شبكة ذي قار
عـاجـل










 

من أجل من ولماذا ؟ طهران مركز التوجيه في قمة بغداد وإرادة الولي الفقيه ستفرض مصلحتها

لا حكمة بتسليم إيران راية العمل العربي المشترك عبر وكلائها في بغداد المحتلة

المالكي سيظهر على حقيقته وسوء النية التي يضمرها للعرب بعد بدء جلسات القمة في بغداد

إيران ترفض أي تقارب عراقي عربي لأنه يضعف مركزهاكقوة مؤثرة في بغداد

سياسة الإحتواء العربية الراهنة لإيران مآلها إلى الإحتواء المضاد

 

يبدو لافتا للنظر أن أكثر الأطراف والكتل والأحزاب من داخل العملية السياسية العراقية ومن خارجها، عداءً للعمل العربي المشترك سواء في إطار جامعة الدول العربية، أو على مستويات ثنائية أو جماعية خارج مؤسسات الجامعة العربية، أخذت تعيد حساباتها على وفق ما يفعل التجار المفلسون، وتبنت شعارا جديدا في العمل مع الدول العربية، في نطاق مؤسسة الجامعة العربية، من دون أن يلامس حقيقة قناعاتها المترسبة في قيعانها العميقة.

 

كما بإمكان المراقب أن يلاحظ أن القوى نفسها وهي ذات التوجهات الطائئفية المرتبطة بإيران، وهي الأشد اعتراضا على عودة العراق إلى حاضنته العربية، كما تجسد ذلك في سلوك عدواني على كل ما هو عربي التوجه، من بداية الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وحتى الآن، وحركة التخلل الناجحة التي قامت بها إيران لفرض هيمنتها على صورة المشهد العراقي بكامله، هذه القوى انتقلت اليوم وبصورة مفاجئة إلى موقف في غاية الحماسة، في تبني خيار عقد القمة العربية الثالثة والعشرين في بغداد، تاركة وراءها أطراف العملية السياسية ذات التوجهات القومية في موقف صعب للغاية، وسط تساؤلات المراقبين من دون إجابات وافية لهذا الانقلاب الدراماتيكي الذي طرأ على مواقفها، وعما إذا كانت قناعات جديدة ترسخت بصورة فجائية؟ أم هي إملاءات إيرانية لحسابات ترتبط بمصالحها المباشرة، وكي تسوّق لقوى احترقت أوراقها في الشارع العربي، فكان لها دورها المؤثر في تغيير موقفها المعلن، بصرف النظر عن ملامسته للقناعات الحقيقية من عدمها.

 

إن المراهنة على ربط العراق بنظرية الولي الفقيه وعزله عن بحره العربي، لم يكن لها أن تنجح على المدى البعيد، بسبب حواجز كثيرة منها التميز القومي وترسخ الأفكار القومية على مستوى الشارع العراقي، ومنها أن هذه النظرية لم تستطع اثبات مصداقيتها وتعبيرها عن هموم المجتمع الإيراني نفسه، والمنقسم على نفسه بسببها، بل أن المؤسسة الدينية في إيران تعيش اختلافات جوهرية حول هذه النظرية التي فرضها آية الله الخميني بقوة السلطة الرسمية للدولة الإيرانية، وليس بقوة الحجة والإقناع الذي يتيحه باب الاجتهاد المفتوح في المذهب الجعفري، ويبدو أن الطبقة الحاكمة في العراق والتي تنتمي إلى تحالف مدعوم من إيران، توصلت إلى مؤشرات بشأن الخيارات المطروحة، عما إذا كانت القطيعة مع الوسط العربي يعد الخيار الأمثل أم يجب تبني توجه التصالح مع الأمة العربية، على ما في ذلك من تأكيد على خطل الخيارات التي حاولت السلطة الحاكمة في العراق فرضها طيلة تسع سنوات ولم تفلح، ومع ذلك يمكن افتراض أن هذا التحول لم يكن على صعيد الفكر بقدر ما جاء تعبيرا عن مصلحة إيرانية، لتنفيس حالة الاحتقان الداخلي وما يعانيه الشارع الإيراني من أزمات خانقة بسبب الحصار الذي يضيق مع الوقت على رقبة الاقتصاد الإيراني.

 

هذا لايعني أن الطبقة الحاكمة في العراق تعيش حالة انسجام وتطابق في المواقف، فلا تعدم الظروف من وجود قوى متنورة حتى إذا كانت مصالحها الآنية لا تسمح لها بالتعبير عن قناعاتها بصورة علنية، وترى في مواصلة النهج المعادي لعودة العراق إلى الرابطة القومية، انتحارا سياسيا للعراق أولا ولتلك القوى نفسها، ولن تتمكن إيران الولي الفقيه من تخطي صعوباته المستحكمة على تحالفاتها الإقليمية التي نجحت في إقامتها بعد أن أخرج العراق من المعادلة الإقليمية والقومية.

 

 وبعد إخضاع الملف لدراسة معمقة توصل الممسكون بعصا القيادة في التحالف الوطني الحاكم في العراق على ما يبدو، بتواطؤ أمريكي إيراني مثير للفضول والتساؤل عن دواعي هذا الزواج بين النقيضين المفترضين، اتخذ قرارا على أعلى المستويات لممارسة المرونة السياسية فيما يتصل بالملفات المثيرة للجدل الساخن على مستوى علاقات العراق العربية، فمن المعروف أن إيران ترفض أي تقارب عراقي عربي، قد يضعف مركزها كقوة مؤثرة في المسرح السياسي العراقي، أو يحد من طموحها في البروز كقوة إقليمية لها القدرة على اختزال أدوار الآخرين.

 

الرقبة العربية تحت نصل السكين الإيرانية

 

على الرغم من عدم توفر الحد الأدنى المطلوب سياسيا وأمنيا لانعقاد مؤتمر القمة العربية في بغداد التي تشهد تفجيرات لايمكن توقع مكان وقوعها، فإن تبني عقد القمة من قبل التحالف الدعوم إيرانيا، ربما يبدو دليلا على أن تلك القوى التي تتخذ من الإسلام السياسي منهجا معلنا لها، قد أعادت النظر بمسلماتها الفكرية السابقة، وأعادت النظر بمنظومتها القيمية وعادت إلى مدرسة الفكر القومي العربي، بعد عقود طويلة من صراع دموي بين المدرستين؟ لكن هذه الفرضية سرعان ما تتهاوى أمام الحقائق الميدانية، مما يجزم بأن التقية السياسية التي ينظر إليها على أنها انجيل الثورة الإسلامية الإيرانية؟ هي التي حفزت لهذا الخيار المر، بعد أن ظلت طهران توجه الطعون للفكر القومي وتناصبه العداء منذ أيام نشوئها الأولى، وتنعته بأسوأ ما في قاموسها.

 

على حين يلاحظ المراقب أن القوى ذات الجذور القومية، وكذلك القوى الوطنية ذات التوجهات اللادينية، تعاملت مع الملف برؤية مضادة تماما، حتى بفرض وجود تفاوت بين مواقفها من حيث قوة الرفض، إلا أنها التقت على مبدأ رفض عقد القمة في بغداد، لأن بغداد اليوم تتكلم بلغة غير معهودة بل غير مفهومة على الأذن العربية، ولكن هذه القوى لم تفصح جميعها بنفس القوة عن موقفها الرافض لتسليم الرقبة العربية للسكين الإيراني.

 

إن من يظن أنه قادر على تطويق تحالف حكومة المالكي بإيران، واهم إلى حد بعيد، وسيجد نفسه في نهاية المطاف، وقد أصبح من القوى الممهدة لتوسيع النفوذ الإيراني على حساب المصلحة العربية بالدرجة الأساسية، فالمالكي الذي أبدى مرونة مذهلة وأكثر بكثير مما تريد دول مجلس التعاون الخليجي، فإنه في واقع الحال يفعل كل ذلك وربما على استعداد للذهاب أبعد من ذلك، من أجل ضمان موافقة دول مجلس التعاون الخليجي خاصة على حضور القمة العربية، والتي قد لا تنعقد أصلا في حال رفض الرياض لعقدها في بغداد، ولكن على العرب التعاطي مع هذا الموقف الجديد بكثير من الحذر وعدم التصديق بهذه الأطروحة، لأن المالكي بعد أن تبدأ جلسات القمة سيظهر على حقيقته وسوء النية التي يضمرها للعرب، وبعد أن تختتم القمة جلساتها ستصبح طهران مركز التوجيه وسترتهن القمة لإرادة الولي الفقيه الذي سيقود سفينتها نحو الوجهة التي تخدم مشروعها القومي المغلف بالشعارات الإسلامية.

 

بعد أن لاحظ المراقبون تصعيدا في لهجة الخطاب السياسي الخليجي عموما والسعودي خصوصا، تجاه معظم القضايا العربية والإقليمية وبخاصة بشأن الملف السوري، وفسر ذلك على أنه محاولة لاستعادة دور سعودي قديم، كانت له بصماته الواضحة على الوضع السياسي العربي عموما، يوم كان الوطن العربي منقسما إلى معسكرين أحدهما تقوده السعودية نفسها وخاصة خلال فترة حكم الملك فيصل، والآخر بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر، ولكنه وبعد أن حصلت التطورات العربية التي أعقبت رحيل عبد الناصر، ووصول أنور السادات إلى سدة الحكم في مصر ومن ثم زيارته الصادمة للوجدان العربي إلى إسرائيل، وبعد ذلك نشوب الحرب العراقية الإيرانية كواحد من أهم تداعيات وصول الخميني للحكم في إيران وتبنيه لنظرية ولاية الفقيه التي تعني في أبسط مدلولاتها إخضاع المسلمين كافة لولايته المطلقة عليهم، يفكر نيابة عنهم ويتخذ القرار بمعزل عنهم حتى إذا كانت ذات مساس مباشر بمصائرهم وحقوقهم وكرامتهم، انحسر وانكفأ إلى الوراء، وتوقع المراقبون لهذا التوجه السعودي القديم الجديد، نجاحا مؤكدا بالنظر لغياب كل القوى السياسية المنافسة والبديلة، فالقاهرة مشغولة بتداعيات التغيير السياسي الذي حصل فيها، وسوريا مشغولة بهمومها الداخلية وتسعى قدر طاقتها لتجاوز أحداثها الصعبة، وليبيا انكفأت على نفسها بعد سقوط حكم العقيد معمر القذافي، وها هي تعيش هواجس التقسيم أو الفدرلة أو مخاوف الحرب الأهلية، أما العراق فهو يعيش حالة انعدام وزن يخشى أن تكون مزمنة، متأثرا بما يحيط به من أحداث، حائرا في اتجاه البوصلة التي يسير نحوها، وعما إذا كان عرابها الولي الفقيه، أم العودة إلى الينابيع الصافية لعراق عربي، لا تكدرها حالات التململ أو الضجر الذي ينتاب  فرق التدخل المرتبطة بإيران ولها عشرات الأسماء واللافتات.

كانت حرب الثماني سنوات، قد أعادت خلط الأوراق إقليميا وعربيا ودوليا، وعلى كل الأصعدة، مما أربك المشهد العربي نتيجة التداخل في الخنادق، وذهاب أطراف عربية إلى التنصل من التزاماتها بميثاق جامعة الدول العربية، ومضامين معاهدة الدفاع العربي المشترك، بوقوفها الصريح مع إيران بالدعم السياسي في المحافل الدولية، بل وعرقلت حصول إجماع عربي بالوقوف مع العراق، في مختلف المؤتمرات التي عقدت على مستوى القمة أو وزراء الخارجية، وبادرت لتقديم أحدث أنواع الأسلحة لإيران بما فيها الصواريخ، مما أوشك أن يحدث اختلالا في موازين القوى في ميادين القتال، ودفع بالمواطن العراقي إلى طرح تساؤلات مريرة عن المصداقية التي تطرحها بعض النظم العربية عن تبنيها للشعارات القومية، وهي تصطف في معركة تستهدف الوجود العربي من أساسه في العراق، وعن جدوى تبني الشعارات القومية، حينما يصبح العراق أكبر ضحاياها، لعدم التزام الدول العربية الأعضاء في الجامعة العربية بها.

 

 إن حرب شعار (تصدير الثورة الإسلامية) أي الحرب العراقية الإيرانية، الذي أريد له أن يبدأ مشواره الطويل من العراق ليبسط أجنحته الكارثية على الخليج العربي، ومنه إلى بقية أنحاء الوطن العربي، أدى إلى إنقسام حاد في مواقف الدول العربية، وكان يمكن للمراقب أن يلحظ بسهولة أن النظم التي كانت ترفع شعارات قومية متشددة أدت إلى إحداث شروخ في الصف العربي، هي التي وقفت إلى جانب إيران ضد بلد مؤسس للجامعة العربية وعضو فاعل فيها، وأن الدول التي لم تكن قد سعت لركوب هذه الموجة، قد وقفت بوجه هجمة فارسية شوفينية مغلفة بألوان العلم الجديد للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وربما كان ذلك انطلاقا من دفاعها عن نفسها وأمنها القومي، حسنا متى كان الفكر القومي معزولا عن المصلحة المشتركة لجميع الأقطار العربية، ومتى كان الفكر القومي نزيل الأبراج العاجية، أو مجرد أغاني ثورية تذاع من الراديو على مدار اليوم، ولتنسف الأمن القومي من مرتكزاته؟

 

وإذا كانت الاصطفافات التي رافقت حرب الخليج الأولى، قد تميزت بوقوف عربي شيه جماعي ضد إيران، فإن خلطا رهيبا للأوراق قد حصل في حرب الخليج الثانية بعيد دخول القوات العراقية للكويت، وأصبحت المنطقة على مفترق طرق، بدأت تدفع فواتيره من سيادتها واستقرارها السياسي منذ عام 2003 لصالح إيران التي كانت الطرف الوحيد الذي حصد أكبر المكاسب من الاحتلال الأمريكي للعراق،  واندفعت الدول التي وقفت ضد العراق في حرب الخليج الأولى، في توظيف اللحظة القلقة من المشهد العربي ورمت بكل ثقلها ضد العراق، ليس دفاعا عن الكويت أو دفاعا عن استقلالها، أو تضامنا مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي الأخرى، وإنما في تفريغ مشاعر قديمة ظلت حبيسة الصدور ضد العراق وقيادته، وها هي اليوم وعندما تتعرض عروبة الخليج لأخطار المشروع الإيراني، فإنها لا تستعيد جزء من مواقفها المتضامنة مع عروبة الخليج واستقراره، وإنما تنحاز إلى جانب إيران.

 

ملفات فوق الخلافات

 

في تاريخنا العربي المعاصر تبرز على السطح كثير من الظواهر السلبية والمؤدية إلى صراعات ونزاعات حادة إلى حدود بعيدة، ولكن المراقب المتفحص يستطيع استخلاص القليل منها الذي يرتبط بقضايا الوطن أو الأمة، ولو أننا حاولنا التعرف على أسباب التأزم في العلاقات العربية، والتي تصل في أحيان كثيرة إلى حد القطيعة والصدام، فسوف نجد أنها ترتبط بالمواقف المتقابلة من زعماء الدول، أو لطبيعة الممارسات السياسية التي ترسمها مصالح الدول، أو مواقف دول بعينها تجاه ملفات تعود لدول أخرى، وقليل منها يعود استنهاضا لموقف قومي يأبى المس بالسيادة الوطنية، أو بالانتماء العربي لهذا البلد أو ذاك، وكي ننتقل من التعميم المبهم، إلى التخصيص الواضح، يمكن أن نعرض قضيتين تتعلقان بعروبة العراق وعروبة البحرين، فقد كان من الحيوي الوقوف إلى جانب العراقيين في تصديهم للاحتلالين الأمريكي والإيراني، والأخير أخطر بكثير، فالاحتلال الأمريكي مآله إلى زوال مهما طال عليه الزمن، أما خطورة الاحتلال الإيراني فتأتى من  التداخل في الخنادق وربط الأمر بالجامعة الإسلامية، وما يرافق ذلك من حملة واسعة لتزييف الشعارات وتقديم الاحتلال كوجبة سريعة قابلة للهضم مع قليل من التوابل، لقد طرح ساسة عراق ما بعد الاحتلالين، طرحوا الإسلام كقوة متصادمة مع العروبة خصوصا ومع الفكرة القومية عموما، وتبنوها لأنها بضاعة مستوردة من إيران، ونشطت القوى المتحالفة معها أو الخاضعة لمركز التوجيه فيها لتسويقها على على مستوى الشارع العراقي فقط وإنما زجت بقدرات العراق في إعطائها قوة دفع على المستوين الفكري والتطبيقي، مع أننا نرصد أن صهر القوميات التي تعيشس في إيران وسحقها من قبل الفرس، يتم بصورة منهجية وعنيفة ودموية ويتم توظيف الإسلام لقهرها ومنعها من المطالبة بأبسط حقوقها.

 

 وكذلك الحال بالنسبة للبحرين، فقد أوشكت أطراف عربية على بيع هذا البلد العربي العريق لإيران في سوق المساومات السياسية، مفضلة علاقاتها بإيران على الخيار القومي الذي يؤكد على عروبة البحرين أولا، على الرغم من أن الأطماع الإيرانية بالبحرين ليست ضربا من التوقعات الخيالية التي يطرحها خصومها أو تحليلا سياسيا عابرا، بل هي أطماع معلنة ومن أعلى المستويات في هرم الزعامة الإيرانية الدينية والسياسية والعسكرية، ولما اصطدمت هذه النوايا المريضة، بوعي الشعب البحريني، حركت إيران أدواتها المحلية تحت شعارات لا رصيد لها في الشارع الذي تطرح نفسها على أنها ممثلة له.

 

إن وتيرة الخطاب السياسي الأخير لدول مجلس التعاون الخليجي، قد تبدو وكأنها قطيعة مع أساليب التريث والانتظار التي ميزت السياسة السعودية خاصة، ويبدو أنها محاولة لرسم خارطة طريق جديدة تتكافئ فيها المكانة السياسية لدول مجلس التعاون الخليجي المنتظرة، مع المكانة الاقتصادية القائمة حاليا فلا يستقيم أن الجميع يتذكرها عند الأزمات الاقتصادية ويطلب منها الإعانات والقروض، وفي الوقت نفسه يسعى لعرقلة صعودها السياسي ويناصبها العداء تحت لافتات شتى.

 

هذا التصعيد أخذ مساحة كبيرة من اهتمام المراقبين السياسيين والصحفيين، واحتل جزء مهما من صورة المسرح السياسي الإقليمي والعربي، وربما سيكون بوسعه التأثير على سياسات الدول الكبرى وخاصة دول الفيتو في مجلس الأمن الدولي،  والتي ما تزال تتعامل بفوقية مع الدول العربية النفطية، وهذا ناجم أصلا من عدم قدرة دول النفط على توظيف كل ما هو متاح بيدها من أسلحة خارقة، تستطيع عبر استخدامها الاستخدام الأمثل من التحكم بكثير من القرارات الدولية، سواء على المستوى الفردي للدول أو الجماعي للمنظمات الدولية الكبرى كالأمم المتحدة، أو المنظمات والتكتلات الإقليمية كالإتحاد الأوربي وحلف شمالي الأطلسي.

 

من غير المشكوك فيه أن المراقبين المهتمين بشؤون المنطقة، تلقوا بارتياح بدايات التحرك الجديد لدول مجلس التعاون الخليجي سواء ما يتصل بالتصدي لسياسات إيران، ومحاولاتها فرض نظام سياسي عربي رسمي مفرغ من مضامينه القومية، ويكون الصدى التلقائي لما تقوله وتريده إيران، أو ما يتعلق ببلورة موقف عربي واحد في المحافل الدولية، ولكن هذا ليس معناه أن الدول الكبرى يمكن أن تشاطر دول الخليج نفس الحرص أو زاوية النظر لما يطرأ أمامها من قضايا، بما في ذلك التعامل مع الملف الإيراني بكل صفحاته سواء محاولاتها فرض الهيمنة الكاملة على القرار العربي والإقليمي، أو برنامجها النووي خصوصا والذي ما زال معروضا على مراكز الدراسات الاستراتيجية ومجالس الأمن القومي، لتحديد أقل الخيارات كلفة في التعامل معه.

 

من المعروف أن الدول الكبرى لا تريد أن توظف جهودها كي تصب في نهاية المطاف في مصلحة أي طرف آخر بما في ذلك من يعتبرها صديقة أو حليفة لها كالطرف العربي، وليس من الحكمة أن تنتظر دول النفط في الخليج العربي، أن هناك من هو على استعداد للقتال عنها بالنيابة إذا ما تعرض أمنها القومي لأي تهديد خارجي أو إقليمي، وما حصل عام 1991 كان فلتة حظ لن تتكرر أملتها مصالح الغرب بالدرجة الأساسية وخاصة بالتخلص من النظام الوطني العراقي.

 

إن الموقف داخل مجلس التعاون الخليجي ليس واحدا باستمرار، وربما هو ليس واحدا على طول الخط، بسبب التباين في وجهات النظر إلى القضايا السياسية والاقتصادية والشؤون العسكرية، وكذلك إلى نوعية العلاقات التي تربط بعض دول الخليج العربي بمركز الخلاف، أي بإيران، فعلى سبيل المثال ظلت سلطنة عمان تحتفظ بعلاقات متميزة مع إيران في عهد الشاه، وصلت حد إرسال قوات لمواجهة ما كان يعرف بثورة ظفار، وحينما سقط الشاه وسحبت إيران قواتها من هناك، لا أحد يعرف كيف تمكنت عمان من إعادة تأهيل علاقاتها مع نظام آية الله الخميني، بل كيف استطاع الخميني وهو المعروف بأنه لا ينسى من تعاون مع الشاه أو أن الشاه تعاون معه، أن ينسى مواقف سلطنة عمان ويصفح عنها بهذه السرعة، ولتعود العلاقات الدافئة بين طهران ومسقط إلى حميميتها السابقة، بحيث ظلت مسقط وتحت لافتة عدم الدخول في أزمات خارجية، تحتفظ بأعلى مستوى من العلاقات مع طهران، حتى عندما كانت جميع دول مجلس التعاون الخليجي تتخذ موقفا ما بشأن قضية من القضايا الدولية أو الإقليمية، كانت سلطنة عمان تغرد خارج السرب الخليجي.

 

هذا التباين الحاصل في مواقف دول مجلس التعاون الخليجي، والذي تمثل في تمييع المقترح الذي تقدم به العاهل السعودي لتحويل المجلس إلى اتحاد خليجي، تعبيرا من السعودية عن احساس حقيقي بحجم التحديات التي تواجه الخليج العربي، بعد أن أضيفت إلى قوة إيران قدرة العراق الرسمية والمحكوم بصورة مباشرة من قبل قوة القدس، وهو أي العراق يسعى هذه الأيام بقوة السلطة والمال السياسي، من أجل أن يمد الحدود الإيرانية إلى كل الحدود الشمالية للمملكة العربية السعودية مع العراق، بعد أن يسلخ أجزاء استراتيجية من محافظة الأنبار ويضمها إلى محافظة كربلاء ويضعا تحت تصرف المليشيات المرتبطة بقوة القدس لتهديد الأمن السعودي وتهريب الأسلحة والمخدرات، وتطويق السعودية بحزام الفتن الطائفية، من كل الجهات.

 

لكن الموقف الخليجي الجديد، ترافق مع مرونة مفتوحة النهايات بشأن المشاركة في القمة العربية المقبلة في بغداد والمفترض عقدها نهاية هذا الشهر، وربما كانت وجهة النظر الخليجية تستند على محاولة أخيرة منها لسحب العراق إلى أسرته العربية، بعد تسع سنوات من اتجاه منحرف نحو الشرق لبوصلته السياسية والتاريخية، غير أن سياسة الاحتواء هذه ستصطدم بالعقلية المناورة التي تسعى لسحب الدول العربية إلى النقطة التي تريدها إيران، ويمكن الاستدلال على ذلك من من اللغة التصالحية التي طفت على سطح نوري المالكي مؤخرا، وهي قطعا لاتعكس حقيقة موقفه السياسي والمبدئي في المفاضلة بين تحالفاته، فقد اختار إيران على العرب جميعا، ولم يطرأ أمر يستدعي بالنسبة له إعادة النظر ببرنامجه السابق،  إن اللغة الناعة التي تحدث بها المالكي لجريدة عكاظ السعودية، لا تعكس حقيقة نواياه وقناعاته، بل هي جزء من نهج فيه من التقية السياسية، أكثر مما فيه من صدق النوايا، وهو يظن أن هذا السلوك المفاجئ هو الثمن الذي لا بد من تقديمه لضمان عقد القمة العربية في بغداد، كي يمسك بقواعد العمل العربي المشترك لمدة عام على الأقل، وسيعطل خلالها أي توجه قومي يمكن أن يتقاطع مم قناعاته السياسية ومع الاستراتيجة الإيرانية.

 

ومع أن القرارات السيادية تخضع عادة لمزيد من الدراسات والبحث المعمقين، إلا أن لغة المسؤولين في عراق الاحتلال، ليست مما يدعو إلى الاطمئنان بأي حال، وليس من الحكمة أن تسلم لإيران راية العمل العربي المشترك، عبر وكلائها في بغداد المحتلة.

 

 





الثلاثاء١٢ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٦ / أذار / ٢٠١٢م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة