شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

ولكن على الرغم من الأهمية الافتراضية لهذه الاتفاقية ، فقد أظهرت في الممارسة العملية القليل مما وعدت به ، فمن ناحية أساسية لم تعتبر الاتفاقية جزءًا من الميثاق ، ومن ثم لم تلزم جميع أعضاء الجامعة بالانضمام إليها ، كما فشلت الاتفاقية في إيجاد قوات عسكرية موحدة ومستقلة عن الدول الأعضاء ( كما حصل حيال الفيلق الخامس الأوربي الذي تأسس لحماية الأمن الأوربي الجماعي أو لمهام أخرى خارج الجغرافيا - السياسية الأوربية ) ، فيما فشلت في إيجاد مخرج لدخول العراق للكويت ، بل قامت بتدويل المسألة خلافًا للميثاق ، ولم تمنع تفاقم الوضع لتدخلات أجنبية .

لقد أجهضت هذه الاتفاقية في اللحظة التي وقعت فيها نتيجة لافتقار الجامعة العربية إلى وسائل مراقبة التطبيق أو إلزام الأعضاء بتنفيذ تعهداتها بمقتضاها ، وقد لحق المصير نفسه عدداً من القرارات والإجراءات التي اتخذتها الجامعة من خلال مؤتمرات القمة منذ عام 1994 وخاصة القيادة المشتركة للقوات المسلحة العربية ، فهي في الوقت الذي توجد فيه قيادة نظريًا فهي لا تملك أي قوة مستقلة عن الدول الأعضاء .

وبعد عقود من السنين أدركت الجامعة العربية الحاجة إلى إعادة النظر في الميثاق من أجل سد الثغرات التي جعلت من قرارات الجامعة مدخلاً للتفكك والتنصل من المسؤولية القومية وعدم الالتزام بالقرارات ذات الصلة بالطبيعة الإجرائية والتحفظ على القرارات ذات الطبيعة الموضوعية التي تمس الأمن القومي والمصلحة العربية العليا .

وحيال ذلك فقد أقرّت القمة العربية في تونس تشكيل لجان أربع تتولى تحديث الميثاق بأن تضع الضوابط والمحددات والعقوبات في آليات ضاغطة لا تسمح بالتجاوزات أو الخروقات التي تحصل من أحد الأعضاء أو أكثر طالما ألزمت الدولة العضو نفسها بتنفيذ القرارات التي تصدر عن مجلس الجامعة على وفق ما ينص عليه الميثاق ، ومنها على وجه التحديد إنشاء ( محكمة العدل العربية ) و ( مجلس الأمن العربي ) و ( نظام اعتماد القرارات وقواعد التصويت ) وإنشاء ( هيئة متابعة تنفيذ القرارات ) .

عقدت هذه اللجان اجتماعاتها في القاهرة منتصف عام 2004 ، ناقش الخبراء خلالها المشاريع المطروحة على اللجان التي تمثل الدول الأعضاء المشاركين في ضوء وثيقة العهد التي أقرت اتخاذ الخطوات العملية لإدخال التعديلات اللازمة على الميثاق طبقًا للمادة ( 19 ) ، وذلك تمهيدًا لتقديم هذه المشاريع في النهائية إلى الدورة العادية المقبلة لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة برئاسة الجزائر لإقرارها .

وقد اكدت وثيقة العهد بأن القادة العرب يتعهدون بالعمل المشترك ( الحاسم والفعال ) لتحقيق المصالح العربية العليا والالتزام بالتنفيذ الأمين والكامل للقرارات .. ومع ذلك ظلت وثيقة العهد مجرد حبر على الورق .. وظل الوطن العربي حتى الآن تسوده حالة من التفكك مزرية وجهود مشتتة وأنانية مطلقة وقطرية مقرفة لا تهتم في ما إذا تعرض النظام العربي الإقليمي لمخاطر التهديدات الداهمة المكشوفة .. الأمر الذي أفشل الإرادة السياسية العربية وشتت الامكانات لإيقاف التدهور المتزايد للأوضاع العربية العامة .. وهذا أدى إلى تزايد حدة الخلافات العربية – العربية وبالتالي عدم الاستقرار في كل قطر عربي .

ومع كل هذا التمزق الذي أصاب النظام العربي الإقليمي ، فهل ثمة أمل في إيجاد مخرج للأزمة الراهنة ؟ ، وهل يكمن الحل في ما يسمى إصلاح الجامعة العربية ؟ ، ومن أين يبدأ الإصلاح ، في الجامعة العربية أم في الأقطار العربية ؟ ، لكون الجامعة هي في حقيقتها إنعكاس للوضع العربي المريض والممزق .. وإن أي إصلاحات يتم الحديث عنها يجب أن تبدأ في الأقطار العربية نفسها على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني والنظمي ..إلخ .

فإذا كان إنجاز مشروع ميثاق الجامعة الجديد الذي طرح في آذار عام 1980 والذي تضمن عدداً من التجديدات ، منها تنمية الظروف الموالية لقيام الوحدة العربية ، وتعديلات تخص نظام التصويت وكذلك منع السياسات التي تسبب ضررًا للمصالح العربية الجماعية من أي دولة عضو ، غير أن هذا النظام تم إضعافه نتيجة لعدم إلزام الدول التي تعارض قراراته .. أما التجديدات التي تناولت في المشروع عددًا من الموضوعات المهمة والخطرة لكونها تلامس الأمن القومي العربي ومنها دمج إتفاقية الدفاع المشترك في الميثاق الجديد ، وتبني الجامعة العربية لاستراتيجية شاملة للأمن القومي العربي ، إلا أن هذه التجديدات لم تحقق أي نجاح يذكر !! .

وإذا كانت الرغبة في إنجاز تجديدات وتعديلات تتلائم مع المتغيرات التي تعصف بالمنطقة العربية وبالعالم ، تخص الميثاق وآليته تتمثل في مشاريع بناء محكمة العدل العربية ومجلس الأمن العربي وجهاز رقابي مستقل يتابع تنفيذ القرارات ، فإن القطرية الضيقة المأزومة بأنانيتها ترفض التنازل عن جزء من سيادتها وإمكاناتها للمصلحة العربية العليا ، وما تزال تصطدم بتلك الرغبة والمطالب العربية المشروعة بالرغم من المخاطر والتحديات المحدقة بالمنطقة بصورة عامة وبالأقطار العربية ذاتها بصورة خاصة .

ومع كل هذا التداعي في الأوضاع العربية المزرية هنالك ضرورة لكي تستمر الجهود لإحياء آليات ومؤسسات مهمة وفي مقدمتها مجلس الأمن القومي العربي من أجل حشد القدر الممكن من الجهد العربي للوقوف بوجه التحديات الفارسية الصفوية والتدخل الأجنبي ، فضلاً عن التفكير في برنامج أو مشروع إنقاذ قومي يتبناه مؤتمر ثقافي وفكري يتولى وضع أسس بناء نظام عربي إقليمي مؤسسي ، تقوم النخب الخيرة من المفكرين والمثقفين والمتخصصين السياسيين والعسكريين العرب بوضع ( ميكانيزمات ) جدية لنظام الأمن العربي ولنظام رقابي يحدد المسؤولية ويتابع تنفيذ القرارات في ضوء جزاءات أو عقوبات تطال الدول الأعضاء في الجامعة العربية ، الذين يخرقون قرارات الاجماع العربي ويهددون مصالح الجميع وأمنهم القومي .. وبالتالي تحديد المسؤولية القومية وتشخيص من يقوم بالتنصل والتسويف والمراوغة .. عندذاك ، يترك الأمر للشعب العربي وقواه الحية ليضع حدًا لهذه المهازل التي استمرت عقود وعقود من السنين وحتى الوقت الراهن !! .

- أزمة النظام العربي الرسمي .. إشكالياته و معالجاته :

- مناخ الأستقطاب الدولي ، وهو يتبلور إلى أين ؟ :

يتبع ...





الاثنين ٢١ شعبــان ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / أيــار / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور أبو الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة