شبكة ذي قار
عـاجـل










تمرّ على الشعب في هذه الآونة حوادث سياسية تضطره الى أن يزداد واقعيّة ويزداد يقظة وحذراً من الاستسلام إلى الأحلام المريحة. وهو يقترب يوماً بعد يوم نتيجة لهذه الحوادث التي تمرّ عليه من مجابهة الحقائق القاسية والتعرف على مشاكله وإدراك مدى صعوبتها وعمقها، و بالتالي يقترب من معرفة الحلول التي يمكن ان تنجح. وهذه الحلول لن تكون ناجحة شافية اذا لم تكن بدرجة عمق واتساع وخطورة المشاكل نفسها.


البعث العربي أمل الأمة

هذا بوجه عام، أما فيما يخص موقف حزب البعث العربي من هذه الحوادث والاضطرابات فمهما يكن رأيه واجتهاده وتحليله، والموقف الذي يتخذه منها، فهناك حقيقة لا غنى للحزب عن أن يدركها ويتمسك بها على أنها الحقيقة القوية الثابتة التي هي مقياس كل الحقائق الأخرى والتي يجب ان تكون مرجعه في كل شيء. هذه الحقيقة هي أن حزب البعث العربي الصخرة المتينة الوحيدة في وسط هذا البحر الهائج أو هذه الرمال الواهية المضطربة، وأنه بقدر ما يحتفظ بمكانته وتماسكه وفعاليته وقدرته على إدراك الحوادث والتأثير فيها، يستطيع ان يضمن للبلاد أملاً حقيقيّا ًبالتدرج نحو الخلاص. فكل شيء ما عدا هذا الحزب بفكرته وبأشخاصه العاملين حسب هذه الفكرة نستطيع ان نحكم عليه بالعقم والبطلان والكساد. فإذا كان في البلاد نقطة ارتكاز مهما تكن صغيرة، شريطة ان تكون حيّةً متينةً قابلةً للنمو عندها لا يبقى أي مبرر لليأس والتخاذل. فإذا جاءت الأحداث على أحسن ما يتوقع المخلصون ملائمة للمصلحة العامة وموافقة للرغبات، ولم تكن في البلاد قوة واعية مضمونة الإخلاص قد توفرت لها الشروط للعمل، ما قيمة هذه الأحداث اذا جاءت على هذا النحو ما دامت الفرص ستذهب سدى ولن يستفاد منها كقوة تستخدم لمصلحة البلاد وخيرها.


أهداف العرب في أيد مأجورة

لقد اتضح في هذه الآونة أكثر من أي وقت مضى بأن الأهداف القومية المقدسة، أهداف العرب التي يجب أن تنبعث في صميم كل عربي وتكون مدار حياته ونقطة التجمع والتركز لجميع جهود العرب، لقد اتضح بأن هذه الأهداف قد تناولتها الأيدي المأجورة المحترفة وشوّهتها وجزّأتها، وجعلتها ذرائع لغير المقاصد الحقيقية منها وشعارات لمصالح ليست غريبة عن البلاد فحسب بل معادية لها، ولم يعد النزاع اليوم بين العرب، كما كان قبل حين، بينهم وبين الاستعمار على حقّهم في الحرية والسيادة وإنما انتقل النزاع الى مرحلة أخطر، وارتدى ثوباً مموّهاً فصار النزاع بينهم وبين بعضهم، أي أن قسماً منهم أو أقساما قد تبنّوا المصالح الاستعمارية وألبسوها بأسماء قومية. وهكذا اصبح النزاع في الظاهر على الأهداف القومية التي تخفي وراءها مصالح ومآرب عدوانية. كنا نحارب الفرنسيين لأنهم احتلوا البلاد وكنا نعرف أن العرب يحاربون الإنكليز للسبب نفسه، فالمعارك مستمرة بين طرف وطني وطرف أجنبي لا لبس فيها ولا خفاء. أما الآن فالنزاع على الوحدة والإتحاد وعلى الجمهورية والديمقراطية وعلى الحرية والسيادة بين العرب أنفسهم، او بكلمة أصح وأكثر إنصافاً يجري النزاع على أيدي فئات محترفة باعت نفوسها وضمائرها للأجنبي، وهناك من يريد تحقيق المصالح الاستعمارية عن طريق الدعوة للوحدة والجمهورية والحرية، وهناك حكومات عربية ملكية تناصر الجمهورية في سوريا وأخرى تستسلم للأجنبي ولكنها تدّعي إنها تحمل لواء الوحدة والإتحاد. فعلينا ان نترفع عن هذه المنازعات التي لا تمت الى حقيقة القضية القومية بصلة، وإن سميت باسمها واتّخذت لها ألفاظاً عربية وتسميات اشتقت من الأهداف القومية، ولكنها في الواقع أجنبية.


علينا أن ننظر الى هذه الأمور من عل، وأن ندرك ما فيها من خطأ وتضليل، وأن نفهم حقيقة هذه المنازعات وأن نفهمها للشعب حتى لا يذهب ضحية منازعات لا تعبّر عن مشاكله الحقيقية.


لقد عمل البعث العربي منذ نشوئه على الدعوة والعمل للأهداف العربية الصحيحة وكثيراً ما لخصها في ثلاثة: الوحدة والحرية والاشتراكية، وكثيراً ما دخل المعارك الانتخابية وشعاره فيها هو العمل لهذه الأهداف الثلاثة. والبعث العربي قد أدرك حقيقة الأهداف القومية عندما جمعها في هذه المبادئ وأدرك إنها تشكل وحدة تامة. فالعمل للوحدة أمر ضروري طبيعي بالنسبة للعرب لضمان مستقبلهم، كذلك العمل في سبيل الحرية أيضاً، إذ ما قيمة الوحدة ان لم تكن تضم شعباً حراً واعياً لحقوقه قادراً على ممارستها... والمبدأ الثالث الاشتراكية وهو ان يكون في هذه الوحدة شعبٌ حرٌ منتجٌ قادرٌ على الحياة، وتكون لأفراده فرصٌ متكافئة فتظهر قواه وإمكانياته دون عرقلة مصطنعة تفرضها طبقة على أخرى او استثمار داخلي. عندها يُعطي العرب طاقتهم القصوى ويكون مجتمعهم قادراً على البقاء والدفاع عن نفسه.


إننا عندما نتصور حاجة العرب المتساوية الى هذه الغايات الثلاث: الوحدة والحرية والاشتراكية، ندرك بأن هذه الأهداف تتعاون دون ان تتعارض، وتنسجم موحدة، كل منها يساعد الآخر ويمهد له. غير انها أصبحت مجزأة متناحرة على ايدي الفئات السياسية المشبوهة في إخلاصها وفي صلاتها. فالذين يدعون للوحدة يحاربون الحرية والاشتراكية، والعكس صحيحٌ أيضا. فكيف يمكن ان يكون بين أهداف قومية واحدة متممة لبعضها مثل هذا الانقسام والتعارض؟ والأصح هو في ان نقول: ان التعارض هو في الفئات المأجورة لا في الأهداف القومية.


البعث العربي لا يستطيع ان ينظر الى الأمور نظرة سطحية تقليدية مقتبسة من عالم السياسة المملوء بالغش والاصطلاحات المصطنعة والارتجال، لأنه يستمد أحكامه من إخلاصه وتجاوبه مع مصير الأمة، لذلك لن يكون له هذا الموقف السطحي الطائش المشوّه الذي يقفه الآخرون الذين هم تارةً يحاربون هدفاً بحجة الانتصار لهدف آخر، وتارةً يتذرعون بهدف ليحطموا آخر، وهكذا...
 
موقفنا من الجامعة العربية

تذكروا ان حزبنا وقف من الجامعة العربية موقفا سلبياً حذراً منذ تأسيسها فأصدرنا البيانات والمقالات نحذر فيها الشعب العربي من خديعة جامعة الدول التي شكلت لتحول دون الجمع بين العرب ولتلهيهم بجمع كاذب عن حاجتهم إلى الوحدة الحقيقية، ولكي تخدرهم وتبث بينهم الفوارق والتجزئة وتحول دون اي تعاون حقيقي تفرضه مصلحتهم وظروفهم القاهرة.


لقد كانت نظرتنا منذ البدء ان الجامعة العربية هي جامعة حكومات إقطاعية فهي تمثل خطرين كبيرين: خطر الاستعمار الخارجي وخطر الإقطاعية الداخلية، والعرب لا يشكون إلا من هذين الدائين.


فإذا وصلت البلاد الى هذه الحالة المؤلمة من تشتت أهداف العرب القومية تتناهبها الدول الاستعمارية فليس ثمة ما يدعو الى التشاؤم والهلع، بل يجب ان نرى في ذلك سبيلاً إلى تصفية الميدان السياسي من كثيرين من الخداعين الذين كانوا يموهون ويضلّلون، والى ان نكتشف حقيقة الأغراض التي كانت تحرك السياسيين لنحذرهم ونحذر الشعب منهم، فلا نكون أداة مسخرة لمنازعات مأجورة لخارج البلاد ولمآرب غير وطنية.
 

 

 





الخميس١٢ محــرم ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٨ / كانون الاول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زيد احمد الربيعي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة