شبكة ذي قار
المنصة الشبابية _ بِناء شَخْصيّة البَعثِي القائِد بَينَ الشَبَاب ضَرورَة حَتميّة فِي ساحَةِ العَمَلِ النِضَالِيّ

المِنَصّة الشَبابِيّة

انطلاقا من حقيقة ان الشباب هم صناع الحاضر العربي وجوهر قوته وحيويته وهم قادة مستقبله ، فقد تم تأسيس هذه المنصة الشبابية لتكون باباً جديداً من ابواب النشر لمكتب الثقافة والاعلام القومي لتطل على الشباب العربي من خلال مناقشة شؤونه و طرح قضاياه الراهنة و التعبير عن تطلعاته المستقبلية. وهي مخصصة حصرياً لنشر كتابات الشباب وابداعاتهم في المجالات الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والاعلامية وذلك لتعميق مساهمتهم في الدفاع عن قضايا امتنا العربية وصناعة مستقبلها. كذلك فان المنصة تعنى بمتابعه ما يصدر من موضوعات ثقافية واعلاميه وفنية في وسائل الاعلام العربية ودول المهجر والتي لها علاقة بقضايا الشباب في الوطن العربي، وترجمة ونشر ما يخدم منها في مواجهة تحديات الامة وتحقيق نهضتها الحضارية الشاملة .

بِناء شَخْصيّة البَعثِي القائِد بَينَ الشَبَاب
ضَرورَة حَتميّة فِي ساحَةِ العَمَلِ النِضَالِيّ
دكتور عامر الدليمي

في ضوء توجيهات الرفيق المناضل ابو خليل امين سر قيادة قطر العراق، وتأكيده على اهمية الشباب وضرورة اعدادهم الاعداد السليم ، واعطاء اهمية خاصة للمنهاج الثقافي لحزب البعث العربي الاشتراكي وبناء شخصية البعثي القادر على القيادة، فان اعتمادها والالتزام بها يشكل ضرورة حتمية للنجاح في ساحة العمل النضالي لأية منظمة.
ولكي تكون هذه التوجيهات حاضرة وتشكل بوصلة لاتجاه عمل الرفاق في أي نشاط بعثي و دليل عمل واضح يعتمد في كافة الجوانب الثقافية والسياسية والتنظيمية نورد ادناه بعض جوانب هذا الإعداد.

المقدمة :
لشريحة الشباب أهمية في الحزب لأنها إحدى دعامات مستقبله التي تعمل على تحقيق أهدافه لما تتمتع به هذه الشريحة من حيوية واندفاع لتأدية دورها ضمن نظامه الداخلي وتربيته الحزبية ، ورغبة للتعبير عن قناعاتها ضمن إطاره الاخلاقي ، والإسهام في نضاله وتأييد مواقفه ونضاله في الأحداث الداخلية والخارجية. اضافة الى قدرتها في التأثير على الرأي العام. فشريحة الشباب البعثي تناضل لتحقيق غاية واهداف لها بعد سياسي وفكري وإيديولوجي في الوسط الجماهيري. وهي تحرص على إداء رسالة نضالية قومية عن وعي عالٍ وخاصة بين الطلبة لأنهم الأوسع فئة والمحرك الديناميكي في المجتمع، وبالتالي فهم قوة فاعلة للتغيير في الساحة السياسية . ولهذا فإن حياة الحزب وديمومته تكمن في شريحة الشباب وبالذات في العقول الشابة المنتجة ثقافةً وفكراً وخاصة القيادية منها. فما هو مفهوم القيادة الشبابية ؟.

مفهوم القيادة الشبابية في حزب البعث العربي الاشتراكي

للقيادة الشبابية في الحزب القدرة على مواجهة المواقف الصعبة واتخاذ قرارات ضمن الإطار القيمي والسياسي والمبادئ القومية والإنسانية ، بقدر من الفاعلية التي تعبر عن كفاءة عالية. وفي الوقت الذي تشعر فيه تلك القيادة بالمسؤولية ازاء دورها فانها تترجم ذلك الى فعل حقيقي في الحياة، منطلقة من شعورها الصادق لتحريك العمل الجماعي سواء في العمل الميداني او في الإداء الفكري والثقافي. اضافة الى تميزها بالحيوية في مناقشة شؤون الحياة الداخلية للحزب، كتعبير عن ممارسة الحرية والعمل الديمقراطي. وهي في كل ذلك انما تعكس أخلاقيات الحزب لإشاعة قيمه الإنسانية وروح التآلف الخلاق واعتمادها كمعيار نضالي يعزز دورها القيادي في مجالات الحياة الحزبية .

صفات القيادة الشبابية في حزب البعث العربي الاشتراكي
من الضروري أن تكون للقيادة الشبابية القدرة على الإبداع الذاتي، وعلى معرفة مشاكل الحزب التي تحيط بالعمل التنظيمي الداخلي مثل العوامل المعوقة أو الإشكالات التي ترافق النشاط الحزبي. وأن تكون قادرة على تكوين الأفكار والمبادرات لمعالجتها من خلال وعيها، وتمتعها بالمبدئية المنضبطة دوماً، كي تكون قادرة على النهوض بمتطلبات النضال بصيغ سليمة.
ومن اهم المواصفات هي تجسيد أخلاقيات الحزب في كل المواقف، كمعيار لأخلاق البعثي الصادق الأمين واحترام رفاقه احتراماً حقيقياً يعكس حالة التوافق والانسجام الرفاقي في العمل الحزبي المشترك .

شروط اختيار القيادة الشبابية في الحزب

من أهم شروط القيادة الشبابية هي توفر عناصر وسمات ومؤهلات معينة في كل من يتم اختياره لإشغال موقع أعلى في هرم المسؤولية الحزبية. ويأتي في المقدمة الخلق الرفيع والنزاهة والتواضع والمصداقية والتاريخ النضالي للبعثي وما قدمه وحققه من أعمال نضالية جهادية فعلية. كما وتشكل مهارته في تطوير العمل الحزبي وقدرته على المبادرة والابتكار والإبداع صفات مهمة. مع تمتعه بشخصية قوية من دون كِبَرْ او تعالي او استغلال للموقع، وبفكر عقلاني وسياسي مجرب كي يعطي دفعاً قوياً للحزب. على ان ينصهر كل ذلك ليترجم التزامه المطلق بتوجيهات الحزب وبرسالته إلإنسانية وتحويلها الى واقع نضالي ميداني في خدمة جماهير الأمة العربية.

مهام القيادة الشبابية في حزب البعث العربي الاشتراكي

مهام القيادة الشبابية البعثية هي إدارة عملها التنظيمي لتنفيذ مسؤوليتها النضالية و التأثير الإيجابي في ساحة عملها. وأن تعلو وتترفع تماما عن المكاسب الشخصية أو الفئوية، وان تقوم بتحريك الأعضاء ممن هم ضمن مسؤوليتها الحزبية بنجاح. ومن اهم مهامها هي ان تكون مؤثرة في الوسط الجماهيري ميدانياً من خلال وضعها برامج ناجحة للتمكن من تفعيل مشاركة الجماهير مع اهداف الحزب وبرامجه. ومن مهامها تفعيل المبادرات التي تساهم في استنهاض الهمم لتحقيق إداء جيد للمنظمة وبما يخدم الحزب وتوجهاته النضالية.

الثقافة السياسية للقيادة الشبابية ضرورة حتمية في حياة حزب البعث العربي الاشتراكي

الثقافة السياسية ركن أساسي في العمل الحزبي لأنها مصدر الوعي كما انها تقود الى أنشطة حيوية ومتجددة، وإلى امتلاك الرفيق البعثي القوة والإدراك لسياسة الحزب وفهم لموقعها الحالي ضمن المسار السياسي للمجتمع ككل. كما ان الثقافة تتيح امتلاك الخبرات النضالية السابقة، وتوفر بالتالي كفاءة اعلى في تنوير المجتمع بأفكاره. ومن هنا فان من مهام البعثي الحقيقي التسلح بالمعرفة. إضافة الى قيامه بترجمة الثقافة الى مواقف عملية مما يجعلها موقف سلوكي يقوم على الفهم والتفاعل ومد الجسور مع الآخرين لمصلحة الحزب. وكل ذلك يتم بالتعرف على أفكار وسياسات الاحزاب والنظم السياسية. ويساهم كل ذلك في إعطاء الرفيق القيادي الشاب صورة مشرقة معبرة عن ذاته الحزبية امام الاخرين، والإشارة لهويته النضالية في المجتمع الذي يعيش فيه، مما يعزز دوره القيادي ليكون مؤثراً من خلال الإقناع العقلي والمنطقي بأهداف الحزب وسياساته ومبادئه الوطنية والقومية.

التزام القيادة الشبابية بالوحدة الفكرية والتنظيمية لحزب البعث العربي الاشتراكي

الوحدة الفكرية والتنظيمية هي أساس حياة الحزب ، والمقوم الرئيسي لاستمرار عمله النضالي وتحقيق مهامه الكبيرة على مساحتها الشاسعة في عموم الوطن العربي الكبير. ويعد التفريط بها من أخطر ألازمات التي تواجه الأحزاب الوطنية والثورية ويهدد وجودها بالصميم. لذا فإن عدم الإلتزام بالوحدة الفكرية والتنظيمية يرقى الى مستوى الخيانة والتآمر على حزب البعث العربي الاشتراكي وخاصة في مراحل نضاله الجهادي الضروس، وهو يمر بمرحلة مواجهة أعدائه وأعداء الامة العربية. لذلك من أهم المقومات الضرورية هي المحافظة على والتمسك العالي المنضبط بالوحدة الفكرية والتنظيمية للحزب وبقيادته العليا. وان يكون البعثي واعي لما يروجه اعداء الأمة من أعذار أو مبررات كغطاء للنيل من وحدة الحزب، لأن في مثل هذا الانزلاق خروج واضح عن أهداف ومبادئ الحزب القومية والإنسانية.

وقفات مع الخطاب التاريخي للقائد المجاهد الرفيق أبو جعفر أمين سر قيادة قطر العراق بمناسبة الذكرى 54 لثورة ١٧-٣٠ تموز المجيدة.(3)

وقفات مع خطاب الرفيق أبو جعفر عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي في الذكرى الخامسة والخمسين لثورة السابع عشر -الثلاثين من تموز ١٩٦٨ (3)

الوقفة الثالثة: صناعة النصر إرث بعثي يتناسل والتحرير قادم

الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس

 عندما يتحدث القائد عن إنجازات اسطورية لثورة السابع عشر- الثلاثين من تموز ١٩٦٨ فهو في جوهر الأمر يسرد انتصارات عظيمة، جاءت بعد معارك شرسة.

فإنهاء التمرد في شمال العراق بعد تفكيك ملفاته كلها تباعاً هو نصر مبين في معركة ترسيخ الوحدة الوطنية.

والتأميم معركة تاريخية ضد شركات الاحتكار، لولا الانتصار الحاسم فيها لما وقعت معركة التنمية بخططها الانفجارية العملاقة التي أسست البنى التحتية في التربية والتعليم والصحة والعلم والخدمات.

ومن الطبيعي أن تكون الدولة العراقية المقتدرة عسكرياً وأمنياً هي من تحقق الانتصار ضد العدوان الخارجي، وهذا ما حصل فعلاً في قبر العدوان الإيراني بعد حرب دامت ثمان سنوات بسبب إصرار خميني على إدامتها لتحقيق مآربه الدنيئة الوقحة باحتلال العراق، ثم تبعها الانتصار على عدوان الثلاثين دولة سنة ١٩٩١ الذي حصل تحت ذريعة واهية كاذبة هي (تحرير الكويت)، وصولاً إلى مواجهة الحصار المجرم الذي دام ١٤ سنة مصحوباً بعدوان عسكري متكرر، وبعد الحصار ونتيجة طبيعية لأهدافه الإجرامية كان الانتصار في مواجهة غزو سنة ٢٠٠٣ والذي لا يعرف مقوماته وعظمته إلا من وقف متفكراً بـ :

أولاً: إن الغزو هو امتداد للتآمر والحرب التي شنتها شركات الاحتكار ضد تأميم النفط عام ١٩٧٢ م. والغزو امتداد أيضاً للتآمر الذي لم يتوقف يوماً ضد وحدة العراق الوطنية، واتخذ من التمرد الكردي في شمال العراق غرفة عمليات سرية ومكشوفة في آن معاً.

ثانياً: الغزو في حقيقته حرب وتآمر على منجزات ثورة تموز ١٩٦٨ في ميادين الإعمار المدني والصناعة والتصنيع العسكري وفي تشكيل جيش عقائدي جبار وقوى أمنية كفؤة ضاربة.

ثالثاً: الغزو هو ثأر لهزيمة إيران النكراء على يد العراق الشجاعة المدافعة عن الأرض والعرض، وانتقاماً من الشعب الذي صنع النصر مع قواته المسلحة وقيادته الفذة.

رابعا : الغزو متصل صلة عضوية وثيقة بأسباب فرض الحصار على العراق لتجريده ببطئ من مكونات قوته وعناصرها الشعبية والعسكرية .

   وعليه فان مقاومة القوات الغازية بقدرات أساسها الايمان بالله وبعدالة وحق العراق بدون غطاء جوي وأمام اختلال فاضح لموازين المواجهة حيث العراق المحاصر من جهة في مقابل أربعين دولة عظمى وكبرى ، هذه المقاومة لوحدها قد سجلت للعراق تاريخا مشرفا ونصر هو نصر الشرفاء على الطغاة .

   ولعل الأهم في ما نريد التطرق له في هذه الوقفة هو ان البعث الذي صنع كل انتصارات وانجازات ثورة تموز قد صنع نصرا آخر عظيم وكبير ونافذ الى عمق التاريخ المشرف للشعوب الا وهو تواصل الدفاع عن العراق بعد احتلال بغداد في ٩-٤-٢٠٠٣ في مقاومة وطنية وقومية وإسلامية لم يشهد لها تاريخ الشعوب مثيل لا في سرعة انطلاقها الذي يورخ له كحدث متزامن مع دخول القوات الغازية الى بغداد السلام والحضارة ولا في ما انجزه من فعل اسطوري طرزته انتصارات معمدة بدم الشهداء وبطولات رجال جيشنا الباسل ورجال قواته الأمنية الشجعان وشعبه البطل . وقد نتج عن هذه المقاومة البطولية قتل ما يزيد على ٧٥ الف من القوات الغازية واغلبهم من القوات الامريكية وجرح ما لا يقل عن ربع مليون جندي معتدي واحالة ما لا يقل عن ١٢ الف جندي الى مستشفيات الجنون والمصحات العقلية وتدمير معدات عسكرية تقدر بمئات الملايين من الدولارات ونتج عن جملة العمل العسكري المقاوم العراقي :

 أولا : ادخال الاقتصاد الأمريكي وتوابعه في أضخم عملية فقدان توازن ومعضلات وتدهور لم يحصل له شبيه من قبل  .

ثانيا: ارغام الولايات المتحدة على تغيير خططها وإعلان الانسحاب من شوارع العراق سنة ٢٠١١م والانكفاء في قواعد محصنة في عدد من محافظات العراق .

   كما ان الخطاب قد أعاد الى الاذهان إصرار البعث على المضي قدما في مشروع تحرير العراق وطرد الاحتلال الأمريكي والإيراني وتسليم السلطة الى الشعب العراقي وحدد أدوات التحرير الناجز بعون الله بالعمل الدؤوب المتواصل مع شعبنا العظيم وبتفعيل المقاومة المسلحة حيث يجري توفير البيئة والمستلزمات وصناعة ظروف مناسبة .

  البعث هو قوة الوطن والأمة التي عرفت كيف تنتصر في كل معارك ثورة تموز المجيدة وهو الذي سيحرر العراق ان شاء الله. البعث هو سر الانتصارات كلها وهو ايقونتها .

وقفات مع الخطاب التاريخي للقائد المجاهد الرفيق أبو جعفر أمين سر قيادة قطر العراق بمناسبة الذكرى 54 لثورة ١٧-٣٠ تموز المجيدة.(2)

وقفات مع الخطاب التاريخي للقائد المجاهد الرفيق أبو جعفر أمين سر قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي بمناسبة الذكرى الرابعة والخمسين لثورة ١٧-٣٠ تموز المجيدة.(2)

الوقفة الثانية

هكذا عاد البعث للحياة بعد الاحتلال

 

الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس/ أكاديمي عربي من العراق

 القائد، هو الذي يتصدر فعل رفاقه في الميدان ، يخطط ويشرف على التنفيذ ، يصف الحال ويصف كيف يتجاوزه الى ما هو متقدم . القائد هو من يثبت على الأرض يتقدم المضحين ويقود المنفذين ويرتقي بمعنويات رفاقه ويعيش معهم الحلو والمر . هو رجل يصطفيه القدر والضرورات الوطنية والقومية والإنسانية ليشخص الواقع كما هو ويحدد مسارات الخلاص من حفر ذلك الواقع ومطباته وإشكالاته ومعضلاته. لذلك جاء خطاب الرفيق المناضل أمين سر قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي في الذكرى الرابعة والخمسين لثورة تموز المجيدة ١٩٦٨ مشخصاً لواقع الحزب بعد الاحتلال وليكون تشخيصه والمعالجات التي ذكرها هي امتداد طبيعي سلس منطقي لما قام به سلفيه الخالدين صدام حسين وعزة إبراهيم.

القائد، مثل صدام حسين، يعطي ولا يبحث عن مقابل ويفتدي وطنه وشعبه بالروح وبالولد، ومثل عزة إبراهيم توسد تراب العراق حتى مات ودفن في ذاك التراب، القائد مثل نيلسون مانديلا قاد شعبه من المعتقل وانتصر على العنصرية وهو مكبل، مثل غاندي وجيفارا هزموا الطواغيت وانتصروا مع شعبهم وهم يعيشون فوق أرض أوطانهم يكابدون الفقر وشظف العيش.

لقد تشتت الحزب وتناثر أفراداً وأشلاء بعد الغزو المجرم تماماً كما تناثرت أشلاء دولتنا الوطنية بنيران الغزو الغاشم، انتهت كل تلك التشكيلات الحديدية من فرق وشعب وفروع ومكاتب وذابت في العراق الذي تصهره الصواريخ والقنابل وتحرقه نيران البوارج والأساطيل.

نعم انصهر الحزب في أرض العراق ليواجه ما تواجهه تلك الأرض المقدسة الطاهرة، وتبخر الحزب في سماء العراق ليرى من علٍ بيوت العراق مغلقة وشوارعه تعج بالوحشة مقفرة.

من يريد أن يكون قائداً للبعث في العراق فالشروط معلنة واضحة، أولها أن يكون مثل صدام حسين ومثل عزة إبراهيم ومثل رفاقهم بالقيادتين القومية والقطرية، عاشوا في العراق واغتالتهم أميركا وإيران في العراق، أما من قد هجر العراق لأي سبب كان، سبب منطقي أو غير منطقي فهو لن يعبر حدود الإسناد والعون الإعلامي والمساعدة في التحرك كمعارض في الخارج. 

القائد البعثي هو منهل سلطان كريم القابع في السجن المؤبد، وعبد الغني عبد الغفور الذي يموت كل يوم ليبعث الحياة في أرجاء العراق التي قتلها الاحتلال والخونة وسواهم ألوف مؤلفة.

من هنا جاء اهتمام القائد أبا جعفر في خطابه التاريخي في وصف حال البعث بعد الاحتلال، وكيف أعاده رفاق البعث في الداخل إلى الحياة تنظيماً ومقاوماً شرساً للاحتلال، ومقوضاً للعملية السياسية الاحتلالية الفاشلة الفاسدة.

النص أدناه من الخطاب يحكي جانباً من معجزة إعادة تنظيمات البعث:

 (يا أبناء شعبنا العزيز:

لقد واجه حزبكم بعد احتلال العراق مهامَ جسيمةً عديدة، كان في مقدمتها إعادة التنظيم الحزبي إلى جميع أنحاء العراق، رغم استماتة المحتل وعملائه الموالين لإيران في محاولاتهم للقضاء عليه عبر اجراءات الاجتثاث الفاشية وحملات القتل والاعتقال والتشريد والتجويع الغاشمة ضد مئات الألوف من أعضائه والملايين من جماهيره. وعمل على إطلاق المقاومة العراقية المسلحة ضد القوات المحتلة منذ اليوم الأول للاحتلال فقام بتشكيل عدة فصائل مقاومة باسلة، أجبرت قوات الاحتلال، عبر عمليات بطولية وتضحيات ملحمية، بالتعاون مع فصائل مقاومة عراقية أخرى، على الانكفاء خارج المدن عام 2009، ثم الخروج هارباً بالانسحاب الذليل نهاية عام 2011، بعد أن كبدته خسائر جسيمة. وقد اعترفت دائرة المحاربين القدامى في البنتاغون بأن خسائر الجيش الأميركي منذ بداية الاحتلال في 9/4/2003 وحتى نهاية شهر أيار عام 2007 (أي فيما يقرب من نصف فترة الاحتلال) بلغت   73650 (ثلاثة وسبعون ألفاً وستمائة وخمسون) جندياً أميركياً وأكثر من مليون ونصف مليون جريح ومعوق ومصاب بعاهة. وهذا يعني أن المقاومة العراقية الباسلة قد كبدت المحتل الأميركي وحده في كل فترة الاحتلال أكثر من 130 ألف قتيل.)

ويسترسل في مكان آخر في معاناة البعثيين داخل العراق فيقول:

(يا أبناء شعبنا العزيز:

لقد استهدفَ أعداءُ العراق والأمة العربية وخصوصاً الكيان الصهيوني وإيران ثورتكم العظيمة وحزبَ البعث الذي أطلقها وقادها عبر مسيرة 35 عاماً من الإنجازات العظيمة، لأدراكهم إن هذا الحزبَ على قدرٍ عالٍ من التميز والفرادة عن كلِ ما سِواه من أحزابٍ وتنظيماتٍ في العراق. لقد توفرت للبعث جملةٌ من المميزات الاستراتيجية التي تبدو جليةً في قدراته النضالية والجماهيرية، وتاريخه الطويل في العمل السياسي الوطني المسؤول، وفي انتشاره في كل ربوع العراق وفي كل زاويةٍ من زوايا مجتمعِهِ متجاوزاً كل الاختلافات الدينية والعرقية والمذهبية والمناطقية، بفضلِ عقيدتهِ الوطنيةِ والإنسانية التي تُعلِي قيمَ المواطنة والمساواة. كما تـَتـَمَثلُ ميزاته في خبرات أعضائه وقيادييه الطويلة في إدارة الدولة، وفي نزاهتهم وسمعتهم الطيبة وصورتهم المشرقة لدى أبناء شعبهم.

إن حزباً بهذه المواصفات وبهذه المميزات الاستراتيجية الفريدة هو المؤهل حقاً، لقيادة الفعل الوطني العراقي لتحرير العراق وإزالة الهيمنة الأجنبية واسترداد عافيته وسيادته واستقلاله ومكانته التي يستحقها شعبه العظيم. ومن هنا كان تكالب الأعداء في الخارج وعملاؤهم في الداخل لمنع البعث في العراق من النهوض وبناء تنظيماته واستعادة قوته وتعويض ما ألحقه به المحتل وأتباعه عملاء إيران من اضرار جسيمة وذلك لإبعاده عن أداء دوره ومسؤولياته ومهامه الوطنية الكبرى في تحرير العراق من الاحتلال الأجنبي وانقاذه من هيمنة إيران وذيولها، واستعادة سيادته واستقلاله وخدمة شعبنا العزيز الذي كان “البعث” سبّاقاً في خدمته وفي الدفاع عنه.

لقد استخدم الأعداء لتنفيذ مخططهم المعادي وسائل خارجية من القمع والتصفيات الدموية والتهجير والتشريد وتجفيف الموارد والتشويه والمحاكمات بتهم ملفقة والاجتثاث، كما استخدموا مؤامرات داخلية تتمثل بما يتيحه لهم مرتدون من فرصٍ للانقضاض عليه بحركات غادرة تنتحل اسمه وتحاول إشاعة الفوضى في تنظيماته، لكن الحزب تمكن بحمد الله من إحباط تلك الدسائس واحدة تلو الأخرى.)

إن البعث هو رجاء العراقيين بإنقاذهم وإنقاذ بلدهم وهو محور من محاور الحراك الشعبي في العراق حتى التحرير ان شاء الله.

وقفات مع الخطاب التاريخي للقائد المجاهد الرفيق أبو جعفر أمين سر قيادة قطر العراق بمناسبة الذكرى 54 لثورة ١٧-٣٠ تموز المجيدة.(1)

وقفات مع الخطاب التاريخي للقائد المجاهد الرفيق أبو جعفر أمين سر قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي بمناسبة الذكرى الرابعة والخمسين لثورة ١٧-٣٠ تموز المجيدة.(1)

الوقفة الأولى

البعث ومقاومة الاحتلال: برنامج تحرير العراق

الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس/ أكاديمي عربي من العراق

  في الوقت الذي تتحرك فيه الامبريالية الأمريكية تحركاً شرساً بهدف توطيد أركان الحماية للكيان الصهيوني وإرغام العرب على التطبيع معه والاعتراف بكيانه المغتصب تحت أغطية مهلهلة رثة كمثل تلك الاغطية التي استخدمت لتسويغ غزو العراق واحتلاله ، وفي الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة استخدام العرب وثرواتهم في مواجهة روسيا في حربها مع الناتو عبر الأرض الأوكرانية ، وفي الوقت الذي تمنح فيه العملية السياسية الاحتلالية في العراق عبر العميل الخائن مصطفى الكاظمي وحكومته الفاشلة فرص الانتماء الى برنامج التطبيع مع الكيان الصهيوني وتحميلها مسؤولية ساعي البريد بين الامبريالية والصهيونية وأتباعها وبين ايران الخمينية المجوسية المشاركة في صناعة واقع جديد يفرض على العرب هو واقع عدوان على أرضهم وثرواتهم وسيادتهم وكرامتهم واستقلالهم , في هذا الوقت المليء بعواصف العدوان على أمتنا وبأنواع التآمر والازدراء والاحتقار وتمييع الشخصية والاستغلال والتخلف والاستهانة بقيمنا وثوابتنا الوطنية والقومية وباعتبارنا بشر من الدرجة العاشرة بلا حقوق ولا كرامة , في هذا الوقت ، يصدح لأول مرة صوت بعث العراق الشجاع الباسل الطالع من أتون أبشع وأضخم مؤامرة للاجتثاث والاغتيال ، انه صوت القائد الرفيق المناضل أبو جعفر في خطاب تاريخي شامل موضوعي يحدد في أحد محاوره الخطيرة سبل انقاذ العراق وتحريره من الاحتلال الأمريكي والبريطاني والإيراني ومن العملية السياسية التي وظفت فيها الولايات المتحدة زمر ارتزاق وكلاب مكلوبه وضباع ضالة لتنفيذ برنامج تدمير العراق .

     وفي الوقت الذي تمتلئ فيه منصات الاتصال الاجتماعي بالإساءة للبعث وتبشيعه وشيطنته وتمزيق أوصاله تنفيذا لحظره دستوريا من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الصهيوني وايران وزمر الذيول الخائنة الفاسدة ، يصدح صوت قائد البعث في العراق ، سليل البطولة والاقدام والبسالة والتحدي , خليفة صدام حسين وعزة إبراهيم ورفيق القيادة القومية يتصدر نضالها الرفيق المناضل على الريح السنهوري بإعلان برنامج البعث لتحرير العراق وإعادة استقلاله وسيادته ولحمته الوطنية التي بعثرها الاحتلال ومزق أوصالها بالطائفية والعرقيات والاثنيات وغيرها من أدوات الصهيونية والفارسية الخمينية المجرمة  والمحاصصات الوقحة القبيحة التي فتحت طرق الفساد للعصابات التي سلطوها على رقاب شعبنا ومقدرات وطننا .

 وقد كان برنامج البعث الذي أعلنه الرفيق المناضل من داخل العراق حيث يقود نضال رفاقه الشهداء والمعتقلين والمهمشين والمغيبين الذي يمنح العزيمة والإصرار لرفاقه الذين يسوسون أرض العراق ويمزقون مخرجات الاحتلال وعمليته السياسية برنامجا شاملا، حيويا، وطنيا يعتمد كل ممكنات المقاومة ووسائلها وبتوطيد العلاقة مع قوى ثورة تشرين الباسلة وكل القوى والواجهات الوطنية والإسلامية غير الطائفية ومع كل الإنسانية المؤمنة بالحرية والديمقراطية.

لقد أكد خطاب القائد أبا جعفر حفظه الله على استمرار المقاومة الباسلة التي اسقطت أكثر من ٧٠ ألف قتيل في صفوف الامريكان واضعاف العدد من الجرحى والمعاقين والمعتوهين فضلا عن الخسائر المادية الجسيمة واتخاذها لصيغ مختلفة بعد الهروب الأمريكي من العراق أواخر ٢٠١١ م.

إليكم هذا النص من خطاب القائد أبو جعفر الخاص بالمقاومة البعثية والوطنية والقومية حتى تحرير العراق تحريراً ناجزاً إن شاء الله. 

(يا أبناء شعبنا العزيز:

لقد واجه حزبكم بعد احتلال العراق مهامَ جسيمةً عديدة، كان في مقدمتها إعادة التنظيم الحزبي إلى جميع أنحاء العراق، رغم استماتة المحتل وعملائه الموالين لإيران في محاولاتهم للقضاء عليه عبر اجراءات الاجتثاث الفاشية وحملات القتل والاعتقال والتشريد والتجويع الغاشمة ضد مئات الألوف من أعضائه والملايين من جماهيره. وعمل على إطلاق المقاومة العراقية المسلحة ضد القوات المحتلة منذ اليوم الأول للاحتلال فقام بتشكيل عدة فصائل مقاومة باسلة، أجبرت قوات الاحتلال، عبر عمليات بطولية وتضحيات ملحمية، بالتعاون مع فصائل مقاومة عراقية أخرى، على الانكفاء خارج المدن عام 2009، ثم الخروج هارباً بالانسحاب الذليل نهاية عام 2011، بعد أن كبدته خسائر جسيمة. وقد اعترفت دائرة المحاربين القدامى في البنتاغون بأن خسائر الجيش الأميركي منذ بداية الاحتلال في 9/4/2003 وحتى نهاية شهر أيار عام 2007 (أي فيما يقرب من نصف فترة الاحتلال) بلغت   73650 (ثلاثة وسبعون ألفاً وستمائة وخمسون) جندياً أميركياً وأكثر من مليون ونصف مليون جريح ومعوق ومصاب بعاهة. وهذا يعني أن المقاومة العراقية الباسلة قد كبدت المحتل الاميركي وحده في كل فترة الاحتلال أكثر من 130 ألف قتيل.)

وأدناه رؤية الحزب التفصيلية لإنقاذ العراق والمهمات التي يراها واجبة لحكومة إنقاذ وطني التي فصلها خطاب الرفيق القائد أمين سر قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي المناضل أبا جعفر:

(أيها العراقيون الأماجد:

لقد واصلَ شعبُ العراق العظيم مقاومتَه للاحتلال الاستعماري بعدَ الانسحاب الذليل لقواته في نهاية عام 2011، وذلك برفضه القاطع لما يسمى بالعملية السياسية التي اٌقامها المحتل لبناء نظام حكم محلي خانع له بإدارة عملاء حليفته إيران، وذلك لاستكمال تنفيذ أهداف الغزو والاحتلال حسب المخطط الصهيوني المعادي لدولة العراق ولشعبها الأبي. فنظـّم شعبنا الأبي مظاهراتٍ واعتصاماتٍ وانتفاضاتٍ شعبية عارمة ضد النظام العميل الفاسد الحاكم، شهدتها بغداد والموصل والرمادي والفلوجة والبصرة والناصرية في الأعوام الثمانية التي أعقبت الانسحاب. وفي عام 2019 توج الشعب العراقي كل هذه المسيرة البطولية الرافضة للاحتلال ونظامه العميل الفاسد، في ثورة تشرين الباسلة التي استمدت جذوتها من هذا الفعل البطولي.  وأظهر ثوارها البواسل أعلى درجات الوعي الشعبي وجَسـّـدوا أنقى أشكال الوحدة الوطنية والتلاحم الشعبي في مواجهة النظام الطائفي الفاشي وأطرافه الفاسدة العميلة لإيران. كما تميزوا بالفروسية والإقدام وأبدوا أعلى قيم الفداء والتضحية والبطولة في كل الساحات والميادين وهم يتصدون لأسلحة الميليشيات المجرمة بصدورهم المليئة بحب الوطن والإيمان بحقه في الحياة الحرة الكريمة. لقد كان الهدف الرئيسي لثورة تشرين الوطنية تغيير النظام الفاشي العميل بجميع مؤسساته، وتحرير العراق من الاحتلال الإيراني، وانقاذ شعبه العظيم من الوضع الكارثي الذي خلقه الاحتلال الاستعماري عام 2003، وإسقاط كل ما ترتب عليه من قوانين جائرة ومظالم وشبكات فساد ونهب لثروات الشعب. وإننا على ثقة أن هذه الثورة التي قدّم فيها شباب العراق أغلى ما لديهم ستتواصل حتى تحقيق هذه الأهداف النبيلة وإنجاز الحرية الكاملة لشعبنا العزيز. وهذه المسيرة النضالية البطولية المتصاعدة ضد الاحتلال وعملائه تستلهم من ثورة تموز روحها الاقتحامية ورؤيتها الاستراتيجية وصلاتها بالتاريخ المجيد للعراق والأمة العربية في نسغ صاعد متفاعل مع كل عوامل التحدي وروح الصمود والمطاولة.

وفي هذا الصدد فإن حزبَكم الثوري الذي عهدتموه في ميادين النضال والبناء وقيادة العراق والذي كان له شرفُ مقاومة الغزاة المحتلين عازمٌ على أداء كل الواجبات التي ينتظرها منه شعبُه وأمتُه ويعاهدُكم على تصعيد العمل الوطني لتحرير العراق من الاحتلال الأجنبي المتمثل الآن بالهيمنة الاستعمارية الإيرانية.

وإذ يؤكدُ البعث هذا العزم، فإنه يشددُ على ضرورة التعاون والتنسيق مع جميع الأطراف الوطنية العراقية الرافضة للاحتلال الإيراني وعمليته السياسية البغيضة من تشكيلات اجتماعية وسياسية ومهنية، ومع كل أبناء الشعب وشخصياته وقياداته المجتمعية الغيورة على وحدة العراق والحريصة على انقاذه مما يعانيه من تدهور وانهيار وتراجع وفوضى على يد حكامه الفاسدين المرتبطين بالاحتلال الأجنبي.

وفي هذا السبيل يجدد حزب البعث العربي الاشتراكي الدعوة التي أطلقها في مناسبات سابقة لإقامة جبهة وطنية عريضة تجمع كل هذه الأطراف، أو وفق أي صيغة أخرى يجري الاتفاق عليها بهدف تصعيد العمل الوطني لإنقاذ العراق من هذا الوضع الكارثي. ويؤكد ضرورة العمل المنظّم الهادف لاسترداد سيادة العراق واستقلاله التام وممارسة الديمقراطية الحقة وإقامة حكومة انتقالية وطنية عراقية من كوادر وكفاءات وطنية عراقية مستقلة نزيهة تتولى إدارة البلاد لفترة انتقالية يُتفق على مدّتها. وتتولى الحكومة الانتقالية إزالة كل القوانين والإجراءات الشاذة الدخيلة التي فرضها الاحتلال وحكوماته، وفرض النظام والقانون، والقضاء على حالة التدهور والفوضى والهدر لأموال الدولة اضافة الى ضرب شبكات الفساد وإحالة الفاسدين للقضاء، والعمل على استرداد أموال الشعب المهربة. كما تتولى معالجة فوضى السلاح والإلغاء الفوري لكل ما يقع خارج القوات المسلحة النظامية من مظاهر ومليشيات مسلحة، وإعادة تنظيم الجيش وسائر صنوف القوات المسلحة وفق قوانينها وتقاليدها المهنية والوطنية العريقة. كما تعمل على الحفاظ على جميع مؤسسات الدولة وتوجيهها لخدمة الشعب وإبعاد الفاسدين عنها، وإصلاح النظام القضائي وتطهيره من الفاسدين. ومن مهامها أيضاً حماية الأملاك العامة والخاصة، وإزالة جميع التجاوزات والتغييرات والاوضاع الشاذة المخلة بالسلم المجتمعي والمنافية لتاريخ العراق المجيد وتراثه العربي والإسلامي العريق والتي فرضتها ادارة الاحتلال الاجنبي وحكومة عملائها الطائفية الفاسدة في قطاعات التعليم والثقافة والإعلام والأوقاف.

كما أن في طليعة مهامها وضعُ مشروع دستور وطني جديد يلبي آمال الشعب على وفق القواعد والمبادئ الدستورية الوطنية التي قامت عليها دساتير الدولة العراقية قبل الاحتلال، وطرحه على الاستفتاء الشعبي العام لإقراره، وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية بموجبه وفق قانون انتخابات وطني جديد وبإشراف هيئة انتخابات رسمية يديرها القضاء وبرقابة دولية، وذلك لإتاحة الحرية الكاملة لكل العراقيين المؤهلين قانونياً للترشح والانتخاب لاختيار مجلس نيابي وحكومة وطنية تمثلان الشعب وتعملان لخدمته وللنهوض بالبلاد.

ومن بين المهام الأساسية للحكومة الوطنية الانتقالية المقبلة إعدادُ قانون للأحزاب وآخرَ لحرية الصحافة، وصيانةُ حق التعبير عن الرأي وحماية حقوق الإنسان، وإلغاء جميع القوانين والإجراءات الفاشية المنتهكة لحقوق الإنسان والمنافية لقيم الحق والعدل وللمبادئ الإنسانية والديمقراطية مثل نظام المحاصصة العرقية والدينية والطائفية، وقوانين وإجراءات التمييز وعدم المساواة والاقصاء الديني والعرقي والطائفي والسياسي، والبدء بمعالجة آثارها الكارثية على المجتمع العراقي وتعويض المتضررين منها.

ومن واجبات الحكومة الوطنية الانتقالية العملُ الفوري على إعادة النازحين والمهجّرين إلى مناطق سكناهم الأصلية وتعويضُهم عما أصابهم من أضرار، وإطلاق سراح كل العراقيين الأبرياء الذين اعتقلوا وسجنوا لأسباب سياسية تتصل بمقاومتهم للاحتلال أو انتمائهم للعهد الوطني، أو بسبب معارضتهم لهيمنة إيران، أو الذين أودعوا في السجون لأسباب طائفية بموجب قانون الإرهاب أو لغايات كيدية حسب تقارير المخبر السري.

ومن مهام الحكومة الانتقالية وقف العمل بنظام المحاصصة في التعيين في جميع مجالات العمل الحكومي، واعتماد المساواة الكاملة بين المواطنين ومعايير الكفاءة والإخلاص للوطن، وإلغاءُ عمليات التغيير السكاني التي أحدثها النظام العميل في عدة مناطق، وتقديم المساعدات التموينية العاجلة لإسعاف ملايين المواطنين الذين أفقرهم النظام الفاسد، والبدء بمعالجة قضية البطالة بصورة شاملة وتوفير فرص عمل للعاطلين الذين ضاعفت أعدادهم إجراءات المحتلين والعملاء بتدمير قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات وهدر أموال الدولة.

وتتعهد الحكومة الوطنية الانتقالية بإعداد قوانين للأحزاب وضمان حرية الصحافة، وصيانة حقوق التعبير عن الرأي وحماية حقوق الإنسان، وإلغاء جميع القوانين والإجراءات الفاشية المنتهكة لها والمنافية لقيم الحق والعدل والمبادئ الإنسانية والديمقراطية ، وإحالة كل الذين أجرموا بحق ثوار تشرين، سواء الذين أطلقوا النار أو القنابل الغازية المهلكة، أو الذين خطفوا واغتالوا الناشطين المدنيين، وإحالتهم مع آمريهم ومسؤوليهم إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل، هم وكل الذين اقترفوا جرائم بحق العراقيين من قتل وخطف واعتقال وحبس تعسفي وابتزاز وجرائم نهب وسرقة وتجاوز على الأملاك الخاصة والعامة منذ عام 2003.

وستتولى الحكومة الانتقالية استعادة علاقات العراق الوثيقة مع جميع الدول العربية، والحفاظ على مكانته وعلاقاته المتوازنة مع الأسرة الدولية والقائمة على احترام السيادة والمصالح المشتركة وتعزيز السلام والأمن الدوليين، كما ستسعى لاستعادة دور العراق القوي والمحوري في تحقيق وترسيخ السلام والأمن والاستقرار والتنمية، وفي مكافحة الإرهاب والتطرف في العالم.

هذه هي رؤية حزبكم أيها العراقيون الأماجد، لمرتكزات المرحلة الانتقالية التي من خلالها يستطيع شعبنا تجاوز المحن والكوارث التي خلفها الاحتلال والسلطات العميلة الغاشمة، ويعبر نحو أفق الاستقرار والدولة المدنية الحديثة التي يتساوى فيها المواطنون عند خط شروع واحد، ويكون الأفضل بينهم هو الأقدر والأكثر استعداداً لخدمة وطنه وشعبه.)

هذا هو البعث في العراق، بعث التحرير والإطلالة على مستقبل زاهر ولا قرت عيون الجبناء.

      يتبع بإذن الله

خِطَابُ المَوْجِ البَعْثِي الهَادِر-4

خِطَابُ المَوْجِ البَعْثِي الهَادِر

(الجزء الرابع)

 

المقاومة العراقية مستمرة

استهلالاً، لابد من التذكير بحقيقة مهمة في عراق ما بعد الغزو والاحتلال، وهي إن بعض العراقيين الرافضين والمقاومين للغزو والاحتلال قد اضطرتهم الظروف لمغادرة العراق والعيش في بلاد مختلفة، وبعض آخر كان أصلاً موجود خارج العراق لزمن ما قبل الغزو، واستمر بالبقاء حيث هو، ولهؤلاء جميعاً حق اتخاذ الموقف الوطني الرافض والمقاوم، ولكن يقتضي الواجب أن يكون للمقاوم موقف عملي معبر عنه بصيغة مادية لدعم المقاومة في الداخل، وفوق هذا أن يكون موضوعياً في التعاطي مع مسيرة وحيثيات العمل المقاوم وما تقتضيه من تكتيكات وتنوع فعل تفرضه الساحة وليس الأمنيات ولا التنظير.

أما الذين لا يقدمون غير المطالبة اللفظية دون اسناد فعلي عملي مادي أو دبلوماسي عبر العلاقات مع الناس والأحزاب والمنظمات والدول، فإن المقاومين النازفين في الداخل سيضطرون إلى وصف مواقف هؤلاء بالفارغة أو المشبوهة.

الأمر الاخر المهم والخطير الذي يجب استحضاره عند الحديث عن المقاومة العراقية ومطالبتها ووضعها أمام حقوق وواجبات وطنية، هو إن المقاومة العراقية تفتقر إلى الدعم الدولي بسبب الحصار الأمريكي البريطاني الصهيوني من جهة، وبسبب الاحتلال الإيراني الذي كان له دور خطير في تشظية وفي التأثير على الموقف الشعبي من المقاومة عبر تكوين الأحزاب والمليشيات الطائفية المنضوية تحت خيمة العملية السياسية المجرمة والمؤيدة لها.

فالمقاومة العراقية تتفرد بين كل المقاومات الوطنية في العالم بعدم وجود داعم مادي ولا إعلامي ولا سياسي لها على الاطلاق إلا من بعض شعبنا وبعض أخوتنا وأشقائنا العرب.

للتذكير فقط:

لنتذكر مع بعضنا البعض قول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليقومه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، وبشكل متزامن، لننظر في العنوان القيادي للرفيق المجاهد عزة إبراهيم، ألا وهو القائد الأعلى للجهاد والتحرير، إلى جانب كونه الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، ومن حديث الرسول الكريم والواجب المعلن للرفيق عزة إبراهيم، ومما جاء في خطاب الموج البعثي الهادر سوف نطل على محور المقاومة العراقية الباسلة في خطاب ذكرى ميلاد الحزب الثالثة والسبعين الذي ألقاه الرفيق القائد عزة إبراهيم يوم م ١١ نيسان ٢٠٢٠م.

فحديث الرسول صلى الله عليه وسلم فتح ثلاث سبل لمقاومة المنكر، والمنكر هو الفعل المرفوض والمدان، والذي يتطلب المقاومة، تبدأ ذروة الفعل باستخدام القوة المعبر عنها باستخدام اليد، ومسار ثاني معبر عنه باستخدام اللسان الذي يناظره في لحظتنا الراهنة الثقافة والإعلام، والمسار الثالث كان يقضي بأن الرفض والتقويم يتم عن طريق اتخاذ موقف مضموم في ذات الإنسان في صدره، وربما ينتظر الفرصة المناسبة للتبدل والتطور إلى ما هو أعلى منه في درجات الإيمان، الذي هو الآخر في هذا الحديث قد عبر عنه المعلم الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بصيغة وتعبيرات تقويم المنكر (الإيمان = تقويم المنكر)، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الرفيق عزة إبراهيم كان ولا زال بوسعه أن يكون الأمين العام للبعث دون أن يقرن هذه الأمانة العظيمة بثقلها وسعتها وخطورتها بأمانة أخرى هي الجهاد والتحرير، ولما جعل نصف خطابه موضوع بحثنا هذا، هو حديث مقاومة قال عنها بوضوح لا لبس فيه إنها مقاومة سلاح ومقاومة سلمية حيثما حكمت الظروف الملجئة.

((أما بعد الغزو والاحتلال فقد صَنَع حزبُنا حزبُ الرسالة تاريخاً جديداً مجيداً للأمة، وأدى دوراً جهادياً وبطولياً لم تشهده الأمة العربية منذ عصر الرسالة الأول، فالبعث بعد الاحتلال كان ولا يزال معجزة الأمة العربية في قدرتها على البقاء والثبات والنهوض والعطاء والتجدد)).

حيث يقرن الجهاد والمقاومة بالمعجزة، ويصفها بأنها هي التي مثلت قدرة الأمة على البقاء والثبات والنهوض، ذلك لأن الغزو والاحتلال قد صمم بقوته الغاشمة وإرادته الإجرامية لتقويض كل مرتكزات وجود الأمة العربية عبر تقويض دولة العرب في العراق.

فكيف يمكن لقائد همام أن يتخلى، كما يحاول البعض الإيحاء والتخرص، عن هذه المعجزة وعن مكاسبها وانجازاتها التي لازال هو من يقودها ويجدد مساراتها؟

إن الذين يريدون للبعث أن يركن إلى المقاومة المسلحة فقط في ظروف لم يشهد لها بلد وشعب مثيل وبلا دعم بالسلاح ولا بالمال، ودون حساب لاعتبارات داخلية برزت بعد الهروب الأمريكي عام ٢٠١١، ودون أن يحسبوا التكتيكات المطلوبة لحقبة ما بعد داعش الإرهابية ومسؤولية الحزب الأخلاقية تجاه شعب العراق، وما يواجهه من مؤامرات وممارسات التشظية الطائفية والفقر والفاقة وانعدام الأمن والخدمات، هم المنفصلون عن الواقع العراقي، ولهذا الانفصال أسباب عدة لسنا بصدد الخوض فيها، وبعضهم لا يجيدون غير الثرثرة والتشويش والوقوع بوعي أو دون وعي في برامج الاجتثاث والتبشيع والشيطنة الموجهة ضد البعث وقيادته.

وفي وقفته التاريخية في الخطاب النيساني المقاوم، فصل الرفيق شيخ الجهاد والمجاهدين إنجازات مقاومة العراق العظيمة، مؤكداً أن البعث لم ولن يلق السلاح، وفي هذا القول إعلان صريح على أن المقاومة مستمرة وفقاً لتكتيكات محسوبة تصب في الاستراتيج الثابت، ألا وهو استراتيج تحرير العراق، وفي كل التوصيف المعبر عن الحب والاعتزاز والفخر والزهو بمقاومتنا وانجازاتها ينطلق القائد من أرض الواقع بلا أمنيات فارغة ولا تصورات قافزة على الحقائق ولا عزف على أبواق الدعايات الجوفاء، إنه حديث قائد المقاومة من أرض المقاومة، ومن بين بنادقها ورجالها وحقولها وفصولها، وتلكم لعمري هي الوقفة الحق، والواقع الذي يعلن عن نفسه بلا مناورات ولا لف ولا دوران، ومن يريد أن يفهم تحت أنوار الله فهذا نص ما قاله القائد في خطابه، ومن يريد أن يثرثر في الظلمات فذاك شأنه:

 (يا رفاق العقيدة والسلاح والدرب الطويل:

هكذا كان البعث قبل الغزو، وهكذا كان البعث قبل الثورة والحكم مناضلاً عنيداً وجسوراً ثابتاً في ميادين النضال والكفاح، مبدعاً في أدائه وسخياً في عطائه على طريق تحرير الأمة وتوحيدها، وبناء مستقبلها وإقامة مجتمعها الاشتراكي الديمقراطي الحر الموحد.

أما بعد الغزو والاحتلال فقد صَنَع حزبُنا حزبُ الرسالة تاريخاً جديداً مجيداً للامة وأدى دوراً جهادياً وبطولياً لم تشهده الأمة العربية منذ عصر الرسالة الأول، فالبعث بعد الاحتلال كان ولا يزال معجزة الأمة العربية في قدرتها على البقاء والثبات والنهوض والعطاء والتجدد والانبعاث مهما جار عليها الزمن ومهما تكالب الأعداء.

أيها الرفاق المناضلون في حزبنا…. أيها الأصدقاء والحلفاء…. يا جماهير أمتنا العربية:

اعلموا أن البعث العربي الاشتراكي بقيادته الباسلة وبجيشه العظيم لم يسلم ولم يستسلم للغزاة ولم يُلقِ السلاح في معركة التصدي للغزو والعدوان، وإنما انتقل من الحرب الرسمية إلى حرب التحرير الشعبية فوراً، وبدأت عمليات المقاومة النوعية منذ اليوم الأول لاحتلال بغداد وتصاعدت بشكل سريع، وهب شعب العراق العظيم وقواه الوطنية والقومية والإسلامية إلى حمل السلاح والالتحاق بالمقاومة فرادى وجماعات، وبدأت بتشكيل الفصائل والجيوش والكتائب حتى وصل عددها إلى أكثر من مئة فصيل، وصار العدو الغازي يُضرب حيث يتواجد على أرض العراق، من أقصى جنوبه إلى أقصى شماله، وانتشر جيش العراق المجيد على جميع هذه الفصائل يدرب ويخطط ويقود حتى وصلت عمليات المقاومة إلى أكثر من خمسمئة عملية في اليوم، واعترف بوش، أقول للتاريخ لكي لا يزور لقد قاتلت إلى جانب البعث وجيشه  وقواته المسلحة  الكثير من الفصائل، وخاصة الإسلامية، وكانت تحظى بدعم مادي ومعنوي  وسياسي وإعلامي وحتى أمني من جهات دولية وعربية عدة، إلا البعث ومقاومته  وقواته المسلحة  كانوا موضوعون ولا يزالون تحت الاجتثاث والحصار من جميع القوى  التي اشتركت في غزو العراق واحتلاله أو معاونة الغزاة، عراقية وعربية ودولية، ولم يحظ  البعث بأي دعم ولا مساعدة  ولا تأييد  ولا مهادنة  إلا من شعب العراق العظيم، الذي فاض على الحزب ومقاومته وقواته المسلحة بأكثر ما تجود به النفس البشرية، الكثير من المواطنين باعوا منازلَهم ومزارعَهم وقدموها إلى جيش رجال الطريقة النقشبندية، ولذلك كانت مقاومة البعث معجزة من معجزات العصر، إن مقاومة البعث كانت ولا زالت متفردة في تاريخ الشعوب، ليس لها مثيل على الإطلاق  كل حركات التحرر في العالم  وكل حروب التحرير في العالم  كانت تتميز بأمور أساسية  لا يمكن لأي مقاومة أن تظهر على الأرض بدونها، وهي العامل الأول، أن مقاتليها غير معروفين  لدى الغزاة المستعمرين وعملائهم، تبدأ الحرب بعدد من المقاتلين لا يتجاوز عدد أصابع  اليد  أو أكثر بقليل في أغلب الأحوال،  ثم تنمو وتكثر، العامل الثاني تحظى بدعم دولي وإقليمي مالي وسياسي وإعلامي وأمني واقتصادي واسع، وتسليح وتدريب وتجهيز  لكل متطلبات الحرب الشعبية، كما حصل للجزائر وفيتنام  وأفغانستان وحتى المقاومة الفلسطينية، العامل الثالث الأرض وطوبوغرافيتها المساعد على الحركة في الظهور والاختفاء.

لا تمتلك مقاومة البعث أي من هذه المرتكزات، بل قاتلت وانتصرت  في بحر خضم  من الأعداء، وفي أرض مكشوفة ومواجهة مباشرة، وبمقاتلين معروفين وقيادات معروفة، حتى كان لها أعداء ممن كان يقاتل الغزاة إلى جانبها، وقد حوصرت مقاومتنا حصاراً شديداً  من قبل كل القوى الرسمية العراقية والعربية والدولية وبدون استثناء أي جهة منها، لكنها  ورغم كل تلك المعوقات والمصاعب الكبيرة  حطمت جيوش الغزاة بإيمانها بالله والوطن  وبثباتها وبتضحياتها السخية، قدم البعث أكثر من165ألف شهيد مدني وعسكري على مذبح الانتصار التاريخي على جيوش الغزاة.

 لقد قرر بوش الصغير كما قال عام (2006) الانسحاب هرباً من العراق، فأنقذتهم الصحوات  حتى عام الهروب المخزي في زمن أوباما، ونكاية في شعب العراق ومقاومته وجيشه سلمت الإدارة الأمريكية المهزومة العراقَ لإيران الفارسية الصفوية، لكي تستمر بتنفيذ مشروعهم  بتدمير العراق وتجريده من كل أسلحته المادية والمعنوية، وتدمير كل عوامل حياته الإنسانية، فمسيرة البعث بعد الغزو والاحتلال لا تقارن بحروب التحرير في العالم، ولا تقارن بمسيرة الحزب قبل الاحتلال وقبل ثورته وحكمه، وإنما تفردت في تاريخ البشرية، ولم يتقدم عليها إلا مسيرة جيل وحزب الرسالة الأول، لقد بلغت الخسائر الأمريكية المعلن عنها من منظمات ومراكز بحوث ومعلومات أمريكية رسمية، في عدد القتلى 75 ألف قتيل من الجيش والقوات التي رافقت الجيش، وأكثر من مليون معوق جسدياً ونفسياً، وفي الجانب المالي  طبقاً للخبراء الاقتصاديين الأمريكيين3 ترليون دولار، أما ترامب فقد أعلن رسمياً  أن خسائر أمريكا في العراق بلغت 7 ترليون دولار، وقد وصل الاقتصاد الأمريكي إلى حافة الانهيار، هذه هي المقاومة العراقية المعجزة، لقد أعلن بوش رسمياً  في بداية الغزو  أن قواته ستبقى في العراق نصف قرن على الأقل، أذكر بهذا التصريح الرسمي لبوش الصغير، لكي لا تسمحوا أيها المناضلون أيها المجاهدون يا أبناء العراق ويا أبناء العروبة لأحد من العملاء والخونة  أو من المضللين أو من المتخاذلين أن يقول أن أمريكا انسحبت من العراق، أمريكا هربت من العراق، ولو لم تهرب في ذلك الوقت لانهارت من الداخل  كما انهار الاتحاد السوفيتي ولتشظت وتفتت.

أيها المناضلون في حزبنا…. يا جماهير أمتنا العربية.

هذا هو حزب البعث العربي الاشتراكي بعد الغزو والاحتلال، إن من المآثر العظيمة  لحزبنا ومقاومته وقواته المسلحة بعد غزو العراق واحتلاله كتبت لحزبنا وأمتنا تاريخاً بأحرف من نور،  إنه انجاز تاريخي متفرد في تاريخ الأمم كلها، إذ لم يسبق لا حاضراً ولا ماضياً في جميع الحروب الكونية وحروب التحرير الوطنية لشعب مثل شعبنا ولحزب مثل حزبنا ولجيش مثل جيشنا العظيم أن يفعلوا مثل ما فعل حزبنا وشعبنا وجيشنا، لقد خضنا حرباً عالمية  بكل معاني شمولها وعمقها وقوتها وعالميتها مع أقوى دول العالم، وأقوى الجيوش على الاطلاق، ولم نستسلم، ولم يتوقف القتال ومقاومة الغزو لا ساعة من الليل ولا ساعة من النهار، في نفس اليوم الذي أُحتلت فيه بغداد التحم الجيش مع الحزب ومع الشعب لمواصلة القتال طبقاً لقواعد حرب التحرير الشعبية، فانطلق في اليوم الثاني لاحتلال بغداد آلاف من المقاتلين ولم تمض إلا أشهر معدودة حتى وصل عدد المقاتلين من الحزب والجيش وقوى الأمن الوطني أكثر من ربع مليون مقاتل، وكانت الجيوش الغازية تتلقى الضربات في كل مكان تتواجد عليه في أرض العراق.

هذا هو حزب البعث ودوره وتجربته قبل الاحتلال، وهذا هو حزب البعث بعد الاحتلال، تحت الاجتثاث وتحت الحصار والحظر أدى البعث دوره التاريخي الرسالي، ولا يزال ثابتاً وراسخاً في أرض العراق الطاهرة ولا زال شامخاً شموخ نخيل العراق يلاحق العملاء ليل نهار، من ظله ومن اسمه ومن عنوانه ترتجف فرائسهم، وكلما عثر أحدهم أو جفل، صرخ بصوت عالي جاءنا البعث، ويقول هذه العثرة والجفلة بسبب البعث.)

إننا نثق ثقة مطلقة بأن المقاومة والكفاح والجهاد والنضال هي جزء من تكوين البعث الفكري والعملي، وتاريخه كله يشهد بذلك، وما تمسكه بفلسطين وحق تحريرها إلا دليل ساطع على إيمانه بطريق المقاومة، وجاء غزو العراق ليضع أمام البعث مهمة تحرير العراق، والتي لن يتخلى عنها بكل السبل والطرق، ومع هذا اليقين على كل عراقي وعربي شريف أن يمنح قيادة الحزب حق تقرير التكتيك واللعب في الزمن لأنها مؤمنة ثابتة وشجاعة، ولأنها هي الأكثر دراية بالمهم والأهم وبالأرجحيات.

تم بعون الله تعالى.

خِطَابُ المَوْجِ البَعْثِي الهَادِر-3

نَحْنُ نَنْهَلُ مِنَ السَّهْلِ المُمْتَنِع

(الجزء الثالث)

البعثُ حزبٌ عربي بأدواتٍ عربية

لم تنتج الأمة العربية في تاريخها الحديث حزباً عربياً منطلقاته فكرية أصيلة نابعة من صميم حاجات الواقع العربي مدركة لتناقضاته وارهاصاته المختلفة، ودارسة مجتهدة لوضع الفكر في خدمة التغيير المنشود إلاَّ حزب البعث العربي الاشتراكي.

 فالبعث حركة تغيير ثوري جذري شامل، تهتدي بفكر قومي حضاري علمي موضوعي يتسم بالأصالة، والمقصود بالأصالة هنا، أن النظرية تنبع من الواقع العربي من جهة وأن البيئة العربية مستجيبة لهذه النظرية وأدواتها التنظيمية الثورية من جهة أخرى، حيث تواجه الفقر لتبدله بثراء مادي وروحي، وتقاتل الاستغلال بقوانين الاشتراكية العربية وتصوب بجهدها الاستلابَ الذي حل بالعرب لتُحِل محله الحرية والكرامة والديمقراطية عبر تأكيد الذات الإيجابية.

البعث أول حزب عربي ذو فكر عربي وأدواتٍ عربية، وطرائقه في التطبيق تنفتح على ثوابت العلم والبحث العلمي التي تقول وتقضي بالإفادة من موروث الأمة العربية ومن النظريات والمعارف الإنسانية بكل سبل الأخذ والعطاء المعروفة.

نَظْرَة في المُرتَكَزات النَّظريَّة للبَعْثِ ومُناضِلي البَعْث:

عمل البعث جاهداً على توحيد الفكر البعثي مع ممارسات البعثيين الميدانية، أفراداً وتشكيلات تنظيمية مختلفة، عبر عمل وبرنامج ثقافي دؤوب ومتواصل يؤكد أن الحزب مدرسة حياتية نضالية، ولذلك نجد أن البعثيين عموماً يمتلكون المعرفة بالأسس الفكرية والنظرية لعقيدتهم ومضامينها الوحدوية القومية الاشتراكية التحررية، مثلما يمتلكون أيضاً قدرات مشهودة على تطبيق عقيدتهم عملياً.

البعثي يدرك عادة سمات البعث التي حددتها أدبيات الحزب بالعلمية والشعبية والثورية والأخلاقية، ومستوعب تماماً لجدل الترابط العضوي بين الأهداف الثلاثة المقدسة (الوحدة والحرية والاشتراكية).

 ويجادل البعثيون بكفاءة وعمق في موضوع العلمانية المؤمنة وافتراقها والبون الشاسع بينها وبين العلمانية الغربية الملحدة، ويدركون الحدود الأساسية للاشتراكية العربية تفريقاً لها عن الاشتراكية الشيوعية، ويفهمون في أسس الانقلاب على الذات، ويميزون بين هذا الانقلاب التربوي السلوكي الأخلاقي المنبثق والمتحقق في ذات الإنسان، ويقود إلى إنتاج الثورة العظمى التي تتحقق فيها التغيرات الجذرية لكل مكونات التخلف والجهل واليأس والقنوط وبين الانقلاب العسكري الذي يغير عادة السلطة ويستبدلها بسلطة أخرى.

 ويمكن لأي بعثي أن يحدد صلة البعث بالدين والتراث، وأن يطلق العنان للتعبير عن زهوه بالربط البعثي المبدع لصلة الحزب بالدين كرسالة وجذور للارتواء بالإيمان أثناء عملية صناعة الإنسان وصناعة التنظيم الرسالي دون أن يسعى الحزب لمنافقة الدين، كما فعلت الأحزاب الإسلاموية، ولا يوظفه في الكسب والانتشار.

البعثي، عموماً، يمكنه التنظير ولو بأدنى حدود مقومات التنظير لقضايا مثل صلة القومية بالإنسانية وصلة الحاضر بالتاريخ، ويفهم التنمية بروافدها المختلفة ودورها في بناء الإنسان الذي يعتبره الحزب هدفاً ووسيلة وغاية.

والبعثيون يعرفون تماماً لماذا اعتنقوا مبادئ البعث وعقيدته ورسالته القومية الخالدة كطريق لا بديل عنه لتحقيق دولة الوحدة الكبرى.

إن من يعتمد القراءة الموضوعية والدقيقة الفاحصة المتأنية المستندة إلى ثوابت التقصي والتحليل العلمي لخطاب الرفيق القائد عزة إبراهيم، في ذكرى ميلاد البعث الثالثة والسبعين، سيجده يغوص في بحور الفكر التي ذكرنا بعض موضوعاتها ومساراتها أعلاه، ليوضح ويثري ويغرف في ذات الوقت من هذه البحور ومن إنجازات وتطبيقات ومواقف وقرارات تم تحقيقها عملياً، وأكدت أن الفكر ينتج الوقائع وأن الوقائع تثري الفكر وتجدده وتوسع روافده وتفتح المزيد من النوافذ على انفتاحه على القريب والبعيد في عمليات النسغ المتبادلة، من جهة أخرى دون تكبر ولا مكابرة قد تفضي إلى الوقوع في متاهات الإحساس بالتخلف والضعف وجلد الذات.

خطاب نيسان ٢٠٢٠ م وثيقة بعثية قومية إنسانية فكرية، عرضت أخطر ما تعرضت له الأمة في العصر الحديث والمعاصر، بربط فكري ينساب برشاقة، تستنهضُ القارئ المتعمق وتحرك أعماقه وظاهره في آن واحد ليتصدى ويبث إرادة التغيير.

لقد تمكن القائدُ الأمين عزة إبراهيم في خطابه أن يجعل واقع الأمة العربية يبرق جلياً واضحاً بغثه وسمينه لكل ذي بصر وبصيرة، وعرض الخطاب –الوثيقة-وتطرق إلى أخطر وأعظم ما أنتجته الأمة، وخاصة في تجربة البعث في العراق، بروح مرتكزة إلى فكر البعث ومستعينة به، وتضيف له إضافات كمية هائلة ونوعية جديدة متجددة باقتدار لا تنتجه إلا عرين الأسود ومعاناة الجهاد ومن توسد البندقية وتوسد كتابين هما القرآن المجيد، في تعبيرات الصلة بالله والإسلام الحنيف، وفي سبيل البعث في تعبيرات النهل من أصول العقيدة وجذورها.

وعلى هذا فالخطاب إثراء للفكر والثقافة البعثية، ولثقافة البعثيين ووعييهم، وإضافة نوعية لتعميق صلتهم بالعقيدة فهماً وتطبيقاً ميدانياً.

الربط بين أهداف البعث في خطاب القائد:

يقول الرفيق القائد في خطاب الموج البعثي الهادر:

((البعث عبر مسيرته الطويلة التي مضى عليها ثلاث وسبعون عاماً قد حقق انتصارات فكرية وعقائدية وثقافية وتربوية هائلة …. فهو الوحيد في الأمة من ربط ربطاً عضوياً بين وحدة الأمة وحريتها وعدالتها الاجتماعية، أي ربط بين الاشتراكية والقومية، وأكد على حقيقة أن الاشتراكية يجب أن تكتسب سماتها ومعالمها وحيويتها وتراثها من ظروف الأمة الزمانية والمكانية ومن بيئتها الوطنية والقومية)).

وأول ما يلفت الانتباه في هذا النص هو استخدام القائد لعملية ربط بين كلمة (انتصارات) وبين مصطلحات محددة هي مصطلحات ومفردات فكرية، أي أنه أكد على أن للفكر والعقيدة انتصار، أي أن ثمة نصر تحققه العقيدة، وانتصارات أخرى ثقافية وتربوية يحققها نضال الحزب، مثلما يكون للمعارك العسكرية انتصارات.

يؤكد القائد هنا على أن البعث قد حقق انتصارات في الثقافة والتطبيقات والنظرية البعثية، أي في جوانب لا يمكن قياسها مادياً كما تقاس انتصارات التنمية التي لها حواضر منظورة يمكن عدها وإحصاءها.

إن هذا الاستخدام الذي يتسم بكونه استخداماً خلاقاً مبدعاً هو نقل خلاق لهذه المفردات، ذات الآفاق النظرية أو التي يطغى عليها السمة النظرية، إلى بيئتها الميدانية التنفيذية من جهة ومن جهة أخرى فهو استخدام إبداعي كونه يؤشر الصلة العضوية بين فكر البعث ممثلاً في تعبيراته ومصطلحاته المتداولة، كالفكر والعقيدة والثقافة والنظرية والتربية، وبين سعيه الحثيث ونجاحه في تطبيقه التي تقاس اعتبارياً وبين المنجزات الشاخصة القابلة للقياس والاحصاء الكمي.

ثم يجدد القائد، في النص أعلاه، إحدى علامات التفرد الفكري لحزب البعث العربي الاشتراكي ألا وهي نظرية ربط الحزب العضوي الجدلي بين أهدافه الثلاثة ربطاً عضوياً جدلياً، حيث لا وحدة عربية دون حرية الإنسان والوطن وديمقراطية منبثقة من الإرث الاجتماعي الأخلاقي للأمة تنأى عن الديمقراطية الليبرالية، حيث تتسم بثوابتها الأخلاقية والدينية، ومرتبطة ارتباطاً كلياً بإرث الأمة الاجتماعي والحضاري، وكذلك لا وحدة دون قواعد عدل تحقق رفاه الفرد والمجتمع وتنمي الدخل القومي وتطور مؤسسات الإنتاج العام والخاص المحدد بتعريف عدم العبور إلى مستوى استغلال الآخرين.

البعث، هنا، وحدوي دون انغلاق على حدود المشتركات القومية من جغرافية وتاريخ ولغة وثقافة، بل يتعداها إلى تأطيرها بالحرية والاشتراكية التي تنبع وتنمو وتتطور من ثنايا وطيات الواقع العربي القائم وبصلة حية بإرثه وبمنتجاته الثقافية التي لا تلغي الفرد لتنتج ديكتاتورية الجماعة، ولا تحبس النظام العام كنظام شامل بقيود تكبل انطلاقته الحية التي تخدم العام المجتمعي غير المتجاوز لحقوق الفرد الشخصية، على خلاف تجارب أخرى تسحق الفرد، فاشتراكية البعث العربية أيضاً هي قومية، لا تأخذ كامل مدياتها إلا بتكامل ثروات الأمة البشرية والاقتصادية، ماءً وأرضاً وسماء.

إن إثارة الرفيق القائد لوحدة الأهداف هي لفتة أخرى لاستثارة اهتمام البعثيين وشعبنا العربي بفكر حزبهم وإطلالاته المتفردة على متناقضات الواقع العربي وتنير آفاق إمكانية وواقعية تطبيق أهداف البعث كلاً موحداً، أو تحقيق جزء منها حيثما أتيحت الفرصة والظروف دون أن يحصل أي شرخ ولا انفصام في الأهداف.

إن انفتاح آفاق تطبيق الاشتراكية مثلاً لا يؤجلها بانتظار الوحدة، بل يستثمر الفرصة بكل قدراته وبكامل مساحتها، لأنه يؤمن أن الاشتراكية منصهرة مع الوحدة والتطبيق الاشتراكي سيفضي إلى فتح مسارات وحدوية تلقائياً بحكم نظرية الترابط الجدلي التي أحكمت التداخل العضوي بين الأهداف.

ويقول الرفيق القائد في الاقتباس أدناه من الخطاب:

 ((إن اشتراكية البعث قومية عربية، مؤمنة أن عقيدة البعث مرجعيتها عقيدة الأمة العربية، وفكر البعث هو فكر الأمة المتجذر والمطبوع والمولود من عقيدتها وفكرها ومبادئها وقيمها وتراثها وهو منفتح على فكر الأمم كما هي اشتراكيتنا منفتحة على تجارب العالم)).

فهو يؤكد هنا، حماه الله، على صلة الاشتراكية بالإيمان، لإبعاد النظرة الالحادية التي ارتبطت بالاشتراكية الماركسية، فاشتراكيتنا ليست شيوعية، والاشتراكية ليست فكراً شيوعاً في الأساس، بل إننا نجد له قوائم ومكونات في تراث الأمة وفي الرسالات السماوية المباركة التي حملتها أمتنا، وخاصة رسالة الختم المحمدية المباركة، والاشتراكية بمعناها ومضامينها العلمية هي منتج بحثي علمي إنساني، قابل للتعديل والإضافة والتبديل والاشتقاق منه في مفاصل معينة، أي إن النظرة إلى الاشتراكية على أنها بنت عقيدة اسمها الشيوعية هي نظرة قاصرة تماماً.

لقد برهن البعث، قطعاً، أن الاشتراكية العربية هي مسار قومي، يعبر عن حاجات العرب، وينبع من بيئتهم وإرثهم وتطلعاتهم لحياة حرة كريمة مزدهرة، وهذا ما بلغه خطاب القائد.

خِطَابُ المَوْجِ البَعْثِي الهَادِر-2

نَحْنُ نَنْهَلُ مِنَ السَّهْلِ المُمْتَنِع

(الجزء الثاني)

 

الحزبُ الذي يناضل لا تعنيه السلطة

بعد أن لخص الرفيق القائد عزة ابراهيم سلسلة المحن والمعضلات التي سلطت على أمتنا بـ:

أولاً: اغتيال وحدة مصر وسوريا التي كانت بداية انطلاق المشروع القومي الوحدوي العربي.

ثانياً: اسقاط تجربة مصر الناصرية القومية الوحدوية.

ثالثاً: اغتيال سلطة البعث في سوريا في ردة الثالث والعشرين من شباط.

رابعاً: تطويق المقاومة الفلسطينية لإنهاء دورها المفصلي في تحرير فلسطين.

خامساً: اتفاقات كامب ديفيد ١٩٧٧ التي رسمت نقطة انطلاق التطبيع الباطل الحرام مع الكيان الصهيوني.

سادساً: فرض الحصار على العراق عام ١٩٨٩.

سابعاً: غزو العراق واحتلاله وتسليمه للاحتلال الإيراني.

وعلينا أن نقف هنا لنؤكد أن هذا ليس سرداً مجرداً وضعه القائد لأحداث جسام مرت بها الأمة بل هو يحمل جوهر عقيدة البعث التي ترى فيما تعرضت له الأمة في مختلف بقعها الجغرافية على أنه كل مترابط غير معزول الأهداف والغايات والأدوات، من جهة، ومن جهة أخرى فهو يلخص أيضاً وحدة التتالي الزمني للأحداث وتصاعدها تماهياً مع تصاعد همة العرب وازدياد وعيهم بحقوقهم وارتقاء وسائلهم الميدانية والتي كانت أعظمها تجربة العراق الوحدوية الثورية التقدمية الاشتراكية.

لم يكن التآمر وحلقاته معزولاً ولا بصيغة استهداف فردي ضد قطر بعينه بل كان مصمماً ضمن حلقات مترابطة ولمواقع تمثل وزن الأمة الأثقل كمصر وسوريا والعراق التي لولا تلك المؤامرات وتنفيذها العدواني لكانت قد اتحدت ولصار للأمة شأن آخر، من بين ملامحه الأهم تحرير فلسطين، ولذلك كان التآمر على المقاومة الفلسطينية هو تتويج للتآمر على أقطاب الأمة الثلاث وبؤر وعيها وفعلها القومي، فتحجيم المقاومة الفلسطينية وانهاؤها هدف يعزز سياسات عزل مصر والعراق وسوريا القومية واستهداف حراكها الشعبي حيثما بان منه ما هو مخيف لقوى التعاضد والتساند ضد الأمة، ألا وهي الامبريالية والصهيونية والفارسية المجوسية، ثم كان على الثلاثي المجرم أن يصل إلى ذروة التحطيم بحرب إيران على العراق ومحاصرته تمهيداً لغزوه واحتلاله.

وفي الوقت الذي يرسم فيه القائد رؤيته العلمية العميقة لما حل ويحل بالأمة فإنه لا يكتفي بالتشخيص لمواضع العلل والكسور المركبة المضاعفة بل يمضي قدماً ليستكمل شروط العلاج والمواجهة، لأن الأمة لا تستسلم ولا تخنع، فتأتي الوصفة من العراق، أي من القلعة التي ظنوا إنهم قد هدموها والسد الذي ظنوا، واهمين، أنهم ثقبوا قلبه ليمضي السيل جارفاً مغرقاً كل الجسد العربي.

إنه مقاومة البعث في العراق ونضاله وجهاده الذي يمثل بكل جدارة الرد الوطني والقومي على حزمة العداء والتآمر بكل توصيفاتها المترامية على زمن بدأ بمؤامرة افشال الوحدة وانتهى بغزو العراق، فالبعث هو الأمة، ليس لفظاً يردده عشاق البعث والأمة، بل هو واقع يتجسد بوجود البعث منافحاً ومناضلاً ومجاهداً في كل محطات ووقائع العدوان على الأمة ولأنه حمل السلاح في يوم دخول الغزاة إلى بغداد الحبيبة ليطلق المقاومة العراقية المعجزة، ولأنه الحزب الذي لم ينشأ مثل باقي القوى التقليدية الباحثة عن النفوذ والسلطة ومغرياتها بل لتحقيق آمال العرب وطموحاتهم في الوحدة والحرية والاشتراكية.

والحزب الذي يناضل لتحقيق مثل هذا الثالوث المقدس لا تعنيه السلطة وتبديل الحكام، بل يعنيه صناعة الواقع النقيض لما هو سائد ويتسم بالتخلف والانحطاط والرداءة، إننا نقول برسالية البعث وهدفه الأسمى بإقامة دولة العرب الواحدة، وهذا هو بالضبط ما يقوم به البعث ويقدم من أجله التضحيات الجسام حيث إنه يعلن عن استمرار وجود الأمة وأهدافها الإنسانية السامية العظيمة، ليس ببيانات ولا اجتماعات وندوات بل بعمل ميداني بدأ ولن يتوقف ويتصاعد ذروة بعد ذروة وقمة بعد قمة.

 ودعونا نطالع معاً هذا المقطع من خطاب الشيخ العراقي العربي المقاتل المجاهد المؤمن الذي رسم فيه ما نهلناه من موجه البعثي الهادر في سطورنا أعلاه:

((أيها الرفاق المناضلون، يا أبناء أمتنا العربية المجيدة:

كلُ تلكَ المؤامرات والتحديات والمواجهات كانت مصممة لإيقاف واجهاض أي نهوض عربي تقدمي تحرري حضاري إنساني ينهي حالة التخلف والتشرذم ويمهد لقيام كيان عربي موحد وقوي في عالم لا يرحم الضعفاء.

 من هنا أيها الرفاق تفرضُ علينا ضَرورات المرحلة وخطورتها وتحدياتها المصيرية  ونحن في العراق بفضل الله وبأصالة شعبنا وعمقه التاريخي والحضاري نخوض معركة الأمة كلها، علينا أن نُعيدَ التذكير بمسارات الخلاص الوطني والقومي، فنقولُ إن البعث العربي الاشتراكي لم يكن ظُهورهُ حاجةً سياسية مرحلية  كغالبية الأحزاب السياسية التقليدية التي كانت ولا زالت تَظهرُ مَرحلياً ثم تختفي، أما حزبنا فقد كان وسيبقى حزباً رسالياً خالداً أبد الدهر لأن الرسالية تعني الديمومة ما دامت الأمة العربية، وتعني التطور والتجدد والانبعاث والنهوض الحضاري الإنساني الشامل والعميق للأمة وحسب متغيرات البيئة الوطنية والقومية والدولية، وهكذا يبقى البعث الرسالي ملبياً لتطلعات الأمة بكلِ عُمقِها وشمولِها وفق ضرورات ومتغيرات العصر، ولذلك يجب على الحزب الثوري الرسالي أن يضع استراتيجيات لمراحل مُتعددة وفي جَميعِ الميادين  للتنفيذ وانجاز المهام الملحة  وفقاً لعقيدته ومبادئه وأهدافه، وأن يضع استراتيجية عامة بعيدة المدى تحدد الخطط المرحلية المطلوبة ما دام الصراع  بهذا المستوى من التعقيد والخطورة ولا يتحمل الهبات  والمواقف الآنية المجتزأة، ولهذه الحقيقة فإن بعث الأمة الرسالي  الحضاري الإنساني اليوم  يناضل ويكافح ويجاهد ويقدم التضحيات السخية ليس من أجل استبدال نظام بنظام، وليس من أجل الترقيع والتلميع لأنظمة بالية أكل عليها الدهر وشرب، بل من أجل التغيير الشامل والعميق  لواقع فاسد ومتخلف ومريض، وأمراضه مزمنة، وصولاً إلى إقامة حياة  سليمة ومتجددة وناهضة  نحو التطور والتقدم والازدهار، فالبعث ووفقاً لما تقدم ووفقاً لعقيدته حدد هدفه الأساس الرئيس وهو انبعاث الأمة  من رقادها وسباتها الطويل والمخيف والقاتل  الذي تعج  فيه الأمراض  والفساد والتخلف والتفتت  والعمالة والخيانة  والتسليم المطلق المذل المهين للأجنبي والاستسلام له، وأعلموا أيها الرفاق أن أهداف البعث  وطبيعته وسمته الثورية التحررية الرسالية  هي التي حددت أعداءه وخصومه وأصدقاءه وحلفاءه ومؤيديه، فالأعداء والخصوم هم من يتضرر ويخشى ويخاف حد الرعب من تحقيق أهداف البعث الرسالية، ومن استئناف الأمة العربية لدورها الحضاري الإنساني بين الأمم، تلك الأهداف السامية التي حددها البعث بدقة وعن علم ووعي وحكمة، وهي الوحدة العربية والحرية والاشتراكية، ثالوث البعث المقدس، إن أهدافَ البعث  في وحدة الأمة الشاملة من محيطها إلى خليجها وحسب معطيات التطور الإنساني والبيئي والحضاري  لمسيرة الانسانية، ثم حرية الأمة وتحررها واستقلالها، وحرية أبنائها، ثم نظام حياتها الشامل القائم على العلم والمعرفة  وتجارب الأمة وتجارب الأمم الأخرى، وكل ذلك كفيل  بتسريع مسيرة الأمة نحو استعادة دورها الحضاري الإنساني بين الأمم)).

خِطَابُ المَوْجِ البَعْثِي الهَادِر-1

المقدمة

خطاب تاريخي شامل للرفيق القائد عزة إبراهيم، الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، القائد الأعلى للجهاد والتحرير بمناسبة الذكرى الثالثة والسبعين لميلاد الحزب، ألقاه عند الساعة السادسة من مساء اليوم السبت 11-04-2020.

  كان الخطاب بحراً هائجاً، تمثل روح البعث في ولادته وانجازاته العظيمة للأمة، وخاصة في تحقيق تجارب وحدوية تاريخية أهمها تجربة الوحدة المصرية السورية.

   أنار الخطاب مسيرة الحزب النضالية كقائد للفكر والعقيدة القومية الوحدوية التحررية الاشتراكية بمنظورها العربي، وأكد على دوره الرسالي الذي بث عطاءه وسيبقى يبث حتى تحقق الأمة أهدافها الرسالية التي تحقق إرادة العرب وتنفتح على الإنسانية.

  شرح القائد أسباب العداء الخارجي والداخلي للبعث، وأكد أنه ليس أخطاء البعث ولا هفوات قيادته، بل لأن البعث قد وضع الأمة على طريق تحقيق ذاتها القومية وعلى مسارات التطور والرقي.

  أوضح الرفيق القائد انجازات البعث العظيمة في العراق، التي حولت العراق إلى بلد منتج للتكنولوجيا الثقيلة والصناعات المدنية والعسكرية وامتلاكه لنواصي العلم وجيوش العلماء.

   بين الرفيق القائد خطورة الاحتلال الفارسي المجوسي للعراق وعدد من أقطار الأمة وتهديده لباقي أجزائها، وأكد على أن تحرير العراق هدف مركزي إلى جانب قضايا الأمة المركزية في فلسطين والأحواز والخليج والجولان.

   تحدث القائد الحبيب عن دور البعث قبل غزو العراق وبعده، وأفاض في تفاصيل مقاومته المعجزة وتفردها وسماتها وانجازاتها وتضحياتها.

  أكد على أن ثورة تشرين السلمية هي تعبير عن نضج عوامل الثورة الشعبية، وهي امتداد لكل العمل المقاوم الجبار الذي سبقها.

  نوه القائد إلى خيانة قوى محلية وعربية وإقليمية قبل غزو العراق وبعده.

 أشاد حفظه الله بالمقاومة الوطنية الشعبية، وبمن التحق بها من رجال القوات المسلحة، التي شكلت أكثر من مئة فصيل مقاتل، وخص رجال الطريقة النقشبندية بالاعتزاز والثناء. وذكر خسائر الغزاة الفادحة في الأرواح والمعدات وارغامهم على الهرب من العراق.

خطاب الموج البعثي الهادر، الذي ألقاه الرفيق عزة إبراهيم، بمناسبة ميلاد البعث العظيم، رسم أكثر من خارطة طريق للعرب لكي ينهضوا ويوقفوا تداعي أحوالهم، ويوقفوا العدوان الإيراني والأمريكي الغربي على حياتهم وثرواتهم وجغرافية وطنهم.

العربي الغيور سيتوقف طويلاً أمام ما جاء بالخطاب في مختلف شؤون السياسة والمقاومة والعلاقات والاقتصاد، والعرب الغيورون كثر، وعلى البعثيين في الوطن العربي إيصال الخطاب مكتوباً وعبر الوسائط الالكترونية إلى ملايين العرب والتحرك دون خوف ولا تردد على القوى السياسية الوطنية والقومية والإسلامية الوسطية في مبادرات شجاعة لتنفيذ خارطة طريق إنقاذ الذات القومية التي تغوص الآن في أكثر من مكان تحت سطوة فارس المجوسية المستقوية بأميركا وأوروبا.

شيخ المجاهدين أعاد إضاءة المسارات وفتح هذه المسارات لخطاب متجدد متوازن، وفعل مقدام يعبر روتين القوالب الجاهزة، ويحافظ على الرسالة والعقيدة والأهداف والمبادئ، لأنها هي بوصلة العرب في الركوب إلى قوالب النجاة.

كتبنا بعون الله سلسلة مقالات تنهل من سلسبيل هذا الخطاب العذب الواسع العميق، وتتوقف عند محاوره الرئيسية بما يحقق هدفه الأغلى في التوثيق والتاريخ والتشخيص الشجاع المصوب المبصر الحكيم والمُثَوِّر للعرب وقواهم الخيرة.

نَحْنُ نَنْهَلُ مِنَ السَّهْلِ المُمْتَنِع

(الجزء الأول)

ونحن نستمع إلى خطاب الرفيق القائد المجاهد عزة إبراهيم الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، القائد الأعلى للجهاد والتحرير، في الذكرى الثالثة والسبعين لميلاد حزب البعث العربي الاشتراكي انتابتنا مشاعر كثيرة وذات اتجاهات متعددة في مقدمتها أننا نستمع لكلام يصدر من رجل استثنائي في زمن استثنائي وفي ظروف استثنائية الله يعلمها، ونحن متأكدون إنها عسيرة وليس لها مثيل، وفي سياق مشاعرنا وأحاسيسنا تقف أيضاً صورة المجاهد عزة إبراهيم يتحدث بشمولية وعمق وقوة وشجاعة عن أحوال العراق وأحوال الأمة العربية، وهو مطلوب، وتبحث عنه الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والكيان الصهيوني وإيران الصفوية منذ ما يزيد على ستة عشر سنة، ومع هذه الدول بكل قضها وقضيضها وامكاناتها آلاف من العملاء الخونة المحليين ويعجزون بإرادة الله فقط لا غير من اعتقاله أو اغتياله.

 يتحدث بمصالح الأمة وحقوقها وسبل تحقيقها كما لا يمكن أن يفعله أي رجل غيره من العرب أو المحسوبين عليهم من المرفهين القاطنين في القصور الفارهة وتحيط بهم كل ممكنات الحياة المرفهة وتنافقهم آلاف القنوات الفضائية والصحف والمجلات وجيوش من الإعلام المرتزق.

نعم، الشيخ المجاهد الأسد الهصور عزة إبراهيم يقول ما لا يستطيع غيره أن يقوله، وقوله الجسور الشجاع يأتي من عرين أسد في جبل أو تلة عراقية أو مزرعة أو بستان في ديالى أو من أحد أهوار الجنوب، وربما من مرقد من مراقد أهل بيت الرسول عليه وعليهم سلام الله في الدجيل أو سامراء أو الكاظمية أو كربلاء أو النجف، ألا يحق لنا إذن نحن المستمعون إلى هدير الموج البعثي القادم من أرض العراق، ومعنا كل ابن حرة رضع من صدر أم طاهرة عفيفة أن نعانق الزهو والفخر ونتباهى بمعجزة وجود عزة إبراهيم قائداً لتحدي العراق والأمة للفناء والردى وعواصف وبراكين القوة الغاشمة والمكر والخبث والكيد الذي تصدى له الله سبحانه في القران المجيد وفي كل رسالات السماء، ألا يحق لنا أن ننهل من هذا السيل من المنطق والفعل والتوثيق السابح في بحر واسع عميق من السهل الممتنع العجيب؟

في استهلال الخطاب التاريخي يشخص الرفيق قائد نضال العرب وجهادهم الذي يمثل معجزة العصر ثلاث قوى أساسية ناصبت العرب العداء وتآمرت عليهم وغزتهم واحتلت أرضهم، ويعيد التأكيد بما لا يقبل لبس ولا اجتهاد ولا ركون إلى التحليلات التي تُسيِّرها أهواء مختلفة ومتضاربة:

(أيها الرفاق المناضلون في حِزبِنا حيثُما كُنتم في وطنِنا العربي الكبير، وفي بلادِ المهجر، أيها الأصدقاء والحلفاء.

يا جماهير أمتنا العربية المجيدة

اليوم تمرُ الذكرى الثالثةُ والسبعون لتأسيس حِزبِنا حزبُ البعث العربي الاشتراكي ، وأمتُنا العربية تمر بأخطرِ وأدقِ مَراحِل نِضالِها وكِفاحِها وأشدها تعقيداً ، وسَطَ تحدياتٍ خطيرة للغاية وغير مسبوقة منذ قرون مضت وفي مُقدمتِها التَحدي الاستعماري الفارسي الاستيطاني الذي تمادى في غيه وأوغل في جرائمه ومعه وبنفس المستوى التحدي الصهيوني العنصري البغيض، ثم التحدي الاستعماري الغربي القديمُ والحديث، ومن أهم عوامل التحدي هو ظاهرة التلاقي الاستراتيجي بين هذه الأطراف الثلاثة التي عَقَدت عَزمَها على تصفية حساباتها القديمة والحديثة مع أمتنا العربية، فدخلت في صراعٍ مصيريٍ ومتواصل مع الأمة منذ بداية القرن الماضي إلى اليوم، وهو في تصاعد، ولو نظر أي إنسان منصف سَليم الفطرة إلى ما جرى ويجري في العراق وفلسطين وسوريا واليمن وفي ليبيا وفي الأحواز، وفي بقية الأقطار العربية، لهالهُ الحجم الضخم للظلم الواقع على شعبنا وأمتنا، و من أبرز مظاهره هو التدمير الشامل لحياة شعبنا وفي كل مناحي الحياة وميادينها وتلغيم وتفخيخ مُستقبَلهِ بالكثير من القنابل المدمرة، وأنتم تعلمون أن حِزبَنا حزبُ الرسالة الخالدة الذي ولد أصلاً للتصدي للتحديات المصيرية التي واجهت الأمة العربية ولازالت تواجهها وتزداد قساوة وضراوة ولإنقاذ الأمة وتحقيق ثورتها الكبرى التحررية النهضوية الإنسانية لإعادة الأمة إلى دورها التاريخي الطليعي في مسيرة الإنسانية نحو التحرر والتقدم والتطور والتحضر، ولكن القوى الاستعمارية الكبرى المهيمنة على العالم تتعمد وبإصرار تعبئة كل قوى الشر في الأرض خَلفَها للتصدي لثورتِنا وإيقافِ نهضتِنا الوطنية والقومية والإنسانية، فكلما نهضنا وظهرت في أمتنا مراكز وقواعد تقدم علمي وحضاري تعرضت للتخريب والتدمير وَوضَعتْ أماَمها عشرات التحديات المصطنعة والمفبركة).

 القوى الثلاث التي حددها مجدداً الرفيق القائد إذن هي:

– الغزو والاحتلال الاستيطاني الإيراني.

– الاحتلال الصهيوني الاستيطاني المجرم.

– التحدي الاستعماري الغربي.

وبكل روح الحرص الوطني والقومي وتواضع الشجعان الصناديد المؤمنين يجدد الرفيق الأمين ويؤكد بقوة على التلاقي الاستراتيجي بين العدوان الإيراني الفارسي المجوسي الصفوي وبين الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وعدوانه الدائم الممنهج على الأرض والإنسان والوجود العربي برمته، وكذلك يرسخ الرؤية إلى تخادم هذين العدوانين على العرب مع العدوان الغربي بما فيه من تحالف شرير ظالم بين الولايات المتحدة وأوروبا.

المجاهد عزة إبراهيم يلقي الحجة مجدداً، وينير الكواليس، ويكشف عنها، ويضع الجميع أمام مسؤولياتهم التي تخلوا عنها، أو التي لم يمارسوها أصلاً، وهو هنا يمسك بأصابعه الكريمة ليفتح العيون التي تغمض، عدا عن حقيقة الترابط الاستراتيجي بين عقيدة الغزو والاستيطان الفارسية والصهيونية والامبريالية الغربية، إن هذا التجاهل للترابط والتخادم غير الأخلاقي الذي تكمن فيه المتناقضات الكثيرة وتطفو على سطحه وتسيير حيثياته التكتيكية الآنية والمتقاربة زمنياً مصالح تقويض الوجود العربي والقوة العربية عبر بعثرة جهود العرب للوحدة وأسباب المنعة والاقتدار بالسيطرة على ثروات الأمة وجغرافيتها الاستراتيجية الخطيرة.

كتاب الشهر / ميشيل عفلق الذي لم أعرفه كما يجب! / الدكتور محمد عمارة
كتاب الشهر / ميشيل عفلق الذي لم أعرفه كما يجب! / الدكتور محمد عمارة
ناصر الحريري

.
بسم الله الرحمن الرحيم  
للكتاب والقراءة أهمية عظمى في حياة الأمم والشعوب، وفي عالمنا المعاصر حيث تحتدم التحديات والمتغيرات في مختلف الأصعدة والمجالات، أصبحت المعرفة أحد أهم الأسلحة التي تتسلح بها الشعوب في كفاحها حتى أضحت حاجة جوهرية لا غنى عنها من أجل البقاء وتحقيق التطور والازدهار. وفي ظل عمليات التجهيل المنَظَم والمتَعَمَّد للأجيال الصاعدة من الشباب في وطننا العربي يحتل هذا الأمر أهمية استثنائية. وتساهم العديد من الإصدارات العربية الحديثة في إلقاء الضوء على القضايا الملحة في وطننا العربي، وتنوير الرأي العام ونخبه الفكرية والثقافية، وتعميق الوعي لديها، فتشكل منارات هادية تضئ الطريق أمام أبناء الأمة ولا سيما أجيالها الصاعدة، لتتزود منها بالمعرفة اللازمة لمواصلة الطريق في دفاعها عن خيارات الأمة وحقها في الحياة ومواصلة رسالتها الخالدة بين الأمم. يسلط برنامج ” كتاب الشهر ” الضوء على هذه الكتب ويتناول بعدها القومي وتأثيراتها ودورها في تعميق الوعي فيقدم خلاصات للنصوص الجديدة في مجالات الثقافة القومية والفكر العربي المعاصر والتحديات الراهنة في مختلف المجالات، تشترط الرصانة الموضوعية، وتضمن الفائدة العامة لجميع القراء والمتصفحين.
ولإثراء النص وتعميق مضامينه، يشرع كتاب الشهر نوافذ للحوار العلمي، وتبادل وجهات النظر.  كتاب هذا الشهر يحمل عنوان:
ميشيل عفلق الذي لم أعرفه كما يجب!
للدكتور محمد عمارة.
ونعرض فيما يلي قراءة أولية له من إعداد ناصر الحريري.
  ميشيل عفلق الذي لم أعرفه كما يجب!
* تأليف الدكتور محمد عمارة
عرض ناصر الحريري  
يشير الكتاب في البداية إلى أن مؤلفه قد جمعته علاقات صداقة مع عدد كبير من مفكري حزب البعث العربي الاشتراكي ومناضليه، ولم يكن قد قرأ على نحو منّظَّم أعمال مؤسس الحزب ومفكره الأول وفيلسُوفَه الأكبر الأستاذ أحمد ميشيل عَفلَق. ويشير بصراحة الى انه كان لديه انطباع سلبي، ثم يتساءل ” فكَيف ولماذا تغيَّر الحال واحتلَّت دراسة مشروعه الفكري الأهمية التي جعلته يعطيه عاماً كاملاً للقراءة والتأمُّل ويشرع في كتابة هذا الكتاب؟   ويبدو أن ما رافق وفاة القائد المؤسس رحمه الله في 24-6-1989 من بيانات ونشريات ووقائع قد كان بداية لنقطة تحوُّل عند المؤلف، حيث كان يومَئذٍ مُشاركاً في ندوة علميّة عن ” السُنة النبَويّة ” فاطلع من مصدر على بيان القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي وما تضمَّنه من تفاصيل منها اعتناق الأستاذ أحمد ميشيل عفلق للإسلام، وكيف أنه لم يرغب هو ولا رفاقه في القيادة إعلان ذلك حرصاً منهم على ألا يُعطى لهذا الخَيار أي تأويل سياسي، وأنه قد تم دفنه وفق الشريعة الإسلامية. في هذا اللقاء بدأ خيط الاهتمام بفكر القائد المؤسس وما هي ملامح المشروع الفكري للبعث يتخذ مكاناً في عقل واهتمامات المؤلف الفكرية؟ ويشير د. محمد عمارة إلى أهمية هذا الموضوع لأن القائد المؤسس: ” هو رجل من أبرز مفكري وقادة التيار القومي العربي في العصر الحديث، وأستاذ تتلمذ عليه أجيال من المناضلين والمفكرين والمثقفين، وأهم من هذا، ان المشروع القومي الذي صاغه هذا المفكر قد تبناه تيار فكري سياسي مؤثر في واقعنا الفكري والسياسي…”. يتناول المؤلِف في كتابِه ” ميشيل عفلق الذي لم أعرفه كما يجب! ” زيارتَه إلى بغداد في أبريل سنة 1981م بدعوة مِن جامعتِها لإلقاء بعض المحاضرات على أساتذة قسم السياسة – بكلية القانون والسياسية – وطلبة الدراسات العليا فيه، فيذكر تأثُره بخطاب القائد المؤسِس في ذكرى تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في – 7 نيسان – وما تضمّنَه عن علاقة العروبة بالإسلام، والذي كان مدعاة الى تعمُّقِه بمُراجعة الخِطاب ودراسته التفصيليّة لاحقاً. ثم جاءت دعوة الجمعية العربية للدراسات السياسية ومركز الدراسات السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة له للمُشاركة بالكتابةِ عن الأستاذ ميشيل عفلق ومحاور مشروعه الفكري، حيث طلبَ منه القائمون على الندوة أن يكتب عن محور “الإسلام في فكرِ ميشيل عفلق”، فشَكَّلَت تلك المشاركة فرصة له حيث انتقلت جهوده من الرغبة إلى الممارسة والتطبيق. فبدأ بجمع كل كتابات القائد المؤسس. ولأنه وجد أن الأمر أكبر من أن يُختَزَل في صفحات تُقدَّم إلى ندوة، قرَّر استكمال البحث ليخرج في هذا الكتاب. يشير المؤلِّف الى انه كتب عن الاستاذ أحمد ميشيل عفلق العديد من الكتاب والدارسين، وقد يرى البعض أنه لا مجال لجديد بعد الذي كتَبَه المفكِّرون والمثقفون والساسة البارزون عنه، ولكن ما توصل إليه أن الذين كتبوا عنه سواء من أي طرف كانوا، موالين او خصوم، بعثيين أو غير بعثيين، قد صَمَتوا صَمتاً كاملاً عن دلالة العلاقة بين العروبة والاسلام، في مشروعه الفكري وحياته النضالية. ويشير الكتاب إلى أن موقع المؤلِّف الفكري من كتابات القائد المؤسس ومشروعه الفكري ومسيرته النضالية قد مثَّل عاملاً مساعداً ليكتشف ما لا يستطيع أن يكتشفه فيه تلامذته ومريدوه الأقربون أو حتى خصومه المناوئون.  فيقول عنه ان القائد المؤسس قد استطاع ان يكتشف في الاسلام ما لم يكتشفه الذين ورثوا الدين دون بحث وكدّ ومعاناة. يتناول الكتاب تحليل الواقع الذاتي والموضوعي في فكر البعث من خلال تحليله لمقولة القائد المؤسس التالية:  “قراءة جديدة للإسلام كشفَت لنا عن حقائق أساسية في روح شعبنا ونفسيته وأضاءت لنا طريق العمل الثوري. وثمة واقع ذاتي جاءَ في الوقت نفسه تعبيرًا عن واقع موضوعي… الواقع الذاتي هو أنني شخصياً، في بداية تكوين الحزب، اكتشفتُ الإسلام. أقول اكتشفت ولا أعني أنني لم أكن أعرف الإسلام – فقد كانت هناك أُلفة منذ الصغر- اكتشفت الإسلام كثورة… كتجربة ثورية هائلة، وقرأته قراءة جديدة من هذا المنظار… في أنه عقيدة، ونضال في سبيلها… وقضية هي قضية أمة، وقضية إنسانية. بل إنه قضية أمة بتصور إنساني أوسع… ونضال على أروع ما يكون بأعلى مراحله وبما فيه من تنظيم دقيق وتثقيف، إلا أنه أيضًا دين، فهو تجربة ثورية، السماء فيها متداخلة بالأرض.”… وهنا يقف المؤلف وقفة تأمل وتفسير واستخلاص لحقائق تاريخ القائد المؤسس وكيف انه في النص اعلاه تتجسد حقيقة أن الذي جعله ورفاقه الأوائل يختارون صيغة” البعث” و” التجديد” لتراث الأمة وهويتها ليس صيغة الليبرالية الغربية أو الماركسية، وإنما اكتشافه المبكِّر للإسلام، فكان الاختيار لطريق البعث هو الذي ميز مشروع البعث الفكري عن تلك المشروعات التي اختارها عرب آخرون. ويستعرض الكتاب الاكتشاف والربط المبَكِّر (أي منذ بدايات تأسيس البعث) بين العروبة والإسلام، ويتناول شرح القائد المؤسِّس كيف ان الدين كان يُجسِّد الثورة والحضارة للعروبة، وهو التراث والهوية بالنسبة للأمة، ورسالة إنسانية خالدة لها.  ثم يعرض نصاً من نصوص كتاباته ذات الدلالة العامة في هذا الموضوع الهام ومنها قول القائد المؤسس : ” لقد كانت اللحظة التاريخية في حياة الثورة العربية المعاصرة هي سلامة الاختيار… وقد كان الموقف من التراث القومي أي من الإسلام وعلاقته الوثيقة بمرحلة الانبعاث القومي المعاصرة، معبراً عن إحدى الاختيارات الكبرى لفكر البعث… ولأن هذه النقطة الأساسية لم تعط حتى الآن الاهتمام الذي تستحقه، بل بقيت مجهولة من الكثيرين، كان لا بدّ، حرصاً على المستقبل وسلامة الاتجاه، من الإشارة الصريحة الى ذلك، والتتمـّة على الأجيال البعثية الصّاعدة.” ويتناول الكتاب حديث القائد المؤسس في ذكرى الرسول العربي حيث يتحدث عن قصته مع الإيمان وعن اكتسابه له بالألم والمشقة وكيف أنه لم يرثه بالتقليد! فيشير الكتاب الى ان النص التالي ذي دلالة كبرى: “لا يفهمنا إلا المؤمنون، المؤمنون بالله. قد لا نُرى نصلي مع المصلين، أو نصوم مع الصائمين، ولكننا نؤمن بالله لأننا في حاجة مُلحَّة وفقر إليه عصيب، فعبئنا ثقيل وطريقنا وَعِر، وغايتنا بعيدة. ونحن وصلنا إلى هذا الإيمان ولم نبدأ به، وكسبناه بالمشقة والألم، ولم نرثه ارثاً ولا استلمناه تقليداً، فهو لذلك ثمين عندنا لأنه ملكنا وثمرة أتعابنا..”. ويعبِّر المؤلف عن اعجابه بهذه المقولة فيقول: ” إن الكلمات الأخيرة يجب أن توضع أسفلها عشرات الخطوط”. ثم يضيف إلى أن القضية المهمة: هي مكانة الإسلام في المشروع الفكري والحضاري للبعث ومؤسسه، الذي هو المشروع الفكري والحضاري لواحد من أبرز وأهم فصائل التيار القومي العربي المعاصر، وليس مشروعاً خاصاً لمفكر من المفكرين أو كاتب من الكتاب. يتناول الكتاب شرح لما ميّز فكر الأستاذ أحمد ميشيل عفلق وهو اكتشافه للإسلام فجعله “بعثاً ” وإحياءً وتجديداً لهوية الأمة وتراثها ورسالتها، ولم يجعل القومية مجردة من الدين والتراث، ولا جعل صبغتها ليبرالية غربية أو ماركسية. ثم يحلل حجم مرجعية هذه القيم في هذا المشروع الحضاري البعثي بالنسبة إلى حجم المؤثرات الأخرى، ودرجة الوضوح لهذه الأسس والموازنات في أدبيات هذا المشروع الفكري وخاصة في مجال الربط بين الإسلام وبين العروبة والقومية والعلاقة بينهما، وأيهما الأصل؟ وأيهما الفرع؟ ويتناول معنى الرسالة الخالدة لهذه الأمة الواحدة ودرجة وضوح هذا المعنى في أدبيات هذا المشروع، وعلاقة الدين بالدولة، والموقف من العلمانية، وكذلك دور الدين في تميز الأمة ومشروعها الحضاري عن الأمم الأخرى، ومشروعاتها الحضارية وخاصة في المواجهة مع الحضارة الغربية. ثم يتناول العوامل التي أدت إلى تطور المشروع الفكري للبعث وموقف القائد المؤسس ويلخص بعضها فيما يلي: * أن الإيمان قد حدد توجهه الفكري والسياسي والحضاري منذ فجر حياته النضالية.  *إن هذه الإضاءات الفكرية لم تسلط عليها الأضواء ولم تُعط حقها من الإبراز والإيضاح والتفصيل. ويستعرض الكتاب موقف القائد المؤسس من اللبرالية الغربية فيقول لقد كان منذ بداياته الفكرية رافضاً لليبرالية الغرب لكنه وقف موقف الدارس المستفيد المنتقي من شمولية الغرب، الأمر الذي دفع إلى زيادة حجم الاستقلال الفكري عنده لزيادة الاهتمام بالربط بين العروبة والاسلام باعتباره السياج الحقيقي والمنبع الحقيقي لهذا الاستقلال الفكري. ويشير الكتاب إلى أنه في الوقت الذي أكد فيه مؤسس البعث على جمود وتراجع منابع الاشتراكية الغربية فانه دعا لمزيد من استلهام الأصالة وروح الأمة كي لا يصل المشروع الحضاري إلى طريق مسدود. كما اهتم المؤلف بخطاب 7 نيسان 1977 حيث أشار القائد المؤسس فيه إلى أن مكانة الإسلام ودوره في تميز هذا المشروع الفكري: ” لم تعط حتى الآن الاهتمام الذي تستحقه، بل بقيت مجهولة من الكثيرين، كان لا بدّ، حرصا على المستقبل وسلامة الاتجاه، من الإشارة الصريحة الى ذلك، والتتمـّة على الأجيال البعثية الصّاعدة.” وهو بذلك يعلن عن تصديه لاستكمال النقص وإيضاح المجهول” حرصاً على المستقبل وسلامة الاتجاه” ويعلق الآمال على الأجيال البعثية الصاعدة في هذا المشروع.
ويوثق الكتاب اشادة القائد المؤسس بدور المناخ العراقي في اغناء فكر البعث حيث يقول: “والآن نشعر بأن في تجربة حزبنا في العراق، للمرة الأولى، تأخذ أفكار الحزب مداها”. وقد جمع د. محمد عمارة كتابات القائد المؤسس في العراق عن التراث والإسلام لتشكِّل جزءاً كاملاً من الكتاب هو الجزء الثالث، مشيراً الى ان أغلبها هي محاضرات القاها في مدرسة الإعداد الحزبي، ملقياً الضوء على ان التركيز على الإسلام والتراث لم يكن كلاماً للمناسبات العامة، وإنما كان مادة فكرية لإعداد القيادات الحزبية، مع كل ما يمثله ذلك من دلالات وأهمية بالغة.  كما يشير الكتاب الى حقيقة جوهرية وفي غاية الأهمية وهي ان مواد الجزء الثالث المشار اليها اعلاه كانت سابقة في تاريخها على أحداث إيران عام 1979، لذا لم تكن مزايدة إسلامية على الشعارات المرفوعة في تلك الفترة، مما يؤكد أن الموقف الفكري للبعث وقائده المؤسس إذن من الدين والتراث هو موقف فكري أصيل، فيه تصاعد وتفصيل وتوضيح وتعميق وتطوير مستمر. في هذه السياق يطرح الكتاب سؤالاً هاماً عن: مكانة الدين في المشروع القومي ومرجعيته في المشروع الحضاري؟ فيقول إن كتابات المؤسس تتحدث عن الإسلام ليكون غذاء للمشروع النهضوي وطاقة للبعث والنهضة، فهو يصف الإسلام: الثورة، والإسلام: التجربة المفصحة عن عبقرية الأمة، والإسلام: التراث الروحي المكوِن لقومية الأمة، والإسلام: الحضاري المميز للأمة وقوميتها ونهضتها عن غيرها من الأمم والقوميات والنهضات.
ويؤكد الكتاب على أن القائد المؤسس هو نموذج للمفكر القومي الذي يتبنى الإسلام الحضاري، فمع اعترافه وإيمانه بالإسلام كدين سماوي إلا أنه لا يتبنى في مشروعه الفكري والحضاري جانب الإيمان الغيبي،
لأنه يراه كشأن إيمان فردي يحمي الإنسان من ضياع الإلحاد، الذي يرفضه. لكن ما يستدعيه للمشروع الحضاري ويتبناه مرجعاً في النهضة القومية والبعث العربي. ويشير المؤلف الى انه بذلك قد تقدم على وظل متميزاً عن المفكرين الإسلاميين وظل مشروع البعث متميزاً عن مشروعات النهضة الإسلامية.
ويضيف إلى أن آفاق فكر القائد المؤسس تنتظر من مفكري التيار القومي العربي أن يواصلوا السير على طريقه، لأنها تفتح وتفسح أمامهم سبل التطور والوضوح التي لا تعرف الحدود، طالما استمرت في التجدد والنمو حيوية العقل الإنساني الذي يسعى إلى الاقتراب من الكمال.   
*معاد للأهمية  
  مكتب الثقافة والاعلام القومي
29/11/2021
خالدون في سبيل البعث- البعث والنضال العمّالي في اليمن

خالدون في سبيل البعث

من سجل النضال القومي المجيد

 

حزب البعثُ العربي الاشتراكي هو حزبٌ قوميٌّ وُلِدَ من رحم معاناة الامة  من أجل تحقيق وحدتها وحريتها ونهضتها، لتمارس دورها الحضاري بين الأمم بما يَليق بمكانَتِها الكبيرة وإمكاناتها الهائِلة وتأريخها المجيد. وهو فِكرٌ رَصينٌ وراسخٌ، ونَهجٌ ناضجٌ ومُتقدمٌ ينير درب مناضليه وجماهيرَه في كفاحهم لتحقيق أهدافه الاستراتيجية الكبرى في الوحدة والحرية والاشتراكية. وحزبٌ هكذا هي أهدافه، قومية تقدمية انسانية، لا ينهض برسالَتِه الحضارية العِملاقة في بعث أمة بكاملها، الاّ نوعية خاصة من أبناء الأمة المناضلين في صفوفِه، من الذين آمنوا بحقِّ أمتهم في النهضة والتقدُّم لتحتَّل مكانتها الكبرى بين الامم ، فوهبوا حياتهم لتحقيق رسالته، خائضين في سبيل ذلك نضالاً ضروساً وتضحيات جسام لتأصيل الأهداف النبيلة للبعث، وقيمه ومبادئه السامية. انَّهم صُنَّاع الحياة ومستقبل الامة، ورجال العطاء والفداء من أجل تحقيق وحدة أمتهم العربية المجيدة. هكذا هُم مناضلو البعث على امتداد وطنهم العربي الكبير من المحيط الى الخليج.

يسعى هذا الباب الى القاء الضوء على محطات من السجلّ الخالد لمناضلي البعث في الوطن العربي ، الذين شكَّلوا رايات عالية ستبقى تنير درب أجيال وأجيال من ابناء الامة في نزوعها نحو الوحدة والحرية والتقدم. ومن تلك المحطات النضال الوحدوي الجبهوي والعمالي في اليمن

 

البعث والنضال العمّالي في اليمن

يحيى محمد سيف المفلحي

تعددت مجالات نضال حزب البعث العربي الاشتراكي في قطر اليمن لتشمل كافة القضايا الوطنية والقومية. فبالإضافة الى نضاله في المجال الوحدوي والجبهوي، كان لكوادر وقيادات وقواعد البعث دور بارز في قيادة النضال العمالي وبشكل متميز لا على صعيد اليمن وحسب وانما الوطن العربي برمته.

 

🔸 المؤتمر العمالي

في خطوة نضالية رائدة قام بها البعث ومناضليه في قطر اليمن من أجل  التحالف الجبهوي وحشد كافة الطاقات الوطنية ضد الاحتلال البريطاني ومجابهة القوى المعادية، فقد أسهم  بشكل فاعل في تأسيس وقيادة  المؤتمر العمالي، الذي يعد حزب الاحزابا لذي تأسس  في 3 آذار / مارس عام 1956م المكون من 20 نقابة في عدن بعد تكامل هيئاته وهياكل نقاباته العشرين  ليضطلع بمهام توحيد النقابات العمالية وتأمين نضالها وزيادة فعاليتها ( حيث بلغ عدد الإضرابات التي  نفذتها النقابات العمالية  خلال عامي ١٩٥٨-١٩٥٩ م  (١٠٩) اضراباً، منها ارتبطت بالمطالب  العمالية وأخرى بالقضية الوطنية.

 

🔸البعثيون يقودون الحركة العمالية اليمنية

  كانت القيادات التي تتالت على قيادة ورئاسة المؤتمر العمالي 1965 هي  قيادات وطنية وديمقراطية من رموز حزب البعث العربي الاشتراكي، وكانت قيادت الحركة العمالية والنقابية جنوب الوطن اليمني  ذات الافق القومي هي المرشد والمنظم لهذا النضال، وفي قلب الحركة النقابية والعمالية تنظيماً رائداً في ذلك الكفاح السياسي والنضال الوطني.  وتمثلت الكوادر البعثية التي تولت   رئاسة وعضوية   المجلس التنفيذي لاتحاد نقابات العمال في عدن بالرفاق التالية اسماؤهم  وفقاً للمصادر الموكدة :

1-    المناضل البعثي عبد العزيز الفروي.  كان اول رئيس للمجلس التنفيذي للمؤتمر العمالي

2-    المناضل والقيادي البعثي والتربوي والصحفي الاستاذ محمد سعيد مسواط. تولى منصب نائب رئيس المجلس التنفيذي  للمؤتمر العمالي -ثم انتخب ثاني رئيس للمؤتمر حتى اغتياله بالسم من قبل سلطات الاحتلال البريطاني

3-    الزعيم العمالي القيادي البعثي الشهيد على حسين قاضي. كان رئيس نقابة عمال الحكومة  وهو ثالث بعثي تولى  رئاسة المجلس التنفيذي للمؤتمر العمالي حتى استشهاده في فبراير عام 1966م

4-    المناضل البعثي والصحفي والزعيم العمالي عبده خليل سليمان. كان رئيس نقابة عمال البحر و رابع بعثي يتولى رئاسة المجلس التنفيذي للمؤتمر العمالي. كما تولى ايضاً رئاسة تحرير صحيفة ( العامل ) لسان حال المؤتمر وحولها الى منبر سياسي وثقافي بعثي هو ورفاقه الذين كانوا يسيطرون على هيئة تحريرها كما سنرى في سياق حديثنا عن صحافة البعث.

5-    المناضل  والقيادي البعثي الزعيم النقابي عبد الرحمن الاسودي.  كان خامس بعثي  يتولى رئاسة المجلس التنفيذي للمؤتمر العمالي

6-    المناضل الوطني والقومي والقائد والمفكر البعثي الكبير الاستاذ محسن العيني. تولى هو ايضا رئاسة المجلس التنفيذي للمؤتمر العمالي الى جانب رئاسته لنقابة المعلمين في عدن وهو من عمل على اعادة صياغة النظام الاساسي والادبيات  للمؤتمر العمالي برؤية بعثية جديدة

7-    الاديب والصحفي  والشاعر الكبير والمناضل البعثي ادريس حنبلة. تولى منصب نائب رئيس المجلس التنفيذي للمؤتمر العمالي 

8-    المناضل الوطني والقومي والقيادي البعثي احمد محمد حيدر ، كان عضوا في المجلس التنفيذي للمؤتمر العمالي، ورئيس المكتب الثقافي للمؤتمر

9-    المناضل والاديب والكاتب الكبير عبد الله فاضل فارع. كان اول رئيس لنقابة المعلمين وعضوا في المجلس التنفيذي للمؤتمر العمالي

10-  المناضل الوطني والقومي الكبير الصحفي والزعيم العمالي والقيادي البعثي محمد سالم علي. كان عضوا في المجلس التنفيذي للمؤتمر  ورئيس نقابة السائقين

11-  المناضل الوطني والقومي والتربوي والقائد البعثي امين عون. كان عضوا في المجلس التنفيذي للمؤتمر العمالي ، ونائب رئيس المكتب الثقافي ورئيس نقابة المعلمين الذي توالى على رئاستها مناضلون بعثيون

 

     🔸من المواقف النضالية للبعثيين

  اعتقل الشهيد القاضي رئيس المؤتمر العمالي  مع زملائه ورفاقه  النقابيين في اكتوبر عام 1958 م اثناء قيام الاضرابات العامة التي تضمنت اضرابات عمالية واسعة ومظاهرات شعبية سقط فيها عشرات الشهداء من بين العمال واعتقل 560 عاملا يمنيا من ابناء الشمال والجنوب.  برزت فيها قيادات عمالية وسياسية شابة حيث سجن حينذاك عدد من النقابيين الكبار من بينهم محمد سالم علي عبده ، وعبده خليل سليمان ، والاديب والشاعر ادريس احمد حنبلة.  وبالرغم من تلك الضغوط البريطانية استمر العمال في مواقفهم النضالية غير هيابين اومترددين ، فاضطرت حكومة الاستعمار الى اصدار قانون التحكيم اﻹجباري الذي يحرم الإضرابات ويصر على حصول العمال على تصريح من المحكمة الصناعية. ثم واصلت الحكومة البريطانية عملية معاقبة  60 عاملا من عمال الحكومة وقدمت الرفيق  علي حسين قاضي رئيس نقابة  عمال الحكومة وكل من المناضلين صالح عرجي سكرتير نقابة الميناء واحمد سالم حميدان عضو ادارة نفس النقابة للمحاكمة. وانتشر الجنود البريطانيون في الشوارع والجولات وسطوح منازل الهندوس، ومباني الحكومة ، ومستودعات النافي، ومجمع المجلس التشريعي (الحكومة ) تحت حراسة مشددة،  ومع هذا كله اعلن المؤتمر العمالي ، برئاسة الشهيد على حسين القاضي  ان المعركة لا زالت قائمة وهي لم تعد مجرد قانون يحرم اﻹضراب فحسب بل اصبحت معركة الشعب اجمع ، لينسف كل قوانين الاستعمار ويحقق النصر في الاستقلال السياسي والاقتصادي، وتحقيق المجتمع الاشتراكي السليم (4) .  واثر ذلك تم اعتقاله في سجن جبل حديد في سجنا انفراديا . وفي ديسمبر عام 1963م اعتقل مرة اخرى مع عدد كبير من قيادات الحركة العمالية والسياسية ( اغلبهم بعثيون ) عند انفجار قنبلة المطار الشهيرة التي قتل خلالها نائب المندوب السامي البريطاني (هندرسن )  ثم حكم عليه بالسجن مدة اربعة اشهر مع عدد كبير من النقابيين في اكتوبر عام 1964م قضاها في سجن عدن.

 

 🔸صحيفة ( العامل ) منبر بعثي

صحيفة (العامل) هي لسان حال المؤتمر العمالي و  تأسست عام ١٩٥٧م وكانت الجريدة السياسية الاجتماعية الوحيدة في عدن بعد إغلاق الإنجليز صحيفة (الجنوب العربي ) لسان حال رابطة أبناء الجنوب العربي.       

فقد  تمكن  القيادي البعثي عبده خليل سليمان رئيس الموتمر العمالي ورئيس تحرير الصحيفة كمااسلفنا هو ورفاقه البعثيين في المؤتمر العمالي و هيئة تحرير الصحيفة التي كانت مكونة الى جانبه من قادة بعثيين  كمحمد سالم علي ، والشاعر الوحدوي الكبير/ ادريس حنبلة ،  حيث تم تحويلها إلى منبر سياسي وثقافي بعثي و بدأت الصحيفة تنشر برنامج حزب البعث العربي الاشتراكي ودستور واهداف الحزب وقدمت هيئة تحرير الجريدة برنامج (ودستور) للقراء  موضحين بأنهم يؤمنون ان هذا البرنامج يعتبر مدرسة عظيمة للأمة العربية ، وانه يجب أن يقود الملايين في الأقطار العربية ، وقدنشر هذا البرنامج تحت اهداف الحزب الثلاثة (وحدة -حرية -اشتراكية) وشعار البعث الشهير (امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة).  وهذا تاكيد اضافي على الدور المركزي لقيادة حزب البعث في تنظيم وقيادة وإدارة الحركة العمالية والنقابية في جنوب الوطن اليمني ، وفي قيادة المؤتمر العمالي على وجه التحديد التي استمرت لسنوات طويلة وبقوة حتى سنة ١٩٦٣م . (5)

 

🔸البعث والتعديلا ت الدستورية

نظرا للمواقف  الوطنية الشجاعة  للرفيق عبده خليل سليمان ورفيقه محمد سالم علي الذي عبرا عنه في انسحابهما من المجلس البلدي استجابة لنداء لمؤتمر العمالي الذي صدر في 17سبتمبر عام 1958م ونشره في صحيفة (العامل) الذي يؤكد رفضه القاطع للتعديلات الدستورية ودعوته الى مقاطعة الانتخابات والانسحاب من المجلس البلدي ، اضافة الى نشر الصحيفة  مقال في نفس العدد عن الر شوة في الادارة الحكومية (6) ، لذا ففي 31اكتوبر ١٩٥٨م تم تقديم رئيس تحرير (العامل) عبده خليل سليمان ومحمد سالم علي  للمحاكمة بتهمة إهانة القضاء، واوقفت الصحيفة لمدة أسبوعين وخلال هذه الفترة حتى عام١٩٥٩م دخلت جريدة (العامل) في مواجهات سياسية مع الصحف المرتبطة بالاستعمار (7).

 

   مشروع اتحاد الجنوب العربي

 في   13 -8 -1962م  وعندما قدم الحاكم البريطاني وحكومة الاحتلال الى المجلس التشريعي مشروع ضم عدن الى مايسمى ( اتحاد الحنوب العربي) ،  قام  الرفيق المناضل ادريس حنبلة عضو هيئة صحيفة العامل عضو الهيئة التنفيذية لاتحاد العمال بتوزيع  منشور في عدن بأسم مؤتمر عدن للنقابات يدعو فيه العمال الى اﻹضراب والمظاهرات  ضد المجلس التشريعي. وبعد مظاهرات عنيفة، ومواجهات وحشية راح ضحيتها العديد من الشهداء والجرحى، اقرالمجلس التشريعي مشروع ضم عدن الى اﻷتحاد الفيدرالي ، واصدر مؤتمر عدن للنقابات  كتيباً حول هذه الاحداث بأسم مستعار -اﻷمر الذي استثار السلطات في عدن ، فاستصدرت أمرا بالقاء القبض على ثلاثة من زعماء المؤتمر العمالي هم عبده خليل سليمان ومحمد سالم علي ، من  قيادات البعث.  كان احدهم ادريس حنبلة (8) وحكم عليه بالسجن اربع سنوات ، ولقي في سجنه رحمة الله عليه اشد واسواء انواع المعاملة.

 

🔸اهداف الاتحاد المزيف 

ان المؤامرة الاستعمارية التي يسعى الاستعمار الإنكليزي لتنفيذها في جنوب  اليمن  عن طريق إقامة اتحاد فيما بين امارات وسلطنات جنوب اليمن  تهدف وفقا  لتحليل القيادة القومية  لحزب البعث العربي الاشتراكي  الى:

1-    تجديد الوضع الاستعماري في جنوب اليمن ، اذ ان وجود مثل هذا النمط من الاستعمار لم يعد ممكنا في العصرالحديث، لذا يحاول الاستعمار الإنكليزي أن يماشي  في المظاهر فقط التطور الدولي ، ويسعى  لتكوين اتحاد بين هذه المحميات ومستعمرة عدن له برلمان لاضفاء الصفة الشرعية على الاستعمار الانكليزي، ويذرالرماد في الوقت ذاته على العيون التي لم تعد تستطيع رؤيه هذا الاستعمار البغيض.

2-    تكريس انفصال جنوب اليمن عن شمالها . هذا الانفصال الذي كان نتيجة الاستعمار لهذا الجزء من اليمن ، وبالتالي ضرب النضال الشعبي المتنامي في اليمن الذي اتخذ تحقيق وحدة اليمن هدفاً مباشراً له، وبما يتطلبه هذا الهدف من القضاء على الاستعمار ومخلفاته من مشايخ وسلاطين في الجنوب والقضاء على الحكم العشائري الاقطاعي  في الشمال وإقامة حكم قومي ديمقراطي .

ولكن الوعي الشعبي ادرك لعبة الانجليز ومناوراتهم وبادر الى النضال من اجل احباط هذه  المؤمرة  التي تحاول قطع الطريق على الكفاح التحرري الذي تخوضه الجماهير العربية في اليمن ، والمرتبط بالكفاح العربي من أجل تحقيق الوحدة العربية. ان إنجاز الثورة في اليمن والتي  تهدف للقضاء على الأوضاع الاستعمارية والاقطاعية التي  تحول دون وحدة اليمن ، يشكل المهمة الاساسية للجماهير العربية هناك . وان الكفاح الثوري ضد المؤمرات الاستعمارية  شكل حلقة من حلقات النضال الذي بدأته الجماهير العربية  لانجاز مهمتها وتحقيق ثورتها ممثلة بطلائعها الثورية وفي مقدمتها مناضلي حزبناحزب البعث العربي الاشتراكي.