شبكة ذي قار
عـاجـل










الحرب، كيف نفهمها في ظل الأيديولوجيا السياسية والدينية؟

د. أبا الحكم

 

حركات الاسلام السياسي والمسلحة أيضاً في مجملها تجمعها أزمة مستحكمة وتناقض بارز في مفصلين اساسيين:

الأول-  انها تطبق أيديولوجيتها الدينية بدلاً من الأيديولوجيا السياسية لغرض الوصول الى اهدافها.

الثاني- انها تعتمد في صياغة قراراتها على منطلقاتها ومراجعها الدينية.

والمراجع نراهم يغيرون تسمياتهم الى (احزاب العدالة والتنمية، وحركة النهضة، وحزب التحرير الاسلامي فضلاً عن واجهاتها التنظيمية المسلحة ذات المنهج التصادمي مثل: القاعدة وداعش وطالبان، وبوكو حرام، وجبهة النصرة - فتح الشام، وحركة المقاومة الاسلامية – حماس التي تأسست عام 1992 وارتبطت بإيران بعد سيطرتها على قطاع غزة وانفصالها عن الضفة الغربية).

هذه الحركات لها امتدادات مسلحة في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وتعمل على تأسيس وجود ايديولوجي ديني مسلح في باقي الاقطار العربية، كلما سمحت الظروف بذلك تحت توجيه الدولة الثيوقراطية الإيرانية.

وحين تعمل الحركات الدينية في السياسة تصطدم، شاءت أم أبت، بجملة من الحقائق أولها: أن السياسة لا تتعايش مع الايديولوجيا الدينية، وإن الايديولوجيا الدينية لا تتعايش مع السياسة، في ضوء واقع أحكام الفقه الديني المطلق، رغم أن هذه الحركات حاولت تجميل اوضاعها وتحسين سمعتها، كما هو حال الغنوشي والرنتيسي ومشعل وهنية وخامنئي، إلا أن منهج التكفير والإقصاء والتهميش والتصفيات فضلا عن التزمت والتعصب والتهديد، لا يزال تعمل به تلك الحركات الدينية في ظل ظروف وتحولات واحداث اقليمية ودولية تجعل هذه الحركات تضع رؤوسها في الرمال كالنعام وتخفيها مؤقتة في الجحور والمواخير والسراديب ريثما تتغير او تتحسن الظروف وتصمت العواصف.

ومن سمات الحركات الاسلامية السياسية إنها 1- لا تتطور موضوعيا ولا ترتقي الى مستويات أرقي 2- لا تنسجم هذه الحركات مع القوى الاخرى الوطنية والقومية 3- تحتكر القرار في افعالها وتصرفاتها.. فهي بهذه الصفات لا تمثل غالبية الشعب في اهدافه الوطنية والقومية، وما ترمي إليه هو (حكومة دينية عالمية) لا غير، لماذا؟ لأنها حركات لا تؤمن أساساً بالهوية القومية وعابرة للهويات والقوميات.

والمثال الصارخ، ما حدث في ظل النظام الاسلامي السياسي الايراني (رشحت قيادة الحركة ستة اشخاص للرئاسة.. ومر المرشحون عبر مكتب خامنئي إلى مجلس صيانة الدستور عبر مجلس تشخيص مصلحة النظام الايراني.. ليوافق على مرشح واحد للرئاسة عينه خامنئي شخصيا ليمر خلال هذه القنوات.. وهكذا برز (رئيسي) من حقل القضاء المجرم الى رئاسة الجمهورية الاسلامية الايرانية التي تقود المجزرة في الداخل والخارج. وهذا يعني ان نظام السلطة الدينية يحتكر السلطة في البلاد ويحتكر القرار.

وعلى الرغم من ان تجربة حماس تشير إلى أنها لم تتورط في ممارسة العنف والارهاب، وكانت عملياتها انتحارية اقتصرت على مستوى رد الفعل الدفاعي في الاراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أن حماس لم تدرك ان القضية الفلسطينية هي قضية وطنية قومية وليست قضية دينية ترتبط بالقدس لكي تتعامل معها على اساس الأيديولوجيا الدينية.

القضية الفلسطينية في كل ابعادها هي قضية سياسية ذات بعد استراتيجي.. وهذا البعد يشترط جملة من عناصر التعامل الموضوعي وفي مقدمتها:

أولاً- ضرورة استخدام وسائل السياسة عند التعامل مع القضية الفلسطينية ومنها 1- تحديد مفهوم طبيعة الحرب هل هي حرب نظامية أم حرب عصابات 2- وهل هي معراك متتالية أم هي حرب؟ وإذا كانت حربا فهل هي حرب (تحرير) أم حرب (تحريك) موقف كان راكداً؟

ماذا تشترط حرب التحرير؟ تشترط الوحدة الوطنية الفلسطينية وعدم الانفراد باتخاذ القرار.. لأن الشعب الفلسطيني هو صاحب القرار الوطني في التحرير وليس أحد أحزابها وفصائلها – كما أن تقسيم فلسطين واختزالها بقطاع غزة هو اضرار بالقضية لأن الشعب الفلسطيني قوة واحدة وليس فصيلاً واحدا.. والتساؤل المهم لماذا طبقت حماس ميثاقها لعام 1988 بالتحالف مع إيران الدولة المعادية للعرب؟

دعونا نحتكم الى حقائق جغرافية تحيط بقطاع غزة هو (قطاع صغير بمساحة (360) ثلاثمائة وستون ألف كيلومترا مربعاً يسكنه أكثر من (1800) مليون وثمانمائة ألف نسمة، وفيه (44) تجمعاً سكانياً اهمها – غزة ورفح وخان يونس وبني سهيلا – فهو قطاع ضيق المساحة وكثيف السكان ويفتقر الى طوبوغرافية الارض التي تحمي السكان وإلى العمق في الدفاع – فهل ان مثل هذا القطاع ضيق المساحة وكثيف السكان ويفتقر الى العمق الاستراتيجي سيحقق اهداف الحرب في أي شكل من أشكال مسمياتها؟

كيف ستنتهي الحرب؟ ستتوقف الحرب عن طريق مسار (هدنة مؤقتة) ثم (هدنة طويلة) مصحوبة بمفاوضات عقيمة لتبادل أسرى بين الطرفين ويتم ذلك على مراحل قد تستغرق وقتاً طويلاً بعدها سيترتب وقف إطلاق النار والانسحابات المشروطة.. والخلاصة الجلوس على طاولة المفاوضات لفصل المتحاربين وتكريس ما يسمى (Buffer zoon) منطقة عازلة، والعودة إلى الجدران الأمنية.. إذن، هل هي حرب (تحرير) أم حرب (تحريك)؟

هل ان الأيديولوجيا التي تعالج الأمور من زاوية دينية دون غيرها هي التي حركت الواقع الراكد؟ فقد تحدثت حماس عن لسان خالد مشعل عن قيام دولة فلسطينية على حدود 1967 وبعد محادثات سرية جرت معه 1- لعقد هدنة 2- وفتح مطار وميناء غزة 3- ووقف الاستيطان.. مقابل إنهاء علاقة حماس مع إيران وحزب الله اللبناني، وكان السمسار في هذه الصفقة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق (توني بلير) والآن، هو ممثل لجنة الطريق الرباعية إضافة الى وسطاء اوربيون.. عندها خرجت حماس من بوابة إيران وعادت اليها من بوابة قطر- الدوحة وشددت روابطها مع الاخوان وتكفلت قطر بإعمار ما دمرته الحرب المرسومة بمبلغ (6) ستة مليارات دولار.. لماذا؟

إن ثقافة التنمية التي يروج لها، لتكون غزة سنغافورة ثانية على ساحل المتوسط، هذه الثقافة يشجعها الغرب ويشجعها الكيان الصهيوني، هي ثقافة تنطوي على مورفين لتمييع القضية الفلسطينية في دولة لا تتمتع بالاستقلال ومنزوعة السلاح.

أما ثقافة التحرير فهي تعتمد على عناصر السياسة – الاستراتيجية وعمقها القومي العربي.. وثقافة التنمية تستبعد ثقافة التحرير كلياً وتضع فلسطين تحت الوصاية الاسرائيلية والامريكية في إطار دويلة تحت الوصاية.

بدون العمق الاستراتيجي العربي لن يكون هناك تحرير، وإن الكفاح الفلسطيني المسلح، هو الذي يصنع مسيرة التحرير، وحرب التحريك هي ايديولوجيا - دينية وليست ايديولوجيا حرب قومية تحررية.

قد يتساءل البعض.. أين هو العمق الاستراتيجي العربي؟ وهل يتمثل بالأنظمة العربية جميعها؟ اقول ان العمق يتمثل بجماهير الأمة العربية والأنظمة العربية هي مجرد واجهات لنظام إقليمي عربي.. وإذا كانت الأنظمة العربية خائنة ومتواطئة مع الخارج، وهي كذلك، وتمنع بحكم عمالتها ان يتشكل العمق الاستراتيجي العربي، فالعمل ينصب على إرغام الانظمة على تشكيل العمق الاستراتيجي من اجل النهوض بالثورة الفلسطينية.. فالمهم كيف تتحرر فلسطين بتكريس وارغام الانظمة العربية على تشكيل العمق الاستراتيجي العربي، ليس للقضية الفلسطينية فحسب، وإنما لمجمل جغرافية الوطن العربي حيثما توجد تحديات ومخاطر.

 

 

 

 

 

 

 

 






الخميس ٢٦ شعبــان ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / أذار / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة