شبكة ذي قار
عـاجـل










عقب حصول العمليات الإرهابية في باريس يوم 13 نوفمبر / تشرين الثاني من عام 2015 مباشرة، ألقى الفيلسوف الفرنسي المعروف الآن باديو محاضرة بعنوان «الشر يأتي من بعيد» لتوضيح ما حصل من عمليات إرهابية بحضور كثيف من طلاب الجامعات والصحافيين والباحثين والمثقفين.

والمحاضرة عبارة عن تفكيك للخطاب الرسمي السائد حول قضية الإرهاب منذ سبتمبر / ايلول 2001 في فرنسا وفي العالم الغربي عموما والذي يتهم العرب والمسلمين بالإرهاب والبربرية. وقد اقتطعت بعضا من فقرات هذه المحاضرة القيمة حول تفسيره للإرهاب وللإرهابيين لأهميتها القصوى وللاطلاع على أفكار بعض المثقفين المعتدلين في نظرتهم للعالم ومشكلاته المعاصرة.

قال باديو أريد أن أتحدث عما حصل يوم 13 من مأساة وما جرى لنا ولمدينتا ولبلدنا وللعالم. ليقول إن مثل هذه الأحداث التي تتناولها أجهزة الإعلام بطريقة مكررة وباستمرار تستهدف التأثير على المشاعر الأمر الذي تستغله الدولة لاتخاذ قرارات غير مقبولة تصب في صالحها. كذلك فإن الخطاب العاطفي يؤدي إلى اندفاع هوياتي قوي يجب الحذر منه. إن مثل هذه الأحداث تحصل يوميا وفي كل مكان من نيجيريا إلى باكستان إلى العراق وسوريا وروسيا، وإن حصر الإرهاب في الهوية هو خطر كبير لأنه يحول ذلك إلى قضية انتقام بدلا من أن تكون قضية تمس الإنسانية. وإذا كانت هذه الأحداث جريمة ضد الإنسانية كما قال اوباما فلماذا لا يقول ذلك عما يحصل من قتل جماعي في العراق وفي افغانستان وباكستان والكونغو ونيجيريا. إنه يعتقد بأن الإنسانية موجودة في فرنسا وفي أمريكا وليست في العراق والكونغو. وهذا ما يردده الغرب وإعلامه الرسمي بشكل مستمر. إن هذا الادعاء يجعل وجود تعارض بين المتحضرين والبرابرة. ومن العار والفضيحة وفق أبسط حقوق العدالة أن يقال اعتباطا أو أن يترك القول بأن هناك جزءا من الإنسانية هي أقل إنسانية من غيرها وهذا ما حدث وما يزال يحدث. أعتقد أنه يجب التوقف عن عادة متداولة باعتبار موت إنسان في الغرب هو أمر خطير وأن موت الف شخص في افريقيا أو في الشرق الأوسط أو في روسيا هو لا شيء. هذا هو الإرث الاستعماري لما يسمى الغرب، أي الدول المتقدمة والمتحضرة والديمقراطية، هذه العادة التي ترى في الغرب ممثلا للإنسانية كاملة هو خطر يحدق بنا.

ويرى باديو أن اقتراف مثل هذه الجرائم يهدف إلى خلق حالة عاطفية غير عقلانية لدى الناس يختفي فيها كل تفكير ويجعلهم لقمة سائغة للسياسي وللناقمين الذين خلقتهم هذه الحالة وهذا ما يتمناه القتلة. سأتناول هذه الجريمة كعارض من عوارض عديدة للعصر الحديث برمته وهو عارض عنيف ومذهل. إن عالم اليوم هو ما رسم للعالم منذ عقد الثمانينيات. وما نشاهده اليوم هو نجاح للعولمة عبر العالم وانتصار لها واعتبارها الحل الوحيد والعقلاني والقدر التاريخي للإنسانية. ولهذا يتم إضعاف مفهوم الدولة كما يحصل في أوروبا أو يتم تدميرها بالكامل واقتلاع أسسها كما حدث في العراق وليبيا وافغانستان وافريقيا. هذه الليبرالية المتحررة من الحدود والقيود والتي أصبحت أهم بكثير من الدول بل فوق الدول، ترافقها ممارسات امبريالية جديدة ووسائل عنف مبتكرة لفتح العالم وحصد المنافع والأرباح مثل إنشاء مناطق محددة مسيطر عليها تدار من قبل عصابات مختلفة الهويات – تنظيم «الدولة» ( داعش ) مثلا - لا قانون فيها إلا قانون النهب تعمل مع كبرى الشركات. لقد أصبحت الدول اليوم عبارة عن إدارات محلية للعولمة التي تفضل التفاوض مع عصابات مسلحة على التفاوض مع الدول، بل أن خيار تدمير الدول أصرف اقتصاديا لها من إفساد الطواقم الحكومية. كما بدأ التدخل العسكري دون مصاريف بين الحين والآخر يسمح لها بخلق طبقة متواطئة من الفاسدين مقابل مناصب فيما يسمح للشركات بنهب كل الثروات. إن ما حدث في باريس هو فعل فاشي، فظيع وإجرامي لكن لا يمكن وصفة بالبربرية، لأن هذه الكلمة كانت دائما عكسا للحضارة. حرب المتحضرين ضد البرابرة.

إذن ليس هناك أي سبب لمنح العجرفة الغربية كلمة الحضارة على ضوء الفعل الفظيع والإرهابي لأن المجازر الغربية مستمرة ودموية بصورة غير طبيعية. لدى الغربيين اليوم سلطة اغتيال الناس بأمر سري من رؤساء الدول بواسطة طائرات الدرون ( من غير طيار ) وهي جريمة سهلة يتم فيها القتل والاغتيال من وراء المكاتب. إن موت الغربيين في الصراعات في العراق وافغانستان هي 1 من 20. وقد أظهرت الإحصائيات أنه ولقتل 10 «مطلوبين» يجب قتل 90 بريئا وهذا ما فعله اوباما الهادئ والحاسم.

إذن، لو استعملنا كلمة بربري لوصف قتل الناس، فان الغربيين هم برابرة كل يوم بجرائمهم الشاملة والتكنولوجية المخفية والمقبولة. لقد أراد الغربيون في حروبهم في العراق وفلسطين أن لا يخسروا بشريا، صفر موتى في معسكرهم وأرادوا موت أكبر عدد كل في المعسكر الآخر، وقد رأى الناس هناك كل هذا، فمن هو البربري؟ إنه الغرب. في حرب غزة، قتل 2000 فلسطيني منهم 450 طفلا. هل هذه هي الحضارة ؟ هل الحضارة في أن طائراتهم هي التي تقتل، تقطع الأوصال وتحرق الناس ولا تحرق مجرمين يطلقون النار عشوائيا على الناس قبل أن ينتحروا. من قام بالعمليات الإرهابية هم قتلة فاشيون يشبهون ميليشيات – بيتان، رئيس فرنسا تحت الاحتلال الألماني- لكن ليس هناك أي سبب يدعو للقول إن الجيوش الغربية تمثل الحضارة، فهذا أمر غير مقبول.

الحرب هي الحرب، مجازر دائمة. لقد قتلنا وعذبنا وهجرنا كثيرا في الحروب الاستعمارية وبعدها وما زلنا نفعل بشكل واسع. لقد انتهت فرنسا الثورية وفرنسا المقاومة منذ 1976 فهي اليوم ممثلة بمجموعة من المثقفين دعاة الهوية، بقرارات تجريمية مفتوحة تستهدف شرائح من الفقراء بسبب دينهم. من السهل شيطنة هؤلاء الفقراء على شيطنة الرأسمالية الفرنسية التي صنعت الفقر وذهبت لجلب اليد العاملة من بلدانهم وتريد اليوم التخلص منهم أو تجريمهم وهي التي دمرت الصناعة الفرنسية بالكامل. الرأسمالية هي التي خلقت التعصب الهوياتي الذي يطالب اليوم باضطهاد الآخرين. ليس البرابرة من أعلن الحرب، لكن الدولة الفرنسية هي التي ذهبت لمساعدة الشركات منها الأمريكية وتدخلت في شؤون امبريالية وشاركت بإنشاء مناطق العصابات، دمرت دولا وخلقت الوضع الحالي. وهذه هي الأرض الخصبة لتكوين شباب فاشي النزعة في مناطق جرفت ودمرت فيها الحياة الاجتماعية.

يختم الفيلسوف باديو، الذي هو أيضا أستاذ جامعي عمل كثيرا مع الطلبة العرب والمسلمين ولسنوات عديدة كمشرف على أطروحاتهم العلمية أو محاضرا، بالقول إن هناك ضرورة استراتيجية مقترحة على الجميع لعمل فكري ومسار نحو الآخر، الذهاب إلى من يكلمونكم عنه، من هو في الحقيقة، اطلعوا على أفكاره وآرائه، نظرته للأشياء وضموه معكم في رؤية استراتيجية لقدر الإنسانية، لجعل تاريخ الإنسانية المحرف يغير من اتجاهه، يقتلع من البؤس القاحل الذي يندفع له في هذه اللحظات.





الخميس ٧ محرم ١٤٣٩ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٨ / أيلول / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ولاء السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة