شبكة ذي قار
عـاجـل










ترشح وفوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية وما تبعه من قرارات بخصوص منع المسلمين في سبع دول من الدخول الى الولايات المتحدة قد شغل شرائح واسعة من الناس سواء في امريكا او أوربا. وقد وصفت بعض الصحف الفرنسية قرار الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بمنع أستقبال اللآجئين بالهذيان في حين أن خطاب ترامب وقراراته التي وقع بعضها في الأسبوع الأول لتسلمة مقاليد الحكم لم تهبط من السماء فجأة، بل هو أستمراريه لخطاب غربي بدأ عقب احداث نيويورك 2001 وغزو العراق وافغانستان.وخطاب الكراهية هذا لم يبدأ مع أحداث ايلول لا في الولايات المتحدة ولا في أوربا.لكن الجديد فيه ومنذ عدة سنوات هو ان الأحزاب المتنافسه في الأنتخابات لبعض الدول الغربية أخذت تعتبره مفتاح الوصول الى قلب ومشاعر ملايين الناخبين بهدف الفوز في الأنتخابات.

لقد بدى ان بعض الحملات الرئاسية للمرشحين تخطط في مراكز الحملات الأنتخابية او مع مقربين للمرشح في هذه الموؤسسة الأمنية او تلك بعناية لأستثمار“ العدو الأرهابي الأسلامي” عبر طرح جملة هنا وجملة هناك ترفع من حظوظ هذا المرشح او ذاك وتزيد من الأصوات لصالحه، أو القيام بعملية ارهابية” يتهم بها “العدو” او بث فديو لشخصية “متهمة” بالأرهاب عشية الأنتخابات .

يستند خطاب “كره الآخر” على مفاهيم نظرية سياسية واجتماعية في كيفية “صناعة العدو” والحرب العادلة التي تصبح حربا لا حدود لها لأنها حربا مفتوحة بلا نهاية كما الحرب الأستباقية لمراجع غربية مثل الفيلسوف الألماني كارل شميت ونظيره ليو شتراوس مصدر ألهام المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الذين وضعوا “مشروع القرن الأمريكي الجديد للهيمنة ” والمسمى مختصرا PNAC ومهندسي حرب العراق والشرق الأوسط الكبير والفوضى الخلاقه والحرب الأستباقية لعدو محدد وفقا لمصالحهم.

يقول بيار كونيسا احد كبار مدراء الدراسات الأستراتيجية العسكرية كاتب ” صناعة العدو” أن “العدو الوهمي” “ليس معطى حقيقيا ولا قانونيا بل هو أمر تخيلي” . وغالبا ما تقوم الدول بخلق هذا العدو لتبرير شن حروب والدخول في نزاعات مع دول اخرى. لكن لا يقتصر الأمر فقط على خلق عدو وهمي عالمي بل يمكن للدول والحكومات خلق عدو داخلي عندما تكون بجاجة الى تحقيق مآرب تحصل عليها بواسطة مثل هذه التركيبات المتخيلة . لم يقتصر أستعمال المفاهيم النظرية للفيلسوف الألماني كارل شميت وليو شتراوس امريكيا في صناعة “عدو وهمي” عالمي هو “الأرهاب الأسلامي” بعد سقوط العدو الأتحاد السوفيتي لتبرير غزو وحرب وتوسع في أنحاء العالم فحسب. بل تعداه الى النخب الأوربية التابعة للمحافظين الجدد ومنها الفرنسية التي ستستعمله بفعالية لخلق اسلاموفوبيا واسعة في المجتمع الفرنسي.

ان نفس هذا المفهوم الفعال والمربح قد تـم أستخدامه في الحملة الأنتخابية للولاية الثانية لجورج بوش .وأستخدمه نيكولا سركوزي في فرنسا وكذلك يستخدم اليوم من قبل بعض المرشحين من اليمين واليسار لخوض الأنتخابات الرئاسية المقبلة لعام 2017.

في الولايات المتحدة ترتبط “صورة العربي” بالصورة التي رسمتها له هوليود واستديوهاتها الصهيونية عبر مئات من الأفلام. وهي صورة مشوهة مصنوعة باتقان لوضع مشهد في هذا الفلم او في ذاك “كعدو أرهابي فلسطيني” او هي صورة العربي المخادع والكاذب بالقميص واليشماغ الذي لا يوثق فيه ابدا.وخصصت ادارة بوش والبنتاغون ماكنة أعلامية ودعائية ضخمة بمليارات الدولارات لتسويق حربها ضد “العدو الأسلامي “ وشيطنته وتصويره بأسوأ أنواع البشر ناهيك عن باقي الجمعيات والتجمعات واهمها المسيحية-الصهيونية واللوبي وجمعياته. لكن تخويف الأمريكي والأوربي وأرعابهما قد وصلا الى الذروة مع أحداث ايلول لمبني التجارة العالميين في نيويورك عام 2001 الذي يبقى رغم انفضاح أكاذيب روايته الرسمية لشرائح واسعة من اساتذة وعلماء وطيارين ومهندسين وفلاسفة وحتى عسكريين وضباط مخابرات يعملون في مؤوسسات الحكومة، حدا فاصلا يؤرخ لما قبل وبعد هذا اليوم ليس فقط في الولايات المتحدة وأوربا بل للشرق الأوسط خاصة وللعالم بشكل عام.لأن الولايات المتحدة أستطاعت عمليا ان تفرض على دول العالم عقيدتها حول “العدو” المتمثل بالأرهاب الأسلامي العالمي” حينما قال بوش ان من ليس معنا فهو ضدنا ليدخل العالم وحكوماته تحت عولمة المفهوم مكرها. وشتم دونالد رامسفيلد أوربا وسماها بالعجوزة لأن الرئيس جاك شيراك قد رفض دخول فرنسا الحرب على العراق.

فتبنى الكونغرس مشروع “أكت باتريوت” لتقنين الحريات الشخصية والصحفية ووفقا لهذا القانون تمت مراقبة العرب والمسلمين واحتجاز عددا كبيرا منهم “بشكل وقائي” واستجواب المسافرين منهم لساعات طويلة في المطارات وبسبب ذلك وقعت جرائم عنصرية من أعتداءات وحرق متاجر ومساجد في أنحاء متفرقة من البلاد. وتم جلب ناشطين من خارج الولايات المتحدة كما من ايطاليا وفرنسا والدول الأسكندنافية وحبسهم في السجون الأمريكية بحجج غير قانونية ومراقبة الكثير منهم وحبس متبرعين فلسطينيين أدى الى أنتشار حالة من الشك والخوف والأتهام في أمريكا تستمر الى يومنا هذا.

ما في حملة الولاية الثانية لبوش فقد تم توظيف احداث الحرب في العراق وافغانستان لأضهار عدالة الحرب بين “المتحضر الأمريكي” ضد جماعات بدائيه قادتها ملتحون يعيشون في أجواء القرون السحيقة في الجبال ، أذ شاهد الناس حول العالم عبر الفضائيات “فديوات بن لادن والظواهري وأفلام ما يسمى بتنظيم القاعدة” تبث بشكل منتظم وبتكرار طوال ساعات النهار والليل مع هبوط شعبيه بوش بسبب الحرب لترتفع بعدها في أستطلاعات الرأي العام. وقد دعى ذلك الفرنسيون الى التندر على الفديوات التي تبث غالبا بأوقات معينة لأنقاذ شعبية بوش.وحتى عندما أنتخب اوباما فقد أنتشرت كثير من الأعتداءات اللفظية التي سمعناها وقرأناها في الأعلام الأمريكي بسبب أسمه “حسين” وأتهامه بأنه مسلم يتخفى بالمسيحية.أذ لم تتقبل بعض الشرائح الأمريكية انتخاب ليس فقط رئيسا أسودا بل ويحمل اسما عربيا خاصة لدى أنصار حزب الشاي. هذه الجماهير اليمينية المحافظة تقليديا هي من تحفزت ونشطت لأنتخاب انكلو-ساكسوني يجاهر بمعاداته للعرب والمسلمين جعل من حملته الأنتخابية مهرجانا لتصريحات حول مصادرة النفط العراقي وغيره لدول عربية في مقابل تحرير الجيش الأمريكي لهم.

وعقب ايلول 2001 سادت أجواء الشك والعداء والكراهية أكثر واكثر للعربي والمسلم في فرنسا بواسطة الماكنة الأعلامية ونخبة من الأعلاميين والكتاب والمفكرين المنظرين للحرب وغزو العراق وتصادم الحضارات وترسيم الحدود في الشرق الأوسط الكبير . وبعد ان كان وباء العنصرية سائدا في الطبقات الفقيرة غير المتعلمة التي لا تجد عملا بسبب “المهاجر العربي المسلم” كما تدعي وأحزاب اليمين المتطرف وقلة من اليمين ، أنتقلت لتشمل احزاب اليمين التقليدية وأحزاب اليسار. ويمثل تسلم نيكولا سركوزي حقيبة وزارة الداخلية في فترة حكم الرئيس جاك شيراك الثانية نقلة تاريخية في تصاعد لهجة الخطاب العدائي للعرب والمسلمين في فرنسا، حيث جرى ذلك في وقت ألتحاق اوربا بالعولمة وتعرض الأقتصاد العالمي فيما بعد وخلال رئاسته لهزة أزمة 2008 التي زعزعت أقتصاديات اوربا وافرغت ميزانيات الدول وانهكتها بالديون غير الشرعية وبالبطالة وتقليص الخدمات.

وغالبا ما تكون هذه الفترات تربة خصبة للعنصرية وخلق عدو كشاشة ضباب تخفي خلفه المشاكل الأقتصادية الحقيقية للبلد. ولما لا يمكن خلق عمليات ارهابية تتهم بها مجموعة كما حدث في ايطاليا مع الجيش السري غلاديو وأتهام الجماعات اليسارية فيها بالأرهاب. وتلقف سركوزي هذه اللحظة الحساسة فوعد الفرنسيين بتنظيف هذه المناطق من شبابها العرب الذين يصورهم ألأعلام الفرنسي -بالمغتصب والمتطرف -بواسطة عربات القمامة ، فلقي هذا الخطاب صدى واسعا أوصل سركوزي للفوز في الأنتخابات الرئاسية عام 2007 لينفذ الكثير من القرارات المناهضة للعرب والمسلمين والقضايا العربية كالعودة لحلف الأطلسي كما ترغب أدارة بوش ووقف الأعلام حول القضية الفلسطينية بالكامل وفصل الصحفيين الفرنسيين المتخصصين بالشرق الأوسط من وظائفهم. وحينما ترشح ساركوزي للفترة الرئاسية الثانية ، وعشية الأنتخابات ولبث الذعر بين الناس حدثت عملية غريبة جدا أشتهرت باسم محمد مراح الشاب من اصول جزائرية الذي نشرت عنه الصحافه انه كان يعمل مخبرا لدى الشرطة الفرنسية وأتهم بقتل فرنسيين، وقد سجل “مراح” شريطا يقول ببراءته ارسله لمحاميته في الجزائر ويكشف عمله مع أجهزة الدولة.وربما اختار الرئيس الفرنسي الأشتراكي فرانسوا هولاند رئيسا للوزراء يتماثل خطابه مع سلفه هو ايمانويل فالس الذي جعل خطاب العنصرية والكراهية للعربي والمسلم خطابا طبيعيا وأستفزايا لحكومتة وللنخبة الفكرية الصهيونية التي تسانده بعد ان كان ولسنوات يستعمل القضية الفلسطينية موضوعا لفوزه في مكان اقامته المعروف بغالبية فرنسية عربية الأصول.وفي التنافس على الترشح للأنتخابات الفرنسية المقبلة في 2017 تبارى المترشحون ومنهم فالس في خطاب الأسلاموفوبيا حتى وصل الأمر الى أتهام زميله في الحزب المترشح “بونوا هامون” على انه يساري-اسلامي لأن هذا الأخير “يرفض” الخطاب العنصري . ووصف حزب الجبهة الوطنية اليميني قرار ترامب بالشجاع .وقال ستيف بوريس، نائب رئيسة الحزب « لا أستبعد أن تتخذ مارين لوبين قرارا مثل إجراءات ترامب… يجب اتخاذ هذا النوع من الإجراءات إذا اضطررنا لذلك، حتى وإن كان الأمر صادما لدى البعض».وصرح المحامي جليبرت كولار النائب في الحزب «ترامب اتخذ إجراءات ضد دول، كان أوباما قد حذر منها، ومن خطورتها من قبل. وبالتالي فإن هذه الإجراءات الاحترازية منطقية». كما دعا إدارة ترامب إلى توسيع هذه الإجراءات لتطال دول عربية أخرى مثل المملكة العربية السعودية. أن فوز الجبهة الوطنية اليميني في الأنتخابات القادمة او وصولها الى الدور الثاني ليس امرا مستبعدا بسبب الخطاب العنصري ضد الأسلام والمسلمين الفرنسيين فقد وصل خطاب الكراهية والأسلاموفوبيا في فرنسا الى حد بعيد وخطير لم يصله من قبل لا يبشر باي خير للفرنسيين من اصول عربية . منذ 2001 لم تتوقف الولايات المتحدة ولا بعض حكومات الدول الغربية ولا احزابها عن أستراتيجية التوتر والصدمة كما تسميها الكاتبة الكندية نومي كلان ولا في صناعة عدو وهمي لغزو بلدان وتدميرها او لشيطنة نفس العدو وتجريمه بحجة تصادم الحضارات وعدم امكانية مصالحة الدين الأسلامي مع الحداثة الأوربية ورفض وجوده وسحقه في المجتمع الأوربي للفوز في الأنتخابات.





الاثنين ٢٣ جمادي الاولى ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / شبــاط / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. ولاء سعيد السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة