شبكة ذي قار
عـاجـل










 

المقدمة :

الأحداث متسارعة، وردود الأفعال هي الأخرى أكثر تسارعاً مما يتصور.. والأفعال كما نراها متداخلة كلياً في اطار متلازمة إستراتيجية، إقليمية ودولية في آن واحد.. ومن الصعب فصل الحدث الإقليمي عن الحدث الدولي، وهو الأمر الذي يرتب الكثير من المتغيرات، وخاصة الإقليمية على وجه التحديد.. وإن اللمحة الواقعية المتصورة لهذه الأحداث تعطي مدلولات أو مؤشرات لما يمكن أن يكون عليه مستقبل صياغة الواقع الإقليمي إستراتيجياً .. لأن الأحداث هي التي تنسج الفعل في ضوء الإستراتيجيات المرسومة لدى الدول الإقليمية والدولية على حدٍ سواء.

 

دعونا ننظر في ما يحدث في المنطقة ومحيطها القريب والبعيد :

1-  روسيا في شراكة مع الغرب، هكذا هي خطوط التعامل الإستراتيجي على مستوى الدولتين العظميين.. والغرب يشكك في هذه الشراكة بعد أحداث ( أوكرانيا ) ، ويرى البعض أن الحرب الباردة الثانية قد بدأت .. فيما نرى أن الحرب الباردة ليست مستنسخة عن الحرب الباردة الأولى، لأن ظروفها الموضوعية تختلف تماماً، فضلاً عن اختلاف شروطها الذاتية في التكوين والتشكيل على حدٍ سواء.. وسنعرج على هذا الموضوع في مقال لآحق .

 

2-  روسيا تضع أمامها إيران ، وتستخدمها في كل ملفاتها – السياسية والاقتصادية والإستراتيجية، وخاصة ملفها النووي وما يشمله من منشاءات حيوية بنتها روسيا وما تزال لها فيها ديون ثقيلة على إيران .

 

3-  ومن أهم هذه الملفات ( النووي الإيراني ) ، الذي يتعرض إلى عقوبات أمريكية غير جدية، ولم تكن مجدية، لأن لإيران مصدران لخرق هذه العقوبات، أولهما : العراق، وثانيهما : محيطها الإقليمي على أساس الروابط التجارية والمصرفية.. ومع ذلك فأن الملف النووي الإيراني بات في موضع مقايضة روسية- أمريكية ذات بعد إستراتيجي.

 

 4-  روسيا ترى في الـ ( جيو- إستراتيجيا ) الإيرانية واقعاً حيوياً يمثل دولة عازلة ( Buffer State ) من جهة، ومن جهة أخرى تراها لآعباً إقليمياً كبيراً ومراوغاً على مستوى عال بين اللآعبين الآخرين الذين يتقنون قواعد اللعبة السياسية ذات الطابع الإستراتيجي.

 

5-  اقتنصت روسيا الفرصة السانحة فضربت ( أوكرانيا ) ووضعت أمريكا أمام الأمر الواقع .. في الوقت الذي تجد أمريكا نفسها فيه غير قادرة على الرد بما يعادل الفعل الروسي .. عدا العقوبات.. أما زيادة على ذلك، فأن روسيا قد لوحت :

 

أولاً- بتزويد إيران بصواريخ متطورة ( 300- S ) التي تضاهي منظومة ( باتريوت ) الدفاعية من أجل حماية المفاعلات النووية الإيرانية .

 

ثانياً- ومحاولة عقد صفقة قيمتها ( 20 ) مليار دولار مع إيران، أسمتها روسيا ( مشتريات مقابل النفط الإيراني ) .. وهذه الصفقة إذا ما تحققت ستشكل عمقاً إقتصادياً حيوياً يجعل من فرض العقوبات الإمريكية عاملاً غير مؤثر في حدوده المرسومة.

 

ثالثاً- والتلويح الروسي في تصاعد، قد يمتد إلى تسليح إيران مقابل منح الإيرانيين الروس موقع إستراتيجي في ميناء ( بندر عباس ) على الخليج العربي.. وتلك مسألة قد تم طرحها في عام 2011، إلا أنها ظلت تنتظر فرصة الرد المناسب .. وخاصة إذا ما تعرض النفوذ الإستراتيجي الروسي في ميناء ( طرطوس ) السوري على البحر الأبيض المتوسط، إلى الزعزعة الجدية بإنهيار نظام دمشق .. لأن انهيار نظام دمشق سيحل معظم اشكالات المنطقة ويخفف من توترها واحتقانها .

 

6-  روسيا وإيران، أحدهما خلف الآخر في مواقع الدفاع والحماية .. وخاصة روسيا الخائفة من استيقاظ الأصوليات في مجالها الحيوي وفي داخلها، وليس إيران، التي تلعب لعبة القط والفأر المتآلفان مع أمريكا، لإقتسام مناطق النفوذ في المنطقة .. ويبدو أن روسيا باتت تأخذ بوسيلة رسم سياسات سوريا وإيران في المفاوضات التي توزعت على طاولتين..الأولى : الملف النووي الإيراني، في واجهة أممية ( 5+1 ) ، والثانية : في واجهة مشتركة هي ( جنيف 1 و2 وربما جنيف 3 ) .

 

7-  نظام دمشق يستند على دعامتين، أولهما: روسيا، على المستوى السياسي- الدبلوماسي- العسكري . وثانيهما: إيران ، على المستوى العملياتي – تسليح – امدادات بنزين ووقود – نقد اجنبي – عناصر طائفية مسلحة في شكل مليشيات إيرانية وعراقية ولبنانية من الجنوب .

 

8-  النظام الإيراني يرى في العراق وسوريا وجنوب لبنان ( حزب الله ) مناطق ميدانية ( دفاعية ) متقدمة يقاتل عليها .. وكما قلنا سابقاً، هي خديعة كبرى، لأن لا أحد يقاتل إيران، لا ( إسرائيل ) ولا أمريكا ولا العرب.. إنما على العكس فأن إيران هي التي تتمدد باتجاه المنطقة من خلال استراتيجيتها الآيديولوجية ذات الطابع العسكري . وقد يأتي الموقف الأمريكي المهان، من عدم القدرة على الرد على الموقف الإيراني الصلف، بسبب من عدد من نقاط الضعف تقع :

 

أولها-  في الإنهاك الذي تعرضت له أمريكا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، نتيجة غزوها لكل من أفغانستان والعراق، وخاصة الضربة القاسية التي تعرضت لها القوات الأمريكية الغازية في العراق وهزيمتها الفاضحة، التي اعترف بها صراحة قادتها السياسيون والعسكريون على حد سواء .

 

وثانيها-  في المصالح الأمريكية في العراق تحت الوصاية الإيرانية، على الرغم من التوافق الإستراتيجي القائم بين أمريكا وإيران .. وهو توافق قد تكسره إيران حين تتعرض مصالها للتهديد، بأسلوب فرض سياسة الأمر الواقع، ولكن مثل هذه الخطوة تكون عادة محفوفة بمخاطر كبيرة ذات أبعاد استراتيجية وسياسية قد تصطدم بمبدأ كارتر المعروف ( Carter Doctrine ) في منطقة الخليج العربي الحساسة ، والتي تعتبر منطقة مصالح دولية واقليمية مشتركة، إذا بقي هذا المبدأ على قيد الحياة نتيجة للمتغيرات التي حلت بالمنطقة والعالم منذ العقود الثلاثة الماضية .. إذ تفكر أمريكا بإعطاء إيران دوراً نافذا فيها شريطة تراجعها عن تفعيل نشاطها العسكري في الملف النووي.

 

9-  إيران قلقة جداً من تفجر الوضع الداخلي في العراق ( المتزامن ) مع تفجر الأوضاع في الداخل السوري، وهي الأوضاع التي لا تستطيع إيران مجاراتها سوية وفي آن واحد .. فيما يبدو الوضع في الجنوب اللبناني هشاً على الرغم من خطب وتصريحات "حسن نصر الله" الرنانة والطنانة عن الوضع في سوريا وما آلَ إليه الوضع في لبنان، وتطلعه نحو رؤية ( لبنان قوي لكي يتحول هو إلى سياسة بدلاً من المقاومة والممانعة ) ، في الوقت الذي يكون فيه سلاح حزب الله وسياسته هي التي اضعفت الحكومة اللبنانية منذ عقود من السنين، ما دام حزب الله يتلقى توجيهات إيرانية بشأن حركته السياسية ومليشياته العسكرية إزاء مناهضي سياساته من جهة، وتجاه ( إسرائيل ) لغرض تلميع وجهه الكالح ووجه إيران المخادع .

10-  من الصعب على إيران أن تضبط حركة الثورة الجماهيرية في العراق وسوريا والمنطقة، على الرغم من الدعم الروسي غير المحدود لكل من نظامي إيران ودمشق .

 

والخلاصة في هذه اللمحة السريعة للأحداث وردود الأفعال وما هو خلفها ، يمكن أن نتسائل .. ماذا ستفعل أمريكا بعد شهرين، حسب " جون كيري " وزير الخارجية الأمريكي، الذي ألمح إلى أن إيران قد تتمكن خلال شهرين من صنع قنبلة نووية ؟ وماذا ستفعل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ( IAEA ) ؟ وماذا سيفعل مجلس الأمن الدولي ، وماذا سيفعل العرب؟ ..

 واخيراً ماذا ستفعل إيران ؟

 

لا اجابات لهذه التساؤلات في الوقت الحاضر .. حتى تصل خواتيم الأفعال إلى نهاياتها بعد زمن قصير.. هو زمن أيضا قد وضع من أجل الخداع .. أمريكا تخدع، وإيران تخدع ، والروس يخدعون .. والعرب وحدهم المخدوعون ..!!

 

 





الاربعاء ٩ جمادي الثانية ١٤٣٥ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / نيســان / ٢٠١٤ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة