شبكة ذي قار
عـاجـل










لو لم تندلع الانتفاضة في محافظة الرمادي لاندلعت في محافظة اخرى، وامتد لهيبها ايضا الى محافظات اخرى من ارض العراق، فاذا كان هناك اكثر من سبب لقيام الانتفاضة في العديد من البلدان العربية، بصرف النظر عن النتائج الايجابية او السلبية التي انتهت اليها لحد الان، فانه يوجد في العراق اكثر من الف سبب يدعو للانتفاضة او الثورة. فمساويء حكام الردة العرب مجتمعة لا تعادل مساويء حكام العراق. ويكفي هنا القول بان الحكومة الحالية، بالاضافة الى كونها حكومة عميلة للاحتلال الامريكي، حسب اعتراف عتاولتها، فانها ايضا حكومة فاسدة ومختلسة لاموال الشعب، حكومة قتلت وهجرت وسجنت مئات الالوف من الناس، حكومة اذلت العراقيين وحرمتهم من ابسط حقوقهم الحياتية كالماء والكهرباء والصحة والتعليم، على الرغم من ان العراق يعد واحدا من البلدان الغنية في العالم.


وفق هذا السجل الاسود والمخزي، فانه من السذاجة السياسية الاعتقاد بامكانية استجابة هذه الحكومة لمطالب الانتفاضة، لا في حدودها القصوى ولا في حدودها الدنيا، ولنا في تصريحات رئيس الحكومة المدعو نوري المالكي خير دليل على ذلك، حيث وصف الانتفاضة مرة بالنتة والفقاعة، ومرة اخرى بانها مرتبطة باجندات خارجية، وثالثة باستخدام لغة التهديد والوعيد مثل "اما ان تنتهوا او ننهيكم"، بالضبط كما فعل غيره من الحكام العرب حين وصفوا انتفاضة شعوبهم بمثل هذه الاتهامات الرخيصة. ولا يغير من هذه الحقيقة تشكيل لجان للنظر في مطالب الانتفاضة، او اطلاق سراح مجموعة من المعتقلين، او اطلاق الوعود الوردية، فهذه ليست سوى وسائل معروفة ومكشوفة، الغرض منها امتصاص نقمة الناس ليجري الوصول الى الالتفاف على مطالبهم المشروعة، ثم تعود حليمة الى عادتها القديمة كما يقال.واذا تعذر على المالكي انهاء الانتفاضة بهذه الطرق الخبيثة، فنحن على يقين من لجوءه الى استخدام القوة باعلى دراجاتها.


ترى هل ادرك قادة الانتفاضة او القائمين عليها او من تقدم صفوفها هذه الحقيقة وتصرف على اساسها، ام ان الامل لازال معقودا على تحقيق مطالبهم، على الرغم من مرور اكثر من ثلاثة اسابيع على اندلاعها؟.


مع كل الاحترام والتقدير لهذه الجماهير العملاقة والتي تحدت كل الظروف القاسية، بما فيها الظروف المناخية الباردة جدا، فان شعارات الانتفاضة لم ترتق لحد الان الى المستوى الذي يوحي او يؤشر بتحولها الى ثورة شعبية شاملة، والتي من دونها لا يمكن تحقيق اي مطلب لصالح الناس. حيث ظلت معظم شعاراتها محصورة في المطالب الجزئية، مثل اطلاق سراح المعتقلين من نساء ورجال او الغاء بعض القوانين الجائرة او تعديلها او تطبيقها بعدالة وانصاف، مثل قانون 4 ارهاب، الى جانب المطالب الاخرى حول توفير الخدمات الضرورية للحياة كالماء والكهرباء والغذاء والدواء، وهذه على اهميتها لا تشكل ضمانة دائمة اذا تعهدت الحكومة بتحقيقها، اذ سرعان ما سيجري الالتفاف عليها بعد فترة قصيرة من الزمن، عبر اصدار قوانين جديدة يتم بموجبها اعتقال او سجن او اعدام اضعاف العدد الذي جرى اطلاق سراحهم، وسيكون بدل قانون 4 ارهاب قانون اخر واخر واخر.


هذا ليس استنتاجا او تخمينا، وانما يعود اصلا الى طبيعة هذه الحكومة، التي من اهم واجباتها خدمة مشروع الاحتلال وتكريسه الى امد غير منظور، وليس خدمة العراق واهله. وبالتالي فان تحقيق مثل هذه المطالب المشروعة وغيرها لن تتحق الا بالتغيير الشامل والقضاء على السبب الذي ادى الى كل هذه المصائب والمحن. وهذا السبب يكمن في هيمنة المحتل الامريكي على العراق وفي حكومته التي تسير في ركابه، واذا لم يتخذ المنتفضون هذا الطريق فلا امل يرتجى من نجاح هذه الانتفاضة في تحقيق مطالبها المشروعة. ولكي لا يساء الفهم، فالمقصود هنا على وجه التحديد تغليب الشعارات التي تطالب برحيل الاحتلال نهائيا عن ارض العراق واسقاط العملية السياسية، بما تحتويه من حكومة عميلة وبرلمان مزيف ودستور ملغوم وقانون انتخابات مشوه، على الشعارات التي تخص اطلاق سراح المعتقلين وتوفير الخدمات ومقومات الحياة المختلفة. فعدم الربط بين السبب والنتيجة سيضع العربة قبل الحصان كما يقال، ، ولنا في دروس الانتفاضات التي راعت هذه الحقيقة وحققت نجاحا باهرا في تونس ومصر، خير دليل على ذلك، حيث كان شعار الشعب يريد اسقاط النظام، الشعار الاكثر حضورا بين الشعارات الاخرى.


صحيح ان المطالب الجزئية قد تكون بداية التحول للمطالب السياسية الشاملة، لكن الامر في العراق مختلف تماما، فالشعب هنا لا يواجه حكومة محلية فحسب، وانما يواجه محتل امريكي لم يزل قائما باشكال اخرى لا مجال للحديث عنها، اضافة الى محتل اخر ونقصد به ايران، ناهيك عن الدعم الاقليمي والدولي لسياسة امريكا العدوانية في مختلف انحاء العالم، وخاصة بالنسبة للعراق. وهذا من شانه اعاقة مثل هذا التحول التلقائي وبالتالي ينبغي ان تكون عملية التحول هذه مدروسة ومقننه مسبقا، وهذا يتطلب وجود فصائل المقاومة العراقية بكل ثقلها وبالتنسيق مع جميع القوى والاحزاب الوطنية على راس قيادة الانتفاضة، لتقوم بتوجيه مسيرتها وتنظيم شعاراتها وادارة الية تحركها ووضع الخطط اللازمة لمواجهة التامر عليها، بما فيها القيام بتهيئة نفسها للدفاع عنها ضد اي هجوم محتمل من قوات الحكومة ومليشياتها المسلحة. خصوصا وان جميع الدلائل تؤشر على وجود نية لدى الحكومة بانهاء الانتفاضة عسكريا.


ان ادارة اي نتفاضة من هذا الوزن هي بمثابة ادارة المعارك الكبرى، خصوصا وان الحكومة العميلة والمحتل من وراءها سيستخدمون وسائل عديدة لانهائها، فاذا فشلوا في تحقيق اهدافهم الخبيثة بانهاء الانتفاضة عبر الالتفاف عليها بهذه الطريقة او تلك، فانهم بكل تاكيد سيلجاون الى استخدام السلاح ضدها تحت ذرائع مختلقة، ومنها اتهامها بالعمالة لجهات اجنبية،. وبالتالي فانه ليس بمقدور الانتفاضة بشكل عام مواجهة هذه الاساليب وعمليات الخداع والتضليل من دون قيادة حكيمة تشرف وتدير هذه المعركة من كل جوانبها. ويخطيء من يظن بان الانتفاضة ستنتهي بسلام ومن دون خوض معارك حامية الوسيط في كل مكان. مثلما يتطلب من المنتفضين مزيد من الصبر ومزيد من الإصرار على تحقيق كامل الاهداف، وليس القبول بانصاف الحلول. فالانتفاضات الكبرى والتي تضع الشعوب امام نقلة تاريخية تصب لصالحها لا تتكرر بسهولة، او يمكن القيام بها باي وقت يشاء فيه الناس.


ولكن هذا ليس كل شيء، فما حدث من تطورات هامة يدعو الى التامل والتفكير الجدي لاحداث نقلة نوعية على طريق تحقيق الاهداف المرجوة. حيث امتد لهيب الانتفاضة الى محافظات اخرى مثل الموصل وصلاح الدين وديالى ومؤخرا في مناطق عديدة من العاصمة العراقية بغداد، كان ابرزها ما حدث في الكرخ والاعظمية وحي الجامعة وغيرها، وكذلك امتد لهيبها ليشمل بعض المدن الجنوبية التي جرى التعتيم الاعلامي عليها بشكل كبير. والمقصود هنا، كما يراه كاتب هذه السطور، هو تحرك هذه الحشود المؤلفة من جميع المدن المختلفة صوب العاصمة العراقية بغداد، واستهداف جميع مقار الحكومة ومؤسساتها والسيطرة عليها وطرد الحكومة الحالية وتقديمهم للعدالة لينالوا جزائهم العادل، وتشكيل حكومة وطنية بديلا عنها لتنجز مهام التحرر والاستقلال وانهاء مخلفات الاحتلال وكتابة دستور يحقق الطموحات الوطنية، تمهيدا لاجراء انتخابات ديمقراطية نزيهة يقرر فيها الشعب العراقي شكل الحكومة والنظام الذي يريده. فاهل العراق ليسوا اقل وطنية وشجاعة من الشعب المصري او التونسي،على سبيل المثال، الذي طرد حكومة مبارك العميلة.


نعم قد تجر هذه التوجهات الى صدامات بين الانتفاضة والحكومة، وهذا ليس بالامر الغريب، فاذا اختارت الحكومة عدم التتراجع ورفض الاستقالة وترك مكانها لقادة الانتفاضة وتقبل بحكم الشعب، ولجات بدلا عن ذلك الى استخدام القوة العسكرية من اجل البقاء، فانه يصبح من حق المنتفضين الدفاع عن انفسهم بكل ما لديهم من قوة متاحة، بما فيها استخدام السلاح بكل انواعه المتاحة. وهذا امر مشروع مارسته العديد من الشعوب، سوى في سبيل التحرر والاستقلال، او في سبيل التخلص من الانظمة العميلة او الدكتاتورية والفاشية.


هذه ليست دعوة للاقتتال بين ابناء الشعب او بين طوائفه وتياراته المختلفة، كما يروج الاعلام الحكومي من الان، وانما هي دعوة لنيل المطالب المشروعة للناس، خاصة وان هؤلاء الناس مارسوا في البداية حقهم الديمقراطي الذي تشدق ا به المحتل وحكومته وبالوسائل السلمية، وبالتالي حين يتعذر ذلك عليهم ويجابهوا بالقوة، فان من حقهم الدفاع عن انفسهم، وهذا الحق كفلته القوانين السماوية والدنيوية. واي اعتراض على هذا الحق عبر وسائل الخداع والتضليل من قبيل تجنب اراقة الدماء، هي اعتراضات باطلة، او في احسن الاحوال كلمة حق يراد بها باطل، فدماء العراقيين ستظل تسيل بوسائل متعددة في حال استمرار هذه الحكومة او العصابة بالحكم، والشعب العراقي ليس الوحيد بين شعوب العالم الذي فرض عليه القدر ان لا ينال حقوقه المشروعة بالطرق السلمية، وانما بدفع الثمن الباهظ في احيان كثيرة. خاصة وان هذا الثمن يعادل عودة الوطن الى اهله وادارته من قبل ابنائه المخلصين وتوظيف ثرواته وخيراته وطاقاته لصالح اجياله الحاضرة واجيال المستقبل، ويتحقق في ظله العدالة والمساواة وفق مباديء المواطنة وتكافؤ الفرص وانهاء الاستغلال واعطاء كل ذي حق حقه، بصرف النظر عن دينه او مذهبه او عرقه او طائفته.


ازعم هنا بان هذه الفصائل والاحزاب والقوى المناهضة للاحتلال ستكون قادرة على القيام بمثل هذا العمل النبيل، كونها تحظى باحترام وتقدير عموم الشعب العراقي، جراء ما قدمته من تضحية وفداء من اجل تحرير العراق واستعادة استقلاله ووحدته وسيادته الوطنية كاملة غير منقوصة، الامر الذي سيعزز زخم الانتفاضة ويوسع اطارها ويصلب مواقفها. ليس هذا فحسب، وانما على فصائل المقاومة والاحزاب والقوى الوطنية الاستفادة من ترنح الحكومة جراء هذه الانتفاضات، واستعادة زمام المبادرة وفرض السيطرة على المدن وادارتها، حيث من المحتمل حدوث فوضى وانفلات او هروب السلطة او جزء منها، خصوصا وان علامات قد لاحت في الافق من هذا النوع، حيث اخذ البعض يلملم نفسه استعدادا للهروب، بل ان بعضهم هرب فعلا الى ايران او دول مجاورة اخرى.


املنا كبير في ان تكون هذه الفصائل والقوى والاحزاب المناهضة للاحتلال عند حسن ظن الجماهير، التي لم تتوانى يوما او ساعة عن اسنادها وتقديم الدعم لها في مقاومتها للاحتلال الامريكي وتابعه الايراني دون حدود.

 

 





الثلاثاء ١٠ ربيع الاول ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / كانون الثاني / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عوني القلمجي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة