الدعوة لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان والمطالبة بتطبيق القانون والعدالة في العراق     

الدعوة لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان والمطالبة بتطبيق القانون والعدالة في العراق     

 

الأستاذ الدكتور احمد داود

 

نؤكد ابتداء على أهمية الدور الوطني والإنساني الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني العراقية والدولية لتعرية مختلف اشكال انتهاكات القانون والنظام والعدالة وعدم احترام حقوق الانسان. لقد نجحت منظمة انهاء الإفلات من العقاب العراقية، بشن حملة وطنية لتسليط الضوء على الانتهاكات والجرائم التي ارتكبت بحق العراقيين المدنيين العزل.

 

جرائم تعذيب واغتصاب

 لقد نشرت صحيفة دير شبيغل الألمانية، تقريراً موثقاً في ٢٥ مايس ٢٠١٧م، تحت عنوان: “محررو الموصل وحوش لا أبطال”، تناول كشف الجرائم والانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان في العراق، ووثقت جرائم القتل والتعذيب بالصور والأسماء، للمصور الصحفي الكردي علي أركادي الذي رافق فرقة الطوارئ التابعة لوزارة الداخلية العراقية خلال مشاركتها في حملة استعادة مدينة الموصل. ويشرح أركادي في مقدمة تقريره: إن مهمته تحولت إلى كابوس بعد ما شاهده بعينيه من انتهاكات مروعة ارتكبتها فرقة الطوارئ بحق المدنيين في المناطق التي دخلتها، وإدراكه أن جنود النخبة العراقيين مهتمون باغتصاب النساء والرجال المشتبه فيهم ونهب منازلهم أكثر من قتال تنظيم الدولة الإسلامية. ووثق التقرير بالصور والفيديوهات جرائم تعذيب واغتصاب وقتل متعمد للمدنيين اقترفها جنود وضباط فرقة الطوارئ بأحياء وضواحي الموصل.

وقدمت دير شبيغل، أدلة دامغة على حملة تشريد وقتل نفذتها قوات غير نظامية، من خلال مستندات موثقة تؤكد شخصيات الجناة، وتقدم توصيفاً يتناقض مع التقارير الإعلامية الرائجة التي صورت أفراد القوات الخاصة المشاركين في حملة الموصل كمحررين.

 

جرائم حرب ضد الإنسانية

قامت فرقة الطوارئ بتنفيذ مداهمات وهجمات ليلية نفذتها في الموصل، حيث تم تصوير شابين اعتقلهما جنود فرقة الطوارئ للاشتباه في انتمائهما لتنظيم الدولة، وبعد ثلاثة أيام، اعترفا تحت التعذيب بانتمائهما للتنظيم، ثم أعدما بالرصاص، كما قام ضباط فرقة الطوارئ بشن عمليات واسعة للتعذيب والاغتصاب والقتل “لمجرد اشتباه بسيط وحتى من دون اشتباه”، حيث أعدم رعد هندية حارس مسجد قرية كابر للاشتباه بانتمائه للتنظيم، ويعترف مسؤول الاستخبارات بالفرقة النقيب ثامر الدوري بتعرض الحارس هندية للتعذّيب لأكثر من أسبوع قبل اعدامه مع شباب آخرين تعرضوا للتعذيب الوحشي والقتل.

وأشار التقرير الى قيام ضابط الصف حيدر علي باغتصاب زوجة احد المشتبه بهم فتحي أحمد صالح، وقيام جنود آخرين بسرقة مقتنيات منزلية، إضافة لاعتقال واغتصاب شاب معتقل في غرفة النقيب نزار، وأشار المصور الصحفي إلى قناعة الجنود الذين رافقهم بأن التعذيب والقتل والاغتصاب ونهب المنازل مباح لهم، ويتم بمعرفة قادتهم وحلفائهم الأميركيين. ويخلص التقرير إلى أن الاستراتيجية الوحيدة لقوات النخبة العراقية هي إثارة فزع ورعب كل المواطنين بالبلاد لدفعهم لمغادرة مناطقهم وتغيير الطبيعة الديمغرافية لشمال العراق.

إضافة لما تقدم، اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقرير لها، الجيش العراقي والمليشيات باحتجاز فارين من مدينة الموصل وارتكاب انتهاكات بحقهم، شملت الإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي في مراكز وسجون سرية للتحقيق معهم، بينهم صبية، وإن مصير هؤلاء الأشخاص لا يزال مجهولا، وتشير منظمة هيومن رايتس ووتش، الى ظاهرة الاختفاء القسري والاعتقالات العشوائية، حيث تضم السجون السرية، غير الخاضعة لوزارة العدل اكثر من ١٢ ألف محتجز من الشباب مجهولي المصير.

 

انتهاكات حقوق الانسان

اتهمت منظمة العفو الدولية Amnesty الحكومة العراقية بغض الطرف عما سمته نمطاً ممنهجاً لانتهاكات خطيرة لحقوق الانسان ترتكبها القوات غير النظامية باستخدام سلاح الجيش، حيث شنت هجمات انتقامية استهدفت بصورة رئيسية آلاف الرجال والصبيان من العرب. وتضخم دورها، وبات لها ما يعرف بمقار استخبارات وسط بغداد، وتتحكم قياداتها بالمشهد العسكري والسياسي ضاربة بعرض الحائط أي دور للحكومة والبرلمان وغيرهما من المؤسسات الرسمية.

فعلى سبيل المثال لا الحصر للانتهاكات المستمرة والتي تتخذ اشكالاً مختلفة في كل محافظات العراق، اتهمت منظمة العفو الدوليةAmnesty  التحالف الدولي بارتكاب “انتهاك صارخ للقانون الدولي” في مدنية الموصل العراقية لعدم اتخاذه الاحتياطات الكافية لحماية المدنيين، مشيرة إلى مقتل مئات المدنيين بعدما أمرتهم السلطات العراقية بالتزام منازلهم رغم الغارات الجوية للتحالف. وأوضحت دوناتيلا روفيرا كبيرة مستشاري الاستجابة للأزمات في منظمة العفو الدولية حينها: أن “عدد القتلى المدنيين الكبير يشير إلى أن قوات التحالف التي قادت الهجوم في الموصل فشلت في اتخاذ الاحتياطات الكافية لمنع وفيات المدنيين، في انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي”. وتشير الأدلة الملموسة التي جمعت في شرق الموصل على سبيل المثال، إلى قيام غارات التحالف الدولي، بتدمير المنازل وبداخلها عائلات بأكملها، بعدما طلبت منهم السلطات العراقية البقاء في منازلهم رغم استمرار الغارات الجوية، مما تسبب بمقتل أكثر من ثلاثة آلاف مدني، طبقا لبيان الدفاع المدني بالموصل في ١٩ شباط ٢٠١٧م.

وتنشر وسائل الاعلام العراقية قرارات لتنفيذ حكم الإعدام كان آخرها اعدام ٢٢ سجينا في سجن الناصرية المركزي (الحوت)، ١٥ منهم من أهالي محافظة نينوى و٤ من صلاح الدين والثلاثة المتبقين من محافظة الانبار، ويرجح المراقبون لحملات الإعدام بعد الالتزام بقواعد العدالة والتحقيق القضائي وفق القانون وحق المتهم بالدفاع عن نفسه وعدم اخذ الاعترافات تحت التعذيب. وهكذا تستمر الانتهاكات بشكل او بآخر في البصرة وذي قار وبابل وديالى وكل مدن العراق ومحافظاته من الشمال الى الجنوب تارة في خروقات سياسية واخرى اقتصادية او عشائرية او غيرها.

 ولمواجهة الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان في العراق، نؤكد على ضرورة بناء مؤسسات الدولة المدنية، ومحاربة طبقة الفساد المالي والسياسي، وهذا يتوقف على عاملين وهما:

 تبني الاستراتيجية الشاملة لتحقيق الأمن الوطني والالتزام بالدستور والقانون، والثاني جديّة الأحزاب والكتل السياسية في التعامل بشكل إيجابي مع الاستراتيجية الوطنية لضمان الاستقرار والأمن والتنمية في إطار السيادة والاستقلال السياسي والاقتصادي للعراق. مع أهمية العمل لترسيخ قواعد العدالة والإنصاف لضحايا الحروب والعنف والتعذيب في السجون السرية، حيث الاحتجاز القسري للشباب، وعودة النازحين الى مدنهم وضمان حق المهجرين من جرف الصخر وغيرها، وتحريم ثقافة الكراهية والتمييز الديني والمذهبي والعرقي ونشر روح التسامح والشراكة، واحالة جميع من ارتكب جرائم حرب من اعتقالات عشوائية وتعذيب واغتصاب واعدام، خارج سلطة القضاء، الى القضاء لكي يأخذ جزائه العادل.