شبكة ذي قار
عـاجـل










عروس الثورات.. عنوان الجسارة والاقدام

د. نضال عبد المجيد


يكتسب الحديث عن ثورة الثامن من شباط ١٩٦٣ أهمية استثنائية، لأنها صفحة خالدة من صفحات النضال الوطني في العراق ، وأحدثت علامة فارقة في تاريخه عندما قضت على الشعوبية القاسمية التي أغرقت العراق في بحر من الدماء، وعصفت بأهداف ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ وحادت عنها. ولأنها أول ثورة يقودها حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق، وأول ثورة يشارك فيها الشعب ممثلاً بطليعته من مناضلي البعث المدنيين إلى جانب رفاقهم من العسكريين، ليسطروا بدمائهم الزكية ملحمة بطولية من التضحية والفداء تكللت بالانتصار الحاسم بإسقاط النظام القاسمي الدكتاتوري، هذا النظام الذي أوغل بدماء العراقيين، وارتكب المجازر المروعة في مدينتي الموصل وكركوك، وسيق الثوار من الضباط والطيارين إلى ساحات الإعدام، وخيرة أبناء الشعب إلى المعتقلات والسجون، وهنا تناخى رجال البعث لوضع خطة الإنقضاض على الحكم القاسمي وزبانيته، فأعدت قيادة قطر العراق، بمشاركة المكتب العسكري للحزب خطة التنفيذ بالرغم من كل الصعوبات التي اعترتها، والمخاطر الجسيمة من انكشاف خطة الثورة، والتي تعني فيما تعنيه توجيه ضربة شديدة للحزب ومناضليه، وليطول ليل العراق البهيم لأمد غير محدود.

وفي صبيحة الجمعة الرمضانية في الثامن شباط ١٩٦٣، تحركت جحافل الثوار العسكرية والمدنية لتحتل شوارع بغداد وساحاتها وتحصر الطاغية عبدالكريم قاسم في وزارة الدفاع فيما كان صقور الجو البعثيون يمطرون مواقع النظام بحمم طائراتهم،

حيث قال فيهم الرفيق صالح مهدي عماش رحمه الله قصيدته التي مطلعها :

أقول إذا اهتزت جوانبها رٌعبا... أبغداد من خوف تحركت أم عجبا

فجرت معارك شديدة الوطأة، تكللت بإسقاط النظام القاسمي، لتعيد للعراق وجهه العربي المشرق.

جاءت ثورة شباط ١٩٦٣ في ظل ظروف عراقية وعربية بالغة الدقة، وإذا كنا قد عرضنا فيما سبق باختصار شديد أوضاع العراق، فإن الوضع العربي قد شهد انتكاسة تجربة الوحدة بحدوث الانفصال في ٢٨ أيلول ١٩٦١، التي أحدثت صدمة من الإحباط  في نفوس الجماهير العربية، وجاءت الثورة كأول رد بعثي على الانفصال، والذي تهاوت أركانه بعد شهر بحدوث ثورة ٨ آذار ١٩٦٣ في سوريا، لتضع النضال العربي على أعتاب مرحلة جديدة. لو قدر لها الاستمرار لغيرت تاريخ الوطن العربي. وأحدثت نقلة نوعية في حياة الإنسان العربي، لكن ظروفاً ذاتية وموضوعية من تراكم أخطاء إلى تآمر خارجي، فوت على النضال القومي تلك الفرصة الذهبية.

 أثبت مناضلو البعث في هذه الملحمة البطولية، أنهم عند حسن ظن شعبهم بهم، تتملك أرواحهم الشجاعة الفائقة والفداء غير المحدود والإيثار النبيل، فشعب العراق وجماهير الأمة العربية، يعرفونهم، ويعلمون أي نمط من الرجال الأفذاذ هم البعثيون، ألم يهاجموا موكب رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم في شارع الرشيد ببغداد، ويمطروه بوابل رصاصهم، ويضربوا أمثلة البطولة والتحدي في قاعة المحكمة المهزلة المسماة شعبياً ( محكمة المهداوي)، التي لفتت الانتباه الشعبي إلى الحزب ومناضليه.

لقد ضرب البعثيون أروع أمثلة البطولة والتضحية وهم يواجهون الدكتاتورية القاسمية في صفحات نضالهم كافة ، حتى تكلل بالنصر المبين بإسقاط النظام القاسمي. بثورة شعبية عاصفة سميت بحق عروس الثورات.

عشت رمضان شهرا مبجلا ... فطرنا على حكم الزعيم وما ربى

لكن قوى الردة شرعت لتَئِد هذه الثورة وهي في أشهرها الأولى لتقع ردة ١٨ تشرين الثاني ١٩٦٣،  ولم يستسلم البعث ويذعن مناضلوه للأمر الواقع، حتى فجروا ثورة ١٧_ ٣٠ تموز القومية الاشتراكية.

لتبقى روح رمضان الفدائية في نفوس مناضلي البعث، وهم يشيدون البناء ويحققون الانتصارات، التي جمعت قوى الشر لتحتل العراق، ومرة أخرى كانت روح رمضان حاضرة في التصدي للعدوان والاحتلال الأمريكي الصهيوني الإيراني. الذي تصدى له مناضلو البعث بتلك الحماسة والاندفاع المعهودتين بهم، وسيستمر نضالهم البطولي حتى انجاز الانتصار النهائي بطرد الغزاة ليعود العراق حراً أبياً سيداً.




الاحد ١ شعبــان ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / شبــاط / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. نضال عبد المجيد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة