شبكة ذي قار
عـاجـل










ما يجري على ساحة الأمة العربية هو انطلاقة عظيمة لوعي العرب بحقوقهم الإنسانية التي انطمرت تحت عوامل الهيمنة الامبريالية وعلى الخنوع الذليل لمعظم حكامنا وعمالة بعضهم وإهمالهم لأدوات التطور والخدمات التي إن لم تقدمها الحكومة للدولة وشعبها فإنها تفقد أي معنى وتعريف لوجودها. إنها ثورة تتطلع إلى إقامة حياة حرة مرفهة تتقدم فيها كل حقوق المواطن من تعليم وصحة وخدمات بلدية وتحقيق استقلال اقتصادي وسياسي جدي والسير في خطى حثيثة للتنمية البشرية وبما يضمن انتقالنا من عصر التخلف إلى عصر العلم والصناعة والتكنولوجيا. إنها ثورة ضد السطحية والسذاجة في ما ينفذ ويجري والمظهرية التي تنمو على ضلوع إنسان مستلب فتتحول العمارات والناطحات والدواليب العالية ومنتجعات السياحة هنا وهناك إلى مستعمرات عفن و بسامير وخناجر تمزق روح الحياة الجادة المنتجة وإهدار لثروات الأمة ودخول في مسارات متهتكة غريبة على مجتمعنا وأخلاقياته الاجتماعية والدينية . إنها ثورة لاستعادة الكرامة التي أذلتها العصا الامبريالية الصهيونية وأدوات القمع الداخلية واستجابة لمكونات التحدي المتفاعلة في عقل الإنسان والمؤمنة بأنه لا يقل شانا عن باقي خلق الله ومنهم الذين ترفههم أنظمتهم باستخدام ثرواتنا وأموالنا في أميركا واليابان وأوربا بل وحتى في بعض أقراننا في آسيا وإفريقيا.


ومع إدراك الامبريالية والصهيونية وضلعهم الثالث الحديث التشكيل وهو الصفوية الفارسية لأهمية وطننا الكبير الاقتصادية والجغرافية لإدامة دوران عجلات الاحتكار والاستثمار في أسواقنا البضائعية والمالية والمصرفية والغذائية والدوائية والتسليحية فان من البديهي جدا أن تكون اذرع التخابر والتجسس قد تدخلت بين أضلعنا واستوطنت مفاصل عديدة في جسدنا وحددت لنفسها وسائل عمل آنية وبعيدة المدى تتطور مع تطور تقنيات الإنتاج المختلفة ومنها تقنيات الاتصال التي تمثل سمة العصر الراهن وتقنيات التدخل العدائي من أسلحة وصواريخ وقنابل .


إن من بين أهم علامات الاختراق السياسي التي نفذت منها الامبريالية والصهيونية هي إفراز خندقين حزبيين في جسد الجغرافية العربية السياسية هما الاتجاه القومي والثاني هو الاتجاه الديني المسيس. وخلصت الماكينة السياسية المعادية إلى إن الاتجاه القومي قد مثل مدا ثوريا تصاعد مع نهايات الحرب العالمية الثانية ولا يتطابق ولا ينسجم بأي حال من الأحوال مع روح الاحتكار والهيمنة التي ينتهجها الغرب الامبريالي عموما لأنه اتجاه تحرري مؤمن بالذات العربية وحق الأمة في الارتقاء والتقدم وحق أبناءها بحياة حرة مرفهة كريمه وبحقها في الدخول في عصر الإنتاج الفكري والعقلي والمساهمة فيه مثل بقية بني البشر. ولاحظت الامبريالية طوفان المد القومي يغطي ساحة العرب مقابل ضمور وضعف يجتاز جسد الاتجاه المسيس للدين, مع روح التطلع لدى هذا التيار والرغبات الجامحة لاستلام السلطة والتمتع ببعض مكاسبها من الجاه والثروة ..أي إن الاتجاه الديني المسيس لم يتعاطى مع شهوة الحكم بغير الطريقة التي افرزها السلوك العام للحكومات العربية وأهمها استفادة الحكام وحواشيهم مع انتهاك حق الشعب والدولة ودليلنا في ذلك ما قامت به الأحزاب الطائفية التي استلمت الحكم تحت سلطة الاحتلال الأمريكي. ومن هنا دخلت الامبريالية والصهيونية مداخلها الجديدة لتتغلب على تيار الثورة القومية واحتمالات تناميه وتصاعده ومن هنا بدا التحالف مع الاتجاه المسيس للدين المنقسم أصلا إلى عدة تيارات واتجاهات تشترك كلها في رغبة عمياء لاستلام الحكم وبعداء كان بالإمكان تلافيه أو عدم التعاطي معه أو تبنيه أصلا للتيارات القومية بل إن الصلة الإيديولوجية كان يمكن أن تكون على نقيض ما هي عليه لو توفرت الرغبة والفهم السليم لمعنى سلطة الحكومة في كونها فرصة للخدمة العامة وليس للاغتناء أو بلوغ جاه لأناس يشعرون بنقص الجاه.


لقد دخلت الامبريالية والصهيونية منذ ستينات وسبعينات القرن الماضي على خط تصعيد العداء ضد الاتجاه القومي ومد خيوط التعاون والانفتاح التدريجي والمدروس على التيار المسيس للدين. ولعل نافذة التخطيط قد بدأت بالدخول على ثورة الشعوب الإيرانية واستبدال الشرطي الامبريالي الصهيوني العلماني شاه إيران بشرطي آخر من طراز آخر طائفي ديني مسيس هو خميني وإنتاج نظام أصولي لا يكاد احد يصدق إن أميركا الليبرالية يمكن أن تعمل أو تعاون على إنتاجه واستخدام تنظيم القاعدة بعد أن أسست بدعم وأموال أمريكية لتكون أداة دينية إسلامية في مساعدة أميركا على دحر الاتحاد السوفيتي في أفغانستان . ومع هذه النافذة بدا الإدراك الامبريالي الصهيوني يتصاعد لأهمية تمزيق العرب والمسلمين بواسطة صراع إيديولوجي ديني – قومي وتغذية تعارض لا أساس له ولا يمت إلى الواقع بصلة بين الإسلام وبين القومية العربية عبر تحويل الإسلام من دين رباني إلى تيارات سياسية متناقضة لا يربطها رابط وتكفر الاتجاه القومي ومن يعتنقه. والواضح والبديهي هنا هو إن تأجيج هذا الصراع ورفعه ليكون في واجهة الإحداث في المنطقة العربية وما يجاورها يحقق غرضين إجراميين في آن واحد هما تدمير الإسلام بأسلحة وطاقات مسلمة وتدمير المنهج القومي بأسلحة قومية مسلمه واظننها ندرك إن هذا التخطيط هو الذي يقع ضمن دائرة تلتقي في نتائجها مع الحرب الصليبية التي يتكرر ورودها بين الفينة والأخرى كلما برز عدوان امبريالي مسلح ضد الأمة العربية.


لقد وقعت الأحزاب والتيارات والمنظمات والتجمعات والمدارس التي سيست الدين في ممارسات عدوانية مع التيار القومي العروبي وكأنها قد ولدت من اجل أن تقع فيها !!وكأنها هي ضالتها المنشودة للكسب والنمو وتوسيع قاعدتها الجماهيرية ومارست بعض إطراف التيار القومي ردود فعل مقابلة حيث استشعرت الأهداف والمناهج الاقصائية الكهنوتية وبهذا بدأت علامات النجاح ترسل متتابعة للصهيونية والماسونية وأدواتها الامبريالية لتقوم بالبناء والتأسيس عليها لخلق بؤرة الصدام والتوتر الدائمة في انتظار اللحظة الحاسمة التي يتم بها إنتاج نسخه جديدة مطورة من سايكس بيكو لتمزيق الممزق وتفتيت المفتت وإضعاف طاقة الأمة الموحدة التي هي الوسيلة الوحيدة لتحرير فلسطين وتحقيق الذات العربية الايجابية.


تعاملت القوى السياسية القومية من جهة والدينية والطائفية المسيسة للدين من جهة ثانية مع موضوعة الصراع وكأنها حتمية لا مناص من الوقوع في براثنها أو كأنها نتاج طبيعي لمعطيات اجتماعية وسياسية أفرزتها وتفرزها الحركة التاريخية للأمة وجدلها . التيار الديني المسيس لم يعر اهتماما إلى الرد الفكري ولا إلى الممارسات الميدانية التي أنتجها القوميون ولم يثيروا أي اهتمام لاعتراضاتهم أو قلقهم أو تحليلهم لنزعة العداء الدينية المسيسة إلا بما يكرس روح التكفير والإقصاء . ولم تتمكن الحركة القومية وتياراتها من طرفها من الارتقاء فوق إرهاصات بعض مراهقيها السياسيين أو ربما بعض من تنفذ فيها من غير إيمان ولا وعي عميق أو جدي لأهدافها وغاياتها الوطنية والقومية الشاملة والتاريخية فظلت تدور في متاهات ردود أفعال متشنجة وعقليات قاصرة لم تتمكن من احتواء التناقض ولم تتمكن من تجاوز إصدار بيانات التخوين في الأعم الأغلب واستخدام مفردات العمالة والخيانة لتشمل كل من انتمى إلى الخط الديني المسيس وهذا خطأ فادح لأنه غير واقعي ولا دقيق .


لقد برهنت قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي ومقاومته الباسلة للاحتلال الغاشم في العراق بان التعايش والتعاون والتفاهم مع بعض الإسلاميين الوسطيين و المعتدلين أمر ليس ممكن فقط, بل هو حاصل ولا بد منه حيث تم التحالف الاستراتيجي الناجح إلى اللحظة في العمل الجهادي لتحرير العراق. وقامت ولازالت تقوم هذه القيادة البطلة بالانفتاح على أطراف أخرى في الخط الديني لإتمام عملية توحيد القوى المجاهدة القومية والوطنية والإسلامية مع جبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني التي يقودها المجاهد عزة إبراهيم. وتعتبر الجبهة الوطنية والقومية والإسلامية هي إحدى النوى المهمة لهذا الاتجاه أيضا كواجهة سياسية.


إن الظروف الدقيقة التي تمر بها الأمة تتطلب إعادة تقييم المواقف السالفة والعمل الحريص والسريع على تقريب المشتركات ومنها وعلى رأسها أن تعاد صياغة الصلة الحية بين العروبة والإسلام السياسي لتقترب من حقيقة الصلة الروحية القائمة ربانيا من قبل التيار الديني المسيس . وان يتضمن العمل فرز القوى الدينية الوطنية وتلك الساقطة في عجلات الأجنبي مثل إيران وأميركا وبريطانيا وتلك التي تمد خيوط صلات سرية مع الكيان الصهيوني . إن من مرتكزات النجاح الملحة هي إسقاط لغة التكفير وتطبيقاتها من جهة وإسقاط لغة التخوين والاتهام بالعمالة والعمالة.


إن الواجب الديني والقومي يقتضي الآن الانتهاء من الجدل بصدد وجود قوى طائفية مسيسه تابعة لإيران وتعمل على إقامة دولة قومية فارسية تحت ستار الولاء والانتماء إلى المذهب الشيعي وأخرى صافحت أميركا وتعاونت وتعاملت معها لكي تتمكن من الحصول على كرسي حكم من الكراسي التي تهبها أميركا. هكذا جهد يقود إلى انبثاق جبهة قوى قومية إسلامية لا تتعارض في أهداف الوحدة والتحرر وسيادة امة العدل الاجتماعي وهذا هو الطريق الوحيد الذي يسقط مخاوف أحرار الأمة من خطة امبريالية صهيونية فارسية تتضح معالمها الان بوضوح لا لبس فيه تقوم على مرتكزات تفتيت الأقطار العربية بين التيارات الطائفية ( الشيعية ) وبين نظيرها الطائفي ( السني ) لاغتيال الوجود القومي المادي والفكري للأمة.

 

 





الاثنين٢٣ ربيع الثاني ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٨ / أذار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أبو الحسنين كرار علي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة