتي من حق العراق أن يباهي بها العالم، أن شعبه استطاع أن يلحق هزيمة منكرة بجيش ثاني أكبر مركز للقوة المسيطرة على السياسة الدولية في العالم القديم، وهي دولة فارس.

فكانت تلك الهزيمة بمثابة مرجل من الحقد ضل يغلي في الصدور وتتوارثه فارس، فعاشت فكرة الانتقام من العراق لهزيمتها في ذي قار، ولكنها لم تستطع رفع رأسها بوجه العراق من ذلك اليوم، وعندما قامت الدولة الراشدة، وانتشر الإسلام في العراق، تطيرت فارس من هذا التحول الخطير في هذه المنطقة التي كانت تنظر إليها كمنطقة حيوية لها لا تسمح لغيرها في منافستها فيها، وهنا كانت ساعة الاختبار الأولى لموازين القوى في العالم يومذاك، فقد احتفظ المسلمون الأوائل بذكرى حدث منكر فعله كسرى عندما مزق رسالة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم يدعوه فيها إلى الإسلام، لهذا احتفظت دولة فارس بأعلى وتيرة من الرغبة في مواجهة الدين الجديد الذي بدأ يطرق على أبوابها بقوة، فكانت معركة القادسية الأولى أعظم إنجاز عسكري عرفه تاريخ الحروب حتى ذلك الوقت، بسبب عدم التكافؤ في القوة المادية بين الجيشين، من حيث العدد والعدة.

بفخر نستطيع أن نسجل أن الجيش العراقي، خاض غمار حروب بلا حصر، منذ تأسيسه، اضطر لكثير منها اضطراراً، لأنها حروب دفاعية عن حياض الوطن أو الأمة، ولعل أنصع مثل لها معركة القادسية الثانية، التي حضّر لها النظام الإيراني بمجرد وصوله إلى الحكم في شباط 1979، إذ رفع شعار تصدير الثورة، فوضع العراق على رأس جدول الأولويات، تنفيساً لحقد حمله معمم جاهل احتضنه العراق ردحاً من الزمن، فلم يذكر من تلك الضيافة شيئاً من خُلق الرد، بل عزم على توسيع مملكة الحقد والكراهية على البلد الوحيد الذي استضافه وفتح له ذراعيه ووسع عليه أبواب الكسب والرزق، ومن هنا لم يجد العراق بُداً من حماية مواطنيه من تحرشات لئيمة من قوات إيرانية، قديمة أو استحدثها النظام الجديد، وظن أن التفوق العددي أو العمق الاستراتيجي الذي تملكه إيران مقارنة بالعراق سيضمن لها تحقيق نصر سريع عليه، ولكن عزيمة العراقيين وبطولة جيشهم، وإصرار قائدهم على انتزاع النصر من عيون عدوهم، كان بالمرصاد لكل الخيالات المريضة التي عشعشت في عقول قياداتهم السياسية والعسكرية والدينية، فبعد ثماني سنوات من أطول منازلة شهدها القرن العشرين، أجبر العراقيون الزعيم الإيراني على تجرع كأس السم، الذي تجرعه على مضض، فأيقظ في نفسه كل تجارب الماضي المرير لفارس.

وتواصلت بطولات الجيش العراقي في كل الساحات، في حروب فُرضت عليه من قوى إقليمية أو دولية لم تشعر بالارتياح لوجود بلد يحمل كل عوامل القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، فكانت أم المعارك التي شنتها عليه أكثر من ثلاثين دولة بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، 1991، ثم أتبعتها بغزو 2003، الذي أعقبه احتلال غاشم أخرج العراق من معادلة التوازن الإقليمي ومن منظومة الأمن القومي العربي، فكانت التداعيات والهزات السياسية والعسكرية الارتدادية التي شهدتها المنطقة منذ 2003 وحتى الآن، شهادة فخر للعراق ولجيشه الباسل رغم مرارتها، لأنها بمثابة شهادة تاريخية، بأن العراق وجيشه هما  قوة التوازن الاستراتيجي في هذه المنطقة، وأن أي خلل في المعادلة، سيؤدي إلى فوضى لا حصر لها قد تهدد أمن المنطقة واستقرارها بأفدح الأخطار، وهذا ما لمسناه منذ سنة 2003 ولحد الآن.

تحية للجيش العراقي الباسل في ذكرى تأسيسه، وتحية لشهدائه الأبطال في كل المعارك الوطنية والقومية التي خاضوها ببسالة وإباء.

تحية لروح القائد العام للقوات المسلحة الشهيد المهيب الركن صدام حسين وكل شهداء الحزب الذي ضحوا بأرواحهم رخيصة فداء للوطن والأمة والمبادئ.

قيادة قطر العراق

لحزب البعث العربي الاشتراكي

بغداد الرشيد 6 كانون الثاني 2025

بيان قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي بمناسبة الذكرى الثانية والستين لعروس الثورات

بيان قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي

بمناسبة الذكرى الثانية والستين لعروس الثورات

 

في 14 تموز 1958، حصل تغيير كبير في نظام الحكم، إذ تم إسقاط النظام الملكي على يد تنظيم الضباط الأحرار، الذي كان قد تشكل رداً على سياسات الحكومة بالارتباط بسياسة الأحلاف الغربية، هذا في مجال السياسة الخارجية، وحصلت ممارسات قمعية على مستوى المعارضة السياسية بكل أطيافها، إضافة إلى ظلم اجتماعي كثير تعرضت له الطبقات الفقيرة.

كان يجب على الثوار اعتماد خط سياسي وطني وقومي يراعي مصالح العراق والأمة العربية، واعتماد سياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز إلى أي من المعسكرين المتناحرين، الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق، والغربي بقيادة الولايات المتحدة، والنأي عن سياسة الأحلاف.

ولكن افتقاد قيادة الثورة إلى الخبرة السياسية في إدارة شؤون البلد، أدت إلى وقوع أزمات داخلية وتوترات في علاقات العراق العربية والدولية، فلم تكد تمضي إلا شهور معدودات، إلا وتفجر الخلاف داخل القيادة الجديدة، فقد اختار الزعيم عبد الكريم قاسم النهج الدكتاتوري لإدارة شؤون العراق، فأزاح أقرب قادة الثورة إليه، وتحالف مع الحزب الشيوعي، وأطلق له الحرية الكاملة في توازنات غبية، ظنا منه أن هذا التوجه هو الضامن له الاستمرار في الحكم، فاستغل الحزب الشيوعي تلك الثقة التي حصل عليها من قاسم، فمارس إرهاباً ضد التيارات السياسية الوطنية والقومية، وبطش بعشرات الآلاف من معارضيه، بحيث ضجت المؤسسة العسكرية التي تعتز بتقاليدها العريقة بالشكوى من دور المنظمات المسلحة وشبه المسلحة التي شكلها الحزب الشيوعي مثل “المقاومة الشعبية”، والتي سطت على دور الأجهزة الأمنية، وحلت محلها في ملاحقة الخصوم السياسيين، فحصلت ممارسات أقل ما يقال فيها، أنها استهتار بكل القيم العراقية، فتم توجيه الإهانات للعراقيين على مدار ساعات اليوم، وتلقى حزب البعث العربي الاشتراكي أقسى الضربات، فتم الزج بمناضليه في السجون، ونشطت أجهزة السلطة والمقاومة الشعبية في ملاحقات غير قانونية ضد الآخرين، ولكن البعث كان بعد كل مواجهة، يخرج أصلب عوداً وأكثر تألقاً وحضوراً في أوساط الجماهير.

لقد أدت سياسات عبد الكريم قاسم إلى تفاقم الوضع السياسي الذي وصل إلى درجة الاحتقان الكامل، في مطلع 1959، لا سيما بعد أن سمح عبد الكريم قاسم لما يسمى بـ”قطار السلام” بالتوجه إلى مدينة الموصل، التي عانت كثيراً من سطوة المنظمات المدعومة من قاسم، وخاصة المقاومة الشعبية وبقية تشكيلات الحزب الشيوعي، مثل أنصار السلام ورابطة الدفاع عن حقوق المرأة، والنقابات التي أطلقت يدها للعبث بحركة الإنتاج الصناعي، والجمعيات الفلاحية التي تخلت عن خدمة الأرض وراحت تفلسف دورها بأنه لحماية الفلاحين من ظلم الإقطاع، الذي كان قد خسر قدراته كلها بصدور قانون الإصلاح الزراعي الذي شرعته سلطة الثورة على عجل.

ومع أن السلطات العسكرية في مدينة الموصل ألحت على قاسم بعدم ارسال قطار السلام، إلا أنه ركب رأسه وتجاهل نصائح المقربين منه، واستجاب لطلب الحزب الشيوعي في استعراض القوة، وعندما وصل قطار السلام إلى المدينة، طفق راكبوه باستفزاز سكان الموصل ذات التراث العروبي الرافض لتوجهات قاسم والحزب الشيوعي، فتحركت وحدات من موقع الموصل بقيادة العقيد الركن عبد الوهاب الشواف آمر الموقع، فأعلن الثورة على سلطة الزعيم عبد الكريم قاسم والتي قوبلت بترحاب واسع، ولكن الحركة فشلت بعد استخدام الطائرات الحربية لقصف مواقعها وتلكؤ بعض القطعات عن التحرك المطلوب في الوقت المناسب، عندها خرجت قطعان الغوغاء من جحورها لتعمل القتل بسكان الموصل رجالاً ونساء وسحلهم بالشوارع، وتم تعليق جثامين الشهداء على أعمدة الكهرباء بعد قتلهم بكل وحشية وضمائر ميتة، وفي اليوم التالي لفشل حركة الشواف، استباحت عناصر متعطشة للانتقام، شوارع بغداد والموصل وكركوك وحولتها إلى ساحات احتراب وقتل وتغوّل على المواطنين العزل لمجرد أنهم يرفضون تسلط الشيوعيين على مقاليد العراق السياسية، فذهب ضحية ذلك عشرات الآلاف من الضحايا، مما يمكن وصفه بحمام دم هائل يتحمل وزره قاسم والحزب الشيوعي، الذي أخذ الضوء الأخضر منه للفتك بكل معارضيه، وكي تكتمل صور الجريمة بكل أبعادها، فقد جرت اعتقالات عشوائية لمئات الآلاف لكل من يُعتقد بعدم تأييده للانحراف عما تم الاتفاق عليه بين الضباط الأحرار، فتم إعلان الأحكام العرفية وحالة الحصار التام، بحيث لم يعد بوسع المواطن العراقي التنقل حتى داخل محافظته إلا بعد الحصول على إذن خطي مسبق من دائرة الانضباط العسكري.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد سيق مئات الضباط، بمن فيهم الذين كان لهم السبق على عبد الكريم في الانتماء لتنظيم الضباط الأحرار، سيقوا إلى محكمة الشعب التي يرأسها العقيد فاضل عباس المهداوي “ابن خالة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم” والتي تحولت إلى أبشع سيرك سياسي عرفه القضاء، وفي جو إرهابي لم تشهده ساحات المرافعات القضائية، لوح خلالها الغوغاء بالحبال في وجوه المتهمين، لإرهابهم بشعار بائس، يقول “ماكو مؤامرة تصير والحبال موجودة” كانوا يصرخون بها بأعلى أصواتهم، وعلى الرغم من أن نتيجة المحاكمات كانت معروفة مسبقا بسبب نزعة الانتقام التي سيطرت على عقل رئيس الوزراء وقيادة الحزب الشيوعي ورئاسة المحكمة، فإن بعض أعضاء المحكمة رفضوا المصادقة على قرار إعدام الزعيم الركن ناظم الطبقچلي، والعقيد رفعت الحاج سري وهو مؤسس تنظيم الضباط الأحرار الذين تصدوا ببسالة للانحراف الذي اعتمده قاسم عن المسار الذي رسمه الضباط الأحرار لعراق ما بعد التغيير.

ورغم ذلك سارع رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، للمصادقة على أحكام الإعدام التي صدرت على عدد كبير من الضباط الكبار بتهمة الضلوع بما أطلق عليه مؤامرة الشواف.

وكان يوماً حزيناً عاشته بغداد وكثير من مدن العراق، بعد الإعلان عن تنفيذ حكم الإعدام بكوكبة من خيرة ضباط الجيش العراقي الباسل، حتى استعادت الذاكرة العراقية جريمة إعدام العقداء الأربعة بعد حركات عام 1941.

كل هذه العوامل اجتمعت مع بعضها، إضافة إلى رفض عراقي قاطع لسياسة المحاور والارتباط بالأحلاف العسكرية التي اعتمدها نظام الحكم الجديد، وهي السياسة التي كانت من بين أسباب نقمة الضباط الأحرار على النظام الملكي، وبدلاً من انتهاج خط سياسي مستقل، تحول العراق من التحالف مع الغرب إلى التحالف مع المعسكر الشرقي، ففاقم من الاحتقان الشعبي والرفض في أوساط ضباط الجيش العراقي، والتقت تلك المشاعر الغاضبة مع إرادة قوية لحزبكم حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي تصدى ببسالة منقطعة النظير للسياسات الهوجاء التي سار عليها نظام عبد الكريم قاسم، فكان الإجماع على ضرورة التغيير السريع قبل أن يتم ربط العراق نهائياً بسياسة الأحلاف مرة أخرى، فكان ضحى الجمعة بكلمة السر “رمضان مبارك” يوم انطلق فيه فرسان البعث للسيطرة على مداخل بغداد ومخارجها ومفترقات الطرق والساحات العامة، كأول خطوة بانبثاق ثورة الرابع عشر من رمضان 1382هـ  الثامن من شباط 1963، والتي خاض فيها مناضلو البعث معارك مشرّفة ضد السلطة الجائرة وفلول الحزب الشيوعي، الذي تصرف بطيش عندما دعا في بيان ناري له جماهيره للنزول إلى الشارع ودعا الزعيم إلى توزيع السلاح على عناصره لمواجهة ما أسماه بالمؤامرة، فحصلت حرب شوارع في أكثر من منطقة من بغداد وفي مدن عراقية أخرى، حتى تمكن رفاقكم المناضلون مع قوات الجيش العراقي، من حسم المعركة لصالح الثورة بعد ثلاثة أيام من ساعة الصفر، وتم تشكيل المجلس الوطني لقيادة الثورة كجهة لقيادة النظام الجديد، وتم تشكيل حكومة برئاسة الرفيق القائد أحمد حسن البكر رحمه الله، وباشرت عملها بكل أمانة وإخلاص لإزالة التخريب الذي تركه الحكم القاسمي والحزب الشيوعي، لكن التآمر على الثورة لم ينته بعد ذلك، فقد تحركت فلول من مختلف التيارات والتوجهات، بهدف اسقاط التجربة الأولى للحزب في الحكم، صحيح أن هدفهم قد تحقق في ردة 18 تشرين الثاني 1963، لكن البعث خرج من التجربة وهو أكثر قوة وحزما ولهذا عاد إلى الحكم بعد خمس سنوات.

تحية لعروس الثورات في ذكراها الثانية والستين

تحية لشهداء الثورة وتحية لشهداء الحزب في العراق وفي طول الساحات العربية وعرضها، الذين كافحوا ببسالة وإباء عن أهداف الأمة بالسيادة والكرامة والوحدة.

قيادة قطر العراق

لحزب البعث العربي الاشتراكي

                         بغداد الرشيد 8  شباط 2025

بيان قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي في الذكرى الثامنة عشر لاستشهاد القائد الخالد صدام حسين

بيان قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي

     في الذكرى الثامنة عشر لاستشهاد القائد الخالد صدام حسين

{مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}                                             

                                                                                       (الأحزاب:23(

 

يا أبناء شعبنا العراقي العظيم

أيها الأحرار في كل مكان

يا أبناء الأمة العربية المجيدة

يا سيدي، أيها القائد الساكن في الضمائر الحية وقلوب الأحرار في كل مكان، يا بطلاً اختار الشهادة في سبيل الله والوطن وقضايا الأمة، يا من رحلت وخلّفت في قلوب العرب فخراً ومجداً مؤثلاً، أيها الفارس الميت الحي، لك من كل ضمير حي ويدافع عن القيم الإنسانية بأبهى صورها، تحية إجلال وإكبار لك في ذكرى رحيلك، الذي أثار الهلع في قلوب قاتليك عملاء المحتل الأمريكي والإيراني، ولم تلن لك قناة ولم يرتجف لك قلب أو بنان، وزرعت في قلب محبيك ثقة مطلقة بأنك عندما سلكت طريق التضحية بحياتك، فإنما فعلت ذلك لأنك أردت أن تعطي درساً بليغاً لكل من يسأل، هل تستحق المبادئ أن يضحي الإنسان من أجلها؟ وهل يستحق الوطن وما فيه من شعب وتاريخ وحضارة أن يرحل قائد المسيرة من أجل ذلك، فقلتَ لكل السائلين بعملك لا بلسانك، نعم وها أنا ذا أحدو الركب ولا ألتفت إلى الوراء، لأنني عهدت بالأمانة لمن توسمت فيه الثقة، بأنه سيواصل المسيرة حتى يحقق وطننا وشعبنا أهدافهما كاملة، بنفس الشموخ والإباء. 

أيها البعثيون في كل مكان وخاصةً في قطرنا العراقي، بلد السجل الأكبر في تاريخ الفداء، يبقى الاستشهاد درساً غامضاً وعصياً على الفهم، إلا لمن يختار أن يجسده عملياً بإرادة واعية وسبق إصرار، ويكتب فصوله الكاملة بجدارة ورجولة باذخة، تنهل من تاريخ ناصع لأمة حفل تاريخها بكل ما هو بهي وناصع، فامتدت بسفرها العظيم لمساحات شاسعة، وأمدت العالم بألق الحضارة وسمو العدل والقيم الإنسانية السامية جيلاً بعد جيل.

في مثل هذا اليوم الذي نطقت الإنسانية بملء فمها حكاية البطولة وكأنها لم تنطق مثلها سابقاً، بعد أن جسدها القائد صدام حسين في مثل هذا اليوم 30 كانون الأول 2006، الذي صادف فجر الأضحى 1427، عندما مضى بعزيمة نحو موت أسطوري خالد الصفحات مردداً الشهادتين لا يلوي على شيء، ليرسم معالم طريق النصر الزاخر بالتضحيات، ليس ضرباً من التباهي وإنما إيماناً راسخاً بعدالة القضية التي جاهد طويلاً حتى يصل إليها فوصلها في الوقت الذي اختاره هو وليس عدوه اللئيم المملوء بكل أفانين الحقد والكراهية، فانتصر عليهم مرة أخرى عندما قهرهم في طريقة موته واقفاً بإباء، والجلادون يرتجفون بين يديه، تكاد صاعقة الرعب أن تقتلعهم من بيوتهم ومقارهم التي ظنوها مانعتهم من الشعب وقواه الثورية الفاعلة، لا سيما فرسان البعث الذين سجلوا أنصع الصفحات في تاريخ العراق والأمة العربية، فاستحقوا بجدارة احتلال موقعهم تحت الشمس مثابة يستدل بها السائرون على هداها.

يا أبطال الأمة

في مثل هذا اليوم الندي، رحل قائد الأمة ورمزها الشهيد البطل صدام حسين، الذي اختار الموت بشرف وكرامة، ليصنع الحياة لأبناء شعبه ووطنه وأمته، حياة فيها من الشموخ ما تعجز الألسن عن وصفه، والأقلام وإن علت بها رتب البلاغة عن سرد تفاصيله، فهو رحيل خاص لرجل نذر نفسه إيماناً بالمبادئ، من أجل بعث الأمة من جديد في عالم لا مكان فيه للضعفاء والجبناء، في هذا اليوم الذي يستحق بجدارة أن نطلق عليه يوم الفداء، بإكبار أمام بطل الواقعة النادرة، التي لم تمر هباء، بل شاء الله سبحانه وتعالى أن تسجلها عيون كاميرا عدوٍ لم يتخل عن رخصه وهو أمام موت من طراز خاص، فأراد منها تسجيل لحظة أنها تنطلق عن وهن، كي يتاجر فيها في سوق التفاهة أو يحقق ربحاً عابراً، من وراء المتاجرة بها في سوق اكتظ بالنخاسين وبائعي الوطن والشرف، ولكن انقلب عليهم  مسرح الجريمة، فكان كالصاعقة التي انقضّت عليهم فدمرت ما أرادوا إخراجه من مسرح جريمتهم الكبرى في فجر الأضحى، لرجل هو خير الرجال وأشجع الرجال، فأظهرهم عراة على حقيقتهم، بلا شرف ولا قيم وطنية أو دينية أخلاقية.

تحية للقائد الفذ في ذكرى رحيله التي ما تزال تشحذ فينا الهمم وتشد من عضدنا لتحقيق النصر على لصوص الأوطان ومفسدي الحياة السياسية في العراق، والذين لم يألوا جهداً إلا فعلوه لربط العراق بإيران إلى الأبد، وحرصوا على تأمين مصالح البلد الذي اختار العداء للعراق عن حقد تاريخي موروث على مر الأزمان، فاستحقوا لعنة الله، والتاريخ والناس أجمعين، تحية لشهداء العراق والأمة العربية.

 

قيادة قطر العراق

لحزب البعث العربي الاشتراكي

بغداد الرشيد 30 كانون الأول 2024

بيان قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي بيوم الشهيد

بيان قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي

بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين ليوم الشهيد

 

قبل أن يصل الخميني من باريس إلى طهران، أعلن عن نوايا شريرة تجاه العراق، جاحداً لكل ما لقاه من حُسن ضيافة، وتسهيلات من أعلى مستويات القيادة، وحماية له وللطاقم العامل معه من قبل أجهزة الأمن العراقية، ما في ذلك من إضافة عامل توتر إلى العلاقات العراقية الإيرانية  التي تعاني أصلاً من توترات قديمة، وكل نظام حكم يصل إلى السلطة في طهران، كان يضيف إليها عناصر كراهية وحقد، كلها مستلة من تاريخ طويل من الحقد الفارسي على العراق، وبمجرد وصول خميني إلى طهران في الأول من شباط 1979، بدأت تخرج عن أفواه الطاقم المرافق له والذين أصبحوا فيها، أركان حكمه المستمر حتى اليوم على الضغائن نفسها التي تضاعفت مئات المرات منذ تسلمه الحكم كحاكم مطلق لإيران بلا منازع، استناداً إلى مبدأ اخترعه في ساعة خلوة شيطانية مع نفسه، وهو مبدأ ولاية الفقيه، الذي أراد منه أن يكون الحاكم بأمره، ليس على إيران فقط، وإنما على المسلمين كافة، متخطياً القانون الدولي وسيادة الدول على أراضيها، ولأن الأمر لم يتحقق كما أراد، فقد اخترع شعاراً يناسب طموحاته الشيطانية، اسمه (تصدير الثورة الإسلامية) إلى جهات العالم الأربع، فأدى سوء الفهم لدى البسطاء من المسلمين، إلى أكبر فتنة في القرن العشرين وما تزال هزاتها الارتدادية تضرب منطقة الشرق بقوة، مخلفة وراءها ملايين الضحايا بين قتيل وجريح ومغيب ومهجر.

لقد ناصب نظام الخميني العداء المكشوف للعراق، فصرح أكثر من مرة أن اتفاقية الجزائر عام 1975 لم تعد صالحة لأنها ثمرة تعاون بين الطواغيت حسب الهذيان الذي ساد الساحة الإيرانية، ثم دخل أكثر من مسؤول عديم الخبرة والدراية السياسية على خط التصريحات الاستفزازية، فقال أبو الحسن بني صدر الذي أصبح رئيساً للجمهورية، إنه لن يكون قادراً على إيقاف زحف القوات المسلحة الإيرانية وربما تتجاوز مدينة الرطبة، في حال نشبت الحرب بين البلدين.

لم يكن هناك أي حديث بصوت عال عن موضوع الحرب لا في الإعلام العراقي ولا من قبل الأوساط السياسية، فقد حرص العراق على منطق التهدئة، على الرغم من مرارة الحلق العراقي، جراء ما لاقاه العراق من جحود ونكران جميل، لم يصادف مثله من قبل، ولكن العراق الأبي عض بالنواجذ على مرارة الصبر وقرر ألا يعطي إيران فرصة رفع شعار المظلومية الذي حرص خميني على حمله على كتفه منذ هرب من إيران عام 1963، ولم يفتح أحد له ذراعيه كما فعل العراق.

ومع كل إشارة صبر عراقي إضافي، كانت غطرسة الزمرة المتخلفة التي وصلت إلى حكم إيران على قطارات أمريكية فرنسية بريطانية، تقفز فوق كل حواجز طول النفس العراقي، الذي لم يكن معهوداً عنه لا في تاريخه القديم ولا القريب، ولكنها رسالة ود ممدودة إلى جار فرضته الجغرافيا السياسية على المنطقة، وقذفت على مقار سلطته بآخر موجات المغول والتتار، فبدأت تحرشات القوات الإيرانية، من حرس وجيش على الحدود العراقية، إذ تعرضت عشرات المدن الحدودية العراقية، لقصف عنيف من مدفعية أمريكية الصنع وبعيدة المدى وخاصة المدفع 175 ملم ذاتي الحركة، وجراء هذا العمل العدواني وإرهاب الدولة الإيرانية، تعالت صيحات الغضب الشعبي وطالبت الحكومة بالتصدي للعدوان الإيراني بكل الوسائل المتاحة، لا سيما بعد أن عجزت الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي عن ثني إيران عن نواياها العدوانية، عبر مذكرات رسمية تجاوزت العشرات، وبلغ الموقف ذروة التوتر عندما ذهبت إيران إلى تهديد الملاحة البحرية في شط العرب، ووصل الحال لقصف طائرة من نوع F5 تم أسر طيارها في 7 أيلول 1980.

فاضطر العراق إزاء هذه الأوضاع المتفجرة إلى مهاجمة القواعد الجوية الإيرانية حماية لمدنه وسيادته الوطنية، واندلعت الحرب، وكان من بين أبشع ما ارتكبه العدو، جريمة تصفية أكثر من 1500 أسير يوم الأول من كانون الأول سنة 1981، على نحو لم يسبق له مثيل بين الدول المتمدنة، ولكنه لم يكن غريباً على بلد يحفل تاريخه البعيد والقريب بمثل هذه الجرائم، ففارس هي بلد سابور ذي الأكتاف الذي خلع أكتاف الأسرى من قبيلة إياد العربية، منتصف القرن الرابع الميلادي، وهذه الانتهاكات التي تطال أسرى الحرب تعد خرقاً لكل ما تعرف عليه المجتمع الإنساني، ثم جاءت القوانين الدولية لتكرس لهم حقوقاً كبيرة نصت عليها اتفاقية جنيف الثالثة، ولكن إيران هذا الرقم الخارج على المعادلات الأخلاقية والإسلامية والدولية، لا يخفي غبطته في ارتكاب مثل هذه الجرائم المروعة.

تحية لشهداء العراق في القادسية وأم المعارك وفي مواجهة الغزو الأمريكي سنة 2003، وفي كل المعارك التي خاضها العراقيون فوق ثرى فلسطين وسوريا ومصر وفي كل أرض وجهت لهم نداء (واعراقاه).

تحية لشهداء الأمة العربية في مواجهة الأعداء في كل زمان ومكان.

تحية للقائد الشهيد البطل الخالد صدام حسين.

وإلى أمام في دروب النضال من أجل مجد العراق والأمة العربية، ونسأل الله العلي القدير الثبات على طريق النصر والتحرير وهو قريب بإذن الله تعالى.

 

قيادة قطر العراق

لحزب البعث العربي الاشتراكي

بغداد الرشيد الأول من كانون الاول 2024

بيان قيادة قطر العراق في الذكرى الرابعة والأربعين للرد العراقي الحازم على العدوان الإيراني  

بيان قيادة قطر العراق

في الذكرى الرابعة والأربعين للرد العراقي الحازم على العدوان الإيراني

 

يبقى الثاني والعشرون من أيلول عام 1980، من الأيام الخالدة في تاريخ العراق الحديث، وذلك عندما انطلق صقور الجو العراقيين الأبطال، ليدكوا مواقع الشر للعدو الفارسي وقواعده الجوية، إيذانا بانطلاق الرد العراقي الحازم على اعتداءات إيرانية استخفت بالصبر العراقي الطويل، وفسرته على أنه صبر نابع من خوف تاريخي قديم.

وهذا الوهم تكوّن عند المراكز والقيادات العسكرية في إيران منذ حقب تاريخية سابقة، وتلقفته النظم الحاكمة في طهران نظاما بعد آخر وأمنت به حد اليقين التام، بأن التفوق الإيراني بعدد السكان والمساحة الجغرافية التي تبلغ ثلاثة أضعاف لصالح إيران يشكل عامل ردع عن أي تفكير عراقي آخر.

ومنذ قيام الدولة العراقية الحديثة عام 1920، بُنيت العقيدة العسكرية العراقية، على الدفاع عن حدود العراق وتجنب أية مواجهة مع دول الجوار، استنادا إلى مبدأ حسن الجوار ومحاولة تجنيب المنطقة، ويلات حروب قد تؤثر على خطط التنمية، وقد تستغلها الدول الكبرى في البقاء في المنطقة وعلى مقترباتها والبحار القريبة منها.

ويبدو أن هذا التصور الذي ظل سائدا في ذهن أصحاب القرار السياسي والعسكري في العراق، وتكرس بفعل الزمن الطويل، قد أسيء فهمه على نطاق واسع في طهران، وأطلق للزعامات الإيرانية الخيال الخصب بأن المزايا التي تتمتع بها، وخاصة بعد اكتشاف النفط  في مسجد سليمان عام 1908، ومن ثم ضم إقليم الأحواز بمساحته البالغة 375 ألف كيلو متر مربع، بقرار بريطاني منفرد إلى إيران، مما عزز ثقتها بنفسها وأعطاها يقيناً بأنها الطرف المفضل على غيره في المنطقة بحسابات الغرب،  ومنحها أكبر مورد مالي وقوة تأثير اقتصادي في المنطقة.

وتواصل هذا الفهم المنحرف لقدرة إيران من خلال قوتها البشرية والاقتصادية المضافة، وهو ما أنعش أحلامها التوسعية كثيرا، ولكن ما لاحظه مراقبو المشهد الشرق أوسطي، أن إيران لم ترنو ببصرها لا إلى الشمال ولا إلى الغرب، بل تركز نظر واضعي الاستراتيجية التوسعية في طهران نحو الغرب فقط، حيث تتركز أحقاد التاريخ القديم تجاه العراق وتنظر إليه كرأس جسر تعبر عليه إلى أفاق أبعد، تظن أنها قادرة على بسط هيمنتها عليها من خلال شعارات تتناسب مع كل ظرف محلي وإقليمي ودولي.

ولعل أبرز نظام جسد هذا الفهم المنحرف، كان نظام خميني الذي وصل إلى السلطة بعربة غربية وأمريكية بشكل خاص، من أحساس غربي على جانبي المحيط الأطلسي، من أن منح إيران وظيفة فيها من التميّز ما يرضي غرورها، يشكل المدخل الجديد لإحكام السيطرة على الوطن العربي، وقمع حركات التحرر التي أخذت خطاً تصاعديا منذ مطلع النصف الثاني للقرن العشرين، وباتت تشكل تهديدا جدياً للاستثمارات والمصالح الغربية، وخاصة في المجال النفطي الذي كان حتى ذلك الوقت، يمثل العمود الفقري للصناعات الكبيرة في الولايات المتحدة وأوربا، ولهذا أصيب كثير من المراقبين بدهشة غير مسبوقة للسرعة التي تهاوى فيها نظام شاه إيران السابق في شباط 1979، وهم الذين ظنوا أنه أكثر النظم السياسية استقرارا في الشرق الأوسط، كما أعلن ذلك صراحة الزعيم الصيني هوا كو فينغ، أثناء زيارته لطهران قبيل اندلاع الاضطرابات في إيران في خريف 1978، والتي انتهت بسقوط نظام الشاه، فقد فسرت تقارير موثوقة أن زيارة رئيس أركان القوات الجوية الأمريكية، لطهران سراً في ذروة تصاعد العنف هناك ثم اجتماعه بالشاه، ونصحه بعدم اللجوء إلى القوة في فض الاضطرابات في بلاده، هو الذي أدى إلى السقوط الدراماتيكي للشاه، فكلمة نصيحة  لا تعني إلا أمراً أمريكيا بهذا الاتجاه، وهو ما فسره شاه إيران بأنه تخلٍ عنه في ساعة العسرة وخذلانه في أحرج وقت يمر منذ أن وصل إلى العرش أثناء الحرب العالمية الثانية.

في ظل هذه الأجواء المتلبدة بغيوم الشك من كل شيء، خرج الشاه السابق الذي تربع على عرش الطاووس، وأخلى مكتبه لشاه جديد يحمل نفس الأحلام التوسعية الموروثة من الشاه، فأعلن أن هدفه القادم بعد اسقاط الشاه، هو اسقاط النظام العراقي، فانطلقت كل الفعاليات السياسية والتحشيد الشعبي والمؤسسة العسكرية في إيران بشكلها القديم المتمثل بالجيش والجديد المتمثلة بالحرس الثوري، بالإعداد للخطط الحربية، وتم استخراج الخطط الحربية القديمة من أدراج رئاسة الأركان العامة الإيرانية، كما تأكد ذلك عندما أعلن قائد القوات البرية الإيرانية تعقيبا على احتلال الفاو العراقية في شباط 1986، بأن خطة احتلال الفاو معتمدة منذ زمن الشاه وتم تنفيذها حرفيا في 1986.

لقد تضمنت اتفاقية عام 1975 مع شاه إيران بنودا من بينها استعادة العراق لمنطقتي سيف سعد وزين القوس، وبدلا من ذلك راحت المدفعية الإيرانية بعيدة المدى، وخاصة المدفع الأمريكي عيار 175 ملم، تمطر المدن الحدودية ابتداء من خانقين وصولا إلى البصرة، مما أدى إلى نزوح الآلاف من المدنيين إلى مناطق آمنة.

وارتفعت الأصوات في أوساط الشعب العراقي تناشد الحكومة بتوفير الحماية لمدنهم وممتلكاتهم، وتوفير الظروف المناسبة لعودتهم إلى ديارهم، ومن أجل اسقاط الحجج والذرائع الإيرانية المعروفة، فقد قدم العراق عشرات المذكرات إلى الأمم المتحدة بضرورة التدخل، لحماية سيادة بلد مؤسس للأمم المتحدة واستقلاله وحماية أرواح مواطنيه المهددة بأفدح المخاطر القادمة من الشرق.

لكن الأمم المتحدة لم تحرك ساكنا، بل مارست سياستها المعهودة بإشاحة بصرها عن وضع متفجر، شكّل تهديداً جدياً للسلام الإقليمي والعالمي، فراحت تمارس دور الناصح، فتارة تدعو إلى ضبط النفس، وتارة تدعو إلى تغليب الحكمة، وتجاهلت كل ما قدمه العراق من مذكرات إليها بشأن تعرض أراضيه لتهديد خطير، وصل حد تهديد الملاحة الجوية في المنطقة وتهديد الملاحة البحرية في الخليج العربي، ووصل في احدى مراحله إلى قيام طائرة حربية إيرانية من طراز F 5 بتحليق استفزازي فوق إراضٍ عراقية، وقد تم اسقاط الطائرة بتاريخ 4 أيلول 1980، أي قبل نشوب العمليات الكبرى في الحرب، وهذا هو الدليل الذي تمسك به العراق في اعتبار أن الحرب بدأت في الرابع من أيلول وليس الثاني والعشرين منه.

  وكل هذه المؤشرات العدوانية التي كان العدو لا يخفي منها شيئا، ظل التعامل العراقي على مستوى القيادات السياسية والعسكرية يتسم بالتردد عن الرد ، انطلاقا من حسابات تقليدية لا تتجاوز مقارنة عدد السكان بين البلدين ومساحتهما، أي تأثير القدرة على التعبئة العامة والعمق الاستراتيجي، ومن هذه النظرة كانت الأفكار تتجه نحو مزيد من التروي وانتظار الاتصالات السياسية وما يمكن أن تسفر عنه من نتائج، مع أن رسم استراتيجية الأمن القومي لأي بلد، يجب أن تصاغ في أعلى المراكز، مثل مجلس الأمن القومي ومراكز الدراسات الاستراتيجية وقيادة الجيش والأجهزة الأمنية العليا في البلد.

إن المعادلة آنفة الذكر صحيحة وسليمة تماما لو كانت بين بلدين متمدنين، يؤمنان بقوة القانون الدولي والمواثيق الدولية، لا سيما ميثاق الأمم المتحدة، ولكن أن تكون المعادلة بين نظام يؤمن بشرعية الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية وخاصة الموقعة بين البلدين، وبلد خرج نظامه تواً إلى أواخر القرن العشرين من القرن السابع قبل الميلاد، فحينذاك ستختل المعادلة تماما، ولن يكون ممكنا وقف الميل فيها، ما لم يلجأ أحد طرفي المعادلة لفرض وجهة نظره، ففي الأيام الأولى صرح خميني أن معاهدة 1975 معاهدة باطلة لأنها موقعة بين طرفين أحدهما تم اسقاطه والآخر سيتم اسقاطه لاحقا، هكذا كان الخميني يدير الدولة الإيرانية التي ورثها من النظام الشاهنشاهي السابق.

في ظل هذه الظروف نفد الصبر العراقي عن آخره، ورسم مسارا غير معهود في سياسات العراق منذ قيام الدولة العراقية الحديثة، يتركز على مفهوم واحد، أن السياسة حينما تعجز عن تأمين المصالح الوطنية وصيانتها، فيجب اللجوء إلى خيارات أخرى.

لقد حذرنا في العراق من الخطر الإيراني سواء في عهد الشاه أو في عهد الخميني ولكن تحذيراتنا كانت تذهب أدراج الرياح، واليوم وبعد أن أشبعت السلطات الإيرانية جماهير الأمة العربية بشعاراتها الزائفة عن فلسطين والأقصى، فها هي اليوم تملك أكبر رصيد من جرائم القتل والتشريد في تاريخ الأمة منذ غزو المغول والتتار، سواء في العراق أو سوريا أو لبنان أو اليمن، ويبدو أن شهيتها لإراقة المزيد من الدماء لن تتوقف، ما لم تخض الأمة قادسية جديدة تذكر بأيام القادسيتين المجيدتين.

تحية بأكبار واجلال على أرواح شهداء الأمة في معارك الشرف والتحريرالمجد لشهداء القادسية الذين افتدوا بدمائهم أرض الوطن، وجاهدوا دفاعا عن كرامة الأمة وعزها وفي المقدمة منهم قائد النصر والتحرير شهيد الحج الاكبر القائد صدام حسين (رحمه الله واسكنه فسيح جناته).

 

 

قيادة قطر العراق

لحزب البعث العربي الاشتراكي

بغداد 22 ايلول 2024

بيان قيادة قطر العراق بمناسبة زيارة الرئيس الايراني “الحالمة”  الى العراق

بيان قيادة قطر العراق

بمناسبة زيارة الرئيس الايراني الحالمة”  الى العراق

 

منذ وصول النظام العنصري التوسعي إلى السلطة في إيران، في شباط 1979، بدعم غربي وشرقي متعدد المحاور والأبواب، وهو يواصل لعبة المرونة والتطرف بين بعض أدواته داخل المؤسسة الحاكمة، وتتناوب على السلطة التنفيذية شخصيات لا تمتلك من سلطة القرار السياسي شيئا، لأنها حكر لما يسمى بالمرشد الأعلى، الثابت في موقعه وغير خاضع لمفهوم التداول السلمي للسلطة، فتارة يوصف هؤلاء بالتطرف والتشدد، ثم لتأتي من بعدها وجوه من داخل مؤسسة الحكم نفسها، لتوصف بالانفتاح داخليا وخارجيا، ويتم تسويقها إعلاميا على أن هناك بارقة أمل بإدخال تعديلات جدية على برامج الحكومة وتوجهات إيران وخاصة على الصعيد الدولي، وانطلت هذه اللعبة على دول غربية وشرقية كثيرة، أو أنها كانت تتعاطى معها على هذا الأساس، أملا بأن تتحول الأمنيات إلى حقائق على الأرض، لكنها في واقع الحال لا تعكس أي قدر من الحقيقة، التي يعرفها القاصي والداني، بأن رأس النظام باقٍ في موقعه وهو الممسك بكل ملفات السياسة الإيرانية واستراتيجيتها، بما في ذلك ملف السياسة الخارجية والملفات الأمنية والاقتصادية، هو الذي يحمل صفة المرشد الأعلى أو ما أصطلح على تسميته بالولي الفقيه أو نائب الإمام الغائب، كل هذا كي يأخذ القائد الصفتين الدينية والدنيوية وبالتالي تعد طاعته تكليفا شرعيا وواجبا دينيا، يًخرج من الملة كل من يعترض على أوامره ونواهيه.

ولأن العراقيين هم وحدهم الذين يعرفون الإيرانيين على حقيقتهم من دون رتوش، فلم تكن كل هذه المسرحيات البائسة لتنطلي حتى على المواطن العراقي البسيط، والعراقيون يعون جيدا أن لإيران وظيفةً محددة ومكلفة بها تعاقديا مع القوى الدولية الكبرى والصهيونية العالمية، أو ضمنياً من خلال التقاء المصالح التي رسمت مساراتها أحداث تاريخية قديمة، وتحديدا منذ قيام قورش باحتلال بابل وإحراقها قبل أكثر من 2500 سنة، و”تحرير” ما يسمى بالسبي البابلي الذي حصل خلال عهد نبوخذ نصر، ومنذ ذلك الوقت والتخادم بين الجانبين قائم على قدم وساق، ولم تعكره السياسات المعلنة لأي من الطرفين، وما يرافقها من شعارات، وقد أشار الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني في أحد تصريحاته السابقة عندما كان يسعى لإزالة سوء الفهم الذي تتركه الشعارات التي ترفع عاليا في إيران ضد الكيان الصهيوني، فذكّر بما فعله الفرس لصالح اليهود في واقعة قورش، واعتبرها عربون صداقة حقيقية بين الطرفين، وحاول تخفيف هواجس الولايات المتحدة خصوصا ومعها الغرب كله، مما يُرفع في بلاده من شعارات حماسية، هدفها الأول والأخير الكسب السياسي في منطقة تنظر إلى فلسطين والأقصى، نظرة عاطفية غلابة، فأرادت بلاده أن تركب الموجة وصولا إلى أهداف أخرى ربما تقع صلتها بفلسطين في آخر جدول الأولويات الحقيقية لإيران.

وفي خضم هذه اللعبة المفضوحة، جرت انتخابات الرئاسة الأخيرة في إيران، والتي تظاهر فيها خامنئي بدعم المرشحين المتشددين بوجه المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، وكي تأخذ لعبة الولي الفقيه مداها، فقد حث المرشحين المتشددين أن يتنازل بعضهم لبعض، كي يفوتوا على المرشح الإصلاحي فرصة الفوز، ثم أشار إلى اسم محدد كمرشح أقرب إليه من سواه، ولكن صناديق الاقتراع جاءت بغير ما اشتهاه خامنئي أو رغباته المعلنة، فإما أنه كان يتظاهر بعدم دعم مسعود بزشكيان كي يعطي انطباعا عن حرية حقيقية للمواطن الإيراني في الاختيار، وهذه رسالة محددة للغرب حصرا، وإما أن سلطة الولي الفقيه بدأت بالتآكل ولم يعد قادرا على فرض كلمته واحتواء الشارع الإيراني.

ثم فاز بزشكيان بالرئاسة وأعلن برنامجه السياسي، لا سيما ما يتعلق بعلاقات بلاده الخارجية، فحدد مسارها بدول الجوار كأولوية أولى له، ثم وعد بأنه سيسعى لتعزيز علاقات بلاده معها ومع أصدقاء إيران التقليدين مثل روسيا والصين، وبعد ذلك أعلن أنه يتطلع إلى أوربا كمنطقة مصالح مشتركة بين الطرفين، وحرص على تجاهل الولايات المتحدة بشأن مساعيه الخارجية، مع أن القاصي والداني يعرف عمق غاطس الود والاتصالات بين الطرفين، والتي لم تنقطع حتى أثناء احتجاز موظفي السفارة الأمريكية في طهران، وكأنه يريد أن يقول بأن العالم كله في كفة والولايات المتحدة وحدها في الكفة الأخرى، لأنه يعي جيدا ما لأمريكا في بلاده من رصيد كبير، يدحض كل الشعارات التي ترفعها الأفواه المتعطشة لعودة العلاقات مع واشنطن إلى ما كانت عليه أيام الشاه، بل أعمق من ذلك.

وفي أول خروج له من وراء الستار الحديدي في بلاده، زار بزشكيان العراق، وتعامل معه كأقاليم مختلفة وليس كدولة واحدة ذات سيادة، فكشف في هذه الزيارة عن قناعاته الحقيقية تجاه العراق، وما يضمره له من كراهية متأصلة كموروث وطني مضاد للعراق، ولكن أسوأ ما في هذه الزيارة التصريحات الوقحة عن إزالة الحدود بين البلدين، وكأن هذه الحدود رسمتها معاهد الجغرافية في العالم، ولم ترسمها دماء الآلاف المؤلفة من الشهداء العراقيين عبر التاريخ، الذين دافعوا عن بلادهم، ابتداءً من معركة ذي قار ثم قادسية المثنى بن حارثة الشيباني وسعد بن أبي وقاص، وأخيرا ما شهده القرن العشرين من مواجهات حدودية انتهت أخيرا بقادسية صدام المجيدة والتي كانت تحصل نتيجة تنفس الأحقاد الفارسية ضد العراق، القادسية التي حقق فيها العراقيون أعظم انتصار في أطول حرب شهدها القرن العشرين، عندما جرّع أبطال القادسية الثانية، الخميني ومؤسسته العسكرية والسياسية كأس السم، فأذعن الإيرانيون وركعوا أمام إصرار العراقيين على انتزاع النصر من عيون أعدائهم.

 وظن بعض العراقيين أن الأمر قد استقر على حال جديدة على طرفي الحدود، طويت معها كل صفحات التوتر، وربما كان هذا التصور مبنيا على حسن نية أكثر مما تسمح ظروف العلاقات السياسية بين دول يختزن سجلها التاريخي عداء ثابتا، لن تغيره العقود والاتفاقيات الثنائية والجماعية، فقد اختزن الإيرانيون عامل حقد جديد على العراق ليضاف إلى رصيد الأحقاد القديمة، لا سيما وأن الخميني أمرهم في بيانه الطويل بالموافقة على قرار مجلس الأمن الدولي 598 عندما قال لهم “احبسوا حقدكم في صدوركم”، وهذا ما تحقق فعلا أثناء معارك 1991، عندما تواطأت إيران مع دول العدوان الثلاثيني في أبشع صور التواطؤ، فمارست أسوأ ما يمكن أن تفعله الدول مع الدول المجاورة لها، فقد أضمرت نزعة الحقد والثأر الأسود من العراق، تواطئا مع الشيطان الأكبر لطعن العراق بخناجر الغدر التي عُرفت إيران بها عبر التاريخ، ولم يتوقف خزين الحقد عن التعبير عن نفسه مرة أخرى في الغزو الأمريكي الأطلسي الغاشم الذي انتهى باحتلال العراق عام 2003 إذ كشفت التقارير التي خرجت من دول الاحتلال أو صدرت عن مسؤولين إيرانيين.

أن إيران قدمت من التسهيلات والخدمات ما سهّل كثيرا نجاح الغزو، ومن باب رد الجميل لإيران قدمت الولايات المتحدة لها الجائزة الكبرى لتكون شريكا في الاحتلال، بتفاصيل معقدة، فالولايات المتحدة تملك القرار الاستراتيجي الذي يجعلها المتحكمة بالقرار السياسي الأعلى في العراق، وبالمقابل أعطت لإيران كل ما كانت تريده من الامتيازات المالية والاقتصادية والتحكم الشكلي في تشكيلة الحكومة على أساس المكونات، والتحكم بسلطة القرار السياسي المحلي بما لا يتصادم مع المصالح الأمريكية العليا والاستراتيجية في العراق والمنطقة، فصارت “التحالفات الحاكمة شكلاً” في العملية السياسية ألعوبة بيد الحرس الثوري والاطلاعات، يتحكمان فيها كيفما شاءوا، مما لا يتيح فرصة إطلاق كلمة إيجابية واحدة عن كيان الدولة العراقية أو مصالح العراق وسيادته وأمن حدوده، لأن ذلك من المحرمات، ونتيجة تفسير تلك الممارسات تفسيرا دينيا، فقد أصبح من المقدسات التي لا يجوز التقرب من أسوارها لأي عراقي أو مليشيا ولائية يتحكم بها قرار الولي الفقيه.

إن حديث بزشكيان عن إزالة الحدود، لا يقبل تفسير الوضع القائم حاليا على جانبي الحدود، بل يتعداه إلى ما هو أبعد من ذلك، فهو يريد لهذه الخطوة أن تأخذ بعداً دستورياً وتعاهديا رسميا، وإلا فإنه لو كان يقصد إزالة الحدود بمعنى الغاء الحواجز الكمركية أو السماح بتنقل الأفراد بحرية على طرفي الحدود، أو تصدير البضائع من دون قيود تحد منها، لأخذ حديثه تفسيرا اقتصاديا حتى وإن خلا من التكافؤ بين طرفي المعادلة، ولو كان هذا هو مقصد بزشكيان لكان حديثه باهتا بلا معنى، فهذا كله جارٍ العمل به ومعمول به دون قيود.

ومن باب تأكيد العلاقة غير المتكافئة بين الطرفين، نؤكد أن ما تم توقيعه من مذكرات تفاهم استنادا إلى اتفاقيات سابقة، جاء لصالح إيران ولا مصلحة ولو صغيرة للعراق فيها، فالإيرانيون يتدفقون على العراق بالملايين من دون تأشيرة دخول أو أية رسوم قانونية، فضلا عن أنهم يحظون بالضيافة الكاملة، مما يجعل العراق يخسر مرتين، مرة عندما يعفي الإيرانيين من رسوم الحصول على تأشيرة الدخول إلى اراضيه، ومرة عندما يستضيف الداخلين بأعدادهم المليونية ضيافة كاملة من أموال الدولة العراقية، على حساب فرص العراق من الانتفاع من السياحة، التي تعتبرها دول أخرى أهم مصادر دخلها القومي، في حين أن العراقي عندما يسافر إلى إيران فإن عليه أن يتحمل تكاليف باهظة فضلا عن كل غرائز الانتقام التي تعتمل في صدور مزقها الحقد على البلد الذي انتصر على فارس ثلاث مرات انتصارات ما زالت ماثلة في كتب التاريخ.

إن دعوة الرئيس الإيراني الذي يوصف بالاعتدال، لإزالة الحدود بين البلدين، يعني العودة إلى شريعة الغاب عندما تتغير معادلات القوة بين الدول المتجاورة، فيسوق وهم القوة بعضها إلى ابتلاع الدول الأصغر منها أو الأضعف منها، وهذا تلخيص شديد لسياسة الضم القسري التي عانى منها العالم طويلا وكانت سببا في إثارة حروب طاحنة، وكان بعض المراقبين يبسّطون المشهد، فيظنون أنها دعوة نابعة من حماسة عابرة سيطرت على بزشكيان عندما لاحظ لهاث بعض الأنفار من مسؤولين أو مواطنين، وجريهم وراءه كمتسول يريد صدقة، ذلك أنهم يتصورون أن مفاتيح السلطة والمستقبل السياسي في العراق، بيد الراعي الإيراني يمنحها لمن يشاء ويصرفها عمن يشاء وينزعها ممن يشاء، ولهذا كله لم يجد هذا التصريح الخطير الذي عفى على مغزاه الزمن منذ قرون طويلة، وذهب بعضهم إلى القول، لو أن في الأمر خطورة سياسية تهدد سلامة دول المنطقة وسيادتها وحدودها الوطنية، لكانت سلطة المنطقة الخضراء أول طرف يحتج عليها ويندد بها، ولكن هؤلاء نسوا أن المتسلطين على رقاب العراقيين ومقادير بلدهم، وصلوا إلى مواقعهم بأوامر إيرانية أو بصفقات فرضتها إيران كجزء من المحاصصة الطائفية القائمة منذ 2003.

ومن جانب آخر، نوجه رسالة إلى الأشقاء في دول الخليج العربي ونحذرهم بأن الخطر اقترب منهم إلى أبوابهم الداخلية مما يهدد الكيانات السياسية لدول الخليج العربي كلها، ألم تنتفع تلك الدول من الدروس المستنبطة من الكارثة الكبرى التي حلت على العراق وسوريا ولبنان واليمن نتيجة تسلط إيران عليها وتغولها على المواطن في تلك الأقطار؟ ألم تكتشف أن ذلك تم بتواطؤ من الدول الكبرى، التي تظن دول الخليج العربي أنها ضامنة لأمنها واستقلالها ولحدودها الدولية، وهي التي مكنت إيران ومهدت لها الأرضية كي تتوسع، فهل يركن أي من أقطار الخليج العربي إلى الاطمئنان تجاه نوايا الشر والعدوان الإيرانية بالقضم التدريجي ثم الضم اعتمادا على أطراف محلية وقوى دولية فاعلة، ثم أليس من واجب جامعة الدول العربية أن تتبنى موقفا واضحا إزاء التهديد الإيراني الوقح والذي جاء على شكل دعوة لإزالة الحدود بكل ما يعنيه من نوايا لإلحاق دولة مؤسسة للجامعة، سواء كان الرئيس فيها إصلاحيا أو متشددا على وفق المصطلحات الإيرانية السائدة؟

ثم ما هو موقف الأمم المتحدة والدول الكبرى وخاصة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بمواجهة خطط إيران لضم العراق إلى ممتلكات الإمبراطورية الفارسية بعد إلباسها لبوسا دينية مشحونة بأعلى شعارات تحاكي العواطف العربية والإسلامية عن تحرير الأقصى؟ وحذفه من قاموس دول المنطقة بعد أن كان خط الصد الأول بوجه كل التيارات المتطرفة والمصنِعة للإرهاب؟ ألم يحن الوقت لترسل رسالة واضحة لإيران بأن عليها أن تتحرر من وهم القوة الذي قد يخيم فوق منطقة هي الأكثر جذبا لعوامل التوتر وأكثرها مصلحة بالاستقرار والأمن.

إن نوايا الشر التي تختزنها إيران تجاه العراق لعوامل ذاتية وموضوعية، يجب أن يقرع أجراس الخطر في كل عواصم الخليج العربي، ويدعوها للتحرك في إطار علاقاتها الدولية المتشعبة مع القوى الدولية، ومصالح تلك الدول مع دول الخليج العربي بما يفوق كثيرا مصالحها مع إيران، لبلورة موقف دولي ضد توجهات الضم الإيراني بالقوتين الناعمة أو الصلبة لدول المنطقة تباعا عن طريق تخدير أطراف عربية كثيرة كي تستفرد بدولة عربية واحدة، ثم تبدأ الصفحات تتعاقب الواحدة تلو الأخرى.

فهل يستفيق النظام العربي الرسمي من غفوته التي طال أمدها كثيرا؟

 نحن وإن كنا نعلق الأمل الأكبر على قدرات شعبنا العراقي في إفشال مخططات إيران التوسعية، لا يسمح لنا تجاهل قيمة وقوف الشعب العربي على طول الساحة العربية وعرضها، مع الشعب العراقي في وقفته التاريخية للحفاظ على هويته وسيادته الوطنية وأمنه القومي الذي كان الرقم الأصعب في معادلة الأمن القومي العربي.

 

 

قيادة قطر العراق

لحزب البعث العربي الاشتراكي

بغداد 15 ايلول 2024

بيان قيادة قطر العراق للذكرى السادسة والثلاثين ليوم النصر العظيم

بسم الله الرحمن الرحيم

كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ

صدق الله العظيم

 

بيان قيادة قطر العراق للذكرى السادسة والثلاثين ليوم النصر العظيم

 

يا أبناء شعبنا العظيم

أيها العراقيون الأماجد

أيها البعثيون المناضلون في كل مكان

يا أبناء الأمة العربية المجيدة

 

في مثل هذا اليوم قبل ستة وثلاثين عاما، وقف العالم كله بخشوع وإكبار أمام إرادة العراقيين وقدرتهم على انتزاع النصر من عيون أعدائهم وإن كثروا وتعددت سحناتهم ولهجاتهم، العراقيون الذين أوصلوا عدوهم المتغطرس دونما سبب والجاهل عن إصرار، إلى حافة الانهيار التام ولولا شهامة العراقيين لقذفوا بالإيرانيين في مطاوي النسيان إلى الأبد،  ولكنهم اكتفوا بإيصالهم إلى حافة العجز واليأس عن أي قدرة للقتال، في منازلة هي الأطول في حروب القرن العشرين، بعد أن كبدوا عدوهم التاريخي من الخسائر ما أذهله وأذهل القوى الكبرى الساندة له سرا وعلانية، والتي أرادت للحرب أن تبقى مفتوحة الصفحات ولا تجد طريقاً لها إلى نهاية معلومة، فأرادوها حرباً لا غالب فيها ولا مغلوب، لأنهم ما كانوا ليسمحوا “لو استطاعوا” للعراق أن يخرج منتصراً فيها بأي شكل من الأشكال، لا سيما وأنهم ومن خلال معرفتهم لتاريخ هذا البلد العريق عبر حقبه التاريخية المتنوعة، يعرفون حق المعرفة أن العراق لن يسمح لنفسه أن يكون بلداً هامشياً، أو مجرد رقم مهمل في معادلة التوازنات الدولية، فقد كان وطنكم أيها العراقيون على الدوام، قوة فاعلة في صناعة التاريخ ومساراته وكتابة فصوله، وظل مركز الاستقطاب الدولي الوحيد قروناً طويلة قبل أن يأفل نجمه لفترة وجيزة ثم سرعان ما يستعيد وعيه وقدرته على قيادة المسيرة الإنسانية نحو السمو وأعالي المجد.

لقد انتقل الإنسان بفعل الإضافات الخلاقة للعراقيين، من ظلمة الجهل والخرافة، إلى عوالم التألق والمعرفة والتنوير، فقد اخترع العراقيون الحرف الأول، ليضيفوا إلى مسيرة الإنسان ألواناً لا نهاية لها من المعرفة والعلوم، ولم تتوقف مسيرة شعب ميزوبيتاميا عند هذا الحد، بل تفجرت عبقريتهم عن تدوير النهايات، فتم صنع العجلة التي كانت بداية لنهضة إنسانية لا حدود لها، فقد أمكن لهذا الاختراع الذي لا غنى عنه أن يدخل في كل ما نعرفه من مكائن ومعدات حديثة، فلولا العجلة المسجلة باسم العراقيين كبراءة اختراع سرمدية، ما كان للطائرات أن تحلق في الجو، وما كان للمركبات أن تتحرك في الشوارع والطرق، وما كان للسفن أن تمخر عباب البحار البعيدة بهذه السرعة، ذلك هو تاريخ بلدكم أيها العراقيون الأماجد الذي سُجل بأحرف من نور وذهب، ومن حقكم بل من واجبكم أن تتمسكوا به وتدافعوا عنه بكل ما أوتيتم من قوة.

أيها العراقيون الأُباة، يا من أثبتم بتضحياتكم وبذلِكُم الغالي والنفيس من أجل علياء وطنكم، أنكم شعب حي لن تستطيع قوى الأرض “وإن اجتمعت”، أن تهز يقينه بأحقيته بالحياة بعز وكرامة وإباء، وأن يكون بلداً له دوره في حركة التاريخ وفي صنع مستقبل الإنسانية، كما كان في الحقب التاريخية الغابرة.

في مثل هذا اليوم قبل ستة وثلاثين عاماً، انتزع أبطال الجيش العراقي الباسل، نصراً مؤزراً، لم يكن مفاجأة لأبناء العراق والأمة العربية الذين خَبِروا بأس العراقيين في كل الساحات التي خاض فيها العراقيون غمار الحروب، ولكن النصر كان مفاجأة للعدو الفارسي العنصري الذي فغر فاه من دهشةٍ نزلت عليه كوقع الصاعقة، فراح يبحث عن أسباب هزيمته في القادسية الثانية، التي أرغمت قياداته الدينية والسياسية والعسكرية على تجرع كأس السم في مجلس عزاء وعويل جماعي، شهد العالم كثيراً من فصوله المنكسرة، التي خيمت فوق إيران بتساؤل مرير عن عوامل هذا التحول الكبير في موازين القوى وأسبابه، وعلى الرغم من أن تاريخ بلاد فارس لم يسجل لها انتصاراً واحداً في كل المواجهات التي وقعت بينها وبين ميزوبيتاميا، إلا أن الإيرانيين الذين ورثوا التركة الفارسية بكل صفحات الانكسار والخيبة، تساءلوا بحرقة كيف انتصر العراقيون عليهم؟ والعراق لا يمتلك عمقاً استراتيجياً، وعدد سكانه بثلث عدد سكان إيران، ولا يمتلك إطلالة بحرية، تلك العوامل هي التي راهن عليها خميني عندما اختار بدء أولى خطواته لتصدير ما يسمى (بالثورة الإسلامية) بدأً من العراق، هذا الحلم العدواني التوسعي الذي يمتلك خزيناً هائلاً من الحقد وعقدة الدونية تجاه العملاق الغربي على حدود إيران، وشاركه العالم بحسابات تقليدية بائسة عند إجراء أية مقارنة في موازين القوى بين البلدين.

 

يا أبناء شعبنا العراقي العظيم

يا أبناء شعبنا العربي الأبي

أيها المناضلون البعثيون المرابطون على طريق الحق والنضال

لقد سجل العراقيون في مثل هذا اليوم، في الثامن من آب 1988، نصراً لامعاً لن يفقد ألقه، مهما تقادم الزمن، ومهما مرّ به العراقيون من محن وأزمات وكوارث ألحقتها بهم قوى الشر، سواء بالعدوان الثلاثيني الذي تعرض له العراق سنة 1991 ثم احتلاله سنة 2003 والذي شاركت به أطراف عربية، لم تكن لتتحمل وجود  بلد عربي يحمل برنامجاً حضارياً نهضوياً رائداً يرتكز على قاعدة عريضة من التأييد والدعم للنهوض والارتقاء، وقع العدوان الشرير بتواطؤ إيراني مباشر أو من خلال عملائها، حرّكته نوازع الثأر لموروث الخزي المتراكم الذي يحفل به قاموس فارس منذ هزيمتها على أيدي العراقيين في ذي قار ثم في القادسية الأولى وأخيراً في قادسية صدام المجيدة، التي سطرتم أيها البعثيون الأبطال بتضحياتكم الأسطورية التي سيخلدها التاريخ جيلاً بعد جيل، أروع صفحات المجد والفخار.

من هنا فقد استشعر أعداء الأمة المتربصين بها، أن العراق بما امتلكه من جيش كبير وقوي حديث التدريب والتسليح، وقيادة عامة على أعلى درجات الاقتدار والتصميم، وقيادات على مختلف المستويات، لخوض الحروب الحديثة استراتيجياً وتعبوياً، بحكم ما اكتسبته من خبرة حرب الثماني سنوات، فانطلقت خططهم لتدمير العراق بعد أن أصبح قوة عسكرية ضاربة يحسب لها الأعداء ألف حساب، وبعد أن امتلك قاعدة صناعية راسخة الجذور استندت على مبدأ توطين التكنولوجيا، والتي بدأت تشق طريقها بثقة واقتدار لا سيما في مجالات التصنيع الحربي، فسعى الأعداء لتدمير القاعدة الاقتصادية المتنوعة الموارد صناعياً وزراعياً، واستغلال موارد البلاد الطبيعية في خطةِ تنمية متوازنة، لا تترك مرفقا أو زاوية إلا وشملتها بالرعاية والتخطيط المدروس، فكان هذا الانتصار هو جرس الإنذار الثاني الذي تقرعه مراكز صنع القرار الغربية، بعد قرار التأميم الخالد في الأول من حزيران 1972، لتؤشر أن هناك حقائق جديدة باتت تسعى لفرض نفسها على المنطقة والعالم، فاستنفرت قوى الاستكبار العالمي كل ما لديها من رصيد مخابراتي وإعلامي، لتأليب الرأي العام المحلي والعربي على وطنكم المجاهد، بهدف عزل النظام الوطني عن قاعدته الجماهيرية محلياً وعربياً، فالتقت إرادات الشر كلها على إخراج العراق من منظومة الأمن القومي العربي، كي تخلو لها الساحة للعبث بمصير الأمة العربية بعد نزع إرادة الصمود والثبات فيها، في مواجهة الأخطار المحدقة بها نتيجة لغياب قوتها الاستراتيجية المتمثلة في العراق عن ساحة النضال العربي.

أين العراق الذي كان يُحكم من أبنائه الحقيقيين وليس الأغراب المستوردين بقرار أمريكي إيراني؟ لقد صار عراق الاحتلالين غريب الوجه واللسان، وأين آلت إليه أوضاع الأمة العربية التي تحولت إلى كرة تلعب بها أقدام محترفي السياسة وهواتها من الجهات الأربع؟ هل كان للأمة أن تمر في مثل حالة الضياع وفقدان البوصلة التي تعاني منها الآن لو أن السيف بقي ممسوكاً بقبضة عراقية بعثية قوية وثابتة الأقدام؟ أمتنا أمة مثقلة بكل أشكال البؤس وضياع الرؤية السليمة للمخاطر التي تتهددها بمصيرها لا بمستقبلها فقط وما كان لهذا كله أن يحصل لولا أن الولايات المتحدة اختارت إيران حليفاً تابعا ومقاولاً ثانويا لتنفيذ المهمات التي لا تريد أمريكا خوض غمارها، فتتحكم بقدراته وتمنعه من اجتياز خطوطها الحمر، لكنها تريده قوة إقليمية قوية حسب الخطوط المرسومة لها، لا تسمح لها بالخروج عن إرادتها، ولكنها تبقى وظيفة إقليمية مطلوبة بإلحاح، وهراوة ترفعها ثم تهوي بها على رؤوس بعض العرب، الذين توصلوا إلى قناعة أنهم بعلاقاتهم مع أمريكا، خسروا أنفسهم وخسروا كل فرصة لهم بالتطور والنهوض، فالولايات المتحدة اختارت إيران لهذا الدور الإقليمي المدروس، لتبتز بها العرب ولتعيد من يحاول الخروج عن بيت الطاعة الأمريكي إلى سيرته الأولى.

في التاسع من نيسان سنة 2003، لم يسقط العراق بل سقط جدار الكرامة العربية نتيجة تآمر دولي أطلسي صهيوني صفوي، لنراقب ما يحصل في فلسطين وفي غزة على وجه الخصوص، فماذا سنرى، سنرى شعباً يُهّجَرُ من مدنه وقراه ومساكنه، وفي كل يوم في دوامة تهجير بلا نهاية يعيشها منذ عام النكبة سنة 1948، وسوف نعرف عن يقين أن العراق كان سيف الأمة ورمحها اللذين لم يسقطا من الذراع العراقية لولا تظافر التآمر المتعدد المحاور والمصادر عليه من الشرق والغرب، ومن القريب قبل البعيد، نعم للأسف الشديد شارك في تهديم سد العرب العالي وجدار عزتها عراق العزة والكرامة، أشقاء عرب قدم بعضهم الأرض وبعضهم القواعد الجوية والبحرية، بعضهم تحمل التكاليف المالية لتحرك قوات الغزو من قواعدها في الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الناتو، وبعضها جاهر بفخرٍ بأنه قدم جهداً متعدد الأوجه لقوى العدوان، وعندما انطلقت المقاومة العراقية الوطنية الباسلة على أكتاف أبطال القادسية الثانية، لتواجه قوات الاحتلال باقتدارٍ قل نظيره وبسرعة التشكل وحمل السلاح، تصدى لها المتآمرون القريب منهم والبعيد، المحلي والخارجي، على الرغم من أنها أرادت لهم العز والمجد والكبرياء، ولكن الأعداء أخلدوا إلى الأرض وحاولوا التستر على فضيحتهم المدوية، بإظهار بعض الحكمة الزائفة في سلوكهم المنحرف تارة، وفي الندم على ما اقترفت أيديهم من جرائم مروعة، ذهب ضحيتها مئات الآلاف من العراقيين تارة أخرى، كان لمناضلي البعث الكأس المُعَلّى من التضحية والفداء في كل سطر دُوّنَ في سفر الخالدين في هذه الأمة.

العراق أيها المناضلون البعثيون الأشداء، كما كان على الدوام شعب المعجزات وهو وحده القادر على تجاوز أسباب المحنة، وخلق الفرص لنفسه، ليخرج من بين الرماد والركام عملاقا كأن لم تمر به أزمة، هذا العراق قادر بتضحيات مناضليه وبدعم من كل الشرفاء من أبناء الأمة العربية الذين شعروا بحز سكين الغدر في العظم العربي، قادر على أن يعيد الألق لأبناء الأمة العربية الحية على مدى الدهور والعصور، والتي ستسمو فوق الجراح وتعيد مجد ميزوبيتاميا إلى سابق عهده، قوة عربية وإقليمية ودولية فاعلة لن يجرؤ أحد على تخطيها في أي ظرف من الظروف، ولن يسمح مناضلو البعث لعربة النضال أن تتدحرج إلى قاع عميق، بل لن يسمحوا لها أن تتوقف من دون تحقيق أهدافها كاملة، نعم هذا كله يتطلب نضالا شاقا وتضحيات كبرى، ولكن هذا ما نذر البعثيون أنفسهم له، ليعيدوا ألق الثامن من آب، ويعيدوا دروس ذي قار والقادسية الأولى.

 

الله أكبر والمجد لأبطال القادسية الثانية وقائد النصر فيها شهيد الأضحى الرئيس الخالد صدام حسين.

المجد لشهداء الأمة العربية في كل مكان والمجد لشهداء فلسطين، وشهداء الأحواز السليب.

الله أكبر وليخسأ الخاسئون.

 

 

قيادة قطر العراق

لحزب البعث العربي الاشتراكي

بغداد 8/8/2024

3 صفر 1446 هـ