شبكة ذي قار
عـاجـل










لم يكن هدف تقسيم العراق مشروعا جديدا أو وليد الاحتلال الأمريكي الذي تعرض له العراق عام 2003 ، بل يرجع إلى السنوات الأولى لإقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين عام 1948 ، فاستنادا إلى نبوءات يهودية قديمة تحذر اليهود من أن بلاد ما بين النهرين تبقى مصدر الخطر الحقيقي عليهم وتشكل تهديدا جديا لاستمرار دولتهم في حال إقامتها ، واستنادا إلى هذه النبوءة العدوانية ، اتجهت أنظار زعماء الصهيونية العالمية لوضع الخطط الكفيلة بالتصدي للخطر القادم من العراق ، فلم يجد دافيد بن غوريون رئيس وزراء العدو بعد البحث مع مستشاريه وحاخامات إسرائيل وقياداته العسكرية ، إلا وضع خطة لتقسيم العراق إلى ثلاث دول ، كردية في الشمال وسنية في الوسط وشيعية في الجنوب ، وبقي المشروع المذكور طي الكتمان حتى تم الكشف عن بعض تفاصيله منتصف عقد الستينات من القرن الماضي ، ذلك المشروع لم ينل ما يستحقه من الاهتمام من الجانب العربي عموما والعراقي خصوصا ، على الرغم من خطورته الاستراتيجية على الوحدة الوطنية لبلد عربي مركزي الثقل وعلى قوته سياسيا واقتصاديا وعسكريا ، بل أن المشروع قوبل بكثير من عدم الاكتراث والاستخفاف من قبل بعض الأوساط السياسية العربية بما في ذلك العراقية وأعتبر من قبيل المشاريع التي لها صلة بالحرب النفسية ، أكثر مما لو كان مشروعا واقعيا قابلا للتطبيق .


وحينما اندلعت الحرب العراقية الإيرانية والتي استمرت لثماني سنوات كاملة ، بدأت إيران تبعث برسائل سياسية ذات مغزى تسعى فيها إلى طمأنة الغرب والحركة الصهيونية ، من أن نصرها على العراق فيما لو تحقق فإنه لن يكون خطرا على أحد بقدر ما يؤدي إلى تنفيذ مشروع الحلم الصهيوني بتقسيم العراق إلى ثلاث دول ، ولكن نتائج الحرب جاءت بغير ما أرادت إيران وأراد الغرب والكيان الصهيوني الذي أمد إيران بصفقات أسلحة تم الكشف عن تفاصيلها في حينه ، ولما خاب مسعى الحركة الصهيونية ومع يقف معها هذه المرة أيضا ، لم تيأس ، فقد جاءتها الفرصة الذهبية حينما تم فرض منطقة الحظر الجوي بين الخطين 32 و36 في عقد التسعينات من القرن الماضي ، وهي في حقيقتها تنفيذ جغرافي دقيق لصورة التقسيم السياسي المطلوب للعراق .


وعندما وقع احتلال 2003 تحركت قوى سياسية طائفية مرتبطة بإيران للترويج لما يسمى بإقليم الوسط والجنوب ، والذي يعد الخطوة الثانية بعد تحول سلطة كردستان في شمال العراق إلى سلطة الأمر الواقع المفروض بقوة الاحتلال الأمريكي ، وأصدر مجلس الشيوخ قراره بتقسيم العراق عام 2008 بناء على اقتراح بايدن والمعروف باسمه ، ولكن وعي الشعب العراقي أحبط هذه الخطة وخذلت الداعين إليها .


كان التفكير بحلول اخرى تلتف على وعي الشعب العراقي وتجعل من مطالب الانفصال أو الفدرالية أو الأقاليم مطالب مشروعة على مستوى الشارع العراقي ، ولذلك لجأت الأطراف المسيطرة على العملية السياسية ، إلى ممارسة أعلى مراتب التمييز والظلم ضد مناطق محددة تحت لافتة محاربة الارهاب ، وقلصت من ميزانيات المحافظات التي كانت سباقة في طرد الاحتلال وكان الفضل بالتعجيل بتسليم الحكم من قبل الأمريكيين إلى مجلس الحكم ومن ثم الحكومة الأولى ، يعود إليها وإلى تضحياتها الكبيرة والتي اعترفت بها إدارة الرئيس جورج بوش ، ومارس القائد العام للقوات المسلحة تعسفا لا مثيل له في أية تجربة حكم تزعم الديمقراطية ، حينما خص محافظات نينوى وصلاح الدين والانبار وديالى ، بتعيين قادتها الأمنيين من خارجها وهو اجراء غير معمول به لا في محافظات المنطقة الشمالية ولا في المنطقة الجنوبية ، بل أن نوري المالكي كان يقف عاجزا عن تحريك موظف صغير من موقعه ما لم يحظ ذلك بموافقة مجلس المحافظة المعنية وخاصة في المنطقة الشمالية من العراق أو المحافظات التي يحكمها التحالف الوطني .


أثارت هذه التدابير الطائفية والتي تعتمد مبدأ الملاحقات والاعتقال الكيفي والزج في سجون الحكومة السرية والاقصاء والتهميش المتعمدين ، وسياسة قطع الارزاق وتحجيم فرص التعليم وفرض مناهج تربوية بعيدة عن تراث العراقيين المبني على التسامح ، وإحلال مناهج تكرس الكراهية والانتقام ، وتلاشي فرص التشغيل وعدم وجود خطط للتنمية على المستويين المحلي والوطني وتفشي حالة البطالة والفقر وانعدام الخدمات الطبية والخدمات العامة ، كل هذه الظاهر المقصودة أثارت ردات فعل غاضبة لدى المواطن ، ولكن هل كان يجوز الرد على مثل هذه السياسات الخاطئة بالدعوة لذبح العراق من أجل الحصول على جزء من لحمه ؟ وهل يعد ذلك مبررا كافيا لبعض الساسة الطارئين على حكم البلد ، في أن يكون الرد عليها بمنطق الخنادق المتقابلة ؟


إن العراقيين متساوون كضحايا من اعتماد سياسة منهجية للإفقار والتجويع المنتشر على جميع انحاء بلدهم وإذا كان هناك منتفعون من الاحتلال وعمليته السياسية فهم حفنة ضئيلة من الذين تربعوا على عرش الفساد السياسي والمالي والإداري ، ولا يوجد منهم من جاء ممثلا لطائفة ينتمي لها بالاسم ولا يكترث لهمومها ومعاناتها من الاحتلال وما جلبه من محاصصة طائفية عرقية مقيتة ، أوصلت العراق إلى أعلى مراتب التدهور في مجال الأمن وحقوق الإنسان والتردي في الخدمات وعلى كل المستويات ، وبالتالي فإن البحث عن الخلاص لا بد أن يكون وطنيا يضع وحدة العراق كأسمى أهدافه ، ولا يحق لأي كان أن يطرح نفسه ممثلا لهذا الطيف من أبناء الشعب العراقي أو ذاك .


إن من قدم تبريرات على هذا القدر من التهافت لدعوته لإقامة الإقليم السني لا يختلف كثيرا سواء بالنوايا أو بالنتائج عمن دعا في وقت سابق لإقليم الوسط والجنوب أو إقليم البصرة ، فكلها دعوات تستهدف إضعاف العراق والنيل من وحدته أرضا وشعبا وتنفذ جزء من صفحة المخطط الصهيوني لتقسيم العراق الواحد منذ الأزل والواحد إلى الأبد ومهما تعددت أشكال التآمر ، وأن من يعتقد أنه قد فوجئ بعدم توفر الصلاحيات لديه ولم يكتشف ذلك إلا بعد دخوله في التشكيلة الوزارية فعليه أن يرجع إلى من سبقه بإشغال الوظائف الحكومية العليا فعندهم الأجوبة المقنعة والمسكتة في آن واحد وليس من حق أحد أن يعلق سذاجته على شماعة العراقيين ، وليس من حقه تماما أن يدمر وحدة العراق من أجل يحسن شروطه السياسية في مساومة القوائم الأخرى ، وإلا فإن العراقيين سيتساءلون أين كان هؤلاء منذ أكثر من ثماني سنوات حتى اليوم ؟ هل اكتشفوا هذا الخلل الآن فقط ؟ وإذا كانت هذه صفاتهم وقابلياتهم السياسية فهم لا يصلحون حتى لتمثيل أنفسهم ، نعم ليس من حق أحد أن يجعل من العراق مجالا للمساومة على مكاسب شخصية مهما كانت قيمتها ، وليس من حق أحد أن يجعل من العراق سوقا للمزايدات أو المناقصات السياسية ، وإذا كان هؤلاء لم يكتشفوا حقيقة خطة الحكومة لاستدراجهم عن طريق تعريض بعض المناطق لشتى الضغوط السياسية والأمنية والاقتصادية ، بهدف دفع هؤلاء السياسيين الذين يطرحون أنفسهم ممثلين للسنة في العراق إلى التلويح بخيار التقسيم ، فإننا نقول لهم ودون مواربة إن الحكومة قد حققت جزء من هدفها وكان عليكم التمسك بوحدة العراق ردا على سياسات التمييز والتهميش والاقصاء ، ولا حل لمنطقة في العراق على حساب منطقة أخرى ومهما كانت الدوافع المطروحة في صورتها العلنية نزيهة ، فلا نزاهة مع دعوة تقسيم العراق ، ولا صدق مع دعوة إضعافه .

 

 





الخميس١٣ شعبان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٤ / تمـــوز / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة