غزو العراق الخطيئة التي لا تغتفر
ناصر الحريري
لم يكن غزو واحتلال العراق وليد اللحظة التي بدأ خلالها القصف أو التهديد بالقصف، ولكنه كان وليد سنوات متراكمة من التخطيط والحقد الصهيوني الدفين ضد العراق، ولكن كان لا بد لأمريكا وحلفائها من إيجاد مبررات تقنع بها المجتمع الدولي، أو لتقنع بها المجتمع الأمريكي الداخلي.
تشير بعض التحليلات إلى أن فكرة تغيير النظام في العراق كانت موجودة في أروقة السياسة الأمريكية قبل سنة 2003. ففي عام 1998، تم إقرار قانون تحرير العراق الذي جعل تغيير النظام هدفاً رسمياً للسياسة الخارجية الأمريكية، ومع ذلك، فإن التخطيط الفعلي لغزو واسع النطاق بدأ يتسارع بشكل ملحوظ بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
الأهداف المعلنة للغزو، كما ذكرها الرئيس بوش ورئيس الوزراء بلير، كانت: (نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة، وإنهاء دعم صدام حسين للإرهاب، وتحرير الشعب العراقي).
وقد قدم وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، كولن باول، عرضاً تفصيلياً أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في فبراير 2003، زاعماً وجود أدلة على امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل.
وعلى الصعيد العسكري، بدأت القيادة المركزية الأمريكية في تطوير خطط للغزو في وقت مبكر. وتشير التقارير إلى وجود خطط مختلفة مثل “الخطة الأساسية” التي كانت تتصور حشداً كبيراً للقوات قبل الغزو، و”خطة البداية السريعة” التي كانت تهدف إلى بدء الغزو بقوة ثم نشر القوات حسب الحاجة، والخطة “الهجينة” التي سعت إلى زيادة القوات البرية قبل بدء الحرب. الخطة النهائية التي تم تنفيذها كانت تهدف إلى التحرك بأسرع ما يمكن نحو بغداد، مع ترك المناطق الجنوبية التي قد تشكل تحدياً لوقت لاحق.
ففي آذار_ مارس 2003، شنت الولايات المتحدة، مدعومة بتحالف من دول أخرى، عملية عسكرية واسعة النطاق ضد العراق تحت مسمى “عملية حرية العراق”.
الإعلان الرسمي للغزو ارتكز على عدة ادعاءات رئيسية قدمتها إدارة الرئيس جورج دبليو بوش وحليفه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، تمثلت هذه الادعاءات في:
– امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل: زعمت الإدارة الأمريكية أن نظام صدام حسين لا يزال يمتلك ويطور أسلحة نووية وبيولوجية وكيميائية، مما يشكل تهديداً مباشرًا للأمن العالمي. وقد تبين لاحقاً، وباعتراف العديد من الأطراف بما في ذلك تقارير استخباراتية أمريكية وبريطانية، أن هذه الادعاءات كانت غير دقيقة ولم يتم العثور على أي أسلحة دمار شامل في العراق بعد الغزو.
هذا الفشل في العثور على الأسلحة التي كانت السبب الرئيس للحرب قوض بشكل كبير شرعية الغزو في نظر الكثيرين.
– دعم نظام صدام حسين للإرهاب: ادعت الولايات المتحدة وجود علاقات بين نظام صدام حسين وتنظيمات إرهابية مثل القاعدة، ومع ذلك، لم يتم تقديم دليل قاطع يثبت هذه الروابط بشكل مباشر.
– تحرير الشعب العراقي: تم تقديم مبررات أخرى للغزو، ومنها أكذوبة تحرير الشعب العراقي من حكم (دكتاتوري) كما يدعون.
من الناحية التحليلية، يرى مراقبون أن هناك دوافع أخرى لعبت دوراً في قرار الغزو، بما في ذلك:
– الأمن القومي الأمريكي بعد أحداث 11 سبتمبر: أدت هجمات 11 سبتمبر 2001 إلى تغيير كبير في السياسة الخارجية الأمريكية، حيث تبنت إدارة بوش استراتيجية استباقية لمواجهة التهديدات المحتملة. وقد تم النظر إلى العراق كجزء من “محور الشر” الذي يضم دولاً تسعى لامتلاك أسلحة دمار شامل وتدعم الإرهاب.
– السعي للهيمنة الإقليمية والعالمية: يرى بعض المحللين أن الغزو كان جزءاً من مشروع أوسع نطاقاً لتعزيز النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط.
– المصالح الاقتصادية: يشير البعض إلى أن السيطرة على موارد النفط العراقية كانت دافعاً خفياً للغزو.
بدأ الغزو في 20 آذار _ مارس 2003 بحملة قصف جوي مكثفة، تلتها عمليات برية سريعة أدت إلى احتلال بغداد، وتحول ما كان متوقعاً أن يكون نصراً سريعاً إلى احتلال طويل الأمد ومكلف، حيث واجهت قوات التحالف مقاومة متزايدة أعلنها الشعب العراقي البطل، يتقدمهم جيش العراق الباسل، ولكن استقدام أمريكا لجماعات مسلحة مرتبطة بإيران التي سهلت وساندت قوات الاحتلال، مما أدى إلى تصاعد العنف الطائفي وحالة من عدم الاستقرار.
استخدمت قوات التحالف مجموعة متنوعة من الأسلحة التقليدية في الغزو، بما في ذلك الطائرات المقاتلة والقاذفات والدبابات والمدفعية. كما استخدمت بعض أنواع الذخائر مثل القنابل العنقودية واليورانيوم المنضب.
كان لغزو العراق تداعيات واسعة النطاق على العراق والمنطقة والعالم، بما في ذلك:
– خسائر بشرية هائلة: تشير التقديرات إلى مقتل مئات الآلاف من العراقيين، بالإضافة إلى آلاف الجنود من قوات التحالف.
– تدمير البنية التحتية: أدى الصراع إلى تدمير واسع النطاق للبنية التحتية العراقية، بما في ذلك شبكات الكهرباء والمياه والطرق والجسور.
– نشوء جماعات متطرفة: ساهم الفراغ الأمني والفوضى التي أعقبت الغزو في صعود ميليشيات طائفية ولائية، وجماعات متطرفة مثل تنظيم القاعدة في العراق ولاحقاً تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مما أدى إلى مزيد من العنف وعدم الاستقرار في المنطقة.
– التأثير على النظام الدولي: يرى بعض المحللين أن غزو العراق دون تفويض واضح من الأمم المتحدة قد أضعف النظام الدولي القائم على القواعد وقوض مبدأ سيادة الدول.
– تراجع مكانة الولايات المتحدة: أدى الفشل في العثور على أسلحة دمار شامل وتصاعد العنف في العراق إلى تراجع كبير في مصداقية الولايات المتحدة على الساحة الدولية.
إن غزو العراق سنة 2003 كان حدثاً محورياً في تاريخ الشرق الأوسط والعالم.
فالقرار الذي اتخذته الولايات المتحدة وحلفاؤها، بناءً على معلومات استخباراتية مشكوك فيها وأسباب معلنة لا تزال محل جدل، أدى إلى زعزعة استقرار منطقة حساسة، ونتج عنه خسائر بشرية واقتصادية هائلة، وساهم في ظهور تحديات أمنية معقدة لا تزال المنطقة تعاني منها حتى اليوم. كما أثر الغزو بشكل كبير على صورة ومكانة الولايات المتحدة في العالم، وأثار تساؤلات حول استخدام القوة العسكرية في العلاقات الدولية.
إن الإدارة الأمريكية لم تكن مستعدة بشكل كافٍ لمرحلة ما بعد الحرب. كان هناك نقص واضح في التخطيط لإدارة العراق المحتل، وتوفير الأمن، وإعادة بناء المؤسسات الحكومية. قرار حل الجيش العراقي، على سبيل المثال، أدى إلى تفاقم حالة الفوضى وانعدام الأمن وساهم في ظهور الميليشيات الطائفية المسلحة.
مع مرور الوقت، اعترف العديد من المسؤولين الأمريكيين السابقين بأن غزو العراق كان خطأ أو على الأقل تضمن أخطاء جسيمة في التخطيط والتنفيذ.
حتى الرئيس جورج دبليو بوش نفسه، الذي اتخذ قرار الغزو، أعرب عن أسفه لبعض جوانب الحرب وتداعياتها.
تحليلات العديد من مراكز الفكر تشير إلى أن غزو العراق كان قراراً خاطئاً استناداً إلى معلومات استخباراتية غير دقيقة وتخطيط غير كافٍ لما بعد الصراع. هذه المراكز تقدم رؤى نقدية حول الأسباب والتداعيات، وتؤكد على التكاليف البشرية والاقتصادية الهائلة التي نتجت عن الحرب.
إن الأدلة والتحليلات تشير بقوة إلى أن غزو واحتلال العراق سنة 2003 كان خطأ استراتيجياً كبيرا. القرار الذي اتخذه بعض القادة في الولايات المتحدة، بناءً على معلومات استخباراتية مشكوك فيها وتصورات خاطئة للواقع في العراق والمنطقة، أدى إلى نتائج كارثية على العراق والشرق الأوسط وعلى مكانة الولايات المتحدة في العالم.