ما هيك اتفقنا!
أ.د. سلمان الجبوري
كثر الحديث عن قواعد الاشتباك منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب بين الكيان الصهيوني وحزب اللات اللبناني، ولما وجدت ان هناك خروجا عن المفهوم الحقيقي الذي اعرفه لهذا المصطلح لذا عمدت الى الكتابة على بعض وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الصفحات الخاصة متسائلا عما هو مقصود بتلك القواعد لاعتقادي ربما يكون قد جرى تغيير على ذلك المفهوم او لربما أكون انا قد فهمت المصطلح بشكل غير صحيح، واذ تبين لي بان المعنى والمضمون الحقيقي لهذا المصطلح هو كما عرفته انا، فعدت ابحث عن تفسير لما هو حاصل من تطبيق له على ارض الواقع وعندما استحضرت الوقائع السابقة والحالية المتعلقة بالعلاقة بين اميركا والكيان الصهيوني من جهة وايران واجنحتها من حزب اللات اللبناني والحوثيين والميليشيات الولائية والحشد من جهة أخرى وجدت ان ماهو متداول الان بقدر تعلق الامر بأطراف تلك العلاقة هو بالفعل قواعد جديدة للاشتباك متفق عليها بينهم تختلف عن تلك المتعارف عليها دوليا، حتى ولو لم تكن مكتوبة مفادها نحن أعداء في العلن ولكننا متخادمون سرا في التطبيق ومضمون ذلك الاتفاق اننا نضرب بعض دون إيقاع الأذى المعتاد في الحروب الحقيقية بل وابعد من ذلك السماح المتبادل لطرفي النزاع المزعوم بايقاع قدر من الخسائر في الجانبين. ان سبب تكرار ترديد مصطلح قواعد الاشتباك المتفق عليها بين الأطراف هو تجاوز الكيان الصهيوني لتلك القواعد وايقاعه اذى اكبر مما هو مسموح به بينهما . ان اعتماد قواعد الاشتباك المتفق عليها وإصرار النظام الإيراني على العمل بموجبها انما هو يخدم الاهداف المشتركة لتلك الأطراف وابرزها عدم زج ايران في حرب مع اميركا والكيان الصهيوني والمحافظة على الدور التخريبي لإيران في المنطقة من خلال تواجدها بواسطة اذرعها وعملائها في العراق وسوريا ولبنان واليمن واستعدادها للتمدد الى اقطار أخرى كالسودان وربما الأردن ومصر والشمال الافريقي بواسطة استخدام سياسة ايهام تلك الدول بحرص ايران بالدفاع عنها كما فعلت مع حماس في غزة دون ان تقدم دعم ظاهر يمكنها من إيقاف عجلة التدميرللكيان الصهيوني ان تفعل فعلها التدميري في غزة او في لبنان الان.
وبالعودة الى المفهوم الحقيقي لقواعد الاشتباك يمكننا القول ان من قواعد الاشتباك ما هو عام تحكمه المواثيق والأعراف الدولية وتضبطه المؤسسات الدولية ومنها ما هو خاص بكل طرف من الأطراف المتحاربة تحكمه الأعراف الإنسانية والدينية وقيم الرجولة والفروسية كتلك التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى «الحروب» فقال: «لا تقطعوا شجرة.. وألا تقتلوا امرأة ولا صبيا ولا وليدا ولا شيخا كبيرا ولا مريضا.. لا تمثلوا بالجثث.. ولا تسرفوا فى القتل.. ولا تهدموا معبدا ولا تخربوا بناء عامرا.. حتى البعير والبقر لا تذبح إلا للأكل».. كما أوصانا أيضا بالإحسان إلى الأسير وأن نكرمه ونطعمه.. وأن نوفى بالعهد. وكذلك ما أوصى به من بعده الخليفة عمر الفاروق رضي الله عنه وارضاه جيشه الذى فرق بين الحق والباطل (لا تُسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينقص منها ولا من خيرها ولا من صليبهم ولا من شىء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم)
تلك القواعد التي شذ عنها مدعو الإسلام الفرس المجوس في حربهم مع العراق حيث جندوا الأطفال بخديعة ان سيدخلون الجنة واعدموا الاسرى واسائوا معاملة من بقي منهم على قيد الجياة ولم يفرقوا بين مقاتل ومدني اعزل او بيوت مسكونة او منشئاة النفع المدني العام او ما فعلوه مباشرة او بواسطة اذرعهم المجرمة في اليمن او في سوريا او في العراق.
ان ما شهدناه في الآونة الأخيرة من قواعد اشتباك بين ايران واذرعها من جهة والكيان الصهيوني وأميركا من جهة أخرى انما هو اتفاقات مسبقة على قواعد اشتباك من نمط خاص يبقي ايران خادمة للمشروع الأميركي في محيطها الإقليمي ويظهرها كأنها عدو حقيقي لهم وكانت تنتظر ان تلتزم الأطراف الأخرى بهذا النمط الجديد من قواعد الاشتباك والذي لم يلتزم به الكيان الصهيوني والذي اثخن جراح حزب اللات اللبناني والذي دعاهم الى الاستغراب من تجاوز الكيان الصهيوني لما اتفق عليه.