شبكة ذي قار
عـاجـل










أقر مجلس النواب العراقي يوم الخميس الماضي الموافق 1/3/ 2018 قراراً يدعو الحكومة إلى وضع جدول زمني لمغادرة القوات الأجنبية من العراق، في إشارة الى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية الذي قدم الإسناد الجوي والبري والأستشاري للقوات العراقية خلال المعارك ضد داعش . وكان التحالف الدولي قد أعلن مطلع شباط الماضي خفض قواته في العراق، بعد الأعلان عن خسارة تنظيم داعش الأراضي التي سيطر عليها تقريباً عام 2014 حيث وجهت لجنة تحقيق برلمانية أصابع الأتهام الى رئيس حكومة المنطقة الخضراء السابق نوري المالكي وعدد من القيادات العسكرية والسياسية الا أن نتائج التحقيق لم تجد النور بسبب ضغوط أيرانية حسب العديد من المتابعين . وقال التحالف الدولي في بيان إن ( وجوداً مستمراً للتحالف في العراق سيؤمن، لكن بشروط تتماشى مع الحاجات ، وبالتنسيق مع الحكومة العراقية ) من دون إلأعلان عن أرقام لخفض عدد هذه القوات.

وفي الجانب الرسمي أنكر رئيس حكومة المنطقة الخضراء حيدر العبادي وجود القوات الأجنبية في العراق ، حيث قال في مؤتمره الصحافي الأسبوعي الثلاثاء الماضي : ( أسمع حديثاً حول وجود تحالف الدولي، أو قوات أميركية في العراق ! أن عددهم محدود جداً، ولا توجد نية بإعطاء أي قواعد ) . مشددا على أنه : ( لا توجد أي قاعدة أو مطار لأي قوات أجنبية تحت سيطرتهم ! كل المقرات تحت سيطرة القوات العراقية الوطنية، والقوات الأجنبية توجد في جزء من القاعدة. وكل طائرة لا تهبط أو تقلع الا بموافقتنا ) .

وطالب قادة ميليشيات مسلحة تأتمر بأعترافها بالآوامر الأيرانية خروج القوات الأجنبية من البلاد . وبإسناد من هذا التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة تمكنت القوات العراقية من طرد التنظيم من كل المدن العراقية مع نهاية عام 2017، في حين لم يعد التنظيم يسيطر في سورية على أي مدينة، لكنه يحتفظ بقرى وبلدات وجيوب ينتشر فيها بضعة آلاف من المقاتلين، من دون أن تكون لهم مقار ثابتة. وكانت واشنطن أعلنت في نهاية تشرين الثاني ( نوفمبر ) 2017 سحب 400 من عناصر مشاة البحرية ( مارينز ) من سورية ، من بين ألفي جندي تنشرهم في هذا البلد. وتنشر في العراق خمسة آلاف عسكري . ورغم أن العراق أعلن في كانون الأول الماضي ( انتهاء الحرب ) ضد داعش ، بعد ثلاث سنوات من المعارك الدموية ، الا ان العديد من العمليات الأرهابية تبنتها داعش في بغداد وكركوك والأنبار بعد هذا الأعلان أوقعت العشرات من القتلى والخسائر المادية لتؤكد هذه العمليات أن هناك خلايا نائمة تستطيع القيام بأعمال أرهابية في الوقت الذي تشاء . نظرة الرئيس الامريكي ترامب حول العراق لا تزال غامضة ومتناقضة حيث قال في احدى مقابلاته بإن "ما يسمى بالحكومة في العراق ذهبت إلى إيران لمقابلة إيران، وإن ايران تسير للاستيلاء على العراق.. لا تهمني الحكومة العراقية، لانهم فاسدون تماما". .

وفيما يخص العراق يبدو إن هناك اتفاق سري بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري حيث يصدر الديمقراطيين القوانين ويتولى الجمهوريون تنفيذها ، فمثلا أصدر الديمقراطيون قانون تحرير العراق عام 1998، لكن الجمهوريين نفذوه عام 2003، كما ان نائب الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن يعتبر مهندس قانون تقسيم العراق على أساس فيدرالي الذي أصدره الكونغرس عام 2007، إلا أنهم لم ينفذوه خلال السنوات الثماني اللاحقة التي كانوا فيها بالسلطة من قبل الرئيس الامريكي السابق باراك باراك اوباما، ويبدو أنهم تركوه للرئيس ترامب حتى ينفده،حيث يرى أن سياسات أوباما ساهمت في نشوء تنظيم داعش الارهابي، ويرى ضرورة إجراء تغييرات جذرية في سياسات الولايات المتحدة في العراق والمنطقة، ويعد تقسيم العراق إحدى الوسائل اللازمة لهذه التغييرات والمراجعات الجذرية التي تحتاجها سياسات البيت الأبيض في المستقبل. كما اطلق الرئيس ترامب يوم السبت 21 يناير الماضي تصريحا خطيرا آخر، كشف فيها إن "واشنطن كان عليها أن تأخذ احتياطيات الخام العراقية"، وكان ترامب لمح، إلى أن أخذ نفط العراق كان من الممكن أن يحول دون صعود تنظيم داعش، من خلال حرمانه من مصدر التمويل، موضحا أن العراق فيه نفط تقدر قيمته بخمسة عشر تريليون دولار .. وان على أميركا أن تأخذ نفط العراق كله.. مقابل إسقاط نظام صدام.. و"كي لا يقع بيد داعش..". وفي لقاء مع محطة "أي بي سي" كرر ترامب عن استيائه الشديد من الإدارة السابقة التي كانت تحكم في الولايات المتحدة الامريكية والتي تركت العراق لوحده، ليكون فيه فراغ يشغله الإيرانيون وعناصر داعش، مشيرا إلى أنه كان يجب أن تضع أمريكا يدها على نفط العراق " .

فيما جاء رد رئيس حكومة المنطقة الخضراء العراقي على تلك التصريحات، يوم الثلاثاء 24 يناير الماضي ، بإن "نفط العراق للعراقيين وأي كلام خلاف ذلك غير مقبول ولا أتصور أن أي مسؤول في العالم يدعي أمتلاك شيء ليس له " كما أن استمرار الخلافات بين القوى السياسية ، وأستمرار العلاقة المتوترة بين بغداد وأربيل ، والتجاذبات التي جرت حول تأجيل الأنتخابات لمنح الفرصة لأعادة النازحين من المحافظات التي هجروا منها بسبب داعش ومن ثم معارك طرد داعش منها ، وأستمرار الخلاف مع اربيل بخصوص تصدير النفط وأدارة المنافذ الحدودية والمطارات ، ثم على حصة الأقليم من موازنة 2018 التي خفضت الى 13% بدلا من 17% كما كانت في الموازنة السابقة ، وأستمرار الخلاف حول كركوك الغنية بالبترول ، وحتى الخلاف على كيفية أدارة المحافظات التي سقطت بيد داعش بعد طرد التنظيم الارهابي منها ، لا تزال تشكل مسوغات للأدارة الأمريكية للسير نحو تقسيم العراق الى أقاليم وفق ما منصوص عليه في دستور عام 2005 الذي أقر بتوافق الأطراف السياسية التي تمسك بزمام السلطة في بغداد ، وتفشي الفساد الأداري والمالي الذي حول العراق الى دولة فاشلة بكل المقاييس الدولية ، وعجز العبادي من تحقيق وعوده بالقضاء على الفساد ومحاكمة الفاسدين أمام القضاء وأعادة الأموال التي نهبوها ، وعدم حل مشكلة الميليشيات المسلحة وسحب السلاح منها الى الآن والتي تحولت لأغراض انتخابية الى أحزاب وكتل سياسية ، تخوض الانتخابات القادمة بحيث أصبحت اليد الأيرانية هي الطولى على الساحة العراقية ، وأنحسار الدور الأمريكي شيئا فشيئا بعد تذبذبت السياسة الأمريكية حيال أيران وملفها النووي والميليشيات المرتبطة بها ، في العراق وسوريا واليمن ولبنان بحيث اصبحت أيران تجاهر بتصريحات رسمية رفيعة المستوى بأنها تسيطر على أربع عواصم عربية ، ولم تصدر أية مبادرة أمريكية أيجابية تجاه القوى الوطنية العراقية التي لم تشارك في العملية السياسية ، بعد الغزو والأحتلال وهي قوى مؤهلة لتعيد الأمن والأستقرار الى العراق ، وتوقف السياسة الأيرانية الهادمة في العراق ، حتى يبدو للمراقب أن الأدارة الأمريكية تعادي أيران في العلن وتتوافق معها خلف الكواليس . وفي ضوء هذه المعطيات على الأرض صدر قرار البرلمان العراقي المطالب بوضع جدول زمني لأنسحاب القوات الأجنبية من البلاد ، لذا أكدت مصادر أمريكية ان القوات الامريكية لن تنسحب كلها من العراق، خصوصا ان الاوضاع الامنية لم تصل بعد الى مستوى الامان، بالاضافة الى الازمة مع كردستان العراق، التي قد تسبب حالة عدم استقرار في المثلث الحدودي العراقي- التركي- الإيراني.

ولفتت المصادر الى أن بقاء الأزمة السورية من دون حل، والوجود الإيراني في سورية الذي يتطلب حضوراً أمريكياً مستمراً على الحدود العراقية- السورية، اضافة الى التحالف الامريكي مع أكراد سورية الذي يتطلب امدادهم من ناحية العراق أسباب إضافية لعدم الانسحاب الأمريكي بالكامل. والقت تصريحات مستشار المرشد الأيراني ولايتي في 24 شباط الفائت بأن طهران لن تسمح لليبراليين والمدنيين بالوصول للحكم في العراق، بضلالها على المشهد السياسي العراقي ، الذي يتهيأ للأنتخابات البرلمانية آيار القادم ، حيث ابدت القوى المناهضة للدور الأيراني خشيتها من تزوير الأنتخابات كما جرى في الأنتخابات السابقة ، بحيث ليكون هناك أي أمل في التغيير في العراق ولو بالحد الأدنى ، ولم تصدر من الأدارة الأمريكية أو الأمم المتحدة أي رد فعل على هذا التدخل السافر في الشأن الداخلي خلافا لميثاق الأمم المتحدة ، فيما أعلن أزغدي أن ( طهران وحلفاءها في العراق، أعدموا الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وليس واشنطن ) . وسبق لعلي يونسي، مستشار رئيس النظام الإيراني، حسن روحاني، أن قال في كلمة أمام مؤتمر بطهران، نقلتها وكالة أنباء الطلبة الإيرانية، إيسنا، إن بلاده: "كانت منذ ولادتها "إمبراطورية"، مضيفا: : "العراق ليس جزء من نفوذنا الثقافي فحسب، بل من هويتنا.. وهو عاصمتنا اليوم.. وهذا أمر لا يمكن الرجوع عنه لأن العلاقات الجغرافية والثقافية القائمة غير قابلة للإلغاء، ولذلك فإما أن نتوافق أو نتقاتل." وبدلا من وقوف حكومة بغداد الحازم بوجه التدخل الأيراني السافر في شأن العراق الداخلي أصدر البرلمان الذي يسيطر عليه اذرع ايران في العراق قرار المطالبة بسحب القوات الأجنبية من البلاد مطالبا حكومة العبادي بوضع جدول زمني لهذا الأنسحاب ، قرار يبدو من ظاهره أنه دعاية أنتخابية مبكرة بعد أن بدأ الشارع العراقي يتململ من الأحزاب الأسلامية الحاكمة ، وعدم وضع الحلول لمشاكل البلاد المتفاقمة من عقد ونصف من الزمن مضى على اسقاط الحكم الوطني على يد القوات الغازية ، بقيادة الولايات المتحدة التي تركت ضلعي محور الشر الآخرين حسب تسمية الرئيس الأمريكي السبق جورج دبليو بوش ، كوريا الشمالية وأيران تستقوي أكثر فأكثر وتستمران في تحدي المجتمع الدولي بالسلوك المارق وتهديد الأمن والسلم الدوليين .هذه الأحزاب الحاكمة تفتعل في كل مرة الأزمات لخلط الأوراق لتبقى ماسكة على زمام السلطة في بغداد ، فبدلا من السير في طريق المصالحة الوطنية وارساء قواعد السلم المجتمعي ، أصدرت هيئة المسآلة والعدالة قوائم بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة لأكثر من ( 4300 ) شخصا من أركان النظام الوطني ، وقيمة مجموع ما يملكونه لا تساوي قيمة سرقة واحد من الساسة الذين سرقوا وأهدروا ترليون دولار منذ 2003 لغاية 2017 بحيث أصبح العراق في عهدهم أسوأ في كل شيء ، حتى جواز السفر العراقي أصبح من أحد اسوء الجوزات في العالم ، في الوقت الذي يصدرون التشريعات التي تحقق لهم أكبر قدر ممكن من المكاسب ، مثل الخدمة الجهادية وتحسين المعيشة ، والسيارات المصفحة والحمايات وغيرها من طرق الكسب غير المشروع بحيث اصبح الواحد منهم ، يتقاضى أكثر من دخل من خزينة الدولة خلافا للنظم المحاسبية المطبقة عالميا ، رغم ان الحكومة منيت بالفشل الذريع من الحصول على الدعم الدولي لأعادة الأعمار من خلال المؤتمر الذي عقد في الكويت .

وكل ما جرى ويجري في العراق منذ 2003 تتحمله أخلاقيا الولايات المتحدة الأمريكية ، وعلى عاتقها تقع مسؤولية أعادة العراق الى مساره الدولي والوطني الصحيح ، وعليها ان تبادر دون تأخير الحوار مع القوى الوطنية التي تمتلك المبادرة لأقرار التغيير وأنهاء الوجود الأيراني في العراق ، وكل ساعة تأخير في هذا الحوار سيزيد من التغول الأيراني في العراق ، ويزداد المتساقطين في الحضن الأيراني من طلاب السحت الحرام ، وتزداد الخسائر الأمريكية ونفوذها في المنطقة ، وبغير ذلك فأن ما قلناه من وجود توافق امريكي ايراني خلف الكواليس ، ليس نظرية مؤامرة . أما القوى الوطنية الحقة التي تحرص على مصير العراق فعليها تقع المسؤولية لنبذ كل خلافاتها الجانبية ، والعمل على تشكيل مرجعية وطنية تتمثل فيها القوى الوطنية وتبدأ بالتحرك الدولي على حكومات الدول ، بدءا من الولايات المتحدة وانتهاء بالدول العربية ، لشرح ابعاد مخاطر الوضع القائم في العراق، على الأمن والسلم الدوليين ومكافحة الأرهاب .





الاربعاء ٢٠ جمادي الثانية ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٧ / أذار / ٢٠١٨ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الدكتور ودود فوزي شمس الدين نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة