أثناء بداية الإحتجاجات الشعبية الواسعة في العراق، والتي مازالت تشهدها محافظة
البصرة منذ يوليو الماضي ردا على تدهور الخدمات وتفشي الفساد، شكلت مليشيا “الحشد
الشعبي” في العراق ما بات يعرف بـ”قوات التعبئة الاحتياطية الطوعية” وهي عبارة عن
ميليشيا مسلحة تتولى عملية قمع وتفريق المظاهرات.
وأثار هذا الأمر حالة من القلق والخوف في الشارع العراقي بعد أن تحولت هذه
القوات إلى أدوات قمع للبصريين عموما وللشباب المتظاهرين خصوصا، وخاصة بعد سقوط
ضحايا مؤخرا إلى جانب الإعلان عن عدد كبير من الإعتقالات في صفوف المتظاهرين بتهمة
الإشتباه بمشاركتهم في إحراق القنصلية الإيرانية.
ويرى مراقبون أن تأسيس “قوات التعبئة الاحتياطية” يعتبر نسخة طبق الأصل من جهاز
قوات المتطوعين الإيراني والمعروف بـ”الباسيج”، والذي تأسس في عام الثورة بتوصية
مباشرة من “الخميني” لقمع وملاحقة المعارضين له، وذلك في نوفمبر 1979.
وعلى الرغم من تأكيد مليشيا “الحشد الشعبي” على الطابع الخدمي والتطوعي لـ”قوات
التعبئة” الخاصة بها وإدعائها بأن هذا التشكيل “جاء على خلفية الأحداث الأخيرة في
البصرة وما جرى من استغلال لمطالب المتظاهرين، من قبل المخربين المدعومين من جهات
خارجية لزعزعة استقرار البصرة” كما جاء في بيان الإعلان عن التشكيل، والذي أضاف بأن
واجب تلك القوات هو “حفظ الأمن وحماية الممتلكات العامة وتقديم العون والخدمات
لأهالي مناطقهم في الأحداث”، إلاّ أن متابعين يتحدثون عن انتهاكات كثيرة وبالجملة،
ترتكبها هذه القوات، وصلت حد التصفية الجسدية والإعتقال والتغييب في سجون سرية.
ولا يفرق المراقبون بين هذه القوات وبين جهاز “الباسيج” الإيراني الذي عرّف
بنفسه عند تأسيسه بأنه “قوات تعبئة الفقراء والمستضعفين”، في حين أنه آلة لتصدير
الثورة الخمينية وحماية لنظام الولي الفقيه.
والمعروف أن الباسيج الإيراني توكل إليه مهمة البطش والتنكيل بالمتظاهرين في
المدن الإيرانية، وكان له الدور الأبرز في قمع الثورة الخضراء 2009، واستخدمت
عناصره أشد الوسائل وحشية في التنكيل بالمحتجين حتى بالاعتداء على النساء.
ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى “قوات التعبئة الاحتياطية الطوعية” التي أنشأها
الحشد العراقي، فهم، وحسب مصادر مطلعة، سوف يحصلون على رواتب وهويات أمنية وأسلحة
يحق لهم استخدامها دون الرجوع لأي وزارة، وسوف يتم إستمرار نشرهم بين صفوف المحتجين
ورصد التحركات، ومن ثم العمل على قمعها والتنكيل بها.
ويعتقد ناشطون من البصريين أنها ستكون نسخة عراقية لـ”الباسيج” وطالب هؤلاء رئيس
الوزراء المنتهية ولايته “حيدر العبادي” بإعتباره المسؤول الأول عن “مليشيا الحشد
الشعبي”، بـ”إصدار بيان واضح عن طبيعة هذه القوة التطوعية ونوعية المهام التي ستقوم
بها، مطالبينه بالرد على السؤال: لماذا تشكلت في هذا الوقت بالذات”.
ويرى محللون عراقيون في هذه القوات، محاولة لتوسيع رقعة “الحشد” وتحويله إلى
تنظيمات داخل المناطق، ومحاولة لعسكرة المجتمع، وأداة هيمنة وتجسس على المواطنين.
وحذر ناشطون عراقيون من أن ميليشيا الحشد الشعبي المدعوم إيرانيا تقود العراق
نحو صراع أهلي قائم على انقسامات سياسية واجتماعية ومظالم مزمنة.
وتدين تشكيلات”المليشيا” التي أدرجها رئيس الوزراء المنتهية ولايته “حيدر
العبادي” في أجهزة الأمن الرسمية، بالولاء المطلق لإيران، ويعتبر الضابط الإيراني
“قاسم سليماني” القائد الأعلى لهذه الميليشيات.
وسبق أن أظهرت العديد من التقارير قوات الباسيج الإيرانية وهي تقاتل ضمن قوات
الحشد الشعبي في مدينة سامراء العراقية، غير أن أهم دور يقوم به الباسيج هو قمع أي
حركة وأي احتجاج ضد النظام، فمنذ تأسيسه عام 1979 بأمر من الخميني، قامت تلك القوات
بعمليات قمع فظيعة ضد المتظاهرين، كما شاركت في مناورات وعمليات عسكرية.
|