شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

الإعلام قد يكون محايداً، وقد يكون منحازاً، وقد يكون مهنياً يسعى إلى الحقيقة التي قد تكلفه الكثير، حين يمسي بين حالتين :  حالة الصدق وحالة الكذب، فأيهما يختار لكي يستمر ويتسع ويصبح أكثر شمولاً من غيره من الوسائل التي تلامس السياسة أو أحد أوجهها المشرقة أو المظلمة، وبالتالي  هل يستطيع الإفلات من قبضة السلطة أو الخروج عن خانة السلطة الرابعة.؟

 

فالإعلام الذي يتعاطى مع الأحداث ينبغي عليه أن يكون أميناً في إظهار الحقيقة مهما بدت لا أن ينظر إليها من وجه واحد وبعين واحدة، لأن الحقيقة الموضوعية كالهرم لا يجب النظر إليه إلا من كل أوجهه الماثلة لكي تتشكل حقيقته الموضوعية.

 

 وكما للسياسة مبادئ تستند إليها فللإعلام  مبادئ ينبغي أن يسير بهديها ، وإن مبادئ السياسة ومبادئ الإعلام في جذورها وأسسها وأصول نظرياتها ترتبط بالإنسان وحقوقه المكفولة وضعياً وسماوياً ، وترتبط أيضاً بحقوق الشعوب في حريتها وأمنها واستقرارها ومستقبلها .. فالإعلام يفقد جوهر حقيقته حين يخالف مبادئه، فيقتل الحقيقة ويطعنها بالصميم فيمسي عندئذٍ ليس حيادياً إنما منحازاً، وبانحيازه يخرج عن كونه إعلام مهني يسعى من أجل إظهار الحقيقة الموضوعية كما هي دون تضخيم أو تقزيم .. حتى هذا النمط من المهنية لا يجب الركون إليه بصورة تكرس الاعتقاد بأن حياديته كمن يجلس على التل ويرى على مسرح الأحداث جرائم بحق الإنسان والإنسانية ، ويكتفي بالسبق والتوصيف، دون أن تخالجه النزعة الإنسانية التي تقول ( الجاني لا يمكن أن يفلت من العقاب أبداً ) .!!

 

الحقيقة المخجلة، هي أن معظم الإعلام بات أداة في قبضة السياسة لا يخرج عن فلكها وينحاز لها ومن ورائها من مؤسسات وهياكل لسلطات الدول، التي تقوم بالإشراف عليها وتمويلها، حتى باتت الصحافة سياسة تحت مسميات السياسة الإعلامية للدولة ولها هدف خلق الرأي العام وتكييفه على وفق أنماط مناهج السياسة التي يديرها صانع القرار، وإن مفرداتها التي تستخدمها في توصيف الأحداث والموضوعات، تتدفق عليها من مراكز الأبحاث ومطابخ الاستخبارات، بحيث يتم تكييف الحدث على وفق معايير السياسة المحددة والمقننة للتنفيذ الميداني المطلوب .. وكل ذلك يجري من أجل تسويغ الفعل وتبرير مجرياته تبعاً لما تخطط له الدولة وصانع القرار .. ومنها قلب المفاهيم رأساً على عقب وخلط الأوراق بالكذب والتدليس والصفاقة، ومسح حالة وإحلال أخرى مكانها مثل ( أن المليشيات الشيعية قاتلت القوات الأمريكية المحتلة للعراق منذ عام 2003 ) ، والعالم على اطلاع كامل وفي مقدمتهم أصحاب القرار وغيرهم من سياسيين وعسكريين يعترفون بأن المقاومة الوطنية العراقية قد أرغمت جيوش الاحتلال على الهروب من جحيم العراق المقاوم ، فيما تعاونت تلك المليشيات تبعاً لفتاوى مرجعياتها الطائفية الفارسية مع قوات الاحتلال... فهل هناك تدليس ونذالة أكثر من ذلك؟!

 

دعونا نتناول نماذج من هذا الإعلام ونركز على استخداماته للمفردات والهدف منها سياسياً :

1-  قالت وكالة ( رويترز ) للأنباء ونشرته جريدة الشرق الأوسط التي تدعي أنها لكل العرب في عددها الصادر بتاريخ  /5/2013 ، تحت عنوان ( مقتل 43 في إنفجارين عند مسجد للسنة في العراق ) .. ( انتشرت الهجمات التي تستهدف مساجد للسنة والشيعة وقوات الأمن وشيوخ القبائل، منذ هاجمت قوات الأمن اعتصاماً للسنة في بلدة الحويجة، مما أدى إلى اندلاع اشتباكات، وأذكى المخاوف من الانزلاق إلى حرب طائفية شاملة ) . و ( تتزايد هشاشة الأوضاع في العراق، إذ أن الحرب الأهلية في سوريا تسبب توتراً في العلاقات بين السنة والشيعة ) و ( لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم، لكن المتمردين الإسلاميين السنة وجناح القاعدة في العراق صعدوا هجماتهم ) وأضافت رويترز ( مليشيات شيعية قاتلت القوات الأمريكية لسنوات بعد الغزو، الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003، إنها مستعدة للعودة للقتال إذا استدعى الأمر ) و ( فجر انتحاري نفسه يوم الخميس في مسجد شيعي بمدينة كركوك ) و ( في اليوم نفسه انفجرت ثلاث سيارات في أسواق مزدحمة في ضواحي شيعية في شمال وشمال شرقي بغداد ) و ( بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق عام 2011 كان المسلحون يشنون هجوماً كبيراً واحداً على الأقل كل شهر، لكن منذ بداية 2013 صعد تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات السنية المتشددة هجماتهم بما في ذلك هجمات تفجيرية انتحارية كبيرة ) .!!

 

إليكم هذا التصريح من أحد ضباط وزارة الداخلية التي يشرف عليها مباشرة الحاكم الصفوي نوري المالكي :

 

2-  نقلت الشرق الأوسط عن مصدر في وزارة الداخلية العراقية يوم 20/5/2013 قوله ( إن التفجيرات التي تحصل هي بسبب عشرات المواكب التي تجوب شوارع بغداد يومياً، ولا تخضع عملياً للمحاسبة .. إن قضية المواكب هي واحدة من أهم وأعقد ما نعانيه، لأننا في حال فتشنا موكباً، فأن الدنيا تقوم ولا تقعد، بينما كل الدلائل والمؤشرات تؤكد أن معظم عمليات التفخيخ، وما يترتب عليها من تسهيلات، إنما يتم عن طريق هذه المواكب الرسمية الممنوعة من التفتيش ) .!!

 

ألا يعتبر هذا التصريح اتهاماً مباشراً للحكومة العميلة بإرتكابها يومياً عمليات التفخيخ من اجل القتل الجماعي للمواطنين الأبرياء والدفع بالبلاد نحو الكارثة ؟!

 

تفكيك الخبر الذي عرضته ( رويترز ) والذي نشرته جريدة الشرق الأوسط :

 

أولاً- الخط الإعلامي لـ ( رويترز ) يتبنى التوجه الأمريكي- الصهيوني- الإيراني بتكريس مفردات التصادم ( سنة وشيعة ) ، على أساس أن الصراع هو صراع طائفي محض وليس صراعاً سياسيا .

 

ثانياً- لرويترز وغيرها من الإعلام الغربي سياسة ممنهجة على خط تقسيم المنطقة وتفتيتها طائفياً .. وتتمثل بالعزف على وتر السنة والشيعة لتهيئة الأذهان ولفت انتباه الرأي العام العربي والعالمي إلى صراع بين ( سنة وشيعة ) ... وهذه مغالطة فاضحة إذ أن الصراع القائم هو صراع سياسي وليس مذهبي، صراع بين محتل أجنبي وأتباعه من الفرس الذين جاءوا مع المحتل الغازي.

 

ثالثاً- إبقاء نغمة محاربة ( القاعدة ) ، التي تتغذى من الدعم الإيراني والأمريكي، مستمرة ليس في العراق فحسب إنما في باقي الساحات العربية والإسلامية على وجه التحديد، لأنها تعتبر مبدأ إستراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية، سيستمر لعقود.

 

رابعاً- مساواة فعل ( القاعدة ) ، التي هي صنيعة الغرب، بفعل ( المقاومة الوطنية والقومية والإسلامية ) ، التي قارعت الاحتلال وما تزال تناضل وتجاهد من اجل التحرير.

 

خامساً- استخدام توصيف ( المتمردين الإسلاميين السنة، الذين يصعدون من هجماتهم ) ، هو توصيف غير محايد ويخفي متعمداً جرائم السلطة الطائفية في بغداد والمجازر ضد الإنسانية التي ترتكبها يومياً ، في الحويجة وفي ديالى وبغداد وكركوك والموصل وبقية المحافظات .

 

سادساً- تذكر رويترز ( أن مليشيات شيعية قاتلت القوات الأمريكية منذ الاحتلال عام 2003 ) .. وهنا يتم إخفاء الدور الكبير للمقاومة الوطنية العراقية التي وضعت قوات الاحتلال أمام حالة استنزاف أدت في النهاية إلى هروبها من العراق وتسليمه إلى إيران لإدارته بالإنابة وحسب الاتفاقية الأمنية سيئة الصيت، فيما كان لعملاء العملية السياسية دورهم في تكريس احتلال العراق بتعاون وتوافق إيراني أمريكي مشترك.!!

 

ويتضح من ذلك، أن الإعلام الأمريكي والصهيوني باستخدامه لتلك المفردات يكشف عن مخططاته السياسية الرامية إلى تأجيج الصراعات الداخلية طائفياً وعرقياً لضمان السيطرة على مقدرات البلاد من جهة وضمان مصالحه النفطية من جهة أخرى، فيما يظل الهدف المركزي لاحتلال العراق هو إضعافه عن طريق تفكيكه وتدمير عناصر قوته القائمة على وحدة شعبه ووحدة ترابه الوطني.. ومن هذا يتضح أيضاً  أن إضعاف العراق هدف مشترك بين أمريكا والكيان الصهيوني والنظام الفارسي في طهران .

 

والشيء الغريب في مسألة الإعلام العربي، أنه بات ساحة مفتوحة ومغتصبه تعبث فيها الأفكار والمصطلحات والمفردات الدخيلة والهجينة، التي لا يتقبلها شعبنا العربي وهي ضد مصالحه ومستقبله، ومع ذلك يلتزم وزراء الإعلام العرب الصمت إزاء هذا الوباء الذي يتدفق على العراق وعلى الأمة العربية دون أن يجابه بأي وسيلة من وسائل الدفاع عن الهوية القومية العربية والمصلحة العربية العليا .!!

 

 

 

 





الاربعاء ١٢ رجــب ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / أيــار / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة