شبكة ذي قار
عـاجـل










هل سأل أحد من العرب نفسه أو وجه سؤالا إلى مسؤول في بلاده عن الحكمة من زج العرب في معركة شاملة تذكر بمعارك الحربين العالميتين الأولى والثانية، وتتم فصولها على أرضهم، حرِصَ من خطط لها هذه المرة أن تلتهب ساحاتها خارج أراضي الدول الكبرى التي تريد المحافظة على البيئة من أي تلوث بدخان المدافع أو قنابل الفوسفور الأبيض واليورانيوم المنضّب، وما هي مصلحة العرب أن يزجوا بأنفسهم في معارك يتحملون تكلفة كل طلعة جوية من دول التحالف وكل قذيفة تلقى على أرضهم وبالسعر الذي تضعه الدول التي أرسلت طائراتها وجنودها إلى المنطقة من دون تخفيضات في التكاليف؟ وهل من مصلحة العرب أن يهبوا مع كل صيحة ليضعوا مداخيل النفط الذي لا يجب أن يستغل إلا في برامج التنمية الاقتصادية والبشرية والعلمية الشاملة في الوطن العربي، الحكومات العربية تفعل ذلك لأنها تحسب كل صيحة عليها ولأنها تظن نفسها متهمة من الغرب بأنها راعية للإرهاب أو أن الإرهابيين ينتمون إلى جنسيتها، فهي تستميت في الدفاع عن نفسها وليس دفاعا عن مصلحة عربية أو إسلامية.


كل المؤشرات والدلائل تؤكد أن إيران تقضم مع كل شروق شمس أو غروبها أراض عربية جديدة ثم تهضمها بشهية عالية، مستغلة انشغال العرب والعالم أو تشاغلهم عن غفلة أو سوء نية وقصد عما يجري في سوريا ولبنان واليمن، فضلا عن إطباق اليد الإيرانية على العراق والعمل الدؤوب على إجراء انقلاب جذري في التركيبة السكانية استنادا إلى خطة قديمة سبق للخميني ومن قبله نادر شاه ثم إسماعيل الصفوي أن باشرها لإقامة صرح إمبراطورية فارسية قومية حاقدة على العرب الذين دمروا إمبراطوريتهم، تبتلع المنطقة وتتوسع وتذهب بعيدا لتطبق على العالم الإسلامي تحت شعارات دينية، ولكن استنادا إلى مفاهيم جديدة تجد لها أنصارا ومؤازرين محليين ينوبون عن إيران في خوض معاركها ويحققون لها أهدافها بأموالهم ودمائهم من دون أن تنفق ريالا واحدا أو قطرة دم واحدة.


لم يكن أحد ليتصور أن بعض الدول العربية حريصة على مدينة عين العرب على الحدود السورية التركية إلى الحد الذي تبذل كل هذه الجهود لحماية سكانها وهي التي نامت طويلا عن معاناة الفلوجة التي تذبح من الوريد إلى الوريد بسكاكين مصنوعة في إيران، ويفتك بها على مدار ساعات اليوم بالبراميل المتفجرة، ولا أظن أننا بحاجة إلى أن نستذكر دروسا عربية قديمة، ولكن درس غزة التي كانت تخنق وتنحر ببطء من جانب الصهاينة، ما زال شاهدا على التواطؤ بين القوى الدولية التي كانت تقف بالمرصاد أمام أية محاولة لكف يد الجزار عن مواصلة جريمته، فالفيتو الأمريكي جاهز ليقطع الطريق على كل من يمني نفسه بالخروج على قواعد لعبة الأمم التي تحبك نسيجها الصهيونية العالمية والمصالح الأمريكية، وبدلا من ممارسة الضغط على الولايات المتحدة لكفها عن مواصلة خططها لتمزيق أوصال الأمة العربية، فإن النظام الرسمي العربي يسارع لتقديم أموال البترودولار، لتكون في خدمة كل المشاريع التي تمنع الأمة من النهوض واسترداد مكانتها التي حددها الله سبحانه وتعالى لها حينما قال "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" فلم تعد خير أمة أخرجت للناس لأنها لم تعد تأمر بالمعروف ولا تنهى عن المنكر وتحول إيمانها إلى طواغيت العصر في البيت الأبيض أو الكرملين أو الإليزيه أو "10 داونينغ ستريت"، ولهذا فقدت صلتها مع الله ومع شعوبها.


اللافت للنظر أن العالم بشرقه وغربه وعرب الجزيرة والخليج العربي لم يحركوا ساكنا إزاء زحف إيران بواسطة الحوثيين على اليمن، ولم تتحرك نخوتهم لنجدة أهل اليمن من أن يرتهنوا للعبة المقايضات الدولية والإقليمية ووضع اليمن في كفة المساومات على البرنامج النووي الإيراني أو مستقبل النظام السوري، أليس هناك رجل رشيد يحسب بدقة أخطار الوجود الإيراني في البحر الأحمر؟ وهل هناك رجل يفكر بعقله وليس بعقل كرسيه وجيبه ويفكر بما ستؤول إليه الأوضاع فيما لو جاء الأسطول الإيراني وأخذ له قاعدة في الحديدة؟ وماذا يحصل لو تكامل الإسناد بين أسطولي إيران في الشواطئ السورية شرقي المتوسط وفي الشواطئ اليمنية على البحر الأحمر؟ وما هو موقف كل مصر والسودان من هذه التطورات الخطيرة التي تهدد الأمن القومي العربي؟ وهل لمصر نية بالسماح لقطع الأسطول الإيراني بالتنقل بين البحر الأحمر والبحر المتوسط عبر قناة السويس؟ وهل فقد البحر الأحمر الآن صفته كبحيرة عربية؟


لا أريد أن أقول بأن ما يجري من حشد دولي لشن الحرب العالمية الثالثة على تنظيم الدولة الإسلامية هو مجرد خطة للتغطية على تمدد إيران في الساحات التي وجدتها الزعامة الإيرانية أرضا بلا بوابين فتمادت في خططها التوسعية، نعم لا أريد أن أقول إن كل هذا الحشد الدولي من أجل أن تفتك إيران بعدوها الحقيقي أي العرب والعرب وحدهم، فللولايات المتحدة أهدافها الخاصة كجزء من استراتيجيتها الكونية، ولكن إيران التي ترفع ليل نهار شعار الموت لأمريكا كانت وبلا فاصلة تؤشر العرب كعدو استراتيجي أول لأنهم حملة الرسالة الحقيقيون وتجد فيهم عائقا عن تسويق نفسها ممثلا عن إسلام القرن الواحد والعشرين، ولكنني أقول إن إيران تستغل الظروف الطارئة لأنها تمتلك وحدة القرار السياسي الذي يحتكره الولي الفقيه حتى لو سمعنا ضجيجا عاليا عن وجود مراكز قرار متصارعة على السلطة، نعم هناك نزاع على السلطة ولكن هدفهم خارج إيران مشترك ولا يختلفون فيه حتى في التفاصيل الدقيقة.


إيران ببساطة تستغل هرولة النظام العربي من دون أدنى تفكير ليضع قدراته في خدمة مشاريع لا تصب في نهايتها في مصلحة العرب بأي قدر من المقادير، لتباشر خططها في ضم المزيد من الأراضي إلى ولاية الفقيه، لأن الأمة العربية ابتليت بحكام لا يحسبون المعادلات السياسية كما ينبغي وكما هي على الأرض ولأنهم لا يمتلكون حرية الرأي والتفكير داخل مؤسسات الحكم بما يعطي هامشا للقرار الصائب أن يأخذ طريقه نحو التنفيذ، وإذا أجروا عمليات رياضية صحيحة في خطواتها فسرعان ما يرتكبون أخطاء مميتة عن سوء تدبير وقصر نظر.


أرجع إلى السؤال الأول ... ما هي مصلحة العرب من هذه المطحنة الجديدة؟ وهل يجرؤ أحد منهم أن يطالب أمريكا يوما ما بإعادة ما أنفقه على هذه الحرب كما فعل مع العراق بعد القادسية الثانية بعد أن اعتبرها قروضا واجبة الدفع وأغرق السوق الدولية بملايين من براميل النفط الزائدة فأدى إلى انهيار أسعاره، على الرغم من أن حرب العراقية الدفاعية ضد العدوان الإيراني كانت بحق الحرب المقدسة الأولى في تاريخ العرب منذ أن حرر صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس في معركة حطين، ومنذ أن نجح محمد الفاتح بفتح القسطنطينية، فلقد صانت هذه المعركة كرامة العرب وطوقت شعار تصدير الثورة داخل حدود إيران ومنعته من مبارحة الحدود، ولو لم تكن تلك المعركة معركة الأمة العربية ضد أعدائها، ومعركة الإسلام ضد حروب الردة الجديدة والبدعة والضلالة التي كانت تظهر من بلاد فارس على مر التاريخ لما تضافرت على العراق بعد النصر كل قوى الشر.


لو أن المال العربي تم إنفاقه بصورة متوازنة على إحداث برامج التطوير، وتقديم المساعدات ولو بشكل قروض ميسرة للدول العربية الفقيرة مثل اليمن والصومال وموريتانيا أو الدول التي تريد النهوض مثل مصر من جانب دول مجلس التعاون الخليجي، بدلا من أن تقف هذه الدول متسولة على أبواب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذين لا يمنحان قروضهما إلا بعد أن يفرضا قيودا مذلة على الدول تمس ما تبقى لها من سيادة، لكان العرب اليوم سادة الأرض كما كانوا، لكن هذه الدول تنثر أموالها على كل الفعاليات العابثة والماجنة وحروب الغير لم تفعل، وإذا قيل لها ساهمي في برامج التكامل الاقتصادي العربي، ولت مستكبرة كأن لم تسمع ذلك، كأن في أذنيها وقرا، فبماذا يبشره الله؟
 






السبت ١٧ ذو الحجــة ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١١ / تشرين الاول / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة