شبكة ذي قار
عـاجـل










باب الدراسات والبحوث المُستقبلية

المقدمة :
تشكل الثقافة في الفكر القومي اهمية خاصة لاستيعاب المفاهيم والنظريات في إطار السعي الى ترسيخ مفهوم الوحدة العربية وصولاً الى افضل السبل على طريق تحقيقها وكذلك في اطار متابعة التطور التاريخي للنظرية الاقتصادية الاشتراكية وللنظرية السياسية الديمقراطية في محاولة لفهم وتحديد تقسيم العمل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وصولا الى ترسيخ مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية.وتؤكد التحولات التاريخية التي يمر بها عالم اليوم عموماً والوطن العربي خصوصاً على أهمية استشراف المستقبل بوضوح دون انقطاع عن ماضي الامة العربية وتراثها المجيد، وبما يضمن اثراء فكر الحزب وبالتالي الفكر القومي ونظريته ويكفل مواجهة علمية ثورية ناجحة لقضايا النضال العربي.

نحتاج اليوم، في اطار الدراسات والبحوث المستقبلية، التعامل مع تطورات الواقع والنظريات السياسية والاقتصادية فيه ومتابعة التحولات السريعة والعميقة في الحياة العربية والعالم اجمع ، والعمل نحو برامج اقتصادية وسياسية واجتماعية وعلمية تتجاوز عوامل ضعف الدولة القطرية والنظام العربي والتي افضت الى عدم القدرة على مواجهة تحديات الصراع الاقليمية منها والعالمية، في ظل استهداف منقطع النظير وغير مسبوق للامة العربية ولاي مشروع نهضوي فيها، مما ادى الى اتساع ظواهر شتى منها الانهيارات الامنية و شيوع العنف والتهجير والتغيير الديموغرافي وتفشي مشكلات الفقر والبطالة والتخلف والأمية واستباحة الموارد وهدرها.

ولان مواجهة كل ذلك و تحقيق النهوض المنشود يتطلب تطوير الفكر السياسي في الوطن العربي، وصياغة رؤى سياسية تستجيب وتتفاعل مع التطورات العالمية المعاصرة انطلاقا من التحليلات العلمية للفكر العربي القومي خلال القرنين الماضيين.لذا فقد جرى استعراض للملاحظات العلمية النقدية التي وردت في كتاب : د.جورج قرم، "الفكر والسياسة في العالم العربي"، منشورات دار الفارابي، بيروت، ٢٠١٧م وغيرها من الاعمال، والتي من المؤمل ان تساهم في بناء مدخل علمي شامل لتطوير الفكر السياسي الحديث في الوطن العربي، وصولا الى تعزيز القدرات، و بناء دولة المؤسسات والفصل بين السلطات وضمان الحقوق والكرامة والعدالة وتحقيق الازدهار والرفاه مما يعزز نضالنا القومي في مواجهة تحديات العصر والقوى المعادية بمختلف صنوفها ويمكِّن الامة العربية في مسيرتها النهضوية الحضارية بما يليق بمكامن قوتها وتاريخها المجيد ودورها الريادي في عالم الالفية الثالثة.

مستقبل المشروعات القومية
بوصفها قاطرة للتنمية في الوطن العربي

حسن خليل غريب

دراسة قدمت في مؤتمر“المشروعات القومية ودورها الاجتماعي في تنمية المجتمع العربي” الذي نظمته جامعة بورسعيد

الجزء الثاني

نص الدراسة كاملاً

أولاً : في توحيد المصطلحات

توحيد المصطلحات بين ( الوطني ) و ( القومي ) :

لفتني عنوان المؤتمر باستخدامه مصطلح ( المشروعات القومية ) ، فحسبت بداية أنه يعني المشروعات التي يشارك فيها أكثر من قطر عربي، بينما أكدت مراجعتي لما يعنيه المصطلح الوارد في الدعوة إلى المؤتمر، فوجدت أنها تعني المشاريع التي تنفذ في القطر المصري.ولهذا، نظراً للالتباس الذي يحصل بين مصطلح ( وطني ) و ( قومي ) في اللغة العربية، أتمنى على المؤتمر أن يعمل على توحيد المصطلحات في القاموس العربي.وهنا أقترح استخدام ( المشروعات الوطنية ) التي تتم على مستوى القطر العربي الواحد.واستخدام ( المشروعات القومية ) لكل ما يتعلق بالمشروعات المشتركة بين أكثر من قطر عربي.

وبناء عليه، تُعتبر التنمية الوطنية خطوة أولى على طريق بناء مشروعات تنموية على الصعيد القومي العربي.وإذ ذاك تزداد أهمية التنمية الوطنية إذا تحوَّلت إلى منهج فعل قومي، وذلك لضخامة العمل التنموي القومي إذا أخذنا بعين الاعتبار التكامل الاقتصادي العربي نظراً للإمكانيات النقدية وكثرة الثروات وتنوعها، واتساع رقعة الأراضي، وكثرة اليد العاملة، واتساع أسواق الاستهلاك.


ثانياً : في تعريف التنمية

١ - مفهوم التنمية على الصعيد الوطني شمولية الأهداف :

التمنية عنصر أساسي للاستقرار والتطور الاجتماعي، وهي عملية تطور شامل أو جزئي مستمر، وتتخذ أشكالاً مختلفة تهدف إلى الرقي بالوضع الإنساني إلى الرفاه والإستقرار والتطور بما يتوافق مع احتياجاته وإمكانياته الاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وتعتبر وسيلة الإنسان وغايته.

وفي هذا البحث، بالإضافة إلى فوائدها الاقتصادية، تهتم التنمية الشاملة بالتنمية الثقافية الوطنية والقومية، والتنمية البشرية، والفكرية والسياسية والاجتماعية.وبكل ما له علاقة بتحويل الفرد من كونه مستهلكاً إلى فرد منتج في شتى الحقول.ولأن التنمية لو توقفت عند حدود الأهداف الاقتصادية فإنها سوف تتوقف عند مهمة نفعية، تستفيد منها قلة من أصحاب الرساميل فقط من دون أن تشمل إحداث التغيير في البنية الاجتماعية، للانتقال بالمجتمع من صفة المستهلك إلى صفة المنتج، ومن مصاف التخلف إلى مصاف التقدم.ولذلك يجب أن تؤخذ التنمية بمعناها الشامل والمستدام.

وأما التنمية الشاملة، فتُعنى بشؤون تنظيم المجتمع، تبتدئ من التنمية البشرية، أي بناء المواطن تربوياً وتعليمياً ومهنياً.وتمر عبر التنمية الاقتصادية زراعياً وصناعياً.وتصل إلى تأسيس البنى التحتية للخدمات وتكييفها لتتناسب دائماً مع حاجات المجتمع الوطني من جهة، وتسهم في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى.ولأن التنمية الشاملة توفِّر عوامل التنمية المستدامة فإنهما يتكاملان ويخدم أحدهما الآخر.

واستطراداً، نجد تكاملاً بين شتى أنواع التنمية.إذ أنه لا يمكن قيام تنمية اقتصاية في حقل الصناعة أو الزراعة أو التجارة من دون وجود خطط شاملة للتنمية، ومن أولوياتها العوامل التالية :

أ - التنمية البشرية وذلك بتخريج الاختصاصيين في الحقول الإنتاجية والعمال الفنيين لإنجاح العمل الصناعي والزراعي، وما يلحق بهما من مهندسين وإداريين وباحثين في شتى حقول الإنتاج، وهذا يتطلب وجود المدارس والمهنيات والجامعات التي من أهم وظائفها أن تردم الهوة بين حاجة المؤسسات الإنتاجية وطاقة المؤسسات التربوية على تخريج العدد الكافي لإدارة المؤسسات التنموية.وهذا ما قامت على أساسه خطط التنمية البشرية في القطر العراقي، قبل الاحتلال.وما قضية العلماء العراقيين التي أصبحت منتشرة، والذين كانوا هدفاً لسهام كل المشاركين في احتلال العراق، اغتيالاً وإغراءات للهجرة من أجل العمل في الجامعات الأجنبية، سوى الشاهد الأكثر وضوحاً، والأكثر إدانة لدور الدول الرأسمالية في عرقلة التنمية في الوطن العربي.وما السياسة التربوية لقوى الاحتلال، بتهديم الجامعات والمهنيات والأبنية المدرسية، ومنع تطوير ما بقي منها، بنى تحتية ومناهج متخلِّفة للتعليم وإلغاء إلزاميته، سوى أوضح النماذج التي مارسها الاحتلال الأجنبي، الأميركي والإيراني، لتعميم الجهل في المجتمع العراقي.وهو يرسم صورة ما تريده المخططات الأجنبية من قضايا التنمية على شتى أشكالها في المجتمع على امتداد الوطن العربي.

ب ـ - تنمية المرافق العامة وهي عبارة عن توفير شبكات الطرق ووسائل النقل العامة، والمياه للاستهلاك والري وبناء السدود واستصلاح الأراضي، وتعميم الكهرباء في جميع القرى والدساكر النائية، وطرق الوصول إلى المشروعات الزراعية والصناعية، وتسهيل نقل البضائع بين مصانع الإنتاج وأسواق الاستهلاك.وإذا كانت خطط المرافق العامة، بشكلها التقليدي، تقتصر على الخدمات العامة للمواطنين فإنها تكون معدة للاستهلاك الجماهيري فقط.وستكون بعيدة كل البعد عن المناهج التنموية الإنتاجية.وهنا، وإذا راجعنا المصادر التي نُشرت عن أسس التنمية في العراق، فسوف نجد أن البنى التحتية والمرافق العامة في العراق قد تمَّ إنجازها بناء على قواعد التنمية الشاملة.

ج ـ - المشروعات الكبرى للتنمية الاقتصادية : إذا اعتبرنا أن أي تنمية، مما ذكرنا، تحتاج لتأسيسها إلى إمكانيات مالية، فستكون المشروعات التنموية الصناعية والزراعية من أهم مصادرها، إذا لم تكن الوحيدة التي تدر تلك الإمكانيات.وإذا اعتبرنا أن الرساميل الوطنية تشكل عاملاً أساسياً في تأسيس تلك المشروعات، ولأنها بحاجة إلى ضمانات تطمئنها، وبعد دراسة التجارب الاشتراكية في العالم، نرى أنها أكَّدت على ضرورة إشراك الرأسمالية الوطنية في المشروعات التنموية.ونتيجة لذلك أصبح مبدأ المشاركة بين القطاعين العام والخاص من المبادئ الاقتصادية الرائجة في أنظمة الدول الحديثة.وتلك الشراكة تقوم على مبدأ الاعتراف بالملكية الخاصة، على شرط أن تضبطها معايير المصلحة الوطنية.

د - تحويل المجتمع إلى مجتمع تنموي : إذا كانت للتنمية ثقافتها الاجتماعية بحيث تصبح منهجاً اجتماعياً، يلعب فيه المجتمع دوراً أساسياً، فنحسب أن لكل فرد في المجتمع دور يمكنه أن يلعبه.وهنا، وبالإضافة إلى رفد المشروعات الكبرى بالعمالة المهنية المتخصصة، فإن للفرد دوره في إنشاء المشاريع الفردية، أي المشروعات التي يقوم بتنفيذها أفراد أو عائلات وذلك بإنشاء مشاريع صغيرة لإنتاج السلع، صناعياً وزراعياً، والتي لاتحتاج إلى رساميل كبيرة.وعن ذلك، ستلعب الدولة دوراً في هذا الحقل، إذ يقع على عاتقها تشجيع تلك المبادرات وتوفير تمويلها بفوائد بسيطة.واستكمالاً لها تقوم الدولة بتشجيع إنشاء التعاونيات التي تجمع إنتاج المشاريع التنموية الصغرى، وتعمل على تسويقه وحمايته.

وبالإجمال، كلما كانت التنمية أكثر اقتراباً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً من قضايا الجماهير، كلما حازت على ثقة الشعب، وتصبح عائداتها لا تصب في مصلحة تراكم الأرباح للرساميل الوطنية فحسب، بل أيضاً سيتم توظيفها لمصلحة تنمية المجتمع بالتدريج التصاعدي.

٢ - التنمية الوطنية ذات أبعاد قومية :

إذا كانت التنمية مسموح بها من قبل الدول الرأسمالية الغربية، بشرط أن لا تتجاوز الحدود القطرية، وتكون مصممة على قواعد سياسية ترسمها تلك الدول.فإذا تجاوزت السقف المحلي إلى أبعاد قومية، فإنها قد تتسبب في ايذاء مصالحها.فالتنمية الجادة على المستوى القطري يعني إيذاء جزئياً لتلك المصالح، وأما التنمية على الصعيد القومي فيعني إيذاء كلياً.واستناداً إلى ذلك يصبح من حق الشعب العربي، وواجب على الحكومات الرسمية، أن تأخذ التنمية من أوسع مجالاتها في القطر الواحد، على أن تكون خططها ذات أبعاد ومقاصد قومية.

ثالثاً : موقع التنمية القومية العربية في منظور المشاريع الاستعمارية

إذا عزلنا مفهومنا للتنمية عن معرفة العوائق التي تقف في طريقها ، فإن أية خطة توضع لها ستكون قاصرة عن أهدافها، ويصبح مصير إدامتها مرتهن بوجود تلك العوائق، إذ أنها ستتوقف إذا ازدادت العوائق في طريقها ، علماً أن الدول الرأسمالية الكبرى كانت وما زالت صاحبة المصلحة في منع أقطار الوطن العربي في الانتقال من دور المستهلك إلى دور المنتج.ولذلك كان اهتمامنا بتوضيح موقف الدول الغربية من خطط التنمية الوطنية والقومية.

لذلك فإن المخططات الاستعمارية – الصهيونية تعتبر التنمية في الوطن العربي تناقضاً رئيسياً مع مصالحها التي رسمتها منذ بداية القرن العشرين.وهذا ما جاء في مقررات مؤتمر كامبل بانرمان الذي دعت إليه بريطانيا، بين العامين ( ١٩٠٥ – ١٩٠٧ ) ، وحضرته معظم الدول الأوروبية.وقد اعتبر المجتمعون «أن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للإستعمار.والإشكالية فيه أنه يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان» من جهة.وفي محيطه «دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية، ويوجد تصادم حضاري، معها وتشكل تهديداً لتفوقها، وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام»، ومن أجل درء هذه المخاطر قرَّر المجتمعون «الإبقاء على شعوب المنطقة مفككة جاهلة متأخرة».و«حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية، وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي اتجاه في هذه الدول لإمتلاك العلوم التقنية، ومحاربة أي توجه وحدوي فيها».

يتبيَّن من مراجعة مقررات مؤتمر كامبل بانرمان ، - التي يعود تاريخها إلى أكثر من قرن من الزمن -.أنها تشكِّل الأب الروحي للعولمة الحالية.سواءٌ أكانت من حيث منهجية ( اقتصاد السوق ) بالحث على الغرق في مجال التجارة وإبقاء المجتمعات العربية في مستوى الشعوب المستهلكة، أو من حيث وضع عوائق لمنع اكتساب الخبرات والعلوم التقنية التي يستفيد منها العرب في أسس التنمية حتى لا يتحولوا إلى مجتمعات منتجة.وبنتيجة كل ذلك، نرى أن أهداف الدول الرأسمالية تجاه الوطن العربي، تتمثل في وضع العوائق في وجه التنمية الاقتصادية في الأقطار العربية.وهنا نلخِّصها بهدفين رئيسيين، وهما : التجزئة ومنع قيام الوحدة السياسية.واستمرار الجهل والتخلف بمنع اكتساب العلوم والمعارف التقنية إلاَّ بما يخدم مصالحها.

ففي المرحلة الحديثة والمعاصرة يلفتنا حدثان، في مصر والعراق، يؤكدان وقوف الاستعمار والصهيونية ضد التنمية الوطنية والقومية.أما في مصر فقد وقفت أميركا ضد تمويل بناء السد العالي، الأمر الذي دفع بالاتحاد السوفياتي للمساهمة في بنائه.وأما في العراق فقد وجَّه جيمس بيكر، وزير خارجية جورج بوش الأب، في العام ١٩٩٠، بإعادة العراق إلى عصر ما قبل الصناعي.وهذا ما قام بتنفيذه جورج بوش الإبن باحتلال العراق في العام ٢٠٠٣، وتدمير كل البنى الصناعية التحتية، أو سرقتها.وامتدت المؤامرة ضد التنمية على الصعيد القومي في عهد الرئيس أوباما، منذ العام ٢٠١١، حينما قضى ( الربيع العربي ) على البنى الصناعية التحتية وسرقتها في كل من سورية وليبيا.، بالإضافة إلى إحداث الفوضى العارمة، وتدمير كل مظاهر الدولة بإحلال سلطة الميليشيات كبديل للجيوش الوطنية وعادت تلك الدول إلى مرحلة ما قبل الدولة، محققة أهداف تفكيك أقطار الوطن العربي لمنع تنفيذ أي مشروع وحدوي بعد أن دمَّرت كل ما له علاقة بالمشروعات التنموية الوطنية.

وإذا فتشنا عن الوسائل الحديثة التي تطبقها تلك الدول، فسنجد ما يلي :

أ ــــ اعلان العداء الصريح للقومية العربية، والتعاون والتنسيق مع القوى والتيارات المناهضة لتقدم لامة ولمشروع نهضتها.وإن الغرض من وراء هذا الدعم، هو استمرار المواجهة مع التيارات القومية، بدعاوى زائفة تزعم أن «القومية ما وُجدت إلاَّ لمحاربة الإسلام».!!وهذا زعم خطير وغير حقيقي ويجب التنبيه على خطورته وبطلانه.
فيما تواصل دول التحالف الرأسمالي شق الطرق والوسائل لتعميق عوامل التفتيت في المجتمع العربي على أسس طائفية ومناطقية وعشائرية.وليس هناك من هو أكثر تخلفا وايذاء من التيارات الطائفية السياسية في تفكيك وحدة الاوطان وترويج الفتن الطائفية.


ولعلَّ ما برز من مظاهر ما اريد به لحرف ما يسمى «الربيع العربي» عام ٢٠١١ عن اتجاهه الحقيقي كحراك شعبي ضد النظم الاستبدادية هو تغذية الانقسامات الطائفية بين ابناء الامة الواحدة والشعب الواحد وبالتالي تؤكد الوثائق المنشورة على أن قوى الرأسمال الغربي، تدعم التيارات الطائفية الدينية السياسية، باتت احدى ادواتها التخريبية ولانها ايضا لا تشكل خطراً على الاقتصاد الرأسمالي الغربي، استناداً إلى مبدأ مشهور، وهو أن «الحركات الدينية الطائفية السياسية تعرف كيف تهدم، ولكنها تجهل كيف تبني».وأما أنها تعرف كيف تهدم، فقد استغلَّت قصور الحكومات العربية عن تلبية المطالب الشعبية، فاستفحلت البطالة والفقر والامية والمرض.ومعها أصبحت الأوساط الشعبية الأكثر حاجة ( بيئة حاضنة ) لتلك التيارات.ويتأكد ذلك، إذا عرفنا أن الشباب المهمل يشكلون ٦٠ % من نسبة السكان في الوطن العربي،
فانزلق الكثير منهم إلى فخ الاتجاهات والحركات الطائفية السياسية المسلحة من مليشيات وغيرها وإلى تبني أفكار الرجعية والتخلف بكل مظاهرها نتيجة التعمية الفكرية والفراغ السياسي.

ب ـ - نشر أيديولوجية ( اقتصاد السوق ) ، و ( تحرير التجارة العالمية ) ، عن طريق تشجيع ودعم المنهج التجاري، وما يتعلق به من وكلاء ووسطاء تجاريين، ومايترتب عليه من إغراءات للطبقة الثرية، مالكة الرأسمال، لكي توظف رأسمالها للاستثمار في مجالات اقتصادية بعيدة عن المخاطر ومن أهمها التجارة، والتي فيها تحقق أرباحاً طائلة من دون عناء أو مخاوف من الخسائر.ولذلك نستطيع أن نفسر ابتعاد الرساميل العربية، وطنياً وقومياً، عن المغامرة في الاستثمار في مشاريع التنمية على الصعيدين الوطني والقومي.

جـ - إعادة الدولة الوطنية إلى مرحلة ما قبل الدولة.وإعادة الاقتصاد الوطني إلى مرحلة ما قبل الصناعة.وتلك وقائع قريبة جداً، وما تزال تتفاعل حتى الآن في أكثر من قطر عربي

د - محاولة تدجين العرب نفسيا داخل قوقعة الاستسلام، عن طريق الحرب النفسية بإشاعة اليأس، وفقدان الثقة بالنفس، تمهيدا لاحكام السيطرة على ثرواتهم.وحيثما يمَّم العربي وجهه، سيجد أن الشبق الرأسمالي يفتِّش عن كل ثغرة في جدار العرب من أجل استكشاف الثروات ووضعها تحت سيطرة شركاته العابرة للقارات.

رابعاً : تكامل العوامل والأدوار في إنجاح التنمية الوطنية

التنمية منهج حياة المجتمعات الحديثة، وهذا يتطلب تعميم ثقافة التنمية على شتى المستويات، الرسمية والشعبية.وهنا، وباختصار سنقوم بتكثيف رؤيتنا لمجموعة العوامل
التي تسهم في الدخول إلى رحابها.ويأتي في المقدمة منها توضيح دور كل من الدولة والمجتمع والرأسمالية الوطنية.

١ - دور الدولة :

ولأن الدولة قائدة للمجتمع، والمخطط لبناء دولة حديثة، والتي عليها أن تهتم بشؤون المجتمع وتحسين أوضاعه نحو الأفضل، يتوجَّب في سبيل ذلك أن تضع خططها التنموية على وفق دورات زمنية، خمسية وعشرية، تحدد فيها البدء وضع خطة تنموية تراعى فيها معايير الجودة العالمية وتاريخ إنجازها على أن توفِّر لها مصادر التمويل.ولهذا يكون التخطيط من أهم عوامل ضبط الدورات وإنجازها في توقيتاتها.ولأنه لا خطط قابلة للتنفيذ من دون غطاء مالي، لذك يتعين على الدولة أن تخصص في ميزانيتها السنوية بابا مستقلا للمشروعات التنموية.وتعتبر هذا الاجراء واجبا له الأولوية على الكثير من أوجه الإنفاق.

وتلافياً للمفاجآت الطارئة المعيقة والمعرقلة للمشروعات التنموية من قبل القوى الصناعية الكبرى، يتوجب على الدولة أن أن تضع نظاما للمتابعة لإزالة أي عائق ومعالجته بالطرق المناسبة.وعادة من يضع تلك العوائق والعراقيل هم أصحاب الرساميل الوطنية المرتبطين بحركة التجارة العالمية.ويشكلون الخطورة الأكبر إذا كانوا أعضاء في السلطتين التشريعية والتنفيذية.وتأتي هذه الخطورة من عرقلتها مشاريع القوانين الخاصة بالتنمية.وإذا أُقرَّت، فيُخشى عليها من عوائق التنفيذ في السلطة التنفيذية.

٢ - دور المجتمع :
ولأن للمجتمع دور كبير في إدامة مشاريع التنمية.ولأنه لا تنمية من دون وعي جماهيري بأهميتها، تصبح ( ثقافة التنمية ) عاملاً أساسياً من عوامل نجاحها.ولهذا يترتب على الدولة أن تلحظ في إعلامها الموجَّه للشعب، وفي مخططاتها التربوية على شتى مراحل التربية والتعليم، مادة تُعنى بـ ( ثقافة التنمية ).
إن ثقافة التنمية يمكن الترويج لها على الصعيدين الإعلامي الشعبي، وعلى صعيد التنشئة التربوية في المؤسسات التعليمية.

أ - على صعيد الإعلام الشعبي :

ولأن أي مشروع تنموي بحاجة إلى الأيدي العاملة أولاً، وبحاجة إلى سوق استهلاكي ثانياً، وكلاهما يعتمدان على عامل أساسي وهو الشعب.فمنه مصدر للأيدي العاملة، وإليه يعود ترويج السلعة الوطنية، نعتبر أن توجيه الإعلام التنموي يجب أن يتركَّز على الشرائح الشعبية الواسعة لعدة أسباب، منها : استقطاب اليد العاملة، والترويج للسلعة الوطنية، وتوجيه الطلبة للالتحاق بالمعاهد الفنية.

وإذا كان المشروع يستقطب الأيدي العاملة بسهولة، لفائض اليد العاملة المعروضة عن طلب المؤسسات الإنتاجة، فإن الترويج للسلعة الوطنية، وللالتحاق بالمعاهد الفنية، تكمن فيهما المشكلة.ولهذا يجب حثّ الشعب للاستهلاك من إنتاجه الوطني.ومن حيث أهمية دور

الأهل في حثِّ أبنائهم للالتحاق بالمدارس، في الدول التي لا تعتمد مبدأ ( إلزامية التعليم ) ، وتوجيههم بشكل خاص للالتحاق بالجامعات والمعاهد الفنية، خاصة في ميادين الصناعة والزراعة.

ب ـ - على صعيد نشر ثقافة التنمية في المؤسسات التعليمية :

ولأن التنمية الحديثة تحتاج إلى اختصاصيين وعمال مهرة، وهؤلاء لا بُدَّ من أن يكونوا من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية والمهنية.يجب على إداراتها أن تكون على دراية بحاجة الدولة لشتى الاختصاصات المهنية، وبناء عليها يمكن توجيه طلابها للتخصص في الميادين المطلوبة، وبذلك تتوازن ثنائية العلاقة بين العرض والطلب.

ج ـ - التنمية منهج لتجفيف منابع ( الإرهاب ) والمليشيات :

لقد استغلت الحركات الدينية الطائفية المسيسة تراخي الأنظمة الرسمية في أداء وظيفتها الاقتصادية والاجتماعية، بتبعاته الكارثية على المجتمع الوطني، وتساوت الأنظمة الرسمية العربية بالتقصير، فأهملت دور التنمية التي توفِّر فرص العمل أمام الشباب، والاقتراب نحو بناء مجتمع تقل فيه نسب الفقر.وهذا الواقع المتخلِّف سهَّل مهمة التيارات الدينية الطائفية السياسية في استغلال تقصير الدولة، والتحريض عليها، واكتساب المزيد من الأنصار والمؤيدين من العاطلين عن العمل، والعاملين في سبيل توفير سبل معيشة عوائلهم.وهذا الواقع بدوره زاد من نسبة اتساع وخطورة تلك التيارات.ولأنها تعرف كيف تهدم، وتجهل كيف تبني، انتشرت مناهج التغيير الداخلي بالقوة المسلَّحة باسم الدين.ولأن الشعوب التي تتعرض للكوارث، ولا تجد من يفسر لها سبب حصولها، فإنها تلجأ إلى الاضاليل التي يبثُّها ويروج لها المنتسبون إلى تلك التيارات استغلالاً للنقمة الشعبية.وبذلك توظِّف المنتسبين إليها أو المتأثرين بشعاراتها من أجل تنفيذ مشاريعها السياسية في بناء الأنظمة الدينية السياسية.ولهذا على الدولة، التي تريد أن تكافح الإرهاب والمليشيات، عليها أولا أن تكافح أسبابه.ولأن أسبابه أصبحت واضحة في تغييب التنمية الشاملة، فعلى الدولة زيادة الاهتمام بالمشروعات التنموية.

وهنا، لا بُدَّ من الإشارة إلى أنه و منذ أوائل السبعينيات من القرن العشرين، تم افتعال مواجهة مصطنعة بتشجيع من قوى الرأسمال الغربي حيث وُضعت التيارات الدينية السياسية في مواجهة مع القوى القومية وقوى التغيير المدني، من أجل شق الصف داخل الامة العربية وتعطيل أصوات قوى التغيير.ولذلك، ندعو إلى التفكير بإعادة الحياة إلى تلك القوى، والتشجيع على إعادة تنظيمها، مما يُسهم بشكل جدي في نشر ثقافة التنمية لابطال هذه المخططات التي تستهدف وحدة الامة بكل قواها.

٣ - دور الرأسمالية الوطنية :

ولان الرأسمالية الوطنية في الدول النامية تنطلق من مصالحها في الغالب فإنها قد تلعب دوراً سلبياً أو دوراً إيجابياً ، لذلك يتعين على الدولة أن تُشرك الرأسمالية الوطنية في مشروعات التنمية، وعادة ما يُطلق علىها اسم ( الشراكة بين القطاعين العام والخاص ).بما في هذا المنهج من تطمين لأصحاب تلك الرساميل.وهذا ما يضمن إشرافهم على حسن إدارتها لتجاوز الروتين في القطاع العام، وبالطبع سيكونون حريصين على ضمان الربح تحصيناً لرساميلهم التي وظَّفوها.وإنه بالقدر الذي يحصلون فيه على الأرباح، سيطمئنون على رساميلهم، وسينخرطون أكثر في مشروعات التنمية الوطنية.

خامساً : العلاقة بين التنمية الوطنية والتنمية القومية

من البديهي الاعتقاد أن مشروعات التنمية، بشكل عام، تتَّسع كلما جذبت إليها الرساميل أولاً، وكلما وجدت أسواقاً لاستهلاك منتوجاتها ثانياً.إذن، يُعتبر الرأسمال الكافي للتمويل، والسوق القادرة على استيعاب الكميات الإنتاجية، من أولويات اهتمام الدولة في توفيرها.وغني عن البيان أيضاً، القول بأن مصادر التمويل القومي تضيف إلى التمويل الوطني، دولة وقطاعاً خاصاً، قوة نوعية لأن للرأسمال القومي قوة تضاهي قوة الرأسمال الدولي، وهو ما تخشى الدول الكبرى من توظيفه في مشروعات التنموية الوطنية والقومية، لأنه الرأسمال الأكبر إذا ما تمَّ تجميعه سيشكل قوة منافسة حقيقية لرساميل الدول العظمى.وإذا ما رُبطت أسواق الاستهلاك على مستوى الأقطار العربية، فسوف تمثِّل سوقاً إستهلاكياً يقع في الدرجات العشر الأولى على الصعيد العالمي.تلك حقيقة يعرف العالم الصناعي خطورتها على اقتصادياته.فعلى العرب أن يعرفوا مدى إيجابيتها الواسعة على الاقتصاديات الوطنية العربية من جهة، وعلى مجمل الاقتصاد القومي العربي من جهة أخرى.ومن أجل هذا السبب، ليس من المستغرب أن تلجأ الدول الصناعية الكبرى إلى منع التنمية في الأقطار العربية أولاً، ووضع العراقيل في وجه أي وعي وحدوي ثانياً.


وللأسباب الواردة في المقدمة ، لا بُدَّ من الإشارة إلى تلازم العلاقة بين مشروعات التحرر السياسي ومشروعات التنمية الاقتصادية.وهذا واضح مما سبق وأشرنا إليه في

البند الثالث من هذه الدراسة، وموجزه أن المخططات المعادية ربطت بين الاثنين ، عندما نصت مقررات كامبل بانرمان على ذلك، بحرمان الدول العربية «من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية، وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لإمتلاك العلوم التقنية» من جهة، و«محاربة أي توجه وحدوي فيها» من جهة أخرى.واستناداً إلى تلك الحقيقة، يتوجب على كل مخطط تنموي، بشري / اقتصادي، يتم وضعه من قبل الدولة الوطنية أن تأخذ بعين الاعتبار تلك الحقيقة، وأن تكون محصَّنة ضد تسلل العراقيل من قبل القوى التي أشرنا إليها آنفا ، ومنعها من النفاذ أولاً، وأن تدرك أن المشروعات الوطنية وإن سُمح لجزء منها بالنجاح، إلاَّ أنها تبقى مهدَّدة بالمنع من أن تكون جزءاً من المشروعات القومية ثانياً.
ونعني هنا، بمعركة التحرر السياسي، ليس تحرير الأقطار العربية المحتلة فحسب، بل تحريرها من مجموعة الضغوطات السياسية والاقتصادية التي تمارسها الدول الكبرى على العدد الأكبر من الأنظمة الرسمية، وتعمل على تكبيلها بقيود اتفاقيات ظاهرها يتعلق بالمصلحة المشتركة بين الدولتين، وباطنها فرض المزيد من القيود الاقتصادية من أجل الاستجابة لمتطلبات ( اقتصاد السوق ) ، و ( تحرير التجارة العالمية ) ، بما فيهما من قيود تعرقل مشروعات التنمية الوطنية.وفيه ما يجعل من الشركات الخاصة شركات تتوسَّل الربح المالي على حساب التنمية البشرية للمجتمع.

إقتصاد السوق أوالاقتصاد الحر هو عدم تدخل الدولة في الأنشطة الاقتصادية وترك السوق يضبط نفسه بنفسه.ويعتمد بالأساس على فكرة الحرية الفردية، في أن يقوم الفرد بأى نشاط اقتصادي.ولهذا يفرض هذا النوع من الاقتصاد على الدولة بألا تقوم بأى نشاط اقتصادي يستطيع فرد أو مجموعة أفراد القيام به.وهو يقوم على الملكية الخاصة، للأفراد والمؤسسات، لوسائل الإنتاج والمبادرة الفردية، ويخضع لتفاعل العرض والطلب داخل السوق، والمنافسة الحرة وتحرير الأسعار من أي قيد.

إن النظام الاقتصادي الحر الذي يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة، لا يجب أن يعني تغييب دور الدولة للحد من تغول رأس المال، بل تقتضي المصلحة الوطنية تدخلاً فاعلاً من قبل الدولة لأجل توفير شبكة أمان اقتصادي تستفيد منه الأغلبية الشعبية العظمى، وتستفيد من عائداته الرأسمالية الوطنية، ويتم ذلك عبر مشاركة الدولة كممثل للقطاع العام مع القطاع الخاص المحكوم بضوابط وطنية.والمهم أن مستقبل التنمية والاستقلال الوطني لا يمكن فصل أحداهما عن الآخر.وسيبقى الاستقلال السياسي ناقصاً ما لم يدعم بالاستقلال

الاقتصادي، الذي يتحقق في الجوهر من خلال استعادة كامل الموارد والثروات الوطنية ودمجها بالتنمية القومية.

١ - تكامل الاقتصاديات الوطنية حافز لإنتاجية قومية :

تُعتبر المشروعات الوطنية ميدان الاختبار الأول للتنمية، وبمقدار نجاحها، ستشكل حافزاً أمام الرأسمالية الوطنية لتوظيف ثرواتها فيها.وهي بالتالي ستشكل حافزاً أمام دخول الرأسمالية القومية إلى ميدان التنمية خارج مواطنها القطرية.
وأما عن الرأسمالية الوطنية، وبنجاح التجارب التنموية، الصناعية والزراعية والتجارية، فستتخلى عن مخاوفها.وهذا الأمر سيشجع أصحاب الرساميل من الأقطار الأخرى على التخلي عن مخاوفها أيضاً.وإزالة المخاوف من شعارات يتم الترويج لها لأهداف عرقلة التحول الاجتماعي، ومن أهمها تصوير الاشتراكية كأنها تقوم على مبدأ ( توزيع ثروات الأغنياء على الفقراء ).

٢ - أهمية دور الرأسمالية القومية في التنمية، ودور الدولة الوطنية في حمايتها :

إذا اعتبرنا أن التنمية حق مشروع للشعب العربي.وأنها تصب في مصلحة الأغنياء والفقراء، ينال الأغنياء حصتهم من عائدات التنمية، وينال الفقرء حصتهم من مشاركتهم في عملية الإنتاج، وتنال الدولة حصتها لتوظيفها في إنشاء مشروعات أخرى من التنمية.
وإذا أعتبرنا أيضاً أن موقع التنمية في مفهوم الرأسمالية العربية الراهنة، لا تبتعد عن مفاهيم العولمة الرأسمالية، فأهدافها واحدة وهي الربح أولاً وأخيراً.ولذلك فالعولمة الاقتصادية تفتش عن مجتمع الاستهلاك لتصدير إنتاجها، ولا تكترث بمجتمع الإنتاج في الدول الأخرى حتى لا يوجد منافسين لها.إن الرأسمالية العربية الراهنة، بابتعادها عن الانخراط في مشاريع التنمية الوطنية والقومية، تبرهن على أنها خاضعة للتبعية الاقتصادية الغربية.

لكل ذلك، تعمل القوى الداعية للعولمة، والترويج لها، على تخويف الدول العربية الغنية من أن الدعوة إلى الإسهام في مشاريع التنمية القومية، وكأنها مصادرة لثرواتهم وتوزيعها على الدول العربية الفقيرة.وكذلك تخويف الرأسمالية القومية من خسارة أرصدتها في مشروعات تنموية في الأقطار العربية الأخرى، خوفاً من فشل تلك المشروعات، وبالتالي خسارة الأموال التي يتم توظيفها فيها.

هذا الجانب، يمكن معالجته بتوفير كل الضمانات لحماية الرأسمال العربي، ومن أهمها :
- توفير الأمن الوطني ضد التخريب من أي مصدر أتى.
- سنُّ القوانين والتشريعات الخاصة بتوفير ضمانات تحمي تلك الرساميل.
- توفير أنظمة قضائية وإدارية كافية وكفؤة لمنع الفساد في إدارة المشروعات، وسنّ تشريعات عقابية شديدة بحق كل أعضاء السلك الإداري المسؤول عنها.

٣ - مجموع الإمكانيات القومية تدعم المشروعات القومية المشتركة :

أصبح من الواضح أن الوطن العربي يمتلك إمكانيات كبيرة تصلح لتكون قاعدة لاقتصاد قوي ومتين.وهي : الثروات الطبيعية المتنوعة.والقوة المالية الكبيرة التي تُعتبر الأرصدة السائلة المجمَّدة بالمصارف الغربية قاعدتها الثابتة.والسوق الاستهلاكي الواسع الذي يتجاوز الثلاثماية مليون عربي.والأيدي العربية العاملة، من اختصاصيين وعمال مهرة وأيدٍ عاملة.كلها تكفي للبرهان على أن الوطن العربي مستهدف بشكل دائم من الرأسمالية العالمية من جهة، وتشكل الحافز الرئيس أمام الدول العربية لكي تتجه نحو تحقيق هدفين أساسيين، وهما : ( ثروات العرب للعرب ) ، و ( توظيف رأس المال العربي لمصلحة العرب ) من جهة أخرى.

سادساً : في نتائج الدراسة

أصبح من الواضح أنه لا تنمية اقتصادية واجتماعية بوجود هيمنة غربية على قرارات الدولة العربية، ومن هنا تأتي أهمية الربط بين هدفي التحرر السياسي والتنمية الاقتصادية.ولعلَّ ما شهده الوطن العربي من احداث في السنين الاخيرة يثبت بما لا يقبل الشك بأنه كان يُقصد منها زرع أكبر ما يمكن من عوامل التفتيت والتجزئة للحؤول دون وحدة المجتمعات الوطنية، وتالياً تعميق الحواجز بين الأقطار العربية للحؤول دون الوحدة العربية.وبين هذا السبب وذاك، تلعب بعض القوى المحلية، تيارات سياسية، والطبقة التجارية الوسيطة، دور الرابط والمشارك مع القوى الرأسمالية الخارجية.ومواجهة الأولى يتم بتعزيز عوامل التنمية لتجفيف أحواض ( البيئة الشعبية الحاضنة لها ).وأما الثانية فبتطمينها بأن التنمية لا تعني توزيع راسماليها على الفقراء، بل بإشراكهم بها ليتلقوا أجورهم لقاء الجهد الذي يبذلونه، وبالتالي تعزيز مصادر الدخل الوطني والقومي الذي يحقق مصالح الطرفين، الرأسمالية الوطنية، ومصالح الطبقات الفقيرة.

واستناداً إلى ذلك، تقع على عاتق الحكومات الرسمية تعميم ( ثقافة التنمية ) على الصعيدين الوطني والقومي :

- تبيان أهميتها في تحديث المجتمع ووضعه على طريق الكفاية الانتاجية بما له من أدوار في تنمية العائدات المالية الوطنية، وفي الحد من البطالة، وتطوير البنى التحتية بشتى أشكالها التي تصب في مصلحة المجتمع الوطني.ولارتباطها الوثيق بالتنمية على الصعيد القومي، يمكن اعتبارها، في حال نجاحها، مرحلة أساسية على طريق التنمية القومية الشاملة.

- تبيان أهمية التنمية القومية، وتكامل الحالات الإنتاجية في الأقطار العربية، واستيعاب كل الطاقات الشابة المتخصصة.وهي تكاملية بالمعنى الاقتصادي من حيث تنوع مصادر الإنتاج ووجود الثروات الطبيعية من صناعية وزراعية، ووجود الرساميل الكبيرة، التي عليها أن تنتقل من دور التراكم السلبي الذي يوفره الجانب التجاري، إلى دور التراكم الإيجابي الإنتاجي الذي يوفِّر عائدات مالية أكبر تستفيد منها الرسماليتان الوطنية والقومية من جهة، وتصب في مصلحة أوسع الطبقات الاجتماعية من جهة أخرى.هذا اذا علمنا أن تكامل التعاون بين الدولة والقوى الرأسمالية الوطنية، وتالياً مع الرأسمالية القومية، كل هذا يؤدي إلى الاستفادة من غزارة الإنتاج القومي، واتساع الأسواق الاستهلاكية القومية.يعزز ذلك كله ، استصدار القوانين والتشريعات التي تشكل حماية للإنتاجين، الوطني والقومي، من طغيان المنافسة مع السلع الأجنبية في ظل عولمة الأسواق وتحرير التجارة العالمية.





الثلاثاء ١ رمضــان ١٤٤٢ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / نيســان / ٢٠٢١ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب مكتب الثقافة والاعلام القومي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة