شبكة ذي قار
عـاجـل










على ضوء استدعاء ناشطين للتحقيق، "ابن الدولة"، كيف يعيش بكرامة!

نبيل الزعبي

 

لعل من أكثر الأمور سذاجةً ما جاء على لسان وزير الداخلية اللبناني في إحدى المناسبات، منذ أشهر، حيث اعتبر أن بناء سجون جديدة هي أولوية على الصعيد السياسي الاستراتيجي لعدم قدرة السجون الحالية على استيعاب المساجين، (جريدة الأخبار ١٢/٩/٢٠٢٢).

خبرُ ساذج لا يختلف عما هو أكثر سذاجةً حين اعلنت الداخلية يوماً عن حاجتها الى تطويع المزيد من القوى الامنية لصالحها في الوقت الذي تطالعنا الاخبار عن هروب العديد من عناصرها من الخدمة بسبب تردي الاوضاع المعيشية وتفضيلهم السفر الى الخارج ولو اقتضى الأمر ، أن يهربوا في قوارب الموت او العمل في ابسط الخدمات توفيراً للحصول على لقمة العيش في اقل تقدير ، وجلّ الرواتب اليوم لا تكفي ثمناً لربطة الخبز ، فكيف بتكاليف العيش الاخرى من غذاء وسكن ومدرسة وحبة دواء واشتراك في المولّد الكهربائي، لتطالعنا الأخبار مؤخراً عن استدعاء المحكمة العسكرية لعميد متقاعد في الجيش اللبناني من أبرز المطالبين بحقوق زملائه المتقاعدين  للتحقيق معه بسبب ارتدائه البزة العسكرية اثناء احدى التظاهرات لمتقاعدي القوات المسلحة يطالبون فيها بأبسط حقوق العيش الكريم .

إنها حقاً لمأساة يعيشها "ابن الدولة " اليوم، ودولته تتنكر له في توفير ابسط ما يستحقه من موفور الحياة الدنيا، فيما السلطة السياسية لم تزل ترى فيه "العصا" الغليظة التي تستخدمها في التصدي لكل حركة اعتراضية في الشارع تطالب بحقوقها المُستلَبة على ايدي الطغمة الفاسدة من المنظومة السياسية الحاكمة.

بالتزامن مع هذا الطلب ، ثمة اقتراح قانوني تقدم به وزير الداخلية الى المجلس النيابي بغية اقراره ويقضي بان تتقلص سنة المحكومية القضائية الى ستة اشهر بدل التسعة ، كمحاولة للتخفيف من الاكتظاظ الحاصل داخل سجون لبنان ، الامر الذي يتباين مع الدعوة الى بناء سجون جديدة ، اللهم الا اذا كانت الدولة عازمةُ على التكشير عن انيابها والتشمير عن زنودها للاستعاضة بمن سيفرج عنهم بوجبات اخرى من المعتقلين بدأنا نتلمّس جديّتها عبر مذكرات التوقيف الصادرة بحق ناشطي المجتمع المدني المدافعين عن المودعين الذين لم يجدوا وسيلةً للحصول على ودائعهم سوى باقتحام المصارف التي تمنع عليهم حقوقهم واخذها بالقوة وقد بلغت في احد الايام ،خلال ثمانية واربعين ساعة فقط ، سبع عمليات توزعت على مصارف العاصمة والجبل ، والمودعون يتوجهون الى التصعيد ، حيث ما من وسيلة سوى تلك ليسلكوها.

ما غاب عن بال السلطة السياسية ، ان التمرُد على اجراءات المصارف التعسفية، لم تعد تقتصر على المدنيين ، وأن ما حصل يوم الجمعة في السادس عشر من ايلول المنصرم ، من مشاركة أحد ضباط الجيش اللبناني في عمليات الاقتحام ، يؤشر الى مدى اتساع النقمة العارمة ودخول عناصر جديدة غير مدنية على خط تحصيل الحقوق بالقوة ليشمل العسكر العامل في الخدمة والآخر المتقاعدين وكلاهما في الهمّ سواء ، غير الاخطر من هذا وذاك ان عسكرياً آخر سبق له ان هرب من الخدمة العسكرية ، كان في عداد المجموعة التي ارتكبت مجزرة التل في طرابلس منذ اشهر وذهب ضحيتها اربعة اشخاص من المدينة لم يصدر عن جهات التحقيق القضائية اية معلومات حتى الآن حول دوافعهم ومن يقف وراءهم .

ما يهمنا التأكيد ، إن العسكر اللبناني في نهاية المطاف ، هم لبنانيون ويصيبهم ما يصيب كل لبناني، وان مروحة النقمة على التدابير التعسفية التي تقوم بها المصارف بحق المودعين ، تتسع لتشمل كل لبناني يعيش معاناة الجوع وشظف العيش ، وكلهم مشاريع قنابل افتراضية موقوتة ، اين سجون الداخلية اللبنانية من استيعابها واين القضاة الذين سيحققون فيها ، وقدرهم قدر هذا الشعب المسكين الذي يجد نفسه اليوم في سجنٍ كبير بمساحة ال ١٠٤٥٢ كلم٢ من هذا البلد ، منهم من يستجدي الحصول على جواز سفر لمغادرة هذا الجحيم ، ومنهم من يفضل جحيماً آخر في عباب البحر ، مدركاً  انه يقامر بحياته في سبيل النجاة ويدرك ايضاً انه سيموت بكرامة لم يعد ليجدها في بلده ، حتى أمام حرمة الموت .






الجمعة ١٣ ذو القعــدة ١٤٤٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / حـزيران / ٢٠٢٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل الزعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة