شبكة ذي قار
عـاجـل










البصرة ...في عين العاصفة مرة أخرى

 

د. نضال عبد المجيد

  

  أثير في الآونة الأخيرة، نبأ تدخل أحد المراكز ( الثقافية) في البصرة لمنع مارثون تشارك به السيدات، واستجابة الجهة المسؤولة باقتصار المارثون على الرجال فقط، وقد سبق هذا التصرف المتخلف والأرعن، أحداث مشابهة، وهذا ما يفتح الباب واسعا حول مدى تدخل أي مركز أو جهة مدنية أو سياسية أو دينية في ما يختاره المواطن بمحض إرادته، ووفقاً لدستورهم المشبوه الذي أطنب بالحديث عن الحرية وحقوق الإنسان، والمساواة بين الرجل والمرأة، فهل مشاركة المرأة في سباق رياضي تخل بالمنظومة القيمية والأخلاقية للمجتمع أم الأمر أوسع وأكبر من ذلك.

منذ الاحتلال الغاشم سنة ٢٠٠٣ ومدن العراق وخاصة البصرة تعيش واقعاً مأساوياً، من الناحية الاجتماعية، ناهيك عن النواحي الأخرى، فبعد حملات التغيير الديمغرافي الممنهج، تأتي الموجة الظلامية بالتدخل في نشاط رياضي، بعد أن تدخلت في كل ما يخص الإنسان من مأكل وملبس، ونمط حياة، وكأنما نعيش في ظل ولاية الفقيه، فإشاعة القيم العشائرية لمرحلة ما قبل الدولة،  والتي تجاوزها الزمن وذلك بترييف المدن، حتى أصبحت صماء دون روح، وسحق الشخصية المدنية المتحضرة، والتي امتازت بها البصرة، لقد دخلت القيم الغريبة عن المدينة وأهلها من رفض للآخر، وفرض الأعراف البالية والمتخلفة على هذه المدينة المتقدمة في مجالات العلم والثقافة والسلوك الاجتماعي المتحضر .

ولم يتم الاكتفاء بذلك، فنحن ندرك أن هذه المدينة مستهدفة من الفرس منذ أن شيدها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام ١٥ هجرية، كقاعدة للتحرير ونشر الدين الإسلامي الحنيف، فقد توالت عليها هجمات الفرس، وآخرها ما جرى في  العدوان الإيراني في ٤ أيلول ١٩٨٠، كانت البصرة وأقضيتها ونواحيها ساحات للمعارك الضارية، وأسال العراقيون أنهاراً من الدماء دفاعاُ عنها، حتى تحقق النصر في القادسية الثانية في ٨ آب ١٩٨٨، فهي  مستهدفة في عروبتها وفي وطنيتها العراقية الأصيلة في محاولة خائبة لمحو هويتها، واحلال هوية بديلة غريبة عنها.

إن تدخل مركز ثقافي مشبوه تابع للولي الفقيه في إيران في سباق رياضي، يعطي دليلاً إضافياً على مدى التغلغل والهيمنة الإيرانية في الشؤون الداخلية والمحلية للمحافظات، ناهيك عن التدخل السافر سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً، من خلال أعوانه وذيوله وميليشياته التي عاثت في الأرض الفساد.

فالرضوخ والخنوع لتدخل هذا المركز المشبوه، والسكوت عن طعنه في شرف الماجدة البصرية، يؤكد لكل ذي بصيرة، هشاشة مؤسسات الدولة، التي تذعن صاغرة لكل من هب ودب، دون الالتفات إلى المصلحة الوطنية والمجتمعية. وهذا ليس مفاجئاً، إذ ما فتئت الميليشيات المسلحة، وواجهاتها السياسية تعبث بمقدرات الدولة ومؤسساتها، كيفما تشاء.

فالرفض المجتمعي لها أصبح حقيقة واقعة بعد أن سئم المواطن من سلطة اللصوصية والفساد، واستباحة المال العام والخاص دون خوف من رقيب أو حسيب.

فاليقين بأن مدينة البصرة وشقيقاتها مدن العراق الأخرى ستبقى تتصاعد وحركة الحياة تسير إلى الأمام، وما هذه اللحظات الفارقة، وإن طالت، فإنها سترتد منكسرة على أعقابها، أمام صمود الإنسان العراقي الذي كشف زيف هذه الزمرة المتسلطة على مقدراته، والتي نشرت الجهل والرشوة في كل مفاصل الدولة.

وهذا اليقين يلازمه يقين آخر بأن عروبة البصرة ستبقى إلى الأبد، مدينة الحضارة العربية والإسلامية، مهما حاول النظام الإيراني وعملاؤه الصغار محو هويتها الناصعة والمشبعة بروح العروبة، وجعلها نموذجاً لمشروعه في تصدير الثورة إلى أقطار الخليج العربي والجزيرة العربية.

لكن البصرة ستبقى إلى الأبد كما كانت عبر التاريخ، عربية الوجه واليد واللسان.

 






الجمعة ١٣ شعبــان ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / شبــاط / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. نضال عبد المجيد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة