شبكة ذي قار
عـاجـل










البعث مدرسة نضالية لا مكان فيها للردة والتامر والانشقاق
نزار السامرائي 

كان البعث الذي وجدت فيه، ولما أكن قد تجاوزت الخامسة عشرة من العمر، المدرسة السياسية والفكرية التي تُجسد كل ما كنت اتطلع إليه من طموحات تتعلق بمستقبل الأمة العربية في بناء مستقبلها المشرق، بعيداً عن هيمنة أعدائها الذين راعهم بقاء جذوة شعور ابنائها، بأنهم أبناء أمة واحدة لها تاريخ مشترك، مهما تنوعت محاولات فصم عراها كدولة واحدة، إلى كيانات قُطرية او اقليمية، لا تخلو من صراعات أو نزاعات بينية، اسهمت بتعميق النزعة القطُرية على حساب الرابطة القومية الواحدة.
ولأن البعث كان يحمل الهمّ القومي مترافقا مع الهمّ الاجتماعي للشعب العربي المسلوب الإرادة والثروة، فقد استطاع في غضون سنوات عديدة أن يحقق انتشاراً أفقياً واسع النطاق، مع تعميق الوعي بأهمية الشعارات التي تحولت مع الوقت إلى شعارات ترفعها الجماهير العربية، وكذلك بعض أطراف النظام الرسمي العربي، استنساخا لشعارات البعث وتقربا من النظام الرسمي العربي الى تلك الجماهير.
ولأن البعث على هذه الدرجة من الوعي بقدرات الأمة في مواجهة اعدائها، فقد نجح في تحشيدها في كل المواجهات التي خاضها ضد أعداء الخارج واعداء الداخل، من نظم حكمٍ لا تخفي ارتباطاتها مع القوى الدولية الكبرى. 
ورفع البعث شعارين جسدا أهداف الأمة بالتحرر السياسي والاقتصادي من التبعية. فكان شعار (لا للقواعد الأجنبية ولا للاحلاف)، موقع الصدارة في نضاله السياسي،  والذي صار شعاراً هاماً لكل من يسعى للتحرر من الهيمنة الخارجية.
وفي الجانب الاقتصادي كان (شعار نفط العرب للعرب) يلامس ويجسد تطلعات الشعب العربي في العيش الكريم وكرامة موفورة لا تشوبها شائبة، ويكاد يلخص معادلة التطور العربي.
هذه التوجهات جعلت البعث هدفا للمخططات المعادية من ذات القوى التي كان البعث يناضل ضدها. وبسبب الخبرات التي توفرت عليها القوى الدولية، وما تمتلك من أدوات للتاثير في المجتمع العربي الذي خضع حقباً طويلة لهيمنتها، فقد اختارت طريقين لمواجهة القوى الثورية المسلّحة بايدلوجية معبرة عن تطلعات الامة: الأول تمثل في المواجهة المباشرة، والثاني في تشجيع النزعات الانقسامية والانشقاقية  في الحركات الثورية، بهدف خلط الاوراق واضاعة الحقيقة وسط دخان كثيف من الديماغوجية، من أجل أن تنتشر حالة الشك في اوساط القاعدة الجماهيرية لهذه الاحزاب. فراحت تطرح تساؤلات  دُسّت بخبث ودهاء : أين يكمن الخلل؟ في العقيدة ام في التطبيق؟ ومن هو على صواب ومن هو المخطيء؟
لأن مجرد طرح مثل هذا التساؤل، يعني أن العقيدة لم تترسخ بشكل أصيل في اذهان القواعد الحزبية، ومن هذه الزاوية تبدأ التساؤلات تترى حول جوهر المبادئ التي انطلق بها ومنها البعث.
لقد تعرضت كل الحركات التاريخية إلى التشويه، ولم يقتصر الأمر على الحركات السياسية فقط، بل أن نزعة التشكيك التي يمتلكها المتضررون من اي منهاج جديد يسعى لنشر العدل والقيم الانسانية النبيلة، تدفع بهم لإطلاق شعارات كاذبة تخدر البسطاء لوضع العراقيل بوجه التغيير.
وما حروب الردة التي عاشتها جزيرة العرب بعد رحيل الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم،  إلا واحدة من مظاهر تصدي الباطل للحق، بهدف خنقه، والذي لا يمكن أن تقف بوجهه أية قوة مهما امتلكت من أدوات مادية ودعم خارجي.
لقد تعرض البعث منذ السنوات الأولى لنشوئه إلى عمليات ارتداد وحركات انشقاقية كان قادتها على يقين أنهم تمكنوا من السطو على تاريخ الحزب وجماهيره. هكذا يفكر المبطلون واللصوص والمرتدون الذين تبدأ فورتهم وسط هالات من تشجيع الاعداء والشعور بان المعركة حُسمت لصالحهم. ولكنهم يبدأون بالتلاشي مع مرور الوقت، حتى يصبحوا نسيا لا يذكرهم أحد إلا عند الحديث عن تاريخ الخروج على قيم البعث وتراثه الغني بالدروس والعبر، ولكن أنّى لمنتفع أن يأخذ حصته من الحصانة المبدئية. 
أُتابع منذ مدة والألم يعتصر قلبي، ما تشهده ساحة البعث من تحركات ترمي إلى أخذ البعث بعيدا عن مسيرته والسطو على تاريخه، وطبعه بطابع أقل ما يقال فيه، إنه لا يحمل من البعث شيئا لا في تاريخه ولا في سلوك مناضليه ولا في تقاليده التي اعتمدت الاخلاقية وتمسكت بها إلى جانب الفروسية في رجاله الشجعان.
لقد تجسد البعث كحركة قومية تنبذ النزعة القُطرية والاقليمية، ومن أجل أن يربط هذا الفعل الميداني باطار تنظيمي، فقد جعل القيادة القومية في الموقع الذي يستمد منه شرعية التمثيل والتنظيم وشرعية الاستمرار. وعلى هذا فإن اي خروج على القيادة القومية يمثل خروجاً على قيم البعث وتاريخه وتراثه النضالي، ولا يمكن أن يمر مهما أحيط بشعارات براقة هي في واقعها التمهيد لوأد فكر الحزب والتآمر عليه وتصفية منجزاته.
البعث ليس تركة مجهولة لكل من هب ودب، ولكل من يدعي بهتاناً  إنه الوريث الشرعي لها.
لا  أحد من حقه ان يُزايد على القيادة القومية للحزب أو يزاحمها، بانها الجهة الوحيدة التي تمتلك هذا التراث الذي يجسد تاريخاً طويلاً من المآثر النضالية والتضحيات المنقطعة النظير. 
لا مكان للحياد بين الحق والباطل، ولا اجتهاد في معرض النضال.




السبت ٤ ذو القعــدة ١٤٤٣ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٤ / حـزيران / ٢٠٢٢ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة