شبكة ذي قار
عـاجـل










المدخل :

وقبل الأجابة على هذا السؤال .. ينبغي أن نضع في الأعتبار أن روسيا الراهنة هي ليست الأتحاد السوفياتي .. لا في السياسة ولا في الأيديولوجيا من جهة، كما أن الظروف الموضوعية التي تحيط بروسيا الحالية، هي ليست الظروف التي احاطت الأتحاد السوفياتي من جهة ثانية .. فضلاً عن أن الواقع الذي يحكم العلاقة بين موسكو وواشنطن وبينهما وبين العرب هي ليست كما كانت سابقاً .. حيث تتصاعد حدة التدخلات المتبادلة هنا وهناك، فهي لا تأخذ حيز تقسيم مناطق النفوذ كما كان عليه الواقع في ظل الحرب الباردة، التي من الصعب الحديث عن تكرارها في الظروف الموضوعية الراهنة.

كل هذه الأمور تدخل في الأعتبار، كما أن مصر هي ليست مصر جمال عبد الناصر ولا مصر السادات ولا حتى السيسي .. مصر الآن تختلف كما هي موسكو تختلف .. الأمر الذي يدعو الى التساؤل ايضاً .. أين الأختلاف وأين التباين، واين هي نقاط الألتقاء واين هي نقاط الأبتعاد .. بمعنى أين هي المشتركات واين هي الأفتراقات في مجرى العلاقة ليست الثنائية فحسب، إنما في مجمل علاقات موسكو بدول المنطقة العربية بأسرها، ما دامت هناك جملة من العوامل تتحكم فيها لتصوغ منها بالتالي شكلاً معيناً مفروزاً يمكن وضعه في دائرة الضوء التي تحددها حزمة من الأسئلة طالما برزت بعد الفيتو الروسي والفيتو الصيني الداعم لنظام دمشق في مجلس الأمن الدولي :

- من هي روسيا اليوم ؟ هل هي اشتراكية ام رأسمالية ؟ وهل هي آيديولوجية أم براغماتية وهل هي ستراتيجية تتعامل على اساس المنطق الأمبراطوري القيصري ؟

- وهل أن روسيا تعتقد الآن بأنها تعيش في ظل الحرب الباردة ؟

موسكو تريد، بثوب جديد، أن تستعيد إرث الأتحاد السوفياتي في مناطق نفوذه .. ولكن مناطق النفوذ هذه في الشرق الأوسط على وجه التحديد، ليست مستعدة لتقبل مثل هذه القوة بثوب لا تعرفه .. هل هو إمبراطوري، اشتراكي، رأسمالي، سياسي- ستراتيجي-براغماتي، يعلن الشراكة الأستراتيجية الفارغة من أي معنى سوى المكاسب المالية والأقتصادية كما يفعل الصينيون في شراكاتهم الأستراتيجية .؟

فأذا كانت روسيا تسعى من اجل الوصول إلى إرث نفوذ الأتحاد السوفياتي فعليها:

1- أن ( تناصر الشعوب ) أي أن تميل إليها، لا أن تقف مع قتلة الشعوب.

2- وأن لا تبيع السلاح للمليشيات التي تحكم الدول.

3- وأن تحترم نفسها عند تعاملها مع الطغم، التي ما انفكت تسرب الفساد إلى قمة مقرات المؤسسة العسكرية الروسية من خلال صفقات سلاح أُنجِزَتْ بـ ( 6.4 ) مليار دولار مع بغداد وهي تدرك أن حكومة المليشيات الطائفية تقتل وتهجر الشعب العراقي منذ اثنا عشرة سنة.!!

4- وأن تقف بشجاعة مع حركات التحرر الوطنية للخلاص من الأستعمار والأحتلال من اجل الحرية والأنعتاق والخلاص الوطني.

5- وأن تميز نفسها عن الأمبريالية الأمريكية في دوافعها وأغراضها ومراميها.

فإذا كانت موسكو تسعى إلى ان يكون لها موضع قدم وتستعيد مكانة الأتحاد السوفياتي في دول المنطقة، عليها أن لا تكون ( تاجر سلاح ) يتحين الفرص حيثما يكون هناك احتقان أو حروب أو فرص تمثل إفتراقات في السياسة وتناقضات مصالح، على حساب مصالح الشعوب، كما يحصل في هذه المرحلة حين اندفعت امريكا في تطبيق سياستها الخارجية ذات البعد الأستراتيجي بإثارة الفوضى وإحلال الصراعات العامة التي اتسعت لتمزق النسيج الأجتماعي للمجتمعات وتفكك عناصر القوة لدى الدول بتدمير جيوشها .. هنا .. يأتي دور تاجر السلاح الروسي ليعرض بضاعته ليستكمل بها ما خربته الأمبريالية ومن ورائها الصهيونية العالمية .. ومن وراء هذه العروض تبرز الرغبة الجامحة في الوصول إلى إرث الأتحاد السوفياتي في مناطق نفوذه القديمة.

مصر جمال عبد الناصر، وحركة عدم الأنحياز، وانتشار الأحزاب الشيوعية واليسارية، وحركات التحرر الوطني، ومنظمات مناصرة الشعوب ودعمها من أجل التحرر .. كل هذا المسرح قد تلاشى من ذهن صانع القرار الروسي، وتكثف تفكيره حول توريد السلاح من جهة، وتعزيز بناء تحالفات ( منظمة شنغهاي ومنظمة دول بريكس و محور طهران دمشق الطائفي ) .

الاتحاد السوفياتي لم يكن يتصارع في ( محاور نظم طائفية وعرقية مدانة بالتعصب والفاشية والشوفينية ) ، إنما كان يساند الحركات في صراعها ضد الطغم والتسلط الأستعماري، فضلاً عن التفتيش عن مناطق النفوذ حيثما وجدت مثل تلك الحركات .

شروط الحرب الباردة لم تتوفر حالياً لدى موسكو .. لأنها لم تستطع أن تحقق الأستقطاب الدولي .. إذ لم تعد روسيا قادرة عليها، بل على العكس فقد خسرت موسكو ،نتيجة لسياساتها النفعية، مناطق نفوذ الأتحاد السوفياتي في دول المنطقة العربية إذ لم يعد هناك من ينظر إليها كمساند وداعم لحقوقهم، بل ينظر اليها كداعم ومساند لأعدائهم ومغتصبوا اراضيهم والذين يهددون سيادتهم واستقلالهم الوطني.!!

في ظل الحرب الباردة كان هناك تقاسم نفوذ في زحمة الصراع والتنافس، كما كانت هنالك مناطق رمادية يشتد فيها التنافس والصراع على المصالح، ولكن ذلك لا يقترب من المناطق الموسومة بخطوط حمراء متفق على عدم الاقتراب منها مهما توترت وتصاعدت الصراعات الاقليمية .

روسيا لم تكن ولن تكون دولة دينية، وإن معتقداتها وخلفيتها الفكرية معروفة، وهي كنظام علماني إرثه العقائدي الشيوعي يمثل أقصى اليسار، وهو يتمحور مع نظام يمثل أقصى اليمين المتخلف في طهران، بحكم إيمانه بالمطلقات وبالحكم المطلق وبالمذهبية التي تجاوزت حدود الدين والهوية القومية في نهجها التوسعي على حساب دول المنطقة برمتها .. ومع أن نظام طهران الطائفي معزول اقليمياً ودولياً وسلوكه السياسي الخارجي عدواني النزعة .. فأن نظام موسكو يقف خلفه كما يقف خلف نظام دمشق الموالي لطهران .. تدعمهما وتدافع عنهما .. لماذا ؟ في الوقت الذي تخسر فيه موسكو معظم دول المنطقة العربية، كمصر التي تعتبر قلب منطقة نفوذ الأتحاد السوفياتي ؟!

موسكو خاسرة في سوريا، وخاسرة في ايران، كما انها خسرت دول المنطقة .. ومن غير المنطق أن تحصد دولة عظمى بوسلة اقتناص الفرص نتائج لسياساتها غير المتوازنة .. ولكن موسكو خائفة، على ما يبدو، من زحف المد الطائفي والعرقي إلى داخلها تبعاً لتوصيفات استيقاظ الأصوليات المذهبية والعرقية التي كرسها ( زبيغنيوبريجنسكي ) في رقعة الشطرنج - أوراسيا حين وضع دول الأتحاد السوفياتي المنفرطة أمام خيارين: إما القبول بالأمر الواقع أو الأنتماء الى حلف شمالي الأطلسي .. ولم يكن هذا الدافع الأساس لتهالك موسكو على حماية نظام دمشق سياسياً وعسكرياً، إنما هناك دافع يحظى بالأولوية الأستراتيجية ألا وهو خزين الغاز في المياه الأقليمية السورية، كما يعلن ذلك النظام ويروج له في هذه الظروف .. نظام دمشق مستعد أن يذبح شعبه ويهدم الدولة من اجل هذا الهدف الذي أغرى صاحب القرار الروسي بالأستثمارات في هذا الحقل وبدوافع المشاركة الإيرانية .. أما الدين والمذهب، والممانعة والمقاومة وسياسات اللف والدوران، وحرب الأبادة ضد الأنسانية التي ترتكبها انظمة دمشق وطهران وتابعها نظام بغداد وبدعم روسي .. كل هذا أغطية فاضحة لهذا الهدف .. والمعادلات والأرقام التي اكتشفت وتداولتها شركات عالمية باشرت تنقيباتها تحت علم حكومات ( مصر وتركيا وقبرص واليونان والكيان الصهيوني ولبنان ) منذ نحو اكثر من عقد من السنين كفيلة بأن تصوغ سياسات من شأنها أن تغير معادلات الواقع الجيو- ستراتيجي للمنطقة، على حساب الشعب السوري والشعب العراقي الذي يذبح ويشرد يومياً تحت انظار امريكا وروسيا واوربا والعالم .!!

ملاحظات :

- قد يكون في ذهن صاحب القرار الروسي رسالة أراد إيصالها عند وصوله إلى القاهرة تفيد بأن موسكو الآن في قلب الشرق الأوسط، وها هي تعقد اتفاقيات مع العاصمة المصرية .. ولكن الوجود الروسي لن يتساوى أو يتوازي مع واقع القوى في هذه المنطقة كما يظن البعض .. لماذا؟ لأن موسكو قدمت كتاجر سلاح وليس كسياسة تهدف إلى دعم الشعب المصري وشعوب المنطقة وأمنها واستقرارها .

- حاولت إيران إغراء مصر بالمليارات والخبراء لأدارة المشاريع المصرية المتوقفة والمتعثرة، وبملايين الإيرانيين في ( سياحة دينية ) مقابل رعاية إيران للمراقد المقدسة في مصر وإدارتها من قبل رجال دين إيرانيين، اضافة إلى طلب إيران من ( نوري المالكي ) عرض مد انابيب النفط العراقية عبر الأردن إلى ميناء العقبة ومنه إلى مصر .. ولكن هذا التوجه المغرض قد فشل نتيجة يقظة الشعب المصري، الذي كشف لعبة توغل الطائفية الأيرانية إلى العمق المصري.!!

- وهنا .. هل أن وصول موسكو إلى القاهرة يحمل دلالات ترطيب أجواء الغضب الشعبي المصري حيال طهران، التي لم تكن نظيفة النية في عروضها السابقة، ومدخلاً لقدوم الملالي ثانية تحت خيمة ( بوتين ) وبوجوه جديدة، إلى العاصمة المصرية .؟

- عدم زيارة ( بوتين ) لدمشق هي لخلط الأوراق وتقديم انطباع عدم اهتمام موسكو بنظام دمشق، بعد اربع سنوات من القتل والتدمير والتهجير والمجازر ضد الأنسانية، كما يرى البعض .. هو انطباع بهذا الشكل يبدو غريباً. لأن موسكو ما تزال تقدم السلاح للنظام والنظام يقتل شعبه بالسلاح الروسي .. وما يحصل في سوريا يحصل في العراق .. وموسكو شريك في الجريمة ضد الأنسانية على حدٍ سواء.

- إن الحركة الروسية صوب القاهرة قد تكون بديلاً لدمشق، كما يرى البعض .. ولكن الدافع البراغماتي الروسي له حسبته البعيدة المدى حيث حقول الغاز السوري الثلاثة، التي يروج لها النظام السوري اعلامياً في تسريبات واضحة الأهداف، لن تعالج طبيعة الجريمة، ولا تعالج زيارة ( بوتين ) للقاهرة الأزمة الأقتصادية الخانقة التي تمر بها موسكو نتيجة تدخلها في أوكرانيا وتدهور اسعار النفط وانهيار العملة الروسية .. كما أن اتفاقيات ترميم المصانع المصرية وصفقات السلاح الروسي ( وعرض إنشاء قوة نووية تشكل توازناً رادعاً للقوة النووية الإيرانية في المنطقة ) .. تمثل لعبة روسية إيرانية بإمتياز.!!






الجمعة ١ جمادي الاولى ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / شبــاط / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة