شبكة ذي قار
عـاجـل










قبل يوم من رحيله المفاجئ كنت وإياه في حديث عن أيام المحنة التي تختبر فيها إرادات الرجال ، ومضى بنا الوقت سريعا ونحن نستذكر رفاق مسيرة الألم التي قضمت من عمرنا أحلاه تحت سياط الجلادين في معسكرات الأسر الإيرانية الرهيبة التي عانى فيها رجال العراق المخلصين للوطن والمبادئ ، من جلادين لم محترفين لم يعرفوا للقيم الإنسانية معنى وتلوثت أيديهم بعذابات أسرى لمجرد أنهم لم يتنكروا لوطنهم ، ولم يغيروا جلودهم ولم يحنوا جباههم على الرغم من سقوط السلاح من أيديهم فقاتلوا العدو بمبادئهم في قلب عاصمته .


تأسرت والرفيق الصديق والأخ الوفي مضر النوري في عمليات واحدة في آذار 1982 كان حينها آمرا لقاطع المقاتلين العرب للجيش الشعبي ، وكنت من متطوعي ألوية المهمات الخاصة ، تعرضنا معا للجلد والتعذيب الرهيب وتم وضعنا في زنزانات معا مع عشرات من أبناء العراق المخلصين الذين قارعوا جلادين من الاستخبارات الإيرانية ومن جلادي (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية ) الذين أغواهم شيطان الولي الفقيه فسقطوا في أول امتحان للرجولة.


ثم افترقنا كانت أخبارنا تصل إليه وكانت أخباره تصل إلينا وهكذا هم المضحون ، وعندما عانقت عيوننا تراب الوطن كان كما هو ذلك الرفيق العزيز الذي لم تخطأه العين والأذن ، حينما عدت من الأسر بعد عشرين عاما سألت عنه لم أره حتى التقينا عبر الماسنجر وكان آخر لقاء معه قبل أقل من ثمان وأربعين ساعة من توقف قلبه عن الألم ورحيله المفاجئ ، تحدثنا عن الحنين لوطن الذي سطا عليه لصوص دوليون احترفوا تزييف الهوية والعملة والوطن ، وتذكرنا حنينه لصديقنا ورفيقنا في تجربة الأسر المرة ، الأخ العزيز عمر الشبلي الذي حملّني له تحياته الحارة وحنينه لتلك الأيام المجيدة عندما كان العراق عراقا وعندما كان للعراق حدودا وسيادة وجيشا وقائدا ، نعم رحل دون أن يدري أنه على وشك الرحيل ولم يقل لي وداعا وهكذا يرحل الغرباء ، ولأنه رجل خفق قلبه بحب العراق والعروبة والبعث ، فقد تعب قلبه قبل الأوان ورحل مبكرا تاركا الراية لأولاد سيحملونها من بعده ، كم تمنيت لو أن لي قدرة على الانتقال إلى حيث أقيم مجلس الفاتحة لأقرأها على روحه مع أولاده ، ولكن العراقي ممنوع من التنقل بين الحدود التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو أو المندوب السامي البريطاني في الخليج العربي ، تحية حب وتقدير واعتزاز لك وأنت في عالم كنا نعتقد أننا سنمضي إليه منذ أيام الأسر الأولى ، تحية لك وقد كنت تمني النفس أن تدفن حيث مرابع الصبا وحيث الأرض غير الأرض ، تحية وأنت في عليائك تنظر إلى من ورائك كيف يعملون ، ولكنك ستهنأ لأنهم لن يحيدوا عن طريق ذات الشوكة الذي سار عليه من سبقهم من رجال عظام فهم تلك البذرة من تلك الشجرة المنتصبة بشموخ ولن تنحني أمام الريح الصفراء أو الحمراء أو السوداء ، وإلى جنان الخلد أبا خلدون .





الجمعة٢٠ رجــــب ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٢ / تموز / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة