شبكة ذي قار
عـاجـل










فلسطين القضية، العودة إلى البدايات!

نبيل الزعبي

 

باختصارٍ ووضوح ٍ شديدين: إن الجنود المجهولين الذين يحققون اليوم أروع ما أنجزه التاريخ المقاوم من بطولات وصمود إعجازي لم يسبق له مثيل، وجلّهم شبّان وأشبال يدافعون عن شرف الامة في غزة والضفة، هم الذين يُعَوَّل عليهم اليوم وغداً في تحقيق المعجزة وتصويب ما عجزت الأجيال السابقة عن إنجازه، فَلماذا أشبال فلسطين وشبابها، وأية معجزة، وما الذي عليهم إنجازه! وقد تحولوا ايقونة نضال لكل احرار العالم وثواره بعد نيّفٍ وعقودٍ سبعة من السنين على أكبر وأخطر نكبة انسانية في التاريخ الحديث، وهذا ما يجب ان يُسَجّل في وجدان الامة لهؤلاء الفِتيَة الذين ابقوا قضية شعبهم وشهدائهم حيةً تنبض بالتضحيات والعطاء دون ان تضع للفداء حدوداً. تُرفَع القبّعات اليوم ل" جنرالات" فلسطين الصغار والكبار دون تردّدٍ او حَرَج وهم يرسمون لنا المستقبل القادم في معركة المصير الواحد ، فلا يعودون يمثلون القلب الملتهب في فلسطين وحسب ، وإنما يضعون الأمة بأقطارها وأنظمتها أمام محك الانتماء لكرامتهم وعروبتهم والوفاء للشهداء الذين رحلوا بعد أن عبّدوا الطريق أمام الأجيال الحاضرة ومن يليها، وهم الذين صار من المستحيل عليهم التفريط بكرامتهم وشرفهم القومي والوطني بعد أن تحولت فلسطين عنواناً للشرف المُستَلَب والكرامة المهدورة وما عاد لعربي أو عربية ومن حَمَلة الرسالات أن يتنكر لهذه الحقائق ، لا اليوم ولا غداً ، كما الأمس وفي أحلك الأيام والظروف.

هي الأجيال التي راهنت الصهيونية جولدا مائير يوماً على تخليهم عن قضيتهم، جيلاً بعد جيل، لسبب النسيان قبل أي سببٍ آخر، اعتقاداً منها أن مرور جيل ٍأو جيلين لا أكثر، كفيلان بإنهاء القضية وتشظّي المطالبين بها بين السوط الصهيوني وتخاذل الصوت العربي المستمرئ للخيانة وتغليب المصلحة القطرية على أية التزاماتٍ أخرى.

إنه لمن المخجل والمعيب على أي عربي خارج أرض فلسطين ، أن يصدمُك بالقول ، أن لا شيء يربطه بقضية فلسطين التي لا تعني إلا شعبها كما تضخ أجهزة الإعلام المعادية ليلاً نهاراً على دماغه من تضليل وتشويه لحاضره وماضيه ، حتى ليكاد يشعر أن العروبة هي بمثابة العبء الثقيل عليه وقد ورثه عن أسلافه السابقين وليس له من مستقبل سوى التنكر لكل ما يصله بعروبته وبوصلتها الروحية التاريخية والحضارية المتمثلة في فلسطين وعاصمتها القدس الشريف ، وعلى العاقل أن يتصور أمةً لا روح لها ولا تاريخ ولا حضارة ، وهي التي بحواضرها ، مهبط أفئدة العرب بمسلميهم ومسيحييهم ، كما المسلمين إلى أية قوميةٍ انتموا .

إلى ما تقدم، نجزم بالتلميح والتصريح أن كل ما يُحكى من جديد عن تطبيع ٍ بين بعض الأنظمة العربية والعدو الصهيوني، لن يعني سوى المطبّعين الذين لم يقرؤوا التاريخ جيداً ولم يتّعظوا من تجارب من سبقوهم إلى توقيع الصلح المذّل لسببين جوهريين لا ثالث لهما:

-الأول، إن شعبنا العربي من المحيط إلى الخليج يرفض أن يُضَم الجسم السرطاني المسمى " اسرائيل" إلى نسيجه السياسي والاجتماعي، ولنا في موقف الشعبين المصري والأردني خير دليل على ذلك.

-الثاني ، إن طبيعة الكيان الصهيوني التوسعية الاستيطانية العدوانية ، لا ترى في التطبيع إلاّ إضفاءً لشرعيته والامعان في تنفيذ مخططاته التي أُنشئ لأجلها كقاعدة عسكرية متقدمة للغرب الاستعماري ، لا تقتصر مهماته على الفصل بين مشرق الوطن العربي ومغربه فقط ، وإنما غايته أن يكون العامل الدائم لزعزعة استقرار أقطار الوطن العربي ، ودول الطوق منها بشكل خاص ، ومنعها من أي تقدم اجتماعي واقتصادي طالما هي في توترٍ دائم مع هذا العدو وذريعةً لقيام أنظمة استبدادية عميلة تتفنن في قمع شعوبها وتخنق لديهم كل توق وتطّلُع ديموقراطي حقيقي . وحدهم شبيبة فلسطين ومقاوميها، من بيدهم قلب الواقع الفلسطيني - العربي المتخاذل متجاوزين حالات الانقسام والتشظي الحاصل، يقاتلون على طريقتهم، فلا يستفزون الفصائل والمنظمات، ولا حتى السلطة، وكل من له تعهداته الخاصة فيحرّرونهم من خياراتهم ويتركون للشعب أن يقرر وللبندقية الكلام الفصل، وفصل المُقال، ليعترف بقدرة هؤلاء أحد أعتى عتاة الأجرام الصهيوني إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي الصهيوني، بقوله: "لقد تحوّل المستوطنون (الصهاينة) إلى بطٍّ في حقل رماية".

إن العودة إلى البدايات هي التي تستحضرنا اليوم في ظل هذا الظلام العربي الدامس والاحباط المثقل باليأس الذي يلف اهتمامات أمتنا بعد فقدانها لمواقعها القومية الجاذبة الناجمة عن غزو العراق الوطني واحتلاله منذ سنة ٢٠٠٣، فضلاً عن الفراغ الكبير الذي تعيشه حركة التحرر العالمي منذ سقوط الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية ، وبالتالي لا انتظاراً لمعجزةٍ على أيدي الأنظمة التي قال فيها القائد المؤسس لـ" البعث" الأستاذ ميشال عفلق مع بداية نكبة فلسطين : "الحكومات لن تحرر فلسطين ، وإنما سيحررها الكفاح الشعبي المسلّح ،" وليعلم أبناء العروبة الطامحين للوحدة ، والشباب في مقدمهم ، إن فلسطين هي الأقرب إلى توحيد العرب عندما تتوحد كلمتهم نحو التحرير ، وإن أبطال الأنفاق الذين قلبوا حياة الصهاينة رأساً على عقب وهم يخرجون من بين الأنقاض كالأشباح ، ينفذون المهمات ويعودون إلى قواعدهم سالمين ، وأسود الضفة الذين يتوثبون في عرينهم للثأر بين اللحظة واللحظة ، هم الوجه المشرق لهذه الامة التي تؤكد ساحات وشوارع غزة والضفة الملتهبة في فلسطين اليوم ، إنها موجودة ، طالما في مقدمة شعبها ، أبطالُ يحملون السلاح .






الخميس ٢٨ رجــب ١٤٤٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / شبــاط / ٢٠٢٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة