شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

ما العمل لكي تنهض الأمة العربية من رقادها ؟ .. ويمكن إعادة صياغة التساؤل : إذا ما شخصت الأمة العربية إشكالياتها ومعظلاتها ، كيف تبدأ خطواتها الأولى .. في ظل أنظمة قامعة وأداة مشروع فارسي يتمدد لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير ؟ .

وهل أن الحالة الراهنة التي تعيشها الأمة العربية ، حالة راكدة ظاهريًا ؟ ، أم أنها تعيش مخاضًا عسيرًا يشتد فيه الصراع بين ما هو قديم وبين ما هو حديث - حسبما يرى البعض - يتعايشان معًا ويصطرعان تبعًا لمنطق الصراع والتناقض ، الذي يؤكد حتمية تراجع القديم واندثاره وحتمية وجود الحديث وهو يتشكل على وفق حقائق جديدة يفرزها واقع التحولات في رحم الأمة العربية من جهة ، والتحولات التي تجري متسارعة نحو بلورة نظام دولي جديد لم يتحقق بعد من جهة أخرى .. تتلاشى فيها تأثيرات النظام الثنائي وتتراجع تأثيرات النظام أحادي القطب تدريجيًا بفعل زخم التحولات المتسارعة وصرامة المواقف في خصوصياتها القادرة على التحول من اجل تشكيل النظام ، الذي لم يتشكل بعد ؟ .

ومظاهر الحالة الراكدة في ساحات الأمة العربية تتمثل في أن الجماهير لم تبدي فعلاً مؤثرًا يحَوِلُ حالة الركود إلى مجرى يتدفق بوجه الكثير من الكوارث التي ظلت صامتة أمامها وصاغرة ولم تحرك ساكناً - فهناك على سبيل الحصر مثالان ، الأول : الساحة الفلسطينية التي يذبح فيها شعبنا الفلسطيني يوميًا على يد سلطات الاحتلال الصهيونية بدم بارد ، وأمام هذه الكارثة لم تتحرك جماهير الأمة العربية في عواصم أقطارها ولم تنتفض لشعبنا الفلسطيني ، فيما يسود الصمت ساحات العالم ومنها على وجه الخصوص مؤسسات الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة بحقوق الإنسان وبجرائم الحرب ، والثاني : الساحة العراقية التي يذبح فيها شعبنا العراقي وتدمر مدنه ويشرد بالملايين على يد سلطات الاحتلال الفارسية وتحت إشراف أمريكي ، فيما يسود صمت العالم ومؤسساته حيال كارثة تدمير مدن العراق وتهجير شعب العراق ونهب ثروات العراق وتفسيخ قيمه وتمزيق هويته بأداة الاحتلال الإيرانية الفارسية وبتوافق أمريكي .. وأمام كارثة العراق وشعب العراق لم تتحرك جماهير الأمة العربية في عواصم أقطارها ولم تنتفض لشعبنا العراقي .. حتى جامعة الدول العربية التي هي مؤسسة عربية تديرها أقطار عربية بروح قطرية مفرغه تمامًا من ميثاقها القومي العربي ولم يعنيها ما إذا أبيد نصف شعب العراق ونصفه الآخر يهجر في الشتات لتبرز إلى الوجود أكثر من فلسطين وأكثر مأساة منها !! .

فالسلطات القُطْرية الفاسدة والمستبدة والتابعة هي التي تقمع جماهير الأمة العربية وتمنعها من مناصرة شعبنا في فلسطين والعراق ، فهي سبب هذا الصمت إذن ، أما صمت المؤسسات الأممية المعنية ، فهو نتيجة لهيمنة القوى التي تتحكم بهذه المنظمات والمؤسسات وفي مقدمتها الامبريالية الأمريكية وتابعوها من الأوربيين وتابعوها من العرب ، فهي سبب هذا الصمت إذن ، الذي كرس الكوارث التي فرخت معظلات اجتماعية واقتصادية وسياسية وبيئية ونفسية ، وزادت واقع الأمة تأزمًا واضطراباً .

كان صراع الأمة العربية ، وصراعات أقطارها قبل عام 1979 يتمثل بصراع من أجل التحرر بين حركات التحرر الوطني العربية من جهة وبين قوى الاستعمار وتابعوها من الأنظمة العربية التي تسير في فلك الاستعمار وترهن كيانها القطري وإمكاناتها وطاقات شعبها وأمنها وتضعه تحت تصرف السيد الأجنبي .. لماذا ؟ ، لأنها تدار من لدن نخب تؤمن بتسلط الغرب ، وتدار من قبل عائلات تؤمن بمنهج الغرب وترتضي بحمايته في كل الأوقات ولا يهما تغير الظروف وتحولات السياسة وتغيرات في موازين القوى ولا تحسب لجماهيرها حسابًا .. وإذا ما تحركت سياسيًا أو دبلوماسيًا أو عسكريًا ، فليس ذلك بدواعي الوطنية والقومية أو تلبية لمطالب شعبها إنما خشية من غضب الجماهير والعمل على مداهنتها وإمتصاص غضبها ، فيما تعمل في قنواتها السرية خلافًا لرغبات شعبها كما لو أنها تضع شعبها أمام حالة العجز أو حالة التمييع أو حالة ما يسمى ترك الأمور للأجيال اللآحقة !! .

إذن ، بعد كان الصراع وطنيًا قوميًا بالضد من الامبريالية والصهيونية ، وهو صراع تحرري ، تحول مجرى هذا الصراع منذ عام 1979 كما أسلفنا في المقدمة ، إلى صراعات داخلية ، أطرافها أحزاب وقوى وتيارات دينية – مذهبية ، ذات طبيعة توسعية تنتشر وتفرخ في أوساط الجهل والفقر والتعصب المذهبي والإثني ، تقودها قوى خارجية في إطار مشاريع سندخل في تفاصيلها لاحقًا ، حتى بات الداخل العربي رهينة لسياسات تلك المشاريع المراد تطبيقها على مراحل .. الأمر الذي يفصح بما لا يقبل التأويل أن ضغط الحالة التحررية العربية على الكيان الصهيوني قد خف كثيرًا حتى بات هذا الكيان في مأمن من ما يسميه مخاطر الأمن الذي يشكله الواقع العربي على كيانه المغتصب لفلسطين .. وهي مرحلة استرخاء يتمتع بها بالهدوء وعدم وجود تهديد الجبهات العسكرية المصرية والسورية على وجه التحديد ، وعمقهما ما يسميه أيضًا خط الدعم الخليجي وخط الدعم المغاربي اللوجستيين ، فيما يشكل غياب العراق استراتيجيًا بالاحتلال الأمريكي - الفارسي منتهى الرخاء والارتياح الاستراتيجي الإسرائيلي .

إن أداة تحويل مجرى الصراع ، من صراع تحرري عربي - صهيوني إلى صراعات داخلية مذهبية - إثنية ، جاء في صيغة ( المشروع الفارسي ) ، الذي وافقت عليه أمريكا المحتلة مع إيران المحتلة للعراق في إطار استراتيجية التوافق وتلازم المصالح ، منذ ما قبل الاحتلال وأثناءه وحتى الوقت الراهن .. أنتجت هذه الاستراتيجية تدمير الدول تدميرًا كاملاً وتفتيت الشعب العربي تفتيتًا ديمغرافيًا بطريق التهجير القسري والإبادة الجماعية في أكثر من مكان وخاصة في العراق ( الموصل ) وعدد من المدن المهمة ، وفي سوريا ( حلب ) وعدد من المدن المهمة .. ولولا هذه الأداة الشيطانية التي استخدمها النظام الفارسي منذ عام 1979 لما استطاعت أمريكا ولا كيانها الصهيوني في فلسطين المحتلة تحريف الصراع أولاً وإشغال القوى العربية بقضايا ثانوية بعيدًا عن الصراعات الأساسية ثانيًا ، الأمر الذي مكن مشاريع الخارج من فتح مداخلها غير المشروعة للعبث بالأمن القومي العربي وبالأمن القطري معًا ، وذلك لعدم وجود أطر استراتيجية على أرض الواقع العربي تحمي هذا الواقع من الاختراق .

إحياء الفكر القومي العربي التحرري مهمة جوهرية :

الأساس هو الهوية للشعوب والأمم ، وليس الأساس الطائفية والعرقية ،

وهذه حقيقة شاخصة من حقائق التاريخ .. كيف ؟ :

- الأتراك ، مارسوا أساليب إحياء الفكر القومي التركي بوجه الاحتلال اليوناني لمدينة ( إزمير ) التركية على وجه التحديد .. ودعت الأحزاب التركية آنذاك وحتى الوقت الحاضر إلى التمدد على كل الأقوام ، التي تتحدث اللغة التركية لاستنهاضها بوجه حكوماتها في العمق الآسيوي والقوقاز ، وما يزال هذا الهدف قائمًا لدى صاحب القرار التركي يهدد فيه ضمنيًا في منهج سياسته الخارجية .. وما تزال أيضًا دول العالم المعنية بالشأن التركي تتوجس خيفة من التهديد التركي المبطن والمضموم بين ثنايا نظرية العمق الاستراتيجي التي تتبناها تركيا في الوقت الراهن ، وتتلمسها بشيء من التأني في الرد جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق ، وحتى إيران والعراق اللتان يستفزهما التطلع التركي هذا غير المشروع .

فقد أستهزأ " مولود جاويش أوغلو " وزير خارجية تركيا بالعرب في مؤتمر ( ميونخ ) في رده على مندوب الجامعة العربية .. وهي نزعة ما تزال تعتمل في عقلية التركي العثماني المتعجرف المستخف بالقوميات الأخرى .. حيث يفصح التاريخ عن ( حوار رسمي دار بين " روزفلت " حين استقبل رئيس جمهورية تركيا " عصمت إينونو " واستمع إليه الرئيس الأمريكي ، واكتشف أن تركيا الحديثة لها رأي بالغ السوء في العرب عمومًا ، لأنهم خانوا الخلافة العثمانية وقت الحرب العالمية الأولى وتعلقوا بأذيال الأنكليز ، وقد خص كلا من السعوديين والهاشميين بالجزء الأكبر من كلامه عن الخيانة التي لا يصح الاعتماد عليهم شريكًا وإنما يصح التعامل معهم تابعًا ، فالعربي في رأيه مهيأ لأن يقاد ويساق بأمر الغالبين ولا يُدْعى للتعاون على قدم المساواة معهم ) ، وقد ( أدرك " روزفلت " إن تركيا قد تصلح لدور في البلقان موصول على نحو ما بأوربا ، ولكنها لا تنفع وكيلاً في الشرق الأوسط ، لأن تاريخها ( برغم الإسلام ) ليس متوافقًا مع مزاج بقية المنطقة وأغلب دولها عربية ، بينها وبين تركيا ( العثمانية ) رواسب وتعقيدات ما زالت حية في ذاكرة الطرفين ، وكذلك لم ينجح " عصمت إينونو " في اختبار الوكالة ) - من كتاب الامبراطورية الأمريكية / محمد حسنين هيكل - دار الشروق - القاهرة 2003 ص 43 - .

- اليونانيون ، ما يزالون يضعون نصب أعينهم تجمعات اليونانيين المسيحيين في تركيا وفي مناطق انتشارهم ومنها جزيرة قبرص وغيرها لاستنهاض تلك المجاميع وبالتالي فرض الوصاية والنفوذ والتأثير في مسار السياسة الخارجية اليونانية ، وهو اتجاه يرمي إلى شد الأطراف مع تلك الجماعات بفعل عاملين ، الأول : العامل القومي ، والثاني : العامل الديني الأرثوذكسي .. اللذان باتا محط اهتمام القيادات السياسية لبعض الأحزاب اليونانية ، وكذلك محط اهتمام الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية سواء في أثينا العاصمة اليونانية أو في نيقوسيا عاصمة الشطر اليوناني لجزيرة قبرص .

- الإيرانيون ، يعملون على إحياء نوازع غير مشروعة يتطلعون من خلالها نحو إمبراطورية بائدة ، وهو تطلع إستعماري توسعي بغطاء ديني - طائفي مقيت ، ما تزال القيادة الإيرانية تعمل عليه ، ولم تتحدث عن تطلع قومي فارسي إنما نحو تشيع فارسي .. الأمر الذي دفع بالعنجهية الفارسية المعروفة إلى الإعلان الفاضح والصريح عن أن طهران تهيمن على أربع عواصم عربية هي بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء ، فيما يتحدث " علي أكبر ولايتي " نيابة عن الشعب العراقي بأن إيران ( تحظر وصول الشيوعيين والليبراليين إلى الحكم ) ، وذلك في مناخ الانتخابات المحسوم أمرها سلفًا لصالح بيادق إيران وبيادق أمريكا في العملية السياسية الفاشلة والفاسدة والآيلة إلى السقوط الحتمي

ومن هذا يتضح : أن كلا من المشروع الإيراني الفارسي ، والمشروع التركي - العثماني ما يزالان يقبعان ، برغم كل السنين الغابرة ، في أعماق صانع القرار الفارسي والعثماني في تطلعهما غير المشروع نحو إحياء إمبراطورية فارسية بائدة وإحياء امبراطورية عثمانية بائدة بثياب جديدة وبملمس سلس كجلد الأفعى .

فمن يريد أن يبني علاقات صحيحة ومتينة تقوم على المنافع المتبادلة والاحترام المتبادل في ضوء مبادئ حسن الجوار ، عليه أن لا يستخف بالطرف المقابل ، حتى وأن كان في مرحلة الضعف ، ولا يتغطرس عليه ، لأن الظروف تخضع لمتغيرات صارمة يخسر فيها الذي يستهين بالعرب وبقدراتهم ، ويخسر فيها الذي يتغطرس على العرب وإمكاناتهم وتاريخهم وحضاراتهم العريقة ، كما فعلها علي أكبر ولايتي وخامنئي وظريف وروحاني وشمخاني وسليماني ، وكما فعلها من قبل عصمت إنونو ومولود جاويش أوغلو وغيرهم كثير من أعضاء الحكومة الفارسية وأعضاء الحكومة التركية .

وأمام هذه الحقائق الدامغة ، كيف السبيل إلى استنهاض الروح القومية العربية في شرايين الأمة العربية دمًا متدفقًا .. وهي القومية العربية الإنسانية التي لا تحمل أحلامًا إمبراطورية إنما تؤسس لأمتها العربية نظامًا قويمًا عادلاً ومتعددًا ومتوازنًا مع جيرانها من الأقوام بدون تمييز .. كما أنها تريد أن تعالج واقعها المؤلم المجزأ وتلملمه جغرافيًا - سياسيًا لتضعه بمصاف دول العالم دون أي إشكالات أو تدخلات أو ممارسات عرقية أو دينية - مذهبية أو طائفية ؟ ، وكيف لقوى الأمة الحية أن تحرك واقع هذه الأمة بروح معاصرة من أجل استنهاض وتعزيز القدرات والتمكن من الوصول إلى مستوى فرض السياسات الواقعية المشروعة بعيدًا عن الغلو والعمل غير المحسوب في ظل تكالب قوى الشر حول الأمة العربية من كل جهاتها بمشاريع غير مشروعة تتمثل بالمشروع الصهيوني من النيل إلى الفرات ، والمشروع الفارسي لاجتياح المنطقة وقلب سافلها عاليها بنزعات الطائفية والعرقية والإرهاب المذهبي ، والمشروع العثماني للهيمنة السلسة على مقدرات الشعب العربي لإحياء السلطنة العثمانية ، والمشروع الشرق الأوسط الكبير ، الذي تقوده الامبريالية الأمريكية - سبب كوارث هذا العصر وتابعوها من دول الغرب وأدوات التنفيذ الفارسية وعملاؤها من الأنظمة العربية الفاسدة والمستبدة والتابعة - هذا المشروع الكبير هو الذي يشرف على المشاريع ، آنفة الذكر ، في التخطيط والتنفيذ على حدٍ سواء

وأمام مأزق الجيو - ستراتيجيا (Geo- Strategic –Dilemma) ، الذي يخيم على الأمة العربية من أقصاها إلى أقصاها ، كيف السبيل للخروج بوسائل عملية تجهض تلك المشاريع أو تحد منها وتحيد بعضها وتثبت أركان مقومات القومية العربية وتؤسس لنظام الأمن القومي العربي المنقذ ؟! .

- من أين نبدأ ؟ ، من الأنظمة العربية كمؤسسات ؟ ، أم من الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية في الدفاع عن نفسها ومصيرها وأجيالها ؟! :

يتبــــــــــــــــع ...





الثلاثاء ٢٤ رجــب ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / نيســان / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق الدكتور أبو الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة