شبكة ذي قار
عـاجـل










قد يكون لانهيار منظومة الخدمات العامة ، دور مؤثر في تنفيس حالة الاحتقان السياسي التي يعيش العراق تحت وطأتها ، نتيجة للاحتلال وتداعياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية على المواطن العراقي بالدرجة الأولى وعلى منظومة القيم السائدة والمتنحية والتي يراد إحلالها بدلا عنها تدريجيا فيه ، حتى تبدو وكأنها حالة تطور نوعي طرأ على مجتمع يمور بالمتغيرات والقيم المستوردة والصراع بين الأصيل والطارئ على نحو لم يشهد له العراق مثيلا من قبل .


إلا أن الخلفية الحقيقية لتلك التظاهرات لم تكن مجرد تعبير عن شعور بالإحباط خيم على الشارع العراقي بسبب انهيار منظومة الكهرباء ، بل يمكن النظر إلى انتفاضة البصرة التي سقط فيها ضحايا مدنيون ، ثم انتشرت لمدن كان البعض يعتبرها رصيده السياسي المضمون ، على أنها رسالة سياسية غاضبة وبلهجة عراقية تحذر مما وراءها ، فالمدن التي راهن عليها سياسيو الزمن الأمريكي انقلبت عليهم في أسوأ أوقاتهم وإذا بها هي التي تقود صحوة من طراز جديد لاسترداد الهوية العراقية التي تعرضت لسطو مبرمج من قوى فقدت بوصلتها الوطنية فودت لو أن حالة انعدام الوزن الوطني تستمر إلى الأبد كي لا تتم المقارنة بين الصواب والخطأ والخطيئة ، وتواصل حملة التشريق والتغريب دون وعي شعبي أو مع وعي معطل نتيجة الاستلاب الفكري والثقافي المغيب تحت وابل هائل من الشحن الطائفي والمذهبي والعرقي والعشائري والمدائني ، كمحركات بديلة عن البناء الوطني .


ووجهت تظاهرات البصرة بمواقف متباينة من خصومها ومتابعيها ، فهي مرة تحرك قاده البعثيون والتكفيريون ، وهي مرة ثانية انعكاس داخلي لخطط خارجية ، وثالثة هي جزء من محاولة كسر العظام بين حلفاء الأمس في كتلة كانت تتصدر مشهد الطائفية السياسية ، ورابعة وخامسة ، وعلى أهمية ما ذكر من أسباب لتفسير الغضب العراقي ، فإن حصر الأسباب في سبب واحد سيكون تبسيطا للأمور ومن السذاجة بمكان ، فالعراق هو الوحيد بين دول العالم الذي يتراجع ويسير إلى الوراء بسرعة قياسية ، على خلاف ما كان هو عليه وعلى خلاف ما هو قائم في جميع دول العالم بما في ذلك الصومال ، لا بد أن يستنهض في نفوس أبنائه الكثير من عناصر القوة والإصرار على مواجهة جادة مع الفساد السياسي والمالي والإداري الذي ينخر ليس بموجودات المجتمع من أموال وممتلكات وثروات وبناء منظومة الدولة ، بل بقيم المجتمع التي تربى عليها طويلا ، بحيث أصبحت الجرائم المخلة بالشرف مثل السرقة والرشوة والسطو على المال العام ، مما يفتخر به الكثير ممن يمسكون بالمواقع السياسية والإدارية في البلد جراء وضع خدماتهم تحت تصرف الاحتلال وخدمة المشروع الكوني الأمريكي .


تظاهرات البصرة تعبير شعبي عفوي عن غاطس المعاناة المريرة التي يعيش العراقيون تحت ثقلها وعلى كل الأصعدة والمحاور ، وهي وإن أخذت طابعا مطلبيا لتوفير خدمة الكهرباء ، فإنها وبخلفياتها تجسيد لنفاد الصبر واليأس والإحباط التي عاشها العراقيون منذ 2003 حتى اليوم فقد سقطت كل الشعارات السياسية التي جاء بها الاحتلال ومن جسّر له أو جاء معه فشعار الديمقراطية وحقوق الإنسان كانا اللافتة التي تعرض فيها مئات الآلاف من العراقيين لأسوأ الانتهاكات في سجون تابعة للاحتلال أو للحكومات المتعاقبة ودون استثناء ومورس القتل الأعمى على الهوية ودون هوية وغيب العلماء والطيارون وأساتذة الجامعة والصحفيون ، فامتصت حالة التردي هذه كل مدخرات العراقيين وأرصدتهم من الصبر والتحمل ، وفقدوا أي مقدار من الثقة بإمكانية التصحيح بعد أن وصلت العملية السياسية المبنية على أساس المحاصصة إلى نهاية طريقها المسدود ، فلا هي قادرة على العودة من البداية ولا هي قادرة على القفز فوق جبل هائل من التراكمات التي أقامتها ولا هي راغبة في التخلي عن امتيازات السلطة ووجاهتها ، وإزاء ذلك كله لم يكن هناك مناص من الكي المبكر حتى وإن كانت وصفته تقول بجعله آخر الدواء .

 

 





الثلاثاء٢٤ رجــــب ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٦ / تموز / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة