شبكة ذي قار
عـاجـل










المرشح الأوفر حظاً لخلافة خامنئي في الدولة الإيرانية العميقة (1)

أ.د. مؤيد المحمودي

 

نتيجة لتأثير الصدمة التي تركتها الوفاة المفاجئة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ، بدأت تظهر بعض التساؤلات المقلقة في الساحة الايرانية حول أهمية تهيئة  مرشح  بديل يخلف المرشد الأعلى علي خامنئي في حالة غيابه . وتعود أسباب هذا القلق الى تقدم المرشد الحالي في العمر بعد بلوغه 85 عاما واصابته المعروفة بمرض سرطان البروستات ، ما يجعل من الصعب تعويض مركزه الحساس بسهولة كأعلى موقع في الدولة يتحكم في السلطات الدينية والسياسية والعسكرية والأمنية.

طبخة تعيين خامنئي مرشدا لايران خلافا للدستور

وبالعودة الى عام 1989 حصل فراغ في منصب المرشد الأعلى بعد وفاة خميني بسبب عدم وجود نائب له أو تهيأة خليفة مناسب له مسبقا . و كان الدستورالإيراني ينص في حالة عدم توفرمجتهد جامع لشروط قيادة البلاد  يحظى بقبول مجلس الخبراء المكلف بهذه المهمة . فيمكن للمجلس اختيار شورى القيادة من بين الفقهاء لتكون بمثابة لجنة مؤقته  تنوب عن المرشد الأعلى الى أن يتم انتخاب مرشد جديد. لكن أكبر هاشمي رفسنجاني، المعروف بثعلب السياسة الإيرانية كما كان يُطلق عليه، و الذي شغل منصب رئيس مجلس الخبراء بالإضافة إلى مناصب سياسية أخرى، أصر على أن القيادة يجب أن تكون فردية. وعلى أثرها قام بهندسة ترشيح خامنئي لمنصب المرشد الأعلى بصورة مبطنة و بالتنسيق مع أحمد خميني، نجل المرشد الراحل. بالرغم من أن الشروط الدستورية المطلوبة في منصب المرشد الأعلى غير متوفرة في خامنئي لأنه لم يكن فقيها أو مجتهدا دينيا ولا مرجع تقليد أو يحظى بمرتبة دينية عليا مثل أية الله.

وعندما أظهر عدد من أعضاء مجلس القيادة تحفظهم على توليه  موقع المرشد الأعلى ، تظاهر خامنئي بالترفع عن ترشيح نفسه لهذا المنصب ، في خطبة فُسرت لاحقا كمسرحية والتي قال فيها "يجب أن نبكي دماً على مجتمع إسلامي يطرح فيه احتمال قيادتي وقيادة أمثالي له " .  كما أقرخامنئي بوجود إشكالات دستورية في عملية ترشيحه لهذا المنصب. وهنا تدخل رفسنجاني لصالحه مدعيا إنه يعرف خامنئي منذ أيام الدراسة، ويشهد بأنه يمكنه الوصول إلى الحكم الشرعي بمراجعة صغيرة للمصادرأو بالاستعانة ببعض الخبراء. ثم تقدم باقتراح تنصيب خامنئي في مقام المرشد الأعلى المؤقت حتى إجراء الاستفتاء.  ولطمأنة المعترضين أعلن رفسنجاني عن وجود تزكية سابقة من خميني لا أحد  يستطيع التأكد من مدى صحتها ، ادعى فيها "أن الخميني قال لي لن تواجهوا مشكلة ما دام لديكم شخص مثل السيد خامنئي بعد وفاتي" . وبعد هذا الاجتماع  المشبوه أصبح خامنئي المرشد الأعلى لايران ، وأول خطوة  قام بها لتثبيت سلطاته المطلقة هو تحويل ولايته كمرشد أعلى من الحالة المؤقتة الى الدائمة مدى الحياة ، ناسفا بذلك شرط الاستفتاء على ولايته.

ومن أهم المعترضين على هذه اللعبة المفضوحة كان مهدي كروبي، رئيس البرلمان الإيراني السابق والخاضع حاليا للإقامة الجبرية . اذ وجه في حينها رسالة مفتوحة إلى أعضاء مجلس الخبراء  ذكر فيها ان انتخاب علي خامنئي كمرشد من قبل هذا المجلس كان مؤقتا لعدم امتلاكه الشروط الفقهية المطلوبهة ومن المفترض ان  يسبق تثبيته في مركز المرشد إجراء استفتاء على الدستور، وفوق ذلك كله أن الشعب كان مغيبا ولم يبلغ بكل هذه التفاصيل. وأضاف كروبي أن خامنئي عمل على تغيير الدستور بعد تعيينه المؤقت ليبقى في منصبه مدى الحياة وذلك من خلال القيام بالتغييرات الدستورية التاليه:

1. إضافة  كلمة "المطلقة" لولاية الفقيه لتحل محل فترة العشر سنوات المقرره  سابقا بالدستور كمدة لتلك الولاية.

2-.تخويل المرشد حق حل مجلس البرلمان

 كما انتقد كروبي  سياسات خامنئي طيلة العقود الثلاثة  التي مضت على تعيينه كمرشد والتي  تسببت في حدوث أزمات اقتصادية ومعيشية في إيران، واندلاع الاحتجاجات وانهيارالعملة المحلية وتفشي الفقر والبطالة والمجاعة، وطالب مجلس الخبراء بمساءلته على هذه السياسة العقيمه . وأضاف أيضا أن موجة القمع والاعتقالات ضد المتظاهرين والناشطين والصحافيين والمحتجين من مختلف فئات الشعب في عهد خامنئي، لا تقارن بقسوتها ما حصل في عهد الشاه. ومن جهة أخرى ندم رفسنجاني متأخرا على الخدمة التي قدمها الى خامنئي في مرحلة وصوله الى منصب المرشد الأعلى ، بعد أن تنكر له الأخير وعمل على ابعاده عن الواجه السياسية.

التأسيس لقيام الدولة العميقه

بعد أن ثبت خامنئي موطئ قدمه في منصب المرشد الأعلى مدى الحياة باتباع اساليب النصب والاحتيال و والالتفاف على قواعد الدستور الايراني ، عمد لاحقا الى ترسيخ بناء الدولة العميقة الخاضعه الى سلطاته المطلقه . وذلك  باقامة شبكة عنكبوتيه من الأجهزة الأمنية والاستخباراتيه والاقتصادية التي تقع تحت سيطرته التامة مع تقليص دور الحكومة المنتخبة في إيران تدريجيا، كي يتم حصرالسلطةَ التنفيذية في مكتبه خارج سيطرة الرقابة الحكوميّة. وفي هذا السياق قام خامنئي بانشاء المجلس الاستشاري لشؤون السياسة الخارجيّة وضم اليه المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية . كما أنشأ جهازاً استخباراتيّاً موازياً  وأعطيت له صلاحيات أكثر من جهاز المخابرات الحكومي. وألحقت جميع هذه الأجهزة الخاصة بالمكتب الرئاسي الذي يشرف عليه ابنه مجتبى .ويقوم هذا المكتب الخاص بمراقبة الوزارات الحكوميّة والجامعات والقوات المسلحة والمؤسسات الدينيّة في جميع أنحاء البلاد من خلال الاف المشرفين الذين يرفعون تقاريرهم دوريا له. لكن الأهم من ذلك كله هو اعتماد خامنئي على قوة فيلق الحرس الثوري الايراني للمضي قدما في ترسيخ حكمه الاستبدادي والذي أوكلت اليه بشكل أساسي حماية أمن النظام الايراني داخليا وخارجيا. وهذه المسؤوليات الكبيرة للحرس الثوري فسحت له المجال للعب دورا فعالا في اخماد العديد من الانتفاضات الشعبية في ايران والأشراف على تنفيذ المهام القذرة التي كان النظام الايراني يتبناها في الخارج. منها تغلغل النفوذ الايراني والتجسس على الأنظمة الأخرى وتعقب نشاطات المعارضين للنظام الايراني . ولم تقتصر مسؤوليات الحرس الثوري على هذه المهمات الأمنية  بل منحه خامنئي صلاحيات اضافية أخرى تتعلق بالجانب الاقتصادي والتي تم فيها  تقديمه للسوق الايراني كقوة تجارية ضخمة تمتلك رأسمال يقدر بمليارات الدولارات وتتولى الاشراف على العديد من الشركات التي تضم الاف الموظفين. ومنها شركة ختام الأنبياء للإنشاءات، والتي تعدّ أكبر شركة هندسيّة في إيران ويعمل بها أكثر من 160،000موظف . وبالاضافة للمورد المالي الكبير من تلك الشركات ،  فان المرشد الإيراني يحصل على تخصيصات هائلة من الموازنة السنوية ،  ومن سيطرته على مؤسسة عملاقة تعرف باسم ستاد . وظيفتها الأساسية مصادرة العقارات والأراضي التي تعود لـمناهضي النظام سواء من المعارضين للحكم أو لولاية الفقيه أو بقايا حكم الشاه.  وقد جلبت هذه المؤسسة لخامنئي أرباحا تصل الى حوالي 100 مليار دولار. وعلى ضوء هذه الايرادات المالية المتعددة  تقدربعض المصادر الأمريكية  ثروة خامنئي الحالية بحوالي 200 مليار دولار.  مما يثير تساؤلات عديدة حول كيفية جمع هذا المبلغ الطائل من قبل رجل كان يعيش في أسرة فقيرة قبل تسلمه  مركز القيادة في النظام الإيراني الجديد.

 ورغم أن خامنئي لم يكن شخصية دينية بارزة قبل تسلمه موقع المرشد الأعلى ، الا أن ذلك لم يثنيه من التدخل في شؤون الطبقة الدينية خلال فترة ممارسته السلطه. فقد عمل على اضعاف نفوذها الواسع عن طريق شق صفوفها الى فريقين ، قسم المحافظين المتشددين الذين يتمتعون بامتيازات مهمة في المواقع الادارية والدينية لأنهم يدينون له بالولاء المطلق ومتزمتون في فرض قيود اجتماعية وسياسية في البلاد ويقفون بالضد من الانفتاح الايراني على العالم الغربي . والقسم الأخر وهم الاصلاحيون الذين لا يحملون تزمتا كبيرا في فرض قيود على المجتمع ولا يعترضون على انفتاح ايران على العالم الغربي وهم لا يعتبرون من المعارضين للنظام ولكن لديهم بعض التحفظات على طريقة خامنئي في الحكم . لذا عمد المرشد الأعلى الى ابعادهم والتضييق على بعظهم ممن كانوا أكثر جرأة في المعارضة لطريقة حكمه . وعلى ضوء هذا التمييز الولائي الذي يدعمه خامنئي بات منصب الرئيس (الذي هو بمثابة رئيس وزراء) دائما من نصيب المحافظيين المتشددين في السنوات الأخيرة. ويتم ذلك في العادة عن طريق عملية اقصاء المرشحين الذين لاينتمون الى مجموعة المحافظين من قبل مجلس صيانة الدستور الواقع تحت سيطرة خامنئي.

 






السبت ١ ذو الحجــة ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / حـزيران / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. مؤيد المحمودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة