شبكة ذي قار
عـاجـل










بمناسبة مرور عشر سنوات على غزو العراق واحتلاله من قبل القوة الأعظم في التاريخ يتفادى الغرب تسمية هزيمتها على يد المقاومة العراقية بل ان غالبية المقالات والتعليقات التي نشرت يشير ان هذه الحرب كانت خطأ وأن سبب فشلها هو عدم التخطيط لما بعد الغزو الى غـــــيره من الحجج الساذجة.


أما الدرس الذي لقنته المقاومة العراقية لأكثر من مليوني ونصف عسكري خدموا خلال العشر سنوات على ارض الرافدين ولعشرات من مراكز الأبحاث ولعصابة المحافظين الجدد المهووسين بنشر الخراب والاغتناء عن طريق الحروب وتدمير الدول وبيع الموت فهو تغيير الإستراتيجية العسكرية للبنتاغون بالكامل، بمعنى آخر، ألقاء كل الدراسات والتقارير التي صرفت عليها الولايات المتحدة من خزينتها ومن جيوب مواطنيها لحساب أمراء الحرب والبنوك من المرابين في منذ عام 1992 في سلة النفايات. والدرس الثاني هو أطالة أمد الحرب وبالتالي تكاليفها التي عجلت بأزمة مالية تجر الولايات المتحدة اليوم الى تأجيل إعلان إفلاسها يوما بعد آخر وستقربها لاحقا من الهاوية الانهيار والسقوط بسبب عدم تمكنها من تسديد ديونها ولا حتى تسديد فوائد هذه الديون.


لقد خطب وزير الدفاع السابق روبير غيتس في جنوده قبل ان يغادر منصبه ليقول لهم أنني انصح كل مستشار لرئيس أمريكي قادم بأن لا يحث على حرب مثل حرب العراق او حرب أفغانستان مرة أخرى. وتلى ذلك نشاط واسع وسريع لتغيير استراتيجية الحرب التي اريد لها ان تكون حربا طويلة وصراع لأجيال فصرح الأدميرال ماك رافين بأنه سيكون على الولايات المتحدة التعامل بطرق جديدة ومختلفة للتصدي لأشكال التطرف-المقاومة ويتوجب على قواتنا ووحداتنا الخاصة -وليس الجيش التأقلم مع الأوضاع المحلية في مناطق النزاعات.فقام وزير الدفاع بانيتا الذي خلف غيتس في البنتاغون بأنشاء ‘جهاز الدفاع السري’ أختصاصه فقط ابتداع الطرق الجديدة لمواجهة المقاومات وهو جهاز يعمل وينسق بين الهياكل والمراكز الأستخباراتية الأمريكية ليعزز جهودها في مكافحة أي مقاومة. وتم أقرار إستراتيجية الحروب غير المتوازية والحروب الخاطفة الأستباقية بدل الحرب الأستباقية والوقائية لمهندسي الحرب على العراق.


وتبعا لكل هذه التغيرات تم استبدال وزراء الدفاع والمخابرات والعديد من جنرالات الحرب السابقين آخرهم هو ديفيد بتراوس صاحب عقيدة مكافحة التمرد AntiSurg الذي نجح في تأجيل الهزيمة الأمريكية في العراق بإنشائه قوات الصحوة ولكنه لم يفلح بالقضاء على المقاومة العراقية وقياداتها التي ما تزال موجودة في العراق وبدأ العمل بإستراتيجية تكون حلا جديدا للطريق المسدود أمام الولايات المتحدة لفرض سيطرتها وهيمنتها على العالم وعلى شعوبه وطي صفحة سياسة بوش ورامسفيلد وكل طاقم الجمهوريين ومنظريهم.


لذا تم اختيار شخصيات مدنية وعسكريه لتسيير هذه السياسة في المرحلة المقبلة منهم بالأخص الأدميرال ماك رافين القائد العام لقوات العمليات الخاصة في البحرية الأمريكية الذي كلفه الرئيس اوباما بتقديم تقرير عن كيفية مواجهة حروب المستقبل. واحتوى هذا التقرير الذي يعتبر نقلة عسكرية نوعية في إستراتيجية حروب البنتاغون القديمة والحديثة وانزلاق الجهاز العسكري الى عمليات المخابرات القذرة والسرية ونبذ العمليات العسكرية التقليدية التي ذهبت الى مداها وأثبتت عدم جدواها بالأخص في العراق، على ست عناصر ضرورية لخوض الحروب ضد المقاومة بواسطة فرق مغاوير خاصة تتميز بالمفاجأة والسرعة والسرية والسلاسة ومرونة الغاية والهدف والإعادة والدقة. تنسجم هذه العناصر التي يتضمنها التقرير مع مقاربات البنتاغون لحروبه في المستقبل التي رأينا بداياتها مع نهاية فترة حكم اوباما الأولى.


لقد شرع الرئيس الحائز على جائزة نوبل للسلام القتل العشوائي والجماعي للمدنيين بواسطة الطائرات بدون طيار والمسماة بالدرون وتم استخدامها بشكل واسع في أفغانستان وباكستان والصومال ضد قوة وصلابة المقاومين الذين جالدوا أمام الماكنة العسكرية المتطورة للبنتاغون وأطاحوا بكل حسابات الجنرالات والأدميرالات وقادة الجيوش الأمريكيين والأطلسيين. وقد تطور تصنيع هذه الطائرات تحت حكم بوش الذي لم يشرع استعمالها فشرعها اوباما كخيار عسكري واقتصادي وامني. فطائرات الدرون المزودة بآخر صرعات التجسس والتصوير والتنصت تعوض عن إرسال القوات البشرية التي ربما تتعرض للموت كما ان طائرة من هذا النوع قليلة الكلفة حيث تباع انواع منها بأسعار زهيدة في أسواق السلاح بحسب إحدى المجلات العسكرية الفرنسية.وهي مبالغ تتماشى مع أعادة تنظيم مصروفات القوات العسكرية الأمريكية وتقليل الخسائر في معدات كبيرة التكلفة. ويوجد لطائرة الدرون أنواع وأجيال أخرى كثيرة ولها مواصفات حربية أوسع لاستعمالها في الهجوم والقتل الجماعي وعمليات الاختراق والتجسس ولها ايضا أسعار أغلى وتقنية أدق واكبر.اقتصاديا فإن هذا الخيار يستجيب لمعضلة تعويض الخسائر البشرية من العسكريين التي بلغت كلف تعويضهم ومعالجتهم ألارقام الخيالية نشرتها مؤخرا دراسة أمريكية لجامعة هارفارد. يذكر التقرير الذي أعده ثلاثون أكاديميا وخبيرا بمناسبة مرور عشر سنوات على الغزو ان جملة تكاليف الحرب قد وصلت الى ستة تريليونات استنادا الى أرقام الخزينة الأمريكية وان الرقم السابق الذي نشر وهو أربعة تريليونات لم يشمل التكلفة النهائية التي تتضمن نفقات الرعاية الصحية والطبية والمكافآت للمحاربين القدماء الذي تسبب النزاعان في إعاقتهم وهي تصل الى تريليوني دولار. وحول المصروفات العسكرية فقد صرحت ليندا بلايمز الأستاذة في جامعة هارفارد بأن الولايات المتحدة ستواجه تخفيضات في المصروفات العسكرية والدبلوماسية وفي برامج الأبحاث والاستثمار على المدى البعيد ولعقود قادمة بسبب تكاليف هذه الحرب.


بفضل المقاومة العراقية البطلة، بتضحيات الشعب العراقي في فلوجة الرجال أنهار حلم جون ماكين في البقاء قرنا في العراق لبناء شرق أوسط كبير وبناء الإمبراطورية التي توهم مرابو المحافظون الجدد انها ستتوجهم سادة على العالم في حكومة عالمية، بل ان بطولة ابناء الرافدين ومقاومتهم قد شحذت العزم في شباب العرب وكرست أيمانهم بالنصر على الاستعباد والظلم والتبعية للولايات المتحدة ولحلفها الأطلسي فقاموا بالثورة على الحكام التابعين بدل ان يخضعوا لثقافة سوق بيع الأوطان والإنسان والقيم مقابل الدولار. بمعاول الشجاعة والإرادة والعزيمة حطمت المقاومة العراقية بكل فصائلها وخاصة جيشها العراقي الوطني مشروع احتلال العراق وبددت مخططات الولايات المتحدة في استعمار الشرق الأوسط وشعوبه لتتألق من جديد وتتوهج ولأجيال عربية ناهضة فكرة الدفاع عن الوطن والأرض، عن الهوية والدين والقيم والحرية والإنسان ضد الطغيان والعبودية والاستعمار.


يقول العسكريون ان الانتصار في الحرب هو تحقيق الأهداف التي من اجلها شنت هذه الحرب لكن تغيير الإستراتيجية العسكرية وتغيير طواقم الدفاع والمخابرات والاستخبارات ونهج الخصخصة المتسارع أكثر وأكثر لتقليل كلفة الحرب وحتى اعتماد حروب حديثة وذكية مثل السيبرنت -ورغم كونه تأقلما ومرونة وسرعة ومهارة في مواجهة الخصم- فهو اعتراف صارخ بالفشل في عقيدة العسكري الأمريكي التي لا يمكنها ان تنتصر أبدا لأنها عقيدة ظالمة هدفها الموت والقتل والنهب والاستعباد من اجل حفنة من المليارات تربحها شركاتها مع الهيمنة على خيرات وثروات وعمالة الشعوب الأخرى.


سيسجل للمقاومة العراقية هذه اللحظة التاريخية للانتصار التي أجبرت أقوى قوة في تاريخ البشرية على قلب إستراتيجيتها رأسا على عقب وحيرتها لسنوات في إنهاء هذه المقاومة التي حاربت ليس فقط من اجل العراق بل من اجل العالم حتى أصبحت مدينة الفلوجة وبطولاتها على كل لسان من اليابان الى فنزويلا. بعد سنوات من دحر المقاومة العراقية الباسلة لجيوش إمبراطورية الموت والنهب والخراب يتطلع الشعب العراقي الى استرجاع أرضه ودولته وكرامته وحريته من وكلاء نصبهم المحتل شرطة عليه فهل قليل على من دحر الجيش الأمريكي ومعه أكثر من دولة تباعا ان يغتنم هذه الفرصة اليوم وبهذه المناسبة ليهدي لشعبنا العزيز الذي طال ظلمه وعذاباته جبهة سياسية تتوحد فيها كل الأفكار والتيارات في هدف سام واحد هو شعار تحرير العراق من الاحتلال وما نتج عنه من دستور ملغوم وبرلمان مشوه وانتخابات مزورة وعملية سياسية خرقاء ؟.







الاربعاء ٢٢ جمادي الاولى ١٤٣٤ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / نيســان / ٢٠١٣ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ولاء السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة