شبكة ذي قار
عـاجـل










ورقة مقدمة

لنــــدوة المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية

(( مستقبل العلاقات التركية العراقية في ضوء فوز حزب العدالة و التنمية التركي  ))

 

 

 بسم الله الرحمن الرحيم

 

مقدمة قصيرة

 

تحاول الدول المتجاورة في مختلف أرجاء العالم إقامة أشكال متقدمة من التعاون أو التكامل الاقتصادي فيما بينها ، لعوامل مختلفة في مقدمتها أن التعاون الاقتصادي ينعكس بإيجابياته على مجمل الأوضاع السياسية والأمنية بينها ولاسيما الأمن على جانبي الحدود ، وربما تتباين النظم السياسية بين البلدان المتجاورة ، وربما توجد بؤر للتوتر بينها لنزاعات قديمة على ترسيم الحدود أو الثروات أو المياه بعضها تم حله والآخر ما يزال قائما وثالث على وشك الظهور ، ولكن هذا التعاون يجب أن ينظر إليه على أنه حالة منفصلة عن سائر الملفات الخلافية ، أو ربما يجب أن ينظر إليه كواحد من أساليب العمل السياسي والدبلوماسي لحلحلة العقد التي تقف حائلا دون المزيد من التكامل الاقتصادي .

 

وكان لصيغ التعاون الثنائي تأثيرها البالغ في تشكيل تكتلات اقتصادية كبيرة ذات وزن كبير في اقتصاد العالم ، ولكن ايجابياتها بالدرجة الأساس تنعكس على اقتصادات الدول الأعضاء من خلال التعاون في مجالات التجارة والصناعة ورفع الحواجز الكمركية فيما بينها لضمان انسيابية دخول السلع وخروجها بالحد الأدنى من الاجراءات الروتينية ، كما أن حرية انتقال الأيدي العاملة من بلد فيه فائض بالقوى المنتجة مع فرص أقل للتشغيل أو موارد أقل ، إلى بلد آخر محدود السكان ويحتاج إلى المزيد من الأيدي العاملة الماهرة أو نصف الماهرة ويتوفر على مشاريع انتاجية زراعيا وصناعيا لا تتوفر لها الأيدي العاملة الوطنية ، وكذلك حرية انتقال الرساميل ، كل ذلك يمثل أساسا صالحا لتعاون أشمل مفتوح الأبواب على مجالات جديدة باستمرار ، وفي هذا الخصوص تبرز السوق الأوربية المشتركة مثالا للمنظمات الاقليمية الناجحة والتي انطلقت عام 1957 على قضايا محدودة منها ما يتعلق بصناعة الحديد وتجارته ، أو تجارة مشتقات الألبان ، لمنع الحروب التجارية فيما بين الدول الاعضاء ، وتطورت السوق تدريجيا حتى أوشكت أن تبحث لنفسها عن كيان سياسي واحد لمواجهة القوى الاقتصادية الكبرى ، وخاصة الولايات المتحدة والقوى الجديدة الصاعدة في آسيا كالصين والهند وقبل ذلك اليابان وكذلك الاتحاد السوفيتي القديم وروسيا الاتحادية التي ورثت عنه كل التزاماته وأعبائه .

 

التعاون بين العراق وتركيا

 

على الرغم من أن العراق كان جزءا من الدولة العثمانية لعدة قرون ، فإنه عند استقلاله حصل على اعتراف الدولة التركية الحديثة حتى أسرع من اعتراف إيران به كدولة مستقلة ، وترك العراق وتركيا خلف ظهريهما عقد الماضي وما يمكن أن يختزن من أسباب للنزاع ، وربما يمكن القول إن علاقات البلدين  تميزت بهدوء وتواصل أفضل بكثير مما كان سائدا بين العراق وإيران بعد استقلال العراق مباشرة أو بين العراق والكويت فيما بعد ، ولكن هذا الأمر لم يكن وصفة أبدية لعلاقتهما التي أخذت مع مرور الوقت تشهد بعض التوترات حول ملفات شبه مستعصية ، ومن الطبيعي أن يبرز تباين في وجهات النظر أو تضارب في المصالح بين أي دولتين متجاورتين ، ولكن من غير الطبيعي أن يتم تجاهل أسباب هذه الخلافات ، لأن تركها دون بحث عن حلول ناجحة لها يمكن أن يؤدي إلى تفاقمها ودخول أسباب اضافية للخلاف وعلى ملفات مستجدة تستنسخ عن المشكلات القديمة ، فكيف يستطيع البلدان تطوير التعاون المشترك وصولا إلى توفير النموذج القابل للتطبيق في مجال العلاقات الإقليمية ؟

 

التعاون الاقتصادي

 

من ينظر إلى الاقتصاد على أنه المحرك الرئيس للعلاقات السياسية الدولية ، لم يبتعد كثيرا عن التشخيص الدقيق لحقيقة تتأكد يوما بعد آخر وخاصة لدى الدول ذات الاقتصادات الكبيرة في العالم ، وربما كانت الحروب بدوافع اقتصادية عبر التاريخ أكثر بكثير من الحروب التي دفعت فيها البشرية ثمنا باهظا لتأمين مصالح القوى الكبرى ، غير أن العالم ونتيجة لوعي قادة الفكر فيه وتطور مدارك سياسييه ، ونتيجة لما يبذله المفكرون على مستوى العالم ، وجد أن تطمين مصالح أوسع عبر الحوار والتواصل يمكن أن يتحقق بدرجة أكبر بكثير مما تؤمنه الحروب ، التي تترك جروحا عميقة ليس في أبدان المحاربين فقط ، وإنما في نفوس المجتمعات التي خسرت الكثير من أبنائها وفرص تطورها وتترك من الضغائن الشيء الكثير ، وكأي بلدين متجاورين في عالم اليوم الذي يريد صياغة قواعد جديدة للعدل تبنى على أساس التكافؤ ، فإن العراق وتركيا بإمكانهما أن يقدما النموذج الأكثر نجاحا في تعاون اقتصادي شامل وعلى المحاور التالية :

 

1 – المياه : يرى كثير من الدارسين أن الحروب المقبلة ستكون حروبا من أجل المياه ، فنتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري تعرض المناخ لتقلبات بات من غير الممكن التحكم بكميات الثلوج الساقطة في المناطق التقليدية لسقوطها ، مما بات يشكل تهديدا جديا لمصادر تكون الأنهار ، والعراق شانه شأن مصر بالنسبة لنهر النيل باعتباره دولة مصب ، أخذ يعاني ومنذ سبعينيات القرن الماضي من تعاظم شحة الماء الداخل إلى أراضيه في حوضي دجلة والفرات، وإن كانت المعضلة الأكبر ترتبط بنهر الفرات بدرجة أكبر مما كان عليه الحال في نهر دجلة ، ولكن هذه المزية التي كان يتمتع بها العراق أخذت تتقلص تدريجيا نتيجة سيطرة تركيا على جزء كبير من مياهه ونتيجة اقامتها سدودا على دجلة أيضا ، وعلى الرغم من أن الأسرة الدولية حاولت أن تضع المعاهدات والاتفاقيات الدولية المنظمة لوسائل الانتفاع بمياه الأنهار الدولية المشتركة ، فإن الكثير منها صدر ولكنه لم يجد طريقه للتنفيذ ، فالدول التي تنبع منها الأنهار تعتقد أن هذه الأنهار حق مشروع ومفتوح لها للانتفاع بمياهه دون قيد أو شرط أو حاجة لأخذ موافقة أحد ، بل أنها تذهب بعيدا في تفسير حقها الطبيعي بالأنهار التي تنبع من جبالها أو أراضيها ، فتجري مقارنة فيها الكثير من التعسف المقصود ، بين الثروات التي تختزنها الأرض في جوفها مثل النفط وسائر المعادن الأخرى ، وبين الثروات الظاهرة فوق سطح الأرض وخاصة المياه ، ويبدو أن هذه العقدة بين الدول المالكة للنفط والدول التي لا تمتلكه عقدة عصية على الحل لأنها ترتبط بأسباب الثراء الذي تجلبه ثروة لا دور للإنسان في وضعها في مناطق تواجدها ، وعوامل الفقر الناجم عن انعدام الثروات الطبيعية ، بين عالمين يعيشان على مقربة من بعضهما .

 

إن الطبيعة لم ترسم خرائط الجغرافيا السياسية التي تعيشها دول العالم في أيامنا الحاضرة ، ولذا فقد كان جريان الأنهار بين الأقاليم المختلفة بغير حاجة لأخذ إذن من أحد كي يأخذ طريقه من المنبع إلى المصب ، وعندما نشأت الدول الحديثة وأخذت حدودها تتعرج أكثر فأكثر على وفق مصالح الدول المنتصرة في الحروب ، بدأت مصالحها تتقاطع حد الصدام ، ولو أن المجتمع الإنساني ترك الحبال على غاربها في طرائق الانتفاع من مجاري الأنهار لوقعت حروب طاحنة قد نعرف بدايتها ولكنها لن تنتهي أبدا أو لن تنتهي إلا بعد أن تستنزف أموالا تفوق في حجمها ما تم تقدير فقدانه في حال استمرار الخلافات بين أطراف النزاع دون حل ؛ ومن هنا يمكن النظر إلى أهمية التطبيق الدقيق  والسليم للمعاهدات الدولية حول حقوق الدول المتشاطئة على الأنهار المشتركة ضمانا لحقوق جميع الأطراف ، وذلك عن طريق فرض التزامات عقدية والحرمان من الامتيازات التي توفرها المنظمات الدولية ، على الفرقاء كافة ، وهذا الخيار أفضل بكثير من توقيع المزيد من المعاهدات والاتفاقيات التي لا تحترم من قبل المتضررين من قواعدها .

 

أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة تعريفا للعدوان ، بموجب قرارها المرقم 3314 لعام 1974 ، والذي عرّفته على أنه ( استخدام القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة اخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي أو بأية صورة تتناقض وميثاق الأمم المتحدة وفقا لنص هذا التعريف ) ، وحددت المادة 3 من القرار المذكور سبع حالات متى توفرت إحداها أو أكثر عد ذلك عملا عدوانيا سواء تم ذلك بإعلان حالة الحرب أم بدون ذلك والحالات هي :- 

 

أ – قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو إقليم دولة اخرى أو الهجوم عليه أو أي احتلال عسكري مهما كان مؤقتا ، ينجم عن هذا الغزو أو الهجوم أو أي ضم لإقليم دولة اخرى أو لجزء من جراء استخدام القوة  المسلحة .

 

ب – قيام القوات المسلحة لدولة ما بقصف إقليم دولة بالقنابل أو باستخدام أية أسلحة ضد إقليم دولة اخرى .

ت – ضرب الحصار على موانئ أو سواحل دولة ما من قبل القوات المسلحة لدولة اخرى .

ث – قيام القوات المسلحة لدولة ما بمهاجمة القوات المسلحة البحرية أو الجوية أو الأساطيل التجارية البحرية أو الجوية لدولة اخرى .

 

ج – قيام دولة ما باستعمال قواتها المسلحة على إقليم دولة اخرى بموافقة الدولة المضيفة على وجه يتعارض والشروط التي ينص عليها الاتفاق أو أي تمديد لوجودها على الإقليم المذكور .

 

ح – سماح دولة ما باستخدام إقليمها الذي وضعته تحت تصرف دولة اخرى للعدوان على دولة ثالثة .

 

خ – إرسال عصابات أو جماعات مسلحة أو قوات نظامية أو مرتزقة من قبل دولة ما أو باسمها وقيامهم بأعمال تنطوي على استخدام القوة ضد دولة اخرى وبمستوى الأعمال المذكورة أو مشاركة الدولة في ذلك على نحو ملموس .

 

 وعلى الرغم  من أن هذا التعريف وكذلك الحالات التي عدّها من قبيل الأفعال العدوانية ، غير مستوف لشروط التعريف الجامع المانع ، لأنه وضع في ذروة الحرب الباردة بين القوتين الأعظم وخضوع الأمم المتحدة لمنطق التوازنات بينهما ، وربما على نحو ما هيمنة الولايات المتحدة على أعمال الكثير من اللجان والوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة ، على الرغم من ذلك فإنه في واقع الحال وحتى صدور تعريف أكثر وضوحا وتحديدا من قبل المنظمة العالمية ، يمكن اعتماده ، معيارا مناسبا للتحاكم مع الأفعال الصادرة من بلد ما مما يمكن إطلاق وصف العدوان عليها بما في ذلك تهديد الأمن القومي بقطع مصدر الحياة وهو الماء .

 

إن الكثير من الأفعال التي تقدم عليها بعض الدول بصورة منفردة ، وتحت لافتة حماية مصالحها الوطنية أو دفاعا عن أمنها القومي ، أو كرد فعل غير متناسب مع ما يصدر من أفعال من طرف دول اخرى ، ويأتي في مقدمتها التحكم بمصادر المياه في الأنهار الدولية ، يمكن أن يكون سببا في إثارة نزاعات إقليمية تؤدي إلى نشوب حروب أخطر وأكبر من الحالات التي وردت في تعريف الجمعية العامة المار الذكر ، وهذا يقتضي تحركا جادا وسريعا على مستوى المنظمات الدولية للتوصل إلى تعريف جديد للعدوان يتخطى النواقص السابقة وخاصة ما يرتبط بمعالجة موضوع مصادر المياه .

 

وبالنظر لأهمية المياه لكل الكائنات الحية من بشر وحيوان ونبات ، وارتباط ذلك بديمومة حياة الإنسان على سطح الأرض ، فقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة ، قانونا لاستخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية في         21 / 5 /1997 ، ومع أن هذه الخطوة جاءت متأخرة كثيرا ، فإن المنظمة الدولية بدأت تستشعر أن العالم سيشهد أزمات من نوع جديد يمكن أن تهدد استقراره ، لأن الأقوياء سيتمكنون من الاستحواذ على ما يقع في متناول قوتهم من مياه عذبة ، وتبقى حالة التململ حتى تحين الفرص لتغيير موازين القوى من طرف الذين شعروا بغبن الموقع الجغرافي الذي أدى إلى ذهاب حقوقهم نتيجة ضعفهم وبسبب موقعهم في الخارطة ، ليستردوا ما ذهب منها ، وهذا معناه استمرار الأزمات كنار تحت رماد قهر القوة العسكرية وليس قوة الحق والقانون .

 

إن اكتمال السدود التركية العملاقة مثل سد أتاتورك على حوض الفرات والذي يكوّن بحيرة تقرب مساحتها من 817 كيلومترا مربعا ويحجز 48 مليار متر مكعب من مياه النهر أدى إلى حجب الجزء الأعظم من ماء النهر ، هذا غير أكثر من عشرين سدا آخر على النهر نفسه مثل سدود كيبان وقرة قابا وغيرهما كثير وقد بدأت خطوات ملئها من طرف الجانب التركي دون إقامة وزن لحقوق دول الحوض الاخرى أو التقييد بقواعد القانون الدولي المعترف بها .  

 

أما نهر دجلة الذي يبلغ طوله من المنبع في مرتفعات جنوب شرقي الأناضول إلى التقائه بالفرات وتكوينهما شط العرب 1900 كيلومترا ،  فقد كان معدل ما يدخل للعراق من مياهه ، في الظروف الطبيعية حوالي 1500 متر مكعب في الثانية ، وفي ثمانينيات القرن الماضي ومع اتساع المشاريع الزراعية والإروائية في تركيا ، أخذت كميات المياه الداخلة إلى الأراضي العراقية بالتقلص ، حتى وصلت إلى 1200 متر مكعب ، ثم تواصل التراجع حتى وصل في السنوات الأخيرة إلى حوالي 250 مترا مكعبا ، وقد نشأ عن هذه الشحة حالة من الجفاف في حوض دجلة سوف تتفاقم كثيرا حين تنجز تركيا سدها على دجلة والمسمى سد   ( ليسو) والذي يبعد عن الحدود العراقية بحوالي 50 كيلو مترا .

 

وهكذا نلاحظ أن العراق كان فريسة لتطلعات تركيا في الصعود الاقتصادي دون النظر لانعكاسات هذا الصعود على دول الجوار ، ولا شك أن التعاون الاقتصادي الحيوي لكل من تركيا والعراق سيصطدم في كل خطوة يحاول أن يقطعها ، بصور التصحر المتزايد المساحة في بلاد الرافدين التي لم تعد تملك منهما إلا الاسم .

 

2 – الطاقة : كان التعاون في مجال نقل النقط العراقي الخام قد بدأ عبر الخط العراقي – التركي الواصل إلى ميناء جيهان على البحر الأبيض المتوسط والذي تم افتتاحه منتصف سبعينيات القرن الماضي والذي يعطي مرونة كبيرة لتصدير النفط الخام عبر منافذ متعددة في منطقة تعيش حالة عدم استقرار شبه مستمرة بسبب وجود النفط نفسه في باطن أراضيها ، وهذا الخط الذي يمثل عنوانا كبيرا للتعاون بين البلدين في مجال الطاقة ، لا يمثل المظهر الوحيد القابل للتطبيق ، فهناك فرص كبيرة بينهما فإقامة صناعات برساميل مشتركة تعتمد أساسا على النفط والغاز كصناعات الأسمدة في زمن أخذت قضية الغذاء في العالم تأخذ طابع الأزمة المستعصية على الحل يمثل استثمارا ناجحا واسهاما بحل أزمة الغذاء في العالم فضلا عن أنه يوطد أسس التعاون المشترك ، كما أن هناك أوجها لإقامة الصناعات البتروكيمياوية التي هي واحدة من أعمدة الصناعات الحديثة في العالم ، كما أن إقامة مصافي كبيرة لتكرير النفط والتوسع في دخول السوق الدولية في تصدير المشتقات النفطية ، يعد شرطا لازما لإعادة التوازن إلى سوق النفط الدولية التي تعيش ثنائية مقيتة ، دول تمتلك مصادر الثروة ، ودول تمتلك الصناعات القائمة على أساسها .

 

إن التعاون في مجال الطاقة يمكن أن يؤدي إلى إقامة محطات لتوليد الطاقة الكهربائية وربط الشبكتين بين العراق وتركيا ، وذلك من خلال الاعتماد على توليدها إما من المساقط المائية التي توفرها السدود في البلدين أو تلك التي تولدها المحطات التي تعتمد على النفط أو الغاز ، ومستقبلا يمكن أن تعتمد على المصادر غير الناضبة كمصادر الطاقة الشمسية أو طاقة الريح وفي هذا المجال يمكن أن تنسق بحوث الطاقة من المصدرين الأخيرين بين العراق وتركيا .

 

3 – التجارة والنقل :  ليس المطلوب هنا هو تقديم عرض لأهمية التجارة الخارجية لكل دول العالم ، فبقدر ما تتوسع التجارة الخارجية ، تنشط عمليات الانتاج في قطاعي الزراعة والصناعة مما ينعكس إيجابا على حجم الناتج القومي والدخل الوطني والدخل الفردي على حد سواء ، وربما تضع دول العالم الكثير من القيود على حركة التجارة الدولية ، إلا أن العالم يسير بقوة باتجاه إزالة الحواجز الكمركية ورفع القيود المفروضة على دخول البضائع إلى مختلف دول العالم ، وبين الدول المتجاورة تحتل التجارة البينية حيزا مهما في حركة البضائع مما يعزز تطوير العلاقات الثنائية ويعزز كذلك المحاصيل الزراعية والمنتجات الصناعية ، لكن فتح الأسواق على مصاريعها بين أي بلدين غير متقاربين في مستوى الانتاج الزراعي أو الصناعي ، يمكن أن يلحق ضررا مؤكدا باقتصاد الدولة الأقل تطورا ، لذلك فإن تنظيم حركة التبادل التجاري يجب أن تخضع لاتفاقيات فيها التزامات متبادلة ، وعلى الغالب فإن العراق في علاقاته التجارية مع تركيا ما زال بحاجة إلى تفعيل نظام الحماية السلعية أمام المنافسة التركية القوية شريطة أن ترتبط بسقوف زمنية تتيح للعراق وضع الخطط الكفيلة بإحداث تطويرات بنيوية في قطاعات الزراعة والصناعة .

 

وإذا كانت التجارة عصب الاقتصاد في عالم اليوم ، فإن النقل هو عصب التجارة الرئيس وبدونه لن يكون متاحا نقل السلع المعدة للتصدير إلى الأسواق الخارجية بل وحتى الداخلية ، وإذا ما انعدمت وسائط النقل أو ارتفعت أجورها عن الحدود المعقولة ، فإن السلع والمنتجات والمحاصيل ستتكدس في مناطق الانتاج ، ونتيجة عدم تدوير رؤوس الأموال التي تم انفاقها في تلك المشاريع عن طريق تصريف انتاجها فسوف يتلاشى حافز الانتاج وهو الربح ويعم الكساد وربما يصل المجتمع إلى مرحلة الركود ، لذلك فأهمية النقل في التجارة ليست بحاجة إلى تفسير ، وبين العراق وتركيا تنشط أكبر أساطيل النقل البري حجما ، وهي في معظمها تعود للقطاع الخاص ، وعلى الرغم من أن تركيا تعد رئة بحرية متوسطية للعراق ، فإن قدم الطرق البرية وعدم وجود طريق النقل السريع ( هاي وي ) وكذلك ضعف خطوط السكك الحديدية بينهما يشكل مأخذا جديا وحائلا كبيرا أمام تطور حركة التجارة ، التي حتى لو توفرت النية الجدية وتم توقيع الاتفاقيات فإنها لن تصبح بمستوى الآمال المعلقة عليها دون وجود طرق برية وسكك حديد حديثة وسريعة ، أما النقل البحري فإنه طويل وقد لا يلبي طموحات البلدين فيه ، وكذلك فإن ارتفاع تكاليف النقل الجوي يجعل منه محدود الأثر في علاقاتهما .

 

ولا يقتصر النقل على نقل البضائع المختلفة ، بل أن تنقل الأفراد وتنشيط حركة السياحة يعدان  العمود الفقري للتواصل الثقافي والحضاري بين الشعبين ، وفتح آفاق جديدة لأوجه التعاون الشامل بين البلدين .

 

 

الخلاصة

 

إذا أريد للعلاقات الاقتصادية بين العرق وتركيا أن تأخذ مداها الأرحب وتلعب دور المحرك لعلاقاتهما السياسية ومن أجل إقامة نواة لكتلة اقتصادية تتحرر من هيمنة التكتلات الاقتصادية الكبرى ، فيجب أن يراعي كل بلد منها ظروف البلد الآخر ويتعامل مع حقوقه المضمونة بالقوانين الدولية ، على أنها المدخل الوحيد لتكون هذه العلاقات مثالا يحتذي به من قبل أي دولتين متجاورتين ، فليس هناك بلد يأخذ إيجابيات هذه العلاقة على طول الخط ، وعلى الطرف الآخر ان يكون مضحيا على طول الخط ، فالعلاقات الودية المبنية على أساس المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة ، طريق ذو ممرين يأخذ كل طرف بقدر ما يعطي ، وقد ولى الزمن الذي كانت فيه بلدان تستنزف خيرات البلدان الأخرى لتبني رفاهية شعوبها وسعادتها على حساب بؤس شعوب العالم الثالث أو الرابع .

 

 





الاحد٢٣ شعبان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٤ / تمـــوز / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة