شبكة ذي قار
عـاجـل










• هنالك قوى تخطط .. وظروف وعوامل تساعد على النجاح أو الفشل .
• هنالك فرق بين الثورة .. وبين الفوضى " الخلاقة " .
• الوجود الأمريكي يتزعزع في المنطقة .. وفي العراق يلفظ أنفاسه .
• الزلزال الذي حلَ بالعراق .. سيمتد تأثيره لعقود .


لا شيء نهائي في علوم السياسة، لا حدود ولا خرائط نهائية ترسمها النظريات، التي لا تعد ولا تحصى في هذا العلم، وخاصة نظريات القوة ، وتوازن القوى وتوازن المصالح ..إلخ من النظريات التي تخرج علينا مراكز الأبحاث والمفكرون المتخصصون في علوم السياسة والإستراتيجية .


صحيح إن النظريات تعد مدخلاً للتطبيق والتنفيذ .. وصحيح أيضاً أن هذه النظريات في مجملها ما جاءت إلا بعد اختبار في ساحات محددة .. وصحيح أنها أتت لتضع الوحدات السياسية في مناطق العالم المختلفة في دائرة الضبط الإقليمي ، مثل نظريات التسلح ، وسباق التسلح ، ونظريات التصعيد والتصعيد المتبادل ، والردع والردع المتبادل المؤكد , ونظريات الصراع والاحتواء والاحتواء المزدوج ، ونظرية الصدمة والترويع ، ونظرية الضربة الإستباقية .. فيما تطل علينا من جديد نظرية ملء الفراغ ، ونظرية الفوضى الخلاقة ، ونظرية الـ " دومينو " !!


جرب الأمريكيون، وهم مغرمون بهذه النظريات ، في فيتنام وكمبوديا وما يحيطهما النظرية الأخيرة التي تقول ( إذا سقطت وحدة سياسية مركزية قوية في منطقة، سيؤدي ذلك إلى سقوط بقية الوحدات السياسية تباعاً وبالضرورة ) ... ولم تسقط فيتنام ولا كمبوديا ولا غيرها، حسب هذه النظرية التي ظلت (فكر منطقي مجرد) لا يجد مكاناً للتطبيق .. لماذا ؟ لأن واقع تلك الوحدات السياسية وشعوبها بشكل خاص، وطبيعة المنطقة الآسيوية، لا تسمح بتطبيق هذه النظريات ، التي أنتجتها مراكز الأبحاث الأمريكية المتخصصة وعددها أكثر من (1200) مؤسسة أبحاث وأخطرها أربع مؤسسات هي(( معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى المتخصص بقضايا الشرق الأوسط وسياسات أمريكا حولها .. ومجموعة الدراسات الرئاسية التابعة لمعهد واشنطن .. ومجموعة التفكير(Think Tanks) التي ترتبط باللوبي الصهيوني وبالكيان الصهيوني .. ومجموعة الأزمات الدوليـة International Crises Group ..)) ، والتي يتبناها الفريق السياسي- الإستخباري الأمريكي بصيغة " تدخل " لإسقاط تلك الوحدات.. كما يصعب تطبيق هذه النظرية في واقع المنطقة، على اعتبار أن إسقاط الدولة العراقية، كما قيل، سيؤدي إلى انهيار بقية الوحدات السياسية بالتدخل العسكري المباشر، ولكن الذي حصل في الوقت الراهن يختلف تماماً، حيث ثورة الشعب العربي في تونس ومصر وتصاعد المقاومة الوطنية العراقية في العراق وتماسك المقاومات الوطنيات العربيات في لبنان وفلسطين ويقظة جماهيرية متصاعدة في الأردن ستنسحب على ساحات عربية أخرى، حيث العوامل المحركة للواقع العربي تشكل العمود الفقري للثورة الشعبية العارمة متمثلة ((بالاحتلال الأجنبي للعراق، والاحتلال الاستيطاني لفلسطين، وتردي الوضع الاقتصادي، وارتفاع الأسعار واتساع دائرة الفقر، وارتفاع معدلات البطالة، وزيادة مستويات القمع البوليسي، وتفاقم عدم احترام الكرامة الإنسانية للمواطنين، والتمسك بسياسة التوريث في مصر، واحتكار الحكم بدعوى الشرعية المتهرئة، وانحدار سمعة مصر وهيبتها القومية والإقليمية والدولية، واستمرار ركوع النظام المصري لإملاءآت الخارج في صيغة معاهدات مهينة لتاريخ مصر، وبصيغة مساعدات خارجية محكومة بمطالب سياسية تمس السيادة والاستقلال الوطني وتتقاطع مع تطلعات الشعب المصري على وجه التحديد، وتطلعات الشعب العربي ومنها أيضاً حالة احتلال العراق، وحالة الحصار على غزة )) .


هذه العوامل المتفاعلة والمتراكمة طيلة عقود من السنين، باتت المحرك الأساس للثورة ، ليس في تونس ومصر فحسب، إنما في عموم الساحات العربية، حيث " نضوج الحالة العربية إلى مستوى التوازن " كشرط ذاتي يمتلك ارادة التغيير لإنتاج المستقبل .. فهل الواقع العربي المحتقن يخضع لمسميات ونظريات مثل نظرية الدومينو (Domino Theory) ؟!


هذه النظرية لا تجد لها أساساً في طبيعة التفاعلات والتداعيات التي تجري منذ عقود على أرض الوطن العربي .. بيد أن نظرية الفوضى الخلاقة (Chaos Theory) ، التي نجد جذورها النظرية في كتابات عدد من الصهاينة منهم (ناتان شارانسكي) و (اليوت كوهين) و (راؤول مارك غيرشت) أحد منظري المحافظين الجدد، الذي يعمل في مؤسسة (أمريكان انتربرايز) للدراسات الإستراتيجية والمتخصص في الشأن العراقي .. فيما جاء مشروع الشرق الأوسط الكبير في إطار رؤية المؤرخ ( برنارد لويس) من جامعة برنستون و (فؤاد عجمي) من جامعة (جونز هوبكنز) المدير التنفيذي لمؤسسة (روبرت سانلوف)، أحد أهم أقطاب نظرية الفوضى الخلاقة .
التحول الذي جرى من سياسة ما يسمى (عنصر استقرار إستراتيجي) لبعض الأنظمة وتأثيرها في عموم المنطقة، إلى سياسة (الفوضى الخلاقة)، التي تعتمد على ثلاثة مقتربات أساسية ، الأولى : استخدام القوة العسكرية المباشرة . والثانية : التهديد باستخدام القوة ، والثالثة : تفجير الوضع الأمني الداخلي وخلق فراغ أمن تعبث فيه التناقضات القائمة والطائفيات والعرقيات .. هذا التحول لا يعني أن سياسة عنصر الاستقرار الإستراتيجي قد تلاشت ، إنما يتم استخدامها حيال دولة دون أخرى ، فيما يتم تنفيذ الفوضى الخلاقة كما حصل في أفغانستان والعراق، ومن المحتمل أن تجد الفوضى المنظمة طريقها إلى دول الخليج العربي وإيران ذاتها بالرغم من أن أداة إيران الطائفية هي " أداة " أساسية من أدوات نظرية الفوضى الخلاقة التي تستند إلى ثلاث بديهيات :


الأولى : إن الأزمة ، أي أزمة ، قد تقود إلى استغلال الفرصة مثل ( أخلق أزمة لكي تحصل على فرصة للحركة ) ، وتلك مقولة للفيلسوف هيجل .
الثانية : إن التاريخ هو نتاج الأحداث والفوضى التي تقبع في أحشائها هي أكثر من نتاج المؤآمرات .. بمعنى إن الأحداث لا مجال لمنعها من الاندلاع ما دامت هنالك تناقضات واحتكاكات، وهي تحمل في جوفها الفوضى .. فأن خلق أزمة من شأنه أن يخلق الفوضى .. وهذا ما قاله " زبيغنيو بريجنسكي " .
الثالث : إن النظام بصفة مجردة يحمل في جوفه الفوضى ، وإذا ما اختل النظام وخرج عن المعادلات ، برزت الفوضى .
هذه البديهيات يعتقد معتنقو النظرية بأنهم يستطيعون تكريس فعلهم الإجرامي بخلق الفوضى وتنفيذ الأجندة الخارجية .


العقل الإستراتيجي الغربي أنتج هذه النظرية للمنطقة العربية والإسلامية، وهي بالرغم من توصيف الفوضى في وجهه السلبي، إلا أن الوجه الآخر الذي ترمي إليه النظرية هو إحكام السيطرة على هذه الفوضى لتصب في الإستراتيجية الأمريكية والصهيونية . ويكشف الأساس النظري للفوضى، الذي تحدثنا عنه، تفكيك الأطر القانونية والتشريعية والأمنية للنظام من أجل خلق فراغ يملأ بعناصر اللآنظام، فتحل الفوضى في مجتمع الدولة كمرحلة تتبعها إعادة صياغة أطر جديدة وقوانين ومرتكزات أمن من أجل ضبط حركة الواقع المضطرب !!


النظرية هذه، إذا ما نجحت في العراق بتدمير ركائز الدولة وتفكيك نظمها السياسية والعسكرية والأمنية والتشريعية الوطنية عن طريق القوة، وتمزيق مجتمعها طائفياً، فمن الصعب أن يجد التدخل العسكري المباشر ساحة مماثلة للتنفيذ، ولكن التدخل قد يأخذ صيغاً أخرى مثل خلق التصادم الطائفي والعرقي .. فالولايات المتحدة، كما هو شأن بريطانيا الاستعمارية، تحاول استثمار التناقضات القائمة في مناطق مختلفة من العالم، فضلاً عن حالة الفوضى في عدد من الأماكن مثل ما حصل في أعقاب انهيار الإتحاد السوفياتي ومنظومته الاشتراكية في رومانيا ومنها صوب جورجيا وأوكرانيا ..إلخ


ولم يقتصر تأثير هذه النظرية على خلق الفوضى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والنفسية، إنما تجاوزت أهدافها إلى الجغرافيا- السياسية من أجل تهشيم الكتل الكبيرة ودمج الدول المجهرية في منطقة تعد من أكثر مناطق العالم حساسية واشتعالاً .. وهنا فأن النظرية هذه هي الأداة الأساس التي يعول عليها في تنفيذ مشروع (الشرق الأوسط الكبير) !!


ولكن .. الذي يجري في تونس ومصر ، والذي يعتمل في أحشاء الجزائر والمغرب والأردن والسعودية ودول الخليج العربي والعراق المحتل، يختلف عن ما تريد أن تجيره نظرية الفوضى الخلاقة .. إن ما يجري هو ثورة شعبية عارمة تعم الوطن العربي كله .
الخلاصة :


تتحدث سيناريوهات الغرب المتصهين عن تغيير الخرائط السياسية للمنطقة من أجل خلق (شرق أوسط جديد ) ، ولكن لا توجد في علوم السياسة خرائط نهائية ، لأن هنالك قوى تخطط ، وظروف تساعد على النجاح أو تساعد على إفشال هذا التخطيط .. وكما نرى إن كل ما وضعته مراكز الأبحاث ومطابخ المخابرات الأمريكية يبقى على الورق، إذ ليس كل ما يكتب يجد صداه أو طريقه إلى أرض الواقع، وثورة جماهير الأمة قد أطلقها الزلزال الذي حلَ بالعراق قد وصلت موجاته الهادرة إلى تونس ومصر وساحات أخرى مرشحة لن تفلت من التغيير الحتمي .. إنه عصر الشعوب التي لا تقهر !!

 

 





الثلاثاء٠٥ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٨ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة