شبكة ذي قار
عـاجـل










لم يختلف موقف الغرب المسيحي  في العصر الحديث من العرب والمسلمين عما كان عليه في الحروب الصليبية، وربما كان أحيانا اشد مكرا وتعصبا، ونحن لا نتحدث عن مواقف الشعوب والتعامل المباشر بين الأفراد: وكلام الإعلام الظاهر المطمئن عن حوار الثقافات، وإنما نتحدث عن السياسات الدولية والاقتصادية، وما أثبتته الحروب والحملات العسكرية، وما أفرزته من نتائج تثبت أن مخططات النخب السرية لم تنقطع، وأن دواليب التآمر مازالت تدور في الخفاء. أوربا في منتصف القرن العشرين أدركت أن هناك شعورا قوميا بدا ينمو ويتطور بين الشباب العربي، وأن مصر بثقلها تستقطبه وتضطلع بدور الريادة فيه، وهي مؤهلة للنهوض به، فعملت بكل قواها على وقف هذا التيار المتنامي بحروب ظالمة لا تختلف عن الحروب الصليبية.


عام 1956 رفضت أمريكا تزويد مصر بالسلاح فاتفقت مع روسيا على تزويدها بأسلحة متطورة مما أخاف إسرائيل وأثار هواجسها، وكانت فرنسا تعترض على تأييد مصر لثورة التحرير الجزائرية، وما أن أعلن عبد الناصر تأميم القناة ولبريطانيا حصة الأسد بوارداتها، شنت الأطراف الثلاث بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بحجة التأميم حربا برية وجوية وبحرية مشتركة على مصر، هجمت إسرائيل برا وتبعتها فرنسا وبريطانيا جوا وبحرا بعد أن رفضت مصر الإنذار المشترك والانسحاب إلى ما خلف القناة عشرة كيلومترات. هجم الثلاثة بثمانين ألف جندي وألف طائرة ومئات القطع البحرية، محاولين السيطرة على قناة السويس التي حفرها المصريون بعرقهم ودمائهم ولتحطيم بنية مصر التحتية، استبسل المصريون جيشا وشعبا وأعلنوا المقاومة فدفعوا آلاف الشهداء، ولولا موقف روسيا التي هددت بضرب لندن وباريس، وخشية أمريكا من نشوب حرب عالمية مدمرة ما توقفت الحرب، كسبت مصر وعبد الناصر الحرب سياسيا ولكن الحرب ألقت على مصر أعباء ثقيلة أضعفت بنيتها التحتية والعسكرية، واستمرت آثارها سنوات طوال. 


وما كادت مصر تلتقط أنفاسها حتى شنت إسرائيل بالسلاح الأمريكي والأوربي حرب الأيام الستة المدعوة بنكسة حزيران1967، على ثلاث دول عربية مصر وسوريا والأردن، واحتلت سيناء والجولان والقدس، وهُجر الملايين من مدنهم وقراهم الحدودية، وخسرت مصر 80 % من مجمل سلاحها الجوي والبري ومئات الطائرات وآلاف الدبابات، ترى من أين لإسرائيل كل هذه القدرات؟ ومن أوعز لها القيام بالضربة الأولى؟ وكيف سمح لها الاحتفاظ بأراضي الدول العربية التي احتلتها بالقوة عام 1967 خلافا للقانون الدولي، ولماذا لم يحملها مجلس الأمن على الانسحاب حتى اليوم؟


في حرب اكتوبر عام1973، لم يعد للعرب أمام التعنت الإسرائيلي وغطرسته غير الإعداد لحرب ثالثة تعيد لهم ما استولت عليه إسرائيل بالقوة، ونجحت القوات العربية في الجبهتين المصرية السورية خلال الأسبوع الأول من تحقيق مكاسب معنوية ومادية على الأرض، لكن تزويد أمريكا لإسرائيل بجسر من السلاح والطيارين ومعلومات الأقمار أوقفت التقدم وغير موازين القوى، ومرة أخرى استنزفت قدرات مصر والدول العربية الاقتصادية في المجهود  الحربي العربي وتلافي آثار الحرب، وتعرقلت نهضتها وتقدمها، وظلت دولا تمد يدها للمساعدات، وترضخ للسياسات الغربية وضغوطها.  


لم يترك الغرب بلدا عربيا يستقر ويأخذ فرصته للتقدم، أمريكا أسهمت في استمرار الحرب العراقية الإيرانية ثمانية سنوات لإنهاك الطرفين، كانت تدعي صداقة العراقيين، حتى كشفت فضيحة إيران “كيت” تزويد أمريكا لإيران بالصواريخ المتطورة عن طريق إسرائيل لضرب العراقيين، هذه هي سياسة الغرب المتحضر ودهاقنة إيران الكذابين! وفي 1990 استغلت أمريكا الفرصة لتدمير العراق، ومهدت له دخول الكويت وحشدت جيوش ثلاثين دولة لإخراجه منها وكان بإمكانها أن تخرج القوات العراقية من الكويت بالقوة وبخسائر أقل، ولكنها ضربت قواته في الداخل وحطمت بناه التحتية، وبعد أن أجادت رسم سيناريو فرق التفتيش حاصرت العراقيين ومنعت عنهم الغذاء والدواء أربعة عشر عاما، وكبدتهم تكاليف الحرب وخسائرها وتعويضات ظالمة بقصد استنفاد الاقتصاد العراقي لعقود قادمة، وتدمير التماسك الاجتماعي.


صمد العراقيون وتحاملوا على جراحهم وأعادوا بناء ما دمره الأشرار، وجاء بوش الابن إلى الرئاسة وفي نيته شن حرب ثانية على العراق وتدميره، وبالفعل حشد أوروبا واحتل العراق عام 2003 بذرائع كاذبة، فليس للعراق أسلحة دمار شامل، ولا تعامل مع القاعدة، ولا يد له في إحداث سبتمبر، وقد سرحوا فصائل  جيشه وقواته الأمنية وشرطته، وفككوا بنية دولة من اعرق الدول في التاريخ، وتسببوا بتدمير كامل للبلاد، قتل مئات الآلاف، وتهجر الملايين، وثارت الفتن الطائفية والعنصرية، واستفحل الفساد المالي والإداري، وتضخمت السرقات والرشاوى، وسمح لإيران أن تلعب بمقادير العراقيين بأصابعها الخبيثة، ومرت عشر سنوات ومازال الأمن يتراجع والفساد يتصاعد، والعراق يسير نحو الخراب والضياع، فهل هذا موقف إنساني مسؤول لدول  الغرب المسيحي. أم فعل مبيت بسوء نوايا ولغايات في النفس ارتضوها؟  ي الشعلة رئيس مجلس الإدارة

 

 





الثلاثاء ٢٨ جمادي الاولى ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / نيســان / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عمران الكبيسي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة