شبكة ذي قار
عـاجـل










بقدر ما كان سركوزي الرئيس الفرنسي السابق مستعجلا ومتحمسا أشد الحماس لضم فرنسا بشكل كامل الى القيادة العسكرية لحلف الأطلسي والإذعان الكامل للسياسة الأميركية على عهد بوش وخاصة في حروبها غير الشرعية وغزوها للعراق وأفغانستان وإعادة رسم خريطة للمنطقة تحت أسم الشرق الأوسط الكبير والدعم اللامتناهي للكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، وهو ما فعله حال تسلمه للرئاسة قبل خمسة أعوام، فأن الرئيس الجديد فرانسوا هولاند قد صرح خلال حملته الانتخابية بأن عودة فرنسا الى قيادة الناتو لم يكن لها أي منفعة مقنعة.


فهل سيقوم فرانسوا هولاند باسترجاع قرار فرنسا العسكري الذي فقدته لصالح الناتو مع سركوزي؟
ورغم أن فرانسوا هولاند هو أحد أعضاء المؤسسة الفرنسية الأميركية FAFمثل عدد من السياسيين الفرنسيين فقد بدا وتصرف بأنه رئيس يريد ان يعيد لفرنسا مكانتها وخطها الديغولي-الميتراني. ومنذ إعلان فوزه بالرئاسة حرص هولاند على الظهور بمظهر الرئيس العادي ورفض المبالغة والفخامة في الاحتفال بهذه المناسبة على طريقة الروؤساء السابقين وعلى عكس سركوزي الذي لم يتقبل عامة الفرنسيين أسلوبه في الاحتفال بفوزه ولا حفلته مع الأغنياء في مقهى الفوكس بالشانزليزيه. وبينما كانت خطبة سركوزي في فوزه بالرئاسة منصبة على ثلاث أمور هي العودة لحلف الأطلسي والتعاون مع الكيان الصهيوني والإصلاحات الحكومية التي خلفها بمديونية تزيد على 6,4 مليار، فقد تباحث هولاند مع المستشارة الألمانية ميركل التي كان سركوزي يخضع لها بصورة كاملة ليكسب مزيدا من المرونة في التعامل مع الشريك الألماني .


ووعد هولاند الناخبين الفرنسيين المعادين لحروب الولايات المتحدة الهمجية ولآلتها العسكرية حلف شمال الأطلسي وهو يعلم أنهم كثر بالانسحاب من الحرب على أفغانستان وأعاده القوات الفرنسية التي تضاعف عددها مع سركوزي وبطلب أميركي قبل عامين. وقد شاهد العالم اليوم وعبر شاشات الفضائيات وأمام عدسات الصحافة العالمية فرانسوا هولاند يقول للرئيس الأميركي أنه قد وعد ناخبيه بسحب القوات الفرنسية المتواجدة في أفغانستان وهو يلتزم أمامهم بوعده لعودتهم الى وطنهم نهاية عام 2012 وليس نهاية عام 2013 كما أتفق عليه مع باقي دول الحلف.


فهل ان هذا التصريح الذي وضع الرئيس الأميركي في حرج ظاهر بدا على ملامحه هو بداية لعملية فك ارتباط فرنسا مع حلف الأطلسي ومغامراته العسكرية لصالح الولايات المتحدة فقط ؟
هذا التصريح هو عودة صريحة وعلنية ومنذ الأيام الأولى لأعاده مكانة فرنسا ولسياسة خارجية أنحرف عنها الرئيس السابق الأميركي-الإسرائيلي الهوى لم تخدم مصالح فرنسا. وتشكل رغبة الرئيس الفرنسي الجديد في ترك الحليف الأميركي تصدعا في محور دول التحالف في "الحرب ضد الإرهاب الإسلامي" الذي فرضته وتقوده الولايات المتحدة منذ أكثر من عقد. ويسدد هذا القرار ضربة للوجود الأميركي في أفغانستان حاليا ولا يبشر بخير للولايات المتحدة التي تعتبر وجود فرنسا معها في حروبها ضمانة إعلامية هائلة وسند لوجستيكي لا يعوض. فبعد هرب العديد من دول التحالف من مستنقع أفغانستان.وبعد هزيمة سركوزي وعدم ترشح دومينيك شتراوس كان -الذي كان سيكمل دور سابقه في خدمة المحور المعروف- للرئاسة الفرنسية، يرفض الرئيس فرانسوا هولاند الاستمرار بدعم حرب الولايات المتحدة في أفغانستان.


أن هذا التصريح هو إعلان فرنسي صريح بخسارة أميركية للحرب في أفغانستان تجملها هذه الإدارة وتزوقها بتحذلق لغوي فارغ تسوقه للداخل الذي تعصف به الأزمة الاقتصادية التي لن تنجو منها الولايات المتحدة بل ستخرج منها معاقة والى الأبد.


أن خروج فرنسا من قيادة حلف الأطلسي ليست مستبعدة تحت رئاسة فرانسوا هولاند. فقد أكد أنه سيعيد النظر بعد مدة بوضع فرنسا في الحلف وستتم حساب الفوائد والخسائر التي تنالها جراء مشاركتها فيه وجدوى بقائها في ظل أزمة مالية تتهدد فرنسا وأوربا بإفلاس مريع لم يشهده العالم سابقا.


ولهذا فقد أسند فرانسوا هولاند حقيبة الدفاع الى صديقه القديم جان أيف لودريان لكي يعيد النظر بملفات عديدة في ضوء المتغيرات المتسارعة التي تعيشها اوربا عموما وفرنسا وقرب انفجار الأزمة المالية، منها الانسحاب من أفغانستان، فكان إعلان هذا الانسحاب المبكر بعد جولات تفاوضية مع الدول المعنية والإبقاء على عدد معين من المقاتلين -ربما بينهم مرتزقة على طريقة الجيش الأميركي – لتدريب الجيش الأفغاني وتكوين مدربين في المدارس العسكرية وغير ذلك من المهمات التي لا علاقة لها بمكافحة " الإرهاب " المصطلح الذي تستعمله الولايات المتحدة للاستمرار في حروبها في المنطقة.وملف وضع الناتو بعد عام 2014 ودور الجيش الفرنسي وحاجته للتحديث ومسألة الدرع الصاروخي التي لا تتقاسم فيها الولايات المتحدة هيمنتها بل فاتورتها النهائية والتوترات المتزايدة في الساحل الأفريقي مما يهدد المصالح الفرنسية إضافة الى ميزانية فرنسا في الحلف، علما أن فرنسا تبقى الدولة الثالثة على مستوى المشاركة المالية لهذا الحلف ولديها 870 عسكري في مختلف القطاعات. وهي أهم دولة سواء في الحلف او خارجه من "يساعد" الولايات المتحدة في حروبها الحالية. وقد تكبدت فرنسا 83 قتيلا ومئات ملايين اليوروات. وعرفت صورتها في السنوات الخمس الماضية تشوها إعلاميا "مفترضا" و"مصطنعا" لكي يدمر خطها المستقل عن السياسة الأميركية الذي ورثته عن الجنرال ديغول والذي لم يشذ عنه لا الرئيس جيسكار ديستان ولا ميتران ولا الرئيس جاك شيراك وألتزموا بها خاصة إزاء العالم العربي والقضية الفلسطينية.


وربما سيفتح طريق أعادة الأولوية للاستقلال في ميدان السياسة التي يعلنها هولاند لسنوات حكمه الأولى الى الانضمام الى مجموعة دول BRICS التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ويتوقع ان تضم قريبا واحدة من اكبر الدول الإسلامية في العالم أليها وهي اندونيسيا التي لا يستبعدها الرئيس الجديد لضخ الحياة في اقتصاد فرنسا للسنوات المقبلة.فالتطورات السياسية التي يشهدها العالم والهبات الشعبية سواء في المنطقة العربية وأوربا تؤشر الى تحولات جيوسياسية كبيرة تشهدها اليوم أوربا وربما في المستقبل القريب تتطلب أعادة قراءة للتحالفات ورسم خطط جديدة لاقتصاديات الدول.
لقد تركزت حملة فرانسوا هولاند الانتخابية كما خطبته بمناسبة تسلم رئاسة الجمهورية الفرنسية على الأوضاع الداخلية "الاقتصادية" الأكثر إلحاحا وحلولها وكيفية التصرف لمواجهة أزمة الديون التي تعصف بالبنوك الغربية ومنها الفرنسية طبعا والتي لم تعلن "بوضوح" لحد الآن أمام الشعب وربما ستظهر جلية في الأشهر القادمة، فيما يقول محللون اقتصاديون ان فرنسا ستعرف وضعا مشابها للوضع اليوناني والأسباني، وعلى مشكلة البطالة والتعليم الذي يعتقد الاشتراكيون انه تدهور كثيرا في عهد الرئيس المنتهية ولايته. لكن بداية الأيام القليلة للرئيس الجديد كشفت أنه عازم على ان يعود بفرنسا الى تقاليدها وأرثها وبضمنه الديغولي بعد خمس سنوات من الإمعان في تحطيمه وتشويهه والالتفاف عليه.


أن مؤشرات انسحاب فرنسا من أفغانستان والأزمة الاقتصادية الغربية غير المسبوقة تفرض تغييرات سياسية وهائلة اليوم ربما يتوجب ان تجد لها أصداء في العالم العربي حكاما وشعوبا وخاصة في العراق حيث يتطلب وضع إستراتيجية تتلائم مع المعطيات الآنية واللاحقة في الغرب لمواجهة بقاء المحتل الأميركي وخدمه من عراقيين وأعاجم يحكمون من سفارة محصنة عبر مسرح دمى تسمى العملية السياسية لا يستطيع مأجوريها حتى القيام بخدمات بسيطة لشعب العراقي المظلوم. فلا شك ان الرياح التي عصفت بتونس وبمصر ستهبط من ارض الكنانة الى أرض السواد خاصة اذا وضعت فصائل المقاومة الوطنية العراقية البطلة وحدتها في اولويات هزيمة الغزو الأميركي الذي سبق له ان أندحر في 2007.

 

 





الاربعاء٠٩ رجــب ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٣٠ / أيــار / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. ولاء سعيد السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة